ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب المجلد 4

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم : دارالصدیقه الشهیده ، 14ق. - = 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره، چاپ چهارم 964-8438-20-X : ؛ 20000 ریال : ج. 1، چاپ چهارم 964-8438-19-6 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی برکتاب "المکاسب" تالیف انصاری است.

يادداشت : ج. 1 (چاپ چهارم: 1425 ق.= 1383).

يادداشت : ج. 2 و 3 (چاپ چهارم: 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1 ی/الف8م702128 1300

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی :

[الخيارات]

[مقدمتان]

[الأولى الخيار لغة اسم مصدر]

الخيار لغة اسم مصدر (1).

______________________________

(1) ذكره (قده) ان الخيار اسم مصدر من الاختيار و لعل مراده انه فيما لوحظ قيام السلطنة على فعل بفاعله فيطلق عليه الاختيار و ان لو حظ تلك السلطنة بنفسها مع قطع النظر عن جهة قيامها بفاعله فيقال له الخيار ثم ذكر انه يطلق في كلمات جماعة على ملك فسخ العقد على ما في الإيضاح و هذا من التعريف بالأعم فإنه يدخل فيه السلطنة على الفسخ في العقود الجائزة و جواز إبطال المالك عقد الفضولي الجاري على ماله و ملك الوارث فسخ العقد الذي أجرى المورّث على الزائد على الثلث بناء على عدم نفوذ تصرفاته المنجزة فيما زاد على الثلث كما يدخل فيه ملك العمّة و الخالة فسخ النكاح الجاري على بنت الأخ أو الأخت مع انه لا يطلق على شي ء من ذلك الخيار اصطلاحا لان الخيار حق يترتب على العقد التام و ملك

الفسخ في تلك الموارد ليس بحق أو ان العقد فيها غير تام.

و ايضا يدخل في التعريف ملك الأمة بعد عتقها فسخ نكاحها السابق من عبد و كذلك ملك الزوجين في فسخ النكاح من العيوب و لكن مع ذلك يمكن ان يقال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 8

..........

______________________________

انّ التّعبير عن الخيار بملك فسخ العقد لا بالقدرة على الفسخ ظاهر في كون جواز الفسخ في الخيار من قبيل الحق و لذا يورث و يسقط بالإسقاط فلا يعمّ ما إذا كان الجواز من قبيل الحكم كما في جواز الفسخ في العقود الجائزة بالذات و الإجازة و الرد في عقد الفضولي فإن هذا الجواز حكمي و لذا لا يقبل الإسقاط أو الإرث.

ثم تعرّض (ره) لما ذكر صاحب الجواهر (ره) من ان الخيار ملك إقرار العقد و إزالته و أورد عليه بأنه ان أريد من إقرار العقد ترك فسخه يكون ذكر الإقرار زائدا لأنّ السلطنة على فسخ العقد و التمكن عليه كالتمكن على سائر الأمور لا يتعلق بأحد الطرفين و الّا كان اضطرارا و ان أريد من إقراره جعله لازما بحيث لا ينفسخ فمعناه ان الخيار ملك إسقاط الخيار و فسخ العقد و من الظاهر ان إسقاط الخيار لا يدخل في معنى الخيار و لا يؤخذ في تعريفه لانه من أحكام الخيار و آثاره، هذا أوّلا.

و ثانيا إقرار العقد ظاهره ما يقابل فسخ العقد بجعله لازما مطلقا و عليه فينتقض بالخيار المشترك كخيار المجلس فإن إسقاط الخيار من أحدهما يكون إلزاما للعقد من طرفه لا مطلقا.

أقول: لو صحّ انتقاض التعريف بالخيار المشترك على ما ذكر لصحّ انتقاضه بالخيار المتعدد في العقد الواحد حيث ان إسقاط أحد

الخيارين لا يكون إلزاما لذلك العقد مطلقا بل لا يكون إلزاما له من ناحيته أيضا فإن مشتري الحيوان لو أسقط خيار مجلسه مع ثبوت خيار الحيوان له إلى ثلاثة أيام فلا يكون في إسقاط المزبور إلزام للعقد من ناحيته ايضا نعم يكون إلزام من ناحية ذلك الخيار الساقط.

و ذكر السيد اليزدي (ره) ان الاختيار بمعناه اللغوي يتعلق بالفعل لا بالعين و كذلك معناه الاسم المصدري و إذا قيل له اختيار الفعل الفلاني فيراد منه اختيار التصرف، و لعل حذف المتعلق و اسناد الاختيار الى العين باعتبار كون التصرفات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 9

..........

______________________________

أو معظمها في اختياره نظير اسناد التحريم الى العين و حيث ان الفسخ أحد الأفعال فيكون تغليب على خيار الفسخ من قبيل تغليب المطلق الى بعض أفراده.

و ناقش بعض الأجلّة (دامت أيّامه) بأن إطلاق الخيار على خيار الفسخ لا يكون من باب تغليب المطلق في بعض افراده و ذلك فان الاختيار و ان يتعلّق بالفعل لا بالعين الّا انه أمر تكويني يكون من صفات النفس أو من أفعالها حيث ان الفعل الاختياري له مباد من التصور و التصديق بالفائدة ثم الترجيح ثم الاصطفاء أي الانتخاب ثم الاشتياق في بعض الموارد ثم الإرادة و هي تصميم العزم و لعل الاشتياق مقدم على الاصطفاء و كل من هذه المبادي غير الآخر فما قيل من ان الإرادة هو الشوق المؤكد أو ان نسبة الإرادة إلى القدرة نسبة التمام و الفعلية إلى النقص أو القوة أو ان الاصطفاء هو الفعل خارجا لا يمكن المساعدة عليه فإنّه قد يتحقق القدرة التامة و لا توجد الإرادة و قد لا توجد القدرة مع تحقق الإرادة

كما لو تخيّل انه متمكن على الفعل الفلاني فأراد.

و الحاصل: ان الاصطفاء المعبّر عنه بالاختيار صفة للنفس أو من أفعالها فما يقال من ان الفعل الفلاني مراد و مقدور و مختار كل ذلك لا يدلّ على وحدتها، بل يكون من قبيل انطباق المفاهيم المتعددة على الموجود الخارجي.

و بتعبير آخر ان الاصطفاء يعني الاختيار غير الإرادة و مقدمة عليها و على الإيجاد و لا دلالة في مثل قوله سبحانه وَ اخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا على ان الاختيار عين التعيين الخارجي فإنه يصحّ ان يقال انه اختار التعيين و اصطفاه فيكون الاختيار غير التعيين ثم انه لا يكون الاصطفاء و الاختيار اعتباريا أصلا بخلاف الخيار المراد في المعاملات فإنه سواء كان إمضائيّا كخيار الشرط أو تأسيسيّا كخياري المجلس و الحيوان أمر اعتباريّ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 10

..........

______________________________

لا يقال كيف لا يكون الاختيار اعتباريا فإنه إذا جعل شخص حاكما لبلد فيجعل له اختيار أيّ شي ء في ذلك البلد فإنه يقال لا يكون الاختيار اعتباريا بل الاعتباري هو حق الاختيار و الاصطفاء و بعد ثبوت هذا الحق يكون الاختيار حقيقيا و على ذلك فاختيار الفسخ في موارد ثبوت الخيار حقيقي فاختياره متفرع على ثبوت الخيار فلا يكون الخيار في المعاملات من قبيل تغليب المطلق الى بعض افراده كما عن السيد اليزدي (ره) بل الخيار فيها أمر مباين للمعنى اللغوي للاختيار فان الاختيار نفس الاصطفاء و الخيار حق الاختيار و على ذلك فليس الخيار اختيار فسخ العقد و ملكه بل هو حق اختيار فسخ العقد فلا يرد على ما ذكرنا ما يورد على تفسير الفخر حيث ان لازم التفسير المزبور ان لا يثبت الخيار في

المعاملات على القصر فإنه لا يتصور منهم اختيار فسخ العقد أو لا ينفد منهم ذلك الاختيار بخلاف ما إذا قلنا بان الخيار حق الاختيار فان الحق المزبور يثبت للقصر ايضا و يستوفيه أوليائهم لقصورهم.

أقول: يقع الكلام في جهتين الأولى في الاختيار الثابت للفاعل المختار و الثانية في ان الخيار في المعاملات مباين للاختيار فيها أو ان اختلافهما فيها بالمعنى المصدري و الاسم المصدري فنقول في الجهة الأولى ان الاختيار يطلق على إيجاد الفاعل و تعيين أحد طرفي الشي ء خارجا بالتمكن عليه نظير ما يقال انه اختار الكفر أي كفر أو العلم أي علم أو قتل فلان أي قتل الى غير ذلك و من هذا القبيل قوله سبحانه (وَ اخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا) أي عيّنهم و يطلق على نفس التمكن على الشي ء و القدرة عليه فيقال له اختيار شرب الخمر أو الأكل أو القتل و نحو ذلك و من هذا القبيل إطلاق المختار على المتمكن في مقابل إطلاق العاجز على غير المتمكن و الفاعل بالاضطرار في مثل قوله النار أحرقه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 11

..........

______________________________

ثم انه يكفي في تحقّق الاختياري مقابل الاضطراري مجرد التمكن عليه بمعنى عدم الحاجة الى إرادة ذلك الفعل و القصد إلى إيجاده فلا حظ هدم بيت من غير التفات من الهادم ان في البيت انسان يموت بهدمه فإنه لو هدمه يستند قتل الإنسان المزبور الى الهادم فيقال انه قتله باختياره باعتبار انه كان متمكنا على عدم قتله و لو بعدم هدم البيت نعم بما انّ القتل تحقق في الخارج بلا قصده و إرادته يكون القتل خطائيا.

و الشاهد لكون القتل المزبور اختياريا تمكن الفاعل على تركه و انه

يصحّ للشارع العقاب على ذلك القتل فيما إذا أوجب التحفظ عليه من الخطأ كما إذا قال و ان قتلت إنسانا أعاقبك على ذلك القتل فمع وصول هذا الخطاب اليه لو نسي انّ في البيت المزبور إنسانا فهدمه و قتل الإنسان فيصحّ ان يعاقبه على ذلك القتل لكونه متمكنا على التحفّظ بترك الهدم و على التحفظ بذكره بان في البيت إنسانا و هذا هو المراد في حكايته سبحانه عن نبيّه (ص) ليلة المعراج (رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا)، و لكن لا يمكن للشارع ان يعاقب البالغ العاقل على تحيّزه المكان فيقول له انّي أعاقبك على كونك في مكان و السرّ في ذلك الإنسان بالإضافة إلى الكون في المكان فاعل بالاضطرار، فلا يصحّ العقاب على فعل لا يستند الى اختيار الفاعل و تمكّنه.

فالمتحصّل ان المصحّح للفعل الاختياري تمكن الفاعل عليه و الإيجاد بالتمكن لا يتوقف على الإرادة و القصد فلا يكون لحاظ الفعل و التصديق بصلاحه و ميل النفس و الإرادة علة للفعل أو من مبادئ العلة أصلا نعم الفعل العمدي يتوقف بعد التمكن على الإرادة و يعبّر عنها بالقصد و العزم و الجزم و الاختلاف في التعبير نظير اختلاف التعبير عن زيد بالإنسان و البشر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 12

..........

______________________________

و الحاصل ان الفعل الاختياري العمدي يتوقف على القصد و الإرادة الموقوفة على لحاظ ذلك الفعل و امّا التصديق بصلاحه و ميل النفس و شوقها اليه فقد لا يكون من مبادئ الإرادة و القصد كما إذا كان الفعل من الفاعل حياء أو تقيّة أو نحو ذلك، نعم الفاعل المختار الحكيم لا يفعل بلا إحراز صلاح ذلك و هذا أمر آخر و

التأمل في الأفعال الصادرة عنّا و المراجعة إلى الوجدان عند الفعل و تمييز موارد إمكان ترتب العقاب عن غير مواردها شاهد قطعي لما ذكرنا فتدبّر.

ثم ان الفسخ عبارة عن حلّ العقد و إلغائه و هذا الحل و الإلغاء أمر إنشائي اعتباري بلا ريب و لم يختلف فيه اثنان و إذا فرض الفسخ بعد البيع فإنشاؤه لا يختلف بين أن يكون له خيار الفسخ أو لم يكن. و الحاصل التمكن الواقعي على إنشاء فسخ المعاملة و إلغائه حاصل كان له خيار أم لا غاية الأمر الحل و الإبطال المنشأ قد يكون مع التزام صاحبه به عند المعاملة و قد يكون لا مع التزامه و كذلك الشارع قد يمضي الحل و الإلغاء منه و قد لا يمضيه و عليه فان كان حلّه و إلغائه ممضى عند الشارع يكون تمكنه على الفسخ شرعيّا ايضا و ان لم يقبل الشرع ذلك الحل و الإلغاء لم يتمكن على الفسخ الشرعي أي لا يكون إلغائه العقد مورد إمضاء الشارع فالمراد بالخيار في المقام هو التمكن على الفسخ الذي يقبله الشرع و يمضيه و كون الفسخ مورد قبول الشرع و إمضائه بأحد أمرين:

الأول: أن يلتزم في المعاملة طرفه بالفسخ إذا صدر عنه و يكون هذا الالتزام من الطرف مورد إمضاء الشرع كما هو مفاد قوله (ص): (المؤمنون عند شروطهم)، أو قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على ما يأتي.

الثاني: ان يعتبر الشارع فسخه بان يمضيه ابتداء أي من غير التزام من طرفه في المعاملة فيكون الخيار الثابت في حقه تأسيسا، و الحاصل ان التمكن و الاختيار من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 13

..........

______________________________

كل من المتعاملين على فعل نفسه و هو

إلغاء العقد حقيقي و إذا لم يكن الإلغاء مورد الإمضاء الشرعي بأحد نحوين لا يكون الاختيار و الخيار فيه شرعيين و إذا وقع مورد الإمضاء كما هو المراد بالخيار في المقام يكون التمكن المزبور على الفسخ شرعيا فالخيار الشرعي هو التمكن على فسخ يكون ممضى للشارع و لو عبّر عن هذا التمكن بجواز الفسخ فليس المراد الجواز التكليفي فإنه لا يحتمل حرمة إنشاء الفسخ بل المراد جوازه الوضعي نظير ما يقال في حلية البيع المستفاد من قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) بمعنى انه إذا وقع بيع يكون ذلك مورد إمضاء الشرع، فالجواز الوضعي الثابت لفسخ أحد المتعاملين أو كلاهما يكون مطلقا تارة أي غير مقيد بعدم الالتزام في المعاملة أو بعدها بترك الفسخ و إبقاء العقد بحاله فيكون جواز الفسخ حكميا و لا يطلق على التمكن عليه الخيار في الاصطلاح و يكون مقيدا أخرى بعدم حصول ذلك الالتزام فيكون الجواز حقيّا، و يطلق على التمكن عليه في الاصطلاح الخيار، و بتعبير آخر كما يقال له بيع ماله و يجوز له بيع ماله فيراد الجواز الوضعي كذلك يقال له فسخ عقده أو التزامه بترك الفسخ و إبقاء عقده و الفرق في المقام بين الحق و الحكم ان كلا منهما حكم شرعي و انّما الاختلاف بينهما بالاشتراط و الإطلاق حيث لا يقبل الحكم الاسقاط و يقبله الحق، و لعل جواز الفسخ وضعا بجواز حقّي يناسب التعبير في مورده بملك الفسخ و جوازه لعدم التمكن على إسقاط هذا الجواز الوضعي يناسب التعبير بالحكم (و لذا ذكر المصنف (ره) لعل التعبير بملك الفسخ يوجب خروج موارد ثبوت جواز الفسخ حكما حيث ان الملك في المال يطلق في موارد تمكن

الشخص على قطع سلطنته عن ذلك المال و قطع أحد المتعاقدين تمكنه على الفسخ ينحصر بموارد كون جواز الفسخ حقّيا و لكن الأمر كما ذكر السيد اليزدي (ره) من ان ملك الشي ء مطلق السلطنة و التمكن عليه سواء كان جواز ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 14

..........

______________________________

الشي ء حقيّا أو حكميا و دخل التمكن على ازالة التمكن عن نفسه في صدقه غير محرز كما يظهر بأدنى تتبّع في إطلاق الملك على السلطنة و التمكن في موارد لا يمكن فيها دفع هذا التمكن فقد تحصل من جميع ما ذكرنا اختيار الفسخ و خياره لا يكون امرا اعتباريا و انما الاعتبار وصف المتعلق أي الفسخ حيث يعتبر جائزا أي ممضى تارة و لا يعتبر أخرى و مع عدم الاعتبار لا يطلق على تمكن إنشاء الفسخ اختيارا و لا خيارا في الاصطلاح.

ثم انه لم يظهر وجه صحيح في ان الخيار على تقدير كونه حق اختيار الفسخ ان يثبت في حق القاصرين ايضا و لا يثبت لهم على تقدير كونه بمعنى حق فسخ العقد فإنه إذا لم يمكن تحقق الفسخ من القاصر فكيف يتحقق منه اختياره و على تقدير ثبوته لهم بمعنى استيفاء وليّهم فيمكن الاستيفاء على تقدير كونه بمعنى حق الفسخ أيضا.

بقي الكلام فيما ذكره القدماء في تعريف الخيار من ملك فسخ العقد و إقراره و ما أورد عليه المصنف (ره) من انه ان أريد من إقراره ترك فسخه فالقيد مستدرك و ان أريد به جعل العقد غير قابل الفسخ فمرجعه إلى إسقاط الخيار فلا يصح أخذ إسقاط الخيار في تعريف الخيار لأن إسقاطه من حكم الخيار، فنقول قد تقدم ان الخيار الثابت في المعاملات

هو التمكن على فسخ يكون جوازه الوضعي حقيّا و معنى كون جوازه حقيّا التمكن على إسقاط هذا الجواز و إسقاطه كما تقدم يكون بالالتزام الإنشائي على ترك الفسخ عند المعاملة أو بعدها فان كان هذا الالتزام عند المعاملة فلا يتحقق معه التمكن على الفسخ المحكوم بالجواز و إذا كان الالتزام المزبور بعد المعاملة يرتفع الخيار من حين الالتزام فيكون المراد بإقرار العقد الالتزام الإنشائي بترك الفسخ عند المعاملة أو بعدها فالتمكن على هذا الالتزام مقوّم لعنوان الخيار على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 15

..........

______________________________

ما تقدم من أنّه يطلق في الاصطلاح على موارد كون جواز الفسخ فيها حقيّا، و عليه فلا يرد على هذا التعريف النقض بموارد ملك الفسخ بحيث يكون جوازه حكميّا بخلاف تعريف الفخر الذي رضي به المصنف (ره).

و ذكر النائيني (ره) في توجيه اضافة إقرار العقد على فسخه في تعريف الخيار وجها آخر و ان الخيار بمعنى الملك و السلطنة يكون طرفا متعلّقه وجوديين بخلاف تعريف الفخر (قده) فان عليه يكون أحد طرفي متعلّقه وجوديّا و الآخر عدميّا و مهّد على بيان ذلك الوجه مقدّمة و هي ان العقود بحسب مقام الثبوت أي بحسب حكمها الواقعي من حيث لزومها و جوازها على ثلاثة أقسام:

منها ما يقتضي اللزوم بنفسه أي لا يكون لزومه باعتبار التزام خارجي منضم الى مدلوله المطابقي بل العقد بمدلوله المطابقي يقتضي لزومه بمعنى ان الشارع قد حكم عليه باللزوم مع قطع النظر عن التزام المتعاقدين بالوفاء به و إبقائه و قد ظهر من الأدلة ان النكاح و عقد الضمان كذلك، و لا ينافي ذلك ثبوت الخيار في النكاح لبعض العيوب أو ثبوت الخيار للضامن فيما إذا

ظهر له فيما بعد إعسار الضامن لان مثل هذا الخيار باعتبار قيام الدليل عليه يكون تخصيصا بالإضافة إلى خطاب لزومهما.

و منها ما يقتضي جوازه أي يكون بمدلوله المطابقي موضوعا للجواز بمعنى ان الشارح قد حكم عليه بالجواز بمدلوله المطابقي و قد علم من الأدلة ان الهبة كذلك و لا ينافي أيضا حكم الشارع باللزوم في بعض مواردها لان ذلك لقيام الدليل لا للالتزام من المتعاقدين فيكون اللزوم في القسم الأول و الجواز في هذا القسم حكميا و الالتزام من المتعاقدين بإبقاء المدلول و عدم إلغائه يكون في الأول مؤكّدا و في الثاني مخالفا لمقتضى العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 16

..........

______________________________

و منها ما لا يقتضي بمدلوله المطابقي اللزوم و لا الجواز بل يكون لزومه بالالتزام الخارجي من المتعاقدين بإبقاء ذلك المدلول و عدم إلغائه كما في عقد البيع حيث ان مدلوله المطابقي هي المعاوضة بين المالين و يكون التزام من المتبايعين على إبقاء تلك المعاوضة و عدم إلغائها بقرينة العادة و بناء العرف على ان من أوجد المعاوضة فيلتزم بها و إلّا لم يقدم أحد بالمعاوضة خصوصا في الأشياء الخطيرة، و يعم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) للبيع بلحاظ المدلول الالتزامي الثابت له بقرينة العادة و بناء العرف فيكون لزومه حقيّا مالكيّا لا حكميّا فيدخل في هذا القسم الخيار بالاشتراط كما يدخل عليه الإقالة حيث ان اشتراط الخيار فيه لا يكون مخالفا لمقتضى العقد فيعمه قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و دخول الإقالة باعتبار ان لكل من المتعاملين ردّ التزام طرفه اليه و المفروض ان حكم الشارع باللزوم تابع لالتزامهما و ان البيع في نفسه لا اقتضاء فيه بالإضافة إلى اللزوم و الجواز.

و

بذلك يظهر ما ذكروه من ان الخيار يدخل في كل معاملة تدخل فيها الإقالة و يترتب على ما ذكر من ان الخيار هي السلطنة على إلغاء المعاملة و إبرامها حيث ان باشتراط الخيار يملك أحد المتعاملين التزامه بالمعاملة و التزام طرفه بها و مع عدمه يملك التزام طرفه فقط و بالإقالة يرد عليه ما خرج عن ملكه و يخرج عنه ما دخل في ملكه بالالتزام بالمعاملة.

أقول: ان كان الالتزام من المتبايعين بإبقاء البيع و عدم إلغائه دخيلا في صدق عنوان العقد يكون الأمر كذلك في غيره ايضا كالنّكاح و الضمان و عليه فكما يكون اللزوم في البيع باعتبار ذلك الالتزام يكون الأمر في النكاح و الضمان ايضا لذلك لان الموضوع لوجوب الوفاء فيها وضعا و هو العقد كما هو مفاد قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا وجه لأخذ الالتزام في موضوع لزوم البيع و لا يؤخذ في موضوع لزوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

النكاح و نحوه و مجرد عدم مشروعيّة شرط الخيار في النكاح لا يكون دليلا على ذلك لإمكان ان يقال ان شرط الخيار في النكاح ايضا على القاعدة و الالتزام بعدم المشروعية لقيام دليل أوجب التخصيص في قوله (ص) (المؤمنون عند شروطهم)، و بتعبير آخر يكون عدم الالتزام بالوفاء بالنكاح كما هو مقتضى اشتراط الخيار عند الشارع ملغى فيعامل معه معاملة الالتزام بالوفاء و يؤيد أخذ الالتزام في موضوع لزوم النكاح ما ذكره جماعة انه يصحّ اشتراط وصف في الزوج أو الزوجة في النكاح و مع ظهور فقده يثبت الخيار للمشروط له.

و إن قلنا بعدم دخالة الالتزام بالوفاء في عنوان العقد و ان المعاملات بأنفسها عقود فلا وجه للقول

بأخذ الالتزام بالوفاء في البيع في موضوع لزومه بل الموضوع له نفس عنوان البيع و الإجارة و نحوهما و مشروعية اشتراط الخيار و دخول الإقالة فيها لا يكشف عن ذلك فانّ الدليل على مشروعيّة شرط الخيار فيه يكون تخصيصا في دليل لزومه كما التزم بذلك التخصيص في قيام الدليل على ثبوت الخيار ببعض العيوب في النكاح و كذا في الإقالة التي في حقيقتها الاجتماع على الفسخ فان جواز الإقالة على خلاف القاعدة حتى على القول بأنّ الالتزام بالوفاء بالبيع مأخوذ في لزومه فإن المأخوذ في لزومه على تقديره هو الالتزام من المتبايعين عند البيع و بتعبير آخر الالتزام منهما بحدوثه مأخوذ للزوم البيع و بالإقالة بالمعنى الذي ذكره لا ينتفي ذلك الالتزام منهما كما لا يخفى.

ثم ان ما ذكر (ره) في الاستشهاد على أخذ الالتزام بالوفاء بالبيع في موضوع لزومه بالمعاطاة حيث ذكر ان المعاطاة باعتبار عدم الالتزام فيها بالوفاء لعدم العادة و بناء العرف فيها بالوفاء بيع و لا يكون لازما فيحكم بجوازها لا يخفى ما فيه فإنه إذا كانت المعاطاة بيعا لا عقدا، و لذا حكم بجوازها فأين ما ذكره أوّلا من انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 18

[الأصل في البيع اللزوم]

ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه (1).

______________________________

البيع بنفسه لا يكون مقتضيا للّزوم و لا الجواز و دعوى كون الجواز على خلاف القاعدة و لقيام السيرة عليها لا يمكن المساعدة عليها فإنه يمكن دعوى كون البيع بنفسه موضوعا للّزوم و خروج المعاطاة و الحكم بجوازها يكون بالسيرة المشار إليها مع انا قد ذكرنا في محلّه ان المعاطاة كسائر البيع محكومة باللزوم من الأول لا يختلفان في الحكم أصلا. و على

الجملة فالخيار هو التمكّن على فسخ النافذ بنحو الحق.

(1) ذكر جماعة تبعا للعلامة في كتبه ان الأصل في البيع اللزوم و علل في التذكرة أصالة اللزوم بأنه مقتضى استصحاب بقاء ملك الثمن للبائع و المثمن للمشتري بعد إنشاء أحدهما الفسخ و بأنّ وضع البيع لنقل العوضين و الشارع قرّره على ذلك، و الغرض من الملك الحاصل بالبيع تمكّن كل واحد منهما على التصرف فيما يملكه و لو كان البيع محكوما بالجواز لا يتمكن على ذلك لعدم الأمن بالفسخ الموجب لنقض الغرض و ذكر جماعة انه يحتمل ان يراد من الأصل أمور:

منها الراجح كما يقال الأصل في الأشياء الصحة و عدم العيب و لا يخفى ان الرجحان يحصل بالغلبة و ان أريد أنَّ أكثر أفراد البيع لازم لا يقبل الفسخ فمن الظاهر انّ هذا غير صحيح لأنّ أكثر أفراده غير لازم بخيار المجلس و الحيوان و نحوهما و ان أريد ان كل فرد من أفراد البيع في غالب الأزمان لازم بحيث لا ينافي كون غالب أفراده في زمان قليل جائزا فهذا صحيح، و لكن لا يفيد فيما إذا شك في فرد من افراد البيع انه يقبل الفسخ و لو في زمان قليل، أو انه لا يجوز فيه الفسخ أصلا كما إذا شك في ثبوت خيار المجلس في بيع الدين على من هو عليه. هذا، مع ان ارادة غلبة الأزمان لا يناسب قول العلامة في القواعد بأنه يخرج عن الأصل بثبوت الخيار أو ظهور العيب فان مفاده ان ثبوت الخيار أو ظهور العيب خلاف الأصل و انه إذا لم يعلم ثبوت الخيار و العيب يحكم بلزوم البيع و عدم جواز فسخه أصلا كما

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 19

..........

______________________________

في المثال المزبور. و بتعبير آخر يكون ثبوت الخيار أو ظهور العيب محقق الأصل أي الغلبة لا انهما ينافيانها.

و منها: ان يراد بالأصل القاعدة المستفادة من العمومات أو المطلقات الواردة في العقود و المعاملات الظاهرة في لزومها المعبر عنها بالأصل اللفظي.

و منها: الاستصحاب أي الأخذ بالملك الحاصل للطرفين بالبيع المزبور بعد إنشاء أحدهما الفسخ حيث ان مقتضى الاستصحاب عدم زوال ذلك الملك بذلك الفسخ.

و منها: ان الحكم المجعول للبيوع بناء العرف و الشرع مع قطع النظر عن جعل الخيار هو اللزوم و الخيار حق خارجي يرفع اليد في موارد ثبوته عن الحكم الأول المقتضي لصيرورة المالك أجنبيا عن ماله السابق بالبيع نظير ما يقال الأصل في الأجسام الاستدارة و انما يخرج عن الاستدارة بالقاصر الخارجي، و قد ظهر مما ذكر في المعنى الرابع ان ثبوت خيار المجلس في كل بيع لا يوجب خروجه عن كون الأصل فيه اللزوم لانَّ خيار المجلس كسائر الخيار حق خارجي قد ثبت في كل بيع بالدليل؛ فما ذكره صاحب الوافية من كون الأصل في البيوع بعد ثبوت خيار المجلس الجواز غير تام و ان أراد بالأصل استصحاب الجواز الثابت في كل البيوع بخيار المجلس فيأتي ما فيه من عدم جريان الاستصحاب في بقاء الجواز بعد التفرق.

أقول: الأصل بمعنى مقتضى العموم أو الإطلاق فلا بأس به و سيأتي التعرض له و كذا بمعنى الاستصحاب في وجه؛ و امّا بمعنى الراجح يعني الغلبة فلا يفيد شيئا لأنه لا اعتبار بالغلبة سواء أريد غلبة الأفراد اللازمة أو غالب الأزمان، و امّا الأصل بالمعنى الرابع فلا مورد له في المقام لان البيع أمر اعتباري و حكمه أيضا اعتباري و

البناء العرفي أو الشرعي لا يزيد على الحكم و اعتبار اللزوم فلا يجري فيه ان أصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 20

بقي الكلام في معنى قول العلامة (1).

______________________________

الشي ء بمعنى انّ تأثير العلة لولا القاصر الخارجي أي المزاحم عن كمال تأثيره ما هو كما لا يخفى.

ثم انَّ ما في التذكرة من تعليل الأصل في البيع اللزوم بأمرين الاستصحاب و كون المراد بالبيع حصول الملك و الفرض من الملك التمكن من التصرف في المال و يكون جواز البيع نقضا لهذا الغرض لا يمكن المساعدة عليه فإنه لو تمّ لكان مقتضاه كون الأصل في كل معاملة يحصل بها الملك هو اللزوم و لو كانت تلك المعاملة مثل الهبة و ايضا يمكن أن يقال الغرض من الملك التصرف في المال ما دام ملكا و بالفسخ ينتهي الملك و لا ينتقض التصرف الواقع في المال حال ملكه بل يرجع الفاسخ الى بدله من المثل أو القيمة على ما يأتي في أحكام الخيار.

(1) بقي الكلام فيما ذكر العلامة (قده) في القواعد بعد قوله الأصل في البيع اللزوم من انه يخرج عن الأصل بثبوت الخيار أو ظهور عيب فان مقتضاه كون ظهور العيب موجبا لتزلزل البيع في مقابل تزلزله بالخيار و توجيهه بان ذكر ظهور العيب من قبيل عطف الخاص على العام لا يمكن المساعدة عليه فان ظهور العيب لم يعطف على موجبات الخيار بل على نفس الخيار المباين لظهور العيب.

نعم يؤيد التوجيه المزبور عبارة التذكرة حيث عطف فيها ظهور العيب على موجب الخيار و الغرض منه و قال انّما يخرج عن الأصل بأمرين ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل للتروي الخاصة

أي التفكّر في الصلاح من فسخ البيع و إبقائه. و الثاني ظهور العيب في أحد العوضين و لكن ذكر بعد ذلك في ثبوت الخيار للتروي فصولا سبعة و جعل سابعها خيار العيب و مقتضى عطف ظهور العيب على سائر الموجب أي التروّي أن يتكلم في خيار العيب في الأمر الثاني لا في الأمر الأول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 21

ثم ان الأصل بالمعنى الرابع انما ينفع (1).

______________________________

و وجّه المصنف (ره) عطف ظهور العيب على ثبوت الخيار بوجه آخر و حاصله ان ظهور العيب يوجب في البيع الجاري على المعيب نحوين من التزلزل أحدهما ثبوت الخيار لمن انتقل اليه المعيب و هذا التزلزل داخل في الأمر الأول و لذا جعل الفصل السابع فيه خيار العيب.

الثاني التزلزل في البيع بالإضافة إلى مجموع الثمن بان يسترد المشتري من البائع بعض الثمن و هذا التزلزل يخالف الخيار في السنخ المعبر عنه بحقّ الأرش و لكن قد ضعّف (ره) هذا التوجيه بما حاصله ان الأرش على ما هو المعروف عندهم يجب دفعه الى المشتري بمطالبته و لا يكون جزءا من الثمن؛ و لذا يجوز لمالك المبيع عدم دفعه من الثمن بل من مال آخر و لو كان ظهور العيب موجبا لتزلزل البيع بالإضافة إلى مجموع الثمن بان كان للمشتري التنقيص من ذلك المجموع كان له إلزام البائع بدفعه من الثمن لا من مال آخر.

و وجّه النائيني (ره) عطف ظهور العيب على الخيار بعين ما ذكره المصنف (ره) و لكنّ تخلّص عن الإشكال الوارد على توجيه المصنّف (ره) بتفسير التزلزل بكونه في ناحية المبيع لا في ناحية الثمن و بان للمشتري حق المطالبة من البائع بضم مقدار من

جنس الثمن الى المبيع المعيب ليساوي معه مجموع الثمن.

أقول: حق مطالبة الأرش لا يوجب التزلزل في البيع، و لذا يثبت بعد لزومه، و لا في المبيع، و لذا يجوز دفع الأرش من عين الثمن.

(1) و حاصله: انّ الأصل بالمعنى الرابع يفيد فيما لو شك في ثبوت خيار في بيع فان الخيار حق خارجي يحتاج الى قيام الدليل عليه و مع عدمه يؤخذ بالمقتضي العرفي و الشرعي للبيع و اما لو شك في عقد آخر انه لازم لا ينفسخ أو جائز حكما فلا يمكن الأخذ بالأصل بذلك المعنى لأنه مع الشك المزبور لا يحرز مقتضاه ليؤخذ به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 22

..........

______________________________

أقول: الأصل بذلك المعنى لا ينفع حتى فيما إذا شك في بيع انه يثبت فيه خيار أم لا و ذلك فإنه لو فرض تصريح الشارع في خطاب بان البيع عنده ايضا لازم و لولا الخيار لا ينفسخ و شك بعد ذلك في بيع ان فيه خيارا أم لا فلا يفيد التصريح المزبور ما لم يكن في البين عموم أو إطلاق أو أصل عملي ينفي الخيار و مع وجوده يدخل الأصل في المعنى الثاني أو الثالث.

و بتعبير آخر الأصل بالمعنى الرابع مبني اعتبار قاعدة المقتضي و المانع الّتي قد ذكرنا في محله انه لا اعتبار بها. و امَّا الأصل بالمعنى الأول أي الأخذ بالراجح فقد تقدّم الكلام فيه و بمعنى الاستصحاب مبنيّ على اعتباره في الشبهات الحكمية و قد منعنا عن ذلك في بحث الاستصحاب و ذكرنا ان الموجب لعدم اعتباره ابتلائه بالمعارض فيها دائما.

و العمدة في المقام العمومات و الإطلاقات المستفاد منهما قاعدة اللزوم المشار إليها. منها قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

المفسر بالعهود. في صحيحة عبد اللّه ابن سنان التي رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قال بالعهود و ذكر (ره) في وجه دلالته على اللزوم بأنَّ المستفاد منها ابتداء الحكم الكليفي و هو وجوب ترتيب ما هو عمل بمقتضى المعاملة و إذا كان مفادها تمليك المال بعوض فيلزم العمل على مقتضى كون المال ملكا للغير من لزوم دفعه اليه و عدم جواز الإمساك به أو أخذه و التصرف فيه بلا رضاه حتى فيما إذا كان ذلك الأخذ و التصرف بعد إنشائه الفسخ؛ و إذا وجب العمل على طبق مدلول المعاملة كذلك ينتزع منه لزوم البيع وضعا فان الحكم الوضعي في المقام كسائر الأحكام الوضعيّة منتزعة عن التكليف و مما ذكر يظهر ما قيل من انه لا يستفاد من الآية لزوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

المعاملة فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضى ذلك العقد من لزوم أو جواز و وجه الظهور ان اللزوم كالجواز حكم شرعي يترتب على المعاملة و ليس داخلا في مدلولها و مدلول البيع مثلا جعل ملكيّة المال للغير بإزاء الثمن و ما يترتب على ملكيّة المال يجب ترتيبه وفاء بالعقد حتى بعد إنشاء الفسخ الملازم للغوية الفسخ فينتزع من هذا الوجوب لزومه وضعا على ما تقدم.

و قد يقال انه لا يمكن التمسك بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على لزوم المعاملة و عدم نفوذ فسخها و ذلك فإنّه إذا فرض ان البائع باع المال بشرط أن يكون له خيار يوم الثامن و اقبض المبيع من المشتري و أخذ

الثمن ثم فسخها يوم الثامن و أخذ المبيع من يد المشتري و استردّ الثمن لا يكون ذلك خلاف الوفاء بالعقد بخلاف ما إذا أخذ المبيع من يد المشتري قبل يوم الثامن أو امتنع عن الإقباض و الفرق بين يوم الثامن و قبله هو ان العقد يوم الثامن مفسوخ لا بقاء له ليلزم الوفاء به بخلاف قبل ذلك اليوم و عليه فلو شك في بيع ان فيه خيار لأحد المتبايعين أم لا، فبعد إنشائه الفسخ لا يمكن الحكم بعدم جواز أخذه المال من صاحبه أخذا بعموم وجوب الوفاء بالعقود حيث ان بقاء العقد بعد الفسخ المزبور غير محرز و التمسك في بقائه باستصحابه و عدم انفساخه خروج عن التمسك بالآية.

و أجاب عن الإشكال المحقق النائيني (ره) بان هذا لو كان المراد بالعقد معناه الاسم المصدري فإنّه على هذا التقدير لا يحرز بقاء الاسم المصدري مع إنشاء الفسخ من أحدهما مع احتمال الخيار بخلاف ما ذا كان المراد بالعقد معناه المصدري فإن العهد بمعنى المصدري يتحقق حال الإنشاء فالالتزام العقدي بحدوثه محكوم بلزوم الوفاء به الى الأبد و لا يكون التمسك بلزوم الوفاء به في الحكم ببطلان فسخه من التمسك بالعام في شبهته المصداقية و لذا يكون مورد ثبوت الخيار تخصيصا في العموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

المزبور.

أقول: الظاهر عدم الفرق بين ارادة المعنى المصدري و الاسم المصدري في ان التمسك بالآية عند الشك في لزوم عقد أو جوازه لا يكون من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة فإن الاختلاف بين المعنيين بالاعتبار فالعهد بملاحظة صدوره عن الفاعل معنى مصدري و بملاحظته في نفسه معنى اسم مصدري و على كلا التقديرين فالعهد بحدوثه

محكوم بلزوم الوفاء به و إنهائه أو بوجوب ترتيب الآثار و العمل بمدلوله نظير ما يقال من ان الشي ء بحدوثه موضوع للحكم أي لحدوثه و بقائه كما في قوله سبحانه (لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ) و قد يكون موضوعا للحكم بمعنى حدوثه موضوع لحدوث الحكم و بقائه موضوع لبقائه كما في قوله (لا تصلّ خلف الفاسق) و بما أن مناسبة الحكم و الموضوع في المقام كون وجوب الوفاء بالعهد من قبيل الأول فلا يكون التمسك بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في موارد في موارد الشك في كون بيع أو غيره خياريا أو جائزا من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة هذا أوّلا.

و ثانيا: قد تقدم ان المراد بالعقود العهود سواء كان العهد للّٰه سبحانه كالعهد و النذر أو للغير كما في المعاملات المالية كالبيع و الإجارة أو غير المالية كالنكاح كما يشهد لذلك مضافا الى عموم العهد إطلاق العقد على كل منها في مثل قوله سبحانه لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ و قول سبحانه وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ و لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ الى غير ذلك ثم ان متعلق العهد يختلف فتارة يكون فعلا للغير فالوفاء به عبارة عن الإتيان بذلك الفعل و أخرى يكون الأمر الوضعي أي الاعتباري كالملكية مجانا أو مع العوض فالوفاء بالعهد فيه إنهائه و عدم الغاية، أو ترتيب الأثر العملي على ذلك الأمر الاعتباري و وجوب الوفاء بالعهد من القسم الأول تكليفي كما هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

ظاهر الأمر بالفعل الخارجي فالوفاء في ذلك القسم عبارة عن الإتيان بمتعلق العهد كما تقدم.

و الأمر بالوفاء

في القسم الثاني امّا بمعنى عدم إلغاء العهد لكونه من قبيل الأمر بالمعاملة فيكون ظاهرا في الإرشاد إلى اللزوم المراد ترتيب الأثر على متعلق العهد و العمل بمدلوله في مقابل نقض العهد عملا فالأمر بالوفاء باعتبار كونه أمرا بالأفعال الخارجية يكون ظاهرا في التكليف، و لكن لا أظن أن يلتزم المصنف (ره) أو غيره بان إمساك البائع مثلا بالمبيع ابتداء أو بعد إقباضه يوجب عقابين أحدهما بعنوان ترك الوفاء بالمعاملة؛ و الثاني انه تصرف و إمساك بمال الغير بلا رضاه، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم) بل لا بدّ من الالتزام بان الأمر بالوفاء و لو بمعنى ترتيب الآثار إرشاد إلى لزوم المعاملة، فلا يصح دعوى ان مدلول الأمر بالوفاء حكم تكليفي بحيث ينتزع منها الحكم الوضعي.

لا يقال على ذلك يلزم استعمال الأمر بالوفاء في الإرشاد و التكليف فالارشاد بالإضافة إلى العهد في المعاملات و التكليف بالإضافة إلى العهد بالفعل الخارجي كموارد النذر و الحلف فإنه يقال الأمر بالوفاء انحلالي فالأمر بالإضافة الى بعض العهود يكون إرشادا و بالإضافة إلى البعض الآخر تكليفا و قد تقدم سابقا من ان ليس إرادة الإرشاد و التكليف معا من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى لان المستعمل فيه لصيغة الأمر أو مادّته في موردي الإرشاد و التكليف واحد و يختلف الإرشاد عن التكليف بالغرض من البعث الى الفعل و تفصيل ذلك في بحث الأصول).

ثم انّ المصنف (ره) قد أجرى ما ذكره في آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بدعوى ان المراد بحلية البيع جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

26

و لكن يمكن ان يقال انه إذا كان (1).

______________________________

ترتيب الآثار بمدلول البيع، و إذا جاز ترتيب الأثر على مدلوله حتى فيما إذا فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه ينتزع عن الجواز المزبور اللزوم الوضعي، و كذلك الأمر في جواز ترتيب الآثار على مدلول التجارة عن تراض فإنّه ينتزع من جواز الترتيب حتى بعد فسخ أحدهما اللزوم الوضعي للتجارة.

و لكن لا يخفى ان قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) مدلوله المطابقي كما هو مقتضى إضافة الحليّة إلى المعاملة؛ و منها البيع جوازها الوضعي أي إمضائها، و لذا لو كان بيع البائع بشرط الخيار له أو لصاحبه إلى مدّة يحكم بصحة البيع المزبور و كونه خياريّا أخذا بإطلاق الإمضاء المستفاد من الآية.

و بتعبير آخر إمضاء البيع على طبق ما قرره المتبايعين في إنشائه فإن كان بشرط الخيار فيحكم بإمضائه كذلك؛ و ان كان بدون شرطه يكون إمضائه مطلقا و على ذلك فيمكن نفي احتمال الخيار الشرعي التأسيسي بناء على ظهور الآية في إمضاء المعاملة بما له الحكم عند العقلاء كما هو ظاهر الآية؛ و امّا إذا ادعي بأنَّ مدلولها هو نفس إمضاء البيع بمدلوله من غير نظر الى إمضاء حكمه عند العقلاء فلا يمكن التمسك به في مورد احتمال الخيار الشرعي التأسيسي أيضا، كما لا يبعد ذلك في قوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فان مدلوله جواز تملك مال الغير بالتجارة؛ و امّا ان الأحكام المترتبة على التجارة ما هي و ان أحكامها العقلائية كلها ممضاة أم لا كلّ ذلك خارج عن مدلول الاستثناء فتدبر جيّدا.

(1) مراده ان حليّة التصرفات المترتبة على البيع بعد فسخه من أحدهما من غير رضا صاحبه لم تذكر في الآية بخصوصها

و كذا حليّة التصرفات المترتبة على التجارة بل المدعى شمول الحلية لتك التصرفات بالإطلاق في الآيتين؛ و عليه فيمكن دعوى ان حليّة التصرفات المترتبة على البيع و التجارة دائرة مدار بقاء البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 27

و منها قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (1).*

______________________________

و التجارة، حيث ان ظاهر كل خطاب كون الحكم المذكور فيه حدوثا و بقاء دائرا مدار حدوث الموضوع و بقائه، كما في خطاب لا تصل خلف الفاسق؛ و انَّما خرجنا عن ذلك في آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و قلنا ان تحقق عقد أي عهد في زمان موضوع لوجوب الوفاء حدوثا و بقاء بمناسبة الحكم و الموضوع المفقودة في الآيتين الأخيرتين).

(1) قد تقدم سابقا ان المراد بالأكل في الآية الاعتباري أي التملك و وضع اليد على مال الغير كما هو مقتضى إضافة الأكل إلى المال و المراد بالباطل الباطل في اعتبار العرف و بنائهم، فيكون النهي عن الأكل المال بالباطل من قبيل النهي عن المعاملة ظاهرا في الإرشاد إلى فساد ذلك الأكل و من الواضح ان تملّك أحد المتبايعين مال الآخر بالفسخ من غير رضا صاحبه تملك بالباطل؛ نعم إذا ثبت الخيار في البيع من الشارع و لو تأسيسا يخرج التملك المزبور عن الباطل شرعا و كذلك الأمر في الأكل الخارجي، فلو اذن الشارع في أكل المار من ثمرة طريقه فلا يكون ذلك من الأكل بالباطل؛ و امّا مع عدم ثبوت الخيار أو الإذن فيكون عموم النهي متبعا و نتيجة ذلك لزوم البيع المفروض.

و لا يخفى انه إذا كان المراد بالأكل ما ذكر فيكفي في التمسك به اتّصاف المال بكونه مالا لشخص فإنه مع كونه مالا له

يكون تملّكه و وضع اليد عليه بالوجه الباطل العرفي و منه الفسخ في المعاملة باحتمال الخيار الشرعي محكوما بالبطلان شرعا. و الحاصل انه لا يتوقّف التمسك به على إحراز ان المال بعد الفسخ المحتمل جوازه ملك ايضا لمالكه الأول ليكون التمسك به من قبيل التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة؛ اللّهم إلّا أن يقال ان الفسخ لا يكون تملّكا للمال بل هو حل العقد و بعد حلّه يكون التملّك بالسبب الذي كان قبل العقد؛ و لكن لا يخفى ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 28

و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله (ص) لا يحل مال امرء مسلم (1).

و منها قوله الناس مسلطون على أموالهم 2 في دعاء التوبة و لك

______________________________

التملك بالسبب السابق ايضا بعد الفسخ المزبور تملك بالباطل فلا بأس بالأخذ بالآية في الحكم بفساد الفسخ.

(1) و لعل مراده ان المستفاد من الحديث ابتداء الحكم التكليفي أي حرمة التصرفات الخارجيّة المتعلّقة بمال الغير حتى التصرفات الواقعة بعد فسخ أحد المتعاملين و ينتزع من حرمتها عدم نفوذ ذلك الفسخ، و فيه ان الموضوع لعدم جوازها مال الغير بلا رضاه و كون المال بعد فسخ أحد المتعاملين و لو بلا رضا صاحبه مال الغير غير محرز فيكون التمسك بعموم عدم الجواز في الفرض من التمسك بالعام في شبهته المصداقية.

و لو قيل بأنَّ عدم الحلّ يعم التصرفات الخارجية و التصرفات الاعتبارية فيكون عدم الحل بالإضافة إلى التصرفات الاعتبارية حكما وضعيّا، بمعنى الفساد فيشكل التمسك به في الحكم بفساد الفسخ أيضا، لأنَّ الفسخ كما ذكرنا ليس تصرّفا في مال الغير بل هو تصرف في العقد حيث انه حلّه و مدلول الرواية عدم جواز التصرف في مال

الغير لا عدم جواز التصرف في المعاملة التي صار بها المال للغير.

و الحاصل ان استفادة الحكم الوضعي أي فساد الفسخ من حرمة التصرفات في المال تكليفا أو وضعا ايضا تمسّك بالعام في شبهته المصداقية و أن فسخ العقد باعتبار عدم كونه تصرفا في المال غير داخل في مدلول الرواية.

(2) لو كان مراده (قده) ان تصرف البائع مثلا في المبيع بعد فسخه غير جائز بل التصرف الحلال ينحصر بالمالك لكان التمسك بالرواية بعد فسخ أحد المتعاقدين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 29

يا رب شرطي (1).

______________________________

من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، لأنّ مع احتمال نفوذ الفسخ لا يحرز انّ التصرف في المال المزبور تصرف من غير المالك. و امّا بناء على ما تقدم منّا سابقا من انّ مفادها ولاية المالك على التصرفات المشروعة في المال و ليس راجعا الى تعيين التصرف المشروع فلا يمكن التمسّك به في المقام لانّ الشك في كون الفسخ تصرفا مشروعا أم لا هذا أولا.

و ثانيا قد ذكرنا ان الفسخ لا يكون تصرفا في المال بل هو تصرف في العقد بحله و التصرف في المال بعد الفسخ المحتمل لم يحرز كونه تصرفا من غير المالك ليحكم بعدم جوازه كما لا يخفى.

(1) كأنّ مراده (قده) ان الالتزام بعدم العود إلى المعصية التزام في ضمن التوبة التي هي في حقيقتها الندم على ما فعل و ان شرط الزهد على الأئمة عليهم السلام قد وقع في ضمن اختياره سبحانه إيّاهم للعناية الخاصة بجعلهم أولياء المجد و العزّ و مهبط الوحي و موارد الكرامة؛ و لكن لا يخفى أن ملاحظة ما ذكر قبل كل منهما يشهد بان المراد منه الإلزام أو الالتزام الابتدائي

فإنه سلام اللّٰه عليه ذكر على ما في الدعاء (و قد قلت يا إلهي في محكم كتابك انّك تقبل التوبة عن عبادك و تعفو عن السيّئات و تحب التوابين)، فان هذا بيان لالتزامه سبحانه بقبول التوبة من التائبين و حبّهم، فيكون قول التائب و أوجب لي محبّتك كما شرطت استدعاء للوفاء بالالتزام كما ان توبة النادم من معصية قابلة للتكرار يلازم الالتزام بعدم العود الى مثلها، و يكون هذا دخيلا في تحقق التوبة و الّا فلا يكون ندمه الّا لفظيّا لا أنّه التزام زائد على التوبة فيكون قوله (يا رب شرطي ان لا أعود) بيانا للالتزام المحقق للتوبة و من العجب عن بعض الأجلة حيث فرّق بين الشرط في قوله أوجب لي محبتك كما شرطت و جعل الشرط فيه بمعنى المعلق عليه لإيجاب المحبة و بين الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

في قوله لك يا رب شرطي حيث ذكر انه بمعنى الالتزام مع وضوح انه في كلا الموردين بمعنى الالتزام.

و امّا دعاء الندبة فإن إعطاء اللّٰه سبحانه العزّ و المجد و اختياره الأولياء ليس من قبيل المعاملة ليكون شرط الزهد من قبيل الإلزام في المعاملة؛ بل الإلزام فيه بمعنى التكليف و بما انه سبحانه قد علم بطاعتهم و الوفاء بالتزامهم بالزهد و قد شملهم العناية من الأول فأعطاهم ما اقتضى علمه و قضاه جل و علا و مثل ذلك من استعمال لفظ الشرط في الإلزام أو الالتزام الابتدائيين، و لكن و استعماله فيه أو في مطلق الحكم تكليفيا كان أو وضعيّا كما في قوله شرط اللّٰه قبل شرطكم و الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره حتى يفترقا لا

يوجب ظهوره في مطلق الالتزام أو الإلزام ليحمل قوله عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان أو غيرها (المسلمون عند شروطهم) عليه و يتمسك به في موارد الشك في لزوم المعاملة و جوازها بالتقريب المتقدم في قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بان يقال أصل المعاملة شرط فيجب الوفاء بها فينتزع من وجوبه لزومها).

و قد يقال ان الشرط بمعنى مجرد ربط الشي ء بالشي ء و قد يكون الربط أمرا واقعيا خارجيا كالشرط الأصولي و النحوي و قد يكون جعليا كما في التزام الشخص بفعل حيث يربط الشخص الفعل لنفسه و عهدته أو معامليا بان يربط المعاملة بذلك أي على الالتزام به لا على الملتزم به. و لكن لا يخفى ان ذلك مع عدم تمامه في نفسه كما يأتي لا يوجب ظهور اللفظ في الرواية في مطلق الربط الذي يجعله المسلم سواء كان من قبيل الالتزام الابتدائي أو الالتزام في المعاملة بل المتيقن منه هو الشرط في المعاملة لو لم نقل بظهوره فيه بخصوصه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 31

و ربّما يقال ان مقتضى استصحاب عدم انقطاع علاقة المالك (1).

______________________________

(1) و حاصل ما ذكر (قده) في الجواب عن استصحاب عدم انقطاع علاقة المالك الأوّل هو أنه ان كان المراد بعلاقة المالك الأول، الملك فمن الظاهر انه قد زال بالبيع، و كذا ان كان المراد بها متفرعات الملك فإنّه مع زوال الملك لا تبقى متفرعاته، و ان أريد السلطنة على اعادة العين الى ملكه فهذه السلطنة لم تكن في زمان الملك، و لا يمكن اجتماعها معه إذ إعادة الملك فرض عدم الملك فعلا.

و الحاصل ان هذه السلطنة تحدث بعد زوال الملك بثبوت الخيار في المعاملة.

و ان

أريد استصحاب هذه السلطنة بعد انقضاء خيار المجلس فلا مجال لهذا الاستصحاب فإنه لا يجري في موارد عدم ثبوت خيار المجلس، بل مطلقا لانّ خيار المجلس كما هو ظاهر الأخبار ينتهي بالتفرق و مع الشك في لزوم المعاملة و جوازها يكون المورد من موارد الأخذ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و يكون استصحاب بقاء الملك بعد إنشاء الفسخ من أحدهما جاريا بلا معارض.

أقول: لا يخفى ما في كلامه (قده) من الضعف فإنّه إذا كان خيار المجلس موقتا بالافتراق فلا مجال لاستصحاب هذا الخيار بعد هذا الخيار، و لو كان البيع بعد الافتراق خياريا كما في شراء الحيوان. فالخيار الثابت خيار آخر، و مع عدم قيام الدليل عليه لا يصحّ استصحاب طبيعي الخيار فإنّه من استصحاب القسم الثالث من الكلي. و لو قيل بان المرجع في العام المخصّص في غير زمان التخصيص هو عموم العام سواء كان عمومه من جهة الزّمان ايضا استغراقيا أو استمراريا كان المرجع في مفروض الكلام عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و ان لم نقل بالتمسك بالعام فيما إذا كان عمومه استمراريّا فيتعين الأخذ باستصحاب بقاء الأثر الحاصل بالعقد فالجمع بين التمسّك بعموم العام و الأخذ بهذا الاستصحاب كما هو ظاهر كلامه غير ممكن. و امّا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 32

نعم هو حسن في خصوص المسابقة (1).

______________________________

ما ذكر في استصحاب عدم انقطاع سلطنة المالك عن المال و كون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب بقاء الأثر ففيه ما تقدم من ان الخيار لا يكون حقّا متعلّقا بالمال بل هو كما تقدم ملك فسخ العقد، و هذا الملك غير ثابت قبل البيع لا للبائع و لا المشتري حتى يستصحب.

و دعوى ان الخيار مرتبة

ضعيفة من ملك المال، و لذا يقال ان الحق مرتبة ضعيفة من الملك و بتعبير آخر السلطنة المتعلقة بالمال بمرتبتها القويّة تكون ملكا و ان تنزلت الى مرتبتها الضعيفة فتكون حقّا و على ذلك فيكون استصحاب طبيعي السلطنة على المال من قبيل استصحاب طبيعي السواد للجسم بعد العلم بزواله بمرتبته الشديدة و احتمال بقائه بمرتبته الضعيفة موهومة لأنّ كل من ملك المال و خيار الفسخ في المعاملة أمر اعتباري يؤخذ من العرف و الخيار في المعاملة عندهم كما مرّ حق يتعلّق بفسخ العقد و لا يكون حقّا في المال؛ و لذا يجوز لمن انتقل اليه المال في المعاملة التصرف فيه بما شاء و لو مع الخيار لصاحبه إلّا إذا اشترط صاحبه عليه إبقائه، كما في بيع الخيار و لا يكون الملك و الخيار عندهم شيئا واحدا يختلفان بالشدة و الضعف. و أمّا ثبوت حق آخر متعلق بالعين غير الخيار في العقد و غير الجواز الحكمي فلا يحتمل في العقود.

(1) و حاصله انه إذا تضمّن العقد التمليك كالبيع و الإجارة أو التسليط، كما في الوكالة حيث ان المالك يسلّط الغير على التصرف في ماله و لم يتمّ دليل على جوازه أو لزومه فيمكن الحكم بلزومه باستصحاب ذلك الملك أو التسليط بعد فسخ أحد المتعاقدين. و امّا إذا لم يتضمن العقد التمليك أو التسليط أي التمليك أو التسليط الفعليّين و ان تضمّن ملكا أو تسليطا تعليقيا و مشروطا كما في عقدي المسابقة و الوصيّة فمع عدم قيام الدّليل على لزومه أو جوازه يكون مقتضى الأصل جوازه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 33

ثم ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللّزوم (1).

______________________________

حيث يستصحب فيه

عدم الأثر فيقال أنّه قبل ان تحقق فوز السابق لم يكن العوض المقرر ملكا له و بعد فوزه مع فسخ أحد المتعاقدين قبله يشك في استحقاقه و تملكه إيّاه فالأصل عدم انتقال ذلك العوض اليه و كذا الحال في الوصيّة).

أقول: لو وصلت النوبة الى الأصل العملي في مثل عقدي المسابقة و الوصية لكان مقتضى استصحاب بقاء العقد بعد فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه لزومه لانّ عقد المسابقة و لو قيل بعدم تضمّنه الالتزام و التعهد بالسبق و النضال بل مدلوله مجرد جعل ملك العوض لمن فاز في السبق بمفاد القضيّة الشرطية على ما قيل بان مفادها مفاد الجعالة الّا ان هذا الجعل بعنوان القضية الشرطية بقائه مشكوك بعد فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه فيستصحب و يجري هذا في الوصية أيضا، فإن جعل ملكية مال لشخص على تقدير وفاة الجاعل كما هو مفاد الوصية التمليكية يستصحب و يكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب عدم الأثر قبل تحقق الشرط كالفوز في المسابقة و حياة الموصي، فإن الجعل بمفاد القضية الشرطية مفاده فعليّة الجزاء بفعلية الشرط على ما هو المقرر في بحث عدم نسخ الأحكام.

و مما ذكر يظهر أنه لا تصل النوبة في الشك في العقود التي مفادها الملك أو التسليط الفعلي إلى استصحاب ذلك الملك أو التسليط بل الاستصحاب في ناحية بقاء نفس العقد من البيع و الإجارة أو الوكالة أو غيرها، بمعنى عدم إمضاء الشارع إلغائها بعد فسخ أحدهما يكون جاريا و يترتّب عليه بقاء الملك أو التسليط و غيرهما هذا كله مع القول باعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما هو المفروض في المقام.

(1) و حاصله انه إذا شك في لزوم عقد و جواره بالشبهة الموضوعية

بأن لم يعلم ان العقد الواقع خارجا ما هو و هل هو داخل في عنوان العقد الجائز أو اللازم فان قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

بجواز التمسك بالعام فيما إذا تردّد أمر الفرد بين بقائه تحت العام أو دخوله في عنوان الخاص الخارج فيحكم بلزوم ذلك الفرد أخذا بعموم مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ان منعنا عن ذلك تصل النوبة إلى استصحاب بقاء الأثر المتيقن الحاصل بالعقد على كل تقدير و يكون نتيجة هذا الاستصحاب لزوم العقد.

و الأخذ باستصحاب الأثر ينحصر بما إذا لم يكن في البين أصل موضوعي يعين ان الواقع خارجا فرد جائز كما إذا تردد تمليك العين مجانا بين كونها هبة أو صدقة فإنهما يشتركان في كونهما تمليك المال مجانا و افتراق الصدقة عن الهبة بكون التمليك في الصدقة بقصد التقرب و استصحاب عدم قصد التقرب في التمليك مقتضاه كونها هبة يجوز لصاحب العين ان يرجع فيها ما دامت باقية.

ثم ان ما ذكر من الأخذ باستصحاب بقاء الأثر مع عدم الأصل الموضوعي المحرز لعنوان العقد الجائز فيحكم باللزوم ليس معناه انه باستصحاب بقاء الأثر يثبت عنوان العقد اللازم و يرتب سائر آثاره كما إذا شك في ان تمليك العين كان بعنوان الهبة ليجوز لصاحبها الرجوع فيها ما دامت باقية أو كان بيعا فلا يجوز الرجوع فيها فباستصحاب بقاء ملك العين لمن انتقلت اليه يحكم بلزوم التمليك. و امّا ثبوت عنوان البيع فلا، لأنّ إثبات عنوان الموضوع باستصحاب حكمه أصل مثبت بخلاف إثبات الحكم باستصحاب عنوان الموضوع بل يرجع بالإضافة إلى سائر آثار عنوان العقد اللازم بالأصل الجاري فيها و لو شك في ثبوت العوض بذمّة من

انتقل اليه العين فالأصل عدم اشتغال ذمته بالعوض هذا فيما إذا تردد الأمر بين الهبة الصحيحة و البيع الصحيح.

و أمّا إذا تردّد بين الهبة الفاسدة و البيع الفاسد و كانت العين تالفة في يد من انتقل اليه بالعقد الفاسد فيحكم بضمانة تلك العين أخذا بعموم على اليد و لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

بان خروج المأخوذ بالهبة من عموم حديث (على اليد) مانع عن الأخذ به في الفرد المشكوك فيرجع في الضمان ايضا الى أصالة البراءة.

أقول: ان كان تمليك المال مجانا مطلقا أو من فقير بداع قربى يطلق عليه الصدقة، و ان كان بداع آخر يطلق عليه الهبة و الهبة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية الّا في موارد خاصة كالهبة للأرحام أو مع التعويض و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه و عبد اللّٰه بن سليمان جميعا قالا سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها ان شاء أم لا؟ فقال (تجوز الهبة لذوي القرابة) و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك ان شاء؛ و المراد بالجواز النفوذ و اللزوم و هذا بخلاف الصدقة فإنّه لا ترجع في تمليك يقصد به وجه اللّٰه؛ و في صحيحة زرارة كان النّاس على عهد رسول اللّٰه (ص) ينحلون و يهبون) و لا ينبغي لمن أعطى للّٰه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّٰه و في اللّٰه فإنّه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة). و المراد بلا ينبغي عدم نفوذ الرجوع و لو بقرينة سائر الروايات و على ذلك فإذا شك في كون العقد الواقع خارجا هبة ليجوز الرجوع

فيها أو أنها صدقة ليلزم فأصالة عدم قصد التقرب فيه كما هو مفاد استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع المعبر عنه باستصحاب العدم الأزلي محرزة لجوازه فإنها تحرز دخول التمليك المفروض في قوله و ما لم يعط للّٰه و في اللّٰه و لا نحتاج في إثبات الجواز إلى إثبات عنوان الهبة ليقال ان عنوان الهبة لا يثبت بالأصل المزبور و يجاب بأن الهبة هي التمليك مجانا غاية الأمر حكم على بعض إفرادها المعبر عنه بالصدقة باللزوم كما هو ظاهر الصحيحة.

ثم ان القبض معتبر في الهبة على المشهور و يدل على ذلك الروايات منها الدالة على ان العين الموهوبة مع عدم القبض يرجع ميراثا للواهب و كذا الصدقة لا تكون لازمة الّا بالقبض فإنّه و ان ورد في بعض الروايات ما ظاهره عدم اعتبار القبض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

الصدقة كرواية أبي بصير و لا يبعد اعتبارها سندا عن أبي عبد الهّٰن عليه السلام قال الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها و الصدقة جائزة عليه الّا أنها تحمل على استحباب القبض بقرينة بعض الرّوايات الدّالة على اعتبار القبض في الصدقة كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهما السلام قال (إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنها جائزة لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيرا، و ان كان ولدا كبيرا فلا يجوز له حتى يقبض)؛ و ايضا ما في بعض الروايات من إطلاق نفوذ الهبة على الأرحام يقيد بما بعد القبض بشهادة موثقة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل وهب لابنه شيئا هل يصلح أن يرجع فيه قال (نعم الّا أن يكون صغيرا)؛

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال (الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها حيزت أو لم تحز إلّا لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها)، فإنّه بناء على ما تقدم يقيد عدم جواز الرجوع في الهبة لذي رحم بما إذا كان بعد القبض أي الحيازة بقرينة موثقة جميل و نحوها.

و امّا مسئلة الاختلاف في كون العقد الواقع هبة أو بيعا فان كان الاختلاف في مجرد اشتغال ذمة من انتقل اليه العين بالعوض و عدمه كما إذا كان الاختلاف بعد تلف العين أو مع كون المنتقل اليه من الأرحام فيجري استصحاب عدم البيع بلا معارض، فالقول قول منكر البيع فعليه الحلف على عدم البيع، و ان كان الاختلاف في جواز الرجوع في العين و عدمه خاصة، كما إذا ادّعى من انتقل اليه العين انه اشتراها و دفع الى صاحبها ثمنها و قال المالك قد وهبتها فله الرجوع فيها فالقول قول مدّعي البيع أخذا بأصالة بقاء الملك لمن انتقلت اليه فعليه الحلف على عدم وقوع الهبة.

و ان كان الاختلاف في كل من اشتغال الذمة بالعوض و جواز الرجوع كما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

ادّعى المالك انه قد باعها بكذا و ادّعى من انتقل إليه أنّه وهبها، فربّما يقال ان المورد من موارد التحالف لان لكل من الهبة التي يدعيها من انتقل اليه العين و البيع الذي يدعي صاحبها أثر خاص فيكون أصالة عدم وقوع البيع معارضة بأصالة عدم وقوع الهبة و بالتحالف يحكم بانفساخ المعاملة و رجوع العين الى صاحبها.

و لكن الصحيح ان المورد ليس من موارد التحالف فان التحالف ينحصر بموارد دعوى كل من

المتخاصمين على الآخر شيئا، و في الفرض لا يدّعي من انتقل اليه العين على الآخر شيئا، و لذا يحلف على نفي البيع أو على عدم اشتغال ذمته بالعوض، و لكن يجوز لصاحب العين الرجوع فيها لاتفاقهما على ذلك فإنه يعترف من انتقل اليه بذلك بمقتضى الهبة كما يدعيه صاحبها باعتبار انّه مقتضى تخلف الآخر عن أداء الثمن فان التخلف المزبور أحد موجبات الخيار، كما يأتي فما ذكره المصنف (ره) من الحكم في الفرض بلزوم الملك و عدم اشتغال ذمّة من انتقل اليه بالعوض لا يمكن المساعدة عليه.

هذا كله مع دوران العقد بين الهبة و البيع في مقام المرافعة، و اما دورانه بينهما في غير مقام المرافعة كما إذا علم بأنّ العين قد تملكها من الآخر و شك في كونه بالهبة أو بالبيع و ان عهدته مشغولة بالعوض فان كانت العين تالفة أو ذي رحم فيأخذ بأصالة برأيه عهدته عن الاشتغال بالعوض و كذا إذا كانت العين موجودة ما دام لم يرجع في الهبة المالك الأول. و امّا رجوعه فيها فعلمه إجمالا بوجوب دفع العين اليه كما لو كانت هبة أو بدله كما إذا كانت بيعا يكون موجبا لوقوع التعارض بين أصالة عدم الهبة و لزوم الملك و بين أصالة عدم البيع و عدم اشتغال عهدته بالبدل فيلزم عليه التصالح كما لا يخفى).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 38

[أقسام الخيار]

[الأول: خيار المجلس]

اشارة

فالمراد مطلق مكان المتبايعين (1).

______________________________

و امّا مسئلة ضمان المال فيما إذا تردد أمر العقد الفاسد بين كونه هبة فاسدة أو بيعا فاسدا فيحكم فيه بالضمان سواء كان ذلك في مورد الترافع أو غيره و ذلك فإن الإقدام على الضمان لا يكون موضوعا لضمان المال،

و لذا لو وضع أحدٌ يده على مال الغير اعتقادا بأنه ماله و تلف ذلك المال في يده يكون ضامنا مع عدم حصول الاقدام على الضمان و لا فرق في الحكم به القول باعتبار (حديث على اليد) و ان الخارج منه موارد إلغاء المالك احترام ماله بدفعه الى الغير مجانا أو بالإذن له بالإتلاف و الإيتمان المالكي أو أخذ المال إحسانا إلى مالكه أم قلنا بعدم اعتباره لضعف سنده فإنّه إذا قيل باعتبار الحديث و خروج الموارد المشار إليها بالتخصيص فالأمر ظاهر لان مع وضع اليد على المال و أصالة عدم إسقاط المالك حرمة ذلك المال بدفعه اليه مجانا يحرز بقاء ذلك المال تحت عموم على اليد.

و امّا إذا قلنا بعدم اعتباره فلا ينبغي الريب في ان وضع اليد على مال الغير فيما إذا لم يكن مع إلغاء المالك احترامه أو الايتمان أو الإحسان إليه موضوع للضمان في بناء العقلاء الممضى من الشارع كما يكشف عنه عدم وصول الردع بل في وصول الإمضاء في بعض الموارد و عليه فإذا أحرز وضع اليد على المال الغير كما هو الفرض في المقام و جرى أصالة عدم إلغاء المالك احترام ماله بالهبة فيحكم بالضمان لتمام موضوعه بضم الوجدان الى الأصل.

(1) يعني ليس المراد بالمجلس في خيار المجلس ليس خصوص المجلس لئلا يثبت الخيار فيما إذا تبايعا حال المشي بل المراد ثبوت الخيار للمتبايعين حال العقد، و ان لم يكن مكانهما من قبيل المجلس فإنه في الفرض ايضا يثبت الخيار لهما الى افتراقهما و لا خلاف في ثبوت خيار المجلس عندنا، و ان خالف فيه بعض مخالفينا و في موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي

عليه السلام قال (إذا صفق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 39

لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصليّين (1).

______________________________

الرجل على البيع فقد وجب و ان لم يفترقا)، و قيل انها تحمل على ثبوت البيع و عدم اشتراط أمر آخر في تمامه كما في بيع الصرف و السلم، لانّ الوجوب في اللغة هو الثبوت.

و لكن لا يخفى انه لا يعد ذلك جمعا عرفيا بين الموثقة و بين مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع حيث ان حمل الوجوب في الأول على ثبوت البيع، و في الثاني على لزومه جمع تبرّعي و عليه فيتعيّن طرحها لكونها معرض عنها عند الأصحاب و موافق لبعض العامة حيث أنكروا خيار المجلس كما مرّ.

(1) و حاصله انه إذا كان المباشر للبيع و الشراء أصليين يثبت لهما خيار المجلس و كذا فيما إذا كانا وكيلين فانّ ثبوته لهما في الجملة أيضا مقطوع، و انّما الكلام في ثبوته للوكيلين مطلقا حتى فيما لو كانا وكيلين في مجرد إجراء صيغة عقد البيع و ذكر العلامة في التذكرة ثبوته للوكيلين و لموكليهما ايضا مع كونهما في مجلس العقد لا مع عدم حضورهما؛ نعم إذا مات أحد الوكيلين قبل الانتقال ينتقل خياره الى موكله الغائب لأنّه أحقّ بالخيار من وارث الوكيل؛ ثم ذكر ان للشافعية القائلين بخيار المجلس قولين أحدهما ثبوت الخيار للموكل ابتداء و الثاني انه يثبت للوكيل.

و ذكر المصنف (ره) انّ الوكيل فيما كان وكيلا في مجرد إجراء لصيغة العقد فلا يثبت له الخيار أصلا، و ذكر لذلك وجوها الأوّل انّ قوله عليه السلام

البيعان بالخيار ما لم يفترقا المتفاهم منه غير هذا الوكيل و لو بناء على عموم المتبايعين و شموله للوكيلين ايضا، و الإغماض عمّا ذكره في جامع المقاصد من انصرافهما بملاحظة الغلبة إلى البائع و المشتري المالكين.

و الثاني: ان مقتضى أدلّة الخيار و منها خيار المجلس تعلق حق لكلّ من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

المتعاقدين على ما انتقل عنه بعد الفراغ عن كونه سلطانا لما انتقل اليه فلم يحرز في المقام سلطنته الوكيل العاقد لما انتقل الى المالك الموكل فيكون ما نحن فيه نظير ما شك في ثبوت خيار المجلس في مورد كون ما انتقل اليه ممن ينعتق عليه أو احتمال أن يكون ما انتقل اليه مما يجب صرفه في الإنفاق الواجب عليه أو وجوب إعتاقه بالنذر فإنه لا يمكن الحكم بثبوت الخيار في هذه الموارد أخذا بقوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)، و إثبات ان المبيع ليس ممن ينعتق عليه أو لا يجب عليه إعتاقه بالنذر أو لا يجب صرفه في إنفاقه.

الثّالث: انّه لا ينبغي الريب في انّ الخيار الحيوان لا يثبت في حق الوكيل في مجرّد إجراء صيغة شراء الحيوان و قد ذكر مقارنا مع خيار المجلس في الاخبار كما في قوله عليه السلام الشرط في الحيوان الى ثلاثة أيّام و في غيره حتى يفترقا و خيار الحيوان مع خيار المجلس، و ان كانا حكمين يمكن ان يكون الموضوع لأحدهما العاقد المالك و للآخر مطلق العاقد الّا انّ وحدة السياق يشهد بأنّ من ثبت له الخيار في شراء الحيوان الى ثلاثة أيّام هو الذي يثبت له خيار في غيره حتى يفترقا.

الرابع: ان الحكمة في جعل الخيار ملاحظة

المتبايعين صلاحهما في البيع الواقع و هذا لا يجري في حق الوكيل في مجرّد إجراء صيغة البيع.

و الخامس: ان سائر الخيارات كالغبن و الغيب و غيرهما لا يثبت في حق الوكيل في مجرد إجراء الصيغة و يكون خيار المجلس ايضا كذلك و لا يبعد ان يكون مراد التذكرة من الوكيل غير هذا الوكيل، فالقول بثبوت الخيار لهذا الوكيل كما عن صاحب الحدائق ضعيف و أضعف منه ثبوته في حقه حتى مع منع موكله عن فسخ البيع بدعوى ان الخيار حق للعاقد فله ان يستوفيه بفسخ العقد و ليس منع المالك مبطلا للحق المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 41

..........

______________________________

أقول: ما ذكره (ره) من انصراف أدلّة الخيار عن الوكيل في مجرد إجراء الصيغة فله وجه فان البيع و ان ينتسب الى كل من الوكيل و الموكل فيصحّ للوكيل ان يقول بعت دار فلان من فلان كما إذا احتاج اليه في مقام الشهادة و نحوها كما يصحّ للموكل ان يقول بعت داري من فلان و مناسبة الحكم و الموضوع و ملاحظة حكمة الخيار و هو التروّي في صلاح البيع مقتضاه ثبوت الخيار للموكل كما قد يقتضي ملاحظة المناسبة بين الحكم و موضوعه ثبوت الحكم لمن ينتسب اليه الفعل بالتسبيب كقوله عليه السلام (من بنى مسجدا بن اللّٰه بيتا له في الجنّة)، أو ثبوت الجزاء لمن ينتسب اليه الحلق كذلك في قوله من حلق أو قصّر قبل السعي فعليه كذا الى غير ذلك.

و امّا الوجه الثاني: فلا يمكن المساعدة عليه فان الخيار كما تقدم ملك فسخ العقد فلا يكون لذي الخيار سلطنة على ما انتقل عنه و كذا كون الخيار فرع سلطنته الى ما انتقل

اليه، و انّما يرجع ما انتقل عنه الى ملكه بالسبب السابق على البيع على تقدير الفسخ، و لذا لا يكون قوله (ص) (الناس مسلطون على أموالهم)، نافيا للخيار في البيع و دعوى ان الخيار فرع الإقالة بمعنى ان الخيار يثبت في حق من شرع في حقه الإقالة، و ان الإقالة لا تثبت في حق الوكيل في مجرد إجراء صيغة البيع، بل يثبت في حق المكلف بالقبض و الإقباض و الوفاء بالبيع فلا يمكن المساعدة عليها أيضا فإن عدم ثبوت الإقالة في حق الوكيل في مجرد إجراء الصيغة بالوجه الأول أي دعوى الانصراف الجاري في خيار المجلس و غيره و مع قطع النظر عنه فيمكن دعوى صحة الإقالة من الوكيل المزبور ايضا حيث ان الإقالة هو الاجتماع مع الطرف الآخر على فسخ البيع أو غيره كما لا يخفى.

و امّا وحدة السياق فلا شهادة فيها فان ذكر خيار الحيوان مع خيار المجلس في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

خطاب و العلم بعدم ثبوته خيار الحيوان للوكيل غايته ان لا يكون ذلك الخطاب ظاهرا في ثبوت خيار المجلس للوكيل، و هذا لا ينافي الأخذ بخطاب آخر لم يذكر فيه خيار الحيوان بل ذكر فيه خيار المجلس لعنوان عام يعم الوكيل ايضا، و أيضا بما انّ الحكمة في الحكم و منه حكمة الخيار غير العلة فلا يمكن الاستشهاد لعموم الحكم أو اختصاصه بعموم الحكمة و خصوصها و غاية ما يمكن ان يقال هو استظهار الحكمة من الروايات الواردة في خياري المجلس و الحيوان و انها بحسب المتفاهم العرفي هو التّأمل في صلاح البيع و فساده، و هذا شأن المالك دون الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة

البيع أو غيره.

و قد يستدلّ على عدم ثبوت الخيار للوكيل بوجه آخر و هو ان أدلة الخيارات تخصيص في عموم وجوب الوفاء بالعقد المستفاد من مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و بما ان وجوب الوفاء في الآية متوجه الى المالكين لما تقدم من انّ المراد بالوفاء بالعقد ترتيب الآثار عليه حتى بعد فسخ أحدهما فيكون وجوبه وظيفة على المالكين و ينتزع منه الحكم الوضعي أي لزوم العقد فيكون أدلّة الخيار تخصيصا في التكليف بالوفاء بالعقد و يكون الخيار حكما للمالكين لا محالة.

و الجواب ان توجه وجوب الوفاء الى المالكين لا يلازم ثبوت الخيار لهما دون الوكيلين حيث ان وجوب الوفاء، إمّا إرشاد إلى لزوم العقد باعتبار انّه ليس في البين ملاك الحكم التكليفي في الوفاء بعقد البيع و نحوه من المعاوضات فيكون ما دلّ على ثبوت الخيار موجبا لارتفاع ذلك الحكم الإرشادي مطلقا فيما إذا كان الخيار ثانيا للمالكين، و في فرض فسخ ذي الخيار فيما إذا كان الخيار ثابتا للوكيل أو الأجنبي، و امّا تكليف نفسي على ما يظهر من المصنف (ره) و غيره فيكون ثبوت الخيار موجبا لورود التخصيص عليه ايضا كما ذكر و على كل تقدير فتوجه الوجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 43

و على المختار فهل يثبت للموكلين فيه إشكال (1).

______________________________

الإرشادي أو التكليفي بالوفاء بالمعاملة لا تكون قرينة على انصراف أدلة الخيار الى ثبوته لمن هو مكلف بالوفاء بالعقد فإنه إذا جاز اشتراط الخيار للأجنبي و الوكيل أمكن ثبوت الخيار التأسيسي لهما ايضا فلا بدّ في كونه حقّا للمالك أو غيره من الوكيل أو الأجنبي من ملاحظة أدلة الخيارات و سائر القرائن.

(1) قد ظهر مما ذكرنا ثبوت

الخيار في الفرض للموكّلين لاستناد البيع إليهما و الى الوكيلين أيضا الّا أنّ ملاحظة مناسبة الموضوع و الحكم و لو بملاحظة حكمة الخيار الظاهرة من الروايات كون الخيار في الفرض حكما على من ينتسب اليه البيع بالتسبيب بالمعنى المتقدم و لكن ثبوت الخيار للموكلين مختص بصورة حضورهما مكان العقد من حين العقد لاستفادة ذلك من الافتراق الوارد غاية للخيار المزبور فان الافتراق فرع فرض الاجتماع الحاصل حال العقد فيكون العبرة بافتراق الموكلين و لا اعتبار بافتراق الوكيلين هذا.

و لكن قد ذكر بعض الأعاظم (دامت أيامه) ان الخيار كما لا يثبت في الفرض في حق الوكيل كذلك لا يثبت في حق الوكيل، و اما عدم ثبوته في حق الوكيل لانصراف خطاب الخيار عن الوكيل المزبور فإن الوكالة في مجرد إجراء صيغة البيع أمرٌ نادر ينصرف خطاب الخيار عنه؛ و امّا عدم ثبوته في حق الموكل في الفرض بل في الفرضين الآيتين ايضا لعدم قيام مبدء البيع به و عدم صدوره عنه بل قيامه و صدوره عن الوكيل و دعوى ان الوكيل كالآلة و لسان الموكل كل ذلك غير صحيح لانّ الفاعل المختار لا يكون من آلة الفعل لينتسب الفعل الى من يستعمل الآلة. و الحاصل قيام المبدء بالوكيل و انتسابه إليه حقيقي و قيامه بالموكل و انتسابه إليه مجازي و الجمع بينهما بإرادة كل منهما يكون من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى و الاستعمال المزبور على تقدير إمكانه يحتاج إلى قرينة و استعمال البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 44

و ان كان وكيلا في التّصرف المالي كأكثر الوكلاء (1).

______________________________

أو البيّع في الجامع بحيث يعمّها لعدم الجامع بين الربطين الذين كل

منهما معنى حرفي غير موجود و على تقدير إمكان الجامع يحتاج هذا النحو من الاستعمال ايضا الى القرينة.

أقول: لو فرض شخصان أحدهما بني مسجدا بالمباشرة و صرف مؤنته من ماله و الآخر بنى مسجدا آخر لا بالمباشرة أو شخصان أحدهما حلق رأسه بالمباشرة في إحرام عمرته المفردة قبل سعيه و الآخر حلق رأسه كذلك بالتّسبيب فهل يعمّهما قوله عليه السلام: (من بنى مسجدا بنى اللّٰه بيتا له في الجنة)، و قوله (من حلق أو قصّر قبل سعيه فعليه كذا) أو يختصّ بالمباشر بالبناء أو الحلق فقط لا أظن الالتزام منه طال بقاه أو من غيره بالاختصاص، و ان قال بالعموم كما هو ظهورهما في ذلك عرفا فيقال نظيره في المقام بالإضافة إلى قوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)، و أنّه يعمّ الموكل في الفرض و الوكيل في الفرض الآتي بل الوكيل و الموكل في بعض الفروض على ما يأتي و كون هذا الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز لا يهمّنا بعد التسالم على الظهور فإن العبرة به لا بكون الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان الوكيل في التصرف المالي في مقابل الوكيل في إجراء صيغة البيع فيما كان مستقلا في التصرف في مال الموكّل نظير العامل في مال المضاربة بحيث يكون وكيلا في التصرف في المال المزبور بما يراه مصلحة من بيعه و إقالة ذلك البيع أو فسخه باشتراط الخيار لنفسه و شراء مال آخر ببدله و نحو ذلك فلا يبعد ثبوت خيار المجلس لهذا الوكيل بخلاف ما إذا كان وكيلا في التصرف الخاصّ في ذلك المال كبيعه أو شراء ثوب له و نحو ذلك فان هذا الوكيل لا

يثبت في حقه خيار المجلس، و ليس الوجه في ثبوت الخيار في الفرض الأول دون الثّاني انصراف اخبار الباب عن الثاني دون الأول ليقال ان إطلاق البائع و البيّع على الوكيل في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

الفرضين لتعارفهما شائع بل الوجه ان الخيار سلطنة على اعادة ما انتقل عنه بعد تمكنه على ردّ ما انتقل اليه و يكون للوكيل هذه السلطنة في الفرض الأول دون الثاني لأن المفروض في الفرض الأول انه وكيل في التصرف في المال بما يراه من بيعه و اقالة ذلك البيع و فسخه بشرط الخيار و شراء شي ء آخر بثمنه أو غير ذلك بخلاف الفرض الثاني فإنه ليس وكيلا إلّا في بيع المال و لا سلطان له على اعادة الثمن و ردّه على مالكه الأصلي بالإقالة أو غيرها لأنه تنتهي وكالته بتمام البيع.

أقول: قد تقدم ان الخيار هي السلطنة على فسخ العقد لا على اعادة المال المنتقل عنه بعد الفراغ عن السلطنة عن ردّ المال المنتقل اليه و ما ذكر المصنف (ره) في الاستشهاد لذلك من قوله ألا ترى انّه لا يجوز الأخذ بعموم البيعان بالخيار و الحكم بكون ما انتقل اليه ليس مما ينعتق عليه أو مما يجب صرفه في النفقة الواجبة عليه أو في الوفاء بالنذر لا يخفى ما فيه فان مسألة ثبوت الخيار في مورد كون المبيع ممن ينعتق عليه يأتي الكلام فيها و على تقدير القول بعدم ثبوت الخيار فيها يكون ذلك تخصيصا في دليل خيار المجلس و يؤخذ بالعموم المزبور في مورد الشك في كون المبيع منه فيحكم بثبوت الخيار بعد جريان الاستصحاب في عدم كونه ممن ينعتق عليه. و امّا

في مورد الشك في كون المبيع ممّن يجب صرفه للمؤنة أو في الوفاء بالنذر يحكم بثبوت الخيار حتى مع العلم بوجوب صرفه فيهما لعدم التنافي بين الخيار و جواز الفسخ وضعا و ثبوت التكليف بالصرف في المؤنة أو الوفاء بالنذر و لو فسخ البيع فلا يكون مبغوضيته موجبا لبطلانه لعدم كون النهي عن معاملة، و منها الفسخ موجبا لفسادها.

و على تقدير كون المراد فرعيّة الخيار ملك الفسخ على جواز الإقالة فقد تقدم ان الخيار و الإقالة في مرتبة واحدة و ليس أحدهما فرعا للآخر و على ذلك فلا بأس بالالتزام بثبوت خيار المجلس للوكيل في الصورة الثانية أيضا كالأولى مع عدم جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

الإقالة منه لانتهاء وكالته بالبيع لان الفسخ بخيار المجلس حكم وضعي للبائع الصادق على الوكيل و لو مع انتهاء سلطنته على التصرف فيما انتقل الى موكله؛ أضف الى ذلك انّ الوكيل لا يقل عن نفس المالك فيما إذا باع المال و أخذ الثمن و تلف الثمن بيده قبل حصول الافتراق فان مع تلف الثمن لا يكون له سلطنة على ما انتقل اليه التالف مع بقاء خياره حتى يفترقا، كما لا يخفى، و امّا ثبوت الخيار للموكلين فثبوته في الصورة الأولى مشكل جدّا، من حيث ان المالك فيها و ان يكون صاحب المبيع أو الثمن الّا ان الخيار في الأدلة لم يترتب على مالكهما بل على المتبايعين، و لذا لا يصدق عنوان البائع أو المشتري الّا على الوليّ أو العامل في المضاربة و يصح سلبهما عن المولّى عليه أو مالك رأس المال مع كونهما مالكين، لأنّ البائع ما يصدر عنه البيع بالمباشرة أو بالاستنابة و

شي ء من ذلك لم يتحقق بالإضافة إلى المالك في هذه الصورة، فلان مع تفويض أمر التصرف في المال الى الآخر بحيث كان له التصرف فيه بالبيع أو المصالحة أو الإجارة أو الهبة المعوضة و غير ذلك يكون البيع باختيار الوكيل فلا يستند الى المالك، بل لو استند لكان الاستناد ضعيفا، و لذا لا يصدق على مالك رأس المال في المضاربة أنّه تاجر يبيع و يشتري بقصد الربح.

لا يقال على ذلك يلزم ان لا يكون حنث لو حلف المالك على ترك بيع المال و باعه وكيله المزبور فإنه يقال الحنث تابع القصد فإن أراد عدم إخراج المال عن ملكه و لو ببيع وكيله حصل الحنث و الّا فلا.

و امّا ثبوته للموكل في الصورة الثانية التي يعيّن فيها المالك على الوكيل خصوص البيع و الشراء لاستناد البيع اليه كاستناده إليه في صورة التوكيل في مجرد إجراء الصيغة فيثبت له الخيار مع اجتماعه مع الطرف الآخر في مجلس العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 47

ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة (1).

______________________________

(1) و عن النائيني (قده) ثبوت الخيار للوكيل في صورة كونه مستقلا في التصرف في المال دون ما إذا كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة أو التصرف الخاص و ثبوته للوكيل في الأول لكونه هو البائع حقيقة، كما إذا كان الأمر عليه فيما كان المالك هو العاقد و عدم ثبوته للوكيل في مجرد إجراء الصيغة أو التصرف الخاص فلعدم تمكنه على الإقالة باعتبار انتهاء وكالته بالبيع فلا يثبت في حقّه الخيار. امّا الموكّل فيثبت له الخيار مع حضوره مجلس العقد الّا في صورة التوكيل المستقل فإنّه يثبت فيه الخيار للموكل و لو مع

عدم حضوره مجلس العقد لان حضور الوكيل مجلس العقد و اجتماعه مع الطرف الآخر يحسب حضورا و اجتماعا للموكّل ايضا. و عن بعض تلامذته انه لا يثبت الخيار للوكيل في شي ء من الصور بل يثبت الخيار للمالك و يكون للوكيل الفسخ عنه فيما إذا كان وكيلا في جميع شؤون المعاملة كما في الوكيل المستقل، و لكن لا يعتبر في ثبوت الخيار للمالك حضور مجلس العقد بل العبرة في ثبوت الخيار اجتماع المباشر للعقد و افتراقه في جميع الصور.

أقول: إذا لم يكن المالك حاضرا مكان العقد فكيف يثبت في حقه الخيار خصوصا مع انتهاء وكالة الوكيل بإجراء صيغة البيع و تمام الشراء سواء كانا وكيلين في مجرد إجراء الصيغة أو في البيع و الشراء فلا يكون بقائهما في مجلس العقد محسوبا لوجود الموكلين في ذلك المجلس ببدنهما التنزيلين بل يجري ذلك فيما إذا كان الوكيل مستقلا بحيث يكون له الوكالة في المال المنتقل الى موكله لأنّ الاجتماع و الافتراق من الوكيلين كالقيام و القعود منهما لا ينتسب الى موكلهما و ليست دعوى كون جلوسهما فيه جلوسا للموكل الّا كدعوى أن أكلهما فيه طعاما أكلا من موكلهما. و الحاصل ان ظاهر اخبار خيار المجلس فرض الاجتماع في مكان العقد في البيعان المحكوم لكل منهما بالخيار الى افتراقهما، و إذا لم يكن الموكل حاضرا مكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

العقد حينه فلا يدخل في الموضوع للخيار بلا فرق بين الصور الثلاث المتقدمة.

و على تقدير حضوره و ثبوت الخيار له و لوكيله فهل الثابت لهما خيار واحد بنحو سبق إلى إعماله كل منهما بالإسقاط أو الفسخ نفذ أو بنحو لا ينفذ الّا مع اجتماعهما

على الفسخ، و ان لكل منهما خيار مستقل الظاهر من الروايات ان الثابت لكل من البائع و المشتري في معاملة واحدة خيار واحد، و حيث ان ثبوته لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح لاشتراكهما في الدخول في الموضوع للخيار فيكون مشتركا بينهما، نظير ما يأتي من ثبوت خيار واحد للورثة فلا ينفذ الفسخ منهم الّا مع اجتماعهم عليه، و لو افترق واحد من الوكيل أو الموكل مجلس العقد سقط ذلك الخيار لحصول الافتراق بين البيعين الّذين كان لهما الخيار.

و القول بكفاية بقاء واحد من الوكيل أو الموكل مع واحد من الطرف الآخر بدعوى ان الخيار ثابت لعنوان البائع الصادق مع بقاء واحد من الوكيل أو الموكل لا يمكن المساعدة عليه لانّ مدلول قوله عليه السلام (البيعان بالخيار حتى يفترقا ثبوت الخيار للأشخاص لا لعنوان البائع نظير ما ذكر بعض الفحول في الواجب الكفائي من توجه التكليف بالفعل إلى طبيعي المكلف لا إلى اشخاصه فانّ هذا خلاف ظاهر الروايات. اللّهم الّا ان يقال هذا لا ينافي لاستقلال كل منهما في استعمال الخيار بمعنى ان كل منها سبق الى استعماله نقد كما هو ظاهر اسناد جواز الأمر الواحد الى كل من الوكيل و الموكل.

لا يقال: لم لا يكون لكلّ من الوكيل أو موكله خيار مستقل كما هو مقتضى انحلال خطاب البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإنّه يقال الخطاب المزبور انحلالي بالإضافة إلى أفراد البيع المنشأة ابتداء، و لكن لا انحلال فيه بالإضافة الى كل من صدق عليه عنوان البائع أو المشتري في بيع واحد؛ و لذا لا يثبت لكل من الوارث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 49

تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا

حق خياريّ (1).

______________________________

خيار مستقل بالإضافة إلى حصّة و كذا لو اشترى حيوانين بصفقة واحدة و أراد فسخ البيع بالإضافة إلى أحدهما دون الآخر، فلا ينفذ ذلك لأنّ البيع المنشأ التام واحد؛ و ظاهر الأدلة ثبوت الخيار فيه لا في البيوع التي ينحل إليها ذلك البيع الواحد.

(1) ظاهر الأدلة ثبوت الخيار للبائع و المشتري و يستفاد مما دلّ على جواز إسقاط الخيار انه من الحقوق أي قابل للإسقاط؛ و امّا جواز نقله الى الغير فلم يدل عليه دليل كما انّه لم يقم دليل على ان كل حق يقبل النقل الى الغير ليؤخذ به في المقام و على ذلك فليس للموكل فيما ثبت له الخيار تفويضه الى وكيله أو الأجنبي.

نعم حيث انّ للموكل الفسخ و الإمضاء و كل منهما من الأفعال القابلة للنيابة فيمكن ان يوكّل الغير في الفسخ أو الإمضاء، بحيث يكون فسخه أو إمضائه أعمالا لخيار الموكل و هذا ليس من التفويض فان معنى التّفويض نقل الخيار من نفسه الى الغير بحيث لا يكون للموكل خيار بعد النقل و التوكيل في الفسخ أو الإمضاء ليس من هذا القبيل بل للموكل بعده اعمال خياره بنفسه بالإمضاء أو الفسخ و يكون ذلك فسخا عمليا للوكالة.

لا يقال: بناء على إرث الخيار كما عليه المشهور يكون ذلك دليلا على جواز النقل أيضا فإنّه إذا لم يقبل النقل فكيف يورث أضف الى ذلك عموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فانّ تفويض الخيار الى الغير بالعوض أو مجانا عقد يجب الوفاء به فإنّه يقال عموم وجوب الوفاء بالعقود منصرف الى العقود المتعارفة بين الناس و لو في كلّ عصر لا خصوص العقود المتعارفة في زمان صدور الآية و تفويض الخيار الشرعي بمعنى

نقله الى الغير مجانا أو بالعوض غير متعارف، و المتعارف هو التوكيل في الفسخ و الإمضاء كما تقدم.

و امّا إرث الخيار فهو على تقدير الالتزام به كما يأتي لا يقتضي جواز كل نقل، و لذا لا أظن الالتزام بجواز تفويض مثل حق القصاص الى الغير مجانا أو مع العوض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 50

و ممّا ذكرنا عدم ثبوت الخيار للفضوليين (1).

______________________________

لا بمعنى توكيل الغير في استيفائه مع انّ الحق المزبور موروث بلا شبهة؛ و على الجملة ثبوت النقل القهري لا يقتضي جواز النقل الاختياري.

(1) الأظهر عدم ثبوت خيار المجلس للفضوليين باعتبار ان البيع مع عدم اجازة المالكين و ان يستند الى الفضوليين الّا انّ عدم ثبوت الخيار لهما باعتبار ان خيار المجلس كسائر الخيارات الشرعية التأسيسية حكم شرعي للبيع التّام المترتب عليه الانتقال الشرعي كما هو ظاهر الرّوايات، فمع اجازة المالكين يستند إليهما البيع و على تقدير اجتماعهما مجلس الإجازة يثبت لهما خيار المجلس و احتمال اعتبار مجلس العقد لا مجال له الّا بناء على الكشف الحقيقي حيث ان الإجازة بناء عليه تكشف عن تمام البيع و ترتب الحكم عليه من حين صدوره و لكن المبنى المزبور كما تقدم في محله ضعيف. و الحاصل ان المعتبر الاجتماع مجلس الإجازة سواء قلنا بالنقل أو بالكشف الحكمي.

و مما ذكرنا يظهر ان ثبوت خيار المجلس في بيع الصرف و السلم بعد حصول التقابض و القبض، و ليس في ذلك محذور أصلا، و احتمال ان يكون اجازة المالكين إسقاطا لخيار المجلس كما عن المصنف (ره) لا يمكن المساعدة عليه فان الخيار حكم شرعي يترتب على العقد بعد الإجازة إلّا مع اشتراط سقوطه و اجازة

العقد بمجرّدها لا ظهور لها في اشتراط السقوط و لا فرق في عدم ثبوت الخيار للفضوليين بين كونهما غاصبين أم لا، و حيث انه ليس لهما خيار المجلس، فلو تفاسخا قبل الإجازة لغي الفسخ و يبقى البيع بحاله. نعم لو ألغى أحد الغاصبين إيجابه قبل قبول الآخر لا يكون ذلك البيع قابلا للإجازة لاختلال صورة العقد بالإلغاء المزبور بناء على ما تقدم عن المصنف (ره) من انّ الرد المزبور تسقط الموالاة المعتبرة بين إيجاب العقد و قبوله على كلام تقدم في محلّه و الموالاة بين العقد و أجازته غير معتبرة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 51

و يكفي (ح) الإنشاء أصالة من أحدهما و الإجازة من الآخر (1) لو كان العاقد واحدا (2).

______________________________

(1) يعني يكفي في ثبوت خيار المجلس فيما إذا كان أحد المتعاقدين أصيلا و الآخر فضوليا فرض مكان قد جمع ذلك المكان الأصيل و المجيز بان حصول الإنشاء من الأصيل و الإجازة من المجيز في ذلك المكان.

(2) و حاصله: انه لو كان العاقد في البيع واحدا كما إذا باع ماله من غيره فيما كان وكيلا أو وليا على ذلك الغير في الشراء له أو باع مال الغير من نفسه فيما كان وليا على ذلك الغير أو وكيلا عنه في البيع و يثبت له خيار البائع و المشتري لأنّ مقتضى قوله عليه السلام (البيعان بالخيار) ثبوت الخيار لكل من صدق عليه عنوان البائع و من صدق عليه المشتري؛ و المفروض ان العاقد المزبور يصدق عليه كل من العنوانين و بتعبير آخر صيغة التثنية هنا لا باعتبار تعدد الوجود من طبيعة كما في مثل الرجلين و المرأتين و نظائرهما، بل باعتبار الطّبيعتين و

تعدد العنوانين أي البائع و المشتري نظير قوله (القتيلان في النار)، حيث يعمّ ما إذا كان شخص قاتلا و مقتولا في واقعة.

و دعوى ظهور التّثنية في المقام فيما إذا كان كل من عنوان البائع و المشتري منطبقا على من انفرد بالإنشاء فلا يتحقق الخيار فيما إذا لم يكن في البين انفراد بإنشاء البيع و الشراء، كما إذا كان العاقد واحدا لا يمكن المساعدة عليها، فإنه لا وجه للدعوى المزبورة بعد ظهور الخطاب في كون الخيار حكما لمن ينطبق عليه عنوان البائع أو المشتري و يكفي في الجزم ببطلانها ملاحظة سائر الأحكام الثّابتة لعنوان البائع أو المشتري كثبوت خيار الحيوان فإنه لا ينبغي الشبهة في ثبوته للولي فيما إذا باع الحيوان المملوك له من المولى عليه.

نعم المذكور في الرّوايات غاية لخيار المجلس افتراق المتبايعين و الافتراق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 52

و فيها ايضا لو اشترى جمدا (1).

______________________________

لا يتحقق الّا مع تعددهما فيكون ذكر الغاية قرينة على اختصاص خيار المجلس بصورة تعدد البائع و المشتري خارجا؛ و قد يقال في الجواب عن ذلك بان (حتى) من أداة الغاية و تدخل على الممكن و الممتنع كقوله سبحانه (حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ) فيكون مقتضى دخول حتى في الروايات على الافتراق ثبوت خيار المجلس أمكن الافتراق أم لا، و لكن لا يخفى ان دخوله في بعض الموارد على الممتنع لا ينافي ظهور مدخولة فيما إذا كان قيدا للحكم في فرض الاجتماع لموضوع ذلك الحكم فلا يكون للخيار موضوع فيما لم يكن اجتماع لبيعين سواء كان عدم الاجتماع بالافتراق حال العقد كعدم حضور الموكل مجلس العقد أو بعدم تعددهما في مفروض الكلام.

و ذكر المصنف

(ره) في الجواب عن ذلك بأنّ الافتراق المزبور و ان كان ظاهرا في فرض الاجتماع المختص بصورة تعدد العاقد الّا انّ جعله غاية مبني على الغالب من تعدد العاقد و كون البائع غير المشتري خارجا، فلا يوجب ذلك اختصاص خيار المجلس بصورة التعدد.

أقول: لا يخفى بان الحمل في قيد على الغالبي ينفع فيما إذا كان في البين خطاب يثبت الخيار للبائع و المشتري من غير ذكر الغاية فيه ليمكن الأخذ بالإطلاق و لا يرفع اليد عنه بالقيد الغالبي و لكن ليس في المقام مثل ذلك الخطاب المطلق.

(1) و هل يثبت خيار المجلس فيما إذا لم يكن العين قابلا للبقاء بعد العقد لحصول التلف كلا أو بعضا قبل الافتراق كالجمد في الصيف. ذكر في التذكرة ان في ثبوت الخيار اشكال؛ و وجهه على ما ذكر المصنف (ره) اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد و الجمد في الفرض لا يكون كذلك. و في جامع المقاصد انّ خيار المجلس لا يسقط بالتلف فكيف يكون عدم قابلية الجمد موجبا لانتفاء الخيار؛

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 53

[لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع]

لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود (1).

______________________________

و أجاب المصنف (ره) بأنّ التلف لا يكون مسقطا فيما إذا ثبت خيار المجلس قبله بالعقد؛ و في المقام أصل ثبوت الخيار بالعقد غير معلوم.

أقول: إطلاق أدلّة الخيار فيما إذا لم يكن سقوطه شرطا في البيع و لو بنحو الشرط الارتكازي عدم الفرق بين المقام و سائر المقامات.

و هل يثبت فيما إذا كان المبيع دينا لبائعه على المشتري فقد يقال بعدم الثبوت باعتبار ان الدين ببيعه من المديون يسقط و اشتغال الذّمة بإعادة الدين إليها غير معهود. و عن السيد اليزدي

(ره) انه يمكن القول بثبوت خيار المجلس مع كون سقوط الدين عن العهدة من قبيل تلف المبيع و بفسخ ذي الخيار يرجع الى بدله.

أقول: و يظهر الثمرة فيما إذا كان الدين من القيميات كما إذا باع حيوانا موصوفا بنحو السلم، ثم باع المشتري الحيوان المزبور من بائعه فإن قيل بثبوت خيار المجلس في البيع الثّاني و كون سقوط الدّين عن العهدة من التلف فيرجع بعد الفسخ إلى قيمة ذلك الحيوان على ما هو المستفاد من العرف و الأدلّة ان الحيوان و غيره من القيميات يضمن بالقيمة، و ان لم نقل بأنّ سقوط الدين عن العهدة من التلف، و ان عود العهدة مع قيام الدليل عليه ممكن، كما هو الصّحيح فيلتزم بالعود في المقام كما هو مقتضى الخيار الثابت بإطلاق مثل قوله عليه السلام (البيعان بالخيار (إلخ)).

(1) قد ذكر (قده) اختصاص خيار المجلس بالبيع فلا يثبت في سائر العقود اللازمة سواء كانت مالية كالإجارة أم غيرها كالنكاح فان هذا الخيار تأسيس من الشرع و ما ورد فيه لا يعمّ غير البيع، و قد نقل الإجماع على اختصاصه بالبيع في كلمات الأصحاب كالشيخ في الخلاف فإنّه ذكر الإجماع على عدم دخوله في الوكالة و الوديعة و العارية و المضاربة و الحوالة. و في غير موضع من المبسوط صرّح باختصاص خيار المجلس بالبيع، و لكن مع ذلك ذكر أيضا في المبسوط لا مانع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

ثبوت خيار المجلس و الشرط في الوكالة و الوديعة و العارية و المضاربة و الجعالة.

و قد حمل في الدروس هذا الكلام على انّه لا يجوز التصرف في العقود المزبور الّا بعد انقضاء المجلس و الشرط،

و حيث ان تصرف المالك في ماله لا يصحّ ان يتوقف على مضي زمان ذكر المصنف (ره) ان مراد الشهيد عدم جواز تصرف الطرف الآخر أي غير المالك الّا بعد ذلك الزمان المزبور لأنّ ثمرة هذه العقود تصرف غير المالك في المال و هذا كالتزامه (قده) في البيع بأنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع و البائع في الثمن الّا بعد مضي زمان الخيار و لم يقبل المصنف (ره) هذا الحمل لتصريح الشيخ (قده) في غير موضع من المبسوط باختصاص خيار المجلس بالبيع فكيف يلتزم مع ذلك بجريانه و جريان خيار الشرط في تلك العقود الجائزة.

و قال الأولى حمل كلامه على ما ذا كانت تلك العقود الجائزة منشأه في ضمن البيع بنحو شرط النتيجة فإنها مع الشرط كذلك تكون خيارية بخياريّة البيع و لازمة بلزوم البيع. و ذكر في السرائر دخول خيار المجلس و الشرط في العقود و علّل دخولهما فيها بحصول المقصود من الخيارين و هو جواز فسخها. و احتمل المصنف (ره) أن يكون مراد الشيخ (قده) ايضا من دخولهما ثبوت نتيجتهما في تلك العقود بجواز فسخها.

لا يقال كيف يكون مثل الوكالة شرطا في ضمن العقود اللّازمة فتكون لازمة بلزومها مع ان العقود الإذنية تكون قوامها بالأذن، و إذا رجع الموكل عن إذنه للغير في الفعل فلا يبقى الإذن المقوم لها و لو مع اشتراطها في ضمن العقد اللازم.

فإنّه يقال حدوث تلك العقود يكون بالإذن بنحو خاص و ينتزع منه أمر يعبر عنه بالاسم المصدري فيكون المعنى الاسم المصدري باقيا مع عدم قيام الدليل على جواز العقد بالرجوع في الإذن و نحوه؛ و يكشف عن ذلك ما ورد في ثبوت الوكالة

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 55

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (1).

______________________________

و عدم بطلانها بعزل الموكل فيما إذا لم يوصل عزله الى الوكيل، و إذا أمكن ثبوت الوكالة مع رجوع الموكل عن إذنه السابق فيؤخذ به فيما إذا كانت شرطا في ضمن العقد اللّازم بنحو الشرط النتيجة، حيث ان مقتضى لزوم البيع مثلا نفوذ تلك الوكالة و عدم انفساخها و لو برجوع الموكل و إظهاره عدم مأذونية الطرف في مورد الوكالة كما لا يخفى.

(1) تعرض (قده) لمبدء خيار المجلس و انه من حين تحقق العقد أو من حين ترتب الأثر أي انتقال المالين، و حيث ان الانتقال الشرعي يتوقف في بيع السلم و الصرف على القبض و التقابض يقع الكلام في انّ الخيار فيهما من حين تحقق العقد أو من حين القبض أو التقابض. و حاصل ما ذكر انّه ان قلنا بوجوب القبض أو التقابض يثبت فيهما الخيار كسائر البيوع من حين تحقق العقد و يكون فائدة الخيار فيها فسخ العقد و إلغائه لئلّا يحصل بترك القبض أو التقابض عصيان و لو لم نقل بوجوب القبض و الإقباض، ففي ثبوت الفائدة للخيار قبلهما تأمّل الّا ان يدّعى ان فائدته إخراج العقد عن قابلية الصحة بلحوق القبض و الإقباض.

و الوجه في وجوب القبض أو التقابض بتحقق العقد أحد الأمرين: امّا ثبوت الربا كما إذا كان العوضان في الصرف من جنس واحد فإنّه على تقدير تحقق القبض من أحدهما دون الآخر يلزم أن يكون في أحد العوضين زيادة حكمية لأنّ للأجل قسطا من الثمن. و أمّا ان مقتضى قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب العمل على مقتضى العقد و الوفاء به قبل القبض أو الإقباض يتحقق

بالقبض و الإقباض؛ و نقل في المقام كلام العلامة في التذكرة، حيث يظهر منه ثبوت خيار المجلس في الصرف من حين تحقق العقد حيث ذكر انّه إذا حصل التقابض في بيع الصرف، و أجاز المتبايعين البيع أي أسقطا خيارهما لزم العقد؛ و كذا إذا أجازا العقد قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 56

..........

______________________________

التقابض فإنه يلزم معها التقابض و لو تركا التقابض بعد ذلك الى افتراقهما بطل البيع لعدم حصول الشرط، و لكن لو كان تفرقهما بدون التقابض برضاهما فلا عصيان، لانّ رضاهما اقالة للبيع، و ان كان تفرقهما بمفارقة الواحد منهما عصى ذلك المنفرد.

و كذا كلام الدروس حيث صرح بثبوت خيار المجلس في الصرف تقابضا أم لا فإن أسقطا خيارهما وجب التقابض فلو هرب أحدهما بعد الاسقاط عصى، و لكن ينفسخ البيع و لو هرب أحدهما قبل إسقاط خياره فلا عصيان و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لعدم لزوم العقد ما دام لم يحصل التقابض كما عن الشيخ (قده) في المبسوط حيث صرح بعدم وجوب التقابض في الصرف و لم يقيّده بصورة التزامهما به بإسقاط خيارهما.

أقول: ان أراد العلامة (ره) استفادة اشتراط القبض و التقابض في السلم و الصرف من دليل حرمة الرّبا و بطلان المعاوضة الربويّة فلا يمكن المساعدة عليه أولا، فإن الدّليل المزبور لا يجري في بيع السلم مطلقا، و في بيع الصرف فيما إذا كان العوضان من غير جنس واحد كبيع الدراهم بالدنانير؛ و ثانيا حرمة الربا و بطلان المعاوضة الربوية تكون مع اشتراط التّأخير في ناحية أحد العوضين المتجانسين المتساويين وزنا لا بمجرد تأخيرا أحد العوضين بعد انقضاء مجلس العقد مع عدم ثبوت حقّ التّأخير و على

ذلك فإثبات اشتراط وجوب التقابض في المجلس بلزوم الربا غير ممكن.

و ان أراد إثبات وجوب التقابض تكليفا، فمن الظاهر انّ مع عدم وجوبه لا يلزم الربا حيث بدون حصول التقابض لا نقل لتكون المعاوضة ربوية و مع التقابض يصحّ و لا موضوع للرّبا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

و امّا قضية وجوب التقابض أخذا بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فهو ايضا غير ممكن لما تقدم من انّ وجوب الوفاء بالعقود بالإضافة إلى المعاوضات المالية و منها البيع حكم إرشادي إلى التخلص من محذور التصرف في مال الغير من غير رضا صاحبه أو عدم انحلاله بعد حدوثه، و إذا قام الدليل على عدم حصول النقل في بيع السلم و الصرف قبل القبض و الإقباض فينتفي ذلك الحكم الإرشادي لأن المال قبل القبض ليس من مال الغير و لم تتم المعاملة ليحكم بلزومها و عدم انحلالها؛ و ايضا ما دلّ على اشتراط السلم أو الصرف بالقبض و التقابض، كما يكون مقيدا لقوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و انّ إمضاء البيع في الصرف و السلم بعد القبض و التقابض كذلك يكون حاكما لقوله (البيعان بالخيار حتى يفترقا)، لانّ ظاهر الخطاب ثبوت الخيار للبائع و المشتري في البيع الممضى شرعا. و ظاهر دليل الاشتراط عدم إمضاء البيع قبل القبض و التقابض. و هذا هو المراد من حكومته على قوله (البيعان بالخيار ما لم يفترقا).

و لكن عن بعض الأجلّة (دامت أيّامه) ان الموضوع لخيار المجلس في الروايات البائع و المشتري و مقتضى ذلك ثبوت الخيار لكل منهما من حين تلبسه بالمبدء و على تقدير تحقق البيع من البائع بتمام الإيجاب يثبت الخيار له من ذلك الحين و على تقدير

القول بان تلبس كل منهما يكون بتمام القبول يثبت لكل منهما الخيار من ذلك الحين فان قوله عليه (البيعان بالخيار الى ان يفترقا) بمنزلة القول بان لكل من البائع و المشتري خيارا من حين التلبس بالمبدء الى حصول الافتراق من غير فرق في ذلك بين بيع الصرف و السلم و غيرهما؛ لانّ ثبوت الخيار في بيع قبل حصول النقل الشرعي أمر ممكن. و انّما لا يمكن ثبوت الخيار في بيع لا يلحقه الصحة لا في بيع يمكن عروضها له، ثم على تقدير القول بعدم ثبوت الخيار في بيع الصرف و السلم قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 58

[مسقطات خيار المجلس]
[الأول لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد.]
اشارة

لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه (1)

______________________________

القبض فيشكل إثبات حدوثه لكل من البائع و المشتري بعد القبض لان الدليل قد دلّ على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري من حين التلبس بالمبدء و بقائه إلى حصول الافتراق، و إذا خرج بيع الصرف و السلم عن الحكم بعدم حدوث الخيار بالتلبس فيشكل إثبات حدوثه لكل منهما بالقبض الى حين الافتراق.

و لكن الاشكال يمكن دفعه بان المقام من صغريات ما إذا خرج فرد عن العام أو المطلق في زمان ثم بعد ذلك الزمان يتمسك بالعام أو المطلق لإثبات حكمهما للفرد المزبور، فان ما دلّ على اشتراط القبض أو التقابض في السلم أو الصرف تخصيص أو تقييد في الحكم المستفاد من قوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) و لو يكون هذا التخصيص أو التقييد بلسان الحكومة أي بنفي البيع قبل القبض لانّ القبض ليس شرطا عرفيا فيهما ليكون خروج بيع الصرف أو السلم قبل القبض لا بنحو التخصيص أو التقييد

انتهى.

أقول: قد تقدم ان الموضوع لخيار المجلس أو غيره من الخيارات الشرعيّة ليس مجرد البيع العرفي بل البيع الممضى لظهور أدلتها عرفا في ان الخيار حكم للبيع الممضى نظير ما دلّ على مشروعيّة الإقالة في كل بيع؛ و لسنا ندّعي ظهور البيع في الممضى في كل خطاب حتى في مثل قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) بل المدعى في المقام الظهور الناشئ عن مناسبة الحكم و الموضوع و على ذلك فما دلّ على اعتبار القبض في السلم أو التقابض في الصرف يوجب دخول البيع فيهما في خطاب الخيار من حين القبض و التقابض من غير ان يكون تخصيص أو تقييد في البين.

(1) مسقطات خيار المجلس اشتراط سقوطه في البيع و إسقاطه بعد البيع و التفرق و التصرف و الكلام في المقام في سقوطه بالاشتراط في البيع و كأنّ سقوطه بالاشتراط في البيع متسالم عليه بينهم و يقتضيه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

حيث انّ الشرط يعمّ سقوط خيار المجلس و قد يقال ان العموم المزبور معارض بقوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) حيث انّ مقتضاه ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري اشترطا سقوطه في البيع أم لا؛ و لكن يقدم خطاب لزوم الوفاء بالشرط باعتبار المرجح و هو التسالم على سقوط الخيار بالشرط، و أورد عليه المصنف (ره) بأنّ تقديم خطاب لزوم الوفاء بالشرط بالترجيح في مقام المعارضة غير صحيح لفقد المرجّح و التسالم المزبور مدركي حيث يظهر ان وجه التسالم الأخذ بخطاب لزوم الوفاء بالشرط، و إذا فرض معارضته يلزم الإغماض عن التسالم المزبور كما في سائر الإجماعات المدركيّة.

و ايضا قد يقال ان لزوم

البيع بشرط سقوط الخيار مقتضى لزوم الوفاء بالعقد المستفاد من قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بملاحظة انّ شرط سقوط الخيار يحسب من العقد الذي يجب الوفاء به، و فيه ان قوله عليه السلام (البيعان بالخيار حتى يفترقا) أخصّ مطلق بالإضافة إلى العموم المزبور فيرفع اليد عن ذلك العموم بل الوجه في عدم الخيار مع اشتراط سقوطه في البيع ان خطاب الخيار متضمن لبيان الحكم أي الخيار للبيع بعنوانه الأولي و خطاب وجوب الوفاء بالشرط حكم للبيع بعنوان ثان فيجري فيهما ما يجري في سائر الخطابات الدّالة على ثبوت حكم ترخيصي لفعل بعنوانه الأوليّ و خطاب آخر دال على حكم آخر له بعنوانه الثانوي في انّ المتفاهم العرفي مع ملاحظة الخطابين هو ان الحكم الأول ثابت للفعل لولا العنوان الثانوي، فلاحظ ما ورد في استحباب غسل الجمعة أو الوضوء بعد الحدث مع ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر أو العهد و ان الجمع العرفي فيهما إذا تعلّق النذر بالغسل أو الوضوء هو ان الغسل أو الوضوء يجب مع النذر.

و يكشف عن هذا الجمع أي تقديم خطاب الوفاء بالشرط على خطاب حكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

البيع أو غيره صحيحة مالك بن عطية عن سليمان ابن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن رجل كان له أب مملوك و كانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك ان أعينك في مكاتبتك حتى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا ملكت نفسك قالت نعم فأعطاها في مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار قال (لا يكون لها الخيار المسلمون

عند شروطهم)، و حيث انّ الشرط الابتدائي غير نافذ فاللازم حمل اشتراط سقوط الخيار في ضمن عقد أو حملها على المصالحة في السقوط.

و الحاصل ما دلّ على خيار زوجة العبد بعد صيرورتها حرّة في فسخ نكاحها نظير ما دلّ على ثبوت خيار المجلس للبائع و المشتري في انّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما دلّ على نفوذ الشرط حمل ثبوت الخيار على الحكم الاقتضائي بمعنى ثبوته لولا شرط سقوطه في ضمن عقد لازم.

أقول: يأتي عن المصنف (ره) إبطال هذا الوجه فان الخيار الثابت لو كان من قبيل الحكم للبيع بعنوانه الأولى لكان شرط عدم ذلك الحكم بل ثبوت خلافه محكوما بالبطلان لأنه يعتبر في صحّة الشرط في المعاملة أن لا يكون على خلاف الحكم المستفاد من الكتاب أو السّنة، كما إذا تزوّج المرأة على ان لا يكون لزوجها اختيار طلاقها فإنه يحكم ببطلان الشرط المزبور لكون المشروط خلاف السنة الدّالة على ان الطلاق بيد الزوج و كذا إذا باع المال بشرط أن لا يكون للمشتري اختيار الرجوع في هبته السابقة فإن شرط عدم الاختيار في الرجوع خلاف السنة الدّالة على انّ للواهب الرّجوع في الهبة ما دامت العين باقية.

و الحاصل لا يكون تقديم خطاب لزوم الشرط على قوله (البيعان بالخيار حتى يفترقا) لمجرد ان الخيار حكم للبيع بعنوانه الاوّلي، و سقوط الخيار حكم له بعنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 61

نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه (1).

______________________________

الشرط فيه، بل الصحيح في الجواب ما يأتي من انّ الخيار من الحقوق لا من قبيل الحكم و مقتضى كونه حقا سقوطه بكل مسقط من فعل أو قول، فيكون شرط سقوطه

في البيع مسقطا أخذا بقوله عليه السلام (المؤمنون عند شروطهم) و لا ينافيه قوله عليه السلام (البيعان بالخيار) فان مقتضى كون الخيار حقا ثبوته في البيع لولا إسقاطه و لو من حين ثبوته كما لا يخفى.

و مما ذكرنا أنّه لا موجب لحمل صحيحة سليمان بن خالد على اشتراط سقوط خيار الأمة في ضمن عقد لازم فإن الهبة إذا كانت مشروطة بشرط من قبيل النتيجة كما إذا وهب المال بشرط أن يكون وكيلا في بيع داره فبمجرّد قبول الهبة يصير لازمة لحصول التعويض، أي الوكالة في بيع الدار فلا يجوز للواهب الرجوع في هبته كما لا يجوز للمتهب الرجوع في شرط الوكالة أخذا بقوله عليه السلام (المؤمنون عن شروطهم)، و من هذا القبيل هبة المال للجارية بشرط أن لا يكون لها خيار في فسخ نكاح الأب فتدبّر جيّدا.

(1) قد أورد على اشتراط سقوط الخيار في البيع بأمور عمدتها ما أشرنا إليه من كون هذا الشرط مخالفا للسنة الدالة على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري قبل الافتراق و أجبنا عن ذلك بأنّه انّما يتحقق المخالفة للسنة لو كان الخيار قبل الافتراق من قبيل الحكم ليكون نظير شرط عدم جواز الطلاق للزوج في عقد النكاح؛ و امّا إذا كان من قبيل الحقوق أي القابلة للإسقاط فلا يكون في شرط سقوطه مخالفة لها.

و امّا الأمور الثلاثة التي ذكرها المصنف (ره) من لزوم الدور من شرط سقوط الخيار أو كون شرط سقوطه مخالفا لمقتضى العقد أو كون شرط سقوطه في البيع إسقاطا لما لا يجب فلا مورد لشي ء منها. امّا لزوم الدور فقد يقال في تقريبه من توقف نفوذ الشرط و لزومه على لزوم العقد فان الشّرط في

ضمن عقد جائز لا يزيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

على أصل العقد في الجواز و إذا فرض توقف لزوم العقد ايضا على لزوم الشرط كما في فرض شرط سقوط الخيار لزم الدور. و الجواب ان الشرط ينفذ فيما إذا كان العقد محكوما باللّزوم و لو بواسطة ذلك الشرط و لا يتوقف على لزومه مع قطع النظر عن الشرط فان الموجب لاشتراط لزوم العقد عدم إمكان لزوم الشرط مع عدم لزوم العقد و بقائه على جوازه و إذا فرض خروج العقد عن الجواز بالاشتراط المزبور صحّ الشرط و لزم بلزوم العقد، أضف الى ذلك ما يأتي من عدم توقف لزوم الشرط على لزوم العقد و صحة الشرط في العقود الجائزة.

و امّا كون شرط سقوط الخيار منافيا لمقتضى البيع فيأتي انّ المراد من كون الشرط منافيا لمقتضى العقد عدم إمكان اجتماع ذلك الشرط مع تحقق العقد كما في قوله بعتك المال على ان لا يكون المبيع ملكا لك و نحو ذلك. و امّا الشرط الذي يمكن اجتماعه مع تحقق العقد بمدلوله فلا بأس به فيما إذا لم يخالف الكتاب و السنة. و الوجه في عدم البأس ان ما يقتضي العقد لا بشرط لا يكون منافيا لمقتضاه بشرط بمعنى انّ ما يترتب على العقد إذا كان من قبيل الحقوق يكون العقد موضوعا لثبوته بشرط عدم اشتراط سقوطه بان يكون العقد مطلقا، كما لا يخفى.

و امّا الثالث: و هو ان إسقاط الخيار بشرط سقوطه في العقد كإسقاطه قبل العقد إسقاط لما لا يجب، فالجواب انّ إسقاط الشي ء فيما كان أمرا اعتباريا قبل تحقق موضوعه لا بأس به، لانّ موضوعه مقيد بعدم الاسقاط، كما هو

مقتضى كونه حقا؛ و قد استفيد من صحيحة سليمان بن خالد جواز إسقاط الخيار في فسخ النكاح قبل تحقق موضوعه و هو صيرورة الأمة المزوجة حرّة.

و الحاصل مقتضى كون الخيار حقا تقيد موضوعه بعدم إسقاط ذلك الخيار.

نعم الإسقاط قبل تحقق موضوعه كما هو ظاهر صحيحة سليمان بن خالد يحتاج الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 63

ثم انّ هذا الشرط يتصوّر على وجوه (1).

______________________________

دليل و مع عدمه فالبطلان لعدم الدليل لا لعدم الإمكان، و امّا إسقاطه بشرط في البيع كإسقاطه فيما بعد فجوازه مقتضى كون الخيار حقّا و موضوعه البيع فيعمّه (المسلمون عند شروطهم) لتمام البيع و الشرط معا كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) في هذا الاشتراط بأنّه على وجوه: الأوّل- ان يشترط عدم الخيار في البيع بان يكون شرط عدمه بنحو شرط النتيجة مسقطا على ما تقدم من انّ عدم الخيار يحصل بكل مسقط و شرط عدمه ايضا من مسقطاته كما هو مقتضى قوله (صلى اللّٰه عليه و آله) (المسلمون عند شروطهم) و انّ ذلك لا ينافي السنّة الدّالة على (انّ البيعان بالخيار حتى يفترقا) لأن كون الخيار حقّا قرينة على انّ الموضوع له البيّعان مع عدم شرط السقوط.

الثاني: يشترط ترك الفسخ و لا شبهة في جواز هذا الشّرط و كونه من شرط الفعل و لو خالف المشروط عليه فهل ينفذ فسخه و ان فعل محرّما بمخالفته الشرط أو لا ينفذ فسخه ايضا اختار (قده) عدم نفوذه لأنّ شرط ترك الفسخ يوجب أن يكون تركه حقّا للمشروط له، و لذا يجبر عليه المشروط عليه و لو كان في تركه مجرد التكليف لما يجبر عليه إلّا بنحو الأمر بالمعروف من كل أحد،

و على ذلك فلا يكون المشروط عليه مستقلا في اختياره الفسخ بان يكون سلطانا على الفعل و الترك لينفذ فسخه نظير ما ذا نذر التصدق بمال ثم باع ذلك المال فإنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب بطلان البيع المزبور.

أقول: اشتراط ترك الفسخ لا يوجب حقّا للمشروط له الّا في الترك بان يطالبه من المشروط عليه و يجبره عليه و امّا لفسخ فلا حق له فيه بل الفسخ مجرد تفويت لحق المشروط عليه فيكون محرما و لكن النهي عن معاملة و منها الفسخ لا يوجب فسادها. و بتعبير آخر اشتراط ترك الفسخ على ذي الخيار لا ينافي بقاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 64

..........

______________________________

الخيار لأنّ الخيار التمكن على الفسخ الممضى شرعا و إذا لم يكن بينهما تناف فاللّازم نفوذ الفسخ و لو مع كونه محرما، بل لو لم يكن فسخه نافذا فلا يتصوّر انّ يطالبه المشروط له بترك الفسخ و كيف يعقل إجباره عليه.

و ذكر (ره) في ذيل كلامه وجها آخر لبطلان الفسخ و هو ان وجوب الوفاء بالشرط نظير وجوب الوفاء بالعقد أمر بترتيب الآثار على الشرط و ان كان الشرط عدم الفسخ فاللازم ترتيب آثاره حتى بعد إنشاء المشروط عليه الفسخ و لو جاز للمشتري الإمساك بالمبيع مثلا و لو بعد فسخ البائع المشروط عليه فينتزع منه بطلان الفسخ و لكن لا يخفى ما فيه فان الشرط بمعنى المشروط إذا كان فعلا أو تركا فالوفاء به كالوفاء بالنذر عبارة عن الإتيان بذلك المشروط أي الفعل أو الترك لا ترتيب الآثار و المفروض في المقام كون الشّرط ترك الفسخ لا عدم الانفساخ و بقاء العقد.

و ذكر النائيني (ره) انّ النّهي

عن الفسخ في المقام يوجب فساده فإن النهي عن معاملة بمعناها المسبّبي موجب لفسادها بخلاف النّهي عنها بمعناها السببي أو التّسبّبي، و ذلك لأنّ مع مبغوضيّة المسبب بأيّ سبب حصل كما في حصول ملكيّة السّلاح لأعداء الدّين في قتالهم المسلمين كان حصوله بالبيع أو غيره لا يمكن إمضاء ذلك المسبّب بخلاف ما إذا كان النهي عن المعاملة باعتبار مبغوضيّة السّبب أو التسبّب فإنّها لا تنافي إمضاء المسبّب، و في المقام مبغوضيّة الفسخ باعتبار المسبب حيث أنّها في رجوع ما انتقل عن ملكه الى ملكه ثانيا.

و فيه: انّ النهي و المبغوضيّة في المقام في المعاملة بمعناها التسبّبي لا المسبّبي فانّ عود الملك الى مالكه الأصلي بغير الفسخ أمر جائز تكليفا و وضعا، كما إذا اشترى البائع المبيع من المشتري ثانيا. و الحاصل لا أرى وجها صحيحا لبطلان الفسخ و عدم نفوذه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

نعم قد يقال كما عن المحقق الايرواني (قده) بأنّ بيع المال بشرط أن لا يفسخ في المجلس بناء على نفوذ الفسخ لا يخلو عن الإشكال فإنّ الشرط انّما يلزم الوفاء به إذا كان العقد و لو بالشرط المزبور لازما و المفروض انّ البيع المزبور لا يكون لازما حتّى بالشرط المزبور حيث ان الفسخ و لو يكون محرّما الّا انّه نافذ على الفرض.

و الجواب انّ المراد بعدم لزوم الشرط مع جواز العقد ان يثبت وجوب الوفاء بالشرط تكليفا و لا يثبت وجوب الوفاء كذلك بالعقد و لو بعد ذلك الشرط. و امّا إذا ثبت وجوب الوفاء بالعقد ايضا كما في المقام حيث ان وجوب ترك الفسخ مساوق لوجوب الوفاء بالعقد تكليفا فلا بأس بالاشتراط المزبور و كذا لا

يكون صحة الشرط فيما إذا كان المشروط أمرا وضعيّا منحصرا بصورة لزوم العقد، بل يصحّ مع جوازه ايضا كما إذا أعار المال بشرط ضمان ذلك المال فإنّ العارية مع الضّمان المزبور، جائزة تكليفا و صحيحتان وضعا. و امّا دعوى انّه مع اشتراط ترك الفسخ يكون خطاب وجوب الوفاء بالشرط واردا على دليل خيار المجلس لأنّ الخيار هو التمكن على الفسخ الممضى و مع تحريم الفسخ لا يكون تمكّن على الفسخ فلا يمكن المساعدة عليها فإنّه ان أريد من التمكن جواز الفسخ و تركه تكليفا زائدا على نفوذه فليس في البين ما يدلّ على اعتباره في الخيار و ان أريد مجرّد النفوذ فهو حاصل في المقام كما هو الفرض.

و امّا مسئلة بيع المال فيما إذا نذر التصدق به فالأظهر فيها إن تعلق النذر لا يخرج المال عن الملك و لا يوجب تعلق حقّ به و ذلك فان قول الناذر للّٰه علي ان أتصدّق بهذا المال ليس الّا التعهّد للّٰه بالتصدق بالمال المزبور نظير التعهد للغير في مورد شرط الفعل في بيع و نحوه كما إذا باع المال من زيد على ان يخيط له ثوبا؛ و من الظاهر انه لا يكون في مورد شرط الخياطة تمليك للخياطة من زيد، و لذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 66

الثالث: ان يشترط إسقاط الخيار (1).

______________________________

لا يكون لزيد المطالبة بعوض تلك الخياطة بل له على تقدير تخلف الشرط فسخ البيع و يشهد على عدم ظهور صيغة النذر في تمليك التصدق بالمال من اللّٰه سبحانه نظير مورد تمليك الفعل من الغير في مورد الإجارة انه لا يكون قوله جعلت خياطة ثوب زيد ملكا للّٰه سبحانه مرادفا لقوله تعالى

للّٰه عليّ ان أخيط ثوب زيد بخلاف قوله تعهدت للّٰه أن أخيط ثوب زيد فإنه مرادف لصيغة النّذر؛ و على ذلك فلو خالف و ترك الخياطة تحقّق الحنث، و كذا فيما إذا خالف في نذر التصدق، و باع المال، و لكن يحكم بصحّة البيع لانّ البيع ضد خاص للمأمور به و الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص و على تقديره فالنّهي عن معاملة لا يقتضي فسادها.

ثم لو سلم صيرورة التصدق بالمال ملكا للّٰه سبحانه بالنذر فهذا لا يوجب بطلان البيع فإنه بعد كون المال ملكا للناذر يكون بيعه إتلافا لملك اللّٰه سبحانه، فيكون محرما و قد تقدّم انّ ما يذكر في شرائط البيع كون المبيع ملكا طلقا ليس شرطا مستقلا بل هو أمر انتزاعي عن الموارد الّتي تعلّق فيها النهي الظاهر في الفساد بالبيع و ليس في المقام نظير النهي المزبور.

(1) لو كان المراد اشتراط إسقاط الخيار من الابتداء فيكون الشرط المزبور بنفسه إسقاطا له لا أمرا آخر في مقابل شرط سقوطه، و ان كان المراد اشتراط إسقاط الخيار بعد البيع يكون هذا من شرط الفعل و عليه فان لم يسقط المشروط عليه خياره بل فسخ البيع يجري في الفسخ المزبور ما تقدّم من ان شرط إسقاط الخيار كما قيل يوجب تعلّق حق للمشروط له بخيار ذي الخيار، فلا ينفذ فسخه، و ان وجوب العمل بالشرط و لو بعد الفسخ يوجب بطلان فسخ ذي الخيار، أو انّ النهي عن خلاف العمل بالشرط و هو الفسخ يوجب بطلانه، و لكن ذكرنا عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 67

..........

______________________________

تمام شي ء من ذلك، و انّ الفسخ، و ان كان محرما و لكنّه

نافذ لأنّ النهي عن معاملة لا يوجب فسادها.

و لا يخفى انه مع اشتراط عدم الفسخ أو إسقاط الخيار و تخلّف المشروط عليه بالفسخ لا يثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط لعدم بقاء البيع مع نفوذ الفسخ ليكون للمشروط له خيار فيه. نعم مع تخلف المشروط عليه في الفرض الثّالث بعدم إسقاط خياره بعد البيع يقع الكلام في ثبوت الخيار للمشروط له.

و ذكر المصنّف (ره) انّه ان قيل بعدم نفوذ فسخ المشروط عليه على تقدير فسخه فلا يثبت للمشروط له خيار لأنّ مع عدم نفوذ فسخ المشروط عليه لا يكون في البين تخلف الشرط حيث انّ عدم نفوذ فسخه مساوق لسقوط خياره، و ان قيل بنفوذه يثبت للمشروط الخيار لأنّه قد يكون للمشروط له غرض في إسقاط المشروط عليه خياره غير بقاء العقد و عدم فسخه كعدم انتقال خياره الى وارثه على تقدير اتفاق موته بان يخرج عن حال التردد فعلا.

و ذكر بعض الأجلّة (دامت أيّامه) انّ شرط ترك الفسخ أو إسقاط الخيار لا يوجب تعلّق الوجوب بترك الفسخ أو إسقاط الخيار ليقتضي وجوبهما النهي عن ضدّهما العام أو الخاص أي الفسخ و ذلك فان تعلق الوجوب بالوفاء بالشرط لا يسري الى عنوان آخر ممّا يتحد مع عنوان الوفاء بالشرط خارجا و ترك الفسخ أو ترك الخيار متّحد مع عنوان الوفاء بالشرط بحسب الخارج، و كذا وجوب الوفاء بالنذر فإنّه إذا نذر الإتيان بصلاة الظهر في وقتها صحّ و وجب الوفاء بالنذر و لا يوجب ذلك تعلّق الوجوب بنفس صلاة الظهر فانّ تعلّق وجوب الوفاء بالنذر سرايته الى عنوان آخر غير معقول و لو كان ذلك العنوان متّحدا مع العنوان الأول في الخارج فانّ الخارج ظرف

لسقوط التكليف لا ظرف لثبوته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

ثم ذكر (طال بقاه) أن أوفوا بالشّرط أو النذور لا يكون مشيرا الى وجوب العناوين الّتي يتعلّق بالإتيان بها الشرط أو النذر فانّ العنوان لا يكون مشيرا الى عنوان آخر بل ما ذكر من قبيل الجمع الإجمالي في الخطاب في مقام تعلّق الحكم بذلك الجمع الإجمالي.

و الحاصل ان صلاة الظهر مثلا لا يتعلّق بها وجوب الوفاء بالنذر بل الوجوب يتعلّق بالوفاء بالنّذر أو الشرط، و كيف يتعلّق الوجوب بصلاة الظهر مع انه يوجب تعلق تكليفين و إرادتين بتلك الصلاة و الالتزام بالتأكّد بالوجوبين أمر غير معقول فإنّ التأكد فيما إذا كان الأمر الثّاني بالفعل و بملاك الأمر الأوّل به.

مع انّه لو سلم كون وجوب الوفاء بالشرط إيجابا لترك الفسخ فلا نسلم ان إيجاب شي ء نهي عن ضده العام أو الخاص لأنّ النهي عن الشي ء يتوقف على المفسدة في متعلّقه و ليس في الضد العام أو الخاص مفسدة و الّا لكان في البين تكليفان فيستحق المكلف عقابين أحدهما على مخالفة الأمر. و الثاني على مخالفة النهي، و النهي عن الشي ء باعتبار المصلحة الموجودة في الآخر إرشاد إلى موافقة ذلك الأمر المتعلّق بذلك الآخر أو تأكيد لأمره فلا يكون في البين نهي تكليفي عن فعل الفسخ ليقال ان النهي عن معاملة لا يوجب فسادها.

أقول: ما ذكر من انّ الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده العام أو الخاص صحيح كما بيّناه في بحث الأصول و ان تعلق الوجوب بعنوان لا يسري الى عنوان آخر فهو ايضا صحيح، و لكن هذا فيما إذا كان كل من العنوانين تقييديّا، كما إذا كان أحد العنوانين منطبقا على

تحقق و ينطبق العنوان الآخر على تحقق آخر، و يكون المجمع في هذه الموارد من قبيل الانضمامين على ما تقرر في بحث جواز الاجتماع من بحث الأصول؛ و كذا فيما إذا كان أحد العنوانين تقييديّا و الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 69

بقي الكلام في انّ المشهور ان تأثير الشّرط (1).

______________________________

انتزاعيا، و يكون منشأ انتزاعه غير ما انطبق عليه العنوان التقييدي، أو كانا كلّ منهما عنوانا انتزاعيّا، و لكن منشأ انتزاع أحدهما غير الفعل الذي ينتزع عنه العنوان الآخر، فان العنوانين في جميع ذلك يكون تقييديين بخلاف ما ذا كان كل منهما انتزاعيّا، و يكون منشأ انتزاعهما فعل واحد خارجا أو كان أحدهما تقييديا و ينتزع العنوان الآخر عن ذلك الفعل فان العنوانين في ذلك و ان يكونان في عالم المفهوم متعدّدا إلّا أنّهما بحسب الخارج متّحدين، و لذا يكون التركيب بينهما في الخارج اتحاديّا و يمتنع فيهما اجتماع الأمر و النهي، حيث انّ الطلب يتعلق بما فيه الملاك و الصلاح و الفساد و هو الخارج لا المفهوم لا يقال التحقق الخارجي أي ما هو بحمل الشائع فعل مسقط للطلب و كيف يتعلّق به الطلب سواء كان الطلب من قبيل الأمر أو النهي فإنّه يقال الحكم طلبا كان أو غيره لا يكون بالإضافة إلى متعلّقه عرضا له ليلزم في تحقق الطلب فعليّة ذلك المتعلق بل الحكم من فعل الحاكم و عرض له و يكون الوجود الخارجي بعنوانه طرفا لإضافته حيث انّ المولى يضيف طلبه الى ذلك المتأخّر بصورته فيكون تلك الصورة مرآة الى ذلك المتأخّر على ما أوضحنا في بحث اجتماع الأمر و النهي من بحث الأصول و عليه فيحصل التأكّد

بطرو العنوان الثاني على الفعل لا محالة.

(1) و حاصله ان نفوذ شرط سقوط الخيار بأحد أنحائه الثلاثة كسائر الشروط فيما إذا ذكر في متن العقد و لو ذكر سقوطه قبل العقد مع خلوّ إيجاب العقد و قبوله عن ذكره فلا يكون للمذكور قبل البيع حكم بل يثبت خيار المجلس فان ذكره قبل العقد لا يكون شرطا ليعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) فان الشرط كما عن القاموس هو الإلزام أو الالتزام في بيع و نحوه.

و لكن عن الشيخ و القاضي ترتّب الأثر على شرط سقوط الخيار فيما إذا ذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

قبل العقد لعموم قوله (ص) المسلمون عند شروطهم؛ خلافا لبعض الشافعية حيث انهم لا يرون لشرط سقوطه قبل البيع حكم و أورد في المختلف انه انّما يعتبر الشرط فيما إذا ذكر في متن العقد؛ نعم إذا ذكراه قبل العقد ثم تبايعا عليه فيثبت له حكم الشرط ايضا.

و ذكر المصنف (ره) في المناقشة في الإيراد المزبور انه ان كان المراد من ذكر الشرط قبل العقد ثم البيع مع البناء على ذلك المذكور الإشارة في البيع الى المذكور قبله فيدخل هذا في ذكر الشرط في متن العقد و ان كان مجرّد قصد ذلك المذكور قبل العقد من غير ذكر شي ء في البيع؛ فهذا مراد الشيخ و القاضي أيضا فلا يكون ما ذكره في المختلف مغايرا لما ذكره الشيخ و القاضي ثم قال و الصحيح انه لا يفيد في سقوط الخيار ذكره قبل البيع، ثم البيع مع قصده لأنّ المذكور قبل العقد لا يصدق عليه الشرط لما تقدم من أنّه إلزام أو التزام في البيع بل هو، امّا وعد بالالتزام

أو الالتزام تبرّعي أي ابتدائي.

لا يقال كيف لا يكفي القصد مع ذكره قبل البيع، و قد تقدم سابقا انّه لو عيّن كل من المثمن و الثمن خارجا ثم قال البائع بعت و المشتري قبلت لتمّ و لا يحتاج إلى إعادة ذكر العوضين فإنّه يقال القصد و النيّة يكفي في متعلّقات البيع حيث انه لا يكون بيع بدون المثمن و الثمن. و امّا غير متعلّقات البيع مما هو خارج عن حقيقته كالشرط فلا يكون له حكم الّا بذكره في البيع و نحوه ليعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم). و لعلّ الشيخ و القاضي لا يخالف ذلك فإنّه يحتمل أن يكون ما ذكراه في مقابل بعض الشافعيّة حيث منعوا عن شرط سقوط الخيار في ضمن عقد البيع بدعوى انّ الخيار يثبت بعد تمام البيع فلا يجوز شرطه قبل تمام إيجاب البيع و قبوله فمرادهم من ذكره قبل تمام العقد بان يذكر في الإيجاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

و القبول.

ثم انه ربّما يذكر في المقام بأنه كيف يصحّ اشتراط أوصاف المبيع كالسلامة، و كذا اشتراط القبض و الإقباض و يثبت بتخلّفهما خيار الفسخ مع انّ شيئا منهما لم يذكر في عقد البيع و أجاب النائيني (ره) عن ذلك بأنّ الشروط الارتكازيّة العرفية لا يقاس بغيرها فإن إنشاء البيع في مورد الشرط الارتكازي دالّ على ذلك الاشتراط بالدلالة الالتزامية و كأنّه مذكور في البيع بخلاف الشرط الذي لا يكون من هذا القبيل فإن إنشاء البيع لا يكون دالا على ذلك الالتزام.

و الحاصل انّما يحتاج الى ذكر الشرط و لو بنحو الإشارة فيما إذا لم يكن البيع دالا عليه بالدلالة الالتزامية لأنّ مع عدم دلالته

عليه لا يكون المذكور قبله الّا التزاما تبرعيّا أو وعدا به.

أقول: قد ذكرنا في مباحث البيع عدم صدق البيع أو غيره من عناوين المعاملات على مجرد الالتزام بكون الشي ء ملكا للغير بعوض من دون إنشاء، و لكن تعلق الالتزام الإنشائي بكل من العين و العوض لا يحتاج الّا على العلم بالعوضين حال البيع ذكرا في عقد البيع أم لا؟؛ لأنّ تعلق التمليك بالعوضين ليس أمرا إنشائيا و الأمر الإنشائي هو نفس التمليك. و امّا الشرط في المعاملات فيما إذا كان ارتكازيا فلا يحتاج الى الذكر حيث ان إنشاء تلك المعاملة و إطلاقها كافية في الدلالة على كونها مشروطة، بالشّرط المزبور بخلاف ما ذا لم يكن ارتكازيا فإنّه يحتاج الى الذّكر ليفهم انّ المعاملة مبنيّة عليه، و لكن لا يعتبر ذكر ذلك في متن عقد البيع بل لو ذكرا هذا الالتزام قبل البيع و بيّنوا على انّ البيع المنشأ بعد ذلك مبني على الالتزام المزبور كفى كما لو قال لو بعتك المال فعليك خياطة ثوبي هذا و رضي بذلك الطرف الآخر، ثمّ قال البائع بعت المال متّصلا أو منفصلا و قال الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 72

[فرع]

فرع- ذكر العلّامة في التّذكرة موردا (1)

[الثاني إسقاط هذا الخيار بعد العقد]

بل هذا هو المسقط الحقيقي (2).

______________________________

قبلت. و امّا إذا لم يذكرا هذا الارتباط قبل البيع بل اعتقد صاحب المبيع انّ طرف الآخر بعد المعاملة على ما كان يلتزم به قبل البيع فهذا لا يكون شرطا بل يكون ذلك من تخلّف الدّاعي.

(1) ذكر العلامة في التّذكرة انه لا يجوز شرط سقوط خيار المجلس و لا سائر الخيارات في البيع فيما إذا نذر المولى عتق عبده إذا باعه فانّ شرط سقوط الخيار مناف للوفاء بالنذر حيث لا يتمّ الوفاء به برفع الخيار- أي- باشتراط سقوطه، و إذا خالف و اشترط سقوطه فيحكم ببطلان البيع المزبور و على قول آخر من عدم سراية بطلان الشرط الى نفس المعاملة يحكم بصحّة البيع و كونه خياريّا و ذكر المصنّف (ره) من انّ تعلّق النذر بعتق العين كاشتراط عدم فسخ البيع يوجب بطلان التصرف المنافي للنّذر أو الشرط.

أقول: لا وجه لتقييد النذر بما إذا تعلّق بعتق العبد إذا باعه بل لو نذر عتقه يكون الأمر كما ذكر فان التّصرف المنافي للنّذر هو اشتراط سقوط الخيار لا نفس بيع العبد، و قد تقدّم ان النّذر أو الشرط لا يوجب بطلان التّصرّف المنافي حيث انّ النّهي عن المعاملة لا يوجب فسادها فضلا عمّا إذا لم يتعلّق به النهي و انّما يكون منافيا للإتيان بالواجب فتدبّر.

(2) و الوجه في ذلك ان مع شرط سقوط الخيار أو الافتراق ينتفي الخيار بانتفاء موضوعه و يشهد لسقوط الخيار بالإسقاط فحوى ما دلّ على سقوطه بالتّصرّف الدال على التزام المتصرّف ببقاء البيع فإنّه إذا كان الفعل الدّال على الإسقاط مسقطا فإنشاء إسقاطه باللفظ أولى بالإسقاط مع انّ الإسقاط مقتضى القاعدة المسلّمة

عندهم بأنّ لكل ذي حقّ إسقاط حقّه و استفيد هذه القاعدة من فحوى ما دلّ على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 73

لو قال أحدهما لصاحبه اختر (1).

______________________________

سلطنة النّاس على أموالهم فإنّه إذا كان الإنسان سلطانا على التّصرف في ماله يكون سلطانا على التّصرف في حقّه الذي دون المال و سلطنة التّصرف في الحق فيما إذا لم يكن قابلا للنقل، يعم الإسقاط بل يمكن الاستدلال على جواز الإسقاط بما دلّ على نفوذ الشرط لو قيل بأنّ الشرط يعمّ الالتزام الابتدائي حيث انّ الإسقاط التزام بعدم الخيار ابتداء أي من غير ان يكون في ضمن المعاملة).

أقول: لعلّ تقييد الحق بما إذا لم يقبل النقل للاحتراز عن مثل حقّي التحجير و السبق حيث يمكن القول بعدم سقوطهما بمجرّد الإسقاط حيث يكون بقاء التحجير و السبق بعد الإسقاط موجبا للحق و انّ الحق في مثل ذلك نحو أولويّة بالإضافة إلى العين لا يسقط إلّا بالنقل أو رفع التحجير و ترك السبق بخلاف ما ذا لم يكن قابلا للنّقل فانّ الفرق بين ذلك الحق و الحكم جواز إسقاط الأول دون الثّاني.

و على ذلك فالعمدة إثبات كون الخيار حقّا لا حكما كما يدلّ عليه ما ورد في كون التّصرف مسقطا معلّلا بأنّه التزام ببقاء البيع. و امّا كون الحق قابلا للإسقاط كما يستظهر من فحوى حديث سلطنة النّاس على أموالهم أو دلالة ما ورد في وجوب الوفاء بالشرط فغير مهمّ.

(1) لو كان لكل من المتبايعين خيار كما في مورد خيار المجلس و قال أحدهما للآخر اختر فان اختار الآخر الفسخ ينفسخ فانّ ذلك مقتضى ثبوت الخيار لذلك الآخر. و امّا إذا اختار إمضاء العقد و إقراره فهل

يسقط خيار الآمر ايضا بحيث يكون البيع لازما من الطرفين أو انّه لا يسقط خيار الآمر الّا مع إرادته بقوله اختر نقل خياره الى صاحبه المعبر عن ذلك بتمليك الخيار و مع عدم ارادة التمليك يبقى خياره مطلقا أو فيما كان الغرض من قوله اختر استكشاف حال صاحبه من انّه يريد فسخ البيع أو إبقائه. و امّا إذا كان الغرض تفويض أمر البيع اليه فيسقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 74

..........

______________________________

خياره بالأمر بالاختيار.

أقول: امّا مسئلة تمليك خياره للآخر فلا دليل على نفوذ التّمليك فإنّه لم يثبت انّ الخيار يقبل النّقل الاختياري. و ما عن النّائيني (ره) من انّ الخيار انّما لا يقبل النّقل إلى الأجنبي، و امّا نقله الى صاحبه في البيع فلا بأس به ضعيف فانّ عدم النّقل باعتبار عدم الدّليل على نفوذ النّقل، و هذا مشترك بين الطرف الآخر و الأجنبي. و امّا التفويض فان كان المراد توكيل الآخر في الإقرار و الفسخ فلا ينبغي الريب في انّ مع اختيار صاحبه الفسخ أو الإمضاء لا يبقى خيار للآمر حيث انه استعمل خياره بوكيله في الفسخ أو الإمضاء و ان كان المراد بالتفويض أمر آخر غير التوكيل و غير إسقاط الخيار ليكون الآخر مستقلا في فسخ البيع و إمضائه فلم يتّضح لنا ذلك الأمر.

و الإنصاف انه لا دلالة لقوله اختر على التوكيل أو الاستكشاف فلا بد في تعيين أحدهما من قرينة و يستفاد ممّا ورد في قول الزوج لزوجته اختري ان قول الزّوج فيما إذا اختارت نفسها بان يفترق عن زوجها يكون طلاقا و قد أنكر ذلك في بعض الأخبار الأخر، و انّه لا يتمّ الفراق الّا بالطّلاق و لو

بالتوكيل و ورد في المقام ايضا سقوط خيار المجلس بقوله لصاحبه اختر و في النّبويّ المروي في المستدرك من انّهما بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر و كان قوله لصاحبه اختر مسقط لخيار الآخر و على كل فمع ضعف سند النبوي و عدم إحراز ظهور الأمر بالاختيار في إسقاط الخيار أو التوكيل يكون المرجع التمسك بما دلّ على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري الى حصول الافتراق. بعد إحراز عدم الاسقاط و لو بالأصل.

ثم انّه إذا كان لكلّ من المتبايعين خيار الفسخ و اختلفا في الفسخ و الإمضاء ففسخ أحدهما و أمضاه الآخر ينفسخ البيع سواء كان فسخ أحدهما قبل إمضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 75

[الثالث افتراق المتبايعين]

و لا إشكال في سقوط الخيار به (1).

______________________________

الآخر أو كان بعده لأنّ إمضاء أحدهما لا يوجب سقوط خيار صاحبه و لا يكون ذلك من باب تعارض الفسخ و الإمضاء.

و انّما يقع التعارض بينهما في موردين أحدهما ما إذا ثبت الخيار للمتعدد من طرف واحد أو لكلّ من الطّرفين، كما إذا قلنا بثبوت خيار المجلس للموكّل و وكيله فاختلفا في الفسخ و الإمضاء و ثانيهما ما إذا صدر عن ذي الخيار أمران يقتضي أحدهما إقرار العقد و الآخر فسخه كما إذا باع العبد بجارية، ثم أعتقهما فإنّ العتق بالإضافة إلى بيع العبد فسخ و بالإضافة إلى الجارية إقرار له فيقع التّعارض.

و قيل انّه في مورد التعارض يقدم الفسخ فيما إذا وقعا دفعة و يؤخذ بمقتضى السابق مع وقوعهما تدريجا و لكنّ في كلا الأمرين تأمّل بل منع لأنّ الثّابت للمتعدد في فرض التّعارض خيار واحد و مقتضاه اتّفاق المتعدد على الفسخ

أو الإمضاء أو رعاية السابق في بعض الموارد و الّا فمع الاختلاف يبقى البيع على حاله و إذا أعتق العبد و الجارية لا يبعد الحكم بانعتاق الجارية دون العبد، لأنّ عتق العبد يتوقّف على إرجاعه إلى ملكه بقصده فسخ العقد و لم يحصل هذا القصد كما هو مقتضى عتق الجارية فتدبّر جيّدا.

(1) ذكروا من مسقطات خيار المجلس افتراق المتعاقدين و عدّه مسقطا لا يخلو عن مسامحة لأنّ الموضوع للخيار المتبايعين ما داما مجتمعين و بالافتراق ينتهي الاجتماع على ما تقدّم. هذا بناء على ما هو المتسالم عليه عندهم كما صرّح بذلك بعضهم من انتهاء الخيار بنفس الافتراق، كما هو ظاهر غير واحد من الرّوايات أيضا فإنّه قد ورد فيها انّ المتبايعين بالخيار حتّى يفترقا.

لا يقال الافتراق الظّاهر في الرّضا ببقاء البيع هو المسقط كما يشهد عليه صحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّٰه قلت ما الشّرط في غير الحيوان قال (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرّضا منهما)، و لذا ذكر المصنّف (ره) ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 76

..........

______________________________

الصحيحة في كون الافتراق الظّاهر في الرّضا ببقاء البيع مسقطا و لكن قد أغمض عن هذا الظهور بالالتزام بكون نفس الافتراق مسقطا، و لعلّ الموجب لالتزامه بذلك التّسالم على الحكم.

فإنّه يقال ظاهر الصحيحة كون الرّضا بالبيع أي الرضا المعاملي الحاصل من حين البيع المكشوف بقائه بترك الفسخ الى حين الافتراق و انّ الافتراق مع هذا الرضا غاية للخيار فلا يكون فيه احتراز الّا عن صورة الفسخ قبل الافتراق لا انّه يعتبر ان يكون في الافتراق ظهور في التزامه ببقاء البيع و عدم رفع يده عنه ليكون الافتراق مسقطا

فعليّا في مقابل المسقط القولي، كيف و الخيار ملك فسخ العقد و ثبوته لا ينافي الرّضا ببقاء البيع، و لذا يصحّ ان يصرّح قبل الافتراق انّه راض فعلا ببقاء البيع مع بقاء حقّه في الفسخ لو بدا له ذلك و التفت الى عدم صلاحه.

و بتعبير آخر الرّضا ببقاء البيع عند الافتراق لا يكون مسقطا بإسقاط ذي الحق بل المسقط إظهار الرّضا بحيث يرفع يده عن حقّه فلا بدّ من الالتزام بان الافتراق مع الرضا المعاملي ببقاء البيع كما ذكر غاية للخيار. و امّا احتمال كون المراد بالرّضا في الصّحيحة الرّضا بالافتراق زائدا على رضاهما بالبيع بان لا يكون عبرة بالافتراق فيما إذا حصل بغير رضاهما مع عدم ظهور الصحيحة في ذلك خلاف ظاهر صحيحة الحلبي و غيرها ممّا يكون ظاهرا في سقوط خيارهما بالافتراق و لو لم يكن صاحبه راضيا بذلك الافتراق و حمله على صورة رضا صاحبه بالافتراق ليس أولى من حمل الصحيحة على رضاهما بالبيع بالمعنى المتقدم مع ما عرفت من انّه ليس من قبيل الحمل بل الأخذ بالظهور.

و قد ظهر ممّا ذكرنا من انّ الافتراق ليس بمسقط بل ينتهي معه موضوع الخيار انه لا دلالة في الصحيحة على ما تقدم من كون الخيار حقّا قابلا للإسقاط، ثم انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

المراد بالافتراق ليس تفرّق المتعاقدين عن مجلس كانا فيه حال البيع لأنّه يمكن حصول البيع حال مشيهما أو ركوبهما، و لذا ذكر المصنّف (ره) انّ المراد به زوال تلك الهيئة الاجتماعية الّتي كانت حال البيع و لا عبرة بالجلوس في مكان واحد أو كونهما فيه و يحصل هذا الزّوال بأدنى انتقال يزول معه تلك الهيئة

كما إذا كان البائع و المشتري في سفينتين متلاصقتين فإنّه إذا تحرّك رأس السّفينة عن الأخرى حصل الافتراق و لا يعتبر في تحقّقه المشي من أحدهما و لو خطوة، و ان ذكر الخطوة في بعض الكلمات و لكنّه تمثيل و بيان لبعض افراد الافتراق و لو لم يكن المشي و لو خطوة كما في مثال السّفينتين كفى في سقوط الخيار.

و ناقش بعضهم في كفاية الخطوة بدعوى انصراف الافتراق الى غيره و مقتضى الاستصحاب بقاء الخيار الى حين إحراز حصوله و يؤيّد عدم الكفاية قوله عليه السلام في بعض الرّوايات فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فإنه لو كان المشي خطوة مسقطا للخيار لاكتفى عليه السّلام بذكرها لا بذكر الخطاء.

أقول: الظّاهر من الافتراق بقرينة ثبوت الخيار مع عدم اعتبار المجلس حال البيع زوال المصاحبة الّتي كانت حال البيع و زوال المصاحبة لا يكون بالخطوة أو بتحريك رأس السفينة عرفا بل بحيث لا يكون معه المكاملة المتعارفة. نعم لو شكّ في مورد في صدق الافتراق بحيث تكون الشبهة مفهومية لكان المورد من موارد التمسك بالعموم أي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا استصحاب بقاء الخيار خصوصا مع ما ذكرنا من عدم اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية).

و ذكر (قده) ان الافتراق كما ذكر عبارة عن زوال الهيئة الاجتماعية أو المصاحبيّة الحاصلة للمتبايعين حال البيع و زوالها لا يتوقف على الحركة من كلّ منهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 78

المعروف انّه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه (1).

______________________________

إلى جهة غير جهة حركة الآخر، بل يحصل بحركة أحدهما و السكون من الآخر و بتعبير آخر تحقق ذات الافتراق تكون من أحدهما و اتّصافها بالافتراق بترك الآخر المصاحبة

و لو تحرك كلّ منهما إلى جهة غير جهة الآخر يكون كل من الحركتين افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر معه و يشهد لحصول الافتراق بحركة أحدهما، كما ذكر ما ورد في الرّوايات الحاكية لشرائه عليه السّلام قال فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فأثبت عليه السلام افتراقهما بمشيه فقط.

أقول: ما ذكر من حصول الافتراق بفعل أحدهما كما هو ظاهر حكاية شراء الإمام عليه السلام قرينة ظاهرة على انّ الافتراق لا يكون من قبيل إسقاط الخيار بالفعل فإنّه لا معنى لان يسقط أحد المتبايعين خيار الآخر فإنّه من إسقاط غير ذي الحق حقّ الغير.

(1) المشهور على انه لا عبرة في انتهاء الخيار بالافتراق عن إكراه فيما إذا منع عن التخاير ايضا كما إذا منعهما المكره بالكسر عن فسخ البيع ايضا و كأنّه يبقى الخيار في هذا الفرض الى ان يسقط بمسقط آخر و يستدلّ على ذلك تارة بأن الافتراق الوارد في الروايات غاية للخيار منصرف الى ما كان بالاختيار لا بالإكراه سواء كان الإكراه بنحو يدخل الفعل معه في الاضطرار بمعنى سلب الإرادة و القصد أم لا، و أخرى بأنّ الافتراق في الروايات و ان يعمّ زوال الهيئة الاجتماعيّة مطلقا إلّا ان مقتضى حديث رفع الإكراه عدم العبرة بالافتراق عن إكراه فانّ المقرر في محلّه عدم اختصاص الحديث برفع خصوص الحكم التكليفي، بل يرفع الحكم الوضعي أيضا و منه كون الافتراق غاية للخيار.

و ناقش المصنف (ره) في كلا الوجهين امّا الأوّل فلأن غاية ما يمكن دعوى انصراف الأفعال إلى الاختياري منها في مقابل الاضطراري أي الصادر من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 79

..........

______________________________

ارادة و قصد فإنّ الإسناد في

مورد الاضطرار يكون ضعيفا بحيث يكون قيام المبدء بجسم المضطر صوريّا بخلاف مورد الإكراه، حيث يكون الشخص فاعلا بالإرادة و القصد، و لو كانت إرادته للتحرّز عن الضّرر المتوعد به، و إذا دخل الفعل الإكراهي في الغاية دخل الاضطراري أيضا لعدم القول بالفصل، و لذا ذكروا ان الافتراق عن اضطرار ايضا موجب لسقوط الخيار فيما إذا كان متمكّنا على التّخاير قال في المبسوط في تعليل الحكم انّه إذا كان متمكّنا على الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتى وقع التّفرّق كان ذلك دليلا على الرّضا و الإمضاء.

و امّا الثاني: فلأنّه لو عمّ حديث الرّفع المقام لما كان فرق بين التمكن على التخاير و عدمه مع انّهم قيّدوا سقوط الخيار بصورة عدم التمكن على التخاير و الصّحيح في الاستدلال على المشهور مع ملاحظة الشهرة المحقّقة، و إمكان دعوى انصراف الرّوايات الى ما كان الافتراق عن رضا بالعقد أي ببقائه صحيحة الفضيل حيث ان ظاهرها اعتبار بقاء الرّضا بالبيع الى تحقّق الافتراق حصل الافتراق بالكره أم بغيره أو كون الافتراق بحيث يكون كاشفا عن كون المتبايعين راضيا ببقاء العقد و الإعراض عن فسخه، و هذا الكشف النّوعي لا يكون مع الإكراه على التّفرق و المنع عن التخاير؛ أقول قد ذكرنا ان الافتراق لا دلالة له على إمضاء العقد حتى ما لو كان الافتراق بلا إكراه بل الكاشف عن الرّضا المعاملي ترك الفسخ مع التمكن عن التخاير و فسخ البيع.

و ذكر النائيني (ره) منع انصراف الأفعال إلى الاختياري بمعنى عدم الإكراه حيث انّ الاختيار بمعنى عدم الإكراه غير داخل في مادة الأفعال و لا في هيئاتها و التمسك بحديث رفع الإكراه في المقام غير صحيح لأنّ المرفوع به الفعل

الّذي يتعلّق به التكليف و لا يعمّ الفعل الّذي يكون موضوعا للحكم و التكليف كالسفر و الإقامة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

و التّفرق لأنّه لا جامع بين متعلق التكليف و موضوعه، و ذكر الوسوسة و الحسد و الطيرة قرينة على اختصاص الرفع بمتعلق التكليف لانّ تلك الأفعال لو لم تكن مرفوعة لكانت متعلقات التّحريم، و يشهد للاختصاص انه لو سافر أو أقام في بلد إكراها عليهما يجب القصر في الأوّل و التّمام في الثّاني و على ذلك فلا يكون رفع الإكراه مقتضيا لنفي الغائية للخيار عن الافتراق عن إكراه لأنّ الغاية قيد لموضوع الحكم أي الخيار؛ هذا مع انّ نفي الافتراق عن إكراه لا يفيد فإنّه لا يثبت موضوع الخيار أي بقاء الهيئة المصاحبية الّتي يكون المتبايعين معها موضوعا للخيار.

أقول: عنوان ما استكرهوا عليه كعنوان ما اضطرّوا عليه يعمّ الفعل الّذي يتعلّق به التّكليف و ما يكون موضوعا للحكم و المراد من رفعه مقابل وضعه و لو كان الفعل المتعلّق به التكليف موضوعا مع الإكراه أو الاضطرار اليه لكان متعلّقا معهما ايضا، كما ان الفعل الموضوع للحكم لو كان موضوعا مع الإكراه عليه أو الاضطرار اليه لكان موضوعا له معهما أيضا و الأمر في الوسوسة و الحسد و الطيرة أيضا كذلك، و امّا قضيّة الإكراه على السّفر و الاضطرار عليه فعدم كون الإكراه أو الاضطرار رافعا لوجوب القصر فلأنّ حديث الرّفع لا يرفع التكليف و الحكم فيما إذا لم يكن في نفيه امتنان كما انّه لا يرفع وجوب التّمام في الإكراه أو الاضطرار إلى الإقامة فلأنّ الموضوع لوجوب التّمام العلم و الاطمئنان بإقامة عشرة أيّام و الإكراه أو الاضطرار لا

يطرء على العلم و الاطمئنان نظير ما ذكرناه في عدم إمكان قضاء الصلاة أو الصوم بحديث الرفع لأنّ الموضوع لوجوب القضاء فوت الفريضة لا التّرك و على ذلك فلا حكومة لحديث الرفع في الافتراق الّا مع الإكراه على ترك الفسخ أيضا لأنّ الغاية للخيار هو الافتراق مع الرّضا المعاملي ببقاء العقد لأنفس الافتراق و مع المنع عن التخاير لا يحصل الرّضا المعاملي إلّا بنحو الإكراه حيث انّه عبارة أخرى عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 81

..........

______________________________

ترك الفسخ مع التّمكن عليه.

و عن السيّد اليزدي (ره) عدم ثبوت الخيار في الفرض بل ينتهي خيارهما بالافتراق و لو من غير قصد و شعور فضلا عن الإكراه عليهما بالافتراق و منعهما عن التخاير حيث انّ الإجماع على الخيار في الفرض غير ثابت كما يظهر ذلك لمن تتبّع كلمات الأصحاب و الاختيار سواء كان في مقابل الاضطرار أو الإكراه غير داخل في مدلول الأفعال و حديث رفع الإكراه يجري في الأفعال الاعتبارية الّتي يكون قوامها بالقصد، و لا يعمّ سائر الأفعال، و لذا لا حكومة له في إتلاف مال الغير و أسباب الوضوء مع ان الافتراق في الروايات لا يكون إلّا غاية لموضوع الخيار بمعنى انّه ينتهي موضوع الخيار معه لا قيد للخيار و موضوع له فان المتبادر من قولهم عليهم السّلام (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا) انّ الخيار يثبت للمتبايعين ما دام مجتمعين و بالافتراق لا يكون اجتماع نظير قوله أكرم زيدا ما دام في المسجد فإنّه إذا خرج من المسجد بأيّ وجه و لو من غير القصد و الشعور ينتهي موضوع وجوب إكرامه.

لا يقال صحيحة الفضيل قد دلّت على اعتبار الرّضا في كون الافتراق

غاية فإنّه يقال المراد بالرّضا منهما الرّضا بأصل المعاملة و الرّضا بها قد حصل بأقدامهما على البيع من غير إكراه و ليس قيدا زائدا.

أقول: قد تقدّم ان عدم أخذ الاختيار في مادة الأفعال و هيئاتها أمر صحيح، و امّا حكومة حديث الرفع فاختصاصهما بالأفعال الإنشائيّة فلا يمكن المساعدة عليه، و لذا لا يكون إتلاف مال الغير مع الإكراه عليه محرّما، و الضمان باعتبار ان نفيه خلاف الامتنان، و امّا عدم الحكومة بالإضافة إلى موجبات الوضوء فلانّ الموجب له ليس هو الفعل ليكون رفع الإكراه و الاضطرار نافيا له بل خروج البول و غيره كما هو مفاد قولهم عليهم السّلام لا ينقض الوضوء الّا ما يخرج عن طرفيك الّذين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 82

لو أكره أحدهما على التّفرق و منع عن التخاير (1).

______________________________

أنعمها اللّٰه عليك فيكون نظير ما تقدم في وجوب قضاء الصّلاة و غيرهما.

و امّا ان رفع الافتراق بالحديث غير ممكن لأنّه لا يثبت موضوع الخيار و هو اجتماع المتبايعين فهو أمر صحيح لأنّ مدلول الحديث هو النّفي لا إثبات الضّدّ الّا ان العمدة في ثبوت الخيار في فرض الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير صحيحة الفضيل الظاهرة في انتفاء الخيار مع الافتراق فيما إذا كان رضاء معاملي ببقاء البيع لا الرّضا بأصل المعاملة و انّ الخيار يبقى مع عدم ذلك الرّضا و لو مع حصول الافتراق و مقتضى حديث رفع الإكراه عدم حصول ذلك الرّضا مع المنع عن التخاير.

و على ذلك فالأظهر بقاء الخيار مع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير الى ان يتحقّق مسقط آخر).

(1) يفرض الكلام تارة في إكراه أحدهما على الخروج مع منعه عن

التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المتابعة و التخاير و أخرى فيما إذا خرج أحدهما مختارا في خروجه و تخايره و بقاء الآخر في المجلس مع الإكراه و المنع عن التخاير و الكلام فعلا في الفرض الأوّل حيث يعلم به الحكم في الفرض الثّاني أيضا.

و الأقوال أربعة سقوط خيارهما بذلك و بقاء خيارهما و بقاء خيار المكره و سقوط خيار المختار و التّفصيل بين بقاء المختار في المجلس فيبقى خيارهما و بين خروجه فيسقط خيارهما.

و مبنى الأقوال هو ان الافتراق المجعول غاية هل يحصل باختيار هما أو يحصل باختيار أحدهما، و مع اعتبار اختيارهما فهل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو انّ مجموع اختيارهما مسقط لكلا الخيارين، فإنه إذا قلنا بكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره يسقط خيار المختار و على القول باعتبار مجموع اختيارهما يبقى الخياران؛ و إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 83

..........

______________________________

قلنا بكفاية اختيار أحدهما في سقوط الخيارين فهل يعتبر الفعل من المختار أو يكفي كونه تركا كالبقاء في المجلس فعلى الأوّل أي اعتبار الفعل يفصل بين بقاء المختار في المجلس فيبقى الخياران و بين خروجه فيسقط كلا الخيارين؛ و على تقدير الثّاني أي كفاية الترك يسقط الخياران.

و نقل المصنف (ره) عن العلامة في القواعد و ولده في الإيضاح انّ سقوط خيار المختار ملازم لسقوط خيار الآخر ايضا، و انّه لا تفكيك بين الخيارين في السّقوط و الثبوت كما استظهر ممّا ذكره في الإيضاح من المبني للسّقوط و الثبوت انّ محلّ الخلاف ما إذا كان المختار ماكثا في المجلس، و امّا مع خروجه و ذهابه فلا خلاف في سقوط الخيارين حيث قال في الإيضاح انّ

الخلاف في المقام مبنيّ على ان بقاء المختار متجدّد أو غير متجدّد و على تقدير عدم تجدّده فهل يحتاج في استمراره إلى العلة أم لا، و ان الافتراق المجعول غاية للخيارين أمر وجودي أو عدميّ، و هل هذا العدم أي عدم تلك الهيئة المصاحبيّة مستند إلى العلّة أم لا فإنّه على تقدير بقاء الأكوان و عدم حاجته إلى المؤثّر أو كون الافتراق عدميّا و عدم استناده إلى العلة لم يسقط خيار المختار و يبقى خيار الآخر ايضا بخلاف ما ذا قيل ببقاء الأكوان و عدم حاجة الباقي إلى المؤثر أو كون الافتراق عدميّا لا يستند إلى العلّة فإنّه يبقى الخياران.

ثم انّه وجه سقوط خيار المختار لأنّه فعل المفارقة فيسقط به الخياران، و هذا الكلام و ان كان مورد المنع لعدم ابتناء الأحكام على مثل هذه التدقيقات العقليّة، بل هي تابعة لحصول موضوعاتها سواء كان لذلك الحصول واقعيّة عينيّة عقلا أم لا إلّا انّه ظاهر في انّ المختار لو خرج عن مجلس العقد اختيارا فلا خلاف في سقوط الخيارين و سقوط خيار المختار يلازم سقوط خيار الآخر كما هو ظاهر كلام والده ايضا، مع انّ ظاهر الشيخ في الخلاف و القاضي اختصاص سقوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

الخيار بالمختار، و لعلّ مراد الشّيخ و القاضي انّ سقوط الخيار يستند الى المختار أوّلا، فلا ينافي سقوط خيار المكره ايضا بالتّبع باعتبار الملازمة في سقوط الخيارين و ثبوتهما بحصول الغاية و عدم حصولها.

و ذكر المصنف (ره) ان مقتضى الأصل في الفرض بقاء الخيارين كما أنّ ظاهر الروايات بقائهما حيث ان المتبادر منها ما إذا كان الافتراق برضا المتبايعين لبقاء البيع و هذا أوضح

في صحيحة الفضيل حيث ما ذكر سلام اللّٰه عليه فيها ظاهر في انّ مع الافتراق الظاهر في رضاهما ببقاء البيع لا خيار لهما و لكن ناقش في ذلك ثانيا انه لا مورد للأصل في المقام لانّه يستفاد من الرّوايات كون الافتراق و لو برضا أحدهما مسقطا للخيارين؛ و صحيحة الفضيل و ان كانت ظاهرة في اعتبار رضاهما الّا انّه تعارضها ما ورد في شراء الإمام عليه السلام و قوله فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فانّ ظاهره كفاية الافتراق برضا أحدهما في سقوط الخيارين؛ و الصحيحة و إن كانت أخصّ من الرّوايات الواردة في شرائه عليه السلام حيث انّه عليه السّلام لم يتعرّض فيها لحال المتبايع الآخر، فيمكن دعوى تقييدها بصورة التفات الآخر الى خروج الإمام عليه السلام و عدم متابعته إلّا ان الإطلاق مؤيّد بموارد تسالموا فيها على سقوط الخيارين من غير ان يكون في البين رضاهما ببقاء البيع كما إذا مات أحد المتابعين في المجلس و خرج الآخر فإنّه قد صرّح بعضهم بسقوط الخيارين و كما يظهر عن الإيضاح في ذكر مبنى السقوط و الثبوت حيث ان ظاهره كون خروج المختار عن مجلس العقد موجبا لسقوط الخيارين بلا خلاف).

أقول: قد ذكرنا ان ظاهر الروايات هو انّ الافتراق غاية للخيار فيثبت الخيار للمتبايعين ما داما متصاحبين، و حيث انّ الافتراق ان حصل يحصل بالإضافة إلى كلا المتبايعين و لا يمكن حصوله لأحدهما دون الآخر و يشهد لذلك ايضا ما ورد في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 85

..........

______________________________

شرائه عليه السّلام، فلا بدّ من الالتزام بسقوط كلا الخيارين في هذا الفرض و الفرض الآخر أي بقاء أحدهما في المجلس مكرها ممنوعا عن

التخاير و خروج الآخر اختيارا، و لكن في صحيحة الفضيل دلالة على الرضا من المتبايعين ببقاء البيع الى حصول الافتراق دخلا في سقوط الخيارين بالافتراق، و المراد الرضا المعاملي أي ترك الفسخ مع التمكن عليه، و على ذلك فان كان المتبايعان متمكّنين على الفسخ قبل الافتراق و مع ذلك لم يفسخا الى ان حصل الافتراق فلا خيار لهما بعد ذلك، و ان كان أحدهما فقط متمكنا على الفسخ و قد تركه الى ان حصل الافتراق فلا خيار له و يبقى الخيار للآخر و حال المكره بالفتح في الفرض حال غير المتمكن بمقتضى حديث الرفع الجاري في حقّه.

لا يقال إذا لم يسقط خيار المكره لا يحصل الغاية لخيار الآخر أيضا لأنّ الغاية غاية لكلا الخيارين، و لذلك التزم النائيني (ره) في الفرض ببقاء الخيارين بدعوى انه لا شهادة في اخبار الواردة في شرائه عليه السلام على خلاف ذلك لأنّها حكاية قضيّة، و لعل الآخر كان راضيا بالبيع عند خروجه عليه السلام عن مجلس العقد و دعوى التسالم على السّقوط في بعض الموارد، كما ذكر المصنف (ره) غير ثابت و على تقديره يلتزم بالسقوط في تلك الموارد.

فإنه يقال لا يستفاد من صحيحة الفضيل إلّا دخالة رضاهما ببقاء البيع الى حصول الافتراق بان يكون الافتراق مع كل من الرّضائين مسقطا لخيار الراضي كما هو مقتضى مقابلة الجمع بالجمع أي سقوط الخيارين بالرّضائين و اعتبار مجموع الرّضائين في سقوط الخيارين بحيث لو حصلا سقط الخياران و الّا بقيا فلا يستفاد منها، و على ذلك فالرّضا المعاملي ببقاء البيع مع الإكراه عليه كترك الفسخ مع عدم التمكن عليه في انّه لا يكون دخيلا في سقوط الخيار بمعنى ان الافتراق معه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 86

لو زال الإكراه (1).

______________________________

لا يكون غاية بالإضافة إلى خيار المكره فيبقى خياره دون خيار الطرف الآخر الرّاضي، و لا ينافي ذلك ما ورد في شرائه عليه السلام فان مدلوله حصول الافتراق المسقط بفعله عليه السلام؛ و امّا انّه لا دخل لرضا الآخر فلا يستفاد منه الّا بدعوى الإطلاق أي ترك التعرض و على تقديره فيرفع اليد عنه بصحيحة الفضيل.

ثم انّه كما ذكر في محلّه انّما يرفع الإكراه الحكم فيما إذا كان اختيار الفعل بداعويّة الإكراه فلو كان مكرها على بيع ماله، و لكن بحيث لو لم يكن إكراه لباع ذلك المال ايضا فلا يكون البيع المزبور مشمولا لحديث نفي الإكراه لأنّه لا امتنان في نفي معاملة يريدها صاحبها، و عليه فالمنع عن التخاير لا يوجب بقاء الخيار الّا فيما كان تركه فسخ البيع بداعويّة المنع المزبور لا فيما ترك الفسخ لا من جهة المنع عن التخاير فإنّه لو حصل الافتراق و لو بالإكراه سقط خياره أيضا لأنّ نفي هذا الرّضا المعاملي لا يوجب امتنانا بل لا يبعد القول بسقوط الخيارين فيما إذا تمكّنّا على الفسخ بين البيع الى حصول الافتراق، و لو في زمان لصدق ما في صحيحة الفضيل من قوله عليه السّلام فإنّه لا خيار بعد الرّضا منهما و لا يعتبر استمرار ذلك التمكن، و على ذلك فلو وقع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير في قسم من ذلك الزّمان فلا يدخل في حديث الرّفع لأنّ الداخل فيه ما يكون دخيلا لو لا الإكراه فتدبّر جيّدا.

(1) المحكيّ عن الشيخ و جماعة امتداد خيار المجلس بامتداد مجلس زوال الإكراه، و المراد بمجلس الزّوال الهيئة التي

كان المتبايعان عليها من القرب و البعد حين زوال الإكراه و لو فرض ان البائع كان في ذلك الحين في مكان و المشتري في مكان آخر فيحصل افتراقهما بانتقالهما أو انتقال أحدهما من ذلك المكان اختيارا.

و استشكل على ذلك المصنف (ره) بأن الهيئة الاجتماعية الّتي كانت حال البيع زائلة فالافتراق حاصل و غاية دليل رفع الإكراه عدم ارتفاع حكم تلك الهيئة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 87

..........

______________________________

الاجتماعية أي الخيار. و امّا كون الهيئة الحاصلة بعده، و منها الهيئة حال زوال الإكراه بمنزلة الهيئة الاجتماعية حال العقد، فليس دليل على هذا التنزيل ليترتّب عليه ما تقدم فيدخل المقام في المسألة الآتية و هي انّه إذا ثبت في مورد خيار و تردّد أمره بين أن يثبت في خصوص أوّل زمان التّمكن على الفسخ أو بنحو التّراخي فهل يؤخذ باستصحاب الخيار أو يرجع بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و الحكم عليه بالفور.

أقول: قد تقدم انّه لو كنّا و الرّوايات الدّالة على المتبايعين بالخيار حتّى يفترقا لم يكن حديث الرفع شاملا للمورد لانّ الموضوع للخيار في تلك الرّوايات هو المتبايعان ما دام متصاحبين و بالافتراق ينتفي الموضوع، و من الظّاهر انّ رفع الإكراه يرفع الحكم في مورد تعلّق الإكراه بموضوع الحكم بان يوجده أو متعلّق التكليف بان يتركه و الإكراه على الافتراق إكراه على إعدام الموضوع لا على إيجاده على ما تقدم في كلام السيّد اليزدي (ره).

و لكنّ العمدة في المقام كانت صحيحة فضيل المتقدّمة فإنّها قد دلّت على انتهاء الخيار بعد الافتراق لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان مع الافتراق رضا ببقاء البيع و حديث رفع الإكراه اقتضى ان لا يعتبر ذلك الرّضا المعاملي إكراهيّا

بل يعتبر الافتراق مع الرضا المعاملي الغير الإكراهي. نعم سبق الرّضا على الافتراق لا يستفاد من الصحيحة فإنّ قوله بعد الرّضا متعلّق بنفي الخيار لا لفعل الافتراق فيكون حاصل الصحيحة ان الافتراق بمجرّده لا يكون غاية بل يعتبر في الغاية حصول الرّضا ببقاء البيع ففي أيّ زمان تمّ الافتراق و الرّضا ببقائه ينتهي الخيار، و نتيجة ذلك كون الخيار بعد زوال الإكراه على الفور.

و بتعبير آخر كلمة بعد في قوله فلا خيار بعد الرّضا منهما نظير الزكاة بعد النصاب مدلوله اعتبار مدخولة في الحكم لا حدوث ذلك الحكم بحدوثه، بان يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 88

[الثاني خيار الحيوان]

اشارة

لا خلاف بين الإماميّة (1).

______________________________

الرّضا أو النّصاب تمام الموضوع هذا إذا لم يجعل الافتراق بنفسه كأحداث الحدث في الحيوان المشتري رضاء تعبديا بالبيع و الّا تكون مفاد الصحيحة مفاد الرّوايات المتقدمة في عدم جريان رفع الإكراه في المقام و يتعين الحكم بانتهاء الخيار بالافتراق كيف ما اتّفق.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل انّ المقام لا يرجع فيه لا الى استصحاب بقاء الخيار و لا الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، بل يحكم ببقاء الخيار بعد زوال الإكراه الى ان يسقط بمسقط آخر فانّ ما دلّ على انّ لكل من البائع و المشتري خيار الى حصول الافتراق المسبوق بالرضا بالعقد مقتضاه بقاء ذلك الخيار الى حصول الغاية المزبورة أمكن حصولها أو لم يمكن، كما في المقام حيث انّ مع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير لا يحصل الافتراق الحدوثي المسبوق بالرّضا ببقاء العقد أو المقارن بذلك الافتراق.

و وجه الضّعف ما تقدّم من عدم ظهور الصّحيحة في سبق الرّضا ببقاء البيع على الافتراق أو ظهورها في

تعلّق الرّضا منهما بنفس الافتراق.

(1) لا خلاف بين علماء الإماميّة في ثبوت الخيار في بيع الحيوان للمشتري و ظاهر الروايات كالفتاوى ثبوته في بيع كل حيوان أي كل ذي حياة كبيرة أو صغيرة حتى العلق و دود القز، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط)، و في صحيحة الفضيل عنه عليه السلام قلت له ما الشرط في الحيوان قال (ثلاثة أيّام للمشتري)، قلت له ما الشرط في غير الحيوان قال (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا فلا خيار بعد الرّضا منهما)؛ و في معتبرة ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام و في غير الحيوان حتّى يفترقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 89

..........

______________________________

الى غير ذلك.

و ظاهرها يعمّ ما إذا كان المقصود حياة الحيوان الى آخر عمره، كما في الحيوان المقصود به ركب ظهره أو برهة من الزمان كالحيوان المقصود ذبحه أو نحره للأكل بعد زمان كالبقر و الغنم و لا يبعد دعوى انصرافها عمّا لم يكن المقصود منه عادة حياته كما في السّمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الإناء و غيره لأن كلّ ذلك يباع بما هو لحم في العادة بل يشكل ثبوت الخيار فيما إذا صار الحيوان كذلك بالعرض كالصيد المشرف على الهلاك بإصابة السّهم أو بجرح الكلب المعلّم.

أقول: لعلّ الإشكال فيما إذا اعتبر في حل الحيوان ذبحه لاعتبار دركه حيّا، و امّا إذا لم يعتبر كما إذا لم يسع الوقت لذلك فلا فرق بينه و بين

السّمك المخرج و على تقدير ثبوت الخيار ففي امتداده إلى ثلاثة أيّام مطلقا أو مع بقاء حياته في ثلاثة أيّام و مع عدم بقائه إلى حين موته أو على الفور وجوه، و لكن لا يكون زهوق روحه و لو قبل الثلاثة تلفا للحيوان ليكون ضمانه على بايعه سواء كان قبل القبض أو في مدّة الخيار و ليكن المراد زهوق الروح في صورة عدم اعتبار الذّبح أو ازهاقه فيما اعتبر.

و امّا إذا اعتبر كما إذا أدرك زكاته و تركه بايعه فيما كان الذّبح عليه فيبطل البيع فيما كان قبل القبض أو بعده لأنّ التّرك يعدّ تلفا بخلاف ما إذا كان على المشتري فانّ إتلاف المشتري البيع في زمان الخيار موجب لسقوط خياره، و لكن دعوى انصراف الرّوايات عن المشرف للهلاك قريبة جدّا، فانّ تحديد الخيار بثلاثة أيّام و ما يظهر من الرّوايات عرفا من انّ الحكمة في ثبوت الخيار ملاحظة حال الحيوان في تلك المدة قرينة على الانصراف، و انّ التحديد المزبور خصوصا بملاحظة حكمة جعل الخيار مقتضاه ثبوته في خصوص موارد يقصد من شراء الحيوان فيها عادة حياته و لو في الجملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

و ذكر المصنف (ره) انّه هل يختص خيار الحيوان بما كان المبيع معينا أو يعمّ الكلي على العهدة لم أجد من صرح بالاختصاص أو بالعموم؛ نعم يظهر من بعض المعاصرين اختصاصه بالمعين كما هو مقتضى مناسبة الحكمة التي دعت الشرع الى جعل الخيار للمشتري و هي ملاحظة حال الحيوان و الاطّلاع على خصوصياته، و هذا هو الأقوى، و أضاف النّائيني في وجه الاختصاص بالمعيّن وجها آخر و هو انّه لا يمكن الالتزام بثبوت الخيار في

شراء الحيوان سلما قبل استحقاق المشتري المطالبة بالمبيع و ثبوت الخيار بعد قبض الحيوان إلى ثلاثة أيّام خارج عن مدلول اخبار الباب و إذا لم يثبت الخيار في بيع الكلّيّ سلما لا يثبت في بيعه حالا ايضا لعدم احتمال الفرق بينهما في جريان الخيار و عدمه.

أقول: لم يعلم انّ حكمة الخيار يقتضي اختصاصه بالمعين فإنّه يمكن تعميم الخيار و كون حكمة ملاحظة القيود المعتبرة في المبيع و ما لا يعتبر فإنّه ربّما يلتفت المشتري الى عدم الصلاح في شراء الحيوان المزبور و بذلك يظهر انّه مع ثبوت الخيار في بيع السلم يكون مبدأه تمام البيع و لو لم يستحق المشتري المطالبة بالمبيع و يظهر ثبوت الخيار في الكلي على العهدة فضلا عن الكلّي في المعين مثل صحيحة فضيل المتقدمة التي قسم فيها المبيع بين الحيوان و غيره و حكم على الأول بالخيار إلى ثلاثة أيام و على الثاني الى ان يفترقا و من الظاهر ان الكلّي على العهدة أو في المعيّن داخل في الأول.

و لكن ذكر بعض الأجلة (دامت أيّامه) عدم ثبوت خيار الحيوان فيما إذا كان المبيع السّهام في الحيوان كما إذا باع الشّريكان كل منهما النّصف المشاع من الحيوان من واحد سواء كان البيع بصفقة أو صفقتين، و ان كان الأمر فيما إذا باع كل منهما نصفه أوضح و لأن نصف الحيوان لا يكون حيوانا و كذلك لا يثبت الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 91

[المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري]

المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري (1).

______________________________

في الكلي على العهدة فإن الكلي على العهدة حيوان بعنوانه و بالحمل الأولي لا بالحمل الشائع، و هكذا الحال في الكلي في المعين؛ أضف الى ذلك انصراف اخبار

الباب الى شراء الحيوان بنحو الغالب و هو وقوع البيع على شخص الحيوان و لا يقع البيع على الكلي إلّا نادرا. نعم إذا كان الكليّ في المعين منحصرا بواحد صحّ ثبوت الخيار.

أقول: امّا دعوى انصراف الأخبار فيدفعها ملاحظة الأخبار الكثيرة الواردة في شراء الحيوان بنحو السلم فإنّه يظهر منها انّ هذا النحو من الشراء كان متعارفا.

و امّا عدم كون الكلي على العهدة حيوانا الّا بالحمل الأولي فقد تقدم انّ البيع في موارد الكلي الحيوان الخارجي لا مفهومه و عنوانه غاية الأمر انّ الوجود الخارجي غير متعيّن الّا بالعنوان نظير موارد الطلب على ما تقدّم.

(1) المشهور قديما و حديثا ثبوت الخيار في شراء الحيوان للمشتري خاصة بمدة ثلاثة أيّام و يستدلّ عليه بأنّه مقتضى الأخذ بالإطلاق في بعض الرّوايات الدّالة على ان البيعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا وجب البيع حيث يرفع اليد عن لزوم البيع بعد الافتراق بالإضافة إلى المشتري خاصة و يؤخذ به الإضافة إلى البائع بل يمكن الأخذ بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيما إذا لم يكن في البيع خيار المجلس بالأصل أو بالعارض كاشتراط سقوطه، و إذا ثبت لزوم البيع بالإضافة إلى البائع في هذه الصورة يثبت لزومه بالإضافة إليه فيما كان في البين خيار المجلس لعدم احتمال الفرق بين الصورتين في ثبوت الخيار لبائع الحيوان و عدم ثبوته.

أضف الى ذلك ظاهر الروايات الواردة في شراء الحيوان حيث صرّح فيها بثبوت خيار الحيوان للمشتري و لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للمتابعين لم يكن وجه لذكر المشتري و ترك ذكر البائع؛ و في صحيحة الحلبي و غيرها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه

عليه السلام قال في الحيوان كله شرط ثلاثة أيّام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط. و في صحيحة الفضيل ما الشّرط في الحيوان قال ثلاثة أيّام للمشتري و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما بل ظاهر قوله في بيع غير الحيوان و إذا افترقا وجب البيع يعمّ ما إذا كان الثمن في بيع غير الحيوان حيوانا و أوضح من ذلك كله الصحيحة المحكيّة عن قرب الإسناد عن أحمد و محمد ابني محمد ابن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كليهما فقال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن مع ذلك قد ذهب السيد المرتضى و ابن طاوس الى ثبوت الخيار في شراء الحيوان للمتبايعين و يشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام و فيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا و ذكر المصنف (ره) انّ هذه الصحيحة تعارضها صحيحة علي بن رئاب و تقدم على تلك الصحيحة ترجيحا في مقام المعارضة فإنّهم قد صرّحوا بترجيح رواية مثل زرارة و محمد بن مسلم من الفقهاء الثقات على رواية غيرهم ممّن يكون دونهم في الثقة و الفقاهة مع انّ صحيحة محمد بن مسلم مروية في الكتب الأربعة بخلاف صحيحة علي ابن رئاب فإن اعتبار كتاب قرب الاسناد أو غيره لا تصل مرتبة اعتبار الكتب الأربعة فإن كثيرا من أصحابنا لا يلتفتون الى

حديث لا يوجد في تلك الكتب مع التفاتهم الى وجود أحاديث في غيرها؛ و امّا سائر الروايات فتقدم صحيحة محمد ابن مسلم عليها للجمع الدلالي بينها و بين تلك الروايات فإن دلالة تلك الرّوايات على نفي الخيار عن بايع الحيوان بالمفهوم أي الاقتصار بذكر المشتري و عدم التعرض للبائع و يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 93

..........

______________________________

ان يقال انّ عدم التعرض فيها للبائع ليس لنفي الخيار عنه بل لانّ الغالب في شراء الحيوان وقوع الفسخ من المشتري حيث انّه يطلع في تلك المدّة على خفايا الحيوان و خصوصياته، و لذا اقتصر بذكره، و من الظاهر ان مع وجود الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى إعمال مرجّحات المعارضة ككون احدى الروايتين أشهر ليقال انّ الشهرة في الروايات النّافية للخيار عن البائع. و يبقى في البين الشهرة من حيث الفتوى و لكن لا اعتبار بالإجماع فيما إذا أحرز مدركه فضلا عن الشهرة ثمّ قد قرب (ره) اختصاص خيار الحيوان بالمشتري بدعوى انّ الطائفة الأولى لا يقصر ظهورها في اختصاص خيار الحيوان بالمشتري عن الخبر الدال على ثبوته للمتبايعين و يظهر ذلك بملاحظة مثل صحيحة زرارة حيث انه لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للمتبايعين، لما كان للعدول عن التعبير بالبيعين الى صاحب الحيوان وجه و تلك الطائفة مشهورة بين أصحاب الحديث حتى عند محمد بن مسلم الراوي للخبر المزبور حيث انّه روى ايضا الرّواية الدّالة على انّ خيار الحيوان حق لصاحب الحيوان أي من يملكه بالبيع المفروض فيكون الترجيح لها و على تقدير تعارضهما و تساقطهما يرجع الى عموم قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و إذا افترقا وجب

البيع حيث ان المتيقّن من تقييد وجوب البيع بعد الافتراق ثبوت الخيار للمشتري في شراء الحيوان إلى ثلاثة أيّام فيؤخذ بالوجوب بالإضافة إلى البائع فالقول بثبوت الخيار للمتبايعين ضعيف.

نعم هنا قول ثالث أقوى من القول المزبور و هو ثبوت الخيار لمن انتقل اليه الحيوان سواء كان مشتريا أو بائعا و مع كون العوضين حيوانا يثبت الخيار لكلّ منهما إلى ثلاثة أيّام و يقتضيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول (قال رسول اللّٰه (ص) البيّعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 94

..........

______________________________

ثلاثة أيّام.

لا يقال قد قيّد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة حسن بن علي بن فضّال قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام فإنه يقال تفسير صاحب الحيوان بالمشتري باعتبار الغالب و الغرض من التفسير دفع احتمال ثبوت هذا الخيار للمالك الأصلي للحيوان حيث انّ الغالب في البيوع كون الحيوان مبيعا لا ثمنا فلا تنافي الأخذ بإطلاق الصحيحة الدّالة على ثبوت الخيار لمن انتقل اليه الحيوان بايعا كان أو مشتريا لأنّ غلبة القيد توجب ان لا يرفع اليد به عن إطلاق المطلق و لكن لا توجب صرف الإطلاق إليه.

لا يقال كيف الجمع بين الصحيحة الدّالة على ثبوت الخيار لصاحب الحيوان و الصحيحة الدّالة على ثبوته للمتبايعين فإنه يقال تحمل الصّحيحة الثانية على صورة كون العوضين حيوانا.

و ذكر (ره) في آخر كلامه انه لا يبعد انصراف صاحب الحيوان في الصحيحة الأولى الى المشتري فعليه لا موجب لرفع اليد عن أصالة اللزوم بالإضافة إلى البائع كان الثمن حيوانا أم لا. أقول: امّا صحيحة زرارة

الدالة على ثبوت الخيار لصاحب الحيوان فلا يعارضهما شي ء فان موثقة حسن بن فضال المفسر فيها صاحب الحيوان بالمشتري لدفع احتمال ثبوت خيار الحيوان لصاحبه الأصلي أي البائع، و يحصل هذا الدفع ايضا بكون المشتري بصيغة المفعول صفة للحيوان و الروايات الدالة على ثبوت الخيار لمشتري الحيوان لا دلالة لها على عدم ثبوته للبائع فيما إذا كان الحيوان ثمنا في البيع بل مقتضى التفصيل في مثل صحيحة زرارة بين خيار المجلس و خيار الحيوان في التعبير عدم ثبوت خيار الحيوان كخيار المجلس للمتبايعين. و الحاصل يؤخذ بإطلاق صاحب الحيوان في صحيحة زرارة و يحكم بثبوت خيار الحيوان بايعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 95

[لا فرق بين الأمة و غيرها]

لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار (1)

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (2).

______________________________

كان أو مشتريا و لا موجب لانصرافه الى خصوص المشتري فان المطلق يعمّ فرده الغالب و غيره و انّما لا يصلح خطاب المقيد فيما كان القيد غالبا لتقييد خطاب المطلق.

و يبقى في البين معارضة هذه الأخبار مع صحيحة مسلم الدالة على ان المتبايعين بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا، و لو أمكن حمل هذه على ما إذا كان كل من العوضين حيوانا كما استظهر ذلك من التعبير بالمتبايعين فان ظاهر باب التفاعل قيام المبدء بكل من الطرفين. و بتعبير آخر المفروض في الصحيحة اتحاد العوضين في العنوانين فيكون الخيار لكل من المتبايعين ثلاثة أيّام؛ و في غير ذلك حتى يفترقا و لو لم يمكن الحمل باعتبار ان البيع يتحقّق بفعل الطرفين لا بواحد منهما و ظهور باب التفاعل في قيام المبدء بكل منهما فيما إذا لم يتوقف تحقق ذلك المبدء بفعلهما فيقع التعارض بين الطائفتين و يقدم الطائفة الأولى لموافقها للعموم في قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) كما لا يخفى.

(1) لا فرق بين الأمة و غيرها في كون الخيار فيهما إلى ثلاثة أيّام. و في صحيحة علي ابن رئاب قال سئلت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما فقال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن عن الغنية و الحلبي ان مدة خيار الأمة مدة أستبرئها اي الحيضة أو خمسة و أربعون يوما و ادّعى في الغنية الإجماع على ذلك و ربّما ينسب هذا القول

الى غيرهما كالمراسم و المقنعة و النّهاية لحكمهم بضمان البائع الأمة مدة استبرائها؛ و من الظاهر ان ضمانه حكم لخيار المشتري و على كل فلا يعرف لهذا القول وجه.

(2) مبدء خيار الحيوان تمام العقد و لو لم يتفرّقا الى ان انقضى ثلاثة أيام ينتهي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

خيار الحيوان و يبقى خيار المجلس و الوجه في ذلك قوله عليه السلام الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا فانّ ظاهره كون المبدء للخيارين واحدا. و عن ابن زهرة جعل مبدأه انقضاء خيار المجلس، و كذا الشيخ و ابن إدريس حيث ذكرا ان مبدء خيار الشرط حين التفرق لأنّ الخيار يثبت فيما إذا ثبت العقد و العقد لا يثبت قبل التفرّق، و هذا الدّليل كما ترى يجري في خيار الحيوان ايضا.

و لكنه ضعيف فإنّه ان أريد من ثبوت العقد بتمامه فالأمر ظاهر لأن تمام العقد بتمام البيع لا بانقضاء زمان خيار المجلس و ان أريد من تمامه لزومه فالأمر كذلك أيضا فإنّ الخيار حكم للعقد اللّازم لولا الخيار لا حكم للعقد اللّازم لولا هذا الخيار كما لا يخفى.

و يستدل على القول المزبور بوجوه، أخرى منها استصحاب الخيار بعد ثلاثة أيام من حين العقد بل باستصحاب عدم حدوثه قبل التفرق و فيه انّه لا تصل النوبة الى الأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي و هو الظهور المتقدم و ايضا فالاستصحاب على التقريب الثاني مثبت لانّ عدم حدوث خيار الحيوان قبل التفرق لا يثبت حدوثه حين التفرق.

و منها ما ورد في انّ التلف في زمان خيار الحيوان على البائع حيث انه ممن لا خيار له و لو كان مبدء

خيار الحيوان من حين التفرق يصحّ التلف عليه لأنه لا خيار له و لا يصحّ فيما إذا جعل مبدأه من حين العقد فإنه لا موجب لحساب التلف على البائع فيما إذا تحقق التلف قبل التفرق حيث انه تلف في زمان الخيار المشترك و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بان ما ورد في كون التلف في زمان خيار الحيوان يحسب على البائع بانحلال البيع مبني على الغالب من وقوع التلف بعد التفرق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 97

..........

______________________________

و انقضاء خيار المجلس.

أقول: الصحيح عدم الفرق بين الصورتين فإنه يحسب التلف على البائع فإنّ ثبوت خيار المجلس لا يكون موضوعا لانحلال البيع بالتلف و لا ينافي ذلك انحلاله بالتلف مع غيره و منها انه إذا كان في البين خيار الحيوان قبل التفرق للزم اجتماع السببين على المسبب الواحد و أجاب (ره) بأنّ خيار الحيوان لو كان مختلفا مع خيار المجلس في المهيّة و النوع فلا اجتماع على مسبب واحد، و ان اتّحدا نوعا فكذلك لأن الأسباب الشرعيّة معرفات و علامات متعددة بل لو كانت مؤثرات فتأثير كل واحد مستقلا يتوقف على عدم انفراده و في صورة اجتماعهما يؤثران معا.

أقول: الصحيح في الجواب انّ الخيارين متحدان في الحقيقة حيث انّ الخيار ملك فسخ العقد و انّما يختلفان بحسب الأحكام، و كل من شراء الحيوان و اجتماع المتبايعين حال العقد موضوع لهما فليس في البين تأثير و لا معرف بمعنى العلامة فالخيار في المقام متعدد لأنّ كلا منهما حكم لموضوع قد تحقق كما لا يخفى.

و ذكر في التذكرة في الجواب عمّا قيل من انّ ثبوت الخيارين معا في عقد واحد يوجب اجتماع المثلين ان الخيار واحد

و الجهة متعددة، و هو كما ترى فإنه كما ذكرنا الخيار متعدد، و لذا يبقى الخيار مع إسقاط أحدهما و قد تقدم ايضا انّ الخيار الشرعي حكم شرعي للبيع كما هو ظاهر الخطاب فيكون تعلقه بالبيع بعد تمامه.

و لو كان البيع مشروطا بالقبض كما في السلم أو التقابض، كما في الصرف فلا يثبت الخيار فيهما الّا بعد القبض أو التقابض و عن السيد اليزدي (قده) انه يمكن ان يقال بعدم ثبوت الخيار المجلس في بيع الحيوان أصلا فإن ذلك مقتضى المقابلة بين بيع الحيوان و غيره في الأخبار، و ان الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري و في غيره الى ان يفترقا و تبعه على ذلك بعض الأجلاء (دامت أيامه) حيث ذكر ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 98

..........

______________________________

الروايات في عدم ثبوت خيار المجلس في بيع الحيوان و شرائه. أقول المطلقات الدّالة على ثبوت خيار المجلس في كل بيع و منه بيع الحيوان موجودا نظير صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا و صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) (البيعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام؛ و نحوها صحيحة زرارة عنه عليه السلام و مقتضاها ثبوت الخيارين لمشتري الحيوان و صاحبه أحدهما الى ان يفترقا و الآخر إلى ثلاثة أيّام.

و انّما الكلام في المقيد الموجود في البين الموجب لرفع اليد عن المطلقات المتقدمة فيقال انّ المقيد هي المقابلة بين الحيوان و غيره في معتبرة علي ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول الخيار

ثلاثة أيّام للمشتري و في غير الحيوان الى ان يفترقا و لو كان خيار الحيوان مجتمعا مع خيار المجلس لزم التعبير بأنّ الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، و في كل البيوع الى ان يفترقا و نظيرها صحيحة الفضيل، حيث سأل الإمام عليه السلام بقوله ما الشرط في الحيوان قال (ثلاثة أيّام للمشتري قلت ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار الى ان يفترقا).

و لكن يمكن الجواب عن الأخير بأنّ قوله عليه السلام البيعان بالخيار الى أن يفترقا مطلق يعم بيع الحيوان و غيره و السؤال عن الخيار في بيع غير الحيوان لا يكون مقيّدا للإطلاق الوارد في الجواب، و بتعبير آخر كون البيعان بالخيار ما لم يفترقا يثبت لكل بيع كان المبيع فيه حيوانا أو غيره بخلاف ثلاثة أيام فإنّه حكم لخصوص شراء الحيوان و عدم عطف الى ان يفترقا على ثلاثة أيام باعتبار عدم كون الخيار الى الافتراق حكما لبيع الحيوان و شرائه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 99

[لا إشكال في دخول اللّيلتين المتوسطتين]

لا إشكال في دخول اللّيلتين المتوسطتين (1).

______________________________

و امّا معتبرة علي ابن أسباط فقوله عليه السلام و في غير الحيوان الى ان يفترقا بعد قوله الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ناظر الى فرض الغالب و هو انّ المفيد لمشتري الحيوان بحسب الغالب خيار الحيوان حيث ان معه لا يحتاج إلى إعمال خيار المجلس فالتقييد باعتبار عدم الفائدة في خيار المجلس لمشتري الحيوان غالبا فلا يوجب رفع اليد عن المطلقات المتقدمة، و هكذا الكلام في صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا مع

انه قد تقدّم الإشكال في الأخذ بظهور هذه الصّحيحة و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لا ينبغي الرّيب في دخول الليلتين المتوسطتين في ثلاثة أيام لا لأنّ الليلتين داخلتان في معنى اليومين فان اليوم يقابل الليل و ظاهره بياض النهار، بل دخول الليلتين باعتبار كون المستفاد من الروايات ثبوت خيار واحد مستمر من حين تمام الشراء الى انقضاء ثلاثة أيّام. نعم مقتضى الظهور العرفي لثلاثة أيّام يعم كونها بنحو التّلفيق بمعنى انه لو وقع البيع عند زوال الشمس من اليوم الأوّل فينتهي الخيار عند الزوال من اليوم الرابع و تدخل الليالي الثّلاث في ثلاثة أيّام لدلالة قرينة استمرار الخيار الواحد على ذلك لا لدخول الليالي في المستعمل فيه للأيّام و هذا يجري في كل مورد يحدّد فيه موضوع الحكم أو متعلّقه أو نفس الحكم بالأيام فيكون ظاهر الخطاب اليوم مقابل الليل، و ان الأيام لو حظت بنحو الاتّصال و انّها تعم بنحو التّلفيق من بياض النّهار من يومين.

نعم ربّما لا يكون فهم عرفي بالإضافة إلى كفاية التلفيق كما إذا كان متعلق الحكم أو التكليف من العبادة كالاعتكاف المحدد بثلاثة أيّام فان في مثله لا بدّ من رعاية اليوم التام و مما ذكر يظهر انّ التّلفيق من بياض النهار في موارد مساعدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 100

[مسقطات خيار الحيوان]

أحدها اشتراط سقوطه في العقد (1).

______________________________

الفهم العرفي لا بأس به، و امّا التلفيق من الليل بمقدار اليوم فلا يكفي لعدم صدق اليوم على اللّيل.

و قد يقال بثبوت الخيار بثلاثة أيّام مع لياليها لأنّ دخول اللّيلتين فقط يوجب اختلاف مفردات الجمع في الاستعمال، و الجواب انّه ان أريد دخول الليلة الأولى فيما إذا وقع البيع في

الليل فهو حسن، و لكن لا للوجه الّذي ذكره بل لأنّ ذلك مقتضى كون مبدء خيار الحيوان تمام البيع، و ان أريد الليلة الأخيرة فيما إذا وقع البيع أول اليوم ليكمل ثلاثة أيّام و ثلاث ليال فهو غير صحيح و لا يلزم من خروجها اختلاف المفردات في المستعمل فيه للفظ يوم، فإنه بياض النهار و دخول اللّيلتين المتوسطتين باعتبار دلالة الدال الآخر، و هو ثبوت الخيار من حين تمام العقد مستمرا إلى ثلاثة أيّام، و في صحيحة علي ابن رئاب قال سئلت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كلاهما قال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء فانّ ظاهرها عدم لزوم العقد قبل مضيّ ثلاثة أيام لا انّ العقد في اللّيالي محكومة باللزوم، و في النهار من تلك الليالي بالجواز كما لا يخفى.

(1) يسقط خيار الحيوان بأمور منها اشتراط سقوطه في العقد حيث تقدم في بحث خيار المجلس ان الخيار من الحقوق و ان اشتراط سقوطه في العقد يكون إسقاطا قوليا و لذلك لا فرق بين اشتراط سقوطه رأسا أو سقوطه في بعض الأيام مع تعدد الخيار فيها، و الّا ففي نفوذه اشكال حيث انّ الخيار الثابت لصاحب الحيوان أو مشتريه واحد لا تعدد فيه حتى بالإضافة إلى الأيام.

و منها إسقاطه بعد العقد قولا و قد تقدم ايضا انّ ذلك مقتضى كون الخيار حقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

و منها التّصرف فانّ كون التصرف في الحيوان المشترى مسقطا للخيار في الجملة مما لا خلاف فيه و يشهد له صحيحة علي ابن رئاب عن ابي عبد اللّٰه

(ع) قال (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط) قيل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشّراء.

و صحيحة محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الى أبي محمد عليه السلام في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ إله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الّذي يركبها فراسخ؟ فوقّع عليه السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء اللّٰه تعالى. و في صحيحة علي بن رئاب المروية في قرب الاسناد قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار فقال الخيار لمن اشترى الى ان قال قلت له أ رأيت ان قبلها المشتري أو لامس فقال إذا قبّل أو لامس أو نظر منها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزم البيع.

و استدلّ في التذكرة على كون التصرف مسقطا للخيار بأنّه دليل الرّضا أي كاشف عنه و المراد بالرّضا الرّضا بلزوم العقد و سقوط خياره و ذكر في موضع آخر نظير ما في الغنية بأنّ التصرف اجازة للبيع المزبور.

و لكن لا يخفى انه ان كان المراد من الحدث المسقط التصرف المحرم على غير المالك و المحلّل له أو المأذون منه كما يشير الى كونه محرما الى غير المالك قوله عليه السلام أو نظر الى ما يحرم النظر اليه قبل الشراء أي قبل كونه مالكا فلازمه الالتزام بسقوط الخيار بمطلق استخدام المملوك و

التصرف في الحيوان لأن مطلق التصرف فيه غير جائز على غير المالك و على غير المأذون من قبله، و قد صرّح بسقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

العيب بمطلق التصرف في المعيب فلا يجوز معه ردّه على بايعه سواء كان التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده و على ذلك يكون جعل الخيار ثلاثة أيّام للمشتري مع كون مطلق التصرف مسقطا كاللغو فإنّ الحكمة في جعل الخيار على ما ذكروه الاطلاع على خفايا الحيوان التي توجب كراهة المشتري و إعراضه عن الإمساك به و لو كان مطلق التصرف في الحيوان مسقطا للخيار لما كان لهذه الحكمة مورد.

و الالتزام بأنّ مطلق التصرف لا يكون مسقطا بل المسقط التصرف الدال على الرّضا ببقاء العقد لا يمكن المساعدة عليه فإنّه لا يناسب الأمثلة التي ذكروها لكون التصرف مسقطا و دعوى انّ تلك التصرفات كلها من قبيل الإسقاط الفعلي أي من قبيل الدّال على الرّضا ببقاء العقد و لو بظهور نوعي كما ترى.

أقول: كون التصرف في خيار العيب مسقطا له بحيث لا يجوز فسخ البيع بعده بل يتعين جواز أخذ الأرش غير مسألة كون التّصرف مسقطا لخيار الحيوان فلا بدّ من ملاحظة الرّوايات في كل من المسئلتين و لو تمّ دلالتها على كون التصرف مسقطا لخيار الحيوان فلا بأس بالالتزام به غاية الأمر لا يكون التّصرف الّذي يتعارف اختبار الحيوان به مسقطا لانصراف الروايات و عدم ظهورها خصوصا بملاحظة ان المتفاهم من جعل الخيار للمشتري ثلاثة أيّام لحاظ خصوصياته في تلك المدة و لا ينافي ذلك جعل الشارع بعض الأفعال حدثا و رضاء بالبيع تعبّدا كما يأتي ذلك في النّظر الى ما يحرم من الأمة

أو تقبيلها و لمسها و على ذلك فالمراد بالرضا بالبيع الالتزام بعدم فسخه فانّ الرّضا بأصل البيع مفروض قبل التصرف و يدلّ على ذلك رواية عبد اللّٰه ابن الحسن، و لكن باعتبار ضعف سندها تصلح للتأييد و رواها عن أبيه عن جعفر بن محمد قال عليه السلام قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستخلف باللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 103

..........

______________________________

ما رضيه ثم هو بري ء من الضّمان.

و الحاجة الى الاستحلاف مع عدم كون بايعه مدّعيا فانّ الدعوى لا تسمع الّا مع الجزم مبني على سماع الدعوى بنحو التهمة أو يحمل على صورة جزم البائع بإسقاط خياره بالالتزام بالبيع المزبور.

و ذكر (قده) انّ قوله عليه السلام فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضاء منه و لا شرط له يحتمل وجوها الأوّل ان يكون فذلك رضاء منه جزاء للشرط بان يكون احداث الحدث في الحيوان رضاء بالبيع و التزاما به بحيث لا ينفسخ بعد ذلك و حيث انّ الحدث لا يكون إسقاطا للخيار و التزاما بالبيع مطلقا بنحو الإسقاط الإنشائي فيكون الرّضا و الإسقاط بنحو التعبد و الحكم الشرعي.

و الوجه الثّاني ان الجزاء قوله عليه السلام و لا شرط له و قوله فذلك رضاء منه تمهيد للجزاء المزبور ببيان الحكمة له بمعنى ان الحدث في الحيوان لدلالته غالبا على التزام المشتري بشرائه و عدم رفع يده عنه فاعتبره الشارع ملاكا في حكمه بسقوط الخيار بالحدث مطلقا نظير ما تقدم في سقوط خيار المجلس بالافتراق من انّ حصول الافتراق غالبا بداعي الرّضا و الالتزام بالبيع صار

موجبا لاعتبار الشّارع الافتراق في جميع موارده مسقطا و أورد على هذين الاحتمالين ان لازمهما الالتزام بسقوط خيار الحيوان بكل تصرف حتى فيما إذا وقع التصرف لاختبار الحيوان و الاطّلاع على خفاياه و مع الالتزام بذلك يكون ثبوت خيار الحيوان للمشتري كاللغواضف الى ذلك مخالفته لما عليه إجماع الأصحاب من اعتبار دلالة التصرف على الرضا في سقوط الخيار. نعم كون تلك الدلالة بنحو دلالة الألفاظ ظهورا نوعيّا أو يعتبر الظهور في كل مورد يأتي في الوجهين الأخيرين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 104

..........

______________________________

أقول: كون الجزاء للشرط قوله و لا شرط له غير محتمل لانّ الواو العاطفة لا تدخل على الجزاء و يتعين كون الجزاء نفس قوله فذلك رضاء منه. و من الظاهر ان الحدث في الحيوان لا يكون في جميع موارده رضاء بالبيع بالرضا الإنشائي من ذي الخيار فيكون كذلك بنحو التعبد و الحكم الشرعي نظير ما تقدم في كون الافتراق رضاء بالبيع و لا بعد أيضا في الالتزام بان الحدث في الحيوان أي التصرف المغيّر كأخذ الحافر مسقط للخيار فإنّه لا يدخل في الحدث التّصرف غير المغير كركوب الحيوان فان تلك التصرفات إذا كان بداعي الالتزام بالبيع و إظهار إبقائه فتدخل في الإسقاط الفعلي و الّا فلا يسقط الخيار بها مثل أمر الأمة بغلق الباب أو سقيه ماء خصوصا فيما إذا وقعت بغرض الاختبار و الاطلاع على خفايا الحيوان و خصوصيات الأمة و يلتزم بان مثل لمس الأمة و تقبيلها و النظر الى ما يحرم قبل شرائها مسقط للخيار، و ان ما ذكر من قبيل الحدث و لو بنحو التعبد و التنزيل.

الوجه الثالث: أن يكون الجزاء قوله عليه السلام و لا

شرط له و قوله فذلك رضاء منه بيان لعلّه الجزاء و المراد بالرّضا الدلالة عليه نوعا نظير دلالة الألفاظ على كون مراد المتكلم معانيها الحقيقيّة، و حيث انّ الحكم يدور مدار العلّة فيكون سقوط الخيار بالتصرف دائرا مدار دلالة التصرّف فيكون الخيار ساقطا فيما للفعل ظهور نوعي على التزام المشتري بالبيع و لو لم يكن ذلك من قبيل التصرف في الحيوان كما في عرض الحيوان المشترى للبيع. و ظاهر الأصحاب ايضا انّ التصرّف مسقط للخيار بهذا الوجه فإنهم ذكروا انّ كل تصرف يكون اجازة من المشتري يكون فسخا فيما إذا وقع عن البائع، و لو كان التصرف مطلقا مسقطا تعبدّيا لما كان وجه للتعدّي إلى تصرّف البائع.

و ما يذكر من كون التصرف مطلقا مسقطا للخيار لأنّ الأصحاب ذكروه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

مقابل الإجازة و إسقاط الخيار غير صحيح.

و الوجه الرّابع: هو ان يكون قوله عليه السلام و لا شرط له هو الجزاء و قوله فذلك رضاء منه بيان العلّة له، و لكن المراد بالرضا الشخصي لا النوعي بأن يكون للتصرف المزبور دلالة فعليّة على رضا المتصرف على التزامه بالبيع و إسقاطه الخيار كما يؤيّد ذلك ظاهر رواية عبد اللّٰه بن الحسن المتقدمة و كون التصرف مسقطا للخيار كذلك، و ان يكون أظهر الاحتمالات، و لكن اعتبار الدلالة بهذا النحو خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب فيتعيّن الثالث.

أقول: قد تقدم ان الحدث في الحيوان مسقط، و لكن التصرف الّذي لا يدخل في الحدث يكون إسقاط الخيار به مع ظهوره في الالتزام بالبيع و الإغماض عن حق فسخه، و ان بعض التّصرفات قد حكم بكونها حدثا بنحو التعبد و التنزيل نظير

لمس الجارية و تقبيلها و النظر الى ما كان النظر اليه محرّما قبل شرائها و اللّٰه سبحانه هو العالم).

ثم ان المصنّف (ره) قد ذكر في المقام إشكالين أحدهما ظهور بعض الكلمات في كون مطلق التصرف في الحيوان مسقطا للخيار حتى مثل ركوب الدابة في طريق ردّها على بائعها مع ان ظاهر النصوص و الفتاوى كون التصرف مسقطا لدلالته على الالتزام بالبيع و ارادة عدم فسخه. و ثانيهما انّه إذا كان غالب التّصرفات في الحيوان في ثلاثة أيام يقع مع التردد في فسخ البيع أو مع الجزم بالفسخ كما في ركوب الدابّة في طريق الردّ فكيف يعلّل كون التصرف مسقطا بكونه رضاء بالبيع فإنّه لا يصحّ هذا التعليل إلّا إذا كان غالب التّصرفات دالا على ذلك الرّضا، و ممّا ذكر يظهر عدم كون التصرف مسقطا بل العبرة في السقوط الرضا بالبيع رواية عبد اللّٰه ابن الحسن حيث لم يتعرّض فيها للتصرف في ثلاثة أيام و عدمه مع وقوع بعض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 106

[الثالث خيار الشرط]

اشارة

الثالث خيار الشرط (1).

______________________________

التّصرف فيها عادة؛ و انّما تعرّض لإسقاط الخيار بالرّضا بالبيع و عدمه.

و أوضح منها صحيحة الحلبي في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردّها فقال ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء فان شرب لبنها مع توقفه على التصرف في الحيوان بالحلب لم يحكم بكونه مسقطا للخيار، و الظاهر انّ الردّ فرض قبل تمام الثّلاثة، و الحكم برد ثلاثة أمداد، و ان كان على خلاف القاعدة و ظاهر بعض الروايات الدالة على انّ المنافع مدّة الخيار للمشتري، و لذا

يحمل على الاستحباب الّا ان صدرها ظاهرة في عدم كون التصرف مسقطا للخيار، و ممّا يدلّ على كون المنافع زمان الخيار لمن انتقل اليه العين موثقة إسحاق بن عمّار الآتية.

بقي في المقام أمر و هو ان هل يثبت في بيع الحيوان مع غيره بصفقة واحدة خيار الحيوان بالإضافة الى بيعه و لو مع الالتزام بعدم ثبوت الخيار في البيوع الانحلالية الظّاهر ذلك، غاية الأمر على تقدير فسخ بيعه يثبت للبائع خيار تبعّض الصفقة بالإضافة إلى بيع غيره.

و الوجه في الظهور انّ عدم ثبوت الخيار في كل واحد من البيوع الانحلالية باعتبار انّ ظاهر الأدلة ثبوت خيار واحد لمشتري الحيوان و لو ثبت ذلك الخيار في كل واحد من البيوع الانحلاليّة و لو فيما إذا باع العشرة بصفقة لتعدّد الخيار، و هذا لا يجري فيما إذا كان أحد العوضين حيوانا قد بيع منضمّا الى غيره بصفقة و من هنا يظهر الحال فيما إذا باع حيوانين بصفقة واحدة و ظهر واحد منهما ملك الغير فإنّه يثبت الخيار بالإضافة إلى بيع المملوك.

(1) المراد بخيار الشرط الخيار الثابت باشتراطه في البيع فيكون خيارا شرعيا إمضائيّا في مقابل الخيار الشّرعي التأسيسي، كخياري المجلس و الحيوان،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 107

..........

______________________________

و لا خلاف في صحّة اشتراط الخيار في البيع سواء كان متّصلا بتمام العقد أو منفصلا عنه، و يستدلّ على مشروعيّته بالأخبار العامة كقوله عليه السّلام (المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّٰه و المراد من موافقة كتاب اللّٰه بقرينة المقابلة عدم مخالفة كتاب اللّٰه.

و لكن قد نوقش في هذا الاستدلال بأنّ شرط الخيار في البيع مخالف لكتاب اللّٰه حيث انّه ينافي عموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

بل مخالف للسنّة أيضا نظير قوله عليه السلام (و إذا افترقا وجب البيع فيكون العمدة في المقام الرّوايات الخاصة الدّالة على جواز اشتراط الخيار في بعض أفراد المسألة.

و أجاب النائيني (ره) عن إشكال منافاة شرط الخيار للكتاب و السنة بأنّ وجوب الوفاء بالبيع و نحوه من المعاوضات حقّي لا حكمي، و إذا كان الجواز أو اللّزوم في المعاملة حقيا فلا ينافي شرط سقوطه بعضا أو كلا للكتاب الدّال على ذلك الحق أو السنّة الدالة عليه، و الكاشف عن كون لزوم البيع حقيّا لا حكميا دخول الإقالة فيه فان مثل النكاح أو الضّمان لا تقبل الإقالة و البيع و الإجارة تقبلها. و السرّ في قبول الأخيرين دون الأولين انّ كون البيع أو الإجارة عقدا باعتبار الدّلالة الالتزامية فيهما فإنّه كما ينشأ المتعاقدان المبادلة بين المالين بالمطابقة كذلك يلتزم كلّ منهما لصاحبه بتلك المبادلة بحيث يكون زمام التزام كل منهما بيد صاحبه و إذا كان إمضاء الشارع المعاملة كما أنشأت يصحّ لكل منهما فسخ تلك المعاملة باتّفاق صاحبه و موافقته و لا ينافي ذلك وجوب الوفاء بالعقد فيما إذا كان كونه عقدا و التزاما للآخر باعتبار المدلول الالتزامي كما هو الفرض.

أقول: قد تقدم سابقا انّ لزوم البيع و الإجارة و ان كان حقيّا يسقط باشتراط سقوطه الّا انّ مجرّد مشروعيّة الإقالة لا يكشف عن ذلك فإنّ الإقالة عبارة عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 108

..........

______________________________

فسخ المعاملة باتّفاق الطرفين، و كما انّ للشارع جعل الخيار لأحد المتعاقدين تأسيسا كما في خيار الحيوان، و لكلّ من المتعاقدين مستقلا، كما في خيار المجلس كذلك تجويز الفسخ لهما معا، كما هو معنى تجويز الإقالة في المعاملة، و

كما ان القسم الأول أو الثّاني من الخيار لا يدلّ على كون اللزوم حقيّا و الّا لم يثبت هذا الخيار في النّكاح كذلك القسم الثاني، و من هنا لا يتيسر لنا الالتزام بمشروعيّة الإقالة في كل معاملة ماليّة. نعم كما ذكرنا اللّزوم في البيع سواء كان بنحو المعاطاة أو غيرها حقّي، و الدليل عليه الروايات الخاصّة كالواردة في بيع شرط الخيار حيث لا يحتمل الفرق بينه و بين اشتراط الخيار في المقام.

نعم. يمكن دعوى ان فسخ المشروط له مع اشتراط الخيار داخل في الإقالة حيث ان اشتراط الخيار عبارة أخرى عن اشتراط مأذونيّة المشروط له في فسخ البيع عن قبل صاحبه.

و قد أجاب عن الإشكال بعض الأجلّة (دامت أيامه) بأنه ان كان الشرط في العقد من توابع العقد و متمّماته فلا يكون شرط الخيار منافيا لا لعنوان العقد و لا لحكمه؛ امّا عدم منافاته لعنوان العقد فواضح لانّ العنوان لا يسلب عن موضوعه و منطبقة، و كذا لا ينافي حكم العقد فان سلب الحكم عن موضوعه أمر غير معقول، و لا يمكن تعلّق القصد اليه من الملتفت و الاشتراط في المقام لا يتعلّق بسلب وجوب الوفاء بالعقد عن العقد، بل وجوب الوفاء بالعقد المشروط فيه الخيار مقتضاه ثبوت الخيار؛ و ان كان كل من الشرط و العقد مستقلا في وجوب الوفاء به فلا يتعلّق بالعقد المشروط فيه الخيار وجوب الوفاء قبل تعلّق وجوب الوفاء بالشرط ليكون الشرط منافيا لحكم العقد بل يتعلّق وجوب الوفاء بكل من العقد و الشرط في عرض واحد فالشرط يمنع عن تعلّق وجوب الوفاء المطلق بالعقد الخاص و دفع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 109

[لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا]

لا فرق

بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا (1).

______________________________

الشرط عن تعلّق وجوب الوفاء المطلق بالعقد غير مخالف للكتاب المجيد، بل يمكن دعوى انصراف وجوب الوفاء بالعقد عن صورة اشتراط الخيار.

أقول: يعتبر في صحّة الاشتراط في المعاملات ان لا يكون الشرط بمعنى المشروط منافيا للكتاب المجيد و السنّة أي منافيا للحكم الثابت فيهما على ذلك المشروط أو على العقد الذي وقع الشرط بمعنى الالتزام في ضمنه سواء قيل بان وجوب الوفاء بهذا الالتزام مستفاد من وجوب الوفاء بالعقد أم انّه حكم مستقل مستفاد مما ورد في وجوب الوفاء بالشرط و المفروض في المقام ان اشتراط الخيار ينافي اللزوم الثابت في الكتاب المجيد على جميع العقود الّتي يدخل فيها البيع المفروض. و بتعبير آخر اشتراط الخيار في المقام نظير ان يشترط في البيع ان لا يدخل المبيع في ملك المشتري الى ستّة أيّام بأن يبيع المال بثمن كذا على ان لا يدخل المبيع في ملك المشتري الى المدّة فإنّه، كما يحكم ببطلان الشرط المزبور باعتبار كونه منافيا لقوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) كذلك الحال في اشتراط الخيار بالإضافة إلى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)؛ هذا مع الغمض عمّا ذكرنا من كون لزوم البيع من حين تمامه حقيّا لا ينافي ذلك اشتراط الخيار.

(1) لا فرق بين شرط الخيار في البيع بين كونه متّصلا بتمام البيع أو منفصلا عنه لعموم أدلّة الشروط بعد فرض انّ شرط الخيار لا ينافي الكتاب و السنّة لكون لزوم البيع من الحقوق أو استفادة مشروعيّته مما ورد في بيع الخيار بل يأتي انّ ردّ الثمن في بيع الخيار شرط لحصول الخيار فيكون الخيار المشروط منفصلا عن تمام البيع مع ما تقدم من انّ الفسخ بشرط الخيار

داخل في الإقالة التي لا فرق في حصولها بعد العقد بلا فاصلة أو معها، و ممّا ذكر يظهر ضعف ما يقال بعدم مشروعية صيرورة العقد جائزا بعد لزومه و وجه الضعف بعد النقض بخيار التأخير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

و الرّؤية ما تقدم من الدّليل على مشروعيّة شرط الخيار.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 110

و المشهور على اعتبار تعيين المدة في الخيار المشترط فمع جهالة تلك المدة يبطل البيع و يستدلّ على ذلك بأنّ البيع مع اشتراط الخيار بلا تعيين مدته غرر فيعمّه النهي عن بيع الغرر لانّ الغرر الجهالة التي يتحرّز عنها العقلاء غالبا في معاملاتهم المبنية على المغابنة و المداقة، و لا عبرة بتسامحهم في الجهالة في معاملة مبنيّة على المداقّة في غالب مواردها و يتحرّزون فيها من تلك الجهالة بخلاف ما إذا تسامحوا بتلك الجهالة غالبا كما في تفاوت المكائيل فانّ ذلك التسامح يعتبر مع عدم منع الشرع عن ذلك التسامح ايضا و يشهد لاعتبار التعيين في الشرط ما ورد في اشتراط تأخير المثمن كما في بيع السلم، و انّه لا بد من تعيين المدة فيه بالشهور و الأيّام و لا يصح التعيين بالدّياس و الحصاد مع تعارف التعيين بهما عند الجاهلين بالشرع. و في موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام (لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم و لا تسلمه الى دياس و لا الى حصاد).

و الظاهر عدم الفرق بين اشتراط المدة

المجهولة في السلم و بين اشتراط الخيار في المدة المجهولة في كون البيع معهما غررا.

و قد يعلّل بطلان شرط الخيار في المدة المجهولة و انه مخالف للكتاب و السنة لأنّه غرر و لا يخفى ما فيه فإنّه قد يكون الشرط في المعاملة محكوما بالفساد لفقد ما يعتبر في الشرط. و في هذا الفرض يفسد الشرط، و لو قيل بأنّ الشّرط الفاسد مفسد فتتبع المعاملة شرطها في الفساد و قد يكون الشرط في المعاملة موجبا لدخول المعاملة في العناوين الّتي حكم الشرع بفساد تلك المعاملات و لا يحتاج في هذا القسم إلى إثبات فساد الشرط بل يحتاج إلى إثبات ان المعاملة داخلة في تلك العناوين، كما في بيع المكيل مع اشتراط عدم الكيل أو بيع شي ء مع اشتراط تأخير الثمن إلى مدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 111

[لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة]

لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة (1).

______________________________

مجهولة فانّ في هذا القسم يفسد المعاملة فيلغو الشرط المزبور لان الشرط هو الالتزام في ضمن معاملة فيصير الشّرط التزاما ابتدائيا حتى فيما كان الشرط في المعاملة الفاسدة واجدا للشروط المعتبرة في نفس الشرط كما إذا باع الكتاب بثمن مجهول مع اشتراط ان يخيط المشتري له ثوبه الفلاني و الأمر في المقام كذلك فان اشتراط الخيار في مدة مجهولة يوجب الغرر في نفس البيع فيفسد البيع هذا لو أريد من قوله (لأنّه غرر) لأنّ البيع غرر.

و لو أريد انّ الشرط غرر بدعوى انّ الغرر في كل أمر إنشائي و لو كان شرطا يفسده، و إذا فسد الشرط يتبعه البيع الّذي وقع الشرط المزبور في ضمنه يكون الاستدلال على بطلان البيع ببطلان شرطه من قبيل الأكل

من القفا لما تقدم من كون نفس البيع غرريّا بجهالة شرطه.

لا يقال كيف يدخل البيع مع شرط الخيار في بيع الغرر مع ان الخيار حكم للبيع التّام و جهالة مدة الخيار لا يوجب غرر البيع، كما في جهالة مدة المجلس في خيار المجلس، فإنه يقال هذا في الخيار الشرعي التأسيسي. و امّا خيار الشرط فهو ليس حكما للبيع الصحيح لانّه خيار جعلي، و من قبيل الشرط في المعاملة.

و بتعبير آخر شرط الخيار فيما إذا أوجب الغرر في البيع يكون كسائر الشرائط التي يدخل البيع معها في عنوان بيع الغرر فيكون البيع فاسدا حتّى لو قيل بعدم كون الشرط الفاسد مفسدا، و لكن مع ذلك فيما كانت المدة معلومة بعنوانها فقط كما في شرط الخيار ما دام حياة البائع، ففي كون مثل ذلك موجبا للغرر في البيع تأمل كما يأتي.

(1) ذكر (ره) بعد البناء على اعتبار تعيين المدة في شرط الخيار انّه لا فرق في بطلان البيع مع عدم تعيين مدّته بين ذكر المدة المجهولة، كما إذا قال بعتك على أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

يكون لي الخيار بقدوم الحاج أو عدم ذكر المدة أصلا كما إذا قال بعتك على ان يكون لي الخيار أو ذكر المدة بنحو الإطلاق، كما إذا قال بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة. و الوجه في عدم الفرق اندراج البيع في الصور الثلاث في بيع الغرر المحكوم بالبطلان كما مرّ.

و المحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية ان مع عدم ذكر المدّة يكون البيع محكوما بالصحّة و الخيار إلى ثلاثة أيام، و لعلهم يرون ذلك ايضا فيما إذا ذكر مدة الخيار

مطلقة، و في الانتصار و الغنية و الجواهر الإجماع على ذلك؛ و في الخلاف وجود أخبار الفرقة، و هذا الكلام من الخلاف بمنزلة نقل اخبار بنحو الإرسال يكون ضعفها منجبرا بحكاية الإجماع، و لعلّه لذلك مال الشهيد (قدس) إليه في الدروس بخلاف العلامة في التذكرة حيث لم ينقل التحديد الّا عن الشيخ (قده) و أوّل قوله بوجود أخبار الفرقة بأنّه يريد وجود الاخبار في شرط الخيار في بيع الحيوان.

و مع ذلك جزم السيد الطباطبائي بالقول المزبور و قواه بعض المعاصرين مؤيدا له بأنّه ليس في الأدلة ما يدفع القول المزبور حيث بالتحديد شرعا ينتفي الغرر عن البيع فيكون نظير بيع الحيوان مع الجهل بخيار الحيوان أو مدّته و زاد في مفتاح الكرامة خروج البيع المشروط فيه الخيار من غير تعيين المدة عن دليل النهي عن بيع الغرر بالتخصص لا بالتّخصيص.

و أورد عليه المصنّف (ره) بان التّخصّص غير صحيح و لو قيل بصحّة البيع المزبور و ثبوت الخيار للمشروط ثلاثة أيّام يكون ذلك بالتخصيص في خطاب النهي عن بيع الغرر لأنّ المتعلق فيه للنهي هو البيع الذي يكون غرريّا مع قطع النظر عن حكم الشّرع و تعبّده، و إذا لم يقصد المتبايعان ثلاثة أيام لا يخرج البيع عن كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

غرريّا فيكون الخيار إلى ثلاثة أيام تحديدا شرعيّا للخيار المشروط نظير ما ورد في تعيين بعض الوصايا المبهمة أو يكون الخيار بثلاثة أيّام حكما شرعيّا لموضوع خاص من غير كونه تحديدا للخيار المشروط بان يستظهر انّ الرّواية دالّة على حكم الشارع في البيع بشرط الخيار من غير تعيين المدة بثبوت الخيار للمشروط له إلى ثلاثة أيام نظير ثبوت

خيار المجلس في مطلق البيع و خيار الحيوان في بيعه.

و لكن الكلام في الدّليل على صحّة البيع المزبور و ثبوت الخيار كذلك فانّ وجود أخبار مرسلة بل مرسل واحد غير معلوم لأنّه لو كانت في البين اخبار تعرض الشيخ لكلها أو بعضها في كتابي الأخبار. و من المحتمل جدا انّ الشيخ (قده) قد استظهر القول المزبور من الأخبار الواردة في بيع الحيوان، و ان الخيار الثابت في بيعه ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط و الإجماع المنقول لا يكون جابرا لمرسل مجهول العين بل يجبر معلوم العين الظاهر دلالة، أو القاصر دلالته فلا بد من ملاحظة الإجماع المنقول بنفسه و هو ايضا لا يمكن الاعتماد عليه لانّ المجمعين استظهروا القول المزبور من اخبار خيار الحيوان، و ما روي في كتب العامّة مع ان ملاحظة كلام الجواهر و الغنية تقضي بأنّهما قد أخذا دعوى الإجماع في المقام كغالب اجماعاتهما من كلام السيد في الانتصار.

أقول: امّا اعتبار تعيين المدة في شرط الخيار فقد تقدم انّ العمدة فيه دعوى كون البيع مع عدم تعيينها غرريّا، و لكن يمكن المناقشة فيها بان البيع عبارة عن تمليك عين و نحوها بعوض، و إذا لم يكن الشرط بحيث يوجب الجهالة في أحد العوضين، كما في بيع السلم و النسيئة من غير تعيين المدة، و لا في التمليك فلا يكون في البيع غرر و الجهالة في الخيار أمر راجع الى الجهالة في إزالة البيع و فسخه بعد حدوثه، و تمامه و لم يحرز كون الجهالة فيه موجبا لدخول البيع في عنوان الغرر فيؤخذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

بعموم حل البيع و المؤمنون عند شروطهم لا سيّما إذا

كانت الجهالة في الخيار باعتبار تعليقه على فعل أحد المتعاقدين، كما إذا باع المال بكذا على ان يكون لكل من ندم و أعطى للآخر المبلغ الفلاني: في المدة المرسومة الخيار في فسخها.

و ليس المستند في صحة المعاملة باشتراط الخيار من غير تعيين مدّته ما يقال كما عن الايرواني (ره) من انّه لو كانت الجهالة في مدة الخيار أو في أصله موجبة لكون البيع غرريّا لبطل جميع البيوع لجهالة مدة خيار المجلس أو خيار العيب أو الغبن خصوصا بناء على ان مبدء الخيار فيهما ظهور العيب أو الغبن فانّ هذا النحو من الاستناد غير صحيح لأنّ المتعلق في خطاب النهي عن بيع الغرر هو البيع الغرري مع قطع النظر عن حكم الشارع عن ذلك البيع و خيار المجلس حكم شرعي يثبت للبيع التّام و لا يضرّ الجهالة الناشئة من ذلك الحكم.

لا يقال ان ذلك بالإضافة إلى خيار المجلس، و امّا بالإضافة إلى العيب و الغبن فالخيار فيهما شرطي كما يأتي فإنه يقال مع ذلك لا دلالة فيما ورد في ثبوت الخيارين على ان الجهل بثبوت الخيار أو مدته لا يوجب الغرر في البيع لانّ مع العلم بخروج مورد ثبوتها عن الخطاب النهي عن بيع الغرر. امّا بالتخصيص أو بالتخصص لا يمكن التمسك بعموم خطاب النهي عن بيع الغرر، و إثبات كون خروجهما بالتخصّص حتى ينتج ان الجهل بثبوت الخيار كما في فرض اشتراطه بنحو التعليق أو بمدته لا يوجب الغرر في البيع- و الحاصل ان العمدة في المقام عدم إحراز كون البيع غرريّا باشتراط الخيار فيه بنحو التعليق أو مع عدم تعيين مدته و لا يبعد ان يقال بما انّ البيع من المعاملات الدارجة عند العقلاء

المبنيّة على المداقة و المعاينة، فلا بدّ أن لا يكون الشرط فيه بنحو لا يكون منشأ المشاجرة و المنازعة بين المتبايعين بعد ذلك فاشتراط الخيار بنحو يكون مدته غير معين بعنوانه ايضا غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 115

..........

______________________________

صحيح، و يمكن ان يستظهر ذلك مما ورد في اعتبار تعيين المدة في السلم و غيره من الروايات الواردة في أبواب مختلفة.

و ذكر النائيني (ره) انه لو اشترط خيار الفسخ إلى الأبد يبطل البيع لا لكون البيع مع الشرط المزبور غرريّا بل لأنّ شرط الخيار إلى الأبد ينافي مقتضى البيع. و فيه ان الشرط المنافي لمقتضى البيع كما يأتي ان لا يمكن تحقق مدلول البيع و إنشائه مع الشرط المزبور، كما في قوله بعتك المال على ان لا يكون في البين ثمن أو أجرتك الدار على ان لا يكون عليك اجرة، و امّا مع تحقق مدلول البيع فلا ينافي الشرط مدلوله. و انّما ينافي أحكامه فإن كان حكمه الّذي ينافيه الشرط من قبيل الحكم المحض فيبطل الشرط دون أصل البيع، و وجه بطلان الشّرط لكون الشّرط بمعنى المشروط مخالفا للكتاب و السنّة، كما في قوله بعتك المال على ان لا يجوز لك التصرف في المال.

و اما إذا كان ذلك الحكم من قبيل الحقوق كما هو الحال في لزوم البيع أو كان الشرط بمعنى المشروط الفعل المباح دون الحكم فيصحّ البيع و الشرط، هذا أولا. و ثانيا انّه لو فرض ان لزوم البيع من الأحكام لا من الحقوق فاشتراط الخيار إلى الأبد يكون منافيا للكتاب و السنة فيبطل نفس الشرط دون البيع. و لذا ذكر السيد اليزدي (ره) و غيره صحة اشتراط الخيار إلى

الأبد و هذا لا يوجب ايضا كون البيع غرريّا.

و امّا إذا اشترط الخيار من غير ذكر المدة له أو مع ذكر مدة من غير تعيين فقد تقدم ان البيع المنشأ بنحو يكون معرضا للمشاجرة فيما بعد خارج من خطاب الإمضاء فيحكم ببطلان ذلك البيع، و الحكم بصحته و بثبوت الخيار إلى ثلاثة أيّام غير ثابت لأنّه لم يحرز انّ الشيخ (قده) أراد بقوله و بذلك أخبار الفرقة غير الروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 116

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (1).

______________________________

الواردة في خيار الحيوان و شرط الخيار فيه، و هذا هو المراد من مرسل مجهول العين و لو أحرز انّه أراد غيرها لكان المرسل معلوم العين و الإجماع المنقول قد تقدم حاله حيث ان الإجماع لو كان محصلا لم يكن معتبرا لكونه مدركيّا، فكيف مع النقل و العلم بوجود الخلاف في المسألة.

و ما روي في كتب العامة من ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجّة أصابه في رأسه فقال له النبي (ص) (إذا بعت فقل لا خلابة)، و جعل له الخيار ثلاثا؛ و في رواية (و لك الخيار ثلاثا) ضعيف سندا و دلالة فإن ظاهرها اشتراط خيار الغبن و تحديده بثلاثة أيّام و لم يعهد من أحد تحديد الخيار المزبور بثلاثة و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) مبدء الخيار المشروط فيما إذا أطلق و لم يعيّن له زمان آخر يكون من حين تمام العقد، و ذلك لانصراف الإطلاق اليه و لو عيّن للخيار زمان منفصل عن تمام العقد، كما إذا شرط خيار الغد يكون مبدء الخيار المشروط أول ذلك الزمان، أي طلوع الفجر من الغد. و هذا مبني على

ظهور الغد في نهاره، و ان مبدء النهار طلوعه.

و امّا بناء على ما هو الصحيح من كون مبدء النهار طلوع الشمس يكون مبدأه من طلوعها، و لو ذكر ان مبدء الخيار المشروط بعد خيار الحيوان فان قلنا بأنّ مبدء خيار الحيوان من حين العقد صحّ الشرط المزبور، و لكن لو قيل بأنّ مبدء خيار الحيوان من حين انتهاء خيار المجلس يحكم ببطلان الشرط بل البيع للجهل بمدّة الخيار المشروط و لو من حيث المبدء.

أقول: هذا مبني على اعتبار التّعيين في مدة الخيار المشروط مطلقا. و امّا بناء على ما تقدم لنا من عدم اعتبار التعيين. و انّما المعتبر ان لا يكون الشرط بحيث يوجب المشاجرة و معرضا للمنازعة فيحكم في الفرض بصحة البيع و الشّرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 117

..........

______________________________

و عن الشيخ (قده) انّه جعل مدة الخيار المشروط انقضاء خيار المجلس حتى في صورة إطلاق الشرط. و وجهه ما تقدم من عدم إمكان ثبوت الخيارين في زمان واحد و لا معنى لجعل الخيار في عقد جائز لولاه. و لذا يكون مبدء خيار الحيوان ايضا عنده انقضاء خيار المجلس، و قد تقدم ضعف ما ذكر، و انّه لا منع من ثبوت الخيارين في زمان واحد. نعم في خيار الشرط خصوصيّة يمكن بملاحظتها الالتزام بجعل مبدأه حين انقضاء خيار المجلس و تلك الخصوصية ملاحظة غرض المشروط له فانّ غرضه من شرط الخيار تمكنه على فسخ العقد و مع ثبوت الخيار الآخر يمكن له الفسخ بذلك الخيار الآخر، و لكن هذا مع عدم تمامه يختص بما إذا علم المشروط له بالخيار الآخر. و لو قيل بأنّ خيار الشرط يثبت في الفرض ايضا بعد انقضاء

خيار المجلس يلزم الحكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما.

عن النّائيني (قده) انّ الحكم على المتعاقدين على خلاف قصدهما في مثل المقام لا محذور فيه و لا يمكن جعله وجها لبطلان القول المزبور، فان المحذور ينحصر بما إذا كان في البين عنوانان انشائيان مستقلان و قصد المتعاقدين أحدهما دون الآخر فيحكم بوجود ما لم يقصد و بعدم المقصود كما إذا باع العين بعوض، كما هو مفاد البيع و يحكم الشارع بعدم تحققه و بتحقق تمليك منفعتها بذلك العوض، كما هو مفاد الإجارة. و امّا إذا كان الأمر الإنشائي المقصود قابلا للتبعيض في الإمضاء فلا محذور في إمضاء الشارع بعضه دون بعضه الآخر، كما في بيع ما يملك و ما لا يملك بصفقة واحدة حيث يصحّ البيع بالإضافة الى ما يملك ببعض الثمن و لا يصحّ بالإضافة إلى الآخر.

و أورد على ذلك بعض الأعاظم (دامت أيامه) بأنّه لا يقاس المقام ببيع ما يملك و ما لا يملك فانّ انحلال البيع المنشأ الى البيعين يصحّح التفكيك بينهما في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 118

[يصحّ جعل الخيار لأجنبي]

يصحّ جعل الخيار لأجنبي (1).

______________________________

التحقق و عدمه بخلاف الخيار المشروط فإنّه لا ينحل الى المتعدد.

أقول: الظاهر عدم تمام هذا الكلام فانّ التفكيك في الإمضاء لا يتوقف على الانحلال بل يجري في أمر واحد قابل للتبعيض في الإمضاء ألا ترى ان الواهب يقصد ملك المال للمتهب من حين قبوله مع انّ الشارع لم يمض الملكيّة إلّا بعد تحقق القبض، و في بيع السلم يقصد المتعاقدين الملكيّة من حين تمام الإنشاء مع انّ الشارع لم يمضها الّا بعد حصول قبض الثمن في المجلس. و الحاصل إذا كان المحكوم بالتحقق امرا إنشائيّا له عنوان

مستقل غير العنوان المقصود فتحققه بلا قصد غير ممكن لكون تحققه بلا قصد خلف. و امّا في مورد تبعيض المقصود فلا محذور كما في المقام.

هذا فيما إذا أريد عدم ثبوت خيار الشرط في زمان خيار المجلس و ثبوته بعده في بقية الزمان المعين. و امّا لو أريد أن مبدء الزمان المعين يكون بعد زمان خيار المجلس فيرد عليه انّه حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما فتدبّر.

(1) يجوز جعل الخيار في العقد لأجنبي بأن يكون الجعل المزبور بنحو تولية أمر ذلك العقد إليه فإنّ صحة هذا الجعل بمقتضى قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) و تولية الأجنبي غير توكيله فان مع التوكيل يكون فسخ الأجنبي أو إمضائه نيابة عن موكله فينفذ فسخ الموكل و إمضائه أيضا، فيما إذا حصل قبل فسخ الوكيل أو إمضائه بخلاف التولية فانّ لا عبرة مع التولية بفسخ المتعاقدين أو امضائهما.

و على ذلك فان كان الخيار المشروط للمتعاقدين، و اختلفا في الفسخ و الإمضاء يقدم الفسخ لأنّ إمضاء الآخر معناه إسقاط خياره فقط فينفذ فسخ الآخر، و كذا الحال في الأجنبيّين فيما إذا شرط لكل منهما الخيار مستقلا. و امّا إذا كان المتعدد وكيلا عن واحد أو شرط الخيار الواحد للمتعدد فينفذ تصرّف السابق امضاء أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 119

و في الدروس يجوز اشتراطه (1).

______________________________

فسخا.

أقول: هذا إذا كان التوكيل أو شرط الخيار للمتعدد بنحو الواجب الكفائي.

و امّا إذا كان الوكيل أو المشروط له المجموع بما هو المجموع فلا ينفذ تصرّف بعض منهم فسخا أو امضاء بل يحتاج فسخ العقد الى الاتّفاق منهم و الّا بقي العقد بحاله.

و أمّا ما ذكر في الوسيلة من انّه لو كان لكل من

المتعاقدين خيار الفسخ و اتفقا في الإمضاء أو الفسخ نفذ، و ان اختلفا بطل اي بطل البيع، و إذا كان الخيار لغيرهما فان يرضى بالبيع نفذ و الّا كان المبتاع بالخيار، فلا يمكن المساعدة عليه فإنه، إذا كان الخيار لغيرهما و لم يرض بالبيع فان فسخه كان فسخه نافذا، و ان لم يفسخ كان البيع بحاله، و لا يكون للمبتاع خيار الفسخ أو الإمضاء على التقديرين كما لا يخفى.

و عن الايرواني و النائيني (قدس سرهما) انّ المراد ان رضى الأجنبي بشرط الخيار له نفذ ذلك الشرط و لا يكون لمن اشترط الخيار لثالث خيار و الّا بطل ذلك الاشتراط لأنّ النّاس مسلطون على أنفسهم و يكون لمن اشترط الخيار للثالث الخيار لتخلف شرطه و هو عدم ثبوت الخيار له.

أقول: يرد عليه انّ هذا مبني على اعتبار قبول الأجنبي أو شرط الخيار له بنحو التحكيم مع انه على تقديرهما يثبت الخيار للشارط لا للمبتاع.

(1) قال في الدروس يصح جعل الخيار لثالث منفردا أو مع كل من المتعاقدين أو مع أحدهما و في فرض انفراد الثالث بالخيار نفذ فسخه أو إمضائه.

و امّا إذا كان مع أحدهما أو كلاهما و اختلف الثالث معهما أو مع أحدهما في الفسخ أو الإمضاء يمكن أن يقال بأن العبرة بفعل الثالث و الّا لم يكن لجعل الخيار له فائدة.

و ذكر المصنف (ره) انه يقدم الفاسخ كما هو مقتضى ثبوت الخيار للمتعدد على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 120

ثم انه ربما يتخيّل انّ اشتراط الخيار (1)

______________________________

نحو الاستقلال، و إذا كان الصادر عن الثالث امضاء. و عن أحدهما أو كليهما فسخا نفذ الفسخ لأنّ غاية الإمضاء عن الممضى إسقاط خيار

نفسه و جعل العقد لازما من قبله، و إذا كان الصادر عن الثالث فسخا و عن غيره امضاء نفذ الفسخ و الّا لم يكن لخيار الثالث معنى.

أقول: انّما يصحّ ذلك فيما لم يكن إمضاء المتعاقدين أو أحدهما إسقاطا لخيار ذلك الثالث و الّا فالأظهر عدم تأثير فسخ الثالث، لانّ ثبوت الخيار لذلك الثّالث حق لشارط الخيار له فيصحّ للشارط المزبور إسقاطه.

(1) قد تقدم ان لزوم مثل البيع على المتعاقدين حقي لا حكمي، و عليه فيمكن لهما جعل الخيار و الإقالة و جعل الخيار لثالث بنحو التولية أيضا لا ينافي اللزوم الحقي ليقال ان شرط الخيار مناف للكتاب و السنة الدالتين على لزوم البيع. أضف الى ذلك التّسالم الظاهر في المقام المذكور في التذكرة و غيرها. نعم لا يبعد أن يكون اشتراط الخيار للأجنبي منصرفا إلى صورة ملاحظة مصلحة الشارط، و الّا فلا ينفذ فسخه، أو إمضائه لعدم ثبوت الخيار له كذلك؛ و ما وقع عن بعض من تعليل عدم نفوذ فسخه أو إمضائه مع عدم ملاحظة مصلحة الشارط بكونه أمينا غير صحيح، بل الصحيح تعليله بعدم الخيار له كذلك.

ثم ان مقتضى قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) ثبوت الخيار للثالث بمجرد اشتراط المتبايعين في العقد و دعوى اعتبار قبوله لأنّ ثبوت الخيار للثالث بلا قبوله ينافي سلطنة الناس على أنفسهم لا يمكن المساعدة عليها فإنه ليس في البين عموم يدلّ على سلطنة النّاس على أنفسهم بحيث يؤخذ به في المقام بل المتبع في مواردها الخطابات الأخرى الواردة في المعاملات و غيرها؛ و على الجملة الشرط بمعناه المصدري قائم بالمتعاقدين فلا يتحقق الّا بتراضيهما عند العقد. و امّا ثبوت الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4،

ص: 121

[يجوز لهما اشتراط الاستيمار]

يجوز لهما اشتراط الاستيمار (1).

[من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع اليه]

من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع اليه (2).

______________________________

للثالث فهو شرط بالمعنى المشروط كما لا يخفى.

(1) يجوز لأحد المتبايعين أو كلاهما اشتراط الاستيمار مع الأجنبي عن أمر البيع فيأتمر بأمره أو يأتمر بأمر الأجنبي ابتداء. و الظاهر من اشتراطه هو جعل الخيار لنفسه على تقدير أمر الأجنبي بفسخ العقد بعد الاستيمار أو ابتداء فيكون ذلك من قبيل اشتراط الخيار لنفسه معلقا، و قد تقدم انّ ظاهر المصنف و كثير من الأصحاب بطلان البيع باشتراط الخيار معلّقا للغرر. و امّا إذا كان جعل الخيار لنفسه غير معلّق بل المعلّق هو الفسخ بان يكون فسخه بعد أمر الأجنبي به بعد الاستيمار أو ابتداء نظير ما سيجي ء في بيع الخيار من انّ للبائع فيه خيار، و لكن يعتبر ان يكون فسخه برد الثمن أو معه، فان فسخ قبل الاستيمار أو مع أمر المستأمر بالفتح بالإجازة لم ينفذ سواء كان الاستيمار شرطا للخيار أو قيدا للفسخ فان ظاهر اشتراط الاستيمار هو الايتمار بأمره بأحد النحوين.

و لو كان المشروط الاستيمار دون الايتمار بأمره لم يكن له ايضا الفسخ إلّا إذا كان الاستمار أمرا زائدا على اشتراط الخيار و لو أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ إذ غاية أمره بالفسخ ثبوت خيار الفسخ له أو تمكّنه على الفسخ المشروط، و لو وجب عليه الفسخ فلا بدّ من أن يكون في البين شرط آخر لصاحبه عليه، و هو ان يفسخ البيع مع أمر المستأمر بالفتح؛ و لازم ذلك انّ لصاحبه حق فسخ البيع مع امتناع المستأمر بالكسر عن الفسخ لا مطلقا كما هو ظاهر المصنف (ره) فلا حظ.

(2) من افراد الخيار ما ينسب البيع اليه، و يقال

بيع الخيار، و هذا البيع مشروع عندنا كما في التذكرة و غيرها، و يقتضيه بعد مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) الروايات الخاصة منها موثقة إسحاق ابن عمّار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 122

[توضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور]
[الأول ان اعتبار ردّ الثمن في هذا الخيار]

الأول ان اعتبار ردّ الثمن في هذا الخيار (1).

______________________________

قال حدّثني من سمع أبا عبد اللّٰه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال رجل مسلم احتاج الى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيعك داري هذه و تكون لك أحبّ اليّ من أن تكون لغيرك على ان تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه قلت فإنها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة فقال الغلّة للمشتري ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله.

و رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرّجل الذي اشترى منه الدار خلطة فشرط انك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال (له شرطه) قال أبو الجارود، فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال ثلاث سنين قال (هو ماله)؛ و قال أبو عبد اللّٰه (ع) (أ رأيت لو انّ الدّار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري).

و صحيحة سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّٰه انا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم و نبيعهم و نربح عليهم للعشرة اثني عشر و العشرة ثلاثة عشر و نؤخّر ذلك بيننا و بين السنة

و نحوها و يكتب الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذه منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال الى وقت بيننا و بينه ان نردّ عليه الشراء فان جاء الوقت و لم يأتنا بالدّراهم فهو لنا فما ترى في الشراء فقال أرى أنّه لك ان لم يفعل و ان جاء بالمال للوقت فرد عليه الى غير ذلك. «1»

(1) ذكر (قدّس) في المقام أمورا الأول ان ردّ الثمن في هذا الخيار يتصور على

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 7 و 8 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

أنحاء أحدها أن يكون ردّه قيدا للخيار على وجه التعليق بان يكون ردّه شرطا لحصول الخيار للبائع أو على وجه التوقيت بان يكون زمان ردّه زمان حصول الخيار، و نتيجة التعليق و التوقيت واحدة، و لذا ذكر (ره) انّه لا خيار قبل الردّ؛ و المراد بردّ الثمن ليس أخذ المشتري السابق الثمن ثانيا حتّى لا يكون خيار للبائع مع امتناع المشتري عن أخذه بل أن يحصل تمام ما يكون من طرف البائع دخيلا في أخذه و ان يمتنع المشتري عنه.

أقول: لو تمّ هذا النحو فلا بدّ من رفع اليد في المقام عمّا تقدم من اعتبار تعيين مدة الخيار من حيث المبدء و المنتهى حيث لو كان ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار لكان جوازه تخصيصا في ذلك الاعتبار فانّ مع كون ردّ الثّمن قيدا لنفس الخيار لا يكون تعيين في مبدأه.

و قد يقال ان المجعول يمكن أن يكون الخيار المتقيد من غير ان يكون تعليق فيه و لا توقيت بأن يكون القيد للخيار

طبيعي ردّ الثمن لا الرّد الخارجي، و يكون للمشروط له الخيار الخاص نظير الخيار تحت السقف ثلاثة أيّام من حين تمام البيع، و لكن لا يخفى انّ هذا ايضا يرجع الى التوقيت لأن تقيد الخيار الّذي أمر إنشائي بأمر خارجي زماني مرجعه الى اعتبار اجتماعهما في الزّمان، و الّا لأمكن ان يقال انّه إذا اشترط له الخيار عند قدوم الحاج يكون للمشروط له الخيار الخاص من حين تمام العقد و هو الخيار مع قدوم الحاج.

و بتعبير آخر إذا لم يعين زمان للزماني فلا يكون للخيار المعتبر معه زمان خاص فيكون زمان الخيار من حيث المبدء مجهولا.

الثّاني: أن يكون قيدا للفسخ بأن يكون الخيار للبائع من حين العقد الى تمام المدة المعيّنة كالسنة أو الأقل أو الأكثر، و لكنّ الفسخ يعتبر وقوعه على نحو خاص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 124

..........

______________________________

و هو ردّ الثمن معه أو قبله، و الفرق بين هذا و النحو السّابق هو الفرق بين الواجب المعلّق و الواجب المشروط، و لكن يبقى في البين ان الخيار و ان يكون أمرا اعتباريا الّا ان اعتباره يكون لغرض عقلائي لا محالة، و إذا لم يكن فسخ البائع بدون ردّ الثمن موجبا لانفساخ البيع يكون اعتبار الخيار قبل ردّ الثمن لغوا و لا يقاس بالواجب المعلّق حيث انّ حصول الوجوب و إطلاقه قبل حصول قيد الواجب له أثر عملي، و هو لزوم تحصيل مقدمات الواجب و لو قبل حصول ذلك القيد.

اللّهمّ الّا ان يقال انّ اعتبار الخيار لا يكون لغوا حيث يمكن أن يكون الغرض من إطلاقه و عدم تعليقه التمكن على إسقاطه بعد العقد مجانا أو مع العوض.

الثالث: أن يكون ردّ

الثّمن بنفسه فسخا فلا يحتاج معه إلى إنشاء الفسخ بنحو آخر بان يكون قصد البائع بردّ الثمن تمليكه للمشتري ليتملّك منه المبيع، و على ذلك حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدّالة على عود المبيع إلى بائعه بمجرد ردّه الثمن.

و لكن لا يخفى انّما يكون ردّ الثمن فسخا فيما إذا قصد بردّه إلغاء البيع السابق و الّا فتمليك المشتري الثمن ليتملك منه المبيع معاملة جديدة تكون الولاية عليها خارجة عن عنوان الخيار، و فسخ العقد؛ و ان كان الثمن المردود غير ما أخذه سابقا يكون الدفع بعنوان الوفاء بالدين الحاصل بإلغاء البيع؛ و ان كان عينه يكون ردّه بعنوان انّه ملك المشتري بإلغاء البيع لا انّه ملكه يحصل بالتّمليك الجديد.

الرابع: أن يكون ردّ الثمن قيدا لانفساخ البيع بأن يحصل الانفساخ مع ردّ الثمن. و قيل يظهر ذلك من رواية معاوية بن ميسرة حيث ذكر السائل فيها الشّرط في البيع انّ مع مجي ء البائع بالثمن الى ثلاث سنين الدّار داره؛ و أجاب عليه السلام بنفوذ الشرط و قد عنون الغنية المسألة بهذا العنوان، و لكن يحتمل أن يكون المراد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

من رواية معاوية بن ميسرّة كون الرد قيدا للفسخ، كما هو الاحتمال الثالث كما قيل بظهور موثقة إسحاق بن عمّار و صحيحة سعيد بن يسار فيه حيث ذكر في الأولى ان جاء بالثمن ردّ المبيع إلى بائعه؛ و في الثانية ان جاء به ردّ الشراء و كل منها كناية عن فسخ البيع.

و لكن يستشكل في كون ردّ الثمن قيدا للانفساخ بأنه ان كان ردّه موجبا لانفساخه و ان لم يقصد الرد بردّه فسخه، فهذا و ان كان ممكنا كانفساخ

البيع بتلف المبيع قبل القبض الّا ان حصول الانفساخ قهرا بلا قصد و إنشاء يحتاج الى دليل غير عموم قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) لأنّ العموم المزبور لا يثبت مشروعية المشروط و رواية معاوية بن ميسرة مع ضعف سندها لم يثبت ظهورها في مشروعيّة شرط الانفساخ لاحتماله الوجه الثالث كما ذكرنا.

و مع ذلك يمكن أن يقال بأنّه لا بأس بالالتزام بحصول الانفساخ بنفس الاشتراط فان الانفساخ لا يعتبر فيه سبب خاص غاية الأمر يكون المنشأ حال البيع الانفساخ مقارنا لردّ الثمن و يكون الانفساخ فعليّا بحصول الردّ.

عن النائيني (ره) انه لا يمكن إنشاء الفسخ بالشرط في البيع معلّقا برد الثمن لان شرط الانفساخ مناف لمقتضى البيع لان مقتضى الشرط نفي البيع و لا يخفى ما فيه فان مقتضى شرط الانفساخ معلّقا بنحو شرط النتيجة نفي البيع بقاء لا نفيه حدوثا ليكون منافيا لمقتضى البيع و بقاء البيع مقتضى إطلاقه و عدم لحوق الفسخ به.

و بتعبير آخر شرط انفساخ البيع مطلقا، و ان كان باطلا لخروج البيع معه عن مورد اعتبار العقلاء و منصرف دليل الإمضاء الّا انّ شرط الانفساخ معلّقا لا يكون كذلك.

و الوجه الخامس: أن يكون ردّ الثمن قيدا للإقالة المشروطة بأن يلتزم المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 126

[الأمر الثّاني الثمن المشروط ردّه]

الأمر الثّاني الثمن المشروط ردّه (1).

و يحتمل العدم بناء على انّ اشتراط الرّدّ بمنزلة اشتراط القبض قبله (2).

______________________________

للبائع ان يوافقه في الفسخ إذا جاء بالثمن في المدة المضروبة، و إذا جاء بالثمن و لم يقبله أجبره الحاكم أو أقال عنه، و ان لم يتمكن من المراجعة إلى الحاكم كذلك يستقل البائع بالفسخ لتخلف شرطه على المشتري و يحتمل هذا في

موثقة إسحاق ابن عمار، و صحيحة سعيد بن يسار بان يكون ردّ المبيع فيهما كناية عن ملزومه أي الإقالة لا عن فسخ البائع كما فهمه الأصحاب.

(1) الثمن المشروط ردّه في الخيار أو في الفسخ على ما تقدم، امّا أن يكون كليّا على العهدة، و امّا أن يكون معينا و على كلّ من التقديرين، امّا أن يقبضه البائع أم لا، فان لم يقبضه يثبت له الخيار، و ينفذ فسخه سواء كان الثمن كليّا أم معيّنا حيث انّ ردّ الثمن قيد للخيار أو الفسخ على تقدير قبض البائع، و في فرض عدم قبضه لا تقييد، و هذا الوجه و ان ذكره المصنف (ره) الّا انه لا يمكن المساعدة عليه فان لازمه الالتزام بثبوت شرطين أحدهما ثبوت الخيار للبائع مطلقا قبل قبض الثمن؛ و الثاني الخيار على تقدير ردّ الثمن بعد قبضه مع انّه لا دلالة لقوله بعت مالي بكذا على ان ترد المبيع ان جئت بالثمن إلى سنة على تعدّد الشرط.

و لكن يمكن أن يوجّه ثبوت الخيار في الفرض بوجه آخر و هو ان المتفاهم من الكلام المزبور ان ردّ الثمن ليس بنفسه متعلق الغرض في تقييد الخيار أو الفسخ؛ بل المتعلق في ثبوت الخيار أو إنشاء الفسخ كون الثّمن بيد المشتري و تحت اختياره، و لذا يصح للبائع الفسخ في فرض قبض الثّمن لو غصبه المشتري أو سرقة من عنده ثانيا.

(2) يحتمل أن لا يكون للبائع خيار الفسخ فيما إذا لم يقبض الثمن فان ظاهر قوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 127

و ان قبض الثمن المعين فامّا ان يشترط ردّ (1).

______________________________

في الإيجاب بعت مالي بكذا على ان ترده إن جئت بالثمن إلى

سنة هو اشتراط الخيار في البيع المزبور بحصول قبض الثمن.

أقول: قد تقدم منع هذا الظهور و ان ذكر ردّ الثمن لغرض أن يكون الثمن تحت اختيار المشتري زمان الفسخ كما لا يخفى.

(1) إذا كان الثمن مقبوضا معينا؛ فامّا ان يشترط في خيار الفسخ ردّ ذلك المعين؛ و امّا أن يشترط ما يعمّ ردّ بدله مع عدم إمكان ردّه بتلف لا من البائع أو مطلقا أي مع إتلاف البائع أيضا أو حتّى مع بقاء ذلك المعين؛ و امّا أن يذكر اشتراط ردّ الثمن من غير تقييد بردّ المعين أو تصريح بما يعمّ ردّ البدل فان اشترط ردٌّ عينه فلا يكون له خيار مع تلفها بفعل البائع لا مطلقا حيث انّ ظاهر اشتراط ردّ العين كون إتلاف البائع مسقطا لخياره فلا يسقط فيما إذا كان الإتلاف من غيره، و لكن لا يخفى ما فيه فان ظاهر الاشتراط تقييد الخيار بصورة ردّها فلا يكون خيار في غير الفرض، و كذلك الحال لو كان ردّها قيدا للفسخ أو الانفساخ على ما مرّ.

و امّا إذا كان الشرط ردّ ما يعمّ البدل فلا إشكال في الخيار في فرض عدم التمكن من ردّ العين فإنه بالفسخ يرجع ذلك المعين إلى المشتري و بما انّه قد تلف فيأخذ بدله.

و امّا إذا كان الشرط ردّ البدل و لو مع التمكن على ردّ المعين ففي الشرط إشكال فإن مقتضى الفسخ رجوع نفس العين الى ملك المشتري، و مع وجوده لا موجب للانتقال الى البدل.

أقول: لا يخفى ان اشتراط ما يعمّ البدل حتى مع التمكن على ردّ العين مرجعه الى توكيل البائع بمعاوضة ذلك المعين بمثله أو بقيمته كما هو الحال في اشتراط ردّ ما يعمّ

القيمة في المثلي، و ردّ ما يعمّ المثل في القيمي و لا يكون التبديل مع التوكيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

مخالفا للكتاب و السنة و يتصور في بعض الفروض اشتراط المبادلة بشرط النتيجة أيضا حيث لا اشكال فيه و المبادلة بين المالين لا يحتاج إلى إيجاب خاص و يحصل بكلّ ما يكون ظاهرا فيها؛ اللّهمّ الّا أن يقال ان شرط التوكيل أو شرط المبادلة بنحو شرط النتيجة لا يفيد في المقام فإنّه ما دام لم يحصل الفسخ فالثّمن المعين ملك البائع فله التصرف فيه بما شاء و لا معنى لتبديل ماله بمال آخر أو حصول المبادلة بينهما ثم بالفسخ ينحل البيع و لازم ذلك رجوع نفس الثمن الى ملك المشتري، و حيث انه غير تالف فلا معنى للرجوع الى البدل و بعد زوال العقد يزول الشرط بزواله سواء كان شرط التوكيل أو شرط المبادلة بنحو شرط النتيجة فلا موجب لدخول البدل في ملك المشتري و دخول البدل في ملك البائع.

و لكن الصحيح جواز اشتراط ردّ البدل حتى بقاء عين الثمن فانّ تمليك البدل للمشتري ليتملك منه الثمن الأول بنفسه فسخ للبيع السّابق، فانّ الفسخ كما ذكرنا أمر إنشائي يتقوم بالإبراز و إذا اعتبر البائع انحلال البيع السابق فلا يكون هذا الاعتبار بلا إبراز فسخا و إذا اعتبر معه ملكيّة البدل للمشتري بإزاء الأصلي يكون إبراز هذا الاعتبار بردّ البدل إبرازا لانحلال البيع ايضا، و لا يعتبر في صحّة المبادلة حصول الفسخ في زمان قبل زمان المبادلة، بل تقدم الانفساخ على حصول المبادلة بين الثمن الأوّل و البدل في المرتبة، و المعتبر في صحّة المبادلة المزبورة كون الثمن الأول ملكا للمشتري،

و لو في زمانها.

و ان شئت توضيح المقام فلا حظ فسخ ذي الخيار ببيع ما انتقل عنه من شخص ثالث فان البيع من شخص ثالث يتوقف على كون المبيع ملكا له مع ان الفسخ أي فسخ البيع السّابق، و دخول المبيع في ملك ذي الخيار يتحقق بنفس البيع من شخص ثالث حيث ان البيع المزبور كما يكون إبرازا لتمليك المبيع من شخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 129

[الأمر الثالث حصول الفسخ برد الثمن أو معه]

الأمر الثالث قيل ظاهر الأصحاب (1).

______________________________

ثالث كذلك يكون إبرازا لانحلال البيع السابق، فيحصل الانحلال و البيع من شخص ثالث في زمان واحد و لا دليل على بطلان البيع الّا فيما إذا لم يكن المبيع زمان تحقق البيع ملكا لبائعه.

و إذا صحّ ما ذكر يكون اشتراط هذه المبادلة في البيع صحيحا لأن موطن الشرط أي البيع الثاني لا يكون بعد زمان فسخ البيع ليقال انه لا ينفذ شرط إذا فرض قبله انفساخ المعاملة بل يرجع اشتراط هذه المعاملة إلى تضيّق دائرة الفسخ أو الخيار، و على ذلك فالمقام من هذا القبيل لانّ مرجع الاشتراط الى اعتبار الفسخ الخاص أي الفسخ بمبادلة الثمن الأوّل الموجود ببدله فانّ هذه المبادلة كالبيع الثّاني في المثال يتوقف على انحلال البيع الأوّل بلا فرق بين أن يجعل ردّ الثمن أو بدله مقدمة للفسخ أو قصد الفسخ بالردّ، و المتحصل مما ذكرنا انه يكون ردّ البدل مع وجود المبدل في اشتراط الفسخ أو الخيار امرا مشروعا في نفسه فينفذ بالاشتراط في البيع كما لا يخفى.

و امّا إذا أطلق اشتراط ردّ الثمن فيكون الإطلاق عند المصنف و غيره مقتضيا لردّ ذلك المعين فلا يكون له خيار مع تلفه، و لكن لا

يبعد أن يقال القرينة العامة في بيع الخيار مقتضية لكون المراد ردّ ما يعم البدل حيث انّ الدّاعي للبائع إلى البيع في موارد بيع الخيار حاجته الى الثمن و التصرف فيه بصرفه على حوائجه مفروض، و لعله لذلك ذكر في الدروس حمل الإطلاق على ردّ ما يعمّ البدل، و قد تسلّم المصنف (ره) ما ذكر فيما إذا كان الثمن كليّا و الظاهر عدم الفرق بين الثمن الكلي و الشّخصي من هذه الجهة.

(1) قيل انّ ردّ الثمن أو بدله و ان كان معتبرا في الخيار في بيع الخيار الّا انّ ظاهر الأصحاب عدم تحقق الفسخ به بل الرّدّ مقدّمة للفسخ فيعتبر بعده إنشاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 130

[الأمر الرابع يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد]

يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد (1).

______________________________

الفسخ، و لأنّ الرّدّ من حيث انّه فعل لا يدلّ على الفسخ، و فيه انّ المعتبر في الفسخ إظهار حل البيع و الرّضا برجوع المالين الى مالكهما الأصليين، و مع ظهور الرّدّ في ذلك فلا وجه لعدم كونه فسخا و ما يقال من انّ الرّدّ يدلّ على ارادة الفسخ و الإرادة غير المراد يعني إرادة الفسخ غير تحقّق الفسخ لا يرجع الى محصل لأنّ الأمر الإنشائي المراد يحصل بفعل أو قول يكون ذلك الفعل أو القول ظاهرا في إرادة ذلك الأمر و اعتباره، ثم لا يخفى انّ في كلام المصنف (ره) في المقام ايضا تسامحا حيث انّ ظهور الفعل في إرادة التمليك و التملك لا يكون فسخا بل يعتبر فيه دلالة الفعل على إلغاء البيع السابق على ما تقدم.

(1) و حاصله: انّه لو جعل ردّ الثمن قيدا للفسخ بان كان خيار الفسخ ثابتا من حين العقد فيجوز

إسقاطه بعد العقد كما هو مقتضى فعليّة الخيار، و كونه حقا؛ و امّا على الوجه الأوّل أي جعل ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار فيشكل إسقاطه بعد العقد، و قبل الردّ حيث انّ الخيار، و لو كان حقّا الّا ان إسقاط الحق يتوقف على فعليّته و ليس المراد انه لا يمكن إسقاط الحق الّا بعد فعليّته كما يتوهّم من قولهم من انّ الاسقاط قبل الردّ إسقاط لما لا يجب بل المراد ان مقتضى كون شي ء حقّا جواز إسقاطه بعد فعليّته؛ و امّا إسقاطه قبل ذلك فيحتاج نفوذه الى دليل كما هو الحال في شرط سقوط الخيار في العقد حيث انّ الشرط المزبور إسقاط حق يعمه دليل المسلمون عند شروطهم، و كذا في بعض موارد الخيار في فسخ النكاح حيث دلّت الرّواية على جواز إسقاطه قبل فعليّة ذلك الخيار. و الحاصل ان مقتضى ما صرّح به في التّذكرة من انّه لا يصحّ إسقاط خيار الشرط و الحيوان بعد العقد بناء على حدوثهما بعد التفرق كما عليه الشيخ (قده) عدم جواز إسقاط الخيار في المقام قبل الردّ، و لكن يمكن ان يمنع عن ذلك بأنّه يمكن للعلامة الالتزام بعدم جواز الإسقاط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 131

..........

______________________________

في خياري الشرط و الحيوان قبل التفرّق و جواز إسقاط الخيار في المقام قبل ردّ الثمن، فان الافتراق المعلّق عليه انتهاء الخيارين خارج عن اختيار ذي الخيار حيث يمكن للآخر أن يصحبه فلا يحصل الافتراق بخلاف المقام فان كون البائع مالكا لردّ الثمن الموجب للخيار كاف في إسقاطه.

أقول: الفرق المزبور عليل فإنّه ربّما لا يكون البائع في بيع الخيار متمكنا على ردّ الثمن الى زمان لفقد المال، هذا

أولا. و ثانيا: انّه لا يكفي في إسقاط الخيار كون الموضوع له في اختيار الشخص و الّا جاز إسقاط الخيار لمشتري الحيوان قبل شرائه، كما إذا كان الاسقاط بعد إيجاب البائع و قبل قبوله بحيث لا يكون القبول مبنيّا على ذلك الاسقاط فإنّه لو كان مبنيّا عليه لكان من شرط السقوط في العقد.

و الصحيح في الجواب هو القول بجواز الاسقاط بعد العقد في خياري الشرط و الحيوان ايضا حتى على مسلك الشيخ (قده) من حدوثهما بعد التفرق فانّ الخيار المعلّق على التفرق أو ردّ الثمن ايضا حق عند العقلاء، و انّ إسقاطه قبل حصولهما نظير إلغاء الوصيّة التملكية يحسب من رفع اليد عن الحق و يشير الى ذلك قوله عليه السلام في بعض اخبار الحيوان بكون مثل التقبيل و اللمس رضا بالبيع فإنه مقتضاه سقوط الخيار و لزوم البيع في كل زمان بالالتزام ببقاء البيع كان ذلك قبل التفرّق أو بعده.

و يسقط هذا الخيار بانقضاء الزّمان المشروط فيه ردّ الثمن و عدم ردّه أو ردّ بدله في ذلك الزمان على التفصيل المتقدم و لو تبيّن المردود من غير جنس الثمن فلا يتحقق الردّ بخلاف ما إذا تبيّن كونه معيبا فإنه يكفي في الردّ غاية الأمر يكون للمشتري حق الاستبدال، و لكن يمكن أن يقال بعدم الفرق بين الصورتين في عدم الكفاية و ذلك فإنّه انّما يصحّ الفرق بين غير الجنس و المعيب، فيما كان المتعلّق شخصا، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 132

..........

______________________________

إذا ظهر المقبوض في السلم ثمنا من غير الجنس المذكور في العقد بان باع الحنطة سلما بمأة درهم خارجيّة، ثم ظهر الموجود الخارجي عشرة دنانير، فانّ ذلك لا يكفي

في بعض الثمن فيحكم ببطلان المعاملة بخلاف ما إذا ظهرت تلك الدّراهم معيبة فإنّه يكفي في القبض غاية الأمر يكون للبائع خيار الفسخ باعتبار ظهور العيب في الثمن.

و امّا في مورد كون المتعلق كليّا كما إذا كان في بيع السلم الدّراهم بنحو الكلّيّ على العهدة و ظهر المدفوع بعنوان أداء الثمن من غير الجنس أو المعيب فإنّه لا فرق بينهما و مع بقاء المجلس للبائع مطالبة المشتري بالفرد من الثمن أو بالصّحيح، و مع عدم بقائه يحكم ببطلان السلم سواء قلنا بأنّ المراد بالشّي ء صحيحة في المعاملة للانصراف أو للشرط الارتكازي، و بما انّ المفروض في المقام كون المشروط ردّه كليّا فلا فرق بين ظهور المردود من غير الجنس أو المعيب في عدم كفاية ذلك في نفوذ الفسخ. نعم إذا التفت المشتري الى مال المردود و رضي به كفى في نفوذ فسخ البائع بلا فرق بين الصورتين ايضا.

و لكن الكلام فيما أخذ المردود من غير التفات الى حاله بحيث لو كان ملتفتا لم يأخذه و ربّما يوجّه الفرق كما عن النّائيني (قده) بأنّ الوصف حق للمشتري فيصحّ له المطالبة به و المعيب المدفوع داخل في الثمن، و لكن بما انّ دفع الوصف لا يمكن إلّا في ضمن عين يكون له الاستبدال بخلاف ظهور المدفوع من غير الجنس فإنّه غير داخل في الثمن المشروط ردّه.

و فيه: انّ المدفوع انّما يدخل في عنوان الثمن فيما إذا رضي المشتري بالمعيب مع الالتفات بحاله كما انّه بالرّضا كذلك يحسب غير الجنس ايضا ردّا للثمن المشروط ردّه، و لكن الكلام كما ذكرنا فيما إذا لم يلتفت بالحال فتدبّر جيّدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 133

و يسقط ايضا

بالتصرف في الثّمن المعين (1).

______________________________

(1) و يسقط ايضا هذا الخيار بالتصرف في عين الثمن المشروط ردّه أو التصرف في الفرد المأخوذ فيما إذا كان مقتضى الاشتراط في العقد أو كان مقتضى إطلاق اشتراطه ردّ تلك العين أو ردّ ذلك الفرد و يدلّ على كون التصرف في الثّمن المزبور موجبا لسقوط الخيار ما ورد في خيار الحيوان من انّ تصرّف ذي الخيار في الحيوان المشتري رضي منه بالبيع فلا خيار حيث انّ الروايات و ان وردت في خيار الحيوان إلّا انّ الأصحاب قد فهموا منها عموم الحكم، و لذا ذكروا سقوط خيار المجلس و الشرط بالتصرف كسقوط خيار الحيوان بتصرف المشتري فيه.

و لكن مع ذلك ذكر المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية عدم سقوط الخيار في بيع الخيار بتصرف البائع في الثمن المأخوذ لأنّ الخيار في بيع الخيار قد جعل للبائع مع فرض تصرفه فيه، و قد أمضى الشّارع البيع المزبور بهذا لنحو و يفصح عن ذلك موثقة إسحاق ابن عمّار المفروضة فيها حاجة المسلم الى بيع داره ببيع الخيار، و من الظّاهر انّ الحاجة الى بيع داره معناها الحاجة الى ثمنها بالتّصرف فيها.

و قد أجاب بحر العلوم (قده) في مصابيحه عن ذلك بعد الطعن على القول المزبور بأنّه مخالف لما عليه الأصحاب بما حاصله انّ الالتزام بسقوط الخيار بتصرف ذي الخيار فيما انتقل اليه لا يوجب محذورا في المقام لانّ التّصرف في الثمن المأخوذ في بيع الخيار يكون قبل ردّ الثمن و هو ليس زمان الخيار فلا يكون التصرف فيه في ذلك الزّمان مسقطا بل المسقط له التّصرف فيه بعد ردّه الى المشتري حيث انّ هذا الزمان زمان فعلية الخيار فيكون تصرّف البائع فيه مسقطا لخياره

مع انّ ما ذكر من لزوم نقض الغرض في فرض سقوط الخيار بالتصرف في الثمن لا يتمّ فيما إذا كان زمان الخيار منفصلا عن العقد كما إذا جعل مدّة الخيار كاليوم الأوّل بعد سنة فانّ التصرف في الثّمن في طول السنة لا يوجب سقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

و ذكر صاحب الجواهر (ره) انّ ما ذكر بحر العلوم (قده) في مقام الجواب غير صحيح فانّ ردّ الثمن ليس شرطا لحدوث الخيار و إلّا لزم جهالة مدة الخيار من حيث المبدء، و على ذلك يكون سقوط الخيار بالتصرف في الثمن نقضا للغرض من تشريع بيع الخيار، و ايضا يرى العرف قبل ردّ الثمن و بعده زمان الخيار و يظهر ذلك عن كثير من الأصحاب فإنّهم قد ضعفوا ما ذهب اليه الشّيخ (قده) من انّ النقل و الانتقال في البيع يحصل بانقضاء زمان الخيار بالأخبار الواردة في المقام الدّالة على ان غلة الدار للمشتري و وجه الظهور أن غلّة الدار للمشتري باعتبار كون أصل الدار له، و الظاهر انّ هذه الأخبار لا تكون ردّا لما ذهب اليه الشيخ الّا أن يكون كلا من زمان قبل ردّ الثمن و بعده زمان الخيار ليكون تملك المشتري الغلة فيهما دليلا على بطلان ما ذهب اليه الشيخ (قده).

و ذكر المصنف (ره) انّ كلا مما ذكره المحقق الأردبيلي، و الجواب عنه بما في المصابيح؛ و الردّ على الجواب المزبور ضعيف. و حاصل ما ذكره في الإيراد على كلام الأردبيلي بأنّ التّصرف في الثمن يكون مسقطا للخيار فيما إذا كان المشروط في بيع الخيار ردّ عين ذلك الثّمن أو عين ذلك الفرد المأخوذ و الغالب في بيع الخيار

كون الثمن كلّيا، و قد تقدم انّه لا يستفاد من الإطلاق اشتراط ردّ عين الفرد المأخوذ كما هو مورد موثّقة إسحاق بن عمّار أو منصرفها، و مع عدم اشتراط ردّ العين لا يكون في التّصرف في العين دلالة على التزام البائع بإبقاء البيع و قد تقدم انّ قوله عليه السلام فذلك رضى منه بالبيع فلا خيار ليس حكما تعبّديّا محضا بل حكم بسقوط الخيار بالتّصرف الخارجي الذي يكون فيه دلالة نوعيّة على الالتزام بإبقاء البيع فيدخل في المسقط الفعلي و لا يكون التصرف مسقطا فيما إذا علم انّ التصرف لا يكون على هذا الوجه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

أقول: قد ذكرنا انّه لا فرق بين الثمن الشخصي أو الكلي على العهدة في انّ مقتضى القرينة العامة ان المشروط في بيع الخيار ردّ ما يعمّ البدل و مع اشتراط ردّ ما يعم البدل لا يمكن الالتزام بسقوط الخيار بالتصرف في عين الثمن أو الفرد المأخوذ سواء كان ذلك التصرف من التّصرفات الناقلة أم من التصرفات الانتفاعية. و امّا إذا كان المشروط تصريحا ردّ عين ذلك الثمن أو الفرد المأخوذ فمع التصرف الناقل فيه لا يبقى للخيار موضوع بخلاف التصرف الانتفاعي فإنّه لا موجب لسقوط الخيار معه فإنّه أيضا لا يوجب سقوط الخيار و لا يستفاد سقوطه مما ورد في التصرف في الحيوان المشترى لما تقدم من انّ سقوط الخيار بالإسقاط الفعلي كالقولي، و ان لا يكون أمرا تعبّديّا الّا انّ تطبيق الإسقاط الفعلي على مثل النظر الى ما كان يحرم من الأمة المشتراة أمر تعبدي لا يمكن التعدّي منه الى المقام؛ و ايضا دعوى انّ مورد الموثقة أو منصرفها كون الثمن كليا

على العهدة غير ظاهر كما لا يخفى.

و أورد (ره) على ما ذكر في المصابيح من ان التصرف قبل ردّ الثمن لا يكون تصرفا في زمان فعلية الخيار ليكون مسقطا بأنّ التصرف مسقط فعلي و إذا فرض صحّة إسقاط الخيار بالقول قبل ردّ الثمن على ما تقدم يكون إسقاطه بالفعل أي التّصرف نافذا و لو مع عدم فعليّة الخيار مع انّ كون ردّ الثمن مبدءا للخيار غير صحيح فانّ ظاهر كلمات الأصحاب كون ردّ الثمن قيدا للفسخ؛ و ان زمان الخيار يعمّ قبل الردّ و بعده و لو لم يكن هذا متعيّنا فلا ينبغي الرّيب في انّه يمكن جعل الخيار بنحو يكون ردّ الثمن قيدا للفسخ كما يمكن جعله بنحو يكون قيدا للخيار. نعم إذا جعل الخيار منفصلا كاليوم الأول بعد السّنة يجري فيه الإشكال المتقدم في انّه يجوز إسقاط الخيار فيه قولا قبل ذلك الزمان أم لا، و لو قيل بعدم جواز الإسقاط قولا فلا يكون التصرف فيه في الثمن موجبا لسقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

أقول: لو قلنا بجواز إسقاط الخيار قولا قبل الردّ الثمن و ان جاز قبله إسقاطه فعلا أيضا الّا انّ ذلك لا يوجب كون التّصرف الانتفاعي في الثمن المشروط ردّه و لو مع عدم قصد إسقاط الخيار موجبا لسقوط الخيار، و ذلك فانّ النص الوارد في الحيوان الدّال على انّ التصرف الانتفاعي في الحيوان و لو مع عدم إسقاط الخيار مسقطا مورده ما ذا كان التصرّف المزبور زمان فعلية الخيار، و ان أمكن التّعدي عن هذا المسقط التعبدي فيلتزم بسقوط كل خيار بالتصرف الانتفاعي فيما انتقل اليه زمان الخيار؛ و لا يعمّ ما إذا كان

التصرف قبل التصرف قبل ذلك الزّمان.

و امّا دعوى انّ إسقاط الخيار المشروط لا يمكن أن يتحقق بالفعل و ليس الفعل كالقول حيث لا يمكن الإسقاط المزبور بالفعل لانّ الفعل لا تعليق فيه و لا يمكن كونه مسقطا فعلا لعدم فعليّة الخيار لا يمكن المساعدة عليها لأنّ الإسقاط فعلا أو قولا إبراز لإلغاء الجعل الذي كان بنحو القضيّة الشّرطية بلا فرق بينهما.

و أورد على ما ذكره صاحب الجواهر (ره) من أنّه لو كان ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار لكان مبدء الخيار مجهولا بأنّ الجهالة في مبدء الخيار لا تقدح مع تحديد زمان الخيار بعد حدوثه. نعم ذكروا ان جعل مبدء الخيار في شرط الخيار التفرّق عن مجلس العقد غير جائز فيما كان عند إطلاق الشرط مبدأه تمام العقد؛ و قيل انّ مقتضاه عدم جواز جعل الخيار في المقام من حين ردّ الثمن إلّا انّ التأمّل يقضي بالفرق بينهما بأنّ التفرق أمر غير اختياري لذي الخيار، فلا يمكن جعله مبدءا بخلاف ردّ الثّمن فإنّه أمر اختياري، فيجوز جعله مبدءا.

و أيضا فما ذكره من انّ تضعيف الأصحاب ما ذهب اليه الشيخ (قده) من حصول النقل و الانتقال بعد انقضاء زمان الخيار باخبار الباب يدلّ على انّ ردّ الثمن قيد للفسخ غير صحيح فإنّه يمكن أن يكون ردّ الثمن قيدا للخيار و مع ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 137

[الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري]

الخامسة: لو تلف المبيع كان من المشتري (1).

______________________________

يصحّ تضعيف القول المزبور فإنّه من المحتمل انّهم فهموا من كلام الشيخ ذهابه الى حصول النقل و الانتقال على انقضاء زمان الخيار، و لو كان ذلك الزّمان منفصلا عن العقد فضعفوه باخبار الباب الدالة بعضها على ان غلّة

الدار للمشتري.

أقول: قد تقدّم ما في الفرق بين التفرق و ردّ الثمن بأنّ الأول غير اختياري، و الثّاني اختياري، و تقدّم ايضا انّ ظاهر كلامهم اشتراط التعيين في مدة الخيار من حيث المبدء و المنتهى؛ و المتحصل مما ذكرنا انّ التّصرّف الانتفاعي قبل ردّ الثمن لا يكون مسقطا للخيار أصلا كما انّ التّصرف النّاقل لا يوجب سقوطه فيما ذا كان الشرط ردّ الثمن و لو ببدله كما هو مقتضى القرينة العامّة في بيع الخيار. و امّا إذا كان المشروط ردّ المأخوذ بعينه فينتفي الخيار بالتّصرف النّاقل لانتفاء موضوع الخيار معه كما لا يخفى.

(1) لو تلف المبيع بيد المشتري يحسب التلف عليه سواء كان تلفه بعد ردّ الثّمن عليه أو بعده، و يكون له نماء المبيع ايضا سواء قبل ردّ الثمن أو بعده حيث انّ النماء يتبع العين في الملك. و الظّاهر انّ تلف المبيع بيده لا يوجب سقوط خيار البائع فإنّ الخيار كما تقدم حق لذي الخيار يتعلّق بالعقد لا بالعوضين غاية الأمر يمتاز بيع الخيار من سائر الخيارات بأنّ من عليه سائر الخيارات يجوز له التّصرف فيما انتقل اليه حتى التصرف الموجب لتلف العين أو خروجه عن ملكه لأنّ المال المزبور ملكه فله التصرف فيه بما شاء و حق الخيار لتعلقه بالعقد لا ينافيه بخلاف هذا الخيار فانّ المشروط في هذا البيع أمر آخر ايضا و هو اشتراط إبقاء عين المبيع لبائعه في المدّة المضروبة. و هذا الاشتراط ارتكازي في هذا البيع يشهد له ظاهر بعض الرّوايات المتقدمة من اشتراط إرجاع عين المبيع بعد ردّ الثمن.

و ذكر المصنف (ره) انّه يحتمل ان لا يكون خيار بعد تلف المبيع في يد المشتري

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 138

..........

______________________________

بأن يكون خيار البائع مشروطا ببقاء المبيع و قال لا منافاة بين كون الخيار مشروطا ببقائه و بين وجوب إبقاء عين المبيع.

أقول: لو كان الخيار حقا متعلقا بعين المبيع لما جاز للمشتري التّصرف فيه في سائر الخيارات ايضا. و يبطل تصرفه فيه لتعلّق حق البائع به كما انّه لا يجوز للبائع التّصرف النّاقل في الثمن فيما كان الخيار للمشتري كخيار الحيوان و لا أظنّ الالتزام بذلك كما تقدم في تعريف الخيار.

و امّا إذا كان حقّا متعلقا بالعقد كما ذكرنا يكون عدم جواز تصرف المشتري في المبيع في بيع الخيار بالإتلاف أو بالنقل شرطا آخر بأن يكون المشروط على المشتري التحفظ بعين المبيع، و لازم ذلك ثبوت الخيار في الفسخ حتى بعد تلف المبيع ايضا حتّى فيما كان التلف بإتلافه كما هو مقتضى خيار تخلف الشّرط و على ذلك فكيف لا تكون منافاة بين ثبوت الخيار في صورة بقاء المبيع خاصة و وجوب التحفظ على المشتري بحيث لا يكون في البين الّا شرط الخيار خاصة.

و عن صاحب الجواهر (قده) انّه جعل تلف المبيع قبل ردّ الثمن مسقطا لخيار البائع. و امّا إذا كان تلفه بعده فلا يسقط الخيار لانّ التلف مضمون على المشتري لأنّه وقع في زمان خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرجوع الى المشتري بالمثل أو القيمة بخلاف التلف قبل الردّ الثمن فانّ التلف في هذا الفرض ليس مضمونا على المشتري ليكون للبائع الرجوع الى المشتري بعد الفسخ بالمثل أو القيمة بل المتجه في التلف في هذا الفرض سقوط خيار البائع الّا ان يشترط الرجوع عليه عينا أو قيمة مع التلف أيضا.

أقول: هذا التفصيل منه (قده) ينافي ما

تقدم منه في الجواب عن الطباطبائي حيث ذكر في ذلك الجواب انّ مقتضى العرف و ظاهر الأصحاب، و كذا ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

الأخبار كون قبل الردّ الثمن و بعده زمان الخيار، و انّ ردّ الثمن قيد للفسخ خاصة مع انه لا معنى لضمان المشتري المبيع الّا بضمان معاوضي، و هذا الضمان المعاوضي حاصل قبل ردّ الثمن و بعده. و امّا الضمان الآخر أي ضمان اليد فيحصل بعد فسخ البائع لا بعد ردّ الثمن و لا يفترق في ضمان اليد تلف عين المبيع و عدمه بعد ما ذكرنا من انّ الخيار حق يتعلّق بالعقد لا بعين العوضين هذا كلّه في تلف المبيع.

و امّا تلف الثمن لا بإتلاف البائع فمقتضى ما ذكروه من انّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار فيه ان ينفسخ البيع لو قلنا بأنّ ردّ الثمن قيد للفسخ لا لنفس الخيار، و معنى كون التلف ممن لا خيار له انحلال البيع بالتلف المزبور كما في قولهم التلف قبل القبض من مال البائع. و امّا إذا قيل بأنّ ردّ الثمن قيد لنفس الخيار يكون تلف الثمن على البائع كما هو مقتضى الضمان المعاوضي الحاصل على الطرفين بالبيع و على ذلك فان كان المشروط في الخيار في بيع الخيار ردّ عين ذلك الثمن يسقط خيار البائع بانتفاء موضوعه؛ و ان كان ما يعمّ بدل ذلك الثمن يبقى الخيار بحاله، و كذا لو قلنا بأنّ قولهم التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له يختص بتلف المبيع، و لا يعمّ تلف الثمن. و امّا إذا كان تلف الثمن بعد ردّه على المشتري فان قلنا بعموم قاعدة التلف في زمان

الخيار ممن لا خيار له للثمن فينحلّ البيع بالتلف المزبور فيأخذ البائع عين المبيع فانّ الثمن بعد ردّه على المشتري و قبل التلف، و ان كان ملكا للبائع ما دام لم يحصل الفسخ الّا انّ بالتلف ينحل البيع بناء على عموم القاعدة كما ذكر.

و لكن ذكر النّائيني (ره) انّ القاعدة المزبورة لا تعمّ المقام فان موردها ما إذا كان تلف المال المضمون بيد ذي الخيار حيث انّ مقتضى ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له امتداد الحكم الثابت قبل القبض المستفاد من قولهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

التلف قبل القبض من مال بائعه الى ما بعد القبض، و المفروض في المقام صيرورة الثمن بيد المشتري و خروجه عن يد ذي الخيار فيكون ضمان الثمن على المشتري نظير الضمان المأخوذ بالسوم حيث ان البائع قد دفع الثمن إلى المشتري ليسترد منه المبيع لا مجانا. نعم إذا تلف الثمن قبل الرد بيد البائع يكون من صغريات تلك القاعدة حتى لو قيل بأنّ ردّ الثمن قيد لنفس الخيار لأن العبرة ليس لنفس زمان الخيار بل بعدم استقرار الملك و كونه في معرض الزوال كما يشير الى ذلك قوله عليه السلام حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع للمشتري فإنّ هذا الكلام بمنزلة القول بأنّ عدم استقرار الملك يوجب انحلال البيع بتلف المبيع بيد ذي الخيار و مع التّعدّي إلى تلف الثّمن يكون انحلال البيع في المقام بتلف الثمن بيد البائع المفروض كونه ذا الخيار.

أقول: لم يظهر في قاعدة ضمان تلف المال على من لا خيار له انّ الضّمان بمعنى انحلال البيع ينحصر بصورة كون التلف في يد ذي الخيار،

و لو قبض المشتري الحيوان ثم استودعه عند بايعه و تلف قبل انقضاء ثلاثة أيّام ينحلّ البيع، و لا أظن أن يلتزم أحدا ببقاء البيع بحاله، و ان المشتري على تقدير فسخ البيع يرجع الى بائعه بالقيمة لكون الحيوان قيميّا و يشهد لعدم اعتبار التلف بيد ذي الخيار إطلاق الرّوايات الواردة في تلف الحيوان حيث لم يؤخذ فيها التلف بيد ذي الخيار. نعم قد فرض ذلك في السؤال في بعضها، و من الظاهر انّ الأخذ في السؤال لا يوجب تقييد إطلاق الجواب في غيرها. نعم الروايات كما أشرنا واردة في خيار الحيوان و التعدّي منه الى سائر المبيع فضلا عن الثمن غير ممكن فيؤخذ بقاعدة الخراج بالضمان المقتضية لذهاب المال عن ملك مالكه غاية الأمر انّ التلف على مالكه المفروض كونه ذا الخيار لا يوجب سقوطه خياره بلا فرق بين كون تلف الثمن في المقام قبل ردّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 141

و انما المخالف لها هي قاعدة الخراج بالضمان (1).

[الأمر السّادس لا إشكال في القدرة على الفسخ]

الأمر السّادس لا إشكال في القدرة على الفسخ (2).

______________________________

على المشتري أو كان بعده كما لا يخفى.

(1) قد تقدم عدم شمول قاعدة التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار لتلف الثمن في المقام و ان عدم الشمول لقصور القاعدة و عدم العموم في دليلها لا لدلالة رواية معاوية بن ميسرة على اختصاصها بالمبيع كما عن الجواهر فانّ تلك الرّواية دالّة على كون نماء المبيع في بيع الخيار للمشتري و تلفه ايضا عليه و شي ء من الحكمين لا ينافي كون ضمان تلف الثمن ايضا عليه، و المنافي لقاعدة ضمان التلف على غير ذي الخيار قاعدة الخراج بالضمان الجارية في ناحية الثمن لأنّها

تقتضي ذهاب الثمن على البائع و القاعدة أخصّ من قاعدة الخراج بالضمان فعلى تقدير عمومها يرفع اليد بها عن قاعدة الخراج بالضمان كما لا يخفى.

(2) لو كان المصرّح به في بيع الخيار ردّ الثمن على نفس المشتري أو وكيله المطلق أو الحاكم أو عدول المؤمنين، سواء كان اشتراط الرّدّ إلى هؤلاء مطلقا أو مع عدم التمكن على الرّد على السابق يحصل التمكن على الفسخ بالردّ المزبور. و امّا إذا كان المشروط ردّ الثمن على المشتري كما هو المتعارف و اتّفق عدم التمكن على الردّ عليه عقلا لغيبته أو شرعا لحصول الجنون أو السّفه له فهل يكفي في التمكن على الفسخ ردّ الثمن على الحاكم الشرعي و مع فقده على عدول المؤمنين أم لا يظهر كفاية رده على الحاكم من المحقّق القمي (ره) في أجوبة مسائله و خالف فيه صاحب المناهل (ره).

و يظهر من صاحب الحدائق قول ثالث و دعوى الاتّفاق عليه و هو عدم لزوم ردّ الثمن على المشتري في الفسخ مع غيبته بل يكفي معها جعل البائع الثمن امانة عنده حيث انّه نقل أولا قول المشهور بأنّه لا يعتبر في فسخ ذي الخيار حضور الخصم و انّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 142

..........

______________________________

لا يعتبر في الفسخ الاشهاد خلافا لبعض علمائنا؛ و ذكر ثانيا انّ ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري في الفسخ ليفسخ البائع البيع بعد ردّ الثمن عليه فما ذكروه من جواز فسخ البائع مع عدم حضور المشتري، و جعل الثمن عنده أمانة الى أن يجي ء المشتري، و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه، و لكنّه بعيد عن مساق اخبار الباب.

و ذكر المصنف (ره) في الردّ على صاحب الحدائق بأنه لم

يظفر من الأصحاب من تعرّض لفرض غيبة المشتري في بيع الخيار، و انّه يكفي في فسخ البائع جعل البائع الثمن امانة عنده فإنّهم، و ان ذكروا عدم اعتبار حضور الخصم في الفسخ خلافا لبعض العامّة إلّا انّ هذا باعتبار عدم اشتراط الفسخ بحضور المشتري و لا ينافي في ذلك اعتبار حضوره لردّ الثمن عليه الذي شرط في نفوذ الفسخ، و كذا اخبار الباب فانّ موردها و ان يكون حضور المشتري لردّ الثمن عليه الّا انّه لا دلالة لها على اعتبار حضوره في حصول الفسخ لأنّ الفسخ قد يتأخّر عن ردّ الثمن و لو فرض حصول الفسخ برد الثمن لكان اعتبار حضوره لردّ الثمن عليه لا لاعتباره في الفسخ.

ثم ذكر (قده) انّ الأقوى فيما لم يصرّح باشتراط الرد على خصوص المشتري قيام الولي مقامه في انّ مع الردّ عليه يتمكن البائع على الفسخ و ذلك فانّ المراد بقرينة الارتكاز في مقام الاشتراط ردّ الثمن على المشتري هو ان لا يبقى الثمن بيد البائع أو عهدته حين الفسخ بان يدفع الثمن على من يتعيّن دفع الثمن عليه على تقدير عوده الى ملك المشتري، و لذا لو مات المشتري يدفع المال الى وارثه كما أنّه لا خصوصيّة للبائع في ردّ الثمن بان يكون المراد خصوص البائع، و لذا يدفع وارث البائع الثمن إلى المشتري و يفسخ البيع، و ليس ذلك لإرث الخيار فإنه لو كان الشرط في الخيار أو الفسخ ردّ خصوص البائع لا يكون المورد من موارد إرث الخيار باعتبار عدم تحقق شرطه إلّا للبائع خاصة، و انّما يورث الخيار فيما لم يكن شرط يخصّ تحقّقه بأحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 143

و

دعوى ان الحاكم انما يتصرف في مال الغائب (1).

______________________________

المتعاقدين و بتعبير آخر يورث الخيار لا شرطه أو قيد الفسخ.

و لكن مع ذلك قد يقال لو كان الشرط الردّ على المشتري فلا يكفي الدفع الى وليّه أو وكيله لانّ المفروض ان المذكور في بيع الخيار الردّ على المشتري و ليس في البين ما يدلّ على التّنزيل بأن يقتضي ما دلّ على انّ الوكيل أو الوليّ بمنزلة الموكل و المولى عليه بل كون الحاكم الشرعي بمنزلة المولى عليه من المضحكات كما أنّه ليس في للبين ما دلّ على ان قبض الوكيل أو الوليّ قبض للمشتري فإنّ ما دلّ على مشروعيّة التوكيل أو الولاية انّ الفعل الصادر عن الوكيل أو الولي مع كونه فعل الوكيل أو الولي نافذ في حق الموكل و المولى عليه و لكن المفروض في بيع الخيار انه قد جعل شرط الخيار أو قيد الفسخ فعل المشتري أي ردّ الثمن عليه.

و الحاصل: انّ الأظهر في مورد لم يكن فيه قرينة على التعميم في الردّ عدم كفاية الردّ على الوكيل أو الولي في الفسخ.

أقول: مقتضى ما دلّ على مشروعيّة الوكالة انتساب الفعل من الوكيل الى الموكل فيكون بيعه بيعا للمالك فيدخل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و طلاقه طلاقا للزوج الموكل حيث انّ الوكالة تنحصر مواردها بموارد انتساب فعل المباشر الى الأمر به ايضا و تكون مشروعيتها بمعنى إمضاء الشارع هذا الانتساب كما لا يخفى.

و امّا الولاية فإنّه يكفي في ردّ الثمن على الولي كونه متوليا للأمور الراجعة إلى المولى عليه و من تلك الأمور قبض المال الذي يدخل في ملكه بالوقف أو الهبة أو الاشتراط أو غير ذلك، كما يفصح عن

ذلك ما ورد في هبة الأب أو وقفه المال على ولده الصغار و غير ذلك فتدبّر.

(1) قد يشكل في قبض الحاكم الثمن بأنّ الحاكم انّما يتصرف في مال الغائب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 144

و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ بردّ الثمن (1).

______________________________

على وجه الحفظ و المصلحة، و هذا غير متحقق في قبض الثمن حيث انّ الثمن ملك للبائع قبل أخذ الحاكم و بالأخذ يتمكن على تملّك المبيع بفسخ البيع و قد لا يكون هذا الفسخ مصلحة للغائب أو سائر القصر فلا يكون وليا في قبض الثمن.

و الجواب ان رعاية المصلحة تنحصر بالموارد التي يكون تصرف الولي فيها اختياريّا أي بإرادة لا ملزم له لتلك الإرادة و الأمر في قبض الثمن ليس كذلك فان شرط الخيار أو الفسخ ليس قبض المشتري بل تمكين البائع المشتري أو وليّه أو وكيله المطلق من أخذ الثمن، و هذا يحصل بلا اختيار الولي لأنّه لا يعتبر في حصول ذلك قبض المشتري أو وليّه ليقال انّ قبول الولي مشروط بالمصلحة للمولّى عليه.

(1) و ممّا ذكر أنّه لو لم يتمكّن البائع من ردّ الثمن على الحاكم الشرعي أيضا لفقده و فقد وكيله يجوز له ردّ الثمن الى عدول المؤمنين ليحفظوه للمشتري حسبة على ما هو مقتضى ولايتهم على الغائب أو سائر القصر مع فقد الحاكم و وكيله.

ثم انّه إذا اشترى الأب للطفل بخيار البائع فهل يجوز للبائع الفسخ بردّ الثمن على الوليّ الآخر للطفل أي الجد مطلقا أو مع عدم تمكنه من الردّ على الأب أو لا يجوز وجوه: و يجري مثل ذلك ما إذا اشترى الحاكم للمولى عليه بخيار البائع مالا فهل يجوز للبائع في فسخه

البيع المزبور دفع الثمن الى الحاكم الآخر فالأظهر التفصيل في المقام بين الدفع الى الجد أو الى الحاكم الآخر فإنّه يجوز الدفع الى الجد في فسخ البيع المزبور أخذا بما دلّ على ولاية الأب الشامل لأب الأب على ما تقدم في بحث الولاية. و امّا الدفع الى الحاكم الآخر فغير جائز فإنّه ليس للحاكم الآخر ولاية على الطفل المزبور فان الدليل على ولاية الحاكم في أموال القصر هو دليل الحسبة و لا يجري ذلك الدليل بعد وضع الحاكم الأوّل يده على أمر مال اليتيم؛ و لذا لا يجوز للثاني مزاحمة الأول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 145

[الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن]

إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن (1).

______________________________

و الحاصل: عدم جواز قبض الحاكم الثّاني بالإضافة إلى المعاملة المزبورة بل مطلقا فيما إذا كانت معاملة الحاكم الأول بعنوان التصدّي لأموال الطفل المزبور حيث لا يثبت معه ولاية للحاكم الثّاني بالإضافة الى ما يتعلّق بالمعاملة المزبورة بل مطلقا كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) في هذا الأمر ما حاصله انّه إذا كان المشروط في بيع الخيار ردّ الثمن قيدا للخيار أو للفسخ فلا يكون للبائع فسخ الّا بعد ردّ تمام الثمن عينا أو بدلا، فان ردّ على المشتري بعض الثمن فلا ينفذ فسخه بل يبقى البيع بحاله و عندئذ لو كان دفع البعض بعنوان الثمنية يبقى المال المزبور على ملك البائع، فلا يجوز للمشتري التصرف في ذلك البعض لكونه ملك البائع، و الظاهر انّه ضامن لانّ المفروض دفعه اليه بعنوان الثّمنية، فمع عدم تحقق الفسخ يكون يده عليه من ضمان اليد و بتعبير آخر لا فرق بين البيع الفاسد و الفسخ الفاسد في ثبوت ضمان اليد في كل منهما.

و امّا إذا دفع البعض إلى المشتري حتى يفسخ المعاملة باجتماع تمام قدر الثمن عنده يكون الموجود بيد المشتري أمانة مالكية، فلا يكون عليه ضمان اليد كما هو مقتضى نفي الضمان عن الأمين.

أقول: إذا فرض فسخ البائع البيع بدفع بعض الثمن و رضا المشتري بالفسخ المزبور لكان ذلك من اقالة البيع فيصحّ للمشتري التصرف في المدفوع لانه ملكه غاية الأمر يبقى باقي الثمن على عهدة البائع. و امّا إذا لم يكن ذلك برضاه فلا يكون أخذ ذلك البعض بعنوان الثمنيّة فعلا، و لو يكون ثمنا مستقبلا فيكون المدفوع اليه فعلا مع عدم فسخ البائع أمانة مالكية لا محالة فلا يكون ضمان المأخوذ عليه.

و امّا إذا كان المشروط فسخ البيع في المقدار المدفوع من الثّمن حتى يتمّ فسخ تمام البيع و بدفع تمام الثمن تدريجا في المدة المضروبة ينفسخ البيع بفسخه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 146

..........

______________________________

المقدار المدفوع، و على ذلك فلو لم يدفع بقية الثمن و لم يفسخ البيع في تمام البيع حتى انقضت المدة المضروبة يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة الذي مرجعه الى تخلّف الشرط، و هل للمشتري الخيار قبل انقضاء المدّة في فسخ البيع المزبور بدعوى تبعض الصفقة عليه، الظاهر ذلك.

أقول: لم يعلم الوجه في تحقق خيار تبعّض الصفقة قبل انقضاء المدة فإنّ التبعّض قبل انقضائها مما أقدم عليه المشتري، و انّما اشترط عدم التبعض بعد انقضاء المدة فلا وجه لثبوت الخيار في حق المشتري قبل انقضائها.

ثم انّه قد يقال ان اشتراط الفسخ في بعض المبيع مطلقا أو بردّ مقدار يخصّه من الثمن غير صحيح لأنّ الثّابت شرعا جواز اشتراط الخيار في البيع المنشأ ابتداء. و امّا البيوع

الانحلاليّة فاشتراط الخيار في بعضها أو كلّها على نحو الاستقلال فغير ثابت بل مخالف لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المقتضي للزوم البيع.

و بتعبير آخر لم يثبت كون اللزوم بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة حقيّا، بل ظاهر الكتاب لزوم البيع من جهة المنشأ ابتداء، و من جهة البيوع الانحلاليّة غاية الأمر ثبت كون اللزوم في المنشأ ابتداء حقيّا. و امّا بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة فيؤخذ بظاهره؛ أضف الى ذلك ما عن بعض الأجلّة (دامت أيّامه) انه لا انحلال للبيع المنشأ ليشترط الخيار في بعضها.

أقول: قد تقدم سابقا توضيح الانحلال بالإضافة الى الاجزاء الخارجية فيما إذا كان المبيع من بيع الشيئين بصفقة واحدة، و بالإضافة الى الأجزاء المشاعة بالإضافة إلى عين واحدة و كون اللزوم بالإضافة إلى البيوع الانحلالية ايضا حقيا يظهر من ملاحظة ما إذا اشترى الحيوان مع غيره بصفقة واحدة، ثم تلف الحيوان أيام خياره فإنه لا ينبغي الشك في ثبوت الخيار بالإضافة إلى شراء غير الحيوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 147

[الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن]

كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ (1).

[لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع]

لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط. (2)

______________________________

باعتبار تبعض الصفقة مع انّ هذا من اشتراط الخيار في البيع الانحلالي؛ فتدبّر جيّدا، و قد ظهر مما ذكر جواز اشتراط الخيار في فسخ البيع بردّ بعض الثمن معينا أو غير معيّن، و بعد الفسخ يبقى باقي الثمن في عهدة البائع كل ذلك لكون اللزوم في البيع حقيّا يجوز معه اشتراط الخيار مطلقا أو مقيدا برد تمام مقدار الثمن أو بعضه و اللّٰه العالم.

(1) كما يجوز للبائع اشتراط الخيار في الفسخ بردّ الثمن كذلك يجوز للمشتري اشتراط الخيار في فسخ البيع برد المبيع، و يفترق المقام عن اشتراط الخيار للبائع برد الثمن انّ مقتضى إطلاق اشتراط ردّ المبيع اعتبار ردّ عين المبيع، فلا يكفي في خيار المشتري ردّ البدل و لو مع تلف العين حيث انّ القرينة العامّة المشار إليها سابقا منحصرة بمورد اشتراط الخيار للبائع و لا تجري في اشتراط الخيار للمشتري بردّ المبيع، و قد تقدّم ايضا ان مقتضى الفسخ مع بقاء العينين رجوعهما الى مالكهما حتّى لو كان الثمن كليّا، و قد دفع المشتري الى البائع فردا بعنوان الوفاء بالثمن فإنه يرجع ذلك الفرد الى ملك المشتري لأنّ بقائه في ملك البائع بلا وجه؛ و على ذلك فلو اشترط دفع البدل مع بقاء العين في ناحية الثمن أو المثمن يكون ذلك في الحقيقة من اشتراط الفسخ بالمبادلة بين تلك العين و بدله و ذكرنا جواز ذلك و انّه لا فرق بين اشتراط دفع البدل مع بقاء العين و بين ردّ التّالف المثلي بالقيمة أو بالعكس من هذه الجهة فتدبّر جيّدا.

(2) ذكر (ره) انّه لا اشكال و

لا خلاف في جواز اشتراط الخيار في كل معاوضة لازمة كالبيع و الإجارة و الصلح و المزارعة و المساقات. قال العلامة في التذكرة الأقرب دخوله في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور، و مراده العقد اللازم حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 148

..........

______________________________

صرّح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و المضاربة و الوديعة و العارية من العقود الجائزة لأنّه لا معنى لاشتراط الخيار مع جواز العقد دائما.

و الأصل فيما ذكر عموم (المؤمنون عند شروطهم). أقول الظاهر زيادة لفظة بل في قوله بل قال في التذكرة لأنّ ما ذكره أولا عين ما نقله عن التذكرة ثم انّه لم يظهر وجه إدخال الصلح في المعاوضة حيث انّ الصلح هو التراضي و التّسالم بشي ء من الطرفين، و قد يكون ذلك الشي ء معاوضة بين المالين، و قد يكون امرا آخر، و على كل تقدير فالصلح ليس نفس المعاوضة. نعم لا بأس بإدخال المزارعة و المساقات في المعاوضة حيث يمكن القول بأنّ تسليم الأرض إلى الزارع بإزاء حصّة من حاصلها معاوضة بين التسليم المزبور، و بين تلك الحصة بحيث يكون التسليم مملوكا للزارع و الحصّة على تقدير الزرع مملوكا لمالك الأرض كما انها في المساقات معاوضة بين ملك عمل العامل و بين الحصّة من الثّمرة.

ثم انه قد اشتهر الاستدلال بعدم جواز اشتراط الخيار في العقود الجائزة بأنّ اشتراط الخيار فيها لغو محض و لا يقاس باشتراط الخيار في مورد خيار المجلس أو خيار الحيوان حيث يمكن فيه إسقاط خيار المجلس أو الحيوان أو سقوطه و بقاء الخيار المشترط.

و لكن لا يخفى ان الاستدلال المزبور يتم في العقود الجائزة المطلقة كالوكالة و الوديعة و العارية. و امّا العقود

الجائزة الّتي ينتهي الجواز الحكمي فيها فيما بعد كالهبة حيث تلزم بتلف العين أو إتلافها أو تغييرها فلا يكون الاستدلال المزبور مقتضيا لعدم جواز اشتراط الخيار فيها إلى مدة أو الى الأبد بحيث يكون نتيجة اشتراطه جواز الفسخ و الرجوع حتى بعد تلف العين أو تغييرها. و الحاصل ظاهر كلمات بعض الأصحاب جواز اشتراط الخيار في كل عقد لازم سواء كانت معاوضة كالإجارة أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

غيرها كالصلح حتى فيما كان لزومه من طرف واحد، فانّ مع اللزوم من طرف واحد لا يكون اشتراط الخيار لذلك الطرف لغوا بخلاف الجائز من الطرفين أو من طرف واحد فإنّه يصبح اشتراط الخيار من ذلك الطرف لغوا.

و ذكر المحقق و جمع آخر جواز اشتراط الخيار في كل عقد غير النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق؛ و الظاهر انّ مرادهم غير الجائز، و لذا ذكر في التحرير هذا الكلام بعد منعه عن اشتراط الخيار في العقود الجائزة، و الأصل لهم في الحكم بجواز الاشتراط عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالشروط و ان عدم الدخول في عقد لازم يكون لمخرج عن الأصل المزبور، و لذا ذكر الشهيد في ردّ قول للشيخ بعدم دخول خيار الشرط في بيع الصرف بأنّه لم يعلم وجه المنع بعد عموم دليل جواز الاشتراط.

و كيف كان يقع الكلام في موردين: الأوّل عدم جواز خيار الشرط في الإيقاعات. و الثاني جواز اشتراط الخيار في العقود اللازمة.

امّا الأول فقد يستدلّ على عدم جواز شرط الخيار في الإيقاعات بعد دعوى عدم الخلاف فيه كما يظهر ذلك من الحلي في السرائر في الاستدلال على عدم جواز شرط الخيار في الطلاق بخروجه

عن العقد بأنّ الشرط ما كان بين اثنين كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في أبواب متفرقة، و لا يتحقق ذلك في الإيقاعات لقيامها بفعل واحد و هو الموجب و قد ناقش المصنف (ره) في ذلك بأنّ المستفاد من الاخبار توقف الشرط على المشروط له و المشروط عليه، و في صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّٰه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و لا يتوقف على الإيجاب و القبول، فان الشرط يحصل في الإيقاعات أيضا كما يفصح عن ذلك ما ذكروا من جواز اشتراط خدمة العبد مدة في عتقه تمسكا بعموم (المسلمون عند شروطهم) غاية الأمر نفوذ الشرط يتوقف على قبول المشروط عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 150

..........

______________________________

كما قيل في عتق العبد و اشتراط مال عليه من توقّفه على قبول العبد، و هذا غير اعتبار وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول.

ثم قال في عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات وجوها: الأول عدم إحراز عموم الشرط للالتزام أو الإلزام في ضمن الإيقاع حيث يحتمل ان لا يعمّ معنى الشرط غير ما يكون في ضمن العقد كما هو ظاهر القاموس حيث ذكر انّ الشرط هو الإلزام و الالتزام في بيع و نحوه.

الثاني على تقدير شمول معنى الشرط فلا يحرز شمول قوله (ص) (المؤمنون عند شروطهم) لشرط الخيار في الإيقاعات حيث انّ شموله لمورد يتوقف على إحراز مشروعيّة المشروط في نفسه في ذلك المورد لانّ خطاب نفوذ الشرط لا يثبت مشروعيّة المشروط بل يثبت نفوذ ما هو المشروع في نفسه فيما إذا التزم به في ضمن عقد أو إيقاع كما هو مقتضى قولهم عليهم

السلام الّا شرطا حلّل حراما أو حرّم حلالا، و مشروعيّة الفسخ في نفسه في الإيقاعات غير محرز.

لا يقال يدلّ على مشروعيّته فيها ما دلّ على جواز رجوع الزوج عن الطلاق الرجعي في عدّة زوجته، فإنّه يقال الرجوع ليس من فسخ الطلاق بمعنى أن يكون حقّا للزوج، و لذا لا يسقط جوازه بإسقاط الزوج؛ و بتعبير آخر الجواز في الرجوع في الطلاق الرجعي كاللزوم في سائر الإيقاعات من الأحكام لا من الحقوق.

الثالث: الإجماع على عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات، كما يظهر عن جمع من الأصحاب، و قد يقال كما عن بعض الأعاظم (دامت أيّامه) ان الإيقاع فعل الموقع فقط فلا يكون التزامه أو إلزامه الآخر بشي ء في ضمن الإيقاع بل بعد تحقق ذلك الإيقاع لا محالة مثلا إذا قال مبرء ذمّة الغير أبرأتك، مما عليك و اشترطت على نفسي الخيار شهرا يكون الاشتراط بعد تحقق الإبراء لا في ضمنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

بخلاف ما إذا قال بعتك المال على أن يكون لي الخيار شهرا فان شرط الخيار يكون قبل قبول المشتري و يقع معه شرط الخيار في ضمن البيع.

لا يقال إذا قال أبرأتك و شرطت عليك كذا من دينك يكون من الشرط في ضمن الإيقاع مع انّ البيع ايضا فعل البائع فقط و القبول من المشتري يعتبر في نفوذ الإيجاب كالإجازة في بيع الفضولي فيكون الشرط فيه ايضا بعد البيع.

فإنّه يقال ليس المراد من وقوع الإلزام أو الالتزام في ضمن الالتزام وقوع الألفاظ في ضمن الألفاظ الدّالة على الالتزام الأول بل وقوعه قبل تمام الالتزام الأول مع انّ المثال المزبور خارج من الشروط العقلائية، و ايضا لا يثبت الكلية

يعني تحقق الشرط في الإيقاعات بعد تمامها.

و امّا قضيّة الشرط في البيع فإنّ إنشاء البيع، و ان يحصل بالإيجاب فقط الّا انّ القبول معتبر عند العقلاء، فيكون العقد المؤثّر عندهم بالحمل الشائع بعد القبول فيقع الشرط في ضمن هذا البيع. نعم لو كان الموجب وكيلا عن الطرفين أو وليّا عليهما يكون شرط شي ء خارجا عن تحقق البيع و لا محذور في الالتزام بعدم كون ذلك شرطا حقيقة، و مع الإغماض عن ذلك كلّه، فلا يجوز شرط الخيار في الإيقاعات، و لو قلنا بجريان الشرط في الإيقاعات أيضا فإنّ شرط الخيار فيها يتوقف على البقاء الاعتباري للإيجاب و العقد، و هذا البقاء غير محرز في الإيقاعات بخلاف العقود من المعاملات و غيرها انتهى.

أقول: كون المراد بالشرط الالتزام الذي يكون البيع و نحوه ظرفا له على ما يستظهر من عبارة القاموس غير صحيح و الّا لكان قوله بعت المال بكذا و آجرت الدار سنة بكذا، و قال الطرف قبلتهما بيعا بشرط الإجارة مع انّه لا ينبغي الرّيب في فساده بل هما معاملتان مستقلتان قد أنشأ في زمان واحد، و لذا لو قال الطرف قبلت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

البيع دون الإجارة لتمّ البيع بخلاف ما إذا قال بعت المال الفلاني على ان تخيط لي الثوب الفلاني بكذا، و قال المشتري اشتريت بلا شرط فإنّه لا يحصل التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول، و كذا لو قال بعتك المتاع بكذا على ان يكون لي سكنى دارك إلى سنة؛ و قال المشتري قبلت البيع لا الشرط.

و الوجه في ذلك انّ الشرط بمعنى المصدري و هو الالتزام معلّق عليه في تمام موارده من المعاملات المعاوضية

و غيرها، و لذا قد يصرّح الشارط بذلك التعليق و يقول إنّما أبيعك المتاع بكذا لو التزمت بخياطة ثوبي الفلاني و يقول الآخر قبلت البيع على الشرط. و امّا الشرط بمعنى المشروط فلا يكون معلقا عليه بل لو كان ذلك المشروط من الأمور الإنشائية كاشتراط الخيار فيحصل بالاشتراط المزبور. و امّا إذا كان من الأفعال المعبر عنه بشرط الفعل فالتزام المشروط عليه بذلك الفعل ينفذ فيجب عليه العمل المزبور سواء كان من الأفعال التكوينية كخياطة الثوب أو من الاعتبارات و الإنشاءات، كالبيع و اشتراط الإجارة فيه، و لو لم يفعل ذلك يكون للطرف الخيار في فسخ أصل المعاملة لكون هذا الخيار ايضا شرطا طوليّا آخر على ما يأتي توضيحه في بحث الشروط إنشاء اللّٰه تعالى.

و على ذلك فلا فرق في الاشتراط بين العقود و الإيقاعات حيث انه كما يكون تعليق إيجاب الموجب على التزام القابل بأمر، أو بالعكس كذلك يمكن تعليق الموجب إيجابه في الإيقاع، على الالتزام الآخر بأمر كما إذا قال ابرئتك عن دينك على ان تخيط لي هذا الثوب، و يقول الآخر قبلت؛ غاية الأمر يكون القبول في العقود إنشاء لالتزام الطرف بالإيجاب من جهة نفس الإيجاب و تعليقه، و في الإيقاعات من جهة تعليقه فقط.

نعم، ربّما لا يكون الشرط في الإيقاعات شرطا حقيقة فلا يحتاج الى القبول، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

في مثل عتق العبد، و اشتراط الخدمة لمعتقه أو لغيره مدة لأنّ العبد و منافعه ملك لمولاه فيكون اشتراط الخدمة عليه في الحقيقة بمنزلة استثناء بعض منافعه في العتق و إبقائها في ملكه، فلا يجوز للعبد بعد إعتاقه ترك الخدمة فإنّه من تفويت ملك الغير،

و لذا ذكر بعض انه لو أعتق العبد و اشترط مالا عليه يحتاج ذلك الى قبول العبد دون شرط الخدمة.

لا يقال على ذلك فلو لم يقبل الطرف الشرط في الإيقاعات فلا يتحقق الإيقاع على ما هو مقتضى التعليق فإنّه يقال؛ نعم بل يمكن أن يقال ببطلان الإيقاع على تقدير قبول الطرف ايضا حيث انّ التعليق في الإيقاعات مبطل لها و لا يقاس بالشرط في العقود حيث ان الإيجاب في العقود معلق على حصول القبول لا محالة فلا يكون فرق بين الاشتراط و عدمه و على كل تقدير فلا يكون ذكر الموجب حق الخيار لنفسه في فسخ الإيقاع داخلا في عنوان الشرط لأنّ الإيقاع بما هو إيقاع فعل الموجب فقط ليس له طرف حتى يلتزم ذلك الطرف بالحق، و يتحقق معنى الشرط كما انّه ليس الخيار من فعل الغير ليحتاج الى التزام ذلك الغير به و يحصل معنى الشرط حيث تقدم ان حقيقة الشرط تعليق الموجب إيجابه على التزام الغير بحق أو ملك، أو عمل لو كان ذلك الغير طرفا في نفس التعليق.

و هذا لا ينافي في ثبوت الخيار الشرعي في إيقاع للموجب أو غيره فان الخيار المزبور حكم شرعي، و لا يكون داخلا في عنوان الشرط كما لا ينافي ثبوت جواز الفسخ الحكمي في إيقاع للموجب أو غيره. و من هذا القبيل الرجوع في الطلاق أو انحلال النذر أو اليمين بمنع الوالدين فقد ظهر مما ذكرنا انّ ما تقدم من دعوى عدم اعتبار البقاء في الإيقاعات أو اعتبار كون الشرط بمعنى المشروط مظروفا و العقد أو الإيقاع ظرفا كل ذلك لا أساس له و يتضح ما ذكر بالتدبر و ملاحظة اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 154

..........

______________________________

العقلاء في موارد الشرط في المعاملات و غيرها حيث لا يفهم العرف فرق بين قوله تزوج فلان بفلانة أو طلّق فلان زوجته في ان الإنشاء في كل منهما غير ملغى، و هذا معنى بقائهما لا انّ الألفاظ الصادرة من الموجب و القابل في الأول بقصد تحقق الزوجيّة في النكاح باق، و في الطلاق زائل فإنّ هذا من المضحكات.

و قد تحصل ممّا تقدم ان الشرط في الإيقاعات في الموارد التي يكون المشروط من قبيل فعل الغير مع التزامه به شرط حقيقة، و لكن شبهه الإجماع على كون التعليق في الإيقاعات مبطلا لها توجب الاقتصار في الجواز بالموارد التي ورد فيها النصّ على الجواز. و امّا مثل شرط الخيار فلا يصحّ لعدم تحقق معنى الشرط حقيقة لعدم طرف للإيقاع أو للمشروط ليكون تعليق الموجب إيجابه على التزامه محقّقا لمعنى الشرط.

و أمّا ما ذكر المصنف (ره) في وجه عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات من انّ شرط الخيار ينفذ فيما كان المشروط أي الفسخ فيه نافذا و مشروعا بنحو الحق، و كذا سائر الشروط انّما تكون نافذة فيما إذا كان نفس المشروط أمر مشروعا في نفسه كما يستفاد ذلك من ان الاستثناء في قوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما)؛ و من التقييد في قوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّٰه) و الفسخ في الإيقاعات بعد حصوله غير مشروع أو لم يثبت مشروعيّته فلا يكون شرط الخيار فيه نافذا، و قد تقدم انّ الرّجوع في العدة ليس من فسخ الطلاق، و هذا بخلاف العقود فانّ شرط الخيار فيها يتعلّق بأمر مشروع لانّ جواز فسخ

العقد يستفاد مما ورد في مشروعيّة الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما بنحو الحق لا يمكن المساعدة عليه فانّ جواز الإقالة في عقد، و ان يكون كاشفا عن كون وجوب الوفاء على كل من الطرفين في ذلك العقد حقّا لصاحبه عليه، و إذا فسخ أحدهما العقد برضاء صاحبه نفذ و يكون شرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 155

..........

______________________________

الخيار راجعا الى اشتراط المأذونيّة من صاحبه في الفسخ الّا انّ اشتراط الخيار ينحصر بموارد مشروعية الإقالة، و لا يعمّ غيرها و ثبوت خيار الحيوان و المجلس و غيرهما في البيع لا يكشف عن كون وجوب الوفاء بالبيع في غير زمان خيار المجلس و الحيوان و غيرهما حقا فضلا عن كشفه عن وجوب الوفاء بغير البيع عن سائر العقود بنحو الحق لا الحكم و الصحيح انّه لا يمكن إثبات مشروعيّة الخيار بقوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم) في الموارد التي لم يثبت ان وجوب الوفاء فيها من قبيل الحقوق.

لا يقال المستثنى من عموم (المؤمنون عن شروطهم) الشرط المخالف لكتاب اللّٰه و إذا شك في كون شرط مخالفا له فالأصل يعني الاستصحاب مقتضاه عدم المخالفة و ايضا قد تقدم انّ جواز الإقالة في العقد كاشف عن كون وجوب الوفاء فيه حقيا فلا بأس بالأخذ بما دلّ على مشروعيّة الإقالة مطلقا و يلتزم بجواز اشتراط الخيار في كل عقد.

نعم يرفع اليد عن ذلك في موارد خاصّة ممّا دلّ الدليل على كون اللزوم فيه حكما أو كان شرط الخيار منافيا لتحقق أصل ذلك العقد و الأول كما في النكاح و الصدقة و الثاني كما في الرهن.

فإنه يقال المراد بمخالفة الشرط للكتاب يعمّ مخالفة عمومه

و إطلاقه و بما انّ خطاب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) انحلالي و مقتضى إطلاق وجوب الوفاء في كل عقد إرشادا إلى لزومه و عدم انحلاله عدم تأثير الإقالة و الفسخ فيه فيكون شرط الخيار و فسخ أحدهما منافيا لإطلاق وجوب الوفاء حيث انه لو كان وجوبه حقيا في عقد لزم تقييد وجوب الوفاء فيه بما دام لم تحصل الإقالة فيه أي فسخ أحدهما برضا الآخر فيكون شرط الخيار في موارد عدم مشروعية الإقالة شرطا مخالفا للكتاب المجيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

و من الموارد التي لم تشرع فيها الإقالة النكاح حيث ان تشريع الطلاق للفرقة بين الزوجين و جعله بيد الزوج مع ما ورد في بطلان اختيار المرأة نفسها عند تخيير زوجها و انه لا يحصل به البينونة كاشف عن عدم مشروعيّة الإقالة في النكاح حيث لو كانت الإقالة مشروعة فيه لكان اختيار المرأة نفسها مع تخيير زوجها كافية فيها، كما لا يخفى؛ و في موثقة عيص ابن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه قال لا هذا شي ء كان للرسول (ص) خاصّة أمر بذلك ففعل، و لو اخترن أنفسهن لطلقن و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ الآية.

و مثل هذه الموثقة و إن كانت معارضة بما دلّ على حصول البينونة باختيار نفسها الّا أنّها محمولة على التقية لكون حصول البينونة باختيارها من بعض المخالفين.

أضف الى ذلك التسالم على عدم جواز شرط الخيار في النكاح كما عن جماعة و عدم عموم أو إطلاق في دليل مشروعية الإقالة بحيث يعمّ النكاح.

و امّا الصدقة و يدخل فيها الوقف فيما إذا قصد به القربة

فالمعروف عدم جواز اشتراطه الخيار فيها و ربّما يقال بعدم جواز اشتراط الخيار في مطلق الوقف لانه فك ملك أو لأنّه ينافي التأييد المأخوذ في عنوان الوقف؛ و يستدلّ على ذلك بصحيحة إسماعيل ابن الفضل عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنّا أحقّ به ترى ذلك له و قد جعله للّٰه يكون له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا إلى أهله.

أقول: امّا الوقف فالأظهر عدم جواز اشتراط الخيار للواقف حتى فيما إذا لم يكن الوقف بقصد القربة لعدم مشروعيّة الإقالة في الوقف حيث انه من الإيقاع بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

لو كان من العقود، لما جرى فيه شرط الخيار و لو مع عدم قصد القربة فيه لعدم عموم و إطلاق فيما دلّ على مشروعيّة الإقالة بحيث يعمّه. و امّا الرواية فلا ظهور لها في اشتراط الخيار في الوقف فإنه من المحتمل جدا أن يكون المراد بالسؤال الوقف إلى غاية عروض الحاجة للواقف أو الوقف على نفسه على تقدير الحاجة، ثم على السائرين، و يظهر ذلك من صاحب الوسائل أيضا حيث أوردها في باب عدم جواز الوقف على نفسه و يؤيده أن مدلول الرواية بطلان الوقف بالشرط المزبور لا بطلان الشرط فقط.

و امّا الصدقة فيمكن أن يقال بعدم جواز شرط الخيار فيها أخذ بما دلّ على انّ التمليك لوجه اللّٰه لا يرجع فيه سواء كان الرجوع بلا اشتراط الخيار أو معه؛ و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (و لا ينبغي لمن أعطى للّٰه شيئا أن

يرجع فيه). و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى به وجه اللّٰه الى غير ذلك و حملها على الرجوع المعهود في الهبة، و ان ذلك الرجوع غير مشروع في الصدقة، فلا ينافي في الرجوع باشتراط الخيار لا يمكن المساعدة عليه فان إطلاق عدم الرجوع يعمّ ما إذا كان ذلك الرجوع باشتراط الخيار؛ و يؤيده ما ورد في النهي عن شراء الصدقة أو استيهابها.

و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له ان يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في الميراث). نعم لا بدّ من حمل النهي عن الشراء و الاستيهاب على الكراهة بقرينة انّ النّهي عنهما باعتبار قطع السبيل الى تملك المال المزبور ثانيا الذي فيه خضاضة، و العجب من المصنف (ره) انه منع أولا عن الأخذ بالكبرى المزبورة أي ما كان من التمليك للّٰه فلا يرجع فيه ثم أخذ بها ثانيا، حيث نقل الاستدلال على عدم جواز اشتراط الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 158

..........

______________________________

في الوقف بكونه فك ملك و باشتراط القربة فيه؛ و أجاب بمنع الكبرى في الصغريين، و استدلّ فيما بعد على عدم جواز اشتراط الخيار في الصدقة بما دلّ على انّه لا يرجع فيما كان للّٰه.

و الصحيح منع الصغرى و الكبرى في الأول حيث انّ الوقف مطلقا ليس بفك ملك كما تقدم في بحث عدم جواز بيع الوقف ان أريد بالفك تحرير العين، و ان أريد به فكّ ملك نفسه فجميع المعاملات التمليكية فك ثم لا دليل على عدم جواز الرجوع في مطلق

موارد الفك.

و منع الصغرى في الثاني لأنّ الوقف لا يعتبر فيه قصد التقرب و مع القصد يدخل في عنوان الصدقة كما لا يخفى.

و من موارد الخلاف جواز اشتراط الخيار في الصلح فان بعض الأصحاب ذكروا انّه إذا تعلّق بإبراء الدين، أو إسقاط الدعوى قبل ثبوتها فلا يدخل فيه شرط الخيار، و ان تعلق بالمبادلة و المعاوضة جاز فيه شرط الخيار، و لكن يظهر جواز شرط الخيار فيه بناء على جواز الإقالة فيه، و كونه من العقود، و قد تقدم ان عود الدين إلى الذمّة بعد سقوطه أو عود حق الدعوى بعد سقوطها باعتبار كون العود اعتباريا أمر ممكن، كما في فرض بيع الشي ء بما عليه من الدين و التفرقة بينهما بأنّه فرق بين تضمن العقد الإيقاع كما في موردي الصلح، و بين كون الإيقاع من فوائد عقد و نتايجه كما في بيع الشي ء بما عليه من الدين لا يمكن المساعدة عليه لأنّ العود بمعناه الخارجي غير مراد في الفرضين و الاعتباري المطلوب في المقام جار فيهما بعد ما ذكرنا من بقاء الإيقاع كالعقد في قابليّته، للإلغاء.

و بهذا يظهر الحال في الضمان فان مجرد كون مفاد العقد انتقال الدين عن ذمّة إلى ذمّة أخرى لا يمنع عن دخول الإقالة فيه، و لو كان في دليل مشروعيّة الإقالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 159

ذكر في التّذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة (1).

______________________________

إطلاق أو عموم يعمّ عقد الضمان فلا بأس باشتراط الخيار فيه.

و امّا عقد الرّهن فقد يقال بان اشتراط الخيار فيه للراهن غير صحيح، لانّه مناف لمقتضى الرهن و هو كون المال المفروض أنه للراهن وثيقة لما عليه من الدين كما

انّه لا معنى لاشتراط الخيار فيه للمرتهن لجواز الرهن من قبله، و ايضا يقال ان ما ذكر من انّ كلّ عقد يدخل فيه الإقالة يدخل فيه شرط الخيار منتقض بالرهن حيث انّه يدخل فيه الإقالة و لا يدخل فيه شرط الخيار، و هذا نقض على الكبرى المزبورة.

أقول: شرط الخيار لا ينافي مقتضى الرهن لانه لا يعتبر فيه إلّا ان يجعل للدين موردا للاستيفاء. و امّا كون المرتهن على ثقة من الاستيفاء بمعنى الوصف فلا يعتبر بل هو وصف حقيقي يترتب على الرهن غالبا، و يعبّر عن الرّهن بذلك الوصف المترتب عليه؛ و لذا يصحّ جعل الحيوان المريض مع احتمال تلفه رهنا؛ و الحاصل جعل المورد لاستيفاء الدين المعبر فيه بالوثيقة أمر إنشائي يتحقق مع شرط الخيار أيضا، لأنّ المال مورد له على تقدير بقاء الرهن ثم على تقدير الإغماض فاشتراط الخيار فيه مشروطا بحصول رهن آخر لا ينافي الوثوق.

ثم انه لا مورد في الرهن للإقالة أيضا فإن مع ندم المرتهن على الرهن يفسخه لجواز الرهن، و كذا مع ندامة الراهن ايضا حيث انّ المرتهن يفسخ الرهن استقلالا و لو استجابة للراهن و ما دلّ على مشروعيّة الإقالة موردها ما إذا لم يتمكن كل من طرفي العقد على فسخه الّا اجتماعا و لو لم يكن هذا ظاهر الإقالة: لا أقل من احتماله و معه لا يمكن الأخذ في الرهن بما دلّ على مشروعيّة الإقالة. نعم التمكن على فسخ العقد في بعض الحالات و الأزمان لا يمنع عن الإقالة فيه على ما تقدم.

(1) القسمة تعيين الحصة في بعض المال المشترك بحيث يتميّز تلك الحصة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 160

و ذكر فيهما ايضا

دخول الخيار في الصداق (1).

______________________________

عن حصّة صاحبه خارجا و لا يخفى انّ هذا التعيين يحصل بالفعل تارة، كما إذا عدّل السهام أوّلا، سواء كان في التعديل ردّ أم لا، ثم عين لكل من الشركاء سهمه في السهام بالقرعة على ما هو المذكور في كتاب القسمة، و قد يكون تعيين كل من السّهام و تمييزه خارجا بالقول كما في قول أحد الشريكين لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي.

و لو كان شرط الخيار في القسم الثّاني كان بلا اشكال، و لو مع الالتزام بكون القسمة سواء كانت قسمة إفراز أو تعديل أو ردّ، ليس من البيع و لا الصلح لكون المنشأ فيها هو التمييز المزبور، و الوجه في عدم الإشكال دخول الإقالة فيها. و امّا إذا كانت بالفعل كما في الفرض الأول فاشتراط الخيار فيه مشكل بناء على اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و القسمة في الفرض الأول باعتبار كونها بالقرعة و هي سنخ الفعل لا ترتبط بما ذكر قبلا ليكون نتيجة القرعة خياريا.

و مما ذكر يظهر الإشكال في جريان شرط الخيار في المعاطاة بناء على لزومها من أوّل الأمر أو بعد حدوث أحد الملزمات، و لكن قد تقدم الصحيح عدم اعتبار ذلك في شرط شي ء في المعاملة سواء كانت قولية أو فعليّة؛ و انّما المعتبر كون المعاملة مبنية بالالتزام بذلك الشي ء و هذا البناء كما يحصل بذكره في المعاملة كذلك يحصل بالتباني عليه خارجا و إنشاء العقد مبنيا على ذلك التباني قولا أو فعلا.

(1) الصداق في النكاح هو المال أو الحق يجعل للزوجة لكون هذا الجعل من رسوم النكاح عرفا و شرعا سواء كان هذا في عقد النكاح أو بعده بالتراضي عليه، و ليس

عوضا عن بضع المرأة، لأنّ النكاح ليست بمعاوضة فيهما كما لا يكون شرطا في النكاح كسائر الشروط في المعاملات بحيث يوجب تخلفه الخيار في النكاح، كما إذا ظهر المهر ملكا للغير بل هو نوع تعويض للزوجة في نكاحها تملكه الزوجة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

بالفرض في عقد النكاح أو بعده أو بالدخول مع عدم فرضه فيه و عدم التراضي به بعده، و ذكر في التذكرة و المبسوط دخول خيار الشرط في الصداق، و ذكر المصنف (ره) في وجهه لانّ الصداق يقبل الفسخ، كما لو زوجها وليّها بدون مهر المثل فإنه يكون لها مهر المثل، و لكن لا يخفى ما فيه فإنّه قد ذكر جملة من الأصحاب انّ الولي لو زوّجها بدون مهر المثل كان لها مهر المثل، و هذا باعتبار فضولية المهر لا قبوله الفسخ بعد صحّته، فانّ نفوذ فعل الولي في المهر كالنكاح مشروط بعدم كونه على خلاف صلاح المولى عليه، كما يشهد لذلك مثل موثقة عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل، و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوّجها قبله و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ.

و قد يقال ان الاشتراط بعدم الفساد بالإضافة إلى نفس النكاح. و امّا بالإضافة إلى المهر فلا، لأنّ نفوذ عفو الولي عن المهر، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) يقتضي ذلك الّا ان يقال عفو الولي أيضا مشروط بذلك أخذا بظهور الولي حيث انّ ظاهر الولاية ملاحظة صلاح المولى عليه، و لا

أقل من عدم الإفساد و للكلام محل آخر.

و ربّما يستدلّ على مشروعيّة الفسخ في الصداق بما ورد في نكاح المرأة على انّها بكر فظهرت ثيّبا، و فيه انّ ظاهر الصحيحة الواردة في المسألة ثبوت الأرش لا ثبوت الخيار، و كيف ما كان فان ثبت إطلاق أو عموم في دليل مشروعيّة الإقالة بحيث تعمّ الصداق فلا بأس باشتراط الخيار فيه، و الّا فمشروعيّة الخيار لا يمكن إثباتها بعموم (المسلمون عند شروطهم) كما تقدم؛ و ما ورد في مشروعيّة الإقالة بعضه يختص بالبيع و لا يعمّ غيره و العمدة رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 162

[الرابع خيار الغبن]

اشارة

و أصله الخديعة (1).

______________________________

قال (أربعة ينظر اللّٰه عزّ و جلّ إليهم من أقال نادما أو أغاث لهفان أو أعتق نسمة أو زوّج عزبا). و ظاهر الإقالة نقض البيع و نحوه بموافقة الطرف الآخر، و هذه الرّواية، و ان كان ظهورها في مشروعية الإقالة في كل عقد لا بأس به الّا انّ فس سندها ضعف لانّ الصدوق رواه عن حمزة بن محمد العلوي، و لم يعرف منه الّا كونه من مشايخ الصدوق (ره)، و لا يبعد أن يقال بمشروعية الإقالة في كل معاوضة مالية أو عقد تتضمن المعاوضة المالية لثبوت السيرة العقلائية فيها من المتدينين و غيرها، و لم يرد من الشارع المنع عنه بل ورد النقل في الترغيب فيها كما ذكر؛ و امّا غير تلك المعاملة من العقود كانت متضمنة للإيقاع أم لا، فلا دليل عليها. نعم لو أمكن اعادة الحالة الأوليّة بالمعاملة الجديدة فالمعاملة الجديدة ليست اقالة كما لا يخفى، و لكن تعود الحالة الأولى بتلك المعاملة.

(1)

الغبن في اللغة الخديعة قال في الصحاح إذا كانت الخدعة في معاملة يستعمل فيه بتسكين العين، و إذا كانت في القول و الاعتقاد يستعمل بتحريك العين، و في اصطلاح الفقهاء يطلق على تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر بالحال، بلا فرق بين كون التمليك ابتدائيّا، كما إذا باع ماله بأكثر من ثمنه أو تبعيّا، كما إذا اشترى المبيع بأقلّ من قيمته، و يسمّى المملك بالكسر غابنا و الآخر مغبونا، و ربما لا يكون في التمليك المزبور خديعة كما إذا كانا جاهلين بالحال، و لكن حيث يكون غالبا على وجه الخديعة يطلق على التمليك المزبور غبنا مطلقا؛ و الظاهر انّ الجهل بالحال معتبر في صدق الغبن، و لو كان المشتري عالما بالحال، و مع ذلك اشترى المال بالزيادة على ثمنه لبعض الدواعي فلا يطلق على شرائه انّه غبن.

و امّا كون الزّيادة على قيمته بما لا يتسامح فيه فهي شرط خارجي بمعنى انّه معتبر في ثبوت خيار الغبن مع صدقه بدونه ايضا، كما إذا كانت الزيادة ممّا يتسامح فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 163

..........

______________________________

ثم انّ ثبوت الخيار مع شرط الجهل بالحال و كون الزيادة مما لا يتسامح فيه مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، و ان نقل إنكاره عن المحقق في درسه و عن بعض آخر السكوت عنه، و لكن عدم التعرض لهذا الخيار لا يدلّ على منعه. نعم حكي عن الإسكافي منعه.

و كيف ما كان فقد يستدلّ بما في التذكرة بأنّه مقتضى عدم كون البيع المزبور تجارة عن تراض فإنّ التراضي من المشتري مثلا بشراء المبيع مبنيّ على عدم كون ثمنه السوقيّة بأقلّ من الثمن المسمّى بكثير؛ و بتعبير

آخر كون المبيع مساويا قيمته السوقيّة مع الثمن المزبور وصف معتبر في المبيع، و حيث انّ هذا الوصف كسائر الأوصاف غير المقومة فيكون فقده موجبا لثبوت الخيار لا بطلان البيع فانّ ثبوت الخيار باعتبار انّ لزوم البيع المزبور إلزام عليه بما لم يلتزم و لم يرض به. و قد ناقش المصنف (ره) في هذا الوجه بأنّ كون قيمة المبيع مساوية للثمن المسمّى قد يكون داعيا الى الشراء لا أنّه وصف معتبر في المبيع بل لو كان وصفا معتبرا فيه فلا اعتبار به لعدم ذكره في عقد البيع، و قد تقدم اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و الّا فلا يلزم بل ربّما لا يكون داعيا ايضا، كما إذا كان المشتري بحاجة إلى المبيع فيقدم على شرائه بأيّ نحو.

و الأولى الاستدلال عليه بدخول البيع المزبور في أكل المال بالباطل فيما إذا اطّلع المشتري بالحال و لم يرض به فإنه بعد الإطلاق و الرضا يتم البيع لفحوى ما دلّ على تمام بيع الفضولي، و بيع المكره بلحوق الرّضا بهما. و امّا قبل الاطلاع بالحال فالبيع المزبور، و ان كان داخلا في أكل المال بالباطل الّا انّه يحكم بالخروج عن الآية بالإجماع، و لكن الاستدلال بالآية على البطلان في صورة اطلاع المغبون بالحال و ردّه البيع المزبور معارض لقوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) بتقريب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 164

..........

______________________________

انّ البيع المزبور لم يشترط فيه الوصف بل وقع التراضي ببيع المال بالثمن المزبور، و مع التعارض يرجع الى أصالة اللزوم.

بل يمكن تقريب المعارضة بوجه آخر و هو انّ بيع المال بأكثر من ثمنه مع عدم الخدعة في البين داخل في التجارة

عن تراض فينتفي الخيار مع الخدعة أيضا لعدم القول بالفصل، كما انّ البيع المزبور مع الخدعة داخل في عنوان الأكل بالباطل فيلحق به صورة عدم الخدعة لعدم القول بالفصل، و بعد التعارض من الجانبين يرجع الى أصالة اللزوم.

أقول: في كلامه موارد للنظر منها انّ المهم في المقام إثبات الخيار للمغبون بالإضافة إلى المعاملة الغبنيّة كسائر الخيارات التي تكون عبارة عن ملك فسخ العقد و إلزامه بإسقاط الخيار، و هذا غير لحوق الرضا بالبيع في موردي الفضولية و الإكراه، فإنّ اعتبار لحوقه فيهما شرط شرعي لتمام المعاملة، و لو استفيد حكم البيع في المقام بعد العلم بالغبن و الرضا به من فحوى أدلّة بيع الفضولي و المكره عليه لكان اشتراط الرضا في المقام كاشتراطه فيهما حكميا غير قابل للإسقاط.

و منها انّه لا يمكن أن يلتزم بأنّ تصرف كل من الغابن و المغبون و تملكهما مال صاحبه بالبيع المزبور قبل العلم بالحال أكل للمال بالباطل، و لكنه بحسب الشرع لا بأس به للإجماع فإنّ دعوى الإجماع التعبدي في المقام موهومة و لا يحتمل ان كان لدى الأصحاب مدرك في المقام لم يصل إلينا، كما يظهر الوهم بجلاء تامّ بملاحظة المحكي عن المحقق، و كلمات العلامة و غيرهما.

و منها انّه إذا كان البيع المزبور مع الجهل بالحال داخلا في التجارة عن تراض كما هو مقتضى جعل وصف تساوي الثمن المسمّى مع ثمن المثل داعيا الى البيع فكيف يدخل هذا في الأكل بالباطل مع ان التجارة عن تراض مع الأكل بالباطل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 165

..........

______________________________

عدلان حتى بناء على الصحيح من كون الاستثناء في الآية منقطعا، فلا معنى لوقوع المعارضة بينهما في البيع غبنا

كما لا يخفى.

أقول: الأظهر ثبوت الخيار للمغبون لا لفقد التراضي في المعاملة الغبنيّة لما تقدم من انّ المراد بالتراضي التراضي المعاملي الذي لم يكن بإكراه لا طيب النفس الواقعي، و الّا لبطل في موارد تخلف الوصف حتى فيما كان الوصف غير مقوم للمبيع لفقد طيب النفس بالمعاملة مع فقده و دعوى تعدد المطلوب في موارد التخلف يدفعها ما إذا صرّح المشتري قبل البيع أو معه بأنّه لا غرض له الّا في الواجد للوصف و ظهر المبيع مع ذلك فاقدا له فإنّه لا أظنّ أن يلتزم فقيه ببطلان تلك المعاملة لفقد الوصف.

و الحاصل: انّ التجارة فرد عن التراضي المعاملي، و لذا ذكر بعض المفسرين ان قوله سبحانه (عَنْ تَرٰاضٍ) خبر بعد خبر بمعنى انّه يجوز الأكل بالتجارة و عن التراضي و على ذلك فبيع البائع ماله بأزيد من ثمن مثله مع قبول المشتري ذلك البيع و لو مع جهله بالحال يوجب حصول التراضي المعاملي غاية الأمر الشرط الارتكازي في كل معاملة مبنية على المغابنة موجود و هو انّه له الخيار على تقدير كون الثمن أزيد من ثمن المثل بكثير بما يعد إجحافا عليه نظير اشتراط الخيار له على تقدير عدم كون المبيع صحيحا، و الشرط الارتكازي المبني عليه المعاملة لا يحتاج الى ذكره في المعاملة، و انّما يحتاج إلغاء ذلك الشرط الى التصريح به في المعاملة أو قبلها.

و بذلك يظهر انّه لا مورد في المقام للتشبّث بقاعدة نفي الضرر لإثبات الخيار فانّ تلك القاعدة لو كانت جارية لكانت مقتضاها عدم صحة المعاملة لا نفي لزومها فانّ الضّرر بمعنى نقص المال يدخل بصحة البيع المزبور لا بلزومه؛ و انّما يكون نفي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 166

و أقوى ما استدلّ به في التذكرة و غيرها (1).

______________________________

لزومه تداركا الضرر و معنى القاعدة نفي الضرر لا لزوم التدارك؛ و وجه عدم جريان القاعدة انّ نفي الحكم الضرري للامتنان و لا امتنان في نفي صحة معاملة خيارية حيث يمكن للمتضرر تداركه بفسخها.

(1) و قد يقال بأنّ ثبوت الخيار للمغبون مقتضى نفي الضرر حيث انّ المراد عن نفيه نفي حكم يوجب الضرر سواء كان ذلك الحكم من قبيل الإلزام بفعل أو تركه أو من قبيل إمضاء تصرف و الحكم عليه بلزومه كما يفصح عن ذلك المروي من انّه لا ضرر و لا ضرار في الإسلام فإن الإسلام عبارة عن القوانين الإلهية و الأحكام الشرعية، و على ذلك فيمكن إثبات خيار الغبن في كل معاملة يكون لزومها ضررا على أحد الطرفين سواء كانت المعاملة بيعا أو إجارة أو صلحا لم يكن مبنيا على المسامحة كالتراضي بالمبادلة على كل تقدير.

و أورد المصنف (ره) على ذلك بأنّ مقتضى قاعدة نفي الضرر لا يكون ثبوت الخيار للمغبون بحيث يكون له إمضاء البيع و فسخه رأسا بل نفيه يكون ببقاء المعاملة على لزومها مع استحقاق المغبون استرداد المقدار الزائد نظير ما ذكر بعضهم في المعاملة المحاباتية التي أجراها في مرض موته حيث تبقى التملك و المعاملة بحالها و يكون للوارث استرداد المقدار الزائد على الثلث، كما إذا اشترى متاعا يساوي ألفين بستة آلاف، و المفروض كون تمام تركته ستة آلاف فان الوارث يسترجع ألفين و ينفذ المعاملة في مقدار الثلث.

و لكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال فإنّه لو كانت المقدار الذي يستردّه المغبون أو الوارث فسخا للمعاملة في ذلك المقدار فلازمه ردّ مقابلة من المبيع الى

الغابن أو البائع كما هو مقتضى فسخ المعاملة في بعضها، و ان كان بعنوان التغريم، كما يذكره المصنف (ره) فيما بعد؛ فهذا من قبيل تدارك الضرر لا من نفي الحكم الموجب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

للضرر.

و قد ذكر المصنف (ره) و غيره انّ نفي الضرر معناه نفي الحكم الموجب للضرر لا إثبات حكم يوجب تدارك الضرر، و بهذا يظهر الحال في الاحتمال الثاني من انّه يجب على الغابن الالتزام بأحد الأمرين: أحدهما: إعطاء المقدار الزائد بعنوان التغريم و المال الذي أتلفه على المغبون. و ثانيهما: فسخ المغبون بان يثبت الخيار للمغبون مع امتناع عن دفع الغرامة، و لكن لا يثبت الخيار للمغبون في الاحتمال الأول، و ما في كلام المصنف (ره) من انّ مرجع الاحتمالين الى ثبوت الخيار للمغبون في فرض عدم دفع الغرامة لعله سهو القلم؛ و وجه الظهور ما ذكرنا من أن دفع الغرامة تدارك للضرر الحاصل و مقتضى قاعدة نفي الضرر نفي حكم يوجبه لا إثبات حكم يوجب تداركه.

و امّا ما ذكر المصنف (ره) من انّ الالتزام بأحد الاحتمالين أولى من الالتزام بثبوت الخيار للمغبون، فإنه ربّما يتعلّق غرض المشتري بتملك المتاع ذي القيمة فيكون تملّك غيره ضررا من جهة نقض الغرض فلا يخفى ما فيه فانّ الضرر هو النقص في المال أو العرض أو النفس و نقض الغرض لا يكون نقصا في شي ء منها و الّا فيمكن أن يقال بتعلق غرض البائع أيضا بتملّك الثمن، و جواز فسخ المغبون ضرر عليه، و المتحصل العمدة في ثبوت خيار الغبن ما ذكرنا من انّه مقتضى الشرط الارتكازي، و الّا فلا يمكن الاعتماد على التسالم و الإجماع لكونه مدركيا،

و لا لما روي عن النبي (ص) من انّه أثبت الخيار في تلقي الركبان لانّ ضعف سنده و احتمال كونه خيارا آخر يثبت للركب لا يصلح مدركا في المقام.

و امّا الروايات الواردة في كون غبن المؤمن على المؤمن حرام أو غبن المسترسل سحت فلا دلالة في شي ء منها على ثبوت الخيار بل مقتضاها أما حرمة نفس الغبن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 168

[اشتراط الأمران في هذا الخيار]
[الأوّل عدم علم المغبون بالقيمة]

الأوّل عدم علم المغبون بالقيمة (1).

______________________________

تكليفا في المعاملة أو غيرها أو بطلان المعاملة الغبنيّة، و شي ء منهما غير المهم في المقام كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) انه لو علم المشتري بزيادة الثمن المسمّى عن ثمن المثل أو علم البائع بنقصان الثمن المسمّى عن القيمة السوقية فلا خيار لهما، بل لا غبن في الفرض لما تقدم من دخول الجهل بالحال في مفهومه، و الوجه في عدم الخيار عدم حكومة قاعدة نفي الضرر في فرض العلم لأنّها لا تعمّ موارد الإقدام على الضرر فانّ الضرر فيها مستند الى اختيار الشخص لا الى الشارع و حكمه. و الحاصل انه يثبت خيار الغبن مع الجهل بالحال سواء كان الجهل مركبا بان يعتقد المشتري عدم زيادة الثمن المسمّى عن القيمة السوقية أو يعتقد البائع عدم نقصان القيمة المسمّاة عن القيمة السوقية، أو كان جهلا بسيطا بان كان ظانا عدم الزيادة أو النقيصة أو ظانا بهما أو شاكّا فيهما.

و لكن ناقش أولا في حكومة قاعدة نفي الضرر لنفي لزوم البيع في صورتي الظن بالزيادة أو النقيصة أو الشك فيهما بأنّ المعاملة المزبورة مع الظنّ بأحدهما أو الشك فيهما اقدام على الضرر، و لذا يستحقّ الذمّ على ذلك الإقدام.

و أجاب ثانيا: بأنّه ليست المعاملة المزبورة

مع الظنّ بأحدهما أو الشك فيهما اقداما على الضرر، لأنّ المعاملة المزبورة تصدر عن الظانّ و الشاك لرجاء عدم الغبن؛ و لذا يمسك عن المعاملة المزبورة على تقدير علمه بالغبن.

أقول: قد تقدم انّ الخيار يثبت للمغبون باعتبار الشرط الارتكازي الثابت بين المتعاقدين في المعاملات المبنية على المداقة؛ و من الظاهر عدم المعنى للاشتراط المزبور مع علم المغبون بالحال، و مع الإغماض عن ذلك و البناء على كون المدرك للخيار في المقام قاعدة نفي الضرر النافية للزوم البيع فقد يقال ان إقدام المغبون على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 169

فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار (1).

______________________________

الضرر لا يوجب خروج حكم الشارع باللزوم عن كونه ضرريّا، و لذا لا يكون الإقدام على الوضوء أو الغسل أو الصوم و غيرها من الواجبات الشرعية مع الإقدام عليها في موارد الضرر محكوما بوجوباتها، و لو كان الإقدام موجبا لعدم استناد الضرر الى حكم الشرع و وجوبه لكان الواجب مع الاقدام محكوما بالوجوب.

و لكن لا يخفى ما فيه فانّ الإقدام على الفعل فيما إذا كان الحكم المتعلق به وجوبا يرتفع مع كونه ضرريا لأنّ إيجاب الفعل معلقا على الإقدام عليه من قبيل طلب الحاصل، و لا يقاس بالحكم الوصفي الثابت لموضوعه. أضف الى ذلك انه لو قيل بحرمة الإضرار على النفس فانتفاء وجوب الغسل أو الوضوء في الفرض المزبور ليس لمجرد نفي الحكم الضرري بل لحرمة الإضرار بالنفس حيث انّ ما دلّ على حرمته من قبيل الخطاب المتضمن لحرمة الوضوء أو الغسل، و غيرهما من الأفعال بعنوانها الثانوي و ما دلّ على وجوبها من قبيل الخطاب المتضمن للحكم لها بعناوينها

الأوليّة، و لذا لو قلنا بجواز الإضرار بالنفس في غير الموارد المخصوصة لكان الوضوء أو الغسل المزبورين محكوما بالصحة أخذ بما دلّ على استحباب التطهر و الوضوء.

و الحاصل: انّ المحذور المزبور أمر يختصّ بالواجبات التكليفيّة، و لا يقاس بها المعاملات التي يمكن أن يقال نفي لزومها مع الإقدام عليها لا يناسب الامتنان نظير ما يقال من عدم حكومة لا ضرر في موارد الهبة و الصدقة المندوبة، و غير ذلك من موارد تمليك المال مجانا، حيث انّ نفي صحّتها لا يناسب الامتنان كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ ما يتسامح به معناه عدّ الإقدام على الثمن المزبور إقداما عليه ايضا و يقابله ما لا يتسامح به و انّه لا يكون الإقدام على الثمن المزبور إقداما عليه، و على ذلك فظهور الغبن بما لا يتسامح به لا يوجب الخيار سواء كان مقدار المعلوم من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 170

ثم ان المعتبر القيمة حال العقد (1).

______________________________

الغبن مع الظاهر بما لا يتسامح فيه أو كان الغبن المعلوم بمقدار لا يتسامح فيه و ظهر أزيد منه بما يتسامح فيه. نعم لو ظهر الغبن بما لا يتسامح فيه بانفراده بالإضافة إلى الغبن المعلوم فلا يكون إقدام بالإضافة الى ذلك المقدار الظّاهر فيثبت الخيار من غير فرق بين كون المدرك لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر أو الشرط الارتكازي.

و دعوى انّه لو كان المدرك له الشرط الارتكازي فلا يثبت الخيار لأنّ العلم بالغبن بمقدار لا يتسامح فيه يلازم إلغاء الشرط التساوي بين الثمن المسمّى و القيمة السوقية المرتكز في المعاملات لا يمكن المساعدة عليها فإنّ إلغاء مرتبة من شرط عدم الغبن لا يلازم إلغاء اشتراط سائر مراتبه، و

مما ذكرنا يظهر انّ خيار الغبن يثبت في الفرض الأخير فقط من الفروض الثلاثة في عبارة الماتن.

(1) إذا كان الثمن زائدا على القيمة السوقيّة للعين بما لا يتسامح فيه، و لكن حصول التعادل بين القيمتين قبل اطلاع المغبون على غبنه، ففي ثبوت الخيار له إشكال لأنّ نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر لتدارك ضرر المغبون، و المفروض حصول التدارك قبل العلم بالغبن بل لا يبعد عدم الخيار فيما إذا تساوت القيمة السوقيّة مع الثمن المسمّى قبل الفسخ، و لو كان حدوث التساوي بعد اطلاع المغبون، كما ذكر ذلك العلامة (ره) في خيار العيب حيث ذكر سقوط الرد ببرء المعيوب قبل الفسخ.

و لا يبعد ان يكون الأمر كذلك، و لو قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن هو الشرط الارتكازي لأنّ الموضوع للخيار بحسب الارتكاز هو اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية بما لا يتسامح فيه حال العقد، و لكن هذا كما يأتي موجب لحدوثه الخيار و بقاء ذلك التفاوت معتبر في بقاء الخيار؛ و لذا يأتي منا بعد ذلك انّه لو فسخ العقد قبل العلم بالغبن، ثم ظهر الغبن نفذ الفسخ السابق فيما لو حصل التساوي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 171

ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل (1).

______________________________

بين القيمتين حال العلم بالغبن السابق، و أولى بعدم الخيار ما ذا كان القبض شرطا في صحّة المعاملة كالصرف و السلم، و حصل التساوي بين القيمتين قبل حصول القبض فإنّه لا يحصل بالعقد المزبور ضرر و نقص للمشتري أو البائع لينفي صحّة البيع أو لزومه بقاعدة نفي الضرر، و لو قلنا بوجوب التقابض فإنّ المنفي على تقدير الالتزام به وجوب التقابض لا صحة البيع و لزومه ليثبت

الخيار للمغبون، فان الخيار حكم للبيع بعد تمامه و حصوله لا إلغاء العقد قبل تمامه.

و امَّا إذا كانت القيمة السوقية حين العقد مساوية للثمن المسمّى ثم حصلت الزيادة أو النقيصة فإنه لا يوجب الخيار لانّ الموضوع للخيار للشرط الارتكازي هو اختلاف القيمتين حال العقد و بقاء الخيار بعد تمام العقد ببقاء ذلك الاختلاف.

نعم لو كان المدرك للخيار قاعدة نفي الضرر فيمكن أن يقال بأنّ مقتضاه ثبوت الخيار فيما إذا علم بعد القبض بحدوث الزيادة أو النقيصة قبله فيما كان القبض شرطا لصحة البيع لانّ البيع المزبور صحته أو لزومه ضرر على المغبون.

لا يقال مقتضى قاعدة نفي الضرر انتفاء لزوم العقد حتى فيما لو حصلت الزيادة أو النقيصة بعد العقد أو بعد القبض فإنه يقال لا يكون مقتضاه ذلك، فإنّ قاعدة نفي الضرر لا يعمّ ما إذا كان نفيه إضرارا للغير، و نفي اللزوم بالزيادة أو النقيصة الحاصلة بعد العقد أو بعد القبض إضرار بالطرف الآخر، كما لا يخفى.

(1) إذا كان وكيلا في مجرد إجراء صيغة الشراء فلا ينبغي الريب في انّه لا اعتبار بعلم الوكيل و جهله في ثبوت الخيار للموكل لانّ الخيار الغبن امّا للاشتراط الارتكازي على قرار ما تقدم؛ و امّا الدليل نفي الضرر و مقتضى كل منهما ثبوت الخيار للموكل مع جهله سواء كان الوكيل عالما أو جاهلا، لانّ توكيله في إجراء الصيغة توكيل أيضا في اشتراط الخيار لنفسه على تقدير التفاوت الفاحش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

بين الثمن المسمّى و القيمة السوقية، كما انّ لزوم البيع المفروض مع فرض جهل الموكل بالحال ضرر عليه.

و امّا إذا كان وكيلا في المساومة و الشراء فان كان الوكيل المزبور

عالما بالتفاوت، و مع ذلك أقدم على الشراء الغبني للموكل و فرض صحة البيع المزبور لقيام القرينة على التوكيل في الشراء المزبور ايضا، كما إذا كان الموكل بحاجة إلى شراء الدابة للسفر بعد أيام، و قال للوكيل المزبور حصّل لي الدّابة بأيّ طريق تمكّنت، و اشترى الوكيل الدابة مع العلم بتفاوت القيمتين، فلا خيار للموكل عند المصنف و غيره، و مع جهل الوكيل بالحال يثبت الخيار للموكل فيما كان هو ايضا جاهلا بالحال.

أقول: لا يبعد عدم ثبوت الخيار للموكل مع علم وكيله المفروض بالحال لانّ الشرط الارتكازي مع علم الوكيل المزبور بالحال غير محرز لو لم نقل بإحراز عدمه و اقدام الوكيل على الضرر يعد اقداما للموكل عليه مع ثبوت الوكالة، كما هو الفرض. و امّا مع الجهل الوكيل المزبور بالحال فلا يبعد ثبوت الخيار للموكل حتى مع علمه بغبن الوكيل في شرائه لأنّ الوكيل لجهله بالحال لم يسقط الخيار المشترط بالشرط الارتكازي. نعم لو كان المدرك لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر الظاهرة في نفي الحكم الضرري عن المتضرر فلا يرفع لزوم البيع بالإضافة إلى الموكل العالم بالحال لانّ توكيله و إبقاء ذلك التوكيل مع إحراز ان شراء وكيله غبني يكون اقداما على البيع الضرر بمعنى انّه لا ينسب الضرر في الفرض الى الشارع، لا يقال علم الموكل بالحال مع جهل وكيله المفروض لا يكون اقداما على الضرر، و لعل تقرير الوكالة و عدم منع وكيله عن اجراء العقد المزبور اعتقاده بأنّه إذا حصّل المبيع بقيمته السوقية أقدم على فسخ شراء وكيله فإنه يقال لا يختص هذا الإشكال بالمقام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 173

ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن

(1).

______________________________

بل ما ذكر يرد على من اشترط الجهل بالحال في المغبون بدعوى انّه مع علمه يكون مقدما على الضرر فيقال عليه بأنّ العالم بالحال أقدم على البيع لا على لزومه، و اقدامه على البيع يكون باعتقاد انّه إذا لم يظفر بالمبيع بالقيمة السوقية بمعاملة أخرى التزم بالغبن و الّا يفسخ. و الحاصل لو كان الضرر لا في الشراء بل في لزومه فالمشتري العالم لم يقدم عليه.

و لكن الجواب عن ذلك كلّه ظاهر و هو انّ خيار الغبن على تقدير كون المدرك له قاعدة نفي الضرر من الخيارات الشرعية التأسيسية، و بما انّ البيع مع قطع النظر عن هذا الخيار الشرعي لازم في بناء العقلاء قمع علم المغبون بالحال و اقدامه على المعاملة لا يستند الضرر فيها الى حكم الشارع بلزوم البيع بل يستند الى اختيار المكلف و اقدامه على المعاملة المزبورة و مفاد لا ضرر نفي حكم الشرعي فيما كان الضرر مستندا الى الشارع و لا يرتبط هذا المفاد بكون نفي الضرر امتنانيا، بل الاستناد المزبور معتبر في القاعدة حتى لو قلنا بجريانها في موارد خلاف الامتنان، كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في ثبوت الخيار للمغبون فيما إذا اعترف الغابن لجهله بالقيمة السوقية لنفوذ الإقرار على نفسه، و الكلام في تشخيص المدعى من المنكر ليجري عليهما الحكم الثابت في حق المدعى و خصمه؛ فنقول، كما ذكرنا في بحث القضاء الميزان في كون أحد الخصمين مدّعيا كونه بصدد إثبات حق لنفسه أو لمن يتعلّق به على الغير أو يذكران له مالا بيد الغير أو على الغير أو يذكر سقوط حق للغير عنه أو نقل مال عنه اليه بحيث يكون مقتضى الحجة المعتبرة في حق الشاك عدم

ثبوت ذلك الحقّ أو المال أو عدم الاسقاط و النقل اليه فمن يكون من الخصمين بصدد الإثبات المزبور مع عدم مطابقة قوله للحجة المزبورة يعد مدّعيا، و من كان بصدد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

نفي الحق المزبور لخصمه أو عدم إسقاطه الحق أو النقل عنه مع مطابقة قوله للحجة المزبورة يعد منكرا.

و على ذلك فان قلنا بان المستند لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر يكون مدعي الجهل مدعيا لأنّه يدّعي خيار الفسخ لنفسه لكون لزوم البيع عليه ضرريا و الغابن منكرا لذلك الحق، لأنّ الأصل عدم ثبوت الخيار للمغبون بمعنى استناد الضرر في الفرض الى حكم الشارع غير محرز، و الأصل أي مقتضى استصحاب بقاء الملك بعد فسخ المغبون لزوم البيع، و ما ذكر المصنف (ره) من مطابقة قول المغبون لأصالة عدم علمه بالحال فيكون منكرا و الغابن مدعيا لا يمكن المساعدة عليه، لأنّ أصالة عدم علم المغبون أو أصالة عدم اقدامه على الضرر لا يثبت استناد ضرره الى حكم الشارع بلزوم البيع؛ و على ذلك فيثبت الخيار للمغبون باعتراف الغابن بجهله بالحال أو بالبيّنة لو أمكنت البيّنة على جهله.

و امّا ثبوته بدعوى المغبون مع يمينه فمبنيّ على ردّ اليمين الى المدعى فيما إذا لم يمكن للخصم الحلف على نفي دعواه أو بأنّ الدعوى إذا كانت مما لا يعلم الّا من قبل مدعيه تثبت تلك الدعوى مع يمين مدعيه.

و إذا قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن الاشتراط الارتكازي الثابت في المعاملات يكون الأمر على العكس بان يكون الغابن مدعيا بإسقاط المغبون خياره بعلمه بالغبن و المغبون ينكر هذا الاسقاط.

و بتعبير آخر يكون الاختلاف فيما نحن فيه نظير دعوى البائع إسقاط مشتري المعيوب

خيار عيبه أو مشتري الحيوان إسقاط خياره عند العقد و ينكره المشتري، فانّ مقتضى الأصل عدم الإسقاط في المقامين و لا يفرق في ذلك كلّه بين كون المغبون من أهل الخبرة أو من غيرها فيما إذا احتمل جهله بالقيمة السوقية حال البيع، لانّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 175

هذا كلّه إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة (1).

______________________________

مجرد كون شخص من أهل السوق مثلا لا يوجب العلم، بل لا الاطمئنان بعلمه بالقيمة السوقية حتى يعتبر و ينقطع الأصل.

و لو فرض في مورد الظهور بحيث يوجب للقاضي الاطمئنان بعلم المغبون بالحال حال العقد يكون دعوى الجهل منه محتاجا إلى الإثبات لانقطاع أصالة عدم سقوط الخيار بالاطمينان بالخلاف فيجري فيه ما ذكر من انّه لو كان الدعوى مما يتعسّر إقامة البيّنة عليها تسمع فيها قول مدعيها بيمينه و يأتي الكلام في تلك الكبرى و كون العلم و الجهل من تلك الأمور مطلقا.

ينبغي في المقام الإشارة إلى أمر و هو انّ كل مورد يكون الخصم فيه شاكّا في صحة دعوى المدعى فان كان للمدعي حجة تكون تلك الحجة معتبرة في حق خصمه الشاك كالبيّنة فلزم الأخذ بتلك الحجة، و لا يحتاج الواقعة الى المحاكمة إلى القاضي؛ و امّا إذا كان الخصم جازما بخلاف دعوى المدعي فيحتاج المخاصمة الى فصلها بالقضاء فيما لم يقدما على المصالحة بينهما؛ و بهذا يظهر انّ بعض صور دعوى الجهل تحتاج الى القضاء و بعضها لا يكون من موارد القضاء فتدبر جيدا.

(1) يعني إذا كان المغبون المدعي بجهله بالقيمة السوقية حال العقد من أهل الخبرة، فلا يعتبر أصالة عدم علمه بالقيمة السوقية ليكون المغبون المزبور منكرا، بل يعتبر الظهور المزبور

فلا يكون منكرا ليقبل قوله مع يمينه.

و لكن قد يقال اعتبار الظهور المزبور لا يوجب عدم قبول قوله مع يمينه لأنّ غاية اعتبار الظهور المزبور جعل من يوافق قوله معه منكرا و المخالف له مدّعيا و المداعى إذا تعسر عليه إقامة البيّنة لكون المدعى به مما لا يظهر لغيره يقبل قوله مع يمينه فالمغبون المفروض كونه من أهل الخبرة يقبل دعواه الجهل بالقيمة السوقية من هذه الجهة.

و فيه انّ اعتبار الظهور ليس بمعنى جعله ميزانا لتشخيص المدعى عن المنكر، بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 176

و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده (1).

______________________________

مقتضاه قبول قول من يوافقه مع يمينه في المخاصمة لا جعله منكرا، و خصمه مدعيا ليلحق بالخصم المزبور ما يذكر من ان المدعى إذا تعسر عليه إقامة البينة على دعواه يقبل دعواه مع يمينه.

ألا ترى ان من موارد اعتبار الظهور ما إذا اختلفا في صحة العقد الواقع و فساده، و حيث انّ ظاهر حال المسلم اقدامه على العقد الصحيح فيقبل قوله بصحته من يمينه لا ان يجعل خصمه مدعيا ليلحق به ما ذكر من انّه إذا تعسر على المدّعي إقامة البيّنة يقبل قوله مع يمينه.

أقول: قد تقدّم انّ الميزان في تشخيص المدّعي و المنكر مطابقة قول أحدهما بالحجة المعتبرة في حقّ الشاك في الواقعة أي القاضي و مخالفة قول الآخر معها و أصالة الصحّة الجارية في العقد المزبور حجّة معتبرة و حاكمة على أصالة الفساد، فمن وافق قوله أصالة الصحّة منكر و الآخر مدّع. و امّا إذا لم يكن في البين ظهور معتبر يكون الميزان الأصل الجاري في الواقعة.

نعم قد ثبت في بعض الموارد تقديم

قول من يوافق مثل الظهور المزبور مع يمينه كدعوى أحد الزوجين الدخول بعد الطلاق، و تحقق الخلوة قبله، فهذا لا يدلّ على كونه منكرا بل هذا الحكم تخصيص فيما دلّ على كون البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر. فتحصّل انّ الكبرى الموهومة و هي قبول قول المدعي فيما إذا تعسر عليه إقامة البينة مطلقا، و كون الجهل و العلم منه كلاهما محل تأمّل، بل منع.

(1) الاختلاف تارة في ثبوت الخيار لمن يدّعي الغبن و أخرى في بقاء الخيار له لاحتمال ارتفاع الغبن قبل الفسخ فانّ كان الاختلاف في ثبوت الخيار فلا ينبغي الريب في انّ الأصل عدم ثبوته كما هو مقتضى استصحاب بقاء الملك على حاله بعد فسخ أحدهما بغير توافق الآخر بل يجري استصحاب عدم كون البيع المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 177

..........

______________________________

غبنيا، و لو بنحو الاستصحاب العدم الأزلي. و امّا إذا كان الشك في بقاء الخيار لاحتمال ارتفاع الغبن قبل الفسخ فاستصحاب كون البيع على ما هو عليه مقتضاه بقاء الخيار.

و اما أصالة عدم تغير القيمة السوقية فلا تفيد في المقام لأنه إذا أحرز القيمة السوقية فعلا و احتمل تغيّرها بحيث كان البيع زمان وقوعه غبنيا فهي لا تنفي عدم اختلاف الثمن المسمّى عند البيع مع القيمة السوقية المعبّر عنه بالغبن لينتفي الخيار و كذا الحال فيما إذا علم تغير القيمة السوقية عمّا كانت عليه في السابق و شك في تقدم البيع على زمان التغيّر لئلا يكون في البين خيار أو تأخره عنه ليثبت الخيار فإن أصالة تأخّر البيع و عدم وقوعه الى زمان التغيّر لا يثبت وقوع البيع على ثمن يختلف مع القيمة السوقية و

لو مع العلم بزمان التغير.

و ذكر النائيني (ره) في المقام ثلاثة فروض الأول ما إذا اتفقا على تساوي القيمة السوقية الفعلية مع الثمن المسمّى كما إذا بيع العين بثمانية و اتفقا على كون القيمة السوقية الفعلية تساوي ثمانية و ادّعى البائع انّ القيمة السوقية حال العقد كانت عشرة فله خيار الغبن، و قال المشتري انّها كانت حال العقد أيضا ثمانية فلا خيار له فأصالة عدم التغير لا تجري في الفرض لانّه يرجع الى الاستصحاب القهقرائي لأنّ التغير ليس أمرا مسبوقا بالعدم مع انّه مثبت لأنّ خيار الغبن لا يترتب على التغير بل على منشأ انتزاعه و هو وقوع العقد على ما يختلف مع القيمة السوقية.

أقول: مع تساوي القيمة السوقية فعلا مع الثمن المسمّى لا خيار للبائع حتى لو أحرز كون القيمة حال العقد عشرة لما تقدّم من انّ بقاء خيار الغبن دائر مدار بقاء تفاوت القيمة السوقيّة مع الثمن المسمّى.

الثاني: ما إذا اتفقا على القيمة السوقية قبل العقد بأنّ كانت قيمة العين قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 178

[الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا]
اشارة

الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا (1).

______________________________

البيع عشرة و انّ البيع وقع على الثمانية فالمغبون يدّعي انّ القيمة السوقيّة حال البيع ايضا كانت عشرة و الآخر يدّعي انّها كانت عند البيع ثمانية فلا خيار و أصالة عدم التغير في الفرض يوجب الخيار مع الإغماض عن كونه من الأصل المثبت لانّ استصحاب القيمة السوقيّة على العشرة لا يثبت اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية.

الثالثة: ما إذا اتفقا على تساوي القيمة السوقية الفعلية مع القيمة السوقية حال العقد غاية الأمر يدّعي البائع انّ القيمة السوقية الفعلية هي العشرة، و الثمن المسمّى ثمانية فله الخيار و

المشتري بأنّ الثمن السوقية هي ثمانية فلا خيار فإنه لا مورد لأصالة عدم التغير في الفرض أصلا لأنّ الشك في الغبن غير ناش عن تغير القيمة السّوقيّة أصلا.

(1) قد تقدم انّ الموجب لخيار الغبن كون التفاوت بين الثمن و القيمة السوقية فاحشا بحيث لا يتسامح فيه غالب النّاس و لا يقدمون على المعاملة بذلك التفاوت الّا مع الاضطرار على تلك المعاملة، و في هذه الصورة يكون اشتراط الخيار مع الاختلاف الفاحش ارتكازيا بل لو قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن هي قاعدة نفي الضرر فالأمر كذلك لانّه لا امتنان في موارد الاختلاف غير الفاحش في رفع اللزوم حيث لا يكون وضعه فيها ثقلا عليهم كما انّ الرفع في سائر الموارد مما يكون امتنانيّا كذلك فمن أكره بشرب الخمر متوعدا بضرر يتحمّله عامّة الناس لا يكون فيه رفع الحرمة.

و يظهر من المصنف (ره) ان الاختلاف بنصف العشر بل العشر لا يكون فاحشا و ناقش في كون الاختلاف بالخمس فاحشا، و لكن لم يبعد كونه فاحشا، و لا يخفى اختلاف المعاملات و عدم انضباط الغبن المتعارف بشي ء من النسب و لو اشترى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 179

..........

______________________________

دارا بألف و ظهر الغبن فيه بمأة يعد فاحشا بل الأمر في تفاوت الخمسين ايضا كذلك، و لكن لو اشترى متاعا بخمسين و ظهر الغبن فيه بخمس فقد لا يعدّونه غبنا فاحشا، بل الميزان كون التفاوت مما يتحمله النّاس في مثل تلك المعاملة بحيث يعدون الاقدام على تلك المعاملة إغماضا عن ذلك المقدار من التفاوت.

و لا يقال الضرر اليسير مما يتسامح فيه الناس ضرر ايضا و ظاهر قاعدة نفيه عدم لزوم البيع مطلقا حتى فيما إذا فرض

كون التفاوت غير فاحش غاية الأمر انّ نفي اللزوم في البيع الغبن للامتنان على المتضرر و نفيه عن المتضرر بالضرر غير الفاحش ايضا مشمول للامتنان نظير وجوب القصر على المسافر بسفر لا تعب فيه، فان نفي وجوب التمام عن ذلك المسافر ايضا شمول للامتنان و على ذلك فالتفاوت غير الفاحش غير شرط في ثبوت خيار الغبن، و لم يقع عنوان الغبن واردا في شي ء من الأدلة ليقال بانصرافه عن التفاوت غير الفاحش بدعوى عدم عدّ ذلك التفاوت غبنا.

فإنّه يقال نفي الضرر منصرف عن نفي الحكم في مورد يمسك فيه المشتري بزمام العقد و لو مع علمه بذلك التفاوت، و ان الضرر فيه غير ناش عن حكم الشارع حيث لا يقدم المتضرّر به على الفسخ، و لو بعد اطلاعه بالغبن المزبور بل يقدم على البيع المزبور، و لو مع اطلاعه بالحال. و ثانيا: قد ظهر ممّا ورد في مثل وجوب القصر على المسافر انّ الامتنان فيه من قبيل الحكمة بخلاف المقام حيث مع ورود نفي الضرر في الامتنان نظير رفع الإكراه أو الاضطرار ظاهره دوران النفي و الرفع على الامتنان.

و الكلام فيما إذا لم يحرز كون التفاوت مما يتسامح النّاس فيه أم من غيره فذكر المصنف (ره) انّه يرجع مع عدم الإحراز إلى قاعدة نفي الضرر في الحكم بالخيار لانّ الخارج عن قاعدة نفي الضرر تخصيصا أو تخصصا موارد إحراز التسامح و احتمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 180

[بقي هنا شي ء]

بقي هنا شي ء و هو انّ ظاهر الأصحاب و غيرهم ان المناط في الضرر الموجب (1).

______________________________

الرجوع الى استصحاب اللزوم لاختصاص قاعدة لا ضرر بموارد الاختلاف الفاحش لا موارد إحرازه فيكون التمسك به كالتمسّك

بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة. أقول: المورد من موارد الشك في شرط الخيار و الأصل عدمه فتدبّر جيّدا.

(1) إذا كان التفاوت بين الثمن و القيمة السوقية فاحشا فقد يتيسّر تحمله لبعض الأشخاص و ذلك التفاوت لا يتحمّله بعض آخر في مثل ذلك البيع، فهل يكون المعيار في عدم لزوم البيع بالتفاوت الفاحش المعبّر عنه بالضرر المالي مع الإغماض عن حال المغبون من جهة يسر تحمله الضرر و عدمه أو يلاحظ مع التفاوت الفاحش حال المتضرر ايضا، بحيث لا يرفع لزوم المعاملة بقاعدة نفي الضرر مع يسر المغبون فان قيل بالأوّل و عدم ملاحظة شي ء إلّا الضرر المالي فما الفرق بين المقام و بين موارد التكاليف.

مثلا ذكروا في شراء الماء للوضوء انّه يجب لواجد المال و ان بلغ الثمن ما بلغ بخلاف من لا يجد المال و لا يتيسّر له الشراء المزبور فإنّه يجوز له التيمّم و ترك الشراء لنفي الضرر حيث انّ مقتضى ما ذكر ملاحظة حال المكلف بالإضافة وجوب الوضوء الموقوف على شراء الماء و عدم كون تمام الملاك في نفي وجوبه بالضرر المالي و الغمض عن حال المكلف و ان قيل بالثّاني أي ملاحظة حال الشّخص فاللّازم في المقام أيضا ملاحظة حال المغبون من حيث يسر تحمله الضرر و عدمه.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بأنّ المعيار في نفي الضرر نفس الضّرر المالي لانّ يسر تحمل المكلف الضرر و عدمه لا يخرج الحكم عن كونه ضرريّا بلا فرق بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

المقام و التكاليف غاية الأمر قاعدة نفي الضرر كسائر العمومات قابلة للتخصيص و قد خصّصت في مسألة شراء الماء للوضوء حيث

دلّ النصّ على وجوبه على واجد المال. و في صحيحة صفوان قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمأة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضأ أو يتيمّم قال (لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت و ما يسوئني و ما يشتري بذلك مال كثير و على ذلك فيرفع اليد عن قاعدة لا ضرر بالإضافة الى من يمكنه الشراء و يبقى غير الواجد للمال المزبور بحيث كان صرف المال على الشّراء مجحفا به مندرجا في قاعدة نفي الضرر.

بل يمكن ان يقال ان خروج مثل هذه التكاليف عن قاعدة نفي الضرر بالتخصّص لانّ ما يصيب المكلف بإزاء الضرر المالي من الأجر الأخروي يخرجه عن عنوان الضّرر كما يشير الى ذلك ذيل الرّواية، فيجب الشراء على كل من لا يكون الشراء مجحفا به و بالإضافة إلى المكلف الذي يكون الشراء مجحفا به ينفي وجوب الشراء بقاعدة نفي الحرج.

أقول: لا يخفى ما فيه فان ترتب الأجر الأخروي على امتثال تكليف لو كان موجبا لخروجه عن كونه ضرريا وجب الوضوء فيما لو كان تحصيل الماء و موجبا لذهاب المال الكثير أو مع خوف ذهابه، كما إذا خاف من سرقة ماله لو ترك متاعه و ذهب في طلب الماء و نحو ذلك، بل لا يمكن استفادة نفي اللزوم في بيع الغبني فإنّ وجوب الوفاء بالبيع عند المصنف (ره) و غيره تكليف و يترتب على امتثاله الأجر الأخروي، فلا يكون اللزوم المزبور ضرريا حيث يمكن للمكلف الوفاء به بقصد القربة حتى لا يحصل الضرر فيكون الوفاء به

من غير قصد التقرّب اقداما من المغبون الى الضرر الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 182

ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد (1).

______________________________

و عن النّائيني (قده) انّ وجوب شراء الماء بالمال الكثير فيما إذا لم يكن الشراء غبنيا بأنّ تكون قيمة الماء في ذلك المكان مساويا للثمن المدفوع بحيث يكون الضرر في نفس التكليف بالوضوء الموجب لصرف الماء المزبور، و الّا فيمكن نفي لزوم الشراء بقاعدة نفي الضرر فيجوز له التيمّم الّا انّ يؤخذ بذيل الرواية.

أقول: حمل الرواية على كون القيمة السوقية في ذلك المكان مساويا للثمن المدفوع حمل بعيد و اللازم على ظاهر الرواية الإقدام على المعاملة المزبورة لواجد المال، و ان كانت غبنيّة. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر في الروضة و المسالك و جامع المقاصد انه قد يكون المغبون في المعاملة هو البائع و الأخرى المشترى؛ و ثالثة هما معا و قد وقع الإشكال في تصوير الغبن لكل من المتبايعين في بيع واحد. و عن بعض المحشّين للروضة عدم إمكان ذلك فان غبن البائع يكون ببيع الشي ء بالناقص عن قيمته السوقيّة و غبن المشتري ببيعه بأزيد من قيمته السوقيّة، و لا يمكن أن يكون الثمن في بيع واحد زائدا على قيمته السوقيّة و ناقصا عنها و قد تصدّى جمع لتصوير الغبن لكل منهما في معاملة و ذكروا في ذلك وجوها.

الأوّل: ما عن المحقق القمّي (ره) من انّه لو باع متاعه بثمن و اشترط في البيع دفع بدل معين عن ذلك الثمن، كما إذا باع متاعه بأربعة توأمين على ان يدفع المشتري عن تلك التوأمين بثمانية دنانير، ثم ظهر انّ المتاع يسوى خمسة توأمين، و انّ أربعة

توأمين يساوي ثمانية دنانير الّا خمس دينار؛ ففي الفرض يكون البائع مغبونا لبيعه ماله بأقلّ من قيمته السوقية و المشتري مغبون في اشتراط دفع ثمانية دنانير بدل أربعة توأمين فيكون لكل منهما خيار الغبن.

و ناقش المصنف (ره) في الجواب بأنّ الغبن يحسب في المعاملة بملاحظة الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

المأخوذ فيها مثلا إذا باع ما يسوى بخمسة دنانير بدينارين مع اشتراط خياطة المشتري ثوبا تكون أجرتها ثلاثة دنانير لا يتحقق الغبن؛ و على ذلك ففي الفرض المزبور يكون المغبون هو البائع فقط لانّه قد دفع متاعه و وصل إليه بإزائه ما ينقص عن قيمته السّوقية بخمس دينار و مع الغمض و حساب الشرط معاملة أخرى لا يكون في البين معاملة واحدة، بل معاملتان يكون المغبون في إحداهما هو البائع، و في الأخرى هو المشتري.

الثاني: ما ذكره بعض من بيع متاعين بصفقة واحدة بثمنين، كما إذا قال بعت هذا المتاع و ذلك المتاع الأوّل بخمسة، و الثاني بأربعة، و قال المشتري اشتريتهما، و ظهر انّا لمتاع الأول يسوى بأربعة، و الثاني بخمسة فيكون كل من البائع و المشتري مغبونا؛ بالإضافة الى أحد المتاعين، و هذا الجواب قريب إلى الأول في الضعف، لأنّ المعاملة المزبورة ان كانت واحدة فلا غبن فيها لأحدهما أصلا، و ان كانت معاملتين بحيث يكون للمغبون في كل منهما خيار تخرج عن فرض وحدة المعاملة.

الثالث: ان يكون المراد بالغبن معناه الأعم، بحيث يشمل ظهور المبيع على خلاف الرؤية السابقة، كما إذا اشترى الفرس الذي رآه سابقا سمينا بخمسة دنانير ثم ظهر هزاله، و ان قيمته عند البيع مع هزاله ستّة، فيكون لكل من البائع و المشتري خيار

الفسخ. امّا المشتري لتخلف شرط الرّؤية السابقة. و امّا البائع لكونه مغبونا فذكر المصنف (ره) انّ هذا الوجه حسن، و لكن لا يساعده ظاهر كلام الروضة، لأنّ ظاهره فرض الغبن المفروض في خيار الغبن.

الرابع: ما ذكره بعض من فرض اختلاف قيمة المبيع بحسب مكان البائع، و مكان المشتري، كما إذا حاصر العسكر بلدة، و كانت قيمة الطعام خارج البلدة ضعف قيمته داخل البلدة و اشترى أحد من داخل سور البلد الطعام من خارج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 184

[مسألة ظهور الغبن شرط شرعي]

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي (1).

______________________________

السور بقيمة متوسطة بين القيمتين فيكون البائع مغبونا، لكون قيمة المبيع عنده أزيد من الثمن المسمّى و المشتري مغبونا لكون قيمة المبيع عنده ناقصة عن الثمن المسمّى، و فيه ان الملاك في الغبن القيمة السوقية للمبيع في مكانه، و إذا نقصت قيمته بانتقاله الى مكان المشتري فلا يكون ذلك غبنا للمشتري، فإن نقله إليه إتلاف لبعض ماليّته.

الخامس: ما ذكره في مفتاح الكرامة من دعوى كل من البائع و المشتري الغبن في معاملة واحدة و لم يمكن استعلام الحال و مع تحالفهما يثبت خيار الغبن لكل منهما و أورد المصنف (ره) على ذلك بأنّ لازم التحالف لزوم المعاملة عن كلا الطرفين مع انّ الكلام في ثبوت الغبن واقعا لكل منهما.

أقول: يمكن أن يكون تحالفهما بردّ كل منهما اليمين الى صاحبه فيثبت الخيار لكل منهما. نعم كون الكلام في الغبن الواقعي صحيح.

و قد يقال بفرض الغبن بمعنى الضرر لكل من البائع و المشتري في بيع واحد كما إذا كانت قيمة الحيوان مع ولده عشرة في بيعهما معا أربعة للأمّ و ستة للولد، و باع المالك الامّ باعتقاد انّ الولد

يعيش بدونه بستة، ثم ظهر انّ الولد لا يعيش بدونه و انه لا يصلح الّا للذبح و قيمته بدون الامّ دينار فيكون مشتري الأم مغبونا لشرائه الامّ منفردا بستة و البائع متضررا لانّ البيع المزبور قد أتلف عليه ثلاثة دنانير، و لكن لا يخفى انّ هذا ايضا لا يكون من الغبن المراد في المقام.

(1) يقع الكلام في ثبوت الخيار للمغبون بظهور الغبن أو بتمام العقد فانّ كلمات الأصحاب يختلف و يظهر من بعضهم الأول كالشيخ (قده) في مبسوطه، و ابن زهرة في الغنية، و المحقق في الشرائع، بل ظاهر الغنية التسالم على اشتراط الخيار بظهور الغبن و يظهر من بعض آخر الثاني؛ بل ظاهر التذكرة الاتفاق عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 185

..........

______________________________

و تصريح بعضهم بعدم سقوط هذا الخيار بالتصرف المراد به التصرف قبل العلم بالغبن ظاهر في ثبوته قبل ظهور الغبن حيث انّ عدم سقوط الخيار به فرع ثبوته.

و لكن يظهر الوجه الأول من كلامهم حيث ذكروا في المقام صحّة تصرفات الغابن فيما انتقل اليه قبل علم المغبون بالحال و نفوذها غاية الأمر انّ المغبون بعد علمه بالحال و فسخه البيع يرجع ببدل ذلك المال مع اختلافهم في صحّة تصرفات مع عليه الخيار فيما انتقل اليه زمان خيار صاحبه.

و يؤيد الأول أيضا الاستدلال في التذكرة على هذا الخيار بقوله صلى اللّٰه عليه و آله في حديث تلقي الركبان انهم بالخيار إذا دخلوا السوق فانّ ظاهره حدوث الخيار بظهور الغبن الحاصل بدخول السوق.

و يمكن إرجاع كلماتهم الى أحد الوجهين المزبورين بحيث يرتفع الاختلاف بان يقال خيار الغبن يطلق تارة على السلطنة الفعلية الثابتة للمغبون بحيث يجوز له فعلا فسخ البيع، و

هذه السلطنة لا تحصل الّا بظهور الغبن و يطلق أخرى على الحق الواقعي بحيث لو حصل العلم به كان صاحبه متمكّنا على استعمال ذلك الحق، فيكون الجاهل بموضوع خيار الغبن كالجاهل بحكم خيار الغبن أو بحكم خياري المجلس و الحيوان و غيرهما.

ثمّ انّ الآثار المترتبة على الخيار تختلف فانّ منها ما يترتّب على السلطنة الفعلية كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون الّا بعد فعليّة السلطنة ليكون التصرف دالا على رضا ذي الخيار ببقاء العقد و الإغماض عن خياره، و كالتلف فانّ تلف المنتقل الى المغبون من مال المغبون قبل ظهور الغبن. و انّما يكون من الغابن بناء على عموم القاعدة لخيار الغبن ايضا بعد ظهور الغبن للمغبون، و من الآثار ما يترتب على ثبوت الحق واقعا كإسقاطه بعد العقد فإن إسقاطه يصحّ و لو كان قبل ظهور الغبن، و من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

الآثار ما يحتمل فيه الأمران بأن يكون أثرا للحق الواقعي، و ان يكون أثرا للحق الفعلي كالتصرفات الناقلة من الغابن فيما انتقل إليه فإنّ تعليل عدم جوازها بكونها مفوّتة لحق المغبون مقتضاه ترتّبه على الحق الواقعي، و لكن يظهر من بعض من ذكر عدم جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه ان عدم الجواز مترتب على الحق الفعلي حيث ذكر هذا البعض انّ تصرفات الغابن فيما انتقل اليه قبل ظهور الغبن للمغبون لا بأس بها، و كيف كان فاللازم في تمييز الآثار ملاحظة الدليل الدال عليها و تظهر الثمرة بين الوجهين من كون ظهور الغبن شرطا شرعيّا أو كاشفا في نفوذ فسخ المغبون فيما إذا فسخ المغبون البيع قبل ظهور غبنه اقتراحا أي من غير ملاحظة

أمر أو بملاحظة سبب خيار غير موجود بان يعتقد بقاء خيار المجلس أو غيره.

أقول: الأظهر في المقام الالتزام بثبوت الخيار للمغبون من حين العقد فانّ المدرك له امّا قاعدة نفي الضرر أو الشرط الارتكازي الثابت في المعاملات المبنيّة على المداقّة و مقتضى نفي الحكم الضرر على الأول، و تخلّف الشرط على الثاني نفي اللزوم و ثبوت الخيار من الأوّل، و ليس الخيار إلّا السلطنة الفعلية الّتي يكون فسخ العقد بها نافذا سواء كانت السلطنة محرزة أم لا فإنّه إذا صادف الفسخ تلك السلطنة ينفذ و الّا لم يكن في البين خيار، و على ذلك فالأحكام المترتبة على الخيار كضمان تلف المال على من لا خيار له بناء على جريانه في المقام يثبت من حين تمام العقد و دعوى الإجماع على عدم ضمان الغابن التلف قبل ظهور الغبن؛ امّا تخصيص في قاعدة الضّمان أو منع عن جريانها في خيار الغبن أصلا، هذا إذا أمكن دعوى الإجماع التعبّدي في أمثال المقام.

و امّا تصرّف الغابن فيما انتقل اليه فهو أمر جائز سواء كان ذلك قبل ظهور الغبن أم بعده، فانّ الخيار ليس الّا حق يتعلّق بفسخ العقد لا بما انتقل من ذي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 187

ثم ان ما ذكرنا في الغبن من الوجهين (1).

______________________________

الخيار الى صاحبه غاية الأمر انّ من له الخيار لو وجد بعد الفسخ ما صار ملكا له بالفسخ أخذه و الّا يأخذ بدله.

و امّا تصرّف المغبون فيما انتقل إليه، فإن كان قبل ظهور الغبن فهو كتصرف الغابن بخلاف ما إذا كان بعد ظهور الغبن فانّ التصرف في ما انتقل اليه بعد ظهور غبنه يكون مسقطا لخياره باعتبار دلالة ذلك

التصرف على التزامه بالعقد على قرار ما استفيد ممّا ورد في سقوط خيار الحيوان بتصرّف المشتري فيه و لا يختصّ ذلك بالتصرف الناقل بل كلّما يكون ظاهرا في التزامه ببقاء العقد و الإغماض عن خياره، بل لو كان في البين ظهور للتصرّف حتّى قبل علمه بغبنه يكون الإسقاط الفعلي كالإسقاط القولي في نفوذه بعد العقد أو حين العقد كما ذكرنا سابقا في شرط سقوط الخيار في العقد.

(1) الكلام في كون خيار العيب مشروطا بظهور العيب أو انّ ظهوره كاشف عن ثبوت الخيار من حين العقد كما تقدّم في خيار الغبن، و ربّما يستظهر من كلام العلامة في القواعد حدوثه بظهور العيب كحدوثه بظهور الغبن حيث قال في القواعد انه لو حدث في الأمة المدلّسة عيب قبل ظهور التدليس فلا ردّ، بمعنى ان مشتريها يأخذ أرش ذلك التدليس، و ذكر في جامع المقاصد انّ هذا الكلام من العلامة مبنيّ على ضمان من لا خيار له تلف العين أو الوصف حتى في خيار العيب؛ و لذا يجوز الردّ بالعيب الحادث بعد ظهور التدليس، و لا يجوز قبل العلم به بالعيب الحادث، و لكن الظاهر عدم جواز الردّ بالعيب الحادث سواء كان حدوثه قبل ظهور التدليس أم بعده، لأنّ قاعدة الضمان في زمان الخيار ممن لا خيار له لا تجري في خيار العيب بل ضمانه على المشتري على كل تقدير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 188

[سقوط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد العقد]

أحدها إسقاطه بعد العقد (1).

______________________________

(1) لإسقاط خيار الغبن صور: الأولى: إسقاطه بعد ظهور الغبن بلا عوض.

الثانية: إسقاطه بظهور الغبن بالعوض. الثالثة: إسقاطه قبل العلم بالغبن بلا عوض أو بالعوض.

امّا الأولى: فلا إشكال في صحة الإسقاط و نفوذه فيما إذا

علم مرتبة الغبن و أسقط خياره أو جهل مرتبته و أسقط خياره من أي مرتبة من الغبن لأنّ مقتضى كون الخيار حقّا للمغبون جواز إسقاطه، و لكن هذا فيما كان المدرك لخيار الغبن الشرط الارتكازي أو ثبوت الخيار في المعاملة الغبنيّة بسيرة العقلاء؛ و امّا بناء على ان المدرك له قاعدة نفي الضرر فإثبات كون جواز البيع مع الغبن حقيّا لا حكميا مشكل جدا.

لا يقال بأن المنفي في مثل البيع اللزوم الحقي لا الحكمي حيث انّ اللزوم الحكمي غير ثابت في البيع، كما هو مقتضى ما دلّ على مشروعية الإقالة فيه فإنه يقال: نعم الحكم المنفي كما ذكر، و لكن الجواز الثابت مع عدم اللزوم الحقّي حقيّا أيضا أو انّه حكمي، فلا يثبت بنفي الضرر الّا ان يتمسك بذيل الإجماع، فإنّ احتمال ثبوت الجواز الحكمي غير موجود في كلام أحد من الأصحاب فضلا عن الفتوى به، و لكن يبقى كون هذا الإجماع تعبّديّا، كما لا يخفى.

و كيف ما كان فإذا اعتقد مرتبة من الغبن و أسقط خياره أو اعتقد انّ الغبن لا يزيد عن كذا، ثم ظهر كون غبنه أكثر من ذلك ففي سقوط الخيار اشكال و وجهه عدم طيب نفسه بسقوط خياره في الفرض لانّ الرّضا كان بغبن كان المتحقق غير ذلك الغبن فيكون نظير ما أعتقد انّ حقّ عرضه شتم فأسقطه، ثم ظهر انّه قذف، فإنّه لا يسقط بذلك حق القذف؛ و انّ خيار الغبن الموجود أمر واحد من غير فرق بين حصوله بأيّ مرتبة من الغبن. و إذا أسقط ذلك الأمر الواحد و لو باعتقاد حصوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 189

..........

______________________________

بمرتبة تكون في الواقع غيرها فلا خيار

بعده؛ و لا يقاس بالشتم و القذف فان حق الشتم غير حق القذف؛ و إذا أسقط الأوّل باعتقاد انّه الموجود و بان الثاني لا يسقط الثاني لعدم إسقاطه، و كذلك ليس من قبيل الدين الدائر أمره بين الأقل و الأكثر فإنّه إذا أسقط دينه على الغير باعتقاد انّه لا يزيد على الألف، ثم بأنّ الدين ألفان يسقط الألف و يبقى الألف الآخر.

و ذكر السيد اليزدي (قده) انّه لا فرق بين المقام مما يكون الموجود على كل تقدير فردا من نوع و بين حقي الشتم و القذف، أو الدين و العمدة ملاحظة أنّ الاعتقاد المزبور من قبيل الداعي إلى إسقاط الحق، فيسقط حتى في مسألة اعتقاد حق العرض شتما، ثمّ بان أنّه قذف، أو ان الاعتقاد المزبور يوجب تقييد الحق الذي يسقطه، و هذه مسألة في جميع موارد الاعتقاد بالخلاف.

و أورد على ذلك النّائيني (قده) بأنّ الموجود من الخيار في الفرض أمر واحد خارجي بسيط و لا يختلف ذلك الأمر الواحد البسيط باختلاف مراتب الغبن، و هذا الأمر الواحد لا يقبل التقييد حيث انّ القابل له هو الطبيعي لا الشخص؛ و مسألة دوران الأمر بين كونه داعيا أو تقييدا تجري في مثل العبادات مما تكون الفاعل فيها بصدد إيجاد الطبيعي كالقضاء و الأداء بان يصلّي باعتقاد انه في الوقت فبان انّه خارجه، أو توضأ قبل الوقت باعتقاد دخوله و وجوب الوضوء، ثم بان الوقت لم يدخل. و امّا في موارد كون الموجود شخصا واحدا بسيطا، كما في المقام فالإسقاط إسقاط لذلك الأمر الواحد، و لا يعقل فيه التقييد، و إذا فرض عدم التّعليق في الإسقاط فلا محالة يسقط ذلك الخيار، و الّا بطل الإسقاط لأنّه من

الإيقاع و التعليق فيه موجب لبطلانه.

و بتعبير آخر: لو قال إن كان غبني في المعاملة كذا مقدارا أو لا يزيد على كذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 190

..........

______________________________

فأسقطت خياري بطل الإسقاط للتعليق في الإيقاع، و إذا كان الإسقاط منجزا سقط خيار الغبن لانّ خيار الغبن لا يقبل التخصّص بمراتب الغبن نظير التخصص بالمجلس و الحيوان.

أقول: امّا قضيّة عدم طيب النفس بسقوط الخيار على تقدير كون الغبن أكثر مما اعتقده المغبون، فقد تقدّم انّ المعتبر في المعاملات التّراضي المعاملي و عدم حصول العقد أو الإيقاع بالإكراه؛ و امّا طيب النفس بمعنى ابتهاجها بالمعاملة و نحوها، فلا يعتبر.

و امّا حديث انّ الخيار أمر واحد بسيط لا يقبل التقييد؛ و انّما يقبل إسقاطه التعليق، و مع عدم التعليق في إسقاطه، كما هو الفرض يسقط ذلك الأمر الواحد.

و اعتقاد انّ الغبن في المعاملة بالمرتبة الفلانيّة مع انّه كان في الواقع غيرها يكون من قبيل التخلف في الداعي، كما أفاده النائيني (ره) ايضا لا يمكن المساعدة عليه فإنّه قد تقدم انّ المشتري إذا علم بالغبن، و لكن أعتقده انّه بالعشر و مع ذلك اشترى المال، ثم ظهر انّ الغبن أكثر يكون له خيار الغبن، و إذا فرض انّ مع العلم بالغبن لا يكون في البين اشتراط عدم الاختلاف الفاحش بين القيمتين، فكيف يثبت في الفرض للعالم بالغبن خيار، فانّ الشراء مع العلم إلغاء لذلك الشرط الارتكازي لا محالة.

و الجواب: فيه و في إسقاط الخيار بعد العقد باعتقاد انّ الغبن كذا مقدار واحد و هو انّ الموجب لخيار الغبن، و ان كان تحقق الاختلاف الفاحش بين القيمة السوقية و الثمن المسمّى، و هذا الاختلاف على تقدير حصوله

في ضمن أي مرتبة يوجب الخيار لا لخصوصية لحد تلك المرتبة، بل بما هي اختلاف فاحش، و على ذلك فأيّ مرتبة اعتقدها المشتري حين العقد، و مع ذلك أقدم معه بالشراء يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 191

..........

______________________________

ذلك بمنزلة إلغاء تلك المرتبة و ما دونها في الشرط الارتكازي، بمعنى انّه لو كان الغبن في ضمن تلك المرتبة و ما دونها فلا حقّ له في فسخ البيع. و امّا سائر المراتب فهي باقية على الشرط الارتكازي فتكون النتيجة ثبوت خيار الغبن في بعض فرض الغبن و عدم ثبوته في بعضها الآخر.

و الأمر في الإسقاط بعد العقد ايضا كذلك فانّ تعليق إسقاط الخيار على حصول الخيار واقعا لا بأس به، كما يأتي و كما انّ تعليق الإسقاط على تحقق الدين واقعا لا بأس به فان هذا التعليق حاصل سواء اتي به المسقط في إنشائه، أو لم يأت به فإنّه لا معنى لإسقاط دين معدوم أو خيار معدوم، و إذا أحرز الشخص حصول الخيار، و لكن لم يدر حصوله بتحقق الاختلاف الفاحش في ضمن أي مرتبة من الغبن فيمكن له أن يسقط خياره مطلقا، كما يمكن له إسقاطه في بعض محتملاته بأن يقول أسقطت خيار الغبن لو ثبت الخيار بالاختلاف بالعشر بين القيمتين و ما دون.

و الكلام في المقام في انّ اعتقاد مرتبة من الغبن و إسقاطه خيار الغبن بذلك الاعتقاد بمنزلة تقييد الخيار الذي يسقطه بحصوله بالتفاوت الفاحش في ضمن تلك المرتبة، أو ما دونها و لو كان ذلك التقييد بمعنى تعليق الخيار الذي يسقطه أو انّ الاعتقاد المزبور لا يوجب تقييد الخيار و لا تعليق حصوله، و هذا غير تعليق الاسقاط الموجب

لبطلانه، كما إذا قال لو جاء ولدي من سفره، فقد أسقطت مالي عليك من الدين فانّ البطلان فيما كان المسقط بالفتح على إطلاقه و التعليق في إسقاطه، كما في الفرض لا فيما كان التعليق في الإسقاط حاصلا بتقييد المسقط بالفتح أو تعليقه كما في المقام. و الظاهر انّ مجرّد الاعتقاد بوصف في المسقط بالفتح لا يوجب تقييدا فيه أو في إسقاطه، كما انّ مجرّد الاعتقاد بوصف في المبيع كالاعتقاد بكون الفرس من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 192

و امّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن (1).

______________________________

نسل كذا، لا يوجب التعليق في المبيع في مقام شرائه؛ بل التقييد و التعليق يحتاج إلى مؤنة زائدة في العقد و الإنشاء، فمع إسقاطه بدون تلك المؤنة يسقط مطلقا، و مع الصلح عليه بشي ء يسقط ذلك الخيار غاية الأمر يكون نفس الصلح في بعض الموارد غبنيّا، فيثبت له خيار الغبن، فيما إذا لم يكن الصلح المزبور مبنيّا على المحاباة، و لكن مع ذلك يظهر من صحيحة أبي ولّاد انّ الاعتقاد المزبور في موارد إسقاط الحق و المصالحة عليه يوجب التقييد و التعليق حيث سئل الإمام عليه السلام انّي كنت أعطيته دراهم و رضي. بها و حلّلني فقال إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع اليه فأخبره بما أفتيتك به فان جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك.

(1) لا يخفى انّه بناء على ثبوت الخيار بتمام العقد على تقدير الغبن لا إشكال في جواز إسقاطه بعد العقد و لو قبل ظهور الغبن فإنّه من إسقاط ما يجب، و قد تقدّم ان تعليق الخيار

على ثبوته واقعا في مقام إسقاطه و سراية ذلك الى تعليق السقوط لا بأس به لتعلّق السقوط عليه واقعا و ان أتى به منجزا فإنّه لا معنى لإسقاط الخيار على كل تقدير؛ و امّا بناء على تحقق الخيار بظهور الغبن ففي إسقاط الخيار بعد العقد و قبل ظهور الغبن إشكال فإنّه من إسقاط ما لم يجب أي إسقاط ما هو غير موجود بالفعل قطعا.

و أجاب المصنف (ره) انّه يكفي في جواز الإسقاط أي إسقاط المسبّب تحقق سببه، و ان كان تحقق المسبب موقوفا على حصول الشّرط مستقبلا، كما إذا أعار ثوبه من زيد و أسقط بعد العارية أو تعدّي المستعير ضمان ذلك المستعير، فان تعديه بالإضافة إلى ضمانه من قبيل السبب لانّ الضمان يحصل بتلف المال، و قد أسقط ذلك المسبب عند تحقق سببه، و كبرائه البائع من العيوب الموجودة في المبيع حال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 193

[الثاني من مسقطات خيار الغبن شرط سقوطه في متن العقد]

الثاني من مسقطات خيار الغبن شرط سقوطه في متن العقد (1).

______________________________

البيع فانّ البيع سبب للخيار و شرطه ظهور العيب، فالبراءة المزبورة إسقاط لما يتحقق سببه. و امّا شرطه فأمر استقبالي.

و الحاصل: كما انّ الاسقاط في نظير هذه الموارد ليس من إسقاط المعدوم، بل إسقاط للشي ء معلّقا على تحقق ذلك الشي ء مستقبلا، و كذلك إسقاط الخيار بعد العقد، و قبل ظهور الغبن.

أقول: لو كان ثبوت الخيار بظهور الغبن باعتبار الشرط الارتكازي الثابت في المعاملة، فلا ينبغي التأمّل في جواز إسقاطه بعد العقد، لانّ الشرط و هو عدم الاختلاف الفاحش بين القيمتين حق للمشروط، فله إلغاء ذلك الشرط، و لو قبل ظهور الغبن، و هذا من إسقاط الحق الموجود؛ و امّا إذا قيل بأنّ

خيار الغبن شرعي و موضوعه ظهور الغبن، و استفادة ذلك من قاعدة نفي الضرر، أو رواية تلقّي الركبان فإسقاطه بعد العقد، و قبل ظهور الغبن لا يخلو من صعوبة لأنّ تعليق الاسقاط باعتبار تعليق المسقط على تقدير حصوله زمان الاسقاط لا بأس به كما تقدم، و لكن الاسقاط فعلا مع كون المسقط على تقديره أمرا استقباليّا، و انّ كان ممكنا الّا انّ نفوذه يحتاج الى قيام الدّليل عليه؛ و لذا لا يصحّ الإسقاط بأن قال أسقطت مالي عليك لو اقترضت منّي مستقبلا، و مسألة إسقاط المعير ضمان المستعير قبل الإفراط و التفريط، أو بعده داخلة في الإذن في إتلاف المال مجانا، فيرتفع الضمان و برأيه البائع من العيوب أو الغبن أو نحو ذلك لكون الاسقاط المزبور إلغاء اشتراط السلامة أو الغبن، أو يكون الاسقاط المزبور نافذا لدخوله في عنوان الشرط، كما لا يخفى؛ و امّا المصالحة بالغبن المحتمل فلا اشكال فيه لأنه لأنّه لا يعتبر في المصالحة بشي ء كون الحقّ ثابتا؛ بل يكفي فيه الحقّ المحتمل و تفصيل ذلك موكول الى محله.

(1) يقع الكلام في المقام في غير الجهة التي تجري في شرط سقوط عامة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

الخيارات، و هي ان شرط سقوطها في متن العقد داخل في إسقاطها بنحو شرط النتيجة؛ و لا ينافي الكتاب الدال على لزوم الوفاء بالعقود حيث انّ لزوم البيع حقّي لا حكمي بقرينة مشروعيّة الإقالة؛ و في غير الجهة التي تقدم الكلام فيه في المسقط الأول و انّ اشتراط ثبوت الخيار بظهور الغبن لا ينافي إسقاطه بعد العقد أو حينه بالاشتراط لأنّه يكفي في الإسقاط ثبوت السبب للخيار.

و الجهة التي يقع الكلام

فيها في المقام ما يقال بعدم جواز شرط سقوط خيار الغبن و خيار الرؤية لأنّ اشتراط السقوط فيهما يوجب الغرر في البيع، كما ذكر ذلك الشهيد (قده) في الدروس، و ذكر انّ رفع الإشكال في شرط سقوط خيار الغبن أسهل من دفعه في شرط سقوط خيار الرّؤية؛ و عن الصيمري في غاية المرام الجزم ببطلان البيع و الشرط باشتراط سقوط خيار الغبن؛ و عن جامع المقاصد التردد في ذلك و ان ذكر انّ الظاهر جوازه و الوجه في دعوى الغرر هو انّ الغرر يحصل في البيع بالجهل بالمالية؛ و لذا لا يعتبر في البيع العلم بالصفات التي لا دخل لها في ماليّة المبيع؛ بل يعتبر العلم بالصفات التي يوجب اختلافها الاختلاف في المالية؛ و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بالمنع عن كون البيع بشرط سقوط الخيار غرريّا، لانّ المعتبر في البيع العلم بالمبيع من حيث النوع و الصنف و كمّه و التمكن على تسليمه؛ و كذا في الثمن و العلم بالقيمة السوقية، و عدم الاختلاف الفاحش بينها و بين الثمن المسمّى لا يعتبر في البيع و الّا لكان الجهل المزبور موجبا لبطلان البيع و لا ينفعه ثبوت الخيار الغبن، فان الخيار لا يصحح البيع مع كونه غرريا، لأنّه حكم شرعي يترتّب على البيع الصحيح؛ و لو كان الخيار موجبا لارتفاع الغرر لصحّ بيع كل مجهول من حيث الوجود أو من حيث التمكن على تسليمه بشرط الخيار.

هذا بالإضافة إلى شرط سقوط خيار الغبن. و امّا بالإضافة إلى شرط سقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

الرؤية فالأمر فيه ايضا كذلك؛ فانّ الخيار لا يرفع الغرر فيه، بل الموجب لارتفاع الغرر فيها اشتراط

الأوصاف و شرط سقوط الخيار لا ينافي اشتراطها حيث انّه لا منافاة بين اشتراطها و التزام المشتري بعدم فسخ البيع على تقدير تخلف تلك الأوصاف.

أقول: قد تقدم انّ اشتراط الأوصاف لا معنى لها الّا شرط ثبوت الخيار مع تخلّفها، و التزام المشتري بعدم فسخه إن كان بمعنى شرط الفعل فهو راجع الى الالتزام بترك الفسخ مع ثبوت الخيار له؛ و لذا لو فسخ نفذ الفسخ، و ان فعل حراما؛ و ان كان بمعنى عدم الخيار فهو مناف لاشتراط الأوصاف. نعم اخبار البائع بأوصاف المبيع موجب لارتفاع الغرر عن البيع. و اشتراط سقوط الخيار بتخلف بعض الأوصاف لا ينافي الأخبار المزبور.

و أمّا ما ذكر المصنف (ره) من انّ الخيار حكم شرعي يلحق بالبيع الصحيح، فهذا بالإضافة إلى مثل خيار المجلس و الحيوان من الخيارات الشرعية التأسيسية صحيح؛ و لكن لا يصحّ بالإضافة إلى الخيار المشترط، فانّ هذا الخيار ربّما يوجب خروج البيع عن كونه غرريّا، و بذلك يدخل في خطاب الإمضاء.

و ما ذكر (قده) من انّ شرط الخيار لو كان موجبا لارتفاع الغرر لصحّ بيع ما يتعذر تسليمه بشرط الخيار غير صحيح فانّ شرط الخيار، و ان يوجب في بعض الموارد خروج البيع عن الغرر لان الغرر الجهل الخاص، و هو الذي فيه خطر و لا خطر مع اشتراط الخيار الّا انّ الأخبار الواردة في اعتبار الضميمة في بيع العبد الآبق و نحوه دلّت على عدم الاعتبار بشرط الخيار في تصحيح بيع ما يتعذر تسليمه.

و الحاصل انّ شرط سقوط خيار الغبن لا بأس به و لا يوجب الغرر في العوضين و العلم بعدم الاختلاف بين القيمة السوقية و الثمن المسمّى غير معتبر في صحّة البيع و

الجهل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 196

[الثّالث: تصرّف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة]

الثّالث: تصرّف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة (1).

______________________________

بها حال البيع، كالجهل بها بعد البيع في عدم كونه قادحا في صحّة البيع و لزومه، و ان شرط سقوط خيار الرؤية مع إحراز الأوصاف، و لو بإخبار البائع لا يوجب ايضا الغرر في البيع و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) تصرف المغبون فيما انتقل اليه بعد علمه بغبنه مسقط لخياره، و يستفاد ذلك ممّا دلّ على سقوط خياري المجلس و الشرط بتصرّف ذي الخيار فيهما. و وجه الاستفادة ان النصّ الدال على سقوط الخيار بالتصرف وارد في خياري الحيوان و الشرط، و لكن وقع الإجماع على انّ تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجارة للبيع و تصرّفه فيما انتقل عنه فسخ.

و يظهر ايضا من التعليل الوارد في سقوط خيار الحيوان بالتصرف انّ رضى ذي الخيار ببقاء البيع مسقط لخياره، و على ذلك فيؤخذ في الحكم بسقوط خيار المغبون بتصرفه فيما انتقل اليه بعد العلم بالغبن بذيل الإجماع و عموم التعليل؛ و يضاف الى ذلك انّ المدرك لخيار الغبن؛ امّا قاعدة نفي الضرر أو الإجماع و القاعدة كما لا مجري لها في صورة الإقدام بالضرر كذلك لا تجري في موارد الرضا بالضّرر، و الإجماع ايضا على الخيار مع التصرف فيما انتقل اليه بعد العلم بغبنه مفقود.

و لكن هذا الوجه المضاف لا يثمر في المقام فإنّ غاية الأمر قاعدة نفي الضرر لا تثبت بقاء خيار الغبن مع التّصرف كما انّه ليس في البين إجماع على بقاء الخيار مع التصرف بعد العلم بالغبن و يتمسك في بقاء الخيار للاستصحاب فالعمدة التشبّث بذيل الإجماع على ان تصرف ذي الخيار مسقط

لخياره، و بالتعليل الوارد في خيار الحيوان من انّ تصرّف المشتري الحيوان فيه رضاء بالبيع.

و لكن هذا التشبث ايضا لا يخلو عن المناقشة لأنّهم ذكروا بعدم سقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

الغبن بتصرف المغبون، و يمكن ان يؤخذ بإطلاق عدم السقوط في كلامهم حيث يعمّ التصرّف بعد العلم بالغبن ايضا، و لكن لا يبعد اختصاصه بالتّصرّف قبل العلم بالغبن، كما صرّح بذلك الاختصاص الشهيد الثاني في المسالك و تبعه جماعة، و مع هذا الاختصاص يؤخذ بمقتضى التعليل الوارد في خيار الحيوان، و الحكم بسقوط خيار الغبن بالتصرف بعد العلم بالغبن؛ بل مقتضاه كون التصرف قبل العلم بالغبن ايضا كذلك فإنّه لا فرق بين خيار الغبن و خيار التدليس حيث ذكروا في خيار التدليس بسقوطه بتصرف ذي الخيار، و لو قبل علمه بالتدليس و كذا الأمر في خيار العيب.

و الاعتذار عن السقوط في خيار العيب و التدليس بالنص غير صحيح لانّ النص وارد في خيار العيب لا التدليس؛ فينبغي في خيار التدليس ملاحظة دليله.

و على كل تقدير فان كان تصرّف المغبون بعد العلم بغبنه دالا على رضاه ببقاء البيع و الإغماض عن خياره فهو و الّا فمقتضى استصحاب بقاء الخيار عدم سقوطه بسائر التصرف.

أقول: المراد بالتصرف الموجب لسقوط الخيار بعد العلم بالغبن يعمّ التصرف المتلف و الناقل و التّصرّف الانتفاعي، و كل هذه التصرفات فيما إذا كان بقصد إقرار البيع و الإغماض عن الخيار فلا إشكال في كونه مسقطا فإنّه لا يعتبر في الإسقاط ان يكون بالقول. و امّا إذا لم يكن بذلك بل كان لأجل كون المال ملكه فعلا فله ذلك التصرفي مع التردد في الفسخ أو مع الجزم

به، كما إذا علم المغبون غبنه و بني على فسخه، و مع ذلك باع العين لأنّه رأى انّ إبقائها للاسترداد الى بائعها يوجب فساده أو سقوطها عن الماليّة، و نحو ذلك؛ فلا يكون التصرّف النّاقل مسقطا فضلا عن غير الناقل، و ما تقدم في خيار الحيوان من كون التصرّف الانتفاعي من الحيوان مسقطا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 198

[الرابع تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن]

ثم ان مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف (1).

______________________________

كان من قبيل التعبد بصغرى الإسقاط في بعض الموارد، و لا يعمّ ذلك غير مورده فضلا عن سائر الخيارات.

كما انّ دعوى ان بقاء العين يعتبر في الخيار المشروط بالشرط الارتكازي يدفعها ملاحظة ما تقدم من المثال، و مما ذكرنا يظهر انّ التصرّف الناقل، و غير الناقل فيما إذا كان قبل العلم بالغبن بقصد إقرار البيع على تقدير الغبن واقعا ايضا مسقط و بغير ذلك الداعي لا يسقط الخيار بل المغبون بعد فسخه البيع يرجع بماله الى الغابن على تقدير عدم بقاء العين.

و دعوى تضرر الغابن بذلك يدفعها انّ العين لو كانت مثليّا فقد أخذ البائع بدل ماله، و ان كانت قيميّة كان بيعها اقداما على أخذ قيمتها مع ما تقدّم من انّ قاعدة نفي الضرر لا ينفي الحكم، أو الحق فيما إذا كان في كل من ثبوته و نفيه ضرر، كما لا يخفى. فقد تحصّل من جميع ما ذكر ضابط التصرّف المسقط و التصرّف غير المسقط بلا فرق بين كون المغبون هو البائع أو المشتري، حيث لا وجه للقول باختصاص ما ذكر بما إذا كان المغبون مشتريا فلا حظ و تدبّر.

(1) لو بني انّ تصرف المغبون مع جهله بالغبن فيما انتقل اليه

يوجب سقوط خياره، و المراد بالتصرّف ما كان من قبيل النقل اللازم أو فكّ الملك كالوقف و العتق أو من قبيل إيجاد المانع عن ردّ العين كالاستيلاد أو كان من تلف العين فلا يفرّق بين كون المغبون هو المشتري أو البائع. و عن جماعة اختصاص سقوط الخيار بالتصرف المزبور بما كان المغبون هو المشتري، و لم يعلم وجه لذلك الّا أن يقال سقوط خيار المغبون بالتصرّف حال جهله بغبنه مخالف لمقتضى الخيار الثابت بقاعدة نفي الضرر، فيقتصر في مخالفة دليل الخيار بمورد اليقين و هو المشتري. و امّا إذا كان المغبون هو البائع فيكون له الخيار بعد ظهور غبنه، و بعد فسخه البيع يردّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

الثّمن إلى المشتري و يأخذ منه بدل المبيع مثليّا كان أم قيميّا.

أقول: قد تقدّم انّه لا موجب لسقوط الخيار بتصرّف المغبون مع جهله بالغبن إلّا إذا كان ذلك التصرّف بقصد الإغماض عن الخيار على تقدير غبنه، و لا فرق في هذا الإسقاط الفعلي بين كون المغبون بايعا أم مشتريا، و يؤخذ في غير هذا الفرض بمقتضى الخيار، و هو تعلّق الحق بفسخ البيع و بعد فسخه يرجع الغابن الى بدل ماله.

لا يقال: لو فرض العين بتصرّف المغبون تالفا و يكون فسخ البيع موجبا لانحلاله من حين الفسخ لا من الأوّل فيرجع ما بيد الغابن الى ملك المغبون و التالف بيد المغبون لا يمكن رجوعه الى ملك الغابن لانّه من قبيل تملّك المعدوم، و كذا إذا انتقل المال بتصرّف المغبون الى الغير بالملك اللازم أو فكّ الملك فانّ لازم انحلال البيع بفسخ المغبون انحلال التصرّف المزبور ايضا، و كيف يرجع الغابن في جميع

ذلك الى بدل ماله.

فإنّه يقال للتالف في اعتبار العقلاء جهات خصوصيّة عينيّة و جهة نوعيّة و جهة مالية، و يكفي في فسخ المعاملة الجارية على الشخص إمكان ردّ ذلك الشخص و لو ببعض جهاته فيكون ردّه في جهتي نوعيته و ماليته فيما كان مثليّا و بجهة ماليته فيما إذا كان قيميّا كما أوضحنا ذلك في التكلّم في معنى حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدّي و تعلّق الخمس و الزكاة بالعين بنحو الإشاعة في المالية.

و كذا الحال فيما إذا كان تصرّف المغبون موجبا لعدم إمكان ردّ الخصوصية كالاستيلاد أو انتقال ذلك المال الى الآخر أو فكّ الملك.

و الحاصل كلّما كانت العين على ملك المغبون و لم يكن مانع عن ردّها الى الغابن فيستحقّ الغابن بالفسخ تلك العين و الّا يأخذ البدل و لا فرق في ذلك بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 200

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة (1).

______________________________

عدم خروجها عن ملك المغبون أصلا أو رجوعها اليه بعد خروجها، حيث انّ الرّدّ بالسبب السابق بعد الفسخ و المفروض كونه حلا للبيع من حينه لا من الأصل.

ثم بناء على كون تصرّف المغبون مع جهله بالحال مسقطا لخياره، فلا يسقط خياره بالتصرّف الذي يخرج به المال عن ملكه، و لكن لا بنحو اللزوم، لانّ الدليل على مسقطية التصرّف هو عدم إمكان ردّ العين، و يمكن للمغبون بعد علمه بغبنه ردّ العين و لو بفسخ ذلك الناقل، و بهذا يظهر الحال في التصرّف الذي لا يخرج به العين عن ملك المغبون فعلا، كما في تدبير العبد أو الوصيّة بما انتقل اليه حيث يكون فسخ البيع بعد ظهور الغبن إبطالا للتدبير و الوصيّة،

بل يمكن ان يقال بعدم سقوط خيار الغبن فيما إذا ارتفع المانع عن الرّدّ كموت ولد أمّ الولد أو حصول الفسخ في الناقل اللازم بعيب أو فسخ أو بالإقالة فإنّ مع ارتفاع المانع أو حصول الفسخ المزبور يمكن للمغبون مع ظهور غبنه ردّ ما انتقل اليه و استرداد ماله.

و ربّما يبنى بقاء خيار الغبن و سقوطه بحصول الفسخ في النقل على انّ الزّائل العائد أي ملك المغبون ما انتقل إليه الذي زال و عاد كالذي لم يعد.

و كذا الكلام فيما إذا رجع الملك الى المغبون بناقل جديد، و يمكن القول بسقوط خيار الغبن في الفرض لانّ هذا التملك بسبب جديد لا زوال للسبب الأول ليقال مقتضى زواله كأنّه لم يحصل.

و هل اجارة المغبون العين المشتراة كالنقل اللازم في كونها مسقطة لخياره، أو انّه له الخيار فيفسخ البيع بعد ظهور غبنه فيرجع الى ملك الغابن، كما يرجع الغابن الى عوض المنفعة الفائتة بالإجارة و لو ظهر الغبن بعد انقضاء مدة الإجارة فلا تكون الإجارة السابقة مسقطة لخيار الغبن لإمكان الردّ.

(1) و لو فرض امتزاج ما انتقل الى المغبون بغيره من ماله فان كان الامتزاج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

المزبور موجبا لاستهلاكه أو خروجه مع غيره إلى شي ء ثالث كما في إلقاء الملح في الطعام أو امتزاج الخلّ بالعسل، فهذا القسم من الامتزاج يوجب سقوط خياره، بل يسقط خياره بالامتزاج و لو كان بمثله لانّ حصول الشركة بالفسخ مانعة عن ردّ العين و جواز ردّها هو الثابت في مورد الغبن على ما تقدم.

أقول: هذا بناء على اعتبار الردّ المزبور في جواز فسخ المغبون، و أمّا بناء على ما ذكرنا من تعلّق الخيار

بالعقد و لا يعتبر فيه بقاء العوضين فانّ كان فسخ المغبون العقد بعد الامتزاج و ظهور الغبن فهل يرجع الغابن الى بدل ماله أو انّه يحصل الشركة بالفسخ المزبور، و لا يستحقّ الغابن إلّا مطالبة المغبون بالقسمة فقيل انّه يحسب الامتزاج تلفا سواء كان موجبا لاستهلاك المال أو خروجه الى ثالث، أو كان الامتزاج بمثله لانّ ما جرى العقد عليه لا يمكن ردّه فيرجع الى بدله.

أقول: الظاهر انّ الامتزاج الموجب للاستهلاك كذلك؛ و امّا في غيره فيحصل الشركة بحسب المالية، كما في خروجه بالامتزاج الى ثالث، أو مزجه بالأردء أو الأجود، و في الامتزاج بمثله يحصل الشركة بحسب الكمّيّة، و ذلك فانّ الامتزاج لو كان موجبا لتلف المال مطلقا لجاز للمغبون التصرف في المال الممزوج بعد الفسخ، و لو قبل أداء البدل، لانّ المال الموجود خارجا ليس ملكا للغابن و المغبون معا على الفرض، و ما ذكر في مورد تلف العين حقيقة من عدم جواز تصرّف الضامن في بقايا العين الخارجية قبل أداء البدل لا يجري في المقام فلا حظ. و ايضا يلزم أن يكون المال الممزوج بلا مالك فيما إذا حصل الامتزاج بفعل شخص ثالث فإنّه باعتبار كون المزج تلفا للمالين فيضمن المال لكل منهما و لا يحصل ملك الضامن الّا بدفع البدل كما لا يخفى.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 201

و أمّا إذا كان تصرّف المغبون موجبا لنقص ما انتقل اليه أو حصل هذا النقض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 202

و اما تصرف الغابن فالظاهر انه

لا وجه لسقوط خيار المغبون (1).

______________________________

بنفسه بكون حصوله موجبا لسقوط خيار المغبون عند المصنف و لا يكون عندنا موجبا للسقوط غاية الأمر على المغبون بعد فسخ البيع أرش النقص الحاصل في تلك العين. و من العجب ان ظاهر المصنف (ره) الجزم بسقوط خيار المغبون بالنقص هنا، و احتمل عدم سقوط خيار المغبون بإجارة العين مع انّ إجارتها نقص في منفعة العين كما لا يخفى.

و امّا إذا كان التغيّر في العين بالزيادة فمع كونها حكميّا فلا يسقط الخيار عند المصنف (ره) بخلاف ما إذا كانت عينيّة فقط أو مع الحكمية فإن مع حصول الشركة بالفسخ لا يمكن ردّ العين المعتبر في بقاء الخيار.

(1) إذا فسخ المغبون البيع بعد ظهور الغبن و وجد عين ماله انّه قد تصرّف فيه الغابن بتصرّف ناقل لازم أو فكّ ملك، فهل يستحقّ المغبون مطالبة الغابن بالبدل أو انّه يكون مسلطا على إبطال ذلك التصرّف من أصله، كما في تسلط المرتهن على إبطال بيع الراهن عين المرهونة، و تسلط الشفيع على إبطال بيع من عليه الشفعة الحصّة من آخر أو انّ المغبون يكون مسلطا على إبطال تصرّف الغابن من حين فسخه البيع فيصحّ ذلك التصرّف من الغابن الى زمان حصول فسخ البيع ذكر (ره) لكل من الاحتمالات الثلاثة وجها.

و قال في وجه تسلّط المغبون على إبطال ذلك التصرّف من أصله انّ العين بيد الغابن كان متعلّقا بحق المغبون فيكون تصرّف الغابن متزلزلا من الأول، كما في بيع الراهن العين المرهونة و لانّ المغبون بفسخه البيع الواقع بينه و بين الغابن يتلقّى العين من الغابن و لازم ذلك انحلال تصرّف الغابن من أصله و الّا يكون تلقّي المغبون العين ممن انتقل اليه عن

الغابن.

و في وجه تسلّط المغبون على إبطال التصرّف المزبور من حين فسخه البيع الأوّل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

انّ التصرّف المزبور قد وقع من الغابن في ملكه و حقّ المغبون بفسخ البيع يحصل حين ظهور الغبن فلا وجه لبطلان ذلك التصرّف الّا من حين حصول فسخ الأول.

و في وجه رجوع المغبون بالبدل من غير ان يكون فسخه موجبا لانفساخ تصرّف الغابن من أصله، أو من حين الفسخ باعتبار انّ الخيار باعتبار عدم تحقّقه الّا بعد ظهور الغبن لا يمنع عن نفوذ ذلك التصرّف. و لذا ذكر غير واحد من الأصحاب من المانعين عن تصرّف من عليه الخيار في المال الذي انتقل اليه بلا رضا ذي الخيار ان تصرّف الغابن قبل ظهور الغبن للمغبون و تصرّف من عليه الخيار قبل ظهور العيب للمشتري لازم باعتبار وقوع ذلك التصرّف في زمان لا يكون فيه للمغبون أو مشتري المعيوب خيار.

و اختار (ره) هذا الوجه و انّ لزوم تصرفات الغابن و رجوع المغبون الى بدل ماله بعد ظهور الغبن و فسخه هو المتعيّن. أقول: قد تقدّم عدم تعلّق الخيارات، و منها خيار الغبن الّا بالعقد لا بالعوضين؛ و عليه فلا بأس لمن عليه الخيار التصرّف فيما انتقل اليه بتصرّف ناقل أو غيره، و بفسخ من له الخيار يكون السبب السابق على البيع موجبا لرجوع ماليّة ذلك المال الى الفاسخ في ضمن القيمة أو المثل.

و بهذا يظهر الحال في استيلاد الغابن الأمة المشتراة من البائع المغبون فإنّ البائع بعد ظهور الغبن و فسخه البيع يرجع الى قيمتها كما هو مقتضى عدم جواز تملكها لغير مولاها، كما انّه لو وجد المغبون بعد فسخ البيع العين قد

انتقلت الى الآخر بنقل جائز لا يجوز له فسخ ذلك النقل لأنّه أجنبي بالإضافة الى ذلك النقل و انّما يكون جوازه بالإضافة إلى الغابن، و ايضا لا يجب على الغابن فسخ ذلك النقل و ان طالبه المغبون، لانّ العين لا تدخل بفسخ المغبون في ملكه. و انّما يكون له ماليتها على ما تقدّم. و انّما يكون العين للمغبون فيما إذا كانت حين الفسخ أو بعده في ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

الغابن بانحلال النقل الجائز، أو اللازم، لا ما إذا انتقلت الى الغابن بتملك جديد، فانّ مع المملك الجديد لا يكون السبب السابق على بيع المغبون موجبا لرجوع تلك العين الى ملك المغبون، بل يرجع اليه بماليتها، كما ذكرنا. و بتعبير آخر السبب السابق على بيع المغبون مع انحلال تصرّف الغابن في العين يوجب رجوع تلك العين الى ملك المغبون بفسخه، و إذا كان رجوع العين الى ملك الغابن بملك جديد لا بمقتضى البيع الغبني الذي فسخه المغبون فلا يكون السبب السابق على بيع المغبون مقتضيا لرجوعها الى ملك المغبون.

و دعوى انّ البدل الذي ملكه المغبون بالفسخ من قبيل بدل الحيلولة عن العين و مع تمكن الغابن على إرجاع تلك العين الى المغبون يتعين عليه ذلك لا يمكن المساعدة عليها أولا: لعدم الأساس لبدل الحيلولة. و ثانيا: انّ المقام ليس من ذلك البدل لانّ بدل الحيلولة ينحصر بما إذا كان المبدل باقيا على ملك المضمون له. و في المقام لا يمكن أن تكون العين باقية على ملك المغبون فإنّه قد تصرّف الغابن في تلك العين بتصرّف مخرج له عن ملكه مع عدم انحلال ذلك التصرف.

و ظاهر المصنف (ره) انّه لو

كان انحلال تصرّف الغابن و عود العين الى ملكه بعد فسخ المغبون فلا يستحقّ ايضا المغبون المطالبة بالعين لانّ المغبون بفسخه البيع قد تملّك البدل على الغابن. و فيه ما تقدّم من انّ الفسخ لا يوجب الّا انحلال الناقل، و السبب السابق على ذلك الناقل يقتضي عود المالين الى مالكهما الأصليين مع بقاء العينين و عدم وجود ناقل آخر غير منحلّ و لا منع ان يقتضي السبب السابق على بيع المغبون عود القيمة إلى ملك المغبون قبل انحلال تصرف الغابن.

و عود تلك العين بعد انحلاله فيما إذا لم يأخذ المغبون قيمة العين قبل ذلك. و امّا مع أخذه القيمة لا يقتضي السبب السابق شيئا لسقوط ما للمغبون بأخذه القيمة، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 205

فان كان بالنقيصة فاما أن يكون نقصا موجبا للأرش (1).

______________________________

لا يخفى.

(1) يحتمل أن يكون مراده (قده) عن النقص الموجب للأرش فقد وصف الصحّة أو وصف الكمال الأول كما في قطع الثوب؛ و الثّاني: كما في سقوط الحيوان عن السمن الذي كان عليه حال العقد فانّ المغبون بعد فسخه يرجع بالعين مع أرش التفاوت؛ و المراد بالنقص غير الموجب للأرش ما كان النقص خارجيا، و لكن لا يختلف القيمة بذلك النقص، كما إذا أخذ من بعض شعر الفرس المشترى و نحو ذلك، فانّ المغبون بعد فسخ البيع يرجع بالعين من غير أن يرد عليه شي ء لأنّ النقص المزبور لم يوجب اختلافا في القيمة و تعليل الأرش في النقص الموجب للاختلاف في القيمة بما ذكر من انّ مع الفسخ قد رجع تمام العوض الى الغابن فيرجع تمام المعوض الى المغبون فيكون تلف الوصف بيد الغابن كتلف الجزء بيده،

فيتدارك الجزء التالف أو الوصف التالف بالبدل لا يخلو عن المناقشة كما يأتي.

و لكن الظاهر انّ مراده بالنقص الموجب للأرش تلف وصف الصحة فإنّ هذا الوصف هو المعروف بموجب الأرش في البيع؛ و المراد من غير الموجب له تلف وصف الكمال و على ذلك فيرد عليه انّ ضمان وصف الصحة ليس باعتبار وقوع العوض بإزاء العين و وصف صحتها ليلزم من رجوع تمام العوض الى ملك الغابن رجوع تمام المعوّض الى ملك المغبون بل وصف الصحة كأوصاف الكمال لا يقابلها شي ء من العوض؛ و انّما تكون موجبة لزيادة العوض المبذول بإزاء نفس الموصوف.

و لذا لا يكون ظهور العيب في المبيع كاشفا عن بطلان البيع في بعض الثمن، و الّا لم يكن فرق بين وصف المبيع و جزئه.

و الحاصل: لا فرق بين وصف الصحة و وصف الكمال في انّ الموجب للضمان فيهما أمر واحد و هو جريان يد الغابن على المال بذلك الوصف حيث انّ الضمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 206

..........

______________________________

ما دام البيع معاوضي و لا يدخل فيه الوصف، و بعد انحلال البيع الضمان لليد و هو يعمّ وصف الصحّة و وصف الكمال معا.

لا يقال: إذا كان حصول النقص في العين بعد فسخ المغبون فلا ينبغي الريب في ضمان الغابن ذلك الوصف باعتبار كون المال بيده ملك للغير، فيضمن تلف وصفه سواء كان بفعله أو فعل الغير أو بحصوله بأمر سماوي؛ و امّا إذا كان حصوله قبل فسخ المغبون فلا موجب لضمان الغابن لانّ انحلال البيع يكون من حين الفسخ و لا وصف للعين في ذلك الحين ليجزي عليه يد الغابن فإنّه يقال قد تقدم انّ البيع الواقع على شي ء مع

الوصف له بقاء يتعلّق الفسخ بذلك البيع فيرجع المبيع في ذلك الوقت الى ملك الفاسخ بالسبب السابق على البيع. و ان كان مبدء الرجوع حين الانحلال فيرجع الباقي بعينه و التالف ببدله و ماليته، كما ذكرنا سابقا، و لو كان انحلال البيع من حين الفسخ موجبا لعدم ضمان الوصف الفائت قبل ذلك لزم عدم المعنى للفسخ فيما إذا تلف العين بيد الغابن قبل فسخ المغبون.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما وجد المغبون العين بعد فسخه مستأجرة فان المصنف (ره) و ان ذكر رجوع المغبون بتلك العين مع بقاء الإجارة بحالها، و لا يستحق على الغابن أو المستأجر شيئا لأنّ المنفعة الّتي ملكها الغابن للمستأجر كانت من الزوائد المنفصلة التي استوفاها الغابن، و يأتي كون تلك الزوائد للغابن من غير ان يوجب عليه ضمانا، و احتمال بطلان الإجارة بالإضافة إلى المدة الباقية، كما يظهر من المحقق القمي (قده) بدعوى انّ ملكية المنفعة للغابن كانت متزلزلة غير صحيح، لأنّه يكفي في صحة الإجارة كون الموجر مالكا في زمان الإجارة المنفعة التي يملّكها للمستأجر، و هو حاصل في المقام الّا انّ الإجارة المزبورة يوجب النقص في العين بحيث تختلف قيمة العين مع ملاحظة الإجارة المزبورة مع قيمتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 207

و ان كان التغيير بالزيادة فإن كانت حكمية محضة (1).

______________________________

بدونها؛ و لذا يكون على الغابن الأرش دون اجرة المثل للمدة الباقية و المنافع التي لا يوجب الأرش على الغابن هي التي حدثت في ملكه. و امّا إذا كانت حال البيع و أوجب استيفائها نقصا في قيمة العين فهي داخلة في الضمان، و يجب على الغابن أرش نقص القيمة.

و ما ذكر العلّامة (ره)

في مسألة التفاسخ للاختلاف من انّه يكون على المشتري المؤجر أجرة المثل للمدة الباقية غير صحيح فان المغبون مع الفسخ أو التفاسخ يرجع الى صاحبه بالأرش لا بأجرة المثل و تفرقة المصنف (ره) بين فسخ المغبون و التفاسخ لا يرجع الى محصل فتدبّر جيدا.

(1) ان كانت الزيادة حكمية محضة و المراد بها عدم تحقق شي ء يكون بإزاء الزيادة في مقابل ما يكون بإزائها في الخارج عين كغرس الشجر في أرض اشتراها من بايع مغبون فانّ كانت تلك الزيادة الحكمية موجبة لزيادة قيمة العين يكون فسخ المغبون موجبا لاشتراك الغابن مع المغبون بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين مع تلك الزيادة و تقوم بدونها فيحصل الاشتراك بتلك النسبة، كما إذا قيل انّ العين معها يساوي مأة درهم، و بدونها ثمانين فيشترك الغابن مع المغبون بالخمس.

و امّا إذا لم يوجب تلك الزيادة تفاوتا في القيمة فترجع العين الى ملك المغبون بالفسخ، و لا يكون عليه ضمان عمل الغابن فانّ عمله حصل في العين حال كونها ملكا، و عمل الشخص في ماله غير مضمون على أحد.

و عن النائيني (قده) انّ الاشتراك فيما إذا كانت الزيادة بفعل الغابن بأن يكون عمله علة تامة لتلك الزيادة. و امّا إذا كانت بفعل اللّٰه و لو كان بعض معداته من الغابن كتعليف الدابة و اشرابها بالإضافة إلى حصول سمنها أو لم يكن بفعل أحد كاشتداد حموضة الخل بيد الغابن فلا وجه لحصول الشركة، فإنّ الحاصل خارجا أمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 208

..........

______________________________

يتبع العين في الملك خروجا و دخولا، فان من ملك العين ملك سمنها بخلاف ما إذا كانت حاصلة بفعل الغابن كصبغ الثوب، فان الصبغ من حيث

كونه من فعل الغابن ملك له.

أقول: الظاهر عدم الفرق في جميع فروض الزيادة الحكمية في انّ العين بعد فسخ المغبون تكون ملكا له من غير اشتراك في العين أو القيمة حيث انّه لا يمكن التفكيك بين العين و وصفه في الملك بان يكون العين ملكا لأحد و وصفها ملكا لآخر، و لو لم يكن فعل الغابن الّا موجبا لحصول الوصف في العين فالوصف يتبع العين في الملك دخولا و خروجا. و امّا نفس العمل فالمفروض حصوله في العين حال كونها ملكا للغابن و الشخص عمله في ماله غير مضمون على الآخر، كما تقدم، و انّما يضمن فيما إذا وقع بمال الغير مع الأمر به أو المعاملة عليه كما لا يخفى.

ثمّ انّ ظاهر المصنف (ره) كون الشركة مع الزيادة الحكمية و شبهها شركة عينيّة، و لكن هذه الشركة باطلة جزما فانّ لازمها أن يكون الغابن مشتركا مع المغبون في العين حتّى بعد فرض زوال تلك الزيادة، كما إذا زال سمن الدابة أو زال لون المبيع؛ و لذا وجّه السيد اليزدي (ره) الشركة في المالية بأن يكون الغابن مشتركا مع المغبون في القيمة ما دامت تلك الزيادة باقية، فتزول الشركة بعد زوال ذلك الوصف.

أقول: لازم ذلك الالتزام بالشركة في المالية فيما إذا زادت القيمة السوقية للمبيع بيد الغابن، كما إذا كان قيمته السوقية وقت البيع مأتين و صارت في ملك الغابن قبل فسخ المغبون ثلاثمائة، فيلزم ان يشترك الغابن مع المغبون في المالية بالثلث ما دامت القيمة السوقية كذلك، و كما انّ القول بهذه الشركة غير صحيح لأنّ القيمة تابعة لملك العين كذلك في الزيادة الحكمية على ما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 209

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس (1).

______________________________

و بالجملة لا يمكن بحسب اعتبار العقلاء التفكيك بين الموصوف و وصفه في الملكية بأن يكون الموصوف ملكا لشخص و وصفه ملكا لآخر. و انّما يمكن التفكيك فيما إذا كانت للزيادة عينية يمكن فصلها على العين كاللبن المكوّن في ضرع الحيوان بين العقد و فسخه، و على ذلك فلو سمن الحيوان بيد المشتري الغابن و لو بتعليفه يكون فسخ البيع موجبا لرجوعه الى ملك المغبون من غير موجب لشركة الغابن فيه.

و مما ذكرنا يظهر انّه لو كان لفعل الغابن أثر توجب زيادة قيمة العين فلا يوجب ذلك الأثر حصول الشركة بالفسخ، و لو كان فعل الغابن علة تامة بالإضافة الى ذلك الأثر كما تقدم.

(1) إذا كانت الزيادة عينية محضة يمكن فصلها عن المبيع كالغرس و الزرع فيقع الكلام في انّه هل يجوز للمغبون قلع الغرس بلا أرش للغابن كما ذكره العلامة في المختلف في الشفعة فيما إذا وجد الشفيع الصفقة مغروسة بيد المشتري أو انّه لا يجوز له القلع أصلا بل عليه الصبر الى فناء الغرس فيكون له مطالبة الأجرة على بقاء الغرس في أرضه، كما ذكروا ذلك فيما إذا أفلس مشتري الأرض بعد غرسها فانّ لبائعها الرجوع الى الأرض و لا يجوز له قلع الغرس بل يضرب اجرة بقائه مع سائر الغرماء، أو انّه يجوز له القلع مع أرش الغرس كما عن المسالك في المقام، و في غرس المستعير الأرض المستعارة فيكون الاحتمالات في المسألة ثلاثة.

و ذكر في وجه الأول انه بفسخ المغبون ترجع الأرض إلى ملكه فيكون الغرس المملوك للغابن نظير مال الغير في المكان المملوك للغير في انّ لمالك المكان مطالبة مالك المال بإفراغه حتى

فيما كان الإفراغ موجبا لتنزل قيمة ذلك المال.

و في وجه الثاني: انّه لا يقاس غرس الأرض المرجوعة الى ملك المغبون بالمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

الموجود في مكان مملوك للغير و ذلك فانّ المال المزبور بعد نقله الى مكان آخر هو ذلك المال و لو مع تنزل قيمته السوقية بالنقل بخلاف الغرس فانّ المغروس بما هو شجر ملك للغابن و وصف كونه منصوبا مقوم له، و بعد قلعه لا يكون شجرا، و إذا كان الغرس بما هو منصوب و شجر ملكا للغابن يكون قلعه إتلافا لذلك المال، فلا يجوز كما يقتضيه مفهوم قوله (ص) ليس لعرق الظالم حق حيث انّ المفهوم لعرق غير الظالم حق فيكون لمالك الغرس حق البقاء، و لو مع الأجرة لمالك الأرض.

و في وجه الثالث ان كون الشجر ملكا للغابن لا يوجب استحقاقه إبقاء الغرس على أرض الغير و لا يوجب ايضا قياس الغرس ببقاء اجارة الغابن الأرض التي اشتراها حيث تقدّم انّ مع رجوع الأرض إلى ملك المغبون تبقى إجارتها بحالها؛ و الوجه في عدم القياس انّ منفعة الأرض بعد كونها ملكا لموجرها تدخل بالإجارة في ملك مستأجر الأرض بخلاف استحقاق الغرس في زمان فإنّه لا يوجب استحقاق بقاءه.

و اختار المصنف (ره) الوجه الأخير. و أضاف انّه كما لا يكون لصاحب الغرس حق في الأرض كذلك لا يكون لمالك الأرض حق في الغرس فلكل منهما ماله؛ غاية الأمر، إذا أراد صاحب الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أي تفاوت قيمة الشجر منصوبا على الأرض و بين قيمته مقلوعا كما انّه إذا أراد صاحب الغرس القلع و أوجب ذلك الحفر في الأرض فعليه طمّ الحفر.

لا يقال قيمة

الغرس بما هو شجر و منصوب مملوك للغابن مقتضاه استحقاقه بقاء الغرس على الأرض فإنّه يقال قيمة الغرس شجرا، و قيمته مقلوعا تختلفان فإنّه بالقلع قد يلحق بالحشيش أو الحطب، بخلاف كونه منصوبا، و بما هو شجر فانّ له قيمة، و ان لم يكن مالكه مستحقا لإبقائه في تلك الأرض، و لذا ربّما تقدم مالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

الأرض لاشترائه، و لا يباع منه بقيمة الحشيش أو الحطب. و حاصل ما ذكر تفاوت قيمة الغرس منصوبا مع استحقاق القلع لمالك الأرض و قيمته مقلوعا هو الأرش لا ما يظهر من المصنف (قده) من تقويم الغرس مع ملاحظة نصبه دائما مع قيمته مقلوعا، فان لحاظ كونه منصوبا دائما هو عبارة أخرى عن فرض استحقاق مالك الغرس إبقائه و لو مع الأجرة لمالك الأرض.

أقول غرس الأرض المشتراة لا تكون كاجارتها إلى مدة حيث تقدم انّ مع فسخ البائع المغبون لا تبطل الإجارة المزبورة و ان الإجارة استيفاء لمنفعة الأرض الموجودة حال البيع بعد دخول تلك المنفعة في ملك المشتري تبعا لملك العين غاية الأمر يكون للبائع بعد فسخ البيع المطالبة بأرش النقص الحاصل في المبيع في يد المشتري بخلاف غرس المشتري الأرض بعد اشترائها، لانّ الغرس استعمال الأرض بغرسها ما دام الغرس لا ما دام يصلح المغروس للعمر بحسب نوعه أو صنفه و جواز استعمال الأرض بالغرس أو نحوه من أثر ملك الأرض و بعد رجوعها الى ملك بائعها بالفسخ ينتهي الجواز المزبور فلا بدّ من بقاء الجواز من موجب آخر، و هو غير حاصل على الفرض بل أصول المغروس يدخل في عنوان عرق ظالم بقاء.

و بهذا يظهر انّه لا يكون

على البائع المغبون أرش كون الغرس منصوبا لأنّ الأرش يثبت ما إذا كان مالك الغرس مالكا للنصب المتلف، و المفروض عدم استحقاقه ذلك الوصف بانتهاء البيع بالفسخ و رجوع الأرض إلى مالكها.

و مما ذكرنا انّه لا يقاس المقام بما إذا كان للشخص أرض مغروسة و باع الأرض دون غرسها حيث لا يجوز لمشتري الأرض قلع الغرس بل لا يجوز له مطالبة الأجرة على الغرس حيث انّ المستثنى عن المبيع الغرس بما هو غرس مثبت في تلك الأرض إلى آخر عمره؛ و من هذا القبيل إرث الزوجة من قيمة البناء و الغرس دون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 212

..........

______________________________

نفس العرصة، و أعيانهما حيث يلاحظ في تقويم البناء و الغرس بقائهما على تلك الأرض إلى آخر عمرهما بلا اجرة، كما ظهر عدم الفرق فيما ذكر من عدم الأرش لمالك الغرس بقلعه بين الفسخ بخيار الغبن أو بخيار التفليس أو بالتفاسخ. و ان وصف النصب المتلف لا يستحقّه بالفسخ مالك الغرس ليكون على القالع ضمانه.

نعم لو فرض في مقام ضمان القلع كان على الضامن قيمة الغرس كما يشهد لذلك موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك قال (عليه الكراء و يقوم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل و يعطيه الغارس ان كان استأمره في ذلك، و ان لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و الزرع و الغرس يقلعه و يذهب به حيث شاء فان ظاهر الاستيمار تضمين الغرس و بدونه لا يحتاج إلى

أمر صاحب الدار كما لا يخفى.

لا يقال كيف يجوز لبائع الأرض قلع الغرس بعد فسخ البيع مع انّ جواز القلع حكم ضرري على مالك الغرس و بقاء الغرس مع الأجرة للبائع بعد الفسخ لا يكون ضررا عليه ليكون المورد من موارد تعارض الضررين، فيكون المورد من قبيل أكل مال الغير في المخمصة، حيث يجوز ذلك الأكل لحفظ نفسه عن التلف مع ضمان الطعام.

فإنّه يقال بقاء الغرس في الأرض المزبورة في نفسه نقص للأرض المملوكة للغير حيث ينقص به قيمتها و تدارك ذلك النقص بالأجرة لا يدخل في مورد نفي الضرر و جواز أكل مال الغير في المخمصة مع ضمانه للتّزاحم بين وجوب التحفّظ على النفس من الهلاك و عدم جواز التصرف في مال الغير و مقتضى تقديم الأهم و يكون إتلاف مال الغير موجبا لضمانه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 213

ثمّ إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون (1).

______________________________

(1) الاحتمالات ثلاثة: الأول: جواز قلع الغرس لمالك الأرض. الثاني:

مطالبة الغابن بقلعه، و مع امتناعه عن الإجابة يجبره الحاكم على القلع. الثالث:

مطالبة الغابن بالقلع و مع امتناعه عن القلع يقلعه المغبون؛ و هذه الاحتمالات للوجوه التي ذكروها فيما إذا دخلت أغصان شجر الجار الى داره، و يمكن الفرق بين المسئلتين بأنّه لا يجب لمالك الأغصان الإجابة للجار في رد الأغصان، أو قلعها حيث انّ دخولها داره لم يكن من فعله بخلاف الغرس في المقام.

أقول: الأظهر هو الوجه الأخير لأن مطالبة مالك الغرس بالقلع مقتضى عدم حلّ التصرّف في مال الغير و قلع الغرس تصرف فيه. نعم مع امتناعه عن الإجابة يسقط احترام ماله نظير امتناع مالك المال عن نقله عن المكان المملوك للغير و لا

يختلف الحال في ذلك بين كونه من فعل مالك المال أو بفعل غيره.

و قد يقال بأنّه يجوز لمالك الأرض قلع الغرس ابتداء لانّ ما دلّ على عدم جواز التصرّف في مال الغير، و ان كان مقتضاه عدم جواز القلع الّا انّ ما دلّ سلطنة مالك الأرض على الأرض جواز افراغها عن الغرس و بعد تعارضهما يرجع الى أصالة الحل، و كذا يجوز هذا القلع لمالك الغرس و لو مع عدم رضا صاحب الأرض به لأنّ هذا الجواز مقتضى أصالة الحل ايضا بعد سقوط دليل سلطنة و عدم جواز حلّ التصرّف في الأرض المملوكة للغير، و لكن إثبات الإطلاق لسلطنة المالك على التصرف في ماله حتى ما لو استلزم التصرف في مال الغير لا يخلو عن اشكال.

ثم أنه إذا قلع مالك الغرس غرسه و حصل بذلك نقص في الأرض فعليه أرش طمّ الحفر لأنّ النقص حصل في الأرض المملوكة للغير بفعله، و لا يقاس بما ذكرنا من انّه لو حصل بقلع مالك الأرض الغرس خروج الشجر الى الحطب أو الحشيش فلا يستحق مالك الغرس الأرش على مالك الأرض لأنّ وصف النصب المقوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 214

و امّا لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضى ما ذكرنا (1).

______________________________

للشجرية لم يكن مملوكا لمالك الغرس ليكون على القالع ضمانه، كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ الغرس قد حصل حال كون الأرض ملكا للغارس و لو كان الغرس المزبور استيفاء لمنفعة الأرض طول مدة الغرس نظير إجارتها بعد شرائها عن بايع مغبون لكان على الغارس بعد فسخ البيع أرش النقص الحاصل للأرض نظير أرش النقص الحال بالإجارة.

و امّا إذا كان الغرس كما ذكرنا استعمالا للأرض ما

دام الغرس، فإن أراد الغابن قلع الغرس و امتنع المغبون عن الإجازة فلا يكون على الغابن أجرة لأنّ الغرس بقاء مستند إلى إمساك مالك الأرض و حبس الغرس على مالكه فلا يستحقّ اجرة. و انّما يستحقّ الأجرة على البقاء فيما إذا امتنع مالك الغرس عن قلعه أو طلب بقاءه لا مجانا و يجري ذلك في الفسخ بخيار التفليس ايضا، و تعليل الاستحقاق بسبق حق المغبون على الغرس غير صحيح؛ بل لا فرق في استحقاقها بين سبق الحق و لحوقه لانّ استيفاء منفعة الأرض المملوكة للغير موجب لضمان تلك المنفعة إلّا إذا كان للمستوفي حق الاستيفاء مجانا، و هذا الحق لا يحصل للغارس بمجرد حدوث الغرس حال كونه مالكا للأرض؛ ثمّ عادت الى مالكها الأصلي بخيار الغبن أو بخيار التفليس.

بقي في المقام ما أشار إليه المصنف (ره) من انّه لو أراد مالك الغرس قلعه، فهل لمالك الأرض منعه لكون القلع موجبا لنقص أرضه، أو انّه يجوز لمالك الغرس قلعه، و ليس حق المنع لمالك الأرض، الأظهر هو الثاني؛ لأنّ منع مالك الأرض يكون حبسا للغرس على مالكه، فلا يجوز و لا يكون لقاعدة نفي الضرر حكومة، لكون رفع عدم الجواز ايضا ضررا على مالك الغرس أو حرجا عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 215

و لو كان التغير بالامتزاج فاما أن يكون بغير جنسه (1).

______________________________

(1) ذكر (قده) للامتزاج أي امتزاج المبيع بغيره من مال الغابن صورا الأولى امتزاج المبيع بغير جنسه بحيث يكون المبيع مستهلكا في الممتزج بالفتح، كما إذا امتزج ماء الورد بالزيت و التزم في ذلك برجوع المغبون بعد الفسخ الى بدل ماله باعتبار انّ الامتزاج بنحو الاستهلاك لا يوجب الشركة بل

يعد المستهلك بالفتح تالفا. أقول: هذا بناء على ما ذكرنا من عدم اعتبار العقلاء وصف الشي ء ملكا لواحد و الموصوف ملكا لآخر واضح.

و امّا بناء إمكان ذلك و كونه موجبا لاشتراك في المالية فلتوهم حصول الشركة وجه لانّ الوصف الحاصل للزيت بخلط ماء الورد ملك لبائع ماء الورد المغبون و المناقشة بأن الوصف للزيت لم يحصل بماء الورد فقط، بل للامتزاج الحاصل بفعل الغابن أو بفعل شخص ثالث، كما ترى.

الصورة الثانية: ما إذا حصل الامتزاج بغير جنسه، و لكن بنحو لا يوجب الاستهلاك بل يصير المخلوط معنونا بعنوان ثالث غير عنواني الجنسين، كما في امتزاج الخل بالعسل و ذكر (قده) في هذه الصورة احتمالين أحدهما حصول الشركة في العين بالفسخ بحسب ماليّة الجنسين، و لو كان الخل المبيع يساوي دينارين و العسل أربعة دنانير يكون الاسكنجبين الحاصل ثلاثة أسهم سهمين لصاحب العسل و سهم لصاحب الخل، و احتمل أن يكون الامتزاج في الفرض ايضا بحكم التلف لانّ المبيع و هو الخلّ الجاري عليه البيع غير موجود، فينتفي الخيار بانتفاء الخل، و لكن لا يخفى انّ هذا من سهو القلم لانّ تلف العين بيد الغابن لا يوجب سقوط الخيار، بل يوجب الرجوع الى البدل.

و عن المحقق الايرواني (قده) انّ الامتزاج في هذه الصورة لو كان موجبا لتلف المال فالمال الآخر أعني العسل ايضا تالف فيكون الموجود الخارجي أي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

الاسكنجبين بلا مالك، و لا يمكن الّا الالتزام بالشّركة في العين بحسب الماليّة.

أقول: تلف الصورة النوعية للمال لا يوجب خروج مادته عن الملك و على ذلك فالغابن قبل الفسخ كان مالكا لكل من الخلّ و العسل و بعد خروجهما

بالامتزاج إلى شي ء ثالث يكون ذلك الثالث ايضا ملكا له باعتبار ملك مادتهما، و فسخ المغبون يوجب خروج ما جرى عليه البيع بالسبب السابق الى ملكه، و بما انّ تلك الصورة تالفة و ضمانها في المثلي بالمثل، و في القيمي بالقيمة يكون للمغبون مطالبة الغابن بالمثل أو القيمة، و لكن ما دام لم يؤد البدل يكون الموجود الخارجي مشتركا بينهما لحصوله بالمادتين أحدهما بعد الفسخ من بقايا ملك المغبون؛ و لذا لا يكون للمغبون الامتناع عن أخذ البدل اللّهم الّا أن يقال انّ الثابت في المقام ثبوت حقّ المطالبة له، و لا يعيّن حقه في المثل أو القيمة بحيث لا يكون له حق المطالبة بالعين الخارجية، و الإغماض عن المثل أو القيمة.

الثالثة: الامتزاج بجنسه المساوي له في الصفات، و قد ذكر المصنف (ره) في هذه الصورة الاشتراك في العين بحسب الكميّة، و لا يجي ء في الفرض انّ للمغبون حق المطالبة بما جرى عليه العقد يعني البدل لانّ المال المشترك قابل للقسمة الموجبة لرجوع مال بعضه عين ما جرى عليه البيع فيكون أقرب الى ما جرى عليه العقد من البدل. و بتعبير آخر لا يعتبر عند العقلاء استحقاق البدل في هذا الفرض.

الرابعة: ما إذا حصل الامتزاج بجنسه، و لكن مع كون المال الأصلي للغابن اردء فقد ذكر المصنف (ره) حصول الاشتراك في الفرض، و لكن احتمل الشركة بحسب الكمية مع ضمان النقص الحاصل المال المغبون بالامتزاج فيعطي الغابن للمغبون أرش ذلك النقص، و لو كان مال المغبون منا من الحنطة الجيدة يساوي ثلاثة دنانير، و كان للغابن منا من الرّديّ يساوي دينارين، و بعد الامتزاج كان المن من الممتزج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4،

ص: 217

..........

______________________________

يساوي دينارين و نصف يعطى للمغبون نصف دينار كما احتمل الشركة بحسب المالية بأن تكون العين الخارجية مشتركة بين الغابن و المغبون بالأخماس ثلاثة أخماس منها للمغبون و خمسان للغابن، و احتمل الشركة في الثمن بان تكون مجموع ما في الخارج ملكاً لمجموعهما و بعد بيعها يأخذ المغبون ثلاثة أخماس الثمن و الغابن خمسين نظير الشركة المتقدمة في العين الخارجية، بالإضافة إلى وصفه الحاصل بفعل الغابن.

أقول: بما انّ أخذ الأرش و الاشتراك في العين بحسب المالية يوجب محذور الرّبا، فالمتعيّن الاشتراك في الماليّة، بل لا يبعد ذلك في الصورة الخامسة أيضا، و هي إذا ما حصل الامتزاج بالأجود، فإنّ الاشتراك في العين بحسب المالية فيه محذور الرّبا بخلاف الاشتراك في الثمن.

نعم مع إمكان الاشتراك في العين بحسب الكميّة لا تصل النّوبة إلى الاشتراك في القيمة خصوصا فيما إذا كان الامتزاج بحيث لا يكون معه ميز بين المالين حقيقة كما في امتزاج المائعين، و وصف الجودة التي كانت للمال الأصلي للغابن، و انّ فرض تلفه في هذه الصورة الّا انّه لا ضمان بالإضافة إليه لحصول الامتزاج بفعله فلا يجوز له مطالبة المغبون بالأرش، كما لا يخفى و مما ذكرنا يظهر انّ شبهة الربا كما تجري في الاشتراك في العين بحسب المالية كذلك تجري في صورة استحقاق الأرش، و لا تختص بالأول، كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره)، لا يقال إذا كان الامتزاج بالأردى أو الأجود فلا موجب للالتزام بالشركة في الثمن بعد عدم الإمكان الشّركة في العين بحسب المالية و الشّركة فيها بحسب الكميّة للزوم الربا و لو بأخذ الأرش، و بما انّ للمغبون المطالبة بما جرى عليه البيع و لا يمكن ردّه فيرجع

الى بدله فيكون الامتزاج بالأردى أو الأجود موجبا لتلف ما جرى عليه البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 218

بقي الكلام في تلف العوضين مع الغبن (1).

______________________________

فإنّه يقال لم يحرز ان الامتزاج كذلك موجب لخروج كل من الممتزجين عن ملك مالكه الأصلي و لازم ذلك الشركة في الثمن.

لا يقال عدم خروجها عن الملك لا يلازم عدم استحقاق المغبون المطالبة بما جرى عليه البيع، كما تقدّم ذلك في خروج المالين بالامتزاج إلى شي ء ثالث، فإنّه يقال نعم، و لكن مع خروجهما الى ثالث كان العنوان المقوم للبيع تالفا بخلاف الامتزاج بالأجود و الأردى، فإنّ التالف وصفه أي تميّزه، وجودته.

اللهم الّا أن يقال انّما لا يرجع الى بدل العين في تلف الوصف فيما إذا أمكن الرجوع الى بدل الوصف التالف، و لا يمكن ذلك فيما نحن فيه فيرجع الى بدل نفس العين، و على ذلك فلا يبعد أن يكون للمغبون المطالبة ببدل ماله أي المثل خصوصا فيما إذا كان هذا الامتزاج في المائعات و تنحصر الشركة في العين في الامتزاج بالمساوي من جنسه حيث يتعين فيه الشركة في العين بحسب الكميّة.

(1) التالف مع خيار الغبن امّا المال المنتقل الى المغبون أو المال المنتقل الى الغابن، و في كل منهما يكون التلف بآفة سماويّة أو بفعل أحدهما أو بفعل الأجنبي و لو تلف ما بيد المغبون و كان ذلك بآفة سماويّة فقد يقال بسقوط خيار المغبون به لعين ما ذكر في سقوطه بتصرّف المغبون المخرج لذلك المال عن ملكه و هو عدم إمكان ردّ العين، و لكن قد تقدّم عدم صحة الاستدلال في مورد التعليل أي في التصرّف المخرج فضلا عن غير ذلك المورد مثل تلف

المال بآفة سماوية، و انّما يكون التصرّف مسقطا فيما إذا كان بقصد الإعراض عن الخيار، و لو مع الجهل بالغبن.

و عليه فان كان التلف المزبور مع الفسخ فيرجع الغابن الى بدل ماله كما يرجع المغبون الى عين ماله، و لو كان التالف قيميّا ففي اعتبار قيمة يوم المطالبة أو يوم التلف أو يوم الفسخ أو يوم البيع ما تقدّم في ضمان القيمي، و مقتضاه ضمان يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 219

..........

______________________________

الفسخ، فإنّه يوم ضمان اليد، و كذا الحال فيما ذا كان تلف ما عند المغبون بإتلافه.

و امّا إذا كان بإتلاف الأجنبي فيجوز للغابن الرجوع الى كل من المغبون و الأجنبي لضمان كل منهما، و ظاهر المصنف (ره) الرجوع الى الأجنبي، و لكنّه غير صحيح، بل مقتضى جريان يد المغبون على المال و مقتضى إتلاف الأجنبي التّخيير للغابن في الرجوع. نعم إذا أخذ المغبون بدل التالف من الأجنبي، ثم فسخ البيع بخيار الغبن يتعيّن على الغابن الرجوع الى المغبون لخروج الأجنبي عن ضمان المال قبل ذلك.

و لو كان إتلاف ما بيد المغبون بإتلاف الغابن فابرئه المغبون ثم ظهر الغبن و فسخ البيع فيرجع المغبون بما بيد الغابن و يأخذ الغابن قيمة ماله من المغبون لأن إبرائه الغابن بمنزلة قبضه بدل ذلك المال.

و امّا إذا كان التالف ما بيد الغابن فان كان تلفه بآفة سماويّة أو بإتلاف الغابن و فسخ المغبون فيأخذ بدل التالف، و إذا كان التالف قيميّا فهل الاعتبار بقيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان ظاهر الأكثر هو الأول، و لكن ذكروا في مسألة أخرى انّ العبرة بقيمة يوم الفسخ و هي ما إذا اشترى عينا بعين و قبض

البائع الثمن و لم يقبض المبيع، ثم باع البائع العين الّتي أخذها ثمنا من شخص ثالث ثم تلف المبيع الّذي كان عنده فإنّه بتلفه ينفسخ البيع الأول و لا يبطل البيع الثاني لأنّ تلف المبيع قبل القبض يوجب انحلال البيع من حين التلف لا من الأوّل، و على ذلك فيأخذ المشتري بدل العين التي دفعها ثمنا، و البدل قيمتها يوم تلف المبيع أي تلف العين التي كانت عند بائعها، و قد تلفت قبل إقباضها فإنّ ضمان قيمة الثمن يوم تلف المبيع صريح في ضمان يوم الانفساخ حيث انّه لو كانت العبرة بقيمة يوم التلف لكان اللازم ضمان العين التي دفعها المشتري ثمنا بقيمتها يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 220

و لو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ الى الغابن (1) فينبغي احالة الزائد على ما ذكروه في غير المقام (2).

______________________________

بيعها من الشخص الثالث، فان يوم بيعها زمان تلفها، كما لا يخفى و الحاصل انّه لا يعلم الفرق بين المسألة و بين المقام.

(1) لو تلف ما بيد الغابن بإتلاف الأجنبي و فسخ المغبون فيأخذ البدل من الغابن لانه يرد عليه ما بيده و لان الغابن يملك قيمة التالف على عهدة المتلف، فيكون ما على عهدته القيمة لا نفس المعوّض الّذي يستحقه المغبون بالفسخ بنفسه أو ببدله و يمكن أن يقال انّه يجوز للمغبون الرجوع الى الأجنبي، لأنّ نفس المتلف على عهدته لا انّ قيمته دين بذمته للغابن، و لذا يجوز المصالحة على ما في عهدته بالأقل أو الأكثر، و لو كان نفس القيمة على عهدته لكانت المصالحة بالأقل و الأكثر ربا بناء على جريانه في المصالحة أيضا، كما لا يبعد.

و بهذا

يظهر وجه تخيير المغبون في الرجوع الى كل من الغابن و المتلف بالكسر.

امّا الغابن فلانّه يرد المغبون ما بيده عليه فاللازم استرداد المعوض منه. و امّا المتلف بالكسر فلانّ المال على عهدته. أقول: الرجوع الى الأجنبي لا يتوقف على الالتزام يكون نفس التالف على عهدته، بل يكفي فيه كون القيمة على عهدته فإنّه تلك القيمة بفسخ المغبون تصير دينا للمغبون على عهدته و العجب من المصنف (ره) انّه فرق في إتلاف الأجنبي بين ما بيد الغابن و ما بيد المغبون.

و لو تلف ما بيد الغابن بإتلاف المغبون فان لم يفسخ البيع يرد بدل التالف على الغابن، و ان إبراءه الغابن ثم ظهر الغبن و فسخ المغبون فيجب أن يرد الغابن البدل على المغبون لأنّ إبراءه بمنزلة أخذ البدل من المغبون فتدبّر.

(2) أي ينبغي احالة الزّائد مما ذكرنا في المقام على ما ذكروه في غير هذا المقام أي في كتاب الغصب من أحكام ضماني اليد و الإتلاف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 221

[الظاهر ثبوت هذا الخيار في كل معاوضة ماليّة]

الظاهر ثبوت هذا الخيار في كل معاوضة ماليّة (1).

______________________________

(1) يظهر عن جماعة جريان خيار الغبن في غير البيع من سائر المعاوضات، و قد حكي التصريح بالعموم عن فخر الدين في شرح الإرشاد و صاحبي التنقيح و الإيضاح، و عن المهذب البارع استثناء الصلح، و لعل الوجه في الاستثناء ان مشروعية الصلح لقطع المنازعة و ثبوت خيار الغبن فيه موجب لعودها، و فيه انّه لم يعلم انّ مشروعيّته منحصر بما ذكر بل ربّما يجري الصلح على المعاوضة باعتبار عدم التمكن على رعاية شرط البيع من تقدير المبيع و نحوه، كما لا يخفى. و في غاية المراد التفصيل بين الصلح المتضمن للمعاوضة

بين المالين فيجري فيه خيار الغبن و بين الصلح الجاري على الإبراء أو إسقاط الحق قبل ثبوت الدعوى ثم ظهر الغبن.

أقول: قد ذكرنا انّ المستفاد من صحيحة أبي ولّاد الواردة في تخلف المستأجر عن الإجارة انّ الصّلح الجاري على الإبراء أو إسقاط الحق مع اعتقاد الخلاف لا يكون خياريّا، بل محكوم بالبطلان، و في المسألة تفصيل آخر و هو جريان خيار الغبن في كل معاملة لا تكون بشخصها مبنيّة على المسامحة و عدم المبالاة، بل على المداقة و عدم جريانها في معاملة تكون بشخصها مبنيّة على المسامحة حتى لو كانت تلك المعاملة بيعا فإنّه لا يصدق في الفرض الغبن، و فيه انّه لم يؤخذ عنوان الغبن في الخطابات الشرعيّة ليكون الخيار مدار صدقه، بل ذكر ذلك في الفتاوى في البيع و المستند لهذا الخيار قاعدة نفي الضرر عند جماعة و تلك القاعدة تعمّ الموارد إلّا إذا كان في البين اقدام و هو التّصدّي للمعاملة مع العلم بالتّفاوت بين العوض المسمّى و القيمة السوقيّة.

و امّا الشرط الارتكازي في البيع و سائر المعاوضات المالية فهو ايضا يعمّ الموارد هذا مع ما في الدعوى لانّ الغبن يصدق في الموارد التي يقدم الشخص على المعاملة لغرض مع احتمال التفاوت الكثير بين العوض و القيمة السوقيّة، و لو قيل بان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 222

و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع (1)

[هذا الخيار على الفور أو التراخي]

و قرره في جامع المقاصد بأنّ العموم في أفراد العقود (2).

______________________________

المدرك لخيار الغبن السيرة العقلائيّة فالأمر كما ذكر من جريانه في البيع و سائر المعاوضات إلّا في المعاملة مع العلم بالحال.

(1) يشكل في جريان خيار الغبن في سائر المعاوضات بعدم

تعرّض الأصحاب لجريانه فيها، و لو كان هذا الخيار من الخيارات العامة كخيار الشرط لذكروا جريانه فيها كما ذكروا جريان خيار الشرط، و لا يمكن أن يقال انّ عدم ذكرهم جريانه في سائر المعاوضات لا يدلّ على اختصاصه بالبيع، و الّا لذكروا الاختصاص، كما ذكروا الاختصاص في خيار المجلس، و الوجه في عدم الإمكان ان تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع للتعرّض بخلاف بعض العامّة من جريان خيار المجلس في بعض افراد غير البيع لا انّهم يلتزمون بذكر الاختصاص مع عدم جريان الخيار في غير البيع.

أقول: كيف ما كان و لو شك في جريان خيار الغبن في معاملة كالجعالة بناء على كونها من العقود فالأصل عدم الخيار على ما يأتي فيكون الشرط الارتكازي، أو بناء العقلاء محتاجا إلى الإثبات، و امّا قاعدة نفي الضرر فقد تقدم عدم جريانها لإثبات الخيار بل مقتضاها في مورد جريانها الحكم ببطلان المعاملة على ما تقدم.

(2) يعني قرّر في جامع المقاصد كون خيار الغبن على الفور بالتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث انّ عمومه الأفرادي يستلزم العموم الأزماني فيؤخذ بالعموم الأزماني، و عن بعض الالتزام بالتّراخي لكونه مقتضى استصحاب بقاء الخيار في غير الزمان الأول. و ذكر في الرياض بأنّ المستند لخيار الغبن في البيع ان كان هو الإجماع فيحكم بالتراخي أخذا بالاستصحاب، و ان كان قاعدة نفي الضرر فيحكم بالفور، و انّه لا خيار بعد مضي زمان يتمكن فيه المغبون من فسخه حيث انّ الضرر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 223

..........

______________________________

ينتفي بانتقاء اللزوم في ذلك الزمان.

و قد ناقش المصنف (ره) في التمسك بالعموم المزبور لا ثبات الفور، و كذا في التمسك فيه بقاعدة نفي

الضرر و بالتمسك بالاستصحاب لا ثبات التراخي، و ذكر في وجه المنع عن التمسك بالعموم ما ذكره في الأصول من انّه لا مجال في التمسك بالعموم في موارد كون الزمان ظرفا للحكم المجعول للفرد من العام بان يكون مفاد خطاب العام ثبوت حكم واحد مستمر في عمود الزمان لكل فرد فيكون الاستمرار في حكم فرد فرع ثبوت حكم العام له، و إذا خرج عن حكم العام فلا يكون حكم ذلك الفرد مستفادا عن خطاب العام، بل لا بدّ من خطاب آخر دال على ثبوت حكم العام له بعد ذلك الزمان.

و بتعبير آخر بعد خروج فرد عن العام في هذا القسم فلا يفرّق في مدلول العام بين خروجه إلى الأبد أو خروجه في زمان بمعنى انّه لا يكون خروجه إلى الأبد زيادة تخصيص ليقتصر عند الشك بالقدر المتيقن بل اللازم في هذا القسم عند الشك في حكم الفرد الخارج الأخذ باستصحاب حكمه المخالف لحكم العام.

و امّا إذا كان خطاب العام متكفّلا لثبوت حكم مستقل لكل فرد في كل زمان بحيث يكون مدلوله بالإضافة إلى الأزمنة مفردا، ففي مثل ذلك لا مجال لاستصحاب حكم الخاص، بل يجب الرجوع الى عموم العام بالإضافة الى غير ذلك الزمان، و لو فرض عدم خطاب العام في الفرض لما جاز ايضا التمسك باستصحاب الخاص، بل لا بدّ من الرجوع الى أصل آخر.

ثمّ انّه لا فرق فيما ذكر من القسمين من كون الزمان ظرفا لاستمرار الحكم أو مفردا لموضوعه بين استفادة ذلك من الإطلاق أو من اداة العموم، و على ذلك فلا يصحّ الجواب عن جامع المقاصد في تمسكه بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات الفوريّة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

224

..........

______________________________

بأنّ الآية مطلقة لا عامة. نعم يصحّ هذا الجواب لو ثبت انّ مقتضى الإطلاق هو كون الزمان ظرفا للحكم لا كونه مفردا بالإضافة إلى مصاديق العام بحسب الزمان.

و كيف كان فقد ظهر فساد ما قيل من انّ الاستصحاب أي استصحاب حكم الخاص يكون مخصصا لعموم العام و وجه الظهور انّه لا دلالة في مورد استصحاب حكم الخاص لخطاب العام، كما في أخذ الزمان ظرفا لحكمه، و في مورد دلالة خطاب العام، كما في أخذ الزمان مفردا لا مجال لاستصحاب حكم الخاص هذا بحسب الكبرى.

و امّا الصغرى فظاهر آية وجوب الوفاء بالعقود كونها من القسم الأوّل، و انّ الزّمان ظرف لوجوب الوفاء بكلّ عقد، و إذا خرج بيع المغبون في زمان فلا يفرّق بين خروجه إلى الأبد أو كونه موقتا في عدم دلالة الآية على حكم ما بعد ذلك الزّمان، و عدم لزوم تخصيص زائد لو كان خروجه إلى الأبد، و لو أمكن استصحاب بقاء الخيار فهو، و ان لم يمكن جريانه كما يأتي فيحكم بلزوم العقد لا بالأخذ بالعموم، بل لاستصحاب بقاء الملكين على حالهما قبل الفسخ المعبر عنه بأصالة اللزوم.

أقول: ما ذكره (قده) من جريان الاستصحاب في ناحية حكم الخاص فيما إذا كان الزمان ظرفا لاستمرار الحكم في ناحية أفراد العام انّما يصحّ مع كون الزمان في ناحية الخاص ايضا ظرفا لحكمه، و امّا إذا كان قيدا لمتعلق حكم الخاص فلا يمكن استصحاب ذلك الحكم في غير ذلك الزمان، و ايضا ما ذكره من انّه لو كان الزمان في ناحية أفراد العام مفردا بأنّ يثبت لكل فرد من أفراده في كلّ زمان حكم مستقلّ فيرجع في غير ذلك الزمان للعموم، و لا يصحّ

الرّجوع الى الاستصحاب حتى ما لو لم يكن في البين عموم أيضا انّما يصحّ لو كان الزمان في ناحية الخاص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

ايضا مفردا، و الّا لأمكن استصحاب حكم الخاص لو لم يكن في البين العام المزبور.

و لا يخفى ايضا انّ ثبوت حكم مستقلّ لكل من وجودات المتعلّق أو في كل فرد من افراد العام يستفاد من الإطلاق تارة و أخرى عن الدال اللفظي كقوله أكرم كل عالم و قوله أكرم كل عالم في كل زمان حيث انّ استقلال الحكم تابع لثبوت الملاك في كل من وجودات المتعلّق لا لمجموع تلك الوجودات، و لا لصرف وجود المتعلّق، كما انّه لو كان الملاك في مجموع تلك الوجودات يكون العام بالإضافة إليها مجموعيّا، و قد ذكرنا في بحث الأصول انّه لا يختلف الحال في جواز التمسك بالعام بالإضافة إلى باقي الأفراد بين كونه مجموعيا أو استغراقيا، و بلا فرق بين استفادة كل منهما بالإطلاق أو بالدال الوضعي، كما عليه جماعة من المحققين كالسيد اليزدي (قده).

و في المقام تفصيل آخر بين دلالة دليل الخاص بين خروج الفرد من الأول أو في الأثناء، فإنّ العموم في مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مقتضاه ثبوت الحكم المزبور لكل فرد من أفراد العقد لظهور أداة العموم في الاستيعاب الوجودي للطبيعة و الإطلاق في كل عقد مقتضاه انّ تحقق العقد خارجا تمام الموضوع لوجوب الوفاء المستمر و لا دخالة فيه لأيّ قيد، و على ذلك فان ورد في الدليل انّ العقد الفلاني لا يجب الوفاء به في الزمان الأوّل يعلم من ذلك انّ العقد المزبور ليس بتمام الموضوع، بل مقيّد بما يكون بعد ذلك الزمان بضميمة

أصالة العموم في ذلك الفرد.

و بتعبير آخر ثبوت الحكم الواحد المستمر من حين وجود الفرد انّما هو بالإطلاق و مقدمات الحكمة، و مع ورود التقييد بما لا يعمّه الحكم من الأول يعلم انّ ذلك الحكم يثبت له بعد ذلك الزمان أخذا بأصالة العموم بخلاف ما ورد التقييد في الأثناء فإنّ مدلول العام منضمّا إلى أصالة الإطلاق في كل فرد ثبوت حكم واحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

مستمر بحسب الأزمنة و بعد ورود التقييد في الأثناء لا يمكن أن يثبت فيه حكم واحد مستمر سواء حكم بالخروج إلى الأبد أو حكم بحكم العام بعد ذلك الزمان المتوسط.

أقول: حكم العام لكل فرد واحد مستمر في الأزمنة من الأوّل مستفاد من الإطلاق و عدم ورود القيد في الفرد، و إذا ورد القيد في الأول يستفاد من العموم بضميمة الإطلاق في ذلك الفرد استمرار الحكم من غير الزمان الأول، و إذا ورد القيد في الوسط يستفاد الحكم الواحد المستمر المنقطع في الوسط.

و بتعبير آخر الوحدة في الحكم إثباتا متحقق بعد التقييد ايضا و التعدد ثبوتا و ان كان حاصلا الّا انّه بالانقطاع و عدم ملاك لزوم العقد في البين لا لثبوت ملاك ملزم مستقل في كل من طرفي زمان عدم اللزوم.

لا يقال إذا لم يكن لخطاب الخاص دلالة على ثبوت حكم العام فيما بعد الزمان الأول كما هو الفرض فلا يمكن التمسك بخطاب العام بعد ذلك الزمان لدوران أمر خطاب الخاص بين كونه مقيدا لإطلاق الفرد، كما ذكر، أو مخصّصا لذلك الفرد و مخرجا له من العام رأسا.

و بتعبير آخر يكون العلم الإجمالي بتخصيص العام في ذلك الفرد أو تقييد إطلاقه مانعا عن الأخذ

بأصالة عمومه فإنّه يقال هذا العلم لا اثر له بالإضافة إلى الزمان الأوّل، و يكون التمسك بأصالة العموم بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان بلا معارض، و ان شئت قلت أصالة الإطلاق لا مجال لها في المقام للعلم بعدم ثبوت حكم العام للفرد المزبور في الزمان الأول. امّا تقييدا أو تخصيصا و بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان يؤخذ بأصالة العموم و الإطلاق، و كذلك في مورد التخصيص في الوسط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

و الحاصل ان أصالة العموم في ناحية العام مع أصالة الإطلاق الجاري في كل فرد يجعل كل فرد من افراد العقد من قبيل العام المجموعي فيكون استثناء بعض أجزاء هذا العام المجموعي من الأول أو الوسط موجبا لرفع اليد عن العموم في ذلك الجزء، و يؤخذ به في الباقي، و لعلّه الى ذلك يرجع ما ذكره السيد اليزدي (قده) في المقام.

ثمّ انّ هذا كلّه بناء على انّ الوفاء بالعقد وجوبه تكليفي. و امّا بناء على ما ذكرنا سابقا من انّه في البيع و نحوه من المعاملات إرشاد إلى لزومها يكون اللزوم في كل زمان لاستمراره واحدا، و يمكن حصول التقييد فيه في بعض افراد العقد بحسب أوّل الأزمنة أو الوسط فيحصل في الثاني الانقطاع، و يمكن بعد ذلك الزمان مع فرض عدم حصول الفسخ فيه التمسك بالعموم المزبور، و الإطلاق في الحكم بلزومه بعد ذلك الزمان لا يقال كيف يلتزم بالحكم لكل عقد بلزومه في عمود الزمان، و انّ ذلك يستفاد من الإطلاق أي مقدمات الحكمة و انّه لو أغمض النظر عنها فلا يكون لقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) دلالة على ذلك، و من الظاهر انّه لو كان

الأمر كذلك لكان المدلول الوضعي للخطاب وجوب الوفاء بكل عقد، و لو في زمان ما فيكون لغوا محضا لانّ الوفاء بكل عقد في زمان حاصل لا محالة و مقتضى الاحتراز عن اللغويّة أن يكون لزوم الوفاء بالعقد دائما، كما هو ظاهر جامع المقاصد.

بل عن المحقق الايرواني (قده) انّ نفس متعلق التكليف أي الوفاء ظاهر في هذا الاستمرار لأنّ الوفاء بشي ء عبارة عن الالتزام به عملا في عمود الزمان فيكون استمراره مدلولا وضعيّا للمتعلق لا مستفادا من قرينة لزوم اللغويّة.

فإنّه يقال انّ أريد انه مع قطع النظر عن إطلاق المتعلّق، و الحكم يستفاد ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 228

و امّا استناد القول بالتراخي إلى الاستصحاب (1).

______________________________

الاستمرار بالإضافة الى كل عقد، فلا ريب في بطلانه، و يشهد لذلك صحّة تقييد الحكم بزمان و الوفاء بحال أو بمدّة مع إبقاء عموم الحكم بالإضافة إلى أفراد العقد بحاله، و ان أريد انّ مع الخطاب المزبور لا بدّ من أن يكون الشارع بصدد البيان بالإضافة إلى متعلّق الحكم و نفس الحكم بان يكون إحراز كون المتكلم في مقام البيان بلزوم اللغويّة لا بالأصل، كما في غالب الخطابات فهذا صحيح و لا يمنع عن الإطلاق و الأخذ بمقدمات الإطلاق.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا انّه لو لم يتم الدليل على كون خيار الغبن أو العيب مما لم يحدّد زمانه شرعا بنحو التراخي فيمكن التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات كونه على نحو الفورية بمعناها العرفي أخذا بالإطلاق في كل عقد بالإضافة الى غير مورد اليقين بالتقييد.

(1) و أورد المصنف (ره) على استصحاب بقاء الخيار بعد انقضاء الزمان الأوّل الذي يتمكن فيه المغبون من الفسخ بأنّ الخيار

في المقام لا يستفاد من دليل لفظي ليعين به الموضوع و يستصحب الحكم على ذلك الموضوع فيما لم يكن في البين دلالة على ثبوته أو انتفائه بالإضافة إلى الزمان الثّاني، نعم انّه إذا لم يكن الحكم مستفادا من دليل لفظي، و لكن كان الشك في بقائه من جهة الشكّ في الرافع فلا بأس باستصحاب ذلك الحكم لانّ مع الشك في الرافع لا يكون الشك في بقاء الموضوع و استعداد الحكم للبقاء مثلا إذا علم حرمة العصير العنبي بعد الغليان و قبل ذهاب ثلثيه و شك في بقاء حرمته بصيرورته دبسا قبل ذهاب ثلثيه فلا بأس باستصحاب حرمته.

و الحاصل انّ الدليل في المقام للخيار قاعدة نفي الضرر منضمّا إلى الإجماع و المتيقّن من ثبوت الخيار المتضرر الذي لا يتمكن على دفع الضرر الّا بفسخ البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 229

..........

______________________________

في ذلك الزمان فيحتمل انتفاء الحكم بانقضاء الزّمان الأوّل و لا يحرز استعداد الحكم للبقاء.

و ذكر النّائيني (ره) في توجيه كلام الشيخ في المقام انّ ما يقال من انّ الاعتبار ببقاء الموضوع في جريان الاستصحاب نظر العرف معناه انّه يعتبر أن يكون المحكوم عليه بثبوت الحكم في الزمان الثّاني هو المحكوم عليه في الزّمان الأوّل، و ان المتبدل حالة من حالات ذلك المحكوم عليه، و هذا فيما إذا أحرز الموضوع للحكم في الزمان الأول. و امّا إذا لم يحرز بان احتمل أن يكون الوصف الحاصل في الزمان الأوّل عنوانا مقوما مع احتمال كون الموضوع له هو ذات الموصوف فلا مورد للاستصحاب؛ بل ينحصر جريانه بما إذا كان الوصف الحاصل في الزمان الأول من قبيل الواسطة في ثبوت الحكم لذات الموصوف، و احتمل

أن يكون حدوث الوصف كافيا في حدوث الحكم و بقائه، و ان يكون حدوثه دخيلا في حدوث الحكم و بقائه دخيلا في بقائه بخلاف ما إذا كان الوصف عنوانا تقييدا للحكم كالفقر في استحقاق الزكاة أو احتمل ذلك، كما في المقام فإنّه لا مورد للاستصحاب في مثل ذلك.

ثمّ ذكر انّه يمكن تقريب عدم جريان استصحاب بقاء الخيار في المقام بوجه أدقّ و هو انّه لم يثبت في المقام خيار الغبن ليقال انّ الموضوع له هو المغبون في معقد الإجماع، بل الثابت عدم ثبوت اللزوم للمعاملة بحكومة قاعدة نفي الضرر، و الحكومة تنحصر بما إذا كان تضرّر المغبون ناشئا من لزوم المعاملة، و هذا بالإضافة إلى الزمان الأول. و امّا في الزّمان الثّاني فلا يكون الضّرر ناشئا من لزومها فلا يكون في البين ما يكون ركنا في جريان الاستصحاب. و بتعبير آخر لا يكون لزوم المعاملة في الزمان الثّاني موجبا لتضرر المكلّف ليحكم بانتفائه بالإضافة إلى المتضرر.

أقول: لا يخفى انّ لزوم المعاملة في الزّمان الثاني، و ان لم يكن انتفائه مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 230

أو مطلقا بناء على الإهمال لا الإطلاق (1).

______________________________

قاعدة نفي الضرر، و الّا لم يكن في البين موضوع للأصل العملي الّا انّه لو كانت المعاملة المزبورة باقية على جوازها لكان الجواز بقاء للجواز الثّابت في الزمان الأوّل غاية الأمر ثبت بدليل الاستصحاب لا بقاعدة نفي الضرر.

و بتعبير آخر نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر واسطة في الثبوت بالإضافة إلى إثبات الجواز المحتمل بقاؤه مع عدم ما يدلّ على لزوم المعاملة في الزّمان الثاني لسقوط العموم كما هو الفرض.

(1) يعني لم يدل دليل خيار الغبن على ثبوته في أوّل

زمان التمكن على الفسخ خاصة كما لم يدل على ثبوته للمغبون، و لو بعد انقضاء ذلك الزمان بل دلّ على ثبوته للمغبون من غير دلالة على احدى الخصوصيتين. و المراد بقوله مطلقا هو هذا الإهمال و بقوله لا الإطلاق الدلالة على خصوصيته الدوام و إذا فرض الإهمال في دليل الخيار فيؤخذ بعموم وجوب الوفاء بالعقود دواما بعد انقضاء زمان التمكن كما يؤخذ بدليل وجوب القصر على المسافر ما دام مسافرا في غير أيام الإقامة و في غير أيام التردد في الإقامة أي ثلاثين يوما. و في غير وقت المعصية بسفره.

و امّا إذا لم يلتزم بدلالة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على الدوام و الاستمرار بل على حكم العقد من حصول الملك و حدوثه بحصول العقد و يلتزم ببقاء ذلك الملك و اللزوم بالاستصحاب فتقع المعارضة في المقام بين هذا الاستصحاب و استصحاب بقاء الخيار، و يكون استصحاب بقاء الخيار حاكما على استصحاب بقاء الملك لأنّ بقائه بعد فسخ المغبون بعد انقضاء زمان الفور مرتب شرعا على عدم الخيار و انتفائه مترتب على بقاء الخيار، و لكن الأوّل أقوى أي القول بدلالة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على استمرار العقد إلى الأبد هو الأقوى فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب و وجه القوة انّ الخيار الحادث للمغبون في الزمان الأوّل لا يوجب زوال العقد السابق و حكمه بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 231

و لا يخفى ان ما ذكره من المبنى للرجوع الى العموم (1).

و امّا ما ذكره أخيرا لمبنى الرّجوع الى الاستصحاب (2).

______________________________

يؤخذ بمقتضاه بعد ذلك الزّمان لانّ ذلك مقتضى عدم فسخ العقد، و انّما يرفع اليد عن العقد و مقتضاه إذا لم يبق العقد بأنّ فسخ في

الزمان الأوّل فإنّ مع الفسخ لا يبقى للعموم مورد.

(1) يعني المبنىّ الّذي ذكر هذا القائل للرجوع الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في المقام و هي دلالته على لزوم كل عقد مستمرا إلى الأبد هو الذي ذكرنا من انّ مع هذه الدّلالة لا يمكن الرجوع الى العموم بعد ورود التخصيص عليه في زمان، بل لا بدّ بعد ذلك الزمان من الرجوع الى استصحاب حكم الخاص.

(2) يعني ذكر هذا القائل في وجه الرجوع الى استصحاب بقاء الخيار دلالة آية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على لزوم الوفاء بالعقد آنا ما، و على الملك الحاصل به فيكون استصحاب بقاء هذا الملك بعد فسخ المغبون في الزمان الثّاني معارضا باستصحاب بقاء الخيار، و لكن استصحاب بقاء الخيار يقدم على استصحاب الملك السابق لانّ بقاءه و زواله بالفسخ في الزمان الثّاني أثر شرعي لبقاء الخيار و عدمه مع انّه لم يذكر في كلماتهم استصحاب الملك و دلالة الآية على حصول اللزوم آنا ما، بل الكل متّفقون على دلالة الآية على لزوم كل عقد مستمرا، و كان عليه أن يتعرّض لاستصحاب بقاء الخيار في مقابل هذا العموم، و انّه يمكن التمسك في العموم المزبور بعد ورود التخصيص عليه أم لا.

ثم انّ المصنف التزم في المقام بكون خيار الغبن فوريا لا بالتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالإضافة إلى الزّمان بل ذكر انّ العموم المزبور لكونه استمراريّا، لا يمكن الأخذ به، كما لا يمكن الأخذ باستصحاب بقاء الخيار لانّه لم يحرز الموضوع له و يحتمل كون الموضوع له ما يرتفع بانقضاء الزّمان الأوّل فيكون الوجه في فوريّته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 232

ثم انه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة (1).

______________________________

أصالة

فساد فسخ العقد بمعنى بقاء الملك السابق بعد حصول الفسخ في الزمان الثاني، و الشك في صحة الفسخ المزبور و فساده ليس من قبيل الشك في المقتضي، بل الفسخ على تقدير صحّته رافع للملك السابق الحاصل بالبيع.

أضف الى ذلك ما يقال من انّ تراخي الخيار في المقام و ما يشبه المقام من إجازة البيع الفضولي و نكاحه و غيرهما ضرر على من عليه الخيار، أو عليه الإجازة فينفى بقاعدة نفي الضرر.

أقول: الضرر هو النقص في المال و مجرد التّأخير في الفسخ لا يوجب ضررا على الغابن، و كذا الحال في التأخير في إجازة العقد الفضولي، و حيث انّ شرط الخيار الغبن ارتكازي كما ذكرنا فيثبت الخيار مع الغبن من غير ان يؤخذ فيه الفسخ في أول أزمنة الإمكان، بل غايته عدم التّأخير فيه و عدم التصرّف فيما انتقل الى المغبون بحيث يعدّ ذلك التأخير أو التصرّف إغماضا عن الخيار و فسخ ذلك العقد.

(1) ذكره (قده) بما حاصله انه بناء على كون الخيار الغبن على الفور لا يكون ترك الفسخ في أوّل زمان العلم بالغبن لجهله بثبوت الخيار له بأن كان غافلا عنه موجبا لسقوط خياره، بل يكون له حق الفسخ عند علمه بأنّ للمغبون خيار الفسخ لانّ نفي لزوم البيع في زمان العلم بالغبن مع غفلته عن ثبوت الخيار للمغبون لا أثر له و لا يوجب أن لا يكون اللزوم في الزمان الثّاني ضرريّا عليه.

لا يقال ترك الفحص عن حكم المعاملة و الغبن فيها و لو قبلها هو المنشأ لتضرر المغبون في الزمان الثاني، فلا يستند الى حكم الشارع بلزوم المعاملة فيه فإنّه يقال لو كان ترك الفحص عن الحكم موجبا لعدم استناد الضرر الى

الشارع لزم عدم ثبوت الخيار للمغبون فيما إذا ترك الفحص عن القيمة السوقيّة قبل المعاملة و أقدم عليها مع الجهل بها بل يمكن أن يقال كما لا يجب الفحص عن القيمة السوقيّة قبل المعاملة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 233

..........

______________________________

كذلك لا يجب تعلم ما يثبت له من الحق في المعاملة قبلها.

و ما دلّ على عقاب الغافل على المخالفة فيما إذا أوجب ترك تعلم الأحكام الشرعية تلك الغفلة لا يعمّ الفرض.

لا يقال: على ما ذكر يثبت الخيار للمغبون الملتفت بالخيار مع انّ أخذ الالتفات بالخيار في موضوع الخيار غير ممكن فإنه يقال المأخوذ في موضوع الخيار المستفاد من نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر هو المتمكن على استعمال الخيار، و هذا الأخذ ليس من قبيل التقييد بل لازم الضيق الذاتي للمجعول نظير الضيق في التكليف، حيث انّه لا يعمّ الغافل و مما ذكرنا يظهر الحال في نسيان الخيار للمغبون فإنّ الناسي داخل في الغافل عن الخيار للمغبون، و هذا بخلاف ما إذا كان غافلا عن فورية الخيار فانّ اللزوم في الزمان الثاني معه لا يكون منشأ لتضرر المغبون لتمكنه على الفسخ في الزمان الأول.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا كان جهله بخيار الغبن بمعنى الشك في ثبوت الخيار للمغبون لا بمعنى الغفلة و انّه لا يثبت للجاهل في الزّمان الثّاني خيار لأنّ لزوم المعاملة في ذلك الزّمان لا يكون منشأ ضرره حيث كان من الممكن فسخه البيع بعد العلم بالغبن ثم السؤال عن الحكم و نفوذه.

ثمّ انّه لو ادّعى المغبون التارك للفسخ في الزّمان الأول الجهل بالخيار ليكون له الفسخ في الزمان الثاني فهل هذه الدعوى مسموعة بمعنى انّه يقبل قوله بيمينه ذكر

المصنف (ره) ان الأقوى سماعها لأنّ أصالة عدم العلم به جارية في حقّه، و على الغابن المدعي علمه بالخيار الإثبات. نعم إذا كان المغبون ممّن لا يجهل الخيار الّا لعارض ففي سماع قوله إشكال لأنّ دعواه الجهل مخالف للظاهر فيكون مدّعيا إلّا إذا قيل بعدم الاعتبار بمثل هذا الظهور فيؤخذ بأصالة عدم علمه. و امّا إذا ادعي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 234

[الخامس خيار التأخير]

اشارة

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه إلى المشتري (1).

______________________________

نسيان الخيار فيكون مدّعيا لأنّ الأصل بقاء الذكر و عدم النّسيان الّا انّ الدّعوى لو كانت مما لا يعلم بها الّا من قبل مدعيها فيقبل قوله فيها مع يمينه.

أقول: قد تقدم ان الموضوع للخيار كون لزوم المعاملة ضرريا عليه و استصحاب عدم علمه أو بقاء ذكره لا يثبت كون لزومها كذلك أو ليس كذلك، و على كلا التقديرين أي دعوى الجهل أو النسيان فهو يدّعي الخيار لنفسه فعليه إثبات ذلك، كما لا يخفى، و الكبرى المشار إليها و هي سماع الدعوى و ثبوتها بيمين مدّعيها في كل ما لا يعلم الّا من قبله تعرضنا لها في بحث القضاء و ناقشنا في ثبوتها بنحو الكبرى الكلية.

(1) المشهور بين الأصحاب انه إذا باع شيئا حالا و لم يسلّمه إلى المشتري و لا قبض الثمن منه لزم البيع إلى ثلاثة أيّام و بعد انقضائها يكون للبائع الخيار في فسخ البيع و يستدلّ على ذلك مع الإغماض عن الإجماع حيث انّه على تقديره مدركي بقاعدة نفي الضرر على ما في التذكرة حيث انّ لزوم البيع منشأ تضرر البائع بل ضرره في المقام أشدّ من تضرر المغبون بلزوم البيع و وجه الأشدّ

به انّ المبيع في المقام في ضمان البائع لعدم تسليمه الى المشتري، و لا يجوز له تصرفه فيه فإنّه ملك المشتري على الفرض.

أقول: الضرر كما ذكرنا مرّات هو النقص و النقص في المقام غير حاصل لأنّ كون المبيع في ضمان البائع لا يوجب ضررا عليه ما دام لم يتلف و مع تلفه و ان يكون هذا التلف على البائع الّا انّ الحكم أي ضمان البائع المبيع بتلفه قبل قبضه مجعول في مورد الضرر فلا ينفى بقاعدة نفيه، كما هو الحال في تلفه و لو مع قبض الثمن و عدم جواز تصرّف البائع في المبيع بعد دخوله في ملك المشتري ليس فيه ضرر على بايعه بعد دخول الثمن في ملكه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

و الحاصل: انّ النقص في المقام لا يحصل بلزوم البيع و الّا ثبت الخيار للبائع بمجرد التأخير لا بعد ثلاثة أيّام.

و بهذا يظهر الحال في الاستدلال على نفي لزوم المعاملة بقاعدة نفي الحرج حيث يقال ان حفظ البائع المبيع للمشتري و التحفظ بنمائه له و الصبر الى وصول الثمن كما هو مقتضى لزوم البيع حرجي على البائع فينفى بقاعدة نفيه لأنّه لا تختصّ القاعدة بنفي الأحكام التكليفية، و إذا انتفى اللزوم الحقي يثبت جوازه؛ و وجه الظهور انه لو جرى في المقام قاعدة نفي الحرج لما كان المدار بمضيّ ثلاثة أيام و لما يمكن إثبات الخيار حيث انّه يمكن نفي اللزوم الحقي المنكشف بمشروعيّة الإقالة بثبوت الجواز الحكمي هذا.

مع انّه يثبت الخيار لكل من المتبايعين بامتناع صاحبه عن تسليم ما عنده من المال الذي صار ملكا للآخر غاية الأمر انّ الشارع في الروايات الآتية قد حدّد الامتناع بنحو

التأخير في أداء الثمن بثلاثة أيّام مع كون المثمن عند بايعه و يبقى غيره بحاله و يؤيد ذلك ما ورد من انّه لو وجد غريم المفلس عين حاله في أمواله أخذه؛ و مع هذا الخيار لا يكون في البين حرج أو ضرر.

و امّا الروايات فمنها صحيحة علي ابن يقطين قال سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال (فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و الّا فلا بيع بينهما)؛ و موثقة إسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال (من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجي ء فلا بيع له)؛ و رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثم احتسبت أيّاما ثم جئت الى بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و اللّٰه لا أدعك أو أقاضيك فقال ترضى بأبي بكر بن عياش قلت نعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 236

..........

______________________________

و أتيت فقصصنا فقال أبو بكر بقول من تريد أن أقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره قال قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و الّا فلا بيع له؛ و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتّى آتيك بثمنه قال (ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و الّا فلا بيع له). «1»

و قد يقال بظهور هذه الرّوايات في انحلال البيع بمضيّ ثلاثة أيّام لا ان يثبت للبائع خيار الفسخ، كما عليه

المشهور و ذكر المصنف (ره) انّ فهم المشهور الخيار منها يوجب كون المراد منها الخيار خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام في أكثر الروايات لا بيع له فانّ نفي البيع بالإضافة إلى المشتري مع انّه لا يتبعّض في الصّحة قرينة على انّ المراد بنفيه نفي لزومه. نعم في صحيحة علي بن يقطين لا بيع بينهما و غاية ذلك الشك في المراد فيستصحب بقاء البيع و الآثار المترتبة عليه بعد مضي ثلاثة أيّام.

توهم عدم جريان الاستصحاب في الصّحة لأنّها كانت في الثلاثة في ضمن اللزوم، و المحتمل ثبوته بعدها الصحة في ضمن الجواز يدفعه انّ الصّحة و اللزوم حكمان للبيع لا أنّ اللّزوم و الجواز نوعان من الصّحة، كما هو ظاهر؛ و لكن لا يخفى انّ مجرّد فهم المشهور امرا من رواية أو روايات لا يكون حجّة بالإضافة إلينا، و قد سبق انّ المشهور قد فهموا من الروايات الواردة في نزح ماء البئر نجاسته، و قد منعه المتأخرون؛ و انّها لا تدلّ على نجاسة مائه، و لو كانت الروايات الواردة في المقام ظاهرة في انحلال البيع بمضي ثلاثة أيّام، أو انّ الشّرط في صحة البيع القبض أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 9 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 237

[اشتراط أمور]
[أحدها عدم قبض المبيع]

أحدها عدم قبض المبيع (1).

______________________________

الإقباض إلى ثلاثة أيّام فلا بد من الأخذ به و لا معنى لطرحه و الأخذ بالأصول العمليّة بدعوى انّ فهم المشهور لو لم يوجب ظهورها في الخيار فلا أقلّ من كونه موجبا لإجمالها.

و لكن الصحيح عدم استفادة الانحلال من الأخبار المزبورة بقرينة انّ اللّزوم البيع على كل من البائع و المشتري حقي و الشارع في هذه الروايات بصدد

ان الحق للمشتري ينتهي بانقضاء ثلاثة أيّام فالمبيع الّذي لم يأخذه المشتري و لم يرد ثمنه لا يكون له بعد ثلاثة أيّام إلزام البائع به بل يكون اختيار ذلك البيع بيد بايعه فقط لا بينهما بان يلزم كل واحد منهما الآخر بالوفاء بذلك البيع أو يلزم المشتري بايعه به.

(1) و حاصله: انّ من شرط ثبوت الخيار للبائع عدم إقباضه المبيع من المشتري الى ثلاثة أيّام بحيث لو تحقق الإقباض بعد العقد أو الى ثلاثة أيّام فلا يثبت له الخيار، و لو مع عدم قبض الثمن، و استشهد لذلك بما في صحيحة علي ابن يقطين من قوله عليه السلام (فان قبض بيعه و الّا فلا بيع له) فان ظاهره انّه لو تحقق اقباض المبيع في ضمن ثلاثة لزم البيع فانّ قوله قبض بالتشديد و بيعه بالتخفيف بمعنى مبيعه.

و ما عن صاحب الرياض من عدم اعتبار عدم الإقباض بل المعتبر في ثبوت الخيار للبائع عدم إتيان المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيام سواء قبض المبيع أم لا و تبعه جماعة لا يمكن المساعدة عليه، فان ثبوت الخيار للبائع مع اقباض المبيع مخالف للوارد في الصحيحة، و لعلّ هذه الجملة لم تكن في النسخة الموجودة عند صاحب الرّياض، أو انّه قرء قبض بالتخفيف و بيّعه بالتشديد فيكون المراد فان قبض البائع الثمن في ضمن ثلاثة فهو و الّا يثبت له الخيار، و لكن القراءة المزبورة غير صحيحة، لأنّ استعمال البيّع بمعنى البائع مفردا غير معروف، و الأصل عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 238

ثم انه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع (1).

______________________________

التشديد في بيعه نظير ما ذكر الشهيد (قده) من أصالة عدم المدّ في

البكاء الوارد في قواطع الصّلاة.

أقول: لا يبعد أن يكون عدم اقباض المبيع في ثلاثة في الصحيحة كناية عن عدم وصول الثمن فإنّه لا يعطي البائع المبيع في الثلاثة من غير أخذ الثمن إذا كان عدم إقباضه بعدم تمام العقد لعدم أخذ الثمن نظير ما في موثقة إسحاق بن عمّار من قوله عليه السلام فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له حيث انّ عدم مجيئه كناية عن عدم مجيئه بالثمن. و امّا ما ذكر (قده) من أصالة عدم التشديد في لفظة بيعه مضافا الى معارضته بعدم التشديد في لفظة قبض لا تثبت ظهور اللفظ في كونه بمعنى المبيع.

و الصحيح في المقام ان يقال المفروض في الروايات عدم اقباض المبيع بعد البيع إلى ثلاثة أيّام بمعنى كونه عند البائع. نعم الوارد في رواية عبد الرحمن بن الحجاج مطلق و هو قوله من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و الّا فلا بيع له، و لكنّها لضعفها سندا بأبي بكر، بل للحسن بن الحسين اللؤلؤي لا يمكن الاعتماد عليه، و لكن مع ذلك إذا حصل اقباض المبيع بعد العقد و لو بفصل زمان و امتنع المشتري عن أداء الثمن يكون للبائع خيار الفسخ لأنّ أداء الثمن و عدم الامتناع عنه شرط ارتكازي في بيع البائع و كذلك اقباض المبيع و عدم امتناعه عنه شرط كذلك في شراء المشتري، و لا يكون اقباض المبيع بدون قبض الثمن إلغاء لهذا الاشتراط، بل رفع اليد عن حقّه بإمساك المبيع ليقبض الثمن، كما لا يخفى، و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه ما ورد من انّ البائع إذا وجد عين ماله عند المفلس أخذه فراجع.

(1) ذكر (قده)

في المقام فروعا الأوّل انّه لو كان عدم قبض المشتري المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

لامتناع البائع عن أخذ الثمن و دفع المبيع اليه فلا يكون للبائع خيار بمضي ثلاثة أيّام فإنّ ظاهر الروايات انّ الخيار المزبور إرفاق للبائع لئلّا يقع في محذور انتظار الثمن، و ضرر المحافظة على المبيع للغير، و إذا كان ذلك بامتناعه فلا يكون مورد الإرفاق يعني انّ الإرفاق لا يناسبه.

و قد يقال انّه لا حاجة في نفي الخيار في الفرض الى استظهار الإرفاق لأنّ الموضوع للخيار في موثقة إسحاق بن عمّار عدم مجي ء المشتري بالثمن إلى ثلاثة، و مع امتناع البائع عن أخذه مع تمكين المشتري لا يحصل الموضوع المزبور، لا يقال الوارد في صحيحة علي ابن يقطين ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيّام في فرض بقاء المبيع بيد البائع و عدم أخذه الثّمن، و لم يفصّل في الجواب بثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيّام بين كون عدم الإقباض و القبض لامتناع البائع عن أخذ الثمن و عدمه فإنّه يقال لا يكون للبائع داع الى عدم القبض الثمن غالبا، و لهذا ظاهر السؤال عدم إقباضه المبيع مع عدم دفع المشتري الثمن.

الثاني: ما إذا حصل قبض المبيع بلا استحقاق بحيث يكون للبائع حقّ استرداده كما إذا أخذه المشتري من عند البائع بلا اذنه و رضاه فهل مع القبض المزبور و تأخير الثمن إلى ثلاثة أيام يثبت الخيار للبائع بأن يكون القبض المزبور كلا قبض أو انّه لا خيار معه لخروج الفرض بالقبض المزبور عن مدلول الروايات، أو انّه إذا استردّ البائع المبيع يثبت الخيار و الّا فلا، أو يبتني ثبوت الخيار له بعد ثلاثة أيّام على

كون القبض المزبور رافعا لضمان تلف المبيع قبل القبض عن بايعه أم لا، فانّ لم يرفع الضمان يكون الضرر الموجب لثبوت الخيار له بعد ثلاثة بحاله فيثبت له الخيار بخلاف ما إذا قيل بانتفاء ضمانه مع القبض المزبور فإنّه لا يثبت له الخيار فانّ الضرر الموجب لثبوته ضرر ضمان التلف و ضرر انتظار الثمن، و ينتفي الضرران

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 240

[الثاني: عدم قبض مجموع الثمن]

الثاني: عدم قبض مجموع الثمن (1).

______________________________

مع أخذه المبيع من المشتري تقاصّا.

و اختار (قده) هذا التّفصيل، و لكن لا يمكن المساعدة عليه فإنه لو كان ظاهر الروايات، كما ذكرنا عدم قبض المشتري المبيع بان يكون المبيع عند بايعه فلا تعمّ الفرض مع عدم استرداده قبل ثلاثة سواء قلنا بارتفاع الضمان أو عدمه، و ما ذكر في ملاك ثبوت الخيار لم يذكر في الروايات بنحو العلية أو الموضوعية و قاعدة نفي الضرر لا تصلح للاعتماد عليها في المقام على ما تقدم، بل الأظهر بحسب الروايات ملاحظة الاسترداد بعد القبض المزبور و قبل ثلاثة أيّام كما لا يخفى.

الثالث: ما إذا مكّن البائع المشتري عن أخذ المبيع و لو مع عدم قبض الثمن فلم يأخذ ففي هذا الفرض أيضا بنى ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيام على انتفاء ضمان المبيع بتلفه قبل قبضه و عدم انتفائه فلا يثبت على الأوّل و يثبت على الثاني، و لكن قد تقدم انّ الموضوع للخيار عدم قبض المشتري المبيع و عدم قبض المشتري مع تمكين البائع و عدمه، بل ظاهر صحيحة زرارة صورة تمكين البائع عن أخذ المبيع.

الرابع: انّ قبض بعض المبيع كقبض كلّه أو كلا قبض أو يثبت الخيار بالإضافة الى غير المقبوض. أقول قد

ذكرنا مرارا انّ الخيار يثبت في البيع المنشأ ابتداء بحسب الإمضاء الشرعي لا في البيوع الانحلالية حيث انّ ظاهر أدلّة الخيارات ثبوت خيار واحد لصاحبه و مع ثبوته في كل من المعاملات الانحلاليّة يتعدّد، كما لا يخفى. و ان كان المفروض في الروايات بقاء المبيع بتمامه عند بائعه الّا انّه يمكن الأخذ بموثقة إسحاق بن عمّار فانّ الخيار المذكور فيها للبائع يعمّ فرض أخذ بعض المثمن، بل فرض أخذ بعض الثمن ايضا فلا حظ.

(1) من شرط ثبوت خيار التّأخير للبائع عدم قبضه تمام الثمن إلى ثلاثة أيّام،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

فلا يكفي في انتفاء الخيار بعدها قبض بعضه في الثلاثة حيث انّ ظاهر الأخبار في مجي ء المشتري بالثمن في ثلاثة المجي ء بتمام الثمن.

و يؤيّد ذلك بفهم أبي بكر عيّاش حيث حكم في صورة قبض البائع بعض الثمن بثبوت الخيار له استظهارا من قوله عليه السلام من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام، و الّا فلا بيع له بل ربّما يستدلّ بهذه الرّواية على عدم كفاية قبض بعض الثمن تبعا للتذكرة، و لكن لا يخفى ما في الاستدلال لضعف الرواية أولا، و عدم الاعتبار بفهم أبي بكر ثانيا.

و عن المحقق الايرواني انّه لم يتحقق عندي ما فهم أبو بكر عن الرواية و ما حكم به من القضاء لعبد الرحمن بن الحجّاج أو لصاحبه، و فيه انّه لو كان حكمه بلزوم البيع في فرض قبض البائع بعض الثمن لما كان نقل قول الإمام بثبوت الخيار بعد ثلاثة للبائع مناسبا لذلك الحكم، و هذا الحكم يكشف عن فهمه منها قبض تمام الثمن.

و لو قبض البائع تمام الثمن بلا إذن

المشتري فظاهر المصنف (ره) انّ هذا القبض كلا قبض في انّه لو أجاز المشتري القبض إلى ثلاثة فهو و الّا يثبت الخيار للبائع بعد تمام الثلاثة لظهور الأخبار في مجي ء المشتري بالثمن الموجب لكون قبض البائع بإذنه؛ أضف الى ذلك انّ الموجب لثبوت الخيار للبائع تضرره بضمان المبيع قبل القبض و عدم جواز تصرفه في الثمن، و هذا الضرر باق بحاله مع القبض الفضولي.

نعم لو كان هذا القبض بحقّ كما إذا عرض البائع المبيع للمشتري ليأخذه فلم يأخذ و أخذ البائع الثمن بلا إذنه ففي هذه الصورة لا يثبت خيار التأخير للبائع، لأنّ ضرر عدم جواز التصرف في الثمن منتف في الفرض.

أقول: لو كان ظاهر الأخبار حصول قبض الثمن بإذن المشتري فكيف لا يدخل هذا الفرض في مدلول الأخبار الظاهرة في ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة، و لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 242

..........

______________________________

بأنّ اعتبار مجي ء المشتري بالثمن طريقي، و الغرض وصول الثمن إلى البائع، و لذا لو كان الثمن عند البائع قبل البيع فلا مورد لخيار التأخير، قلنا انّ هذا صحيح، و لكن لازمه عدم ثبوت الخيار للبائع بقبضه الثمن بلا اذن المشتري سواء كان ذلك بحق أم لا؛ كما التزم بذلك بعض حتى مع الالتزام بأنّه لا يكفي في انتفاء الخيار قبض المشتري المبيع بلا إذن البائع بدعوى انّ المعتبر في ناحية المبيع إقباض البائع، و هذا لا يحصل بقبض المشتري المبيع بلا إذن البائع بخلاف الثمن فانّ المعتبر في ناحيته قبض البائع الثمن، و هو يحصل و لو بلا اذن المشتري، و لكن الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك لأنّ الغرض من فرض عدم الإقباض و القبض

في ثبوت خيار التّأخير بقاء المالين عند صاحبهما الأصليّين.

و امّا دعوى بقاء ضرر الضمان أو ضرر الصبر على عدم التصرف في الثمن فقد ذكرنا انّهما لم يؤخذا في موضوع خيار التّأخير، فيحتمل اعتبارهما في ثبوت الخيار بنحو الحكمة لا العلية.

لا يقال قبض البائع الثمن كاشف عن رضاه بالبيع المزبور فيكون ذلك مسقطا لخياره حتى ما لو قيل باعتبار القبض بالإذن في انتفاء الخيار فإنّه يقال القبض المزبور بلا التفات الى الخيار لا يكون إسقاطا للخيار فإنّه لا يحصل بلا قصد.

ثم انّه لو قيل باعتبار الإذن من المشتري في قبض الثمن فلا ينبغي التأمّل في كفاية أجازته القبض الصادر بلا إذن حيث انّه بالإجازة يكون الإمساك بالثمن بإذنه فيحصل ما يحكم معه بلزوم البيع، و لكن هل الإجازة المزبورة كاشفة عن حصول القبض المعتبر من الأوّل أو من حيث الإجازة، فقد ذكر المصنف (ره) انّ الأظهر هو الثاني لما ذكرنا من انّ مع الإجازة يكون الإمساك بالثمن بالإذن؛ و عليه فلو قبض البائع الثمن بلا إذن منه في ضمن ثلاثة أيّام، و أجاز المشتري القبض بعد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 243

[الثّالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين]

الثّالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين (1).

[الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهة كصاع من صبرة]

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهة كصاع من صبرة (2).

______________________________

انقضائها يثبت للبائع خيار التأخير.

أقول: إذا كان القبض متضمّنا للإنشاء و لو بنحو الإيقاع، فالظّاهر انّ الإجازة فيه يعتبر بنحو الكشف الحكمي، كما في قبض الثمن الكلي و دعوى الإجماع على عدم جريان الفضوليّة في الإيقاع. قد ذكرنا في بحث الفضولي عدم تماميّة ذلك على الإطلاق؛ و امّا إذا لم يتضمّن الأمر الإنشائي كما في قبض الثمن المعين فلا يكون لإجازة الفعل الخارجي معنى إلّا كون الإمساك بالمال بإذنه و لا يخرج القبض السابق عن الفضولية حيث لم يكن الإمساك في تلك القطعة من الزمان بإذنه؛ و على ذلك يترتّب الفرق في الإجازة بعد الثلاثة بين كون المقبوض من الثّمن شخصا أو كليّا. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) و لعلّه بلا خلاف، و ظاهر الرّوايات عدم تحقّق القبض و الإقباض مع عدم اشتراط التّأخير في ناحية الثمن قطعا، و لكن الكلام في كون منصرفها، و لا أقلّ من المتيقّن عدم اشتراط ذلك في ناحية المثمن أيضا أم لا. و الوجه في ذلك انّ تعليق لزوم البيع على مجي ء المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيّام من حين العقد، ظاهره فرض عدم اشتراط التّأخير في ناحية الثمن، و لكن لا دلالة للروايات على اعتبار عدم الاشتراط التأخير في ناحية المبيع كما لا يخفى.

(2) ذكر (قده) ما حاصله انّ ظاهر الأصحاب و كذا ظاهر الروايات أو المتيقّن منها اختصاص خيار التّأخير بما إذا كان المبيع عينا خارجيّة أو شبيها بالعين الخارجيّة كالكلي في المعين، فلا يكون للبائع خيار التّأخير فيما إذا كان المبيع بنحو الكلي على الذّمة. و بتعبير آخر

لا ظهور في شي ء من الروايات في عموم الخيار بحيث يثبت فيما إذا كان المبيع بنحو الكلي على الذّمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

امّا كلمات الأصحاب فقد ذكر الشيخ (قده) روى أصحابنا انّه إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم و قال للبائع أجيئك بالثمن فانّ جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و قد صرّح بالاختصاص في التحرير و المهذّب البارع و غاية المراد، و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال و لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذّمة فإنّه لو كان هذا التعميم ثابتا في ناحية المبيع ايضا لأضاف المبيع الى الثمن في عدم الفرق، و لكن في عبارات الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي إذا باع شيئا معيّنا بثمن معيّن و مقتضاه اعتبار كون الثمن ايضا عينا، و حيث انّ هذا الاعتبار في ناحية الثمن غير محتمل فيراد بالمعين في ناحية الثمن كونه معلوما. و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط في عبارته المتقدمة المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم.

بل يمكن أن يقال انّ مع اختلاف الموصوف بالمعيّن يختلف الظهور فان كان الموصوف به هو الشي ء يكون ظاهره العين الخارجيّة، و ان كان الموصوف هو الثمن يكون ظاهره تعيين مقداره. و الحاصل انّ المعتبر في كلمات الأصحاب في ناحية المبيع عدم كونه بنحو الكلي على العهدة. نعم في بعض نسخ الجواهر للقاضي إذا باع شيئا غير معيّن بثمن معيّن و أخذ هذه النسخة في مفتاح الكرامة، و نسب جريان الخيار في غير المعين مع دعوى الإجماع على ذلك الى الجواهر، و لكن النسخة المزبورة غلط فإنّه لا يحتمل اختصاص الخيار بغير المعين و دعوى الإجماع عليه.

و لكن

مع ذلك كلّه ينسب التعميم إلى الأكثر و قد نسب الشهيد في الدروس الاختصاص بالمعين الى الشيخ (قده) و كأنّه قد فهم من كلام غيره التعميم.

أقول: ذكر العين في بعض الكلمات أو الشي ء المعيّن في بعضها الآخر لا يدلّ على الاختصاص لأنّ الكلي على العهدة داخل في العين، كما ذكرنا ذلك في تعريفهم البيع بأنّه تمليك عين بعوض و المبيع في موارد الكلّي على العهدة الشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 245

[أمور قيل باعتبارها في هذا الخيار]
[منها عدم الخيار لهما أو لأحدهما]

منها عدم الخيار لهما أو لأحدهما (1).

______________________________

بوجوده الخارجي؛ و لكنه لعدم وجوده فعلا أو بغيره تعهّد بأدائه و تحصيله بخلاف بيع الشخص، أو الكلي في المعيّن حيث انّه لوجوده فعلا لا تعهد، بالإضافة إلى تحصيله؛ بل بالإضافة إلى أدائه فقط. و بالجملة العين مقابل المنفعة و توصيف الشي ء بالمعيّن كما يكون باعتبار تعيّنه الخارجي و يكون باعتبار تعيين كمّه و مقداره فيمكن أن يكون توصيف الشي ء بالمعين في كلماتهم باعتبار تعيين مقداره كما هو الحال في ناحية الثمن.

و الحاصل: انّه لا يستفاد الاتفاق من كلمات الأصحاب على اختصاص خيار التّأخير بالمبيع الشخصي، و على تقديره لا قيمة له لانّ الاتفاق في المقام لوجود الروايات المتقدمة مدركي فالمتّبع ظهورها في اعتبار العين الخارجيّة و نحوها لانّ ظاهر صحيحة زرارة، و ان كان فرض المتاع الخارجي بقرينة قوله ثم يدعه عنده الّا انّه لا دلالة لها على نفي الخيار في غيره.

و امّا صحيحة علي بن يقطين فلا ظهور لها في العين الخارجيّة أي الشخص و دعوى انّ البيع لا يطلق على المبيع إلّا في موارد الشخص الواقع عرضة للبيع لا تخلو عن الجزاف، و بهذا يظهر الحال في موثقة إسحاق بن

عمّار فيكون الأخذ بظهورهما أي بالإطلاق في الثانية و عدم الاستفصال في الجواب في الأولى مقتضاه الالتزام بالعموم في الخيار الثابت للبائع بعد ثلاثة أيّام. و اما رواية عبد الرحمن بن حجاج فقد تقدم ضعفها سندا، و مع الإغماض عنه فظاهرها ايضا العموم.

و دعوى انصراف من اشترى شيئا الى العين الخارجية كانصراف المطلق الى بعض افراده يكذبها الرجوع الى موارد الاستعمال في المحاورة فالمتحصّل انّه لا يبعد القول بالتعميم في الخيار الثابت للبائع بعد ثلاثة. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قيل كما عن التحرير يعتبر في ثبوت خيار التّأخير للبائع عدم خيار آخر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 246

..........

______________________________

البيع للمتبايعين أو لأحدهما و الّا فلا يثبت للبائع خيار التأخير بعد ثلاثة أيام.

و ظاهر ابن إدريس يعتبر في ثبوت خيار التأخير عدم شرط الخيار لهما أو لأحدهما، و لعل مراده ايضا مطلق الخيار بحيث يعمّ خيار الحيوان ايضا، و ذكره شرط الخيار لأجل انّ موضوع كلامه المتاع لا ما يعمّ الحيوان و يستدلّ على هذا الاشتراط بانصراف اخبار الباب عن كون البيع خياريّا، و ذلك لما ذكر العلامة و غيره في أحكام الخيار من انّه لا يجب القبض و الإقباض مدة الخيار و لو أقبض أحدهما ما انتقل عنه لا يجب على الآخر اقباض ما عنده من مال صاحبه، بل يجوز له استرداد ما أقبض خلافا لبعض العامة حيث بنوا على عدم جواز الاسترداد بل يجب على الآخر الإقباض، و لو امتنع عن الإقباض يجوز للآخر أخذ ما عنده بلا اذن، كما في صورة تسليم ما عنده مع لزوم البيع.

و على ذلك فمع ثبوت خيار آخر في البين يكون للمشتري حقّ

التأخير في تسليم الثمن، و ظاهر الأخبار ثبوت خيار التّأخير للبائع فيما إذا كان تأخير المشتري في أداء الثمن بلا حق، كما انّ ظاهرها كون عدم إقباض البائع المبيع لعدم تسلّمه الثمن من المشتري، فلا يعمّ ما إذا كان عدم تسليمه لثبوت خيار آخر له في البيع.

و لكن لا يخفى ضعف الاستدلال لأنّه كما سيأتي انّ الخيار حق متعلّق بالعقد و جواز تسلط أحد المتبايعين أو كلاهما على فسخه لا ينافي وجوب القبض و الإقباض عليهما وجوبا حقيّا، حيث انّ الإمساك بهما بالامتناع عن التسليم و التسلم تصرّف في مال الآخر بلا رضاه. نعم لذي الخيار الإمساك بما انتقل عنه فيما إذا كان الإمساك المزبور بعنوان فسخ العقد؛ بل لو كان الخيار حقّا يتعلق بما انتقل عنه فالثابت حق الاسترداد لا حقّ الإمساك.

و الحاصل: انّ وجوب القبض و الإقباض مقتضى حرمة مال الغير و عدم جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 247

..........

______________________________

التّصرف فيه بلا اذن مالكه لا مقتضى لزوم البيع و عدم كونه خياريا.

لا يقال ظاهر الأخبار لزوم البيع إلى ثلاثة أيّام و حدوث جواز البيع للبائع بعدها فإنّه يقال نعم و لكنّ اللزوم من جهة التأخير في القبض و الإقباض فلا ينافي عدم لزومه في ثلاثة أيام أو بعضها من جهة أخرى. و بتعبير آخر الكلام في كون الموضوع لخيار التّأخير عام أو خاص بمعنى انّ الموضوع عدم القبض و الإقباض إلى ثلاثة أيّام مطلقا أو مع لزوم البيع فيها بأن ينتفي فيها سائر الخيارات. و الظّاهر إطلاق الموضوع فان حمل الروايات على الثاني من حملها على الفرد النادر حيث انّ خيار المجلس ثابت في جميع البيوع إلّا ما اشترط

فيه سقوطه، و كذا خيار الحيوان إلى ثلاثة أيّام ثابت في شراء الحيوان كما انّ ظاهرها ثبوت خيار التّأخير للبائع بعد انقضاء ثلاثة أيّام من حين العقد. و على الجملة فلو اعتبر في خيار التّأخير لزوم البيع في الثّلاثة يلزم حمل الأخبار على الصورة النادرة أو ارتكاب خلاف الظّاهر فيها بحمل ثلاثة أيّام من حين لزوم البيع لا من حين العقد و شي ء منهما لا يمكن الالتزام به.

و ربّما يقال بأنّه يعتبر في خيار التّأخير عدم ثبوت خيار آخر للبائع في الثلاثة فإنّ هذا الخيار شرع لدفع تضرر البائع على ما تقدم و مع ثبوت خيار آخر يمكن له دفع ضرره بذلك الخيار. و ظاهر الأخبار لزوم البيع بالإضافة إلى البائع في ثلاثة أيّام و حملها على لزومه عليه من جهة تأخير الثمن من قبيل تقييد الحكم بالسبب.

و لكن لا يخفى ما فيه أيضا فإنّ خيار التّأخير لو كان مشروعا لدفع ضرر الصبر يكون المراد ضرر الصبر بعد ثلاثة أيّام و عدم إمكان تقييد الحكم بالسبب أجنبي عن المقام فانّ الكلام في انّ الموضوع لخيار التّأخير عدم القبض و الإقباض إلى ثلاثة أيّام، أو هذا مع عدم ثبوت خيار آخر للبائع في تلك الثلاثة، و هذا لا يرتبط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 248

[و منها تعدّد المتعاقدين]

و منها تعدّد المتعاقدين (1).

[و منها: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية]

و منها: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية (2).

______________________________

بسبب الحكم أي بالداعي إلى الجعل.

(1) قيل بأنّه يعتبر في ثبوت خيار التّأخير للبائع تعدد العاقد لظهور الأخبار المتقدمة في ذلك و لأنّ خيار التأخير يثبت للبائع بعد انقضاء خيار المجلس، و مع وحدة العاقد لا ينتهي خيار المجلس إلّا بالإسقاط.

أقول: ظاهر الأخبار فرض تعداد البائع و المشتري لا العاقد، و مع تعدد هما يثبت خيار التّأخير للبائع و لو مع وحدة العاقد كما لو وكّلا واحدا في إجراء العقد و الوكيل المزبور لا يثبت له خيار المجلس؛ و ما ذكر من ظهور الأخبار في ثبوت خيار التأخير مع فقد خيار المجلس أو بعد انتهائه غير ظاهر حيث انّ ظاهرها، كما يأتي كون المبدء لثلاثة أيّام هو تمام العقد لا حين حصول الافتراق، و على ما ذكر فلا يثبت خيار التأخير فيما إذا كان البائع و المشتري واحدا، كما في وليّ الطفلين، و عدم ثبوته له لأجل فقد ما يعتبر في خيار التأخير من عدم الإقباض و القبض لا لوحدته، كما لا يخفى.

(2) المحكي عن الصّدوق (ره) انّه إذا اشترى جارية و قال أجيئك بالثمن فان جاء بالثمن الى شهر و الّا فلا بيع له، و ظاهر المختلف انّ الصدوق قائل بذلك في مطلق الحيوان. و في صحيحة علي ابن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية و قال أجيئك بالثمن فقال (ان جاء فيما بينه و بين شهر و إلّا فلا بيع له) «1»؛ و السند كما أشرنا صحيح فانّ الشيخ رواه بسنده عن محمد بن أحمد يحيى عن أبي إسحاق عن أبي عمير عن

محمد بن أبي حمزة عن علي ابن يقطين

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 9 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 249

ثم انّ مبدء الثّلاثة من حين التفرق أو من حين العقد (1).

______________________________

و أبو إسحاق هو إبراهيم بن هاشم القمي (رضوان اللّٰه عليه) بقرينة رواية الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي إسحاق عن الحسن بن أبي الحسن الفارسي. و من الظاهر انّ أبو إسحاق الراوي عن الحسن بن، أبي الحسن هو إبراهيم بن هاشم فراجع.

و على كل تقدير فقد أورد المصنف (ره) على الاستدلال بها على استثناء الجارية أو مطلق الحيوان بأنّه لا قرينة فيها على فرض عدم إقباض الجارية ليكون ذلك موجبا لظهورها في خيار التّأخير في الأمة أو مطلق الحيوان لا يقال قد كان بهذا المضمون من التعبير في روايات خيار التّأخير، كما في رواية عبد الرحمن المتقدّمة من قول أبي بكر بن عياش (من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و الّا فلا بيع له)؛ فإنّه يقال نعم و لكن قوله عليه السلام (فان قبض بيعه إلخ)؛ في صحيحة علي ابن يقطين المتقدمة سابقا قرينة على كون المراد في جميع روايات ثلاثة أيّام فرض عدم اقباض المبيع، و ليس بالإضافة إلى الجارية أو مطلق الحيوان الوارد في الصحيحة قرينة على مثل هذا الفرض، كما ذكرنا فلا بدّ من حملها على صورة اشتراط تأخير الثمن الى شهر فيكون الخيار لتخلف الشرط أو على استحباب الانتظار الى شهر.

أقول: الالتزام بثبوت خيار التأخير في الأمّة بعد شهر لا محذور فيه و قد احتمله الشيخ (قده) بعد نقل الرواية غاية الأمر لو تمّ إطلاق

الصحيحة بالإضافة إلى صورة إقباض الجارحيّة فيلتزم بعد اعتبار عدم الإقباض في الجارية المبيعة في ثبوت خيار التّأخير لبائعها.

(1) ظاهر التّعبير في بعض الروايات انّ ثلاثة أيام تحديد لمدة غيبوبة المشتري فيكون مبدئها حين التفرّق كقوله عليه السلام (فان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 250

[يسقط هذا الخيار بأمور]

يسقط هذا الخيار بأمور: (1).

______________________________

و الّا فلا بيع له)؛ و بعضها ظاهر في انّه تحديد لمدّة عدم قبض الثمن فيكون مبدئها تمام العقد كقوله عليه السلام في موثّقة إسحاق بن عمّار من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له و لا يبعد أن يكون الأول أيضا كناية عن ذلك. نعم مع عدم تمام الظهور أو معارضته يكون مقتضى الأصل العملي تأخير الخيار الى ما بعد الثلاثة بعد التفرّق.

(1) يسقط هذا الخيار بأمور الأوّل إسقاطه بعد الثلاثة، و لا ريب كما لا خلاف في جواز هذا الإسقاط بمعنى نفوذه فإنّه مقتضى كون الخيار حقّا و إسقاطه في الثلاثة و ان لا يخلو عن المناقشة لكون الموجب له انقضاء الثّلاثة من غير حصول القبض و الإقباض. و بتعبير آخر تضرّر البائع بعد الثلاثة موجب له و ذلك الضرر غير فعلي فيكون إسقاطه في الثلاثة من قبيل إسقاط ما لم يجب الّا انّ المناقشة غير صحيحة لما تقدم من انّ السقوط في المقام اعتباري، و كما يمكن اعتبار الملكية المستقبلة نظير الوصية التمليكيّة كذلك يمكن اعتبار السقوط الاستقبالي؛ و ما عن التذكرة من عدم جواز إسقاط خيار الشرط قبل التّفرّق بناء على حصوله بعد التّفرّق لا يمكن المساعدة عليه.

و امّا ما ذكره المصنّف (ره) من انّه لو لم

يجز إسقاط خيار الشرط قبل التّفرّق يكون عدم جواز إسقاط خيار التأخير في الثّلاثة بطريق أولى؛ فلعلّه أراد انّ الموجب لخيار الشرط اشتراطه في العقد و هو حاصل بخلاف المقام فانّ الموجب لخيار التأخير الضّرر الحاصل للبائع بعد الثلاثة، و هذا غير حاصل في الثلاثة.

و لكن لا يخفى انّ الفرق غير فارق لأنّ الموضوع لخيار الشرط بناء على ثبوته بعد التفرّق هو العقد المشروط بعد التفرّق، كما انّ الموضوع في المقام العقد مع تضرّر البائع فيه بعد الثلاثة و دعوى انّ تضرّر البائع أمر غير اختياري، و التفرّق أمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

اختياري فلا يصحّ الإسقاط في الثاني دون الأوّل كما ترى، فإنّه لو لم يصحّ الاسقاط لكونه إسقاطا لما لا يجب لم يجز فيهما و الّا جاز فيهما كما ذكرنا.

الثّاني شرط سقوطه في العقد و قد ذكرنا فيما سبق انّ اشتراط سقوطه في العقد يرجع الى إسقاطه و بما انّ سقوط الخيار بمعنى عدم ثبوته اعتباري فلا بأس بأن ينشأ ذلك الأمر الاستقبالي الحاصل بكلّ سبب و منه اشتراطه في العقد.

الثّالث: بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة فإنّه لو فسخ البائع بعد الثّلاثة قبل بذل المشتري و مجيئه بالثمن فلا إشكال في نفوذه فإنّه مقتضى تحديد الخيار بمضيّ الثلاثة و يشهد له رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه؛ و امّا إذا لم يفسخ حتى بذل المشتري بالثمن فيمكن أن يقال كما عن المصنف (ره) بسقوط الخيار لانّ الخيار لتدارك ضرر التّأخير أي الضرر الاستقبالي حيث انّ الضرر السّابق على أخذ الثمن لا يتدارك بأخذه، و مع بذل المشتري لا ضرر كذلك، و يمكن دعوى انصراف اخبار الباب ايضا

عن صورة البذل.

أقول: دعوى الانصراف في الروايات لا وجه لها و قاعدة نفي الضرر لا تثبت الخيار في المقام و غيره؛ فالأظهر عدم سقوط الخيار بالبذل المزبور.

الرابع: أخذ البائع الثمن من المشتري بعد ثلاثة أيّام و لا شبهة في انّ أخذه بقصد الالتزام بالبيع و الجري عليه إسقاط فعلي، فهل بأخذه يحكم بسقوط الخيار و انّه بقصد الالتزام بالمعاملة أو بشرط العلم بقصده بان لا يحتمل كون أخذه بقصد العارية و الوديعة و نحوهما، أو يكفي الظّن النوعي نظير ما تقدم في سقوط خيار الحيوان بالتصرّف فيه زمان الخيار مع الاتفاق بأنّه لا عبرة بالظنّ الشخصي و قد تقدّم اعتبار الظهور الفعلي و انّه كالظهور القولي، و لا يبعد أن يكون سبق المعاملة قرينة عرفيّة على كون الأخذ بذلك العنوان فلا يحتاج السقوط إلى قرينة أخرى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 252

[في كون هذا الخيار على الفور]

في كون هذا الخيار على الفور (1).

______________________________

و ذكر المصنّف (ره) انّ البحث في كون الأخذ مسقطا مبنى على عدم كفاية البذل في الإسقاط و الّا يسقط الخيار بالبذل قبل الأخذ، و لكن لا يخفى انّ الأخذ يتحقّق في غير مورد البذل ايضا؛ و على تقدير كون البذل مسقطا يجري الكلام في كون الأخذ أيضا مسقطا أم لا كما إذا أخذ البائع الثمن من عند المشتري.

و امّا مطالبة البائع المشتري ببذل الثمن فلا يوجب سقوط خياره و لو مع عدم بذل الثمن و دعوى دلالتها على رضا البائع بالبيع لا يمكن المساعدة عليها فانّ الرّضا على تقدير تحقق البذل و أخذ الثمن لا مطلقا. و بتعبير آخر الضرر الاستقبالي الذي يتدارك بالخيار بعد المطالبة بحاله و لا دلالة فيها على إغماض

البائع عنه كما لا يخفى.

(1) كون الخيار على الفور أو التراخي مبنيّ على انّ المرجع عند الشك في لزوم البيع و جوازه في زمان هو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، أو استصحاب بقاء الخيار أولا يرجع الى شي ء منهما؛ امّا العموم لكونه استمراريّا لا افراديّا؛ و امّا الاستصحاب فلعدم إحراز موضوع الخيار فيرجع الى استصحاب بقاء المالين على حالهما بعد الفسخ المشكوك صحته؛ و لكن يمكن في المقام للمصنف (ره) القول بتراخي الخيار، كما هو مقتضى إطلاق نفي البيع بعد ثلاثة، و لكن يرد عليه انّ الأخذ بإطلاق ينافي ما تقدم منه انّ الخيار لتدارك الضرر الاستقبالي الحاصل بتأخير القبض و الإقباض؛ و من الظّاهر انّ الضرر في الزمان الثاني حاصل بتركه الفسخ في الزمان الأول و لعله يشير الى ذلك بقوله فتأمّل.

و امّا الاستصحاب فلأنّ الشك في بقاء الخيار في الزمان الثاني من قبيل الشك في المقتضى؛ و على كل تقدير، فالصحيح الالتزام بالتراخي فإنّه مقتضى نفي البيع مطلقا، فإنّه لو كان الخيار على الفور فاللّازم تقييد نفيه، و لو بان يقول لا بيع يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 253

[لو تلف المبيع بعد ثلاثة من مال البائع]

لو تلف المبيع بعد ثلاثة. (1)

______________________________

الرابع و يؤيد ذلك ما ذكرنا سابقا من انّ المذكور في اخبار الباب تحديد للشرط الارتكازي لكل من المتعاقدين ملكه فسخ البيع على تقدير عدم وفاء صاحبه بالعقد.

(1) لو تلف المبيع بعد ثلاثة أيّام و بعد الخيار للبائع يكون ذلك التلف على البائع لكونه قبل القبض كما يشهد له النبويّ المنقول عن العامّة في بعض كتب الفقه لأصحابنا من قوله (ص) التلف قبل القبض من مال بايعه و بعد انجبار ضعفه بعمل المشهور يتعيّن الأخذ بإطلاقه

حيث يعمّ التلف قبل زمان الخيار و زمانه و بعد الخيار كما إذا أسقط الخيار بالتّأخير أو ببذل المشتري الثمن.

لا يقال يعارض النبوي الملازمة المستفادة من الروايات بين كون نماء شي ء لشخص و درك تلفه عليه كالواردة في بيع الخيار حيث استشهد فيها الإمام عليه السلام لكون نماء المبيع للمشتري بكون تلفه عليه و كذلك يعارضه قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له.

فإنه يقال ما دلّ على انّ تلف المبيع قبل قبض المشتري من مال بائعه أخص بالإضافة إلى قاعدة الملازمة حيث يلتزم بها إلّا في مورد كون المبيع بيد بايعه بل يمكن أن يقال قاعدة الملازمة تنفي الضمان بالبدل عن الغير لا ضمان الانحلالي كما هو المفروض في التلف قبل القبض و ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لا عموم فيها، بحيث يعمّ جميع الخيارات بل غايته خياري الحيوان و الشرط أو المجلس ايضا فيما كان خياره لأحدهما فقط بل لا إطلاق له بحيث يعمّ قبل القبض بل يختصّ بما بعد القبض، كما هو المفروض في تلف الحيوان بيد المشتري و المفروض في خيار التأخير وقوع التلف قبل القبض.

أقول: يمكن أن يكون المستند في ضمان تلف قبل القبض السيرة العقلائيّة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

الممضاة في الشرع، كما يشهد لذلك معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير انّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيتك غدا إنشاء اللّٰه تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال (من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع

و يخرجه من بيته، و إذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله اليه) «1»؛ و لكن مقتضاها عدم كفاية تسليم المبيع في خروج البائع عن الضمان فيما إذا لم يأخذه المشتري، و هذا يكون أوسع من السيرة؛ و لكن شمولها لما إذا امتنع المشتري من قبض المتاع مع تسليم البائع، و لو مع عدم قبض الثمن، بان كان ترك المتاع عند البائع بغير رضاه لا يخلو عن التأمل.

و قد ظهر ممّا تقدم انّه لا فرق في ضمان البائع تلف المبيع قبل القبض بين كونه في الثلاثة أم بعدها، و مع تحقق القبض يكون تلفه على المشتري من غير فرق ايضا بين الثلاثة أم بعدها الّا انّه يظهر من المحكي عن الشيخ في المختلف التفصيل، و هو انّه إذا كان التلف في الثلاثة فإن كان قبل القبض فهو من مال البائع، و ان كان بعده فهو من مال المشتري. و امّا إذا كان التلف بعد الثّلاثة فضمان تلفه على البائع لأنّ الخيار له. و أورد على ذلك في المختلف بأنّه مع القبض لا يكون للبائع خيار بعد الثلاثة و ذكر المصنف (ره) ان تعليله الضمان على البائع بكون الخيار له قرينة على انّ التلف بعد الثلاثة مفروض مع عدم قبض المتاع.

أقول: التعليل لا يناسب الحكم لأنّ ضمان البائع المتاع قبل الثلاثة أو بعدها، كما ذكرنا لكون التلف قبل القبض و خيار البائع بعد الثلاثة لو لم يكن مقتضيا لكون

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 10 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 255

[لو اشترى ما يفسد من يومه]

لو اشترى ما يفسد من يومه (1).

______________________________

الضمان على المشتري فلا أقل من عدم كونه مقتضيا للضمان

على البائع.

نعم عن الايرواني (قده) توجيه العبارة بأنّ الحكم المزبور مبني على مسلكه من عدم حصول النقل و الانتقال زمان الخيار من غير فرق بين الخيار المتصل بالعقد أو المنفصل عنه و على ذلك فان حصل قبض المتاع في الثلاثة فلا يكون البيع خياريّا، فيكون ضمان المبيع لكونه بعد القبض على مالكه الفعلي، أي المشتري بخلاف ما إذا لم يحصل القبض فيما يكون البيع خياريّا، و يكون تلف المبيع عن مالكه، و هو البائع؛ و فيه انّ هذا التوجيه ايضا غير صحيح لانّ المذكور في عبارة الشيخ فرض التلف في الثلاثة تارة و بعدها أخرى لا فرض القبض في الثلاثة تارة، و قبض المبيع بعدها أخرى فالتّوجيه على تقديره يجري في الثّاني لا الأوّل.

(1) المشهور على انّه لو اشترى ما يفسد من يومه فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل فهو و الّا فلا بيع له، و يستدلّ على ذلك بمرسلة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتى يأتيه بالثمن قال ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الّا فلا بيع له «1»؛ و مرسلة حسن بن رباط على ما في الفقيه؛ و لكن أسندها في الوسائل إلى زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل «2»؛ و الظاهر بقرينة التمثيل انّ المراد بالفساد زوال طراوته بالمبيت، و لو في بعض أيّام السنة لشدة الحرارة في تلك الأيّام فيكون الإمهال فيها الى اللّيل بمعنى انّ للبائع بعده خيار، و هذا فيما إذا كان في

الليل ايضا سوق ليتيسّر له بيعه بعد الفسخ.

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 11 من أبواب الخيار.

(2). الوسائل الجزء 12، الباب 11 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 256

[السادس خيار الرؤية]

اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترط فيه (1).

______________________________

و في الأمكنة التي ينتهي السّوق فيها بدخول الليل أو بزوال الشمس لا يبعد الخيار للبائع في آخر أزمنة السوق للسيرة الجارية بين العقلاء على ذلك و هذه السيرة هي العمدة حيث يحتمل جدا أن يكون ثبوتها وجها لعمل المشهور بالروايتين مع ضعفهما بالإرسال، و عليه يكون الملاك في ثبوت الخيار للبائع فوت السوق في البيع الذي يفسده المبيت بمعنى يثبت للبائع في آخر أزمنة انتهاء السوق خيار الفسخ.

بل لا يبعد أن يكون مجرد انتهاء السوق موجبا للخيار له، و ان لم يكن المبيت موجبا لفساده، و المراد بانتهاء السوق عدم التمكن على بيعه بالثمن الذي يباع به في ذلك الزّمان. فإنّ العبرة في بناء العقلاء مجي ء المشتري بالثمن قبل انتهاء السوق فيما كان عدم مجيئه و بقاء المبيع عند بايعه عرضة لتنزّل قيمته بانتهاء السوق أو طروّ الفساد عليه بل و مع عسر بيعه بعد ذلك، و ان لم يفسد و لم يتنزّل قيمته السوقيّة، و ليس المدرك لهذا الخيار قاعدة نفي الضرر ليقال انّها لا يثبت الخيار أو ان فوات السوق من قبيل فوت النفع لا الضرر.

ثم انّ المراد من كون عهدة البائع يوما ليس هو اليوم الكامل بل ينتهي عهدته بدخول الليل سواء كان البيع في أول اليوم أو أثنائه بقرينة أنّ المبيت بالمبيع هو الموجب لثبوت الخيار بخلاف ثلاثة أيام في غير ما يفسده المبيع

فانّ ظاهر ثلاثة أيّام الثلاثة التامة المتصلة، و ليس فيه قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور. نعم يكفي في الثلاثة التلفيق كما في سائر الموضوعات المقدرة بالأيّام كأقلّ الحيض و عشرة الإقامة و غيرهما، و حيث انّ ظاهر اليوم بياض النهار فيكون الليالي المتوسطة داخلة بلحاظ الاستمرار على ما تعرضنا لذلك في بعض المباحث السابقة.

(1) ظاهر عنوان المسألة كما ذكر المصنف (ره) انّ خيار الرؤية من افراد خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

تخلف الشرط حيث ان اشتراط وصف في المبيع، بمعنى جعل الخيار على تقدير تخلف ذلك الوصف و على ذلك فيكون ثبوت الخيار في الفرض مقتضى قوله (ص) المسلمون عند شروطهم لا قاعدة نفي الضرر بل كما ذكرنا سابقا انّ نفي الضرر مقتضاه نفي صحّة البيع و مع اشتراط الخيار فيه لا يناسب الامتنان رفعها.

و امّا الاستدلال بصحيحة جميل بن دراج «1» فلا يناسب خيار تخلف الشرط فانّ ظاهرها عدم اشتراط وصف في شراء تلك الصّنيعة و الّا لكان للمشتري الفسخ أخذا بشرطه من غير انّ يطلب من بائعها الإقالة لا يقال لو لم يكن في البين اشتراط الوصف لكان البيع بعدم مشاهدة تمام المبيع غرريا فإنّه يقال الظاهر انّ المشتري اعتقد بحال الصنيعة بالورود و الخروج منها؛ و لذا يرى لزوم البيع فطلب من صاحبها الإقالة.

و الحاصل: انّ ظاهر الصحيحة ان خيار الرؤية حكم شرعي يترتّب على شراء شي ء بدون مشاهدته أصلا أو تماما فيما كان ذلك الشي ء يباع بالمشاهدة بان اكتفى في شرائه بالتوصيف أو إحراز حاله بمشاهدة بعضه لا يقال يحتمل أن يكون المراد بالخيار في الرواية الاختيار في الشراء و عدمه بمعنى انّ البيع

السابق محكوم بالبطلان لعدم مشاهدة تمام المبيع و ليس بمعنى حق فسخ البيع و إقراره كما هو المعروف في خيار الحيوان و المجلس و غيرهما و يأتي انّ الخيار بمعنى بقاء اختيار الشراء و عدمه هو المراد من صحيحة زيد الشّحام.

فإنّه يقال لا يحتمل ذلك في صحيحة جميل فإنّه إذا نظر المشتري الى تسع و تسعين جزء من الصّنيعة و اعتقد حالها فلا موجب لبطلان البيع حيث يكفي هذا المقدار

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 15 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 258

..........

______________________________

في خروج شراء تمامها عن الغرر و لو فرض انّه لم يعتقد بحال القطعة التي لم يشاهدها لكان البيع بالإضافة إلى تلك القطعة باطلا لانحلال البيع بالإضافة إلى قطايعها، كما لا يخفى فيكون المشتري مخيّرا بين إمضاء البيع بالإضافة إلى القطع التي رآها و بين فسخه لا مخيرا بين شرائها تمامها و ترك شرائها، كما هو مقتضى الرواية لظهور اسم الإشارة من (قوله عليه السلام لكان له في ذلك) في الإشارة إلى شراء الصنيعة الذي وقع السؤال عن طلب الاستقالة فيه و عدم اجابة البائع بالموافقة و مفاد الجواب انّه لا حاجة الى الإقالة فإنّ للمشتري لعدم رؤيته تمام المبيع الخيار في الشراء.

و يظهر من صاحب الوسائل (قده) انّه استظهر خيار الرؤية من صحيحة زيد الشّحام ايضا حيث أوردها في الباب الذي عنونه بخيار الرّؤية قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال لا تشتر شيئا حتى تعلم أين تخرج السهم فانّ اشترى شيئا فهو بالخيار «1» إذا خرج.

و لكن لا يخفى انّه لو كان المراد شراء السهم

المشاع قبل إفرازه و تعيّنه فلا مانع عنه و يكفي في جوازه مشاهدة الكل و معلوميّة السهم، و في الفرض و ان يثبت للمشتري خيار الحيوان الّا انّه من حين الشراء لا من حين خروج السهم و تعيّنه خارجا فظاهر الرّواية لا يناسب الفرض و ان أريد شراء السّهم الخارج قبل خروجه و تعيينه خارجا؛ فهذا الشراء باعتبار عدم تعين السهم حال البيع من شراء الفرد المجهول فيكون محكوما بالبطلان، و ظاهر الرواية ذلك حيث نهى عليه السلام عن

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 15 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 259

ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشتري (1) فيمكن حمله على شراء عدد معيّن نظير الصّاع من الصّبرة (2).

______________________________

شراء السهم قبل خروجه أولا، ثم ذكر انّه لو اشترى يكون له الخيار حين خرج فيكون المراد من الخيار الاختيار في الشراء و تركه.

و امّا صحيحة عبد الرحمن الحجاج عن المنهال القصاب فلا ترتبط بخيار الرؤية و لا بالمراد من صحيحة زيد بل مدلولها عدم كفاية تعيين السهم خارجا بالنحو المزبور، بل لا بدّ فيه من تعديل السهام أوّلا ثم إخراجها و لو بالقرعة.

(1) لرجوع الضمائر في السؤال و الجواب الى الرجل المفروض في الرواية انّه اشترى الصنيعة و إرجاعها إلى بائعها خلاف الظاهر، لعدم ذكر البائع في السؤال قبل الضمائر. و الحاصل احتمال انّ البائع هو الذي باع الصّنيعة من غير مشاهدة كلّها بعيد؛ و أبعد من ذلك دعوى احتمال انّ الخيار في الصّحيحة يعم كلا من البائع و المشتري و وجه الأبعدية انّ الوارد فيها الخيار لمن فرض السائل عدم رؤيته تمام الصّنيعة لا لكل من لم ير تمام الصنيعة

سواء كان بائعا أو مشتريا.

(2) أقول: تصوير البيع بنحو الكلي في المعيّن يجري في الجملة التي تكون متساوية الأجزاء. و امّا في مثل الحيوان ممّا يختلف أفراده عادة بحسب القيمة فتصوير بيع الكلي في المعين لا يكون بتعيين العدد بل بتعيين نسبة قيمة المبيع الى المجموع، كما إذا باع من قطيع غنم عددها مأة مقدارا من الغنم يكون قيمة ذلك المقدار بالإضافة إلى مجموع قيمة القطيع عشرا، و مثل هذا البيع محكوم بالصّحة و يثبت فيه خيار الحيوان للمشتري، و لكن من حين البيع لا من حين تعيين المقدار المبيع خارجا بل لو عيّن البائع فردا لا يدخل ذلك الفرد في عنوان المبيع كان للمشتري استرداد ذلك الخارج و طلب تعيين الفرد المنطبق عليه عنوان المبيع، كما هو الحال كذلك في بيع الكلّي على العهدة و دفع البائع فردا لا ينطبق عليه عنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 260

[مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة]

و المعروف انّه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع (1).

______________________________

المبيع على العهدة.

نعم لو شاهد سابقا الجملة و بعد شراء الكلي في المعين رأى تمام الجملة أنّها تغيّرت عن الرّؤية السابقة يكون له خيار الرّؤية، و بذلك يظهر انّه لا يختصّ خيار الرّؤية بالعين الشخصيّة بل يجري في الكلّي في المعين في بعض الموارد.

(1) يعتبر عند المشهور في بيع العين الغائبة ذكر أوصاف تلك العين بحيث يرتفع الغرر عن البيع و عبّر في بعض الكلمات بذكر الأوصاف التي يعتبر ذكرها في بيع الشّي ء سلما، و في بعضها الآخر بذكر الأوصاف التي يختلف قيمة الشي ء بها كما يذكر في بعضها ذكر الصّفة؛ و المراد من جميع ذلك واحد. و لذا ادّعي الإجماع على كلّ

منها قال في التذكرة يعتبر في بيع الشي ء الغائب وصفه بما يكفي في بيع السّلم عندنا، و في موضع آخر منها انّه يعتبر في بيع الشي ء الغائب ذكر الأوصاف بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع، و ذلك بذكر الجنس و سائر الأوصاف التي يختلف بها قيمة الشي ء و يطرء الجهالة بعدم تعيين تلك الأوصاف، و في جامع المقاصد يعتبر ذكر الأوصاف الّتي يختلف بها قيمة الشّي ء، و فرع على ذلك ذكر الأوصاف بما يكفي في بيع الشّي ء سلما.

ثم انّ المصنف (قده) قد أورد في المقام إشكالات خمسة و أجاب عنها الأوّل انّ الجمع بين قولهم يعتبر في بيع الشي ء غائبا ذكر تمام الأوصاف التي يختلف بها قيمة الشّي ء مع قولهم يكفي في بيع الشّي ء الغائب ذكر الأوصاف التي يكفي في بيع الشي ء سلما لا يخلو عن تناف و ذلك فإنّهم ذكروا انّه لا يعتبر في بيع الشي ء سلما ذكر تمام الأوصاف بحيث يوجب اعتبار جميعها ندرة وجود المبيع أو لتعذر استقصاء الأوصاف و ذكر تمام الأوصاف في بيع الشّي ء الغائب لا يوجب محذورا لفرض وجوده فعلا في الخارج فيمكن استقصاء أوصافه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

و أجاب عن هذا الإشكال بأنّه يحتمل أن يكون مرادهم ذكر الأوصاف التي يعتبر في بيع الشي ء سلما، لو لا المحذور المزبور و يكون ذلك المحذور موجبا للمسامحة في بيع الشي ء سلما بحيث يعتبر فيه ذكر عمدة تلك الأوصاف، بل يمكن أن يقال ذكر تمام الأوصاف الّتي يختلف بها قيمة الشّي ء في بيعه غائبا ليخرج بيعه عن الغرر معتبر في بيع الشي ء سلما أيضا، لأنّ الغرر في البيع مبطل له من غير فرق بين السلم و

غيره فلا وجه لإلغاء اعتبار ذكرها في السلم حتى فيما تعذر استقصائها و معنى اعتبار الاستقصاء حتى في حالة تعذره بطلان البيع لعدم التمكن على شرط البيع، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يضبط أوصافه.

الإشكال الثاني: الظاهر عدم اعتبار ذكر تمام الأوصاف التي تختلف بها قيمة الشّي ء في بيعه غائبا لأنّ تلك الأوصاف كثيرة لا تستقصى عادة خصوصا في العبد و الأمة حيث انّ أوصاف الكمال المختلف بها قيمتها لا تنحصر بعدد، و إذا لم يستقص تلك الأوصاف يكون بيع الغائب غرريّا خصوصا بملاحظة انّ الغرر عرفا أخص من الغرر شرعا بمعنى انّه ربّما لا يكون في بيع الشّي ء غرر عرفا مع تحقق الغرر فيه شرعا، كما إذا باع الشي ء سلما و عيّن وقت الإقباض بزمان الحصاد.

الثالث: انّه لا يعتبر في بيع الشي ء الحاضر الذي يباع بالمشاهدة، كالحيوان و الأمة و نحوهما الاطّلاع على تمام أوصافها التي تختلف بها قيمتها و الّا لما جاز بيعها بالمشاهدة إلّا ممن يكون من أهل خبرة ذلك الشي ء المشاهد، و إذا لم يعتبر في بيع العين الحاضرة العلم بتمام تلك الأوصاف فكيف يعتبر في بيع الشي ء غائبا بل في بيعه سلما.

و أجاب عن جميع الإشكالات الثلاثة بأنّه يعتبر في بيع الشي ء عدم الغرر فيه عرفا، و إذا شوهدت العين أو وصفت بعمدة أوصافها لا يكون في بيعها غرر عرفا،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 262

[الأكثر على انّ الخيار عند الرؤية فوري]

الأكثر على انّ الخيار عند الرؤية فوري (1).

______________________________

و كذا الحال في بيع الشي ء سلما، و كلّما دلّ الشرع على اعتبار أمر زائد على عدم الغرر العرفي فيؤخذ به في ذلك المورد، كما إذا دلّ على اعتبار تعيين زمان الإقباض بالأيّام

و الشهر لا بالحصاد و نحوه، و يتمسك في غيره بإطلاق حل البيع و عدم الغرر فيه عرفا و يكون نتيجة ذلك اعتبار ذكر الأوصاف في بيع العين الغائبة؛ بل في بيع الشّي ء سلما بتوصيفه بما يكون وسطا بين الإجمال و التفصيل.

الإشكال الرابع: انّه ان أخذت الأوصاف في ناحية المبيع بان قيد بها فيحكم بفساد البيع للجهل بوجود المبيع المزبور خارجا و ان لم تؤخذ في المبيع فالبطلان باعتبار الجهل بأوصافها.

و لكن هذا الإشكال أيضا مندفع بما تقدم من انّه لا معنى لأخذ الأوصاف غير المقومة في ناحية المبيع الّا الاشتراط أي جعل الخيار على تقدير فقدها، و ما هو قابل للتقييد هو الكلّي دون العين الخارجية، فلا يوجب أخذها في المبيع الجهل بوجود المبيع.

(1) ذكر (قده) انّ خيار التأخير عند الأكثر على الفور و منسوب الى ظاهر الأصحاب بل في التذكرة عدم الخلاف في فوريّته عند المسلمين الّا ابن حنبل حيث جعل امتداده بامتداد مجلس الرؤية و احتمل في نهاية الأحكام و لا يعرف وجه للالتزام بفوريّته الّا الاقتصار في رفع اليد عن أصالة لزوم العقد بالقدر المتيقن.

و على ذلك فيرد على القائلين بالتراخي في خياري العيب و الغبن بأنّ التفكيك بينهما و بين خيار الرّؤية بالأخذ بأصالة اللزوم في خيار الرؤية بالإضافة الى غير القدر المتيقن دونهما بلا وجه مع انّ ملاحظة صحيحة جميل المتقدمة مقتضاه الالتزام بالتراخي في خيار الرؤية حيث لم يقيد فيها عليه السلام خيار الرّؤية بمدة.

ثمّ ذكر انّ دعوى الإطلاق في الصّحيحة لا تصحّ بناء على ما تقدم من انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

الخيار في المقام بملاك نفي الضرر و كون لزوم البيع

ضرريّا و الضرر ينتفي بثبوت الخيار في الزمان الأول و لا يكون الضرر في الزمان الثاني من لزوم البيع بل من ترك الفسخ في الزمان الأول، و لذا لا يتمسك في إثبات التراخي باستصحاب الخيار لارتفاع الموضوع و لا أقل من عدم إحراز بقائه.

أقول: قد تقدّم انّ خيار الرؤية لا يدور مدار تحقق الضرر على المشتري بل إذا اشترى عينا غائبا فوجدها على خلاف ما رآها سابقا أو على خلاف ما أحرز ما فيها من الوصف يثبت له الخيار سواء كان في ذلك الشراء ضرر على المشتري أو وجدها على خلاف صلاحه و رغبته فقط، و ذلك فانّ الخيار لا يثبت بقاعدة نفي الضرر أصلا، و انّ المدرك للخيار في المقام صحيحة جميل المتقدمة، و لم يذكر فيها عنوان الضرر موضوعا و لا ملاكا. و لا يبعد أن يقال بأنّ مقتضى الإطلاق فيها تراخي الخيار.

و دعوى انّها بصدد أصل ثبوت الخيار فقط من غير تعرّض لسائر الجهات لا يمكن المساعدة عليها لأنّ الأصل في كلّ خطاب يتضمن الحكم و موضوعه كون المتكلم بصدد بيان ذلك الحكم و موضوعه بتمام قيودهما التي منها الزّمان. و بتعبير آخر تقييد مثل خيار الحيوان في الخطابات بزمان خاص و عدم تقييد مثل خيار الرؤية به مقتضاهما الالتزام بدخل الزمان في الأول دون الثّاني.

أضف الى ذلك ما ذكره السيد اليزدي (قده) من انّ الحكم في الصحيحة بثبوت خيار الرؤية للمشتري المفروض فيها لا يمكن إلّا بالتراخي في ذلك الخيار لأنّ الإمام عليه السلام قد حكم فيها بالخيار للمشتري فعلا أي بعد ما رأى القطعة التي لم يرها الى ما بعد البيع و بعد استقالته البائع و عدم موافقته على الإقالة

و بعد سؤال جميل الإمام عليه السلام عن حكم الشراء المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 264

..........

______________________________

نعم دلالتها على التراخي كذلك بالإضافة إلى المشتري المفروض في الرّواية حيث كان في الزّمان الأوّل بعد البيع جاهلا بثبوت خيار الرؤية له، و يمكن اختلاف الخيار في الفوريّة و عدمها بالإضافة إلى العالم و الجاهل بالخيار و عدم كون الجهل بالحكم عذرا بالإضافة الى مخالفة التكليف و الحكم لا بالإضافة إلى اختلاف جعل الحقّ، و منه الخيار كما لا يخفى فما ذكره (ره) في ذيل كلامه من عدم كون الجهل بالفورية عذرا فتكون مقتضى الصحيحة التراخي في الخيار مطلقا ضعيف لانّه بعد إمكان اختلاف الجاهل بالخيار و العالم به في الفورية و عدمها يشكّل استفادة الحكم بالتراخي في حق من كان عالما بثبوت خيار الرؤية له، و لكن أخّر الفسخ و لو مع جهله بفوريّته.

و لكن يمكن دفع هذا الإشكال بإطلاق الحكم على المشتري المزبور بأنّ له خيار الرؤية حيث لم يقيّده عليه السلام بأوّل زمان علمه بالخيار، بل لا يمكن هذا التقييد كما لا يخفى.

و قد يجاب عمّا ذكره السيد اليزدي (ره) انّ الظاهر من أمثال الصحيحة أنّها سؤال عن الحكم لا انّه وقع أمر شخصي أريد السؤال عن حكمه فأصحاب الأئمّة عليهم السلام كانت طريقتهم فرض مسائل لأخذ الجواب و الثبت في كتبهم، و لعلّ كثيرا منها لم تكن واقعة في الخارج، كما يظهر بالمراجعة إلى الأصول المنقول فيها رواياتهم فلا وجه لما ذكر.

أقول: لم يظهر وجه الجواب فانّ ارادة السؤال عن الحكم الكلّي لازمه أن يعمّ الجواب الكلي الواقعة المفروضة في السؤال أيضا لا أن لا يعمّ الجواب شخص الواقعة المفروضة في

السؤال، كما لا يخفى. و محور كلام السيد اليزدي (قده) انّه لو كان خيار الرّؤية بنحو الفور لم يمكن ثبوت الخيار فعلا للمشتري المفروض في السؤال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 265

[يسقط هذا الخيار بترك المبادرة]

يسقط هذا الخيار بترك المبادرة (1).

______________________________

(1) يسقط خيار الرّؤية بأمور:

الأوّل: ترك مبادرة ذي الخيار الى فسخ البيع على قرار ما تقدم من تركها في فسخه بخيار الغبن. أقول: انتهاء الخيار بترك المبادرة مبني على كون خيار الرؤية على الفور، و قد تقدم ضعف ذلك و انّه على التّراخي.

الثاني: إسقاطه قولا بعد الرؤية و وجدان العين على خلاف ما رآها سابقا فانّ جواز إسقاطه مقتضى كون الخيار حقّا على ما استفيد من الأخبار الواردة في خيار الحيوان و غيره، و لا يحتمل كون بعض الخيار حقّا دون البعض الآخر.

الثالث: التصرّف في العين الّتي رآها على خلاف ما رآها سابقا أو على خلاف ما أحرز لها من الوصف، و لكن هذا التصرّف فيما إذا كان مع بقاء الرّضا بالمعاملة و الإغماض عن فسخها حتى فيما بعد يكون إسقاطا فعليّا، و لا فرق في نفوذ الإسقاط بين القول و الفعل؛ و امّا إذا كان بغير هذا الداعي فلا دليل على سقوط الخيار به بعد ما ذكرنا من انّ الخيار حقّ يتعلّق بالمعاملة و لا يمنع عن تصرّف المتعاملين فيما انتقل إليهما. نعم قد حكم الشارع في بعض التصرفات بأنّها إسقاط فعلي للخيار كلمس الجارية و النظر منها الى ما يحرم على غير المالك و الزوج و الكلام في المقام في مطلق التصرّف لا في تلك التصرفات التي لا يبعد القول بأنّها مسقطة لخيار الحيوان، و لا يعمّ سائر الخيارات لاحتمال الخصوصيّة في خيار

الحيوان. و لذا لا يوجب النظر إلى الأمة المشتراة سقوط خيار العيب على ما يأتي.

ثم انّه ظهر مما ذكرنا عدم الفرق في التصرف المسقط بين كونه قبل الرؤية أو بعدها بناء على ما ذكر من جواز إسقاط الخيار بعد البيع و قبل الرؤية حتى لو قيل بحصول الخيار بالرؤية بأن يكون الرّؤية مقوّما لموضوع الخيار لا كاشفا.

الرابع: إسقاطه قولا أو فعلا بعد المعاملة و قبل الرؤية. و قيل جواز إسقاطه قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 266

..........

______________________________

الرّؤية مبني على كون الرؤية كاشفة؛ و امّا إذا كانت سببا فيكون إسقاطه قبلها من إسقاط ما لم يجب و ذكر المصنف (ره) انّه لو قيل بأنّ السبب للخيار هو العقد و الرؤية شرط لتحققه كفى ذلك في إسقاطه حيث يجوز في إسقاط شي ء تحقق سببه.

أقول: قد ذكر الرؤية في صحيحة جميل بإضافة الخيار إليها، و الإضافة تكفي فيها مناسبة ما و لو باعتبار أنّ الرؤية غالبا موجب العلم بفقد الأوصاف التي أحرزها المشتري في العين الغائبة أو اعتقد بوجودها فيها، بل الرؤية في أمثال المقام كناية عن العلم المتمحض في الطّريقية، كما في قوله إذا رأيت زيدا محتاجا فأعطه المال.

و بتعبير آخر مناسبة الحكم و الموضوع انّ الخيار مترتب على فقد الوصف الذي أحرزه المشتري و اعتقده في المبيع الغائب؛ و لذا لو رأى العين على ما أحرزها لم يكن له خيار مع انّه لم يذكر ذلك في الصحيحة، هذا أوّلا، و ثانيا. لو سلّمنا حدوث الخيار بالرّؤية الّا انّ إسقاط الحق لا يقاس بإسقاط الأمر الحقيقي و العيني؛ بل هو كالحقّ أمر اعتباري إنشائي، و قد ذكرنا كرارا اعتبار الأمر الاستقبالي وجودا و

سقوطا أمر ممكن غاية الأمر يحتاج نفوذه الى دليل الإمضاء، و دليل الإمضاء في المقام جواز إسقاطه حال العقد بشرط سقوطه فيه فإنّه إذا كان الخيار من الحقوق و جاز إسقاطه قبل تمام العقد باشتراط سقوطه عنه كما يأتي جاز إسقاط ذلك الحق بعده ايضا حيث لا يحتمل جواز إسقاط الحق في العقد لا بعده.

الخامس: اشتراط سقوطه في العقد فانّ في هذا الاشتراط أقوال ثلاثة: الأول:

فساد الشرط و فساد البيع به. الثاني: صحّة العقد و الشرط فلا يكون مع شرط سقوط خيار الرّؤية خيارها في شراء العين الخارجيّة. الثالث: فساد الشرط، و لكن يصحّ العقد و يثبت في شرائها خيار الرّؤية كما هو مقتضى فساد الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 267

..........

______________________________

و ذكر (قده) في وجه الأوّل انّ الشرط المزبور يوجب كون البيع غرريّا لانّ معنى شرط سقوط الخيار عدم التزام البائع بوجود الصفات التي وصفها بها، و انّه يبيع العين الغائبة بأيّ صفة. و بتعبير آخر اعتبار الأوصاف في العين كان قائما مقام مشاهدة العين؛ و إذا ألغى اعتبار الأوصاف كان بيع تلك العين بلا توصيف و رؤية و هذا يدخل في بيع الغرر.

و وجه القول الثاني: انّ خيار الرؤية نظير خيار الحيوان حكم شرعي يترتّب على تمام البيع، و معنى شرط سقوط الخيار الرّؤية الالتزام بعدم فسخ البيع لا انّ العين الغائبة تباع بأيّ صفة كانت بحيث يوجب الغرر في البيع، و الّا لما صحّ اشتراط البراءة من العيوب و يكون البيع بها غرريّا، لانّ اختلاف ماليّة الشي ء باختلاف صحّة الشي ء و عيبه أفحش من تفاوتها باختلاف سائر الأوصاف.

لا يقال: الرافع للغرر عن البيع في وصف الصحّة و العيب ليس

هو التوصيف بل الاعتماد على أصالة الصحّة بخلاف رفعه في بيع العين الغائبة فإنّه يكون بالتوصيف فمع الإغماض عن التوصيف يكون بيعها غرريّا بخلاف مسألة البراءة عن العيوب.

فإنّه يقال لا فرق في ملاحظة الوصف لرفع الغرر عن البيع بين وصف الصحّة و سائر الأوصاف غاية الأمر ملاحظة وصف الصحّة غير محتاج الى ذكرها في متن العقد بل يكتفي في بيع الشي ء صحيحا الاعتماد على أصالة سلامته، فيكون معنى البراءة عن العيوب بيع الشي ء صحيحا كان أو فاسدا، خصوصا على ما حكاه في الدروس عن الشيخ و أتباعه من جواز اشتراط البراءة عن العيب فيما لا قيمة لمكسوره مع العيب كالبيض و الجوز الفاسدين؛ و لذا ذكر الشهيد و أتباعه فساد البيع باشتراط البراءة في مثل الجوز و البيض، و لكن مقتضى ذلك عدم جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

اشتراط البراءة حتى في غيرهما ايضا.

و وجه القول الثالث: انّ شرط سقوط خيار الرؤية لا يوجب الغرر في البيع فانّ غايته أن لا يكون له الفسخ على تقدير تخلف الرؤية عن التوصيف الّا انّ الخيار في زمان اشتراط سقوطه غير محقق فيكون الاشتراط المزبور من إسقاط ما لم يجب فلا يصحّ و نتيجة ذلك صحّة البيع و ثبوت خيار الرّؤية على تقدير تخلف الرؤية عن التّوصيف.

ثمّ انه (ره) اختار القول الأوّل بدعوى انّ شرط سقوط الخيار موجب للغرر في البيع لأنّ الأوصاف التي تذكر للعين الغائبة؛ امّا قيد للبيع، و امّا قيود للمبيع؛ و مع شرط سقوط الخيار يكون مقتضى العقد وقوع البيع على كل تقدير و على أيّ وصف للعين المزبورة و التنافي بين هذا و بين توصيف بايع العين ظاهر

بخلاف البراءة عن العيوب فإنّ التنافي لا مجال له فيها فانّ رفع الغرر عن البيع في مورد خيار العيب يكون باعتماد المشتري على أصالة الصحّة لا على تعهّد البائع و توصيفه فلا يكون في اشتراط البراءة تناف لتحقق الاعتماد على أصالة الصحّة و لو مع برأيه البائع، و على ذلك فلو كان الاعتماد في شراء العين الغائبة على أمر آخر غير توصيف البائع كما إذا رأى المشتري العين سابقا و اشتراها بالاعتماد على استصحاب بقائها على حالها أو على توصيف غير البائع يكون اشتراط سقوط خيار الرؤية نظير مسألة البراءة عن العيوب غير مناف لارتفاع الغرر عن البيع.

و لو فرض انّه لا فرق بين الاعتماد على أصالة الصحّة و توصيف البائع في انّ اشتراط سقوط الخيار في مسألة البراءة عن العيوب و مسألة بيع العين الغائبة يوجب الغرر في البيع فنلتزم بجواز البراءة عن العيوب للنص الوارد فيها و يكون هذا النصّ مخصصا للنهي عن بيع الغرر، فانّ هذا النهي عنه لا يزيد على سائر العمومات الّتي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

يرفع اليد عن عمومها بورود المخصّص.

أقول: عمدة ما ذكره (قده) في المقام يرجع الى أمور ثلاثة: أحدها: انّ الوصف الّذي يتعهده البائع للمشتري قيد للبيع أو قيد للمبيع بحيث لا يكون البيع أو المبيع مع عدم ذلك التعهد مطلقا.

و ثانيها: انّ كل وصف اعتبر في المبيع بتعهد البائع و توصيفه لا يمكن فيه شرط سقوط خيار الرّؤية لتنافي التوصيف و التعهد مع شرط سقوط الخيار فيكون البيع مع شرط سقوط الخيار غرريّا بخلاف ما إذا كان رفع الغرر بغير توصيف البائع و تعهّده، كما في خيار العيب فانّ شرط

سقوط الخيار فيه لا يوجب التنافي و الدخول في الغرر.

و ثالثها: انّه لا يقاس مسألة برأيه البائع عن عيوب المبيع بمسألة شرط سقوط خيار الرؤية مع توصيف البائع لينافي شرط سقوط الخيار التوصيف، و على تقدير الإغماض عن ذلك فيمكن الالتزام بأنّ النهي عن بيع الغرر قد ورد التخصيص عليه في مورد برأيه البائع من العيب لورود النصّ على جوازه و سقوط الخيار معها و النهي المزبور لا يزيد على سائر العمومات و المطلقات.

و لكن لا يخفى انّ ذكر البائع الوصف للمبيع و ان يوجب تقييده و لكنه مختص بالكليّات لأنّها قابلة للتّقييد؛ و لذا لو باع كليّا موصوفا و دفع الى المشتري ما يكون فاقدا له يكون للمشتري الاستبدال فقط لا خيار الفسخ لأنّ ما دفعه الى المشتري ليس فردا للمبيع ليكون المدفوع وفاء للبيع، و لكن العين الشخصيّة لا يقبل التقييد؛ و لذا يكون الوصف فيه توضيحا.

و امّا نفس البيع فانّ الوصف في شي ء من القسمين لا يكون قيدا للبيع و الّا كان محكوما بالبطلان للتعليق و لا أقلّ ينتفي البيع مع عدم ذلك الوصف لا ان يثبت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

الخيار فانّ الخيار حقّ في فرض ثبوت البيع. و الحاصل انّ الوصف في بيع العين الخارجيّة سواء كان بذكر البائع أو بغيره ان أخذ بنحو الشرط فلا يكون قيدا للمبيع كما انّه لا يكون قيدا لنفس البيع.

نعم قد يقع التعهد به في المعاملة و لا معنى للتعهد به في بيع العين الشخصية كما هو الفرض الّا ثبوت الخيار للمشروط له على تقدير عدمه، و ظاهر توصيف البائع العين بوصف ثبوت هذا التعهد عليه و المراد بالظهور

إطلاق توصيفه و عدم تعقيبه بقوله و لكن لا خيار لك مع عدم الوصف فيكون توصيف البائع مع هذا التعقيب كتوصيف وليّ البنت في نكاحها بأنّها كذا، فلا منافاة بين التوصيف و عدم الخيار و شرط سقوط الخيار لأنه يكفي في شرط سقوطه احتمال عدم الوصف و لو احتمالا ضعيفا بحيث لا ينافي التّوصيف المتضمّن للأخبار بالوصف أو يكون شرط سقوط الخيار بداعي ان الوصف و ان يكون موجودا باعتقاده جزما إلّا انّه يحتمل أن المشتري ان يدعي فقده فيكون التحفظ على مؤنة الاختلاف و المحاكمة داعيا له الى شرط سقوط الخيار.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال انّ الموجب لثبوت الخيار هو التعهد المعاملي بالوصف و يحصل هذا التعهد و لو كان رفع الغرر في المعاملة باعتماد المشتري على أصالة السلامة أو توصيف الغير أو غير ذلك، و فيما إذا وقعت المعاملة مبنيّة على التّعهد به و لم يعقب بسقوط الخيار على تقدير التخلف يثبت الخيار و لا خيار مع تعقيبها به سواء كان الخيار المشترط سقوطه خيار الشرط أو الرّؤية أو غير ذلك. نعم قد ذكرنا فيما سبق عدم دوران خيار الرؤية للتعهد بل هو خيار آخر غير خيار الشرط؛ و لذا يثبت مع عدم توصيف البائع أيضا كما إذا اشترى العين الغائبة برؤية سابقة أو توصيف الأجنبي فلا مورد في مثله لتوهم الغرر مع شرط سقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 271

[لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت]

لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت (1).

______________________________

و على الجملة شرط سقوط خيار الشرط ينافي التّعهد بالوصف لا انّه ينافي التوصيف و رفع الغرر يكون بالتوصيف لا بتعهد البائع بالوصف فلا منافاة بين شرط سقوط خيار الشرط أو غيره

و بين توصيف البائع المبيع بوصف أو أوصاف.

(1) لا يسقط هذا الخيار ببذل البائع التفاوت بين العين الفاقدة للوصف و الواجدة له بان ليس له إجبار المشتري على أخذ ذلك التفاوت و إبقاء البيع كما انّه ليس للمشتري إلزام البائع بالبذل المزبور، و كذا الحال في إبدال المبيع الفاقد للوصف بالعين الواجدة له؛ و امّا التّراضي بالبذل أو الإبدال فهذا أمر آخر و يكون من الإسقاط الخيار بالفعل و قد مرّ أنّه كإسقاطه القولي.

و لو اشترطا في العقد الإبدال على تقدير تخلّف الوصف ففي صحة العقد و الشرط أو فسادهما أو صحة العقد دون الشرط أقوال: فإنّه قد ذكر في الدروس انّ الأقرب الفساد و قد حمله المصنف (ره) على فساد العقد و الشرط معا، و ذكر في وجهه انّه لو رجع شرط الأبدال على تقدير تخلف الوصف الى انفساخ ذلك العقد و انعقاد عقد آخر بين الثّمن المزبور و العين الأخرى الواجدة للوصف نحو شرط النّتيجة، فمن الظاهر انّ الشرط لا يحقق الانفساخ و لا انعقاد عقد آخر و لو رجع انّه على تقدير تخلف الوصف ينعقد عقد آخر بين العين التي جرى عليه البيع و بين البدل فيكون الشرط أي المشروط انعقاد معاملة أخرى تعليقيّة غررية لأنّ المفروض انّه لا يعلم فعلا انّ العين التي يجري عليها البيع فاقدة للوصف أو واجدة له، و هذا الشرط يوجب الغرر في أصل البيع فيبطل البيع و الشرط.

ثمّ تعرّض لما ذكره صاحب الحدائق (ره) في الردّ على الدروس و قال انّه يظهر مما ذكرنا ضعف الردّ. قال في الحدائق في مقام الردّ على الدروس ما حاصله انّه لو أراد الشهيد انّ البيع المشروط فيه الإبدال باطل

على الإطلاق أي فيما ظهرت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

العين على الوصف و ما ظهرت على خلافه ففيه انّه لا موجب لبطلانه مع ظهور العين على الوصف بل مقتضى الأخبار المتقدمة أي الأخبار الواردة في خيار الرّؤية صحّة ذلك البيع. نعم لو ظهرت العين على خلاف الوصف يكون البيع فاسدا لتخلّف الوصف و لا يصحّحه شرط الإبدال لإطلاق الأخبار المشار إليها من انّ للمشتري الخيار مع خلاف الوصف، و لعلّ مراد الشهيد في الدروس من الفساد فساد الشرط دون البيع و وجه فساد الشرط عدم ترتّب أثر على الشرط المزبور ظهرت العين على الوصف أو على خلافه.

أقول: الظاهر انّ صاحب الحدائق (ره) قد فهم ممّا ورد في خيار الرؤية بطلان البيع على تقدير تخلف الوصف بأن يكون معنى الخيار فيه اختيار البيع و عدمه؛ و لذا ذكر انّه مع ظهور العين على الوصف لا موجب لبطلان البيع و انّه مع المخالفة يبطل و لا يصحّحه الشرط المزبور، و فيه أوّلا انّ صحيحة جميل المتقدمة ثبوت الخيار بمعناه المعروف؛ و ثانيا انّه لا تعرّض لها لصورة ظهور العين على الوصف فكيف تمسك بإطلاقها.

و امّا أصل المسألة أي شرط الإبدال في البيع فان كان بنحو شرط الفعل فلا ينبغي الإشكال في صحّة البيع و الشرط، بل يكون شرط الإبدال من شرط سقوط خيار الرؤية فلا يكون للمشتري على تقدير تخلف الوصف إلّا المطالبة بالإبدال. نعم لو امتنع البائع عن الأبدال و لم يمكن إجباره فللمشتري خيار الفسخ لتعذّر الشرط.

و امّا إذا كان بنحو شرط النّتيجة فإن كان المشروط انفساخ البيع و انعقاد معاوضة أخرى بين الثمن و العين الواجدة للوصف فالشرط المزبور

باطل، لانّ شرط الانفساخ في العقد فسخ فعلي للمعاملة قبل حصولها، و لا دليل على نفوذه كما انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 273

[الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد]

الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد (1).

______________________________

شرط الأبدال مع الانفساخ شرط ابتدائي لانّ بالانفساخ ينفسخ المعاملة بشرطها و لا يقاس بشرط سقوط الخيار في العقد فانّ ما دلّ على شرط سقوط خيار العيب بالبراءة من العيوب في العقد دليل على مشروعيّة إسقاط الخيار في العقد فيعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم)؛ بخلاف شرط الانفساخ.

و امّا شرط الأبدال بين العين الفاقدة للوصف و الواجدة له بلا انفساخ البيع الأول بنحو شرط النّتيجة فهو ايضا باطل فإنّه من تمليك الشي ء بعوض أي المبدل قبل تملكه. و بتعبير آخر يدخل التمليك المزبور في بيع الشي ء قبل تملكه فيعمّه قوله صلوات اللّٰه عليه (لا بيع إلّا في ملك) بل في قوله عليه السلام نهى عن بيعين في بيع.

و امّا ما ذكر (قده) في وجه البطلان من انّ شرط الإبدال معاملة غرريّة تقديريّة فلا يمكن المساعدة عليه لأنّ المبدل في التمليك بالشرط العين الفاقدة للوصف؛ و امّا التعليق في التمليك فلا دليل على بطلانه بل الثابت بالإجماع هو التعليق في العقود لا في شروط العقود ايضا كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ خيار الرّؤية على تقدير رجوعه الى خيار تخلّف الوصف المشروط فلا اختصاص لذلك الخيار بالعين المبيعة بل يجري في كل معاملة تقبل اشتراط الخيار فيه. و امّا بناء على ما ذكرنا من انّ خيار الرؤية خيار تأسيسي يترتّب على عدم رؤية العين الخارجية زمان بيعها سواء كان شرائها بالرؤية السابقة أو بتوصيف ثالث؛ و استفدنا ذلك من صحيحة جميل

المتقدمة فلا يمكن التعدّي منها الى غير البيع من سائر المعاملات؛ و على ذلك فلو كانت المعاملة الأخرى المتعلقة بالعين الخارجية الغائبة بتوصيف مالكها فيثبت خيار الشرط، و الّا فلا خيار. و ممّا ذكر يظهر الحال في الاستدلال الّذي ذكره المصنف (ره) على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 274

[لو اختلف البائع و المشتري في الصفة]

ففي التذكرة قدّم قول المشتري (1).

______________________________

التّعدّي إلى سائر المعاملات.

(1) لو اختلفا فقال البائع لم يختلف الوصف و قال المشتري قد اختلف ذكر في التذكرة يقدم قول المشتري لأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن؛ و معنى تقديم قوله انه يثبت له خيار الفسخ بحلفه على عدم تعلق البيع على هذا الموجود بدون ذلك الوصف، و لكن ذكر في المختلف تقديم قوله البائع لأصالة عدم الخيار و لا مجال لأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن بعد إقراره بوقوع البيع على هذا الموجود و دخول الثمن في ملك البائع سواء تخلّف الوصف أم لا.

و ما قيل من انّ المراد من أصالة برأيه ذمّة المشتري عدم وجوب تسليمه الى البائع حتّى ما لو أقبض المبيع بناء على ما ذكروه في أحكام الخيار من عدم وجوب القبض و الإقباض زمان الخيار و لا يجب تسليم أحدهما و لو مع تسلّم المال من الآخر ففيه انّه لا يجوز الإمساك بمال الغير بلا رضاه و الخيار حق متعلّق بالعقد فانّ فسخ ذو الخيار يكون له استرداد ما انتقل عنه الى صاحبه و الّا فلا يجوز الاسترداد أو الإمساك به مع تسلم المال الآخر عن صاحبه. و الأظهر انّه لو رجع خيار الرّؤية إلى خيار تخلّف الوصف المشروط كما هو ظاهر المصنف (ره) فقد تقدم انّ الخيار اثر تعهّد البائع

بالوصف المفقود و الأصل عدم تعهّده به و ما ذكر المصنف (ره) من انّ لزوم العقد أثر إطلاق متعلق البيع فقد تقدم انّ العين الخارجية غير قابلة للتّقييد و اللزوم من أحكام البيع في صورة عدم تعهد البائع بالوصف المفقود و جريان البيع على العين محرز بالوجدان و عدم تعهد البائع بالوصف محرز بالأصل.

و امّا إذا كان خيار الرّؤية خيارا برأسه و انّه يثبت في شراء العين الخارجيّة التي لم يرها مشتريها عند شرائها فلم يحرز ان قيد الموضوع عدم وجدان العين على ما أحرزها من الوصف أو وجدانها على خلاف ما اعتقدها فيه من الوصف فلا يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 275

[لو نسج بعض الثوب فاشتراه على ان ينسج الباقي]

لو نسج بعض الثوب فاشتراه على ان ينسج الباقي (1).

______________________________

إجراء الأصل في ناحية موضوع الخيار فيجري في ناحية عدم ثبوت حق الخيار للمشتري المزبور فيكون القول قول البائع كما لا يخفى.

(1) لو نسج بعض الثوب و كان بعضه الآخر غير منسوج و باع المنسوج و غيره على ان ينسج الباقي على طبق المنسوج فقد قيل كما عن الشيخ (ره) في المبسوط و القاضي و ابن سعيد بطلان البيع المزبور من أصله لأنّ المبيع بعضه موجود و بعضه غير معلوم و ذكر السيد اليزدي (قده) ان مرادهما بيع العين الخارجيّة التي بعضها موجود و بعضها غير موجود. و من الظّاهر انّه لا يصحّ بيع العين الخارجيّة قيل تحقّقها كبيع حنطة المزرعة و نحوها قبل وجودها.

أقول: بيع العين الخارجية قبل وجودها لا بنحو الكلي على العهدة، و ان كان غير صحيح فانّ العين قبل وجودها لا يعتبر ملكا و لا يصحّ بيعه مضافا الى ورود النصّ بذلك في بعض

أفراد المسألة، كبيع حنطة المزرعة و الثمرة قبل وجودهما الّا انّ ذلك لعدم الوجود حال البيع لا للجهالة؛ بل لو علم حصول العين في المستقبل ايضا لا يجوز بيعها، و لكن يظهر من النصوص المزبورة انّ تحقق بعض المبيع كاف في جواز بيع كلّه فراجع.

ثم انّ على تقدير بطلان البيع لعدم وجود بعض المبيع فعلا و كونه استقباليّا لا يوجب بطلان البيع مطلقا؛ بل يختصّ ذلك بالإضافة إلى موارد عدم انحلال البيع بالإضافة إلى الموجود و غير الموجود و الثوب في غالبه من موارد الانحلال؛ كما لا يخفى.

و ذكر المصنف (ره) انّ للبيع المزبور صور ثلاث و في كلّها يكون البيع محكوما بالصحّة، و لكن الصّورة المتقدمة مغفول عنها في كلامه، و الصور الثلاث ما إذا باع بعض المنسوج منضمّا الى الغزل الخارجي غير المنسوج على ان ينسجه طبق المنسوج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 276

[السابع خيار العيب]

اشارة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيّا على سلامة العين (1).

______________________________

و ما إذا باع المنسوج مع غزل كلّي موصوف على ان ينسجه و ضمّ الكلّي إلى العين الخارجيّة و بيعهما بصفقة لا بأس به، و بعض الكلمات المنقولة عن المختلف يشير الى جعل نسج الغزل شرطا في البيع حيث ذكر انّ اشتراط النسج كاشتراط الخياطة و الصبغ و ما إذا باع المنسوج مع أذرع معلومة من الثوب ينسجه مع النسوج فعلا، و يكون ايضا من ضمّ الكلّي إلى العين الخارجيّة في البيع، و قال انّ البيع في جمع الصور الثلاث محكوم بالصحة غاية الأمر انّه لو لم ينسج الباقي في الصورتين الأوّليتين يصحّ البيع في تمام البيع و يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط بخلاف الصورة الأخيرة فإنّه

يصحّ البيع بالإضافة إلى المنسوج مع ثبوت خيار تبعّض الصفقة فيه للمشتري.

(1) المراد من ابتناء العقد على سلامة العين اشتراط سلامتها في العقد الجاري على تلك العين نظير ابتنائه على وصف كمال يذكر في متن العقد و ليس المراد تعليق العقد على حصول ذلك الوصف و الّا بطل البيع مطلقا لاشتراط التنجز في العقود، و لا أقلّ من بطلانه على تقدير عدم الوصف لا كون العقد خياريا كما لا يخفى- و ما قيل من انّ اعتبار وصف الصحّة لانصراف متعلّق البيع الى فرض سلامته لا يخفى ما فيه لانّ الانصراف يتحقق في الكلمات، و لا يعمّ العين الخارجيّة و مع الإغماض عن ذلك فلازم ذلك عدم وجود للمبيع على تقدير فقد وصف الصحّة.

و الالتزام بتعدد المطلوب كما عن السيد اليزدي (قده) كما ترى فإنّه لو كان المراد من تعدّد المطلوب تعدد الالتزام و الملتزم به بان يكون أحد الالتزامين متعلّقا بملكيّة المشتري العين بإزاء الثمن، و الآخر بتحقق وصف الصحّة بمعنى استحقاق المشتري المطالبة به بحيث لو لم يكن في العين ذلك الوصف يكون له رفع اليد عن الالتزام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 277

..........

______________________________

الأوّل بفسخ المعاملة، فهذه عبارة أخرى عن الشرط الضمني و لو أريد من تعدد المطلوب معنى آخر فلا نتصوّره في البيع و نحوه فإنّه لا يمكن الالتزام بتعلق البيع بنفس العين مطلقا و بيع آخر بالعين مقيّدة بالوصف.

و الحاصل: في المقام أمران أحدهما الحكم بصحة بيع العين مع عدم الجزم بسلامتها مع انّ إحراز سلامتها ممّا يوجب انتفاء معظم الغرر عن بيعها و صحّته باعتبار هذا الإحراز بالاعتماد على أصالة الصّحّة.

و ثانيهما: ثبوت خيار العيب مع عدم

تبرّء البائع عن عيب المبيع، و هذا باعتبار اشتراط سلامة المبيع لا للاعتماد إلى أصالة الصّحة، و يشهد لذلك سقوط خيار العيب مع تبرأ البائع من عيب المبيع مع اعتماد المشتري على أصالة الصّحة، كما اعترف المصنف (ره) بذلك فيما سبق و على ذلك فلا بدّ من تعليل عدم ذكر وصف الصّحة في متن العقد بكون اشتراطها ارتكازيّا لا بالاعتماد على أصالة الصّحة، كما في عبارة المصنّف (ره). نعم يكون تعليل انتفاء الغرر بالاعتماد عليها كما ذكرنا.

و قد ظهر مما ذكرنا انّه لو أغمض النّظر عن الروايات الواردة في عيب المبيع لكان الثابت للمشتري خيار الشرط، و لذا جرى عليه سيرة العقلاء و لو من غير أهل الملّة و يعملون مع فقد وصف الصّحة معاملة فقد وصف الكمال المشروط و لا يكون في البين استحقاق المشتري مطالبة البائع بالأرش، و لكن قد ورد النصّ في مورد العيب بأنّ للمشتري المطالبة بأرش العيب و سقوط جواز الردّ بالحدث في المبيع و هذا حكم شرعي في مورد اشتراط وصف الصّحة و مقتضى النصّ عدم الفرق في ذلك بين الاكتفاء في شراء المعيب الواقعي بالشرط الارتكازي أو بذكر وصف الصحة في متن العقد صريحا.

و ما قيل من اختصاصه بما إذا لم يشترط وصف الصّحّة في متن العقد و الّا يجري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 278

[ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الردّ و أخذ الأرش]

ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الردّ و أخذ الأرش (1).

______________________________

عليه حكم خيار الشرط لا يمكن المساعدة عليه و يؤيّد ما ذكرنا مضمرة يونس بن عبد الرحمن في رجل اشترى جارية على انّها عذراء فلم يجدها عذراء، قال يردّ عليه فضل القيمة إذا علم انّه صادق

حيث انّ الاقتصار بأخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الفسخ مقتضاه ثبوت خيار العيب، و لو كان في البين خيار الشرط لم يسقط جواز الفسخ بالتصرّف في الجارية بالوطي، أو ما دونه غاية الأمر كان على المشتري بعد الفسخ مهر المثل، و لكن العمدة ما ذكرنا فإنّ الرّواية مع الإغماض عن إضمارها ضعيفة بإسماعيل بن مرار مع احتمال اختصاص الحكم بشرط البكارة و معارضتها بمثلها فراجع.

(1) المشهور على تخيير المشتري مع ظهور عيب المبيع بين فسخ المبيع و إمضائه و المطالبة بأرش العيب هذا مع بقاء المبيع بحاله و عدم التصرّف فيه و الّا تعيّن الإمضاء مع استحقاقه المطالبة بالأرش، و لكن الروايات الواردة في المقام لم يذكر فيها التّخيير، بل ذكر فيها جواز الرّدّ و الفسخ كصحيحة ميسّر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل اشترى ذق زيت فوجد فيه درديا قال فقال ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه، و ما ورد في الأرش يختصّ بصورة التصرف في المبيع و احداث الحدث فيه.

نعم ورد في الفقه الرضوي فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري فالخيار اليه ان شاء ردّه و ان شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب، و ظاهره كما في الحدائق تخير المشتري بين فسخ البيع و إمضاء البيع بدون أخذ الأرش أو مع أخذه و احتمل بعضهم زيادة الهمزة في لفظة أو و يكون مفاد واو العطف و مقتضاه تخيير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

المشتري بين فسخ البيع و أخذ الأرش كما عليه المشهور.

و لكن

الأظهر انّ جواز المطالبة بالأرش يختص بمورد الحدث في المعيب و قبله لا يكون للمشتري إلّا الفسخ و بعده يكون المطالبة بالأرش فقط كما عليه جماعة من الأصحاب ففي معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أيّما رجل اشترى شيئا به عيب و عوار لم يتبرء اليه و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثم علم بذلك العوار و بذلك الداء انّه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1»، و مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا فقال ان كان الشّي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن؛ و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب و على ذلك فلو لم تكن في هذه دلالة على عدم الاستحقاق لأخذ الأرش مع عدم الحدث في المبيع فلا أقلّ انّه لا دلالة في البين على جواز المطالبة به قبل التصرّف و احداث الحدث.

و قد تقدّم انّ ثبوت الأرش لا يدخل في مقتضى اشتراط وصف الصّحّة و يحتاج ثبوته الى الدليل و الفقه الرضوي لم يثبت كونها رواية ليدّعي انجبار ضعفها بعمل المشهور مع احتمال انّ المشهور التزموا بالتخيير بين الفسخ و المطالبة بالأرش لبعض ما أشار المصنف (ره) اليه و عمدته ما قيل من انّ وصف الصّحة كالجزء للمبيع، و مع فقدها يبطل البيع بالإضافة الى ما وقع من الثمن بإزاء ذلك الوصف فيكون للمشتري استرداد ذلك أو فسخ البيع تماما لتبعض الصّفقة عليه.

و لكن الوجه ضعيف جدا و ذلك فانّ

وصف الصّحة كوصف الكمال، و ان

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 16 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 280

ينافيه إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش (1).

______________________________

يوجب زيادة ثمن العين الّا انّ الثمن في البيع يقع بإزاء نفس العين؛ و لذا يكون تمام الثمن للبائع على تقدير عدم فسخ البيع و عدم المطالبة بالأرش؛ بل على تقدير المطالبة أيضا لأنّ الأرش الذي يستحقّه المشتري بمطالبته من قبيل التغريم في باب اللقطة، و ليس جزءا من الثمن و لا من قبيل الدين على العهدة بأن يثبت المال على عهدة البائع من دون المطالبة.

و يترتب على ذلك انّه لا يتعيّن على البائع ردّ الأرش من نفس الثمن و لو مع مطالبة المشتري.

و امّا ما ذكره المصنف (ره) من انّ الجزء الفائت يقسط عليه فيما إذا لم يؤخذ في البيع شرطا و مع ثبوته شرطا فلا يثبت في البيع الّا خيار الفسخ، كما إذا باع الأرض على انّها جريان معينة فظهرت أقلّ منها فلا يمكن المساعدة عليه فإنّه إذا كان الجزء مما ينحل البيع بالإضافة إليه كما إذا كانت الأرض مما يباع كل جرب منها بكذا و باعها بثمن على انّها جريان معيّنة فظهرت أقلّ منها ينحلّ البيع بالإضافة إلى الناقص سواء أخذ جزءا أو شرطا بان جعل من قبيل شرط وصف المبيع؛ و اما إذا لم ينحل البيع بالإضافة إليه كما إذا باع دار سكناه بكذا على انّه كذا جريب فبان أقلّ منها فلا يثبت الّا خيار الفسخ فليس المعيار في تبعّض البيع الاشتراط و عدمه بل كون المبيع مما ينحلّ البيع بالإضافة إلى أجزائه و عدمه.

(1) قد تقدّم عدم رواية في البين تكون

ظاهرة في استحقاق المطالبة بالأرش مع عدم الحدث في المبيع و لعلّ مراده بالإطلاق عدم تعليق الأرش على اليأس من الرّد؛ بل على الحدث في المبيع، و لكن في التفرقة تأمل و لعله أشار إليه بالأمر بالفهم؛ و امّا ما في صحيحة عمر بن يزيد من قوله عليه السلام يلزمه ذلك فلا ظهور لها لرجوع الإشارة إلى الأرش مع ان القسمة المفروضة حدث في المبيع كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 281

[و يؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة]

و يؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة (1).

______________________________

لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ خيار الفسخ في الروايات و كذا استحقاق الأرش مترتب على العلم بالعيب و وجدانه، و بما انّ العلم أو نحوه كما أشرنا مرارا ظاهر ذكره في الخطاب طريقا لا انّه مقوّم لموضوع الحكم فيثبت الخيار بمجرّد العيب؛ و امّا استحقاق الأرش فقد تقدّم ثبوته بعد فرض العيب بحدوث الحدث في المبيع.

و امّا ما ذكر المصنّف (ره) من انّه لا معنى لاستحقاق الأرش بظهور العيب بل يتعيّن ثبوته بمجرد العيب فلا يمكن المساعدة عليه لأنّه لو قيل بأنّ الأرش جزء من الثمن و مقابل لوصف الصّحة أو كونه من قبيل ضمان الوصف ببدله في ضمان اليد فيكون الأمر كما ذكره، و لكن قد ذكره (قده) قبل ذلك انّ الأرش ليس جزءا من الثمن، و ذكرنا انّ ثبوته من قبيل التغريم في باب اللقطة لا من قبيل ثبوت الدّين بان يثبت المال على عهدة البائع بدون مطالبة المشتري فإنّه لا يستفاد من الأخبار الواردة في الأرش غير التغريم. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

ثمّ انّه قد ذكرنا انّ خيار العيب ثبت في مورد اشتراط الصّحة، و هذا

الاشتراط ارتكازي مع إطلاق العقد، و انّه لو لم يكن في البين الأخبار الخاصة كان الثابت في هذا الاشتراط ما يثبت في مورد اشتراط وصف الكمال، و لكن تلك الأخبار قد دلّت على أمرين سقوط خيار الفسخ بالحدث في المبيع و جواز المطالبة بالأرش مطلقا أو بعد الحدث و لاختصاصها بالبيع لا يمكن الالتزام بجريان الأمرين في سائر العقود فيكون الثابت في مواردها مجرد جواز الفسخ فإنّه مقتضى ثبوت الشرط الارتكازي الجاري في غير البيع ايضا.

و قد تحصل من جميع ما تقدم انّ خيار العيب متضمن لحقين طوليين أحدهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 282

[القول في مسقطات هذا الخيار]
[سقوط الرد خاصة بأمور]
[الأول و الثاني التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرّدّ و التصرف في المعيب]

التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرّدّ (1).

______________________________

جواز فسخ العقد قبل حدوث الحدث في المبيع و مع حدوثه جواز مطالبة الأرش؛ هذا بناء على ما اخترنا. و امّا بناء على المشهور من ثبوت جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش في عرض واحد فيمكن الالتزام بأنّ الثابت حقا قبل الحدث هو الجامع بين الأمرين بنحو الكلّي في المعين، كما ذكرنا في بيع أحد المتماثلين كإحدى الصبرتين المعلومين وزنهما، و كما انّه ليس من بيع الفرد المردد كذلك لا يكون المقام من الحقّ المردد، كما يمكن الالتزام بثبوت كلا الحقّين لكنّهما متضادان في الاستيفاء فانّ مع الفسخ لا مورد للأرش و بالأرش فرض الفسخ خلف.

(1) يسقط جواز فسخ البيع دون الأرش بأمور:

الأول: الالتزام ببقاء العقد و الإغماض عن فسخه سواء كان الالتزام قبل العلم بالعيب أو بعده، و كذا الالتزام بالعقد مع العلم بالعيب باختياره الأرش و لو أسقط خياره قبل العلم بالعيب أو بعده فالأظهر سقوط الأرش أيضا فإن إسقاط خيار العيب بعد العقد كإسقاطه حال العقد و

حقّ المطالبة بالأرش داخل في خيار العيب و باعتباره جعل نوعا من الخيار.

الثّاني: التصرّف في المبيع المعيوب سواء كان التصرّف قبل العلم بالعيب أو بعده فإنّه يسقط به جواز الردّ دون الأرش و استدلّ على ذلك بأنّ التصرف المزبور يدلّ على رضاه ببقاء البيع و الإغماض عن فسخه و الّا لما كان يتصرّف فيه قبل اختباره و إحراز صحّته، و فيه انّ التصرف فيه باعتبار كونه ملكا بالفعل سواء كان معيبا أو صحيحا و التصرّف فيه بعد العقد لا يقصر عن الإقدام بشرائه قبل اختباره، و كما كان شراؤه للاعتماد على أصالة السلامة، و كذا التّصرّف فيه.

و الحاصل انّه لو كان التصرّف في المبيع قبل العلم بالعيب أو بعده للإغماض عن فسخ البيع حتى مع العيب فلا ينبغي الريب في سقوط جواز الفسخ لانّ جوازه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

حقّي و لا يختصّ إنشاء السّقوط بالقول بل يكون به و بالفعل. و امّا مطلق التصرّف في المبيع من غير قصد الإغماض عن الفسخ، فلا دليل على كونه مسقطا تعبدا.

نعم إذا كان التصرّف حدثا في المبيع و مغيّرا له بحيث لم يصدق انّه ليس على ما شرى فيسقط جواز الفسخ لدلالة الصّحيحة، و المرسلة المتقدمتين، بل ربّما يستدلّ على عدم سقوط جواز الفسخ بمطلق التصرّف بما ورد في جواز ردّ الجارية بعدم الحيض إلى ستة أشهر من حين شرائها مع كونها في سنّ من تحيض و بما ورد من جواز ردّها بعيوب السنة؛ و من الظاهر انّ الجارية في ستة أشهر أو الى سنة لا تخلو عن التصرّف فيها، و لو بمثل استخدامها في بعض الأمور كغلق الباب و غسل الثياب

و نحو ذلك؛ و لكن لا يخفى انّه لو تمّ الدليل على سقوط جواز الردّ بمطلق التصرّف فيلتزم في الجارية بعدم سقوط ردّها بمطلق التصرّف و لا يوجب رفع اليد عن مسقطيّة مطلق التّصرّف في غيرها من المبيع.

و قد يستدلّ على كون التصرّف في المعيب مسقطا لجواز الفسخ و لو قبل العلم بالعيب بما ورد في خيار الحيوان من انّ المشتري لو أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط قبل له، و ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. فإنّه إذا كان النظر إلى الجارية بما ذكروا لمسها حدثا مسقطا للخيار كان التصرّف المفروض في المقام ايضا حدثا مسقطا لخيار العيب أي جواز فسخ البيع.

أقول: قد تقدّم مرارا انّ الرضا بالبيع عبارة عن الإغماض عن فسخ و الالتزام ببقائه، و ان كان من قصد المتصرّف ذلك سواء كان ذلك مع العلم بالعيب أو قبله، فهذا مسقط فعلي في مقابل المسقط القولي؛ و مع عدم القصد المزبور فلا إسقاط للخيار. نعم ربّما يجعل الشارع للخيار أمدا كأحداث الحدث في بيع الحيوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 284

[الثّالث: تلف العين أو صيرورته كالتّالف]

الثّالث: تلف العين أو صيرورته كالتّالف (1).

______________________________

و الافتراق في خيار المجلس فيعبّر عنه بأنّ الافتراق أو الحدث في الحيوان رضا بالبيع فيعمّ ما إذا كان الحدث جهلا بالخيار أو الغفلة عنه، كما انّه ربّما يجعل للحدث مصداقا فيكون ذلك تعبدا و النظر إلى الجارية و لمسها من هذا القبيل، و على ذلك فلا يمكن التعدّي الى غير ما ورد التعبد بكونه مصداقا في خيار الحيوان فضلا عن سائر الخيارات

و يؤيّده ما ورد في خيار العيب من ردّ الجارية على بائعها مع عدم وطئها فإنّه لم يشر فيه الى عدم وقوع مثل التقبيل و النظر و اللمس مع انّ الجارية لا تخلو عنها و على كلّ تقدير فلا يمكن استفادة الحدث في الجارية في خيار العيب مما ورد في خيار الحيوان فضلا عن استفادة كون كلّ تصرّف في المبيع حدثا.

و مما ذكرنا يظهر انّه لا وجه لما ذكره المصنف (ره) من التفصيل و هو انّه إذا كان التّصرف في المبيع المعيوب قبل العلم بالعيب فان كان ذلك موجبا لتغيّر العين، و من قبيل الحدث فيها فلا يكون معه جواز الردّ عملا بالصحيحة، و المرسلة و يبقى معه جواز المطالبة بالأرش، و ان كان بعد العلم و لم يكن مغيّرا و من الحدث في المبيع فان كان دالا على الرّضا نوعا فذلك ايضا مسقط، و مع عدم دلالته على الرّضا فلا موجب لسقوط الخيار و وجه الظهور انّ مع ظهور الفعل في الإغماض عن فسخ البيع يثبت حكم ظاهري لاعتبار ظهور الأفعال كالأقوال. و امّا سقوط الخيار واقعا فهو فرع قصد الإغماض عن الخيار كما لا يخفى.

(1) الثالث: من مسقطات جواز الردّ تلف المبيع أو كونه كالتّالف.

و كونه كالتالف امّا بتمام الملكية كانعتاق المبيع على المشتري. و امّا بانتقال المبيع الى ملك غير المشتري بعقد لازم أو جائز أو صيرورة العين تحت سلطان الغير، كما إذا استأجرها المشتري أو جعلها رهنا.

و ذكر كل ذلك مسقطا لا تخلو عن المسامحة لأنّ المستفاد من الصّحيحة و المرسلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 285

..........

______________________________

ان جواز الفسخ ما دام لم يحدث في المبيع شيئا و

كونه قائما بعينه و بحصول كل من الأمور المزبورة ينتهي أمد جواز الفسخ و لكن التعبير غير مهم.

و المهم في المقام ما إذا تلف المبيع حقيقة فإنّه قد يقال بان الفرض خارج عن المرسلة منطوقا و مفهوما لأنّ منطوقها فرض بقاء المبيع بحاله الذي كان عليه المبيع و مفهومها عدم بقائه بحاله بنحو السالبة بانتفاء المحمول، كما هو المتفاهم العرفي من قضيّة السالبة.

و بتعبير آخر قد فرض في كل من المنطوق و المفهوم أصل وجود المبيع و جعل جواز الفسخ و عدم جوازه مدار عدم تغيره و تغيّره.

لا يقال إذا سقط جواز الفسخ في فرض تغيّر المبيع عمّا كان عليه يسقط مع تلف العين بطريق أولى فإنّه يقال لا طريق لنا إلى إحراز الأولويّة فإنه يحتمل ان يكون الوجه في سقوط جواز الفسخ بالتغيير لأجل ان في قبول المتغير صعوبة على البائع بأن يأخذ الثوب المقطوع و نحوه بخلاف الفسخ مع تلف العين فإنّه يأخذ مثلها أو قيمتها و أخذ بدل العين سهل. نعم ربما لا يكون في قبول المتغير صعوبة على البائع كما إذا تغيّر بالزّيادة، و لكن الملاك المزبور بنحو الحكمة فلا ينافي عموم الحكم بسقوط الخيار بالتغيير بالزّيادة.

و قد أجاب عن ذلك بعض المحققين بأنه لم يثبت في المقام جواز فسخ العقد على حدّ جواز الفسخ في سائر الخيارات بل الوارد في الروايات جواز ردّ المبيع نظير ما ورد في الهبة من جواز رجوع الواهب الى العين المرهونة و مع تلف العين لا يمكن تحقّق ردّها و على تقدير التنزل و الالتزام بان الثابت في المقام ايضا جواز الفسخ فيقال الثابت جواز الفسخ بردّ العين لا مطلقا و مع عدم إمكان الفسخ

برد العين يبقى جواز المطالبة بالأرش كما هو ظاهر الصحيحة و الموثّقة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 286

ثم لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز ردّه للأصل (1).

______________________________

أقول: ما ذكره (قده) من انّ الثابت في المقام جواز الردّ لا جواز الفسخ على حد سائر الخيارات لا يمكن المساعدة عليه فانّ ردّ العين مع بقائها على ملك المشتري لا معنى له كما ذكرنا ذلك في الرجوع الى العين الموهوبة و ردّها بتمليك جديد غير مراد و لا بد من ان يكون المراد ردّ العين مع إلغاء البيع. و بتعبير آخر ردّ العين كناية عن فسخ البيع في فرض بقاء المبيع بحاله فيكون مفهوم المرسلة عدم جواز الفسخ مع عدم بقاء العين بحاله على نحو السالبة بانتفاء المحمول فيعود الإشكال.

و قد يجاب عن الإشكال بأنّ التلف الحقيقي الدّقي مسبوق بالحدث في المبيع لا محالة فإنّ التلف لا يحصل بلا موجب يحدث و مع التلف العرفي يصدق على انّ الموجود فعلا غير باق على ما كان عليه عند البيع.

أقول: تطويل الكلام مع كون المسألة يكفي في الحكم فيها بسقوط الخيار مجرد الالتفات الى مداركها ليس من دأبنا في الفقه، و لكنه قد حصل في المقام و الوجه في الكفاية انّ الصّحيحة و المرسلة تخصيص في عموم وجوب الوفاء بالعقود، و المقدار الثابت من التخصيص صورة بقاء المبيع المعيوب بحالها فإنّه يجوز في هذه الصورة فسخ العقد؛ و امّا في غير هذه الصورة فيحكم بلزوم العقد فإنّه مقتضى العموم المزبور فليس المدرك للزوم البيع مفهوم الشرطيّة في المرسلة ليناقش فيه بما تقدم. و امّا ثبوت الأرش مع تلف العين المعيوبة فإنّه مقطوع و لازم للزوم البيع

كما لا يخفى.

(1) لو عاد ملك المبيع إلى المشتري فان كان ذلك بسبب جديد أو بزوال الناقل السابق لم يكن للمشتري جواز فسخ بيع المعيب على ما هو ظاهر المصنف (ره)، و لعلّ مراده بالأصل أصالة اللزوم فان البيع المزبور قبل عود الملك كان لازما لصدق انّ الشّي ء قد أحدث فيه شيئا أو انّه لم يكن بحاله، و هذا موضوع لانتهاء جواز الفسخ و الحكم على البيع بالمضيّ فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 287

[الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري]

الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري (1).

______________________________

(1) و حاصله انّ العيب الجديد يحصل في المبيع المعيوب قبل قبضه تارة و يحصل بعد قبضه في زمان يكون ضمان المبيع فيه على بائعه أخرى كما إذا حصل في زمان خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط و يحصل في زمان لا يكون فيه ضمان حدوث العيب على البائع ثالثة كما إذا حصل بعد قبضه و في غير زمان تلك الخيارات.

و الكلام في انّ حدوث الحدث يوجب سقوط جواز الرد بالعيب الموجود قبل الشراء راجع الى القسم الثالث؛ و امّا إذا حصل العيب الجديد قبل قبض المبيع كما في فرض الأول فهو لا يمنع الفسخ بالعيب السابق بل العيب الجديد كالعيب القديم يوجب جواز الفسخ به و بمطالبة الأرش، و لذا لو أسقط البائع جميع الخيارات بشرط سقوطها في العقد و حصل العيب الجديد قبل القبض يكون للمشتري جواز الفسخ أو المطالبة بالأرش للعيب الجديد حيث انّ ضمان البائع قبل القبض أو في زمان الخيارات الثلاث ضمان معاملي لا ضمان التلف في اليد كما هو ظاهر قوله عليه السلام في معتبرة عقبة بن خالد فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن

لحقه حتى يردّ ماله اليه و قوله عليه السلام لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير البيع له.

و على ذلك فيكون العيب الجديد نظير ما كان في المبيع قبل البيع، كما ان مقتضى الظهور المزبور ان التّلف قبل القبض أو زمان الخيار المشترط أو الحيوان أو حصول نقص في وصف الكمال ايضا يكون كالتلف أو حصول النقص قبل البيع في انحلال البيع أو ثبوت خيار الوصف المشترط كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر انّ العيب الحادث في زمان الخيارات الثلاثة لضمانه على البائع لا يمنع الردّ بالعيب السابق و لكن يظهر من المحقق (قده) في درسه عدم الفرق بين العيب الحادث في زمان الخيارات الثلاثة و الحاصل بعدها في انّه يمنع الردّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

بالعيب السابق، و انّما يجوز الفسخ في زمان الخيارات من العيب السابق أو الحادث بتلك الخيارات، و إذا انتهى تلك الخيارات فلا يجوز الفسخ خلافا لشيخه ابن نما حيث ذكر جواز الفسخ حتّى بعد انقضاء تلك الخيارات حيث انّ العيب الحادث لكونه على البائع لا يمنع الرّد.

و ربما يقال ان ابن نما متفق مع المحقّق في عدم كون العيب الحادث موجبا لجواز الفسخ و اختلافهم في انّ حدوثه يمنع الرّد بالعيب القديم، أو لا يمنع فالمحقق على الأول و شيخه على الثاني و يضعّف قول كلاهما بأنّ العيب الجديد موجب لخيار آخر غير الخيار الثابت بالعيب الأول، و لكن نسبة وحدة الخيار و عدم تعدده بالعيب الحادث الى ابن نما مشكل لأنّ كلامه لا يأبى عن التعدّد.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم -

ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 288

أقول: في الصورتين جهتان من البحث الأولى كون العيب الحادث قبل قبض المبيع أو زمان خيار الحيوان و نحوه كالموجود حال العقد موجب لخيار العيب.

و بتعبير آخر الضّمان المعاملي الحاصل على البائع بالإضافة إلى المبيع و أوصافه يستمر الى القبض و الى انقضاء زمان خيار الحيوان و نحوه. و الثانية انّه لو كان المبيع معيبا حال العقد ثمّ حدث عيب آخر قبل القبض أو قبل مضي زمان خيار الحيوان و نحوه فهل يتعدد خيار العيب من حيث جواز الفسخ و المطالبة بالأرش أم يتداخل من حيث جواز الفسخ.

أمّا الجهة الأولى فقد تقدم انّه قد يقال انّه يستفاد من قوله عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري انّ ضمان التّلف قبل القبض سواء كان تلف العين أو الوصف ليس ضمان يد بل استمرار للضمان المعاملي الحاصل على البائع حال حدوث البيع و إنشائه فإن كون الشي ء تالفا حال حدوث البيع يوجب عدم انعقاده و كذلك تلفها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 289

..........

______________________________

قبل القبض أو قبل انقضاء زمان الخيار يوجب انحلاله و كما تلف وصف الصّحة أو وصف كمال مشترط حال حدوث البيع يوجب خيار العيب أو الوصف المشترط للمشتري كذلك تلفهما قبل القبض أو قبل انقضاء زمان الخيار.

أقول: لم يظهر وجه استفادة الضمان المعاملي من الصّحيحة فإن صيرورة المبيع للمشتري قد تحقّق بنفس البيع فيكون المراد صيرورته له بملك مستقر، و يكفي في عدم استقرار الملك نفس ثبوت خيار الحيوان و نحوه لانّ مع تمكن المشتري على

فسخ المعاملة بذلك الخيار لا يكون ملكه استقراريا حتى لو لم يكن ضمان البائع في ذلك الزمان ضمان معاملي بل ضمان يد كما لا يخفى.

نعم لا بأس بدلالة معتبرة عقبة بن خالد على كون ضمان تلف المبيع قبل القبض ضمان معاملي و كذلك بعض الروايات في التلف زمان خيار الحيوان حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها (لو تلف المبيع قبل القبض يكون من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته) و مفاده تلف المبيع ملكا للبائع و هذه عبارة أخرى عن انحلال البيع.

و لكن لا دلالة لها على كون تلف وصف الصّحة أو الكمال ايضا ضمان معاملي فإنّه لا يمكن أن يكون تلف الوصف ملكا للبائع بأن يبقى البيع بالإضافة إلى نفس الموصوف بحاله و ينحلّ بالإضافة إلى الوصف و قد تقدم عدم انحلال البيع و عدم تقسيط الثمن على الوصف و الموصوف.

و قد يقال انّه يستفاد الضمان المعاملي بالإضافة إلى وصف الصحة أيضا من مرسلة جميل حيث انّ السؤال فيها في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا يعمّ ما ذا علم حدوث ذلك العيب فيه قبل القبض و بعد البيع و ما في الجواب ان كان الشي ء قائما بعينه فردّه المراد من القيام بحاله مع قطع النظر عن ذلك العيب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 290

..........

______________________________

و فيه أوّلا لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها و ثانيا انّه على فرض الإطلاق في السؤال و الجواب، فلا يعمّ الجواب فقد وصف كمال مشترط مع انّ المدّعي فيه ايضا ضمان الوصف بضمان معاملي كما انّه لا يستفاد منها حكم العيب الحادث بعد القبض في زمان خيار

الحيوان و نحوه فلا بدّ في تعميم الضمان المعاملي بالإضافة إلى وصف الصحة أو الكمال قبل القبض أو زمان الخيار من التشبث بالتسالم بل للاطمئنان بعد انفكاك ضمان تلف العين عن تلف الوصف بان يكون الأول ضمانا معامليّا و تلف الوصف ضمان اليد كما لا يخفى.

امّا الجهة الثّانية و هي على تقدير ضمان البائع العيب الجديد قبل القبض أو زمان خيار الحيوان بضمان معاملي فهل الجديد مع القديم من قبيل العيبين الموجودين حال البيع في كونهما موجبا لوحدة الخيار في جهة جواز الفسخ أو من قبيل شراء الحيوان و مجلس البيع في ترتب الخيار على كلّ منهما و قد يقال بتعدد الخيار في جهة جواز الفسخ و جهة جواز المطالبة بالأرش لأنّ الدليل على الخيار بالعيب السابق ما دلّ على انّ شراء ما به عيب أو عوار من غير علم المشتري و تبرأ البائع موضوع للخيار و ما دلّ على ضمان البائع المبيع قبل القبض أو زمان خيار الحيوان مقتضاه كون العيب الجديد موضوعا لخيار آخر غاية الأمر الخياران متماثلان في جهة جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش.

و الحاصل: انّ تعدد الموضوع يوجب تعدد الحكم و لو فرض انّ كلا من الموضوعين قد أخذ بنحو صرف الوجود بالإضافة الى حكمه و على ذلك فلا يقاس العيب الجديد بالعيبين الموجودين حال العقد حيث لا يتعدد الخيار في جهة جواز الفسخ نعم يتعدد جواز المطالبة بالأرش فيه أيضا فإنّ جواز المطالبة به نظير جواز المطالبة بالدّين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 291

و امّا الثالث: أعني العيب الحادث في يد المشتري (1).

______________________________

و لكن لا يخفى عدم تعدد جواز الفسخ في تعاقب العيبين ايضا حيث انّ

مفاد ما ورد في ضمان البائع قبل القبض أو زمان الخيار استمرار الضمان المعاملي الحاصل على البائع عند البيع، و تعميم لموضوع ذلك الحكم الى الانقضاء زمان خيار الحيوان أو الشرط و إذا فرض انّ العيب بصرف وجوده في ذلك الزمان موضوع للخيار فلا يتعدد الخيار.

و يترتب على ذلك انّه لو أسقط العيب السابق أي جواز الفسخ به قبل حدوث العيب الجديد يثبت له جواز الفسخ بالعيب الجديد بخلاف ما سقط جواز الفسخ بعد حدوثه فإنّه لا يبقى له حق في جواز الفسخ.

ثم انّ الكلام في كون العيب الجديد موجبا لخيار آخر أم لا فيما إذا لم يكن ذلك العيب بفعل المشتري و الّا فيكون ذلك الحدث موجبا لمضي البيع و جواز المطالبة بأرش العيب السابق كما هو مقتضى معتبرة زرارة و غيرها.

و كذا إذا كان العيب الجديد بفعل البائع أو الأجنبي فإنّه يكون ضمان البائع أو الأجنبي العيب الجديد بضمان يد و لا يبعد أن يكون فعلهما ايضا مسقطا لجواز الفسخ بالعيب القديم لعدم قيام العين بحالها، و بما كان عليه حال البيع كما هو مفاد مرسلة جميل و تمام الكلام في ذلك في بحث القبض إنشاء اللّٰه تعالى.

(1) و ذكر (قده) بما حاصله انّه لو حدث في المبيع المعيب عيب جديد في يد المشتري بعد القبض و انقضاء الخيارات فيسقط بحدوثه جواز الفسخ بالعيب السابق، و المراد بالعيب الجديد مجرّد النقص الموجب لصدق التغيّر و عدم بقاء العين بحالها التي كانت عليها حال البيع و لو لم يكن النقص الحادث من العيب أي ما يوجب الأرش كما إذا باع دارا من اثنين فظهر عيب في الدار و أراد أحد المشتريين فسخ البيع في

حصته فان الفسخ في حصته يكون موجبا لشركة البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 292

..........

______________________________

و المشتري الآخر في الدار و مثله ما إذا باع شيئين بصفقة واحدة و ظهر في أحدهما عيب و أراد مشتريهما فسخ البيع في حصته فإنّه لو فسخ البيع يصدق عدم بقاء المبيع بحاله و هو كون ذلك مع الشي ء الآخر كان ملكا للبائع و كذا فيما إذا باع عبدا كاتبا و ظهر فيه عيب، و لكن كان العبد بيد المشتري قد نسي الكتابة و مثله نسيان الدابة الطحن عند ما أريد فسخ شرائها بالعيب السابق.

و يمكن الاستدلال على جميع ذلك بمرسلة جميل فان الوارد فيها ان كان الشي ء قائما بعينه فردّه فان مجرد حصول النقص في المبيع و ان لا يوجب صدق عدم بقائه بعينه، كما يظهر ذلك في مسألة تقديم قول البائع في اختلافه مع المشتري في قدر الثمن الّا انّ التمثيل للتغير في المرسلة بقطع الثوب و خياطته و صبغة قرينة على انّ المراد ببقاء الشي ء بعينه عدم التغير بمطلق النقص حيث انّ خياطة الثوب أو صبغة لا يوجب النقص الموجب للأرش غالبا.

بل ربّما يقال انّ المراد ببقائه بعينه عدم التغير لا بالنقص و لا بالزيادة كسمن الدّابة و تعلم الصّنعة، و لكن لا يمكن المساعدة عليه فانّ ظاهر قيام العين عدم نقصها بمعنى ان لا يحدث فيه ما يوجب نقص ماليته لا ان لا يحدث فيه ما يوجب زيادتها حيث انّ الحكم بسقوط جواز الفسخ مع عدم قيام المبيع بحاله بحسب الفهم العرفي رعاية لحال البائع فلا يعم حدوث الزّيادة كما لا يخفى.

و ذكر في التذكرة مع الإغماض عن المرسلة وجها آخر لسقوط

جواز الفسخ بالعيب الجديد الحادث في يد المشتري و هو انّ النقص أي العيب الحادث في يد المشتري يوجب تلف شي ء من المبيع فيكون مضمونا على المشتري و يسقط به جواز فسخه لان مع ردّ المبيع يلزم تحمل البائع المبيع مع العيب الجديد و هذا ليس بأولى من تحمل المشتري ذلك الشي ء مع العيب القديم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 293

..........

______________________________

ثم انّ المصنّف (قده) قد أورد على كل من الاستدلال على الحكم بالمرسلة و بالوجه المذكور في كلام العلامة. امّا المرسلة فإنّها لا يعم مثل نسيان العبد الكتابة و نسيان الدابة الطحن و نحوهما من موارد عدم تغير عين المبيع. و امّا ما في التذكرة فإنّه مع عدم ثبوت الأولوية يرجع الى استصحاب بقاء الخيار للمشتري فيكون كما إذا فسخ البيع بالإقالة أو بالغبن مع تعيّب المبيع في يد المشتري فانّ البائع يرجع الى المشتري بأرش العيب الحادث في يده لأنّ الأوصاف و ان لا تدخل في ضمان المشتري لأنّ المبيع في زمان الخيار ملكه و المالك لا يضمن ماله إلّا ان وصف الصحّة بمنزلة جزء المبيع في كون تلفه عند فسخ المعاملة يوجب رجوع البائع إلى بدله لانّ المبيع و كذا أجزائه مضمون على المشتري بضمان معاملي.

و الحاصل: انّ النقص الحادث في يد المشتري إذا لم يكن من العيب فلا موجب لسقوط جواز الفسخ و لا لثبوت الأرش و لا يقاس المقام بباب ضمان اليد كما إذا غصب العبد الكاتب و نسي الكتابة بيده. نعم لو كان الدليل على جواز الفسخ بالعيب القديم نفي الضرر لأمكن أن يقال بعدم جواز الفسخ بعد حصول النقص لانّ تحمل البائع المبيع بالعيب القديم ضرر

عليه و قاعدة نفي الضرر الحاكمة بثبوت جواز الفسخ للمشتري لا يعمّ الفرض لأنّه لا حكومة لقاعدة نفي الضرر في مورد تعارض الضررين.

و الحاصل: انّ العمدة في جواز الفسخ في شراء المعيب النصّ و الإجماع و مع الشك في سقوط هذا الجواز يحكم ببقائه بالاستصحاب، و لكن لا بأس بالأخذ بالمرسلة و الحكم بسقوط جواز الفسخ بمطلق النقص الحاصل في المعيب بعد القبض و انقضاء الخيارات الثلاثة.

و توضيح الأخذ بها هو انّ الوارد فيها مثالا لعدم بقاء المبيع بعينه خياطة الثوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 294

..........

______________________________

و صبغه و النقص الحاصل للثوب بالخياطة و الصبغ اعتباري حيث يتعلّق حق المشتري بخياطة الثوب أو صبغه؛ و من الظاهر انّ تعلق حقه به بحيث يبقى ذلك الحق له على فرض الفسخ نقص اعتباري و ليس من العيب الموجب للأرش، و على ذلك فيكون جواز فسخ شراء المعيب مشروطا بعدم تغيّر العين الأعم من تلفها أو حصول النقص فيها و لو كان النقص اعتباريّا.

لا يقال ما ذكر مثالا لعدم بقاء المبيع بعينه من قبيل التغير الحسّي، و لو لم يكن من العيب الموجب للأرش؛ و امّا مثل نسيان العبد الكتابة أو الدابة للطحن فلا يدخل في التغير الموجب لسقوط جواز الفسخ، فإنّه يقال لما يحتمل الفرق بين حدوث العيب الجديد و بين غيره من النقص بان لا يكون النقص من غير عيب مسقطا لجواز الفسخ، فإذا كان ظاهر المرسلة عدم الفرق بينهما فلا يحتمل الفرق بين النقص المحسوس و النقص الاعتباري، و كيف كان فلا وجه لما عن المفيد في المقنعة من عدم كون العيب الجديد مسقطا لجواز الفسخ.

أقول: لو بنى على العمل بالمرسلة

فلا حاجة الى إتعاب النفس في إدخال مثل نسيان العبد الكتابة أو الدّابة الطحن في مدلولها لأنّه يصدق مع النسيان عدم قيام المبيع بحاله؛ بل ظاهرها اعتبار قيامه بحالها حتى بعد الفسخ الى ان يصل الى يد بايعه و لو حصل النقص بعد الفسخ و قبل ردّه الى صاحبه فلا يكون ذلك الفسخ نافذا.

و بهذا يمكن أن يقال مع حصول الشركة بالفسخ بل التبعّض في الصفقة بالفسخ لا يكون ذلك الفسخ نافذا، هذا مع الإغماض عمّا يأتي من انّ الثابت في بيع الشي ء من اثنين أو بيع الشيئين بصفقة واحدة ثبوت خيار واحد. و انّه لا يثبت الخيار في كل من البيوع الانحلالية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 295

ثمّ ان مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله (1).

______________________________

بل الأمر كذلك لو أغمض عن المرسلة و استند في سقوط الخيار بالحدث بمعتبرة زرارة، فإن الوارد فيها مسقطا لجواز الفسخ، و ان كان احداث المشتري شيئا الّا انّ استناد الحدث إلى المشتري لا دخل في الحكم لانّ المتفاهم العرفي هو اعتبار وصول المبيع إلى بائعه ثانيا على ما كان في نفوذ الفسخ و نسبة الحدث إلى المشتري لفرض الغالب.

و ما ذكره المصنف (ره) في توضيح إدخال النقص الاعتباري في مدلول المرسلة من انّ تعلّق حقّ المشتري بخياطة الثوب أو صبغة نقص فيه لا يمكن المساعدة عليه فإنّه لو أسقط المشتري حقّه قبل الفسخ لا يجوز ايضا الفسخ بل لا حقّ للمشتري مع نفوذ الفسخ بل ملكه الخيوط أو الصبغ إذا كان له عين كما أوضحنا ذلك في حكم الفسخ بخيار الغبن.

(1) لو زال العيب الحادث أو التغير الحادث

بان عادت العين على ما كانت عليه حال المبيع فهل يجوز للمشتري فسخ البيع أو انّه يمضي عليه البيع؛ و انما يكون له المطالبة بالأرش كما كان ذلك قبل زوال العيب أو التغيّر؛ ذكر المصنف (ره) عدم جواز فسخ البيع بعود العين على ما كانت عليه لانّ جواز الفسخ قد سقط بحدوث العيب و النقص و لا دليل على عوده و مقتضى الاستصحاب عدم عوده، كما ذكر ذلك في التذكرة.

و لكن فصّل في التحرير و قال ان كان العيب بفعل المشتري فلا يجوز الفسخ بزواله، و كان له المطالبة بالأرش خاصة بخلاف ما إذا لم يكن بفعله فإنّه يجوز الفسخ بزواله و وجّهه المصنف (ره) بأنّ سقوط جواز الردّ بحدوث العيب الجديد لئلّا يتضرّر البائع بردّ العين عليه معيبا، و لانّ ضمان العيب الجديد على المشتري و مع عود

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 296

..........

______________________________

العين الى ما كانت عليه لا ضرر على البائع و لا يكون للمشتري ضمان.

أقول: لو كان الوجه في عدم جواز الفسخ بالعيب الجديد ما ذكر لما كان فرق بين كون العيب الجديد بفعل المشتري أو بغيره، فيجوز الفسخ مع زوال الحادث على التقديرين؛ و لعل الوجه فيما ذكره في التحرير ان مقتضى معتبرة زرارة سقوط جواز الفسخ بإحداث المشتري في المبيع حدثا سواء زال ذلك الحادث أم لا. و امّا إذا لم يكن بفعله فمع زوال الحادث يصدق ردّ الشي ء مع قيامه بعينه.

و لكن يرد على هذا الوجه من انّ المتفاهم من معتبرة زرارة بمناسبة الحكم و الموضوع عدم وصول العين الى يد البائع على ما كانت عليه فيتّحد مدلولها مع المرسلة إلّا فيما كان التغير بفعل

البائع فإنه يمكن القول بشمول المرسلة لهذا الفرض ايضا، و انّه لا يجوز الفسخ في هذا الفرض ايضا، اللهم الّا ان يقال ان لازم جواز الفسخ بعد زوال العيب الحادث تعدّد جواز الفسخ للمشتري و هو خلاف ظاهر المعتبرة بل المرسلة.

و ما ذكر السيد اليزدي (قده) بعد استلزامه تعدد الخيار لأنّا نمنع عن كون العيب الحادث الذي يزول قبل الفسخ مسقطا و انّما لا يكون له الردّ خارجا ما دام العيب.

و إذا زال العيب جاز الردّ و نفذ الفسخ لا يمكن المساعدة عليه فانّ تجويز الردّ كناية عن ثبوت الخيار و نفوذ الفسخ و الأمر بأخذ الأرش كناية عن سقوطه. و من الظاهر انّه قبل زوال العيب كان له أخذ الأرش بمقتضى المعتبرة و المرسلة فيكون المرجع بعد زواله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا أقلّ من استصحاب عدم نفوذ الفسخ.

هذا كلّه في جواز الفسخ بالخيار بحيث يكون للمشتري إلزام البائع بالفسخ المزبور. و امّا الفسخ برضا البائع فهو لا بأس به بل هو داخل في الإقالة سواء رضي البائع بالفسخ مع أرش العيب الجديد أو بلا أرشه أيضا و أخذ البائع الأرش على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 297

[تنبيه]

ظاهر التذكرة و الدروس انّ من العيب المانع عن الردّ بالعيب القديم تبعّض الصّفقة (1).

______________________________

العيب الجديد ليس من الإقالة بالنقيصة ليقال بعدم جوازه بل الأرش لضمان المشتري للعيب الجديد بضمان اليد مع تمام البيع حدوثا، كما في البيع الفاسد أو بقاء، كما في صورة فسخه بالخيار أو بالإقالة.

و ايضا ليس أرش العيب الجديد من قبيل أرش العيب القديم الذي يستحقّه المشتري على البائع على تقدير إبقاء البيع فان ضمان البائع الأرش ضمان

معاملي فيؤخذ من البائع بنسبة تفاوت القيمتين أي المعيب و الصحيح الى الثمن المسمّى بخلاف ضمان المشتري العيب الجديد فإنّه يأخذ البائع من المشتري نفس مقدار تفاوت قيمتين، و في معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انّه سأل عن رجل ابتاع ثوبا فلمّا قطعه وجد فيه خروقا و لم يعلم بذلك حتى قطعه كيف القضاء في ذلك؟ قال (اقبل ثوبك و الّا فهائي صاحبك بالرضا و خفض له قليلا و لا يضرك إنشاء اللّٰه تعالى فان أبى فاقبل ثوبك فهو أسلم لك إنشاء اللّٰه تعالى)، فانّ الخفض من الثمن على تقدير الإقالة أرش القطع كما لا يخفى.

(1) ذكر في التذكرة و الدروس ان تبعض الصفقة على البائع يوجب سقوط جواز فسخ البيع بالعيب القديم فيتعيّن للمشتري المطالبة بالأرش، و ذكر المصنف (ره) في توضيح المقام انّ التعدد الموجب للتبعّض امّا في أحد العوضين، كما إذا باع واحد شيئا أو شيئين بصفقة من مشتر واحد و ظهر بعض المبيع معيبا؛ و نظير ذلك ما ذا باع شيئا بثمن خارجي فظهر بعض الثمن معيبا؛ و امّا التعدد في البائع كما إذا باع اثنان شيئا كالدار المشتركة بينهما بالمناصفة من واحد فظهر العيب فيها و أراد المشتري فسخ الشراء بالإضافة إلى حصة أحد المتبايعين. و امّا ان يكون التعدد في ناحية المشتري، كما إذا اشترى اثنان دارا من بائعها فظهر العيب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 298

..........

______________________________

فيها و أراد أحد المشتريين فسخ الشراء بالإضافة إلى حصّته و نظير ذلك ما إذا باع الدار مالكها من واحد و مات المشتري و أراد بعض ورثته فسخ الشراء بالإضافة إلى حصته الموروثة.

و امّا

فرض التعدد في ناحية الثمن بان باع نصف الدار بألف درهم و نصفها الآخر بمأة دينار فظهر العيب في الدنانير، و أراد البائع فسخ البيع بالإضافة إلى الدنانير فقد ذكر (قده) انّه لا إشكال في نفوذ هذا الفسخ لكون الموجود خارجا عقدين و لم يتعرّض (قده) لثبوت خيار التبعض الصفقة على المشتري حيث انه قد أقدم على شراء نصف الدّار بالدّراهم على ان يتمّ له شراء نصفها الآخر بالدّنانير، بل ظاهره عدم ثبوت خيار التبعض، و لكن هذا الخيار على تقديره لا يمنع عن فسخ البائع البيع بالإضافة إلى الثمن المعيب لأنّ التبعّض الحاصل بالإضافة إلى المبيع أو الثمن لا يمنع الفسخ كما يأتي.

أمّا الصّورة الأولى كما باع شيئا أو شيئين بصفقة واحدة أي بثمن واحد فظهر بعض المبيع مبيعا و أراد المشتري فسخ الشراء بالإضافة إلى المعيب فقد ذكر (قده) عدم جواز هذا الفسخ لانّ الفسخ إذا كان في الجزء المشاع يتبعّض المبيع المعيب على البائع، و كذا إذا أراد فسخ الشراء بالإضافة الى أحد الشيئين الّذي ظهر فيه العيب فانّ التفريق الحاصل بالفسخ حدث في المعيب و نقص آخر فيه؛ و لذا لو حدث هذا التفريق في المبيع الصحيح كما إذا باع شيئين بصفقة واحدة فظهر أحدهما مستحقّا للآخر يثبت للمشتري الخيار بالإضافة إلى شراء الآخر.

لا يقال يمكن منع النقص الحاصل بالالتزام بثبوت خيار التبعض للبائع فيكون الفرض، كما إذا اشترى حيوانا مع غيره بصفقة واحدة و فسخ الشراء بالإضافة إلى الحيوان في ثلاثة أيام فإنه يثبت للبائع خيار التبعض بالإضافة إلى بيع غير الحيوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 299

..........

______________________________

فإنّه يقال ثبوت الخيار بالتبعّض للبائع غير ممكن في المقام؛

لأنّه ربّما يكون ضرريّا للمشتري حيث انّه يريد الإمساك بالشي ء الصحيح و يدلّ على عدم جواز الفسخ بالإضافة إلى الشي ء المعيب و يتعين المطالبة بالأرش ما ورد في المنع عن ردّ الثوب المعيب بالخياطة و الصبغ فانّ المانع عن الفسخ ليس التغير الخارجي بالخياطة و الصبغ لحصول هذا التغير في سمن الدابة و نحوها بل المانع في الحقيقة حصول الشركة في الثوب بالخياطة و الصبغ في فرض ردّه، و هذه الشركة نقص يمنع عن الفسخ بالعيب القديم.

أقول: قد تقدم عدم الشركة في صنع الثوب و خياطة بالفسخ حتى الشركة في المالية لعدم اعتبار الوصف ملكا لواحد و الموصوف آخر؛ بل المسقط لجواز الفسخ نفس التّغير الخارجي المحسوب حدثا في المعيب فلا يضرّ السمن المتعارف الذي لا يعد حدثا، و التبعض على البائع فيما إذا كان بيع الشيئين بصفقة واحدة فظهر العيب في أحدهما لا يكون حدثا و نقصا في الشي ء المعيب، و لو كان نقصا فيه لما كان فيما إذا بيع الحيوان مع غيره بصفقة خيار التبعض للبائع بالإضافة الى غير الحيوان لانّ النقص في الحيوان مضمون على البائع في زمان خياره بل ثبوت خيار التبعض تخلف الشرط على البائع.

و على ذلك فيلزم التفصيل في المقام و هو انه إذا بيع شي ء و ظهر العيب فيه، و أراد المشتري الفسخ في نصفه أو ثلثه و نحوهما فلا يجوز لانّ الثابت للمشتري في شراء المعيب خيار واحد متعلق بشراء مجموع المعيب فلا يثبت الخيار في البيوع الانحلاليّة. و امّا إذا كان الفسخ بالإضافة إلى شراء المعيب كما إذا باع الشيئين بصفقة واحدة، فظهر العيب في أحدهما فهذا الفسخ لا بأس به، و يكون نظير شراء الحيوان

مع غيره غاية الأمر يثبت للبائع خيار التبعّض بالإضافة إلى بيع الشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 300

بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المعيب (1).

______________________________

الآخر كما لا يخفى.

و لو كان التبعض على البائع من حدوث النقص في المعيب فيما لو باعه مع غيره بصفقة لما جاز فسخ شراء الحيوان في الثلاثة فيما لو شراه مع غيره بصفقة، لأنّ إحداث المشتري الحدث في الحيوان ايضا موجب لسقوط خيار الحيوان فالتبعض الحاصل بفسخ شراء الحيوان في الفرض يمنع عن نفوذ ذلك الفسخ.

و الحاصل: لم يعلم الفرق بين مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة و شراء المعيب مع غيره بصفقة و انّه لا وجه للالتزام بنفوذ فسخ شراء الحيوان و عدم نفوذ فسخ شراء المعيب.

(1) ذكر في الجواهر في وجه عدم جواز الفسخ بالإضافة إلى المعيب انّ الخيار يثبت في البيع بالإضافة إلى تمام المبيع لا بالإضافة إلى أجزائه؛ و أجاب المصنف عنه بأنّ ذلك أمر متسالم عليه؛ و لذا لا يجوز للمشتري فسخ البيع في الجزء الصحيح خاصة الّا انّ الكلام في انّ مع انطباق موضوع الخيار على جزء الصفقة يكون مورد الخيار شراء ذلك الجزء، كما في مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة الّا ان يدعي ان مع تحقق العيب في جزء الصفقة يصدق عليها أنها معيبة كصدق المعيب على الثوب المبيع فيما إذا كان العيب في بعض أطرافه.

و قال ايضا ان لازم ما ذكر في الجواهر عدم جواز الفسخ في المعيب خاصة و لو مع رضا البائع لانّ مقتضى ما ذكر عدم الموجب لفسخ شراء المعيب خاصة لا لوجود المانع يعني لزوم الضرر على البائع بحصول النقص بالتبعّض ليرتفع مع

رضاه.

و ذكر في آخر كلامه الأمر في المقام يدور بين الالتزام بثبوت جواز الفسخ بالإضافة إلى المعيب و مع تحقق الفسخ يثبت للبائع خيار تبعض الصّفقة، و معه ينتفي سلطنة المشتري على الإمساك بالجزء الصّحيح و بين الالتزام بعدم سلطنة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 301

و امّا الثالث: و هو تعدد المشتري (1).

______________________________

المشتري على الفسخ بالإضافة إلى المعيب من الأول و لو لم يكن الثّاني أولى فلا أقلّ من مساواته مع الأول فيرجع الى أصالة اللزوم فيكون الفرق بين المقام و مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة بالإجماع، كما ان للشفيع أن يأخذ بحق شفعته في بعض الصفقة بالإجماع أيضا.

أقول: قد تقدم سابقا انّ الفسخ مع رضا البائع داخل في الإقالة، فكيف لا يجوز مع رضا البائع و الإقالة مشروعة حتى بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (أيّما عبد أقال مسلما في بيع اقاله اللّٰه عثرته يوم القيمة)؛ و ذكرنا في المقام انّ مورد خيار العيب فيما لو باع المعيب مع غيره بصفقة هو شراء المعيب و ان التبعّض على البائع لا يمنع عن نفوذ فسخه غاية الأمر يثبت لكل منهما خيار التبعض بالإضافة إلى الجزء الآخر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قد ظهر مما تقدم من ان انطباق موضوع الخيار على البيع الانحلالي يوجب ثبوت الخيار فيه و لو مع كونه انحلاليّا، و عليه فإذا اشترى اثنان عينا و ظهر فيما عيب فإنه و ان ذكر المصنف (قده) ان الثابت للمشتريين خيار واحد فيرجعان بالأرش ان لم يجتمعا على الفسخ الّا انّه لا يمكن المساعدة عليه فإنّه يصدق على كل من المشتريين انه اشترى ما به

عيب و لو كان ذلك الشي ء النصف المشاع من العين فيكون لكل منهما خيار مستقل حتى لو قيل بأنّه لو اشترى اثنان حيوانا لا يكون لكل منهما خيار الحيوان بل يثبت لهما خيار واحد و ذلك فان نصف الحيوان لا يصدق عليه الحيوان، و الخيار ثابت لمشتري الحيوان بخلاف المقام فانّ نصف العين المعيوبة شراء حصّة فيها عيب لا يقال الفسخ المزبور يوجب التبعّض على البائع فإنه يقال التبعّض في العين قد حصل بالبيع من اثنين، و لكن بما انّ البيع منهما بعقد واحد يكون بيع كل حصّة مشروطا بتمام بيع الحصة الأخرى، فيثبت للبائع مع فسخ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 302

[يسقط الأرش دون الردّ في موضعين]
اشارة

يسقط الأرش دون الردّ في موضعين (1).

[أحدهما إذا اشترى ربويا بجنسه]

______________________________

أحدهما دون الآخر خيار تبعّض الصفقة بلا فرق بين علم البائع و جهله بتعدد المشتري.

نعم إذا ادّعى المشتري بأنّه اشترى العين لاثنين و أنكره البائع يقدم قول البائع لموافقة قوله لظهور قبول المشتري في كونه لنفسه و يؤخذ المشتري بتمام الثمن و هذه مسألة أخرى.

(1) ذكر (قده) انّه يثبت في شراء المعيوب جواز الفسخ دون الأرش في موضعين أحدهما ما إذا اشترى ربويّا بجنسه و ظهر العيب في أحد العوضين فإنّه يجوز لمن انتقل اليه المعيب فسخ البيع، و لكن لا يجوز له المطالبة بالأرش لأنّ أخذ الأرش يوجب كون المعاملة ربويّا، و ان لا يشتري جنس واحد مثلا بمثل؛ و في المسألة قولان آخران جواز أخذ الأرش مطلقا لأنّ الأرش لا يدخل في أحد العوضين ليكون أخذه زيادة في أحدهما على الآخر و جواز أخذه من غير جنس العوضين.

و ذكر في التّذكرة لجواز أخذ الأرش وجها ثالثا في المسألة المعروفة، و هي ما إذا اشترى ربويّا بجنسه فظهر عيب بعد حدوث عيب جديد فيه في يد المشتري فانّ في المسألة وجوها ثلاثة الأوّل فسخ البيع و لو بعد حدوث العيب الجديد غاية الأمر انّ للبائع إلزام المشتري بردّ قيمة العوض المفروض فيه عيب قديم و عدم حدوث عيب جديد. و الثاني: الفسخ برضا البائع مع ردّ المشتري على البائع أرش العيب الجديد.

و الثالث: عدم جواز الفسخ بل يجوز للمشتري مطالبة البائع بأرش العيب القديم، و لا يكون أخذه ربا، لأنّ المعتبر في بيع الشّي ء بجنسه المماثلة بين العوضين عند إنشاء المعاملة لا في بقائها، و عليه فيجوز للمشتري المطالبة بالأرش من غير فرق بين كون الأرش من

جنس العوضين أو من غيره فإنّه لو لم يجز أخذ الأرش من جنس العوضين باعتبار كونه ربا لم يجز أخذه من غير الجنس أيضا لأنّ الرّبا في المعاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

معاوضة شي ء بجنسه مع الزيادة في أحد العوضين.

و وجّه المصنف (ره) اعتبار المماثلة في حدوث المعاوضة لا في بقائها ان وصف الصّحة في العوضين لا يقابل بشي ء من العوض الآخر؛ و لذا لا يكون الأرش جزءا من الثمن، و لا يدخل في ملك من انتقل اليه المعيب بمجرد العقد غاية الأمر يكون إطلاق العقد مقتضاه التزام البائع بوصف الصّحة نظير التزامه بوصف الكمال و قد جوّز الشارع لمن انتقل اليه المعيب اختيار تغريم الملتزم بوصف الصحّة بالقيمة بنسبة المعاوضة سواء كانت القيمة من الثمن أو من غيره.

و لكن ناقش في التوجيه بأنّ الأرش عرفا و شرعا عوض وصف الصحّة و ما دلّ على حرمة المعاوضة إلّا مثلا بمثل مقتضاه إلغاء وصف الصّحة في العوضين من جنس واحد و المنع عن أخذ العوض عليه و لو بعنوان التغريم.

و وجّه السيد اليزدي (قده) عدم لزوم الرّبا بأخذ الأرش بأنّ المنهي عنه في الربا نفس معاوضة شي ء بشي ء من جنسه مع الزيادة في أحدهما بحيث تكون الزّيادة في أحد العوضين بالجعل المعاملي سواء كانت تلك الزّيادة مالا من جنس العوضين أو من غيره أو كان فعلا. و امّا إذا كانت المعاوضة بين المتماثلين و كانت الزيادة بحكم الشرعي مترتب على تلك المعاملة فهذا خارج عن الرّبا في المعاوضة و الأرش، فيما نحن فيه من قبيل الثاني.

و ما ذكر المصنف (ره) من انّ الأرش عوض عن وصف الصحة شرعا و عرفا فان

كان المراد العوض الجعلي فلا نسلمه فانّ وصف الصحة لا يقابل بشي ء من العوض في المعاملة و الّا يزيد بها على نفس الشي ء الآخر؛ و ان كان المراد العوض الشرعي فهو لا يدخل في المعاوضة.

أقول: لو شرط إعطاء الزيادة على تقدير عدم وصف الصحة في العوض من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

جنس المعوض تكون الزيادة جعليّة فيحكم ببطلان الشرط لكونه مخالفا للكتاب العزيز الدال على حرمة الرّبا و لا يحتمل الفرق بينه و بين أخذ الأرش بأن يجوز الثاني، و لا يجوز الأول اللّهم الّا ان يقال بطلان الشرط المزبور بمعنى عدم ترتب أثر عليه، فإنّه يثبت الأرش مع فقد وصف الصحة سواء شرط أو لم يشترط نظير شرط الخيار في شراء الحيوان فإنّه يثبت إلى ثلاثة أيّام شرط أم لم يشترط.

و حرمة المعاوضة الرّبويّة بمعنى فساد أصل المعاملة لا حرمتها تكليفا تنحصر بما إذا كانت الزّيادة مالا منضمّا الى أحد العوضين حيث انّ المعاوضة بين المتماثلين غير منشأة و المنشأة غير ممضاة فتفسد و يستفاد من لعن معطي الرّبا و آكله و آخذه حرمتها تكليفا. و امّا إذا كانت الزّيادة عملا بان يشترط ذلك العمل في المعاملة فلا يوجب بطلان الشرط فساد المعاملة؛ و لذا لا يكون الرّبا في باب القرض مفسدا للقرض. نعم حرمة المعاملة تكليفا يجري في هذا القسم ايضا؛ و لكن شرط إعطاء الأرش في معاملة شي ء بجنسه لا يدخل في شي ء من القسمين، لانّه شرط للوفاء بالحكم الشرعي.

ثم على تقدير شمول الرّبا للأرش في المقام فلا ينبغي الشك في الأخذ بإطلاق خطاب تحريمه و رفع اليد عن إطلاق دليل الأرش لأنّ خبر ثبوت الأرش بإطلاقه

مخالف للكتاب العزيز، فلا يكون معتبرا في إطلاقه، بل لو قيل بأنّ الخبر المخالف للكتاب لا يعم ما إذا كانت المخالفة بالإطلاق من الكتاب فإنّ الإطلاق لا يدخل في مدلول اللّفظ بل هو حكم عقلي منوط بتمامية مقدّماته و مع تعارض الخبر، و الكتاب في إطلاقهما لا حكم للعقل فتصل النّوبة الى الأصل العملي و مقتضاه عدم ثبوت الأرش حيث انّ الأرش ثبوته حكم تعبدي فيحتاج الى قيام الدليل عليه.

و امّا إذا شكّ في شمول الرّبا للأرش فيؤخذ بإطلاق ما دلّ على ثبوت الأرش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 305

[الثّاني: ما لم يوجب العيب نقصا في القيمة]

الثّاني: ما لم يوجب العيب نقصا في القيمة (1).

______________________________

بلا معارض كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب أو عوار الى ان قال يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

و دعوى عدم الإطلاق في المعتبرة لأنها وردت في مقام بيان مضيّ المعاملة على المعيب بالتّصرف فيه كما ترى فإنّ الأصل في كل حكم يتكفّله الخطاب كونه في مقام بيان قيوده و موضوعه و المذكور في المعتبرة حكمان أحدهما مضي البيع مع التصرّف و ثانيهما تعيّن الأرش معه فلا حظ.

(1) ثاني الموضعين ما إذا لم يكن النقص الموجود في المبيع موجبا لنقص قيمته السوقيّة كالخصاء في العبيد حيث انّ الخصاء و ان يكون نقصا في الخلقة الأصليّة الّا انّه أمر مرغوب إليه في العبيد، فلا يوجب تنزل قيمة العبد، بل ربما يوجب زيادتها فيكون في الفرض جواز الفسخ دون الأرش لانتفاء الموضوع للثاني.

و قد يقال عدم تنزل قيمة العبد بالخصاء عند قليل

من الناس لبعض الأغراض الفاسدة من عدم تستّر النساء منه، و يكون العبد واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته لا يوجب عدم نقص قيمته السوقية عند عامّة الناس نظير العنب المعيوب حيث يرغب فيه بعض الناس لغرض التخمير و لجودة خمره ربّما يعطي له الثمن المساوي لصحيح العنب فيكون العبرة في ثبوت الأرش القيمة السوقيّة عند عامّة الناس ممّن لا يكون له غرض فاسد.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بان النقص عن الخلقة الأصليّة إذا كان مما يرغب فيه الغالب بحيث لا يكون من رغبة النادر الّتي لا دخل لها في القيمة السوقيّة للشي ء عرفا لا يوجب الأرش لعدم نقص القيمة السوقية بالنقص المزبور و صحّة الرغبة و فسادها لا دخل لها في القيمة السوقية فإن مع الندرة لا اعتبار بها و مع الغلبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 306

[سقوط الرد و الأرش معا]
[أحدها العلم بالعيب قبل العقد]

العلم بالعيب قبل العقد (1).

______________________________

يكون ملاك القيمة السوقية، و على ذلك فلا يكون مثل الخصاء موجبا لجواز أخذ الأرش بل يوجب جواز الفسخ.

أقول: الأظهر عدم جواز الفسخ أيضا لأنّ النقص المزبور لا يعدّ عيبا بل هو نظير الختان أجنبي عن العيب و الاستشهاد بكونه عيبا بمرسلة السيّاري لا يمكن المساعدة عليها لضعفها سندا بالإرسال و عدم الاعتبار بفهم أبي ليلى ثانيا فتدبّر.

و قد يذكر موضعا ثالثا لسقوط الأرش دون جواز الفسخ و هو ما إذا ظهر العيب فيما يشترط قبضه في المجلس كما إذا باع دنانير بدراهم، و بعد حصول التقابض و انقضاء المجلس ظهر العيب في أحد العوضين فإنّه لا يجوز لمن انتقل اليه المعيب مطالبة صاحبه بالأرش حيث انّه لو أخذ الأرش بعد المجلس لما حصل التقابض في

المجلس، و لعل إغماض المصنف (ره) عن التّعرض لذلك لأجل ان سقوط الأرش في الفرض مبنيّ على كونه جزء العوضين ليعتبر قبضه في المجلس ايضا. و امّا بناء على انّ الأرش تغريم كما هو الصحيح فلا وجه لاعتبار قبضه في المجلس أصلا.

(1) ذكر (قده) انّ مع العلم بالعيب قبل العقد لا يثبت جواز الفسخ و لا جواز المطالبة بالأرش بلا خلاف و لا إشكال لأنّ الموضوع للخيار في الروايات العلم بالعيب و وجدانه بعد العقد فلا يكون العلم بالعيب قبل العقد داخلا في موضوع الخيار. و عن الجواهر نفي الخيار مع العلم بالعيب قبل العقد بمفهوم معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (أيّما رجل اشترى شيئا به عيب و عوار لم يتبرّء اليه و لم يبين له الحديث. و تنظر المصنف (ره) في الاستدلال بالمفهوم و يقال في وجه نظره انّ المذكور في الرواية من القيد داخل في الوصف و لا مفهوم له.

أقول: لو كان وجه نظره ذلك لما كان فرق بين المقام و مسألة تبرّئ البائع عن العيب و المصنف استند بعد أسطر في نفي الخيار مع تبرئه بمفهوم قوله عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 307

[الثاني: تبرّي العيوب إجماعا في الجملة]
اشارة

الثاني: تبرّي العيوب إجماعا في الجملة (1).

______________________________

و لم ينبرء اليه مع انّه لا فرق بين القيدين و لا يظنّ خفاء ذلك على المصنف. و الظاهر ان نظره (قده) باعتبار انّه لم يذكر في المعتبرة و لم يعلم بل ذكر فيها لم يبين له، و البيان لازمه العرفي تبرّء البائع من العيب فلا يعمّ ما إذا علم المشتري العيب من الخارج، و من غير بيانه فلا يكون للقيد المزبور دلالة على

عدم ثبوت الخيار للعالم بالعيب مطلقا. و لكن قد ذكر في المعتبرة زرارة فأحدث بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار بذلك الداء و مقتضاه فرض الجهل بالعيب حال العقد. أضف الى ذلك ظهور بيان العيب للمشتري في عدم علمه به. و لذا جعل قسيما للتبرء و لم يقيد بكون البيان من البائع.

ثم انّه لو شرط العالم بالعيب خيار العيب يبطل الشرط باعتبار كون المشروط خلاف السنة، حيث انّ مقتضى التقييد في السنة عدم ثبوت ذلك الخيار للعالم بالعيب مع انّ عدم الدليل على مشروعيّة الخيار المزبور للعالم كاف في الحكم ببطلان شرطه لأنّ الشرط لا يكون مشرعا كما يأتي، و لكن لا يكون فساد الشرط موجبا لفساد أصل المعاملة كما هو ظاهر المصنف (ره). نعم لو كان مراده شرط مطلق الخيار فهو داخل في شرط الخيار و لا بأس به.

(1) الثاني من مسقطات الخيار العيب تبرّي البائع من عيوب المبيع و كذا تبرّي المشتري من عيب الثمن، و يشهد لسقوط الخيار بالتبرّي مع الإغماض عن الإجماع عليه في الجملة لأنّ الإجماع في المقام مدركي معتبرة زرارة المتقدمة حيث انّ انتفاء الخيار مع التبرّي مقتضى التقييد فيها بلم يتبرء اليه و لم يبيّن له، و كذا حسنة جعفر بن عيسى قال كتبت الى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه برء من كل عيب فيه الى ان قال فكتب عليه الثمن. فإنّه حيث يكون التبري في البيع فيمن زاد أمرا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

عاديا حكم عليه السلام بتحقق التبري و بسقوط الخيار به.

و مقتضى إطلاق الروايتين كإطلاق الإجماع المنقول

عدم الفرق بين التبرّي بنحو الإجمال أو تعيين العيب و التبرّي عنه كما انّ مقتضى الإطلاق المزبور عدم الفرق بين العيوب الظاهرة أو العيوب الباطنة، كالمرض في العبد و الأمة الذي يظهر أثناء السنة.

و مما ذكرنا ضعف ما حكاه ابن إدريس عن بعض أصحابنا من عدم كفاية التبرّي بنحو الإجمال و نسب في المختلف عدم كفايته إلى الإسكافي كما ينسب الى صريح كلام القاضي الذي حكاه عنه في المختلف، و لكن كلام القاضي في جامعه موافق لما عليه المشهور من كفاية التبري مطلقا و كيف ما كان فالأمر سهل بعد وضوح الحكم.

ثم انّ ظاهر الروايتين التبرّي عن العيب الموجود في الشي ء حال العقد فهل يصحّ أيضا التبرّي عن العيب المتجدد في المبيع زمان ضمان البائع كالعيب الحادث قبل القبض أو زمان خيار الحيوان و نحوه أم فيه اشكال حيث انّ الرّوايتين المتقدمتين ظهورهما جواز التبرّي عن العيوب الموجودة حال العقد، و يبقى في العيوب المتجددة قبل القبض عموم قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم).

لا يقال: شرط سقوط الخيار في العقد من الإسقاط الاعتباري فيمكن ان يتعلّق بما يحدث مستقبلا كالخيار المترتب على العقد و حدوث عيب في المبيع قبل قبضه أو زمان خيار الحيوان، و لكن نفوذ هذا الاسقاط يحتاج الى دليل عليه و عموم (المؤمنون عند شروطهم) لا يكون دليلا على النفوذ لانه لا بد من التمسك به و الحكم بنفوذ الشرط كون المشروط في نفسه مشروعا بقرينة ما في ذيل قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) الّا شرطا حرّم حلالا أو حلّل حراما و مشروعيّة إسقاط الخيار قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 309

[ثمّ ان البراءة في المقام يحتمل إضافتها إلى أمور]

ثمّ ان البراءة في المقام يحتمل إضافتها

إلى أمور (1).

______________________________

حدوثه بان كان بعد العقد و قبل حدوث العيب غير محرز بل شرطه يدخل في تحليل الحرام لانّ الحرام يعم الوضعي و استصحاب عدم سقوط الخيار بالإسقاط بعد العقد، و قبل حدوث العيب يدخل شرطه في تحليل الحرام.

فإنّه يقال ان ضمان البائع العيب الحادث قبل القبض أو زمان خيار الحيوان بان كان ذلك العيب ايضا موجبا لخيار العيب فهو باعتبار توسعة الشارع ضمان الصّحة إلى تحقق القبض و انقضاء زمان الخيار و إذا لم يكن للبائع ضمان بالإضافة إلى وصف الصحة المفقودة حال البيع مع تبرّيه فلا يكون ضمان له بالإضافة إلى العيب الحادث مع تبريه ايضا. فتدبّر.

(1) التبرّي في البيع يتصور إضافته إلى أمور: الأوّل عهدة العيب بان لا يتعهّد البائع بسلامة المبيع فلا يترتّب على ظهور العيب فيه أثر من المطالبة بالأرش أو جواز الفسخ.

و الثاني: ضمان العيب و هذا أنسب لمعنى البراءة حيث انّ البراءة ظاهرها عدم ضمان المال بالعيب المزبور فيكون وصف الصّحة مع هذا التبرّي كسائر وصف الكمال في المبيع في انّ تخلّفه لا يوجب الّا جواز الفسخ.

الثالث: حكم العيب أي لا يترتب الخيار على العيب المزبور و الفرق بين الوجهين يعني الأول و الثالث و بين الوجه الثّاني هو سقوط الأرش خاصة على الوجه الثاني بخلاف الوجهين الأول و الثالث فإنّه يسقط معهما جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش.

و امّا الفرق بين الوجه الأول و الثّالث على ما ذكر السيد اليزدي (ره) انّه لا يترتب على الوجه الأول أثر على العيب حتى لو تلف المبيع بذلك العيب فلا يكون في البيع ضمان البائع أي انحلال البيع بخلاف الوجه الثالث فإنّه يمكن ان يقال

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 310

..........

______________________________

بأنّ تلف المبيع بالعيب المزبور يكون على البائع كتلفه قبل القبض على ما يأتي.

أقول: لم يظهر ان اسناد التبرّي إلى ضمان العيب ظاهره عدم الالتزام بالأرش خاصة فإنّه قد تقدم انّ ضمان البائع وصف الصّحة ضمان معاملي و معناه ثبوت خيار الفسخ خاصة كما في ضمان وصف الكمال غاية الأمر انّ الشارع قد حكم بجواز أخذ الأرش و عدم جواز الفسخ مع عدم بقاء العين بحالها. و امّا الفرق بين إضافة التبرّي إلى العيب أو حكم العيب فلا فرق بينهما أصلا فإنّ التبرّي عن العيب و عدم تعهّده بسلامة المبيع لا معنى له الّا عدم الالتزام بحكم العيب الذي يكون من قبيل الحق لصاحبه و قبول صاحبه المعاملة مع التبرّي المزبور إسقاط لذلك الحق على تقديره.

و ما ذكر المصنف (ره) من انّ ضمان البائع تلف المبيع بالعيب المتبري عنه لا ينافي التبرّي عن العيب غير صحيح فإنّه ان كان التبرّي مع عدم خيار آخر للمشتري كما قرّره السيد اليزدي (قده) فلا موجب لضمان البائع أصلا لأنّه لا موجب لضمان شخص تلف مال الآخر بضمان اليد أو بضمان معاملي، بمعنى انحلال المعاملة.

و دعوى انّ ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له مقتضاه ثبوت الضمان في المقام على البائع لأنّ الموضوع للضمان هو التلف في زمان مطلق الخيار سواء كان ذلك فعليّا أو شأنيّا، و شرط سقوط خيار العيب في البيع يوجب ارتفاع الخيار فعلا لا شأنا لا يمكن المساعدة عليه لأنّ شأنية الخيار بعد إسقاطه لا معنى له، و انّ الخيار كسائر العناوين فيما إذا كان مأخوذا في الموضوع لحكم ظاهره فعليّته.

أضف الى ذلك ان ضمان

البائع تلف المبيع زمان خيار المشتري يختص بخياري الحيوان و الشرط و لا يعمّ خيار العيب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 311

[ثم ان هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الأرش]
اشارة

ثم ان هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الأرش (1).

______________________________

نعم إذا كان التلف بالعيب في زمان خيار آخر كالحيوان الذي يتلف زمان خياره بالعيب المتبري عنه فينحلّ البيع بالتلف بلا فرق بين إضافة التبرّي إلى العيب أو حكمه، فإن هذا الانحلال من أحكام خيار الحيوان لا من أحكام العيب؛ و لذا لو لم يكن خيار العيب مشروعا لكان تلفه بالعيب القديم أو الجديد زمان خيار الحيوان موجبا للانحلال و ترتب الانحلال على التلف في ذلك الزمان من قبيل الحكم الشرعي لا من الحقوق ليسقط باشتراط عدمه كما لا يخفى.

(1) يظهر عن بعض الأصحاب سقوط جواز الفسخ و أخذ الأرش معا بأمور:

منها ما إذا زال العيب الموجود في المبيع أو الثمن حال العقد سواء زال بعد العلم به و قبل الفسخ أو أخذ الأرش أو زال قبل العلم به و كذلك الأمر في العيب الحادث قبل القبض و الزائل فيما بعد، و يظهر ذلك من التذكرة خصوصا في الفرع الذي ذكره و هو ما إذا وجد المشتري في عين العبد نكتة بياض و حدث فيها نكتة بياض آخر ثمّ زال إحداهما و قال البائع الزائل النكتة القديمة فلا ردّ و لا أرش و قال المشتري الزائل الحادثة فلي الردّ قال الشافعي يتحالفان.

و ذكر المصنف (ره) انّ سقوط جواز الفسخ بالزوال وجيه لأنّ ظاهر ما دلّ على جواز الفسخ بالعيب ردّه مع عيبه، فلا يعمّ ما إذا زال عيبه. و بتعبير آخر الموضوع لجواز الردّ المعيب فلا موضوع له

بعد زوال العيب و لا يجري الاستصحاب بعد زوال العيب. و امّا أخذ الأرش فلا بأس بالقول بجوازه ان لم يكن التفصيل خلاف الإجماع لأنّ الموضوع للأرش هو عيب المبيع حال العقد فيبقى ذلك الجواز خصوصا فيما إذا كان الزوال بعد العلم بالعيب، و على كل تقدير زوال العيب قد حدث في ملك المشتري فلا يمنع عن أخذ الأرش. نعم الفرع داخل في القاعدة التي اخترعها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 312

[و منها: التصرّف بعد العلم بالعيب]

و منها: التصرّف بعد العلم بالعيب (1).

______________________________

الشافعي و هي انّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد.

أقول: لا وجه للتفصيل بين جواز أخذ الأرش و جواز الفسخ فإنّ الأرش يثبت بالمطالبة لا بمجرّد العقد على ما به عيب و لا بالعلم بالعيب، كما صرّح (ره) قبل ذلك بكونه تغريما. و الحاصل: ظهور ما دلّ على جواز الفسخ و الأرش هو فسخ العقد على ما يكون فيه العيب فعلا لوجوده حال العقد، أو قبل القبض، كما هو أخذ أرشه لهذا الاعتبار كما لا يخفى.

(1) حكي عن ابن حمزة في الوسيلة انّه ذكر من مسقطات جواز الردّ و أخذ الأرش تصرّف المشتري في المبيع المعيب بعد العلم بالعيب، و لعل وجهه ان التصرف مع العلم بالعيب علامة الرضا بالمبيع المعيب فلا يكون له بعد ذلك جواز الفسخ، كما لا يكون له أخذ الأرش فإن جوازه أخذه قد ثبت في مورد التصرف في المبيع قبل العلم بعيبه. و أجيب عن الاستدلال المزبور بأنّ مقتضاه سقوط جواز الفسخ لا جواز أخذ الأرش لأنّ التصرف علامة الرضا بالمبيع لا بعيبه بان يسقط جواز أخذ الأرش أيضا؛ و انّما يسقط جواز أخذ الأرش

بتبري البائع و تصرف المشتري لا يدلّ عليه، و دعوى اختصاص روايات الأرش بما إذا كان التصرف قبل العلم بالعيب ممنوعة فلا حظها.

أقول: ان كان التصرف غير مغيّر للعين كما إذا ركب الفرس فلا وجه لسقوط جواز الفسخ به فيما إذا لم يقصد المشتري إظهار رضاه ببقاء البيع مع علمه بالعيب، فيجوز له الفسخ و لا يكون له أخذ الأرش لأنّ الأرش مترتب على عدم إمكان الفسخ كما تقدم. نعم على المشهور من كون الأرش و جواز الفسخ طرفي التخيير فيجوز كل منهما و مع قصد المشتري إظهار رضاه بإبقاء البيع و لو مع عيب المبيع يسقط جواز الفسخ لأنّ التصرّف المزبور إسقاط فعلي، و يبقى جواز أخذ الأرش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 313

[و منها: التصرّف في المبيع المعيب الذي لا ينقص قيمته]

و منها: التصرّف في المبيع المعيب الذي لا ينقص قيمته (1).

______________________________

بخلاف ما كان الأرش في طول جواز الفسخ فإنّه لا يكون له أخذ الأرش لما ذكرنا من انّ الأرش يثبت مع عدم إمكان الفسخ بالحدث في المبيع لا مع عدم إمكانه بإسقاط جواز الفسخ قولا أو فعلا.

و امّا إذا كان التصرّف مغيرا للعين فيسقط جواز الفسخ به و يتعيّن عليه جواز أخذ الأرش فيما إذا كان هذا التّصرّف قبل العلم بالعيب كما تقدم سابقا.

و امّا إذا كان بعد العلم بالعيب فظاهر ابن حمزة عدم جواز أخذ الأرش لخروج الفرض عن روايات الأرش، و لكن معتبرة زرارة المتقدمة، و ان كان كما ذكره، و لكن مرسلة جميل يمكن دعوى إطلاقها كما انّ الإطلاق موجود في بعض ما ورد في وطء الأمة المشتراة كصحيحة عبد اللّٰه ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (قال علي عليه

السلام لا ترد الّتي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها) و نحوها غيرها.

لا يقال قد ورد التقييد بوقوع الوطي قبل العلم بالعيب في بعض الروايات فيرفع اليد بها عن الإطلاق كمعتبرة عبد الرحمن (أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردّها و يردّ البائع عليه قيمة العيب.

فإنّه يقال بما انّ القيد غالبي و المشتري لا يقدم على إمساك الأمة المعيبة و يقع وطيها قبل العلم بعيبها غالبا؛ و لذا ذكره عليه السلام في كلامه فلا يوجب رفع اليد عن الإطلاق المتقدم اللّهم الّا ان يقال ان في التّعدي عن الأمة و وطيها الذي لا يكون غالبا عن التصرف المغير لعدم البكارة في الإماء غالبا إلى سائر المبيع اشكالا بل منعا.

(1) قد يقال بسقوط جواز الفسخ و أخذ الأرش فيما إذا تصرّف في معيب لا ينقص قيمة الشي ء بذلك العيب فانّ التصرف لكونه علامة الرضا يوجب سقوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 314

[و منها: ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب]

و منها: ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب (1).

______________________________

جواز الرد و عدم ثبوت الأرش لعدم الموضوع له و يجاب عن ذلك بأنّ الأرش و ان لا يثبت في الفرض الّا انّه لا يسقط جواز الردّ بالتصرّف لكون سقوط جوازه بالتصرّف في الفرض ضرريا.

و ناقش المصنف (ره) في الجواب بأنّه ان أريد بالضرر الضرر المالي فلا موضوع له و ان أريد الضرر بمعنى فقد صفة مقصودة للمشتري، فهذا الضرر قد أقدم عليه المشتري بتصرفه في المعيب المفروض قبل الفحص عن عيبه فيكون الفرض كما إذا اشترى متاعا مع شرط وصف فيه، و ظهر عدم الوصف و رضي بالفاقد.

ثم

ذكر انّه يمكن أن يقال انّه لا دليل على سقوط خيار الفسخ بالتصرّف إلّا في مورد ثبوت الأرش و خيار التدليس. و امّا في مورد عدم ثبوت الأرش كما في الفرض فالأمر فيه كما في تخلّف وصف الكمال المشترط في عدم سقوط جواز الفسخ بالتصرّف.

أقول: لا مورد لخيار العيب في الفرض أصلا فإنّ النقص عن الخلقة الأصليّة فيما إذا لم يوجب تفاوتا في القيمة لا يعدّ عيبا بل الوصف المزبور ان كان مشروطا في العقد فيكون من قبيل وصف مشروط في العقد يوجب تخلّفه خيار الشرط و الّا فلا خيار، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما حدث في المعيب المفروض عيب آخر في يد المشتري و انّه لا مورد فيه لجواز الفسخ و ان العيب الجديد قد حصل في ملك المشتري، و ايضا قد ذكرنا فيما تقدم انّ الضرر هو النقص المالي، و لا يكون عدم الوصول الى الغرض من الضرر و انّ قاعدة نفي الضرر لا يثبت الخيار في المعاملة فلا حاجة الى إعادته.

(1) ذكر مما يسقط به جواز الردّ و جواز أخذ الأرش التصرف الكاشف عن الرضا ببقاء البيع في المعاملة التي تعتبر فيها المماثلة بين العوضين لكونهما من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

الربويين كما إذا اشترى حنطة بحنطة و بعد العلم بالعيب في الحنطة الّتي وصلت بيده تصرف فيها بالطحن فإنّه لا يكون معه جواز الفسخ، و لا جواز أخذ الأرش لأنّ إقدامه على المعاملة بين العوضين الربويين رفع اليد عن المطالبة بالمال بإزاء الوصف فيكون اشتراط السلامة في العوضين المزبورين كاشتراط وصف الكمال في كون تخلفه موجبا لجواز الفسخ فقط و إذا أسقط هذا الجواز بالتصرف

فلا يكون له لا جواز الفسخ و لا جواز أخذ الأرش.

نعم لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب فلا يكون فيه إظهار الرضا ببقاء البيع مع عيب المال؛ و عليه فان لم يكن التصرف المزبور داخلا في المانع الثاني فيجوز له الفسخ و الّا يكون له حكم المانع الثاني. أقول تقدم انّه مع إسقاط جواز الفسخ قولا أو فعلا لا يجوز له أخذ الأرش سواء كان العوضين من الربويّين أم لا فانّ ما دلّ على جواز أخذ الأرش يختص بما إذا كان التصرف المغيّر للعين أو حدوث الحدث في العين قبل العلم بعيبها، و لا يعم صورة إسقاط جواز الفسخ بالإنشاء قولا أو فعلا بعد العلم بالعيب، و مع الإغماض عن ذلك فلا بأس بأخذ أرش العيب فإنّ الأرش لا يجعل المعاملة ربويّة لأنّ الأرش تغريم تثبت الزيادة بحكم الشارع لا بجعل المتعاملين لتكون ربا.

و ربّما يقال بسقوط جواز الفسخ و الأرش ما إذا حصل المانع الثاني و هو حدوث العيب الجديد في العوضين من الربويين فإنّه بعد حدوث العيب الجديد في المعيب لا يجوز الفسخ لعدم قيام العين بعينها و عدم جواز أخذ الأرض على العيب القديم للزوم الرّبا على ما تقدم و لا يخفى انّه بناء على ما ذكرنا فلا بأس بأخذ الأرش لأنّه حكم شرعي لا زيادة جعليّة.

و نقل المصنف (ره) وجها آخر لسقوط جواز الفسخ في الفرض و هو انّه لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 316

..........

______________________________

بالفسخ بالعيب القديم لكان ردّه على البائع مع العيب الجديد بلا أرش هذا العيب ضررا عليه و ردّه مع أرشه يوجب الربا، و حيث انّ لزوم الرّبا مع فسخ البيع يشبه

سهو القلم لأنّ الرّبا يكون على تقدير المعاملة لا على تقدير عدمها كما هو مقتضى فسخها ذكر (قده) في توجيه لزوم الرّبا وجهين: الأوّل انّ في المعاملة الّتي يكون العوضان فيها من الربويين يلغي وصف الصحّة من كل منهما، فيقع أحد العوضين في مقابل نفس العوض الآخر حتى لو كان أحدهما صحيحا و الآخر معيبا فإنّه لو وقع بعض المعيب بإزاء وصف الصحّة في العوض الآخر بان يكون بعضه الآخر بإزاء نفس العوض الصحيح لكانت المعاملة محكومة بالفساد، و لنقصان العوض المعيب عن الصحيح كمّا؛ و على ذلك يكون أخذ البائع الأرش على العيب الجديد كاشفا عن كون بعض العوض بإزاء الصحّة التي زالت بالعيب الجديد فيكون العوض موزعا على نفس الشّي ء، و وصفه؛ و لذا لا يجوز الإقالة بزيادة أو نقيصة في الربويين، و لو مع تعيب أحدهما بعد المعاملة في يد المقيل.

نعم يصحّ الردّ مع الأرش في غير ربويين كما إذا اشترى شيئا بثمن و ظهر فيه عيب و تعيب الشي ء عند المشتري فانّ المشتري مع فسخه البيع و لو برضاء البائع يرد عليه أرش العيب الجديد.

و التوجيه الثاني: ان الفسخ مع الأرش من تمليك أحد العوضين من جنس واحد بزيادة حيث يتملك البائع ثانيا بالفسخ ما صار الى المشتري أولا، و لأنّ الفسخ معاملة جديدة بين العوضين الربويين فتكون أخذ الأرش على العيب الجديد زيادة في أحد العوضين.

أقول: التوجيه الثّاني ساقط من أصله فإنّ الفسخ ليست معاوضة جديدة؛ بل هو ازالة للعقد الناقل فيرجع كلّ من العوضين الى مالكه الأصلي بالسبب السابق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 317

[و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار]

و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار (1).

______________________________

على ذلك العقد، و

كذا الأول فإنّ وصف الصحّة لا تقابل بالمال في المعاملة أصلا سواء كان العوضان ربويين أم لا فيكون تخلف الوصف المشترط صحة كانت أم غيرها موجبا لجواز الفسخ فقط و الأرش حكم شرعي، و لكن هذا حكم ضمان الوصف في المعاملة. و امّا ضمان الوصف في المقام فهو ضمان اليد بمعنى الأرش سواء كان الوصف كمالا أو صحة فإنّ العيب الجديد بعد فسخ المعاملة يدخل في ضمان اليد و لا يكشف عن توزيع العوض أصلا و لو كان كاشفا فإنّما يكشف عن الضمان المعاملي بالإضافة إليه لا بالإضافة إلى العيب القديم.

(1) قد يذكر من مسقطات جواز الفسخ و المطالبة بالأرش تأخير الأخذ بمقتضى خيار الفسخ بان لا يفسخ و لا يطالب بالأرش عند العلم بالعيب قال في الغنية مسقطات خيار العيب التبرّي، و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم بالعيب لأنّه على الفور بلا خلاف ثم ذكر من المسقطات التصرّف في المعيب و حدوث عيب آخر فيه في يده، و قال انّه ليس مع التصرّف و حدوث العيب الفسخ بل يثبت معهما الأرش انتهى و ذكره أخذ الأرش في التصرف و حدوث العيب دون تأخير الردّ ظاهره إلحاق تأخير الرد بالتبرّي و الرّضا بالعيب في كونه مسقطا لجواز الفسخ و الأرش.

و كيف كان فالوجه في إسقاط تأخير الرد الخيار ظهوره مع العلم بالعيب في الرضا بالمعاملة المفروضة و ذكر المصنف (ره) انّه على تقدير دلالته على الرضا يكون المدلول عدم ارادة الفسخ لا عدم إرادته المطالبة بالأرش أيضا.

أقول: لم يظهر الفرق بين جواز الفسخ و المطالبة بالأرش، و لو كان في التّأخير دلالة على عدم الإرادة فهي بالإضافة إليهما، و مع عدم الدلالة كما

هو الصحيح فلا يسقط شي ء منهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

و قد تمسّك المصنف (ره) في سقوط خيار العيب أي جواز الفسخ بأصالة اللزوم أي عموم وجوب الوفاء بالعقود أو استصحاب بقاء الملكين بحالهما حيث يقتصر في الخروج عنها بالمقدار المتيقن، و قال ما حاصله ان دعوى عدم عرفان الخلاف في جواز التأخير، كما عن المسالك و الحدائق لا أساس لها لأنّا عرفنا الخلاف، و الحكم بكون الخيار على الفور عن ابن زهرة و غيره و يكشف عن وجود الخلاف تعبير العلامة في حكمه في المقام بالتّراخي بأنّ التراخي أقرب و مثلها دعوى عدم الخلاف في كونه على التراخي، كما عن الكفاية. نعم ذكر في الرّياض اتفاق المتأخرين كافة على التراخي، و لكن الشهرة بين المتأخرين لا يمكن الاعتماد عليها، و لو قلنا باعتبارها من باب مطلق الظن لأنّ الشهرة في المقام قد حصلت من الأخذ بمقتضى استصحاب بقاء الخيار حتى انّ العلامة في حكمه بالتّراخي تمسك به و استصحاب الخيار لا يعتبر في المقام لكون الشك في المقتضي؛ و ما في الكفاية من انّ جواز التأخير مقتضى إطلاق أخبار الباب و خصوص بعضها لا يمكن المساعدة عليه فانّ الإطلاق وارد في مقام بيان أصل الخيار لا خصوصياته و خصوص بعضها لا نعرفه.

أقول: الإطلاق في المقام تام و معه لا تصل النوبة إلى أصالة اللزوم و لو كان المراد بها التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإنّه قد ذكر في مرسلة جميل ان كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه فان مقتضاها ان الموضوع لجواز الفسخ بعد ظهور العيب قيام الشي ء بعينه، و لو كان دخل لأمر آخر في جواز الفسخ من عدم

التأخير فيه و نحوه لذكر في القضية الشرطيّة، و نحوه ما في صحيحة ميسر من قوله عليه السلام (و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه)، فالأظهر يكون الخيار في المقام ايضا على التراخي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 319

[قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب و لم يبيّنه فعل محظورا]

قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب و لم يبيّنه فعل محظورا (1).

______________________________

(1) في المسألة أقوال خمسة: الأوّل وجوب بيان العيب تعيينا. الثاني وجوبه تخييرا بينه و بين التبرّي. الثالث عدم وجوب شي ء منهما. الرابع بيان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار و الرؤية. الخامس بيان العيب الخفي أو التبري.

و يستدل القائل بوجوب الاعلام مطلقا أو في بعض الموارد بكون ترك الاعلام غشا، و لا يجوز غش المؤمن في المعاملة بل و غيرها.

و ذكر المصنف (ره) انّ الأظهر في المقام بيان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بالاختبار المتعارف لكون الكتمان بمعنى عدم الإظهار غشا. و امّا في العيب الظّاهر فلا يكون مجرد عدم إظهار غشا بل الغش إظهار خلافه بحيث يعتمد عليه المشتري قولا أو فعلا، كما إذا فتح الكتاب بين يدي الأعمى مظهرا انّه يقرئه الموجب للاعتماد المشتري عليه فانّ عدم الإظهار في الأول، و إظهار الخلاف في الثاني غشا، ثم ذكر انّه لم يعلم عدم صدق الغش مع التبرّي لأنّ التغرير لم يحصل بمجرد عدم إظهار العيب بل لاعتماد المشتري على أصالة السّلامة أيضا، فيكون عدم اعلامه بالعيب موجبا لاعتماد المشتري على أصالة السلامة فالأحوط الاعلام و عدم الاكتفاء بالتبري.

أقول: الأظهر انّ مجرّد عدم الاعلام بالعيب لا يعدّ غشّا في المعاملة سواء كان العيب خفيّا لا يظهر بمجرد الاختبار

أو كان جليّا يظهر عند البيع بالرؤية و الاختبار المتعارف فانّ الغش أمر وجودي يقابل النصح، و هو فعل ما يوجب تلبيس الواقع و تغطية باطن أمر المبيع ليقدّم المشتري على شرائه و لو كان العيب ظاهرا و قصّر المشتري بعدم التدقيق في النظر الى المبيع فعدم ذكر البائع العيب لا يعدّ غشّا، و كذا في العيب الخفي حيث يكون الغطاء للعيب و عدم ظهوره للمشتري بمقتضى نفس العيب. نعم لو سأل المشتري في هذا الفرض عن حال المبيع فأجاب بما يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

ظاهرا في نفي العيب يكون الجواب المزبور غشا و لو لم يكن الجواب داخلا في عنوان الكذب، كما إذا قصد به التورية. لا يقال لا يكون في هذا الفرض ايضا غشّ فإنّ المشتري مع ظهور العيب عنده يكون له جواز الفسخ فإنّه يقال الخيار لا يدفع الغشّ لا مكان ظهور العيب بعد التصرف المسقط لجواز الفسخ بل مجرّد التعب أو صرف المال في ردّه على بايعه كاف في صدقه.

و قد يقال انّ ما ذكر لا يختص بالعيب الخفي و لو فعل البائع في العيب الظاهر ما يوجب اطمينان المشتري بصحة المبيع و الإقدام على شرائه بلا تفتيشه كفى في صدق الغش، و لكن ذلك لا يخلو عن تأمّل.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن العيب أو إظهار وصف الجودة في المبيع بفعل البائع بقصد تلبيس الأمر على المشتري و الّا يكون نفس الفعل المزبور محرما فيما إذا لم يكن الفعل المزبور ظاهرا. و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام سعرهما بشي ء و أحدهما

أجود من الآخر فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد فقال لا يصلح أن يغشّ المسلمين حتى يبيّنه، فان هذه تحمل على صورة التغطية بقرينة صحيحة محمد بن مسلم انّه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض قال إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغطّ الجيد الردى، و لو نوقش في دلالة لا يصلح على الحرمة فيما ذكرنا كفى في إثبات حرمة الفعل المزبور في العيب الخفي معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال نهى النبي (ص) ان يشاب اللبن بالماء للبيع.

ثمّ ان حرمة الغش في المعاملة فيما إذا لم يكن يخلط الشي ء بغيره لا توجب فساد المعاملة لتعلّق النهي بالعنوان الخارج عن نفس المعاملة و على تقدير انطباق العنوان على نفس المعاملة فلا يوجب النهي عنها فسادها. و امّا إذا كان الغش بالاختلاط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 321

[مسائل في اختلاف المتبايعين]
[الأول و هو تارة في موجب الخيار]
اشارة

و هو تارة في موجب الخيار (1).

______________________________

فان كان الخلط بحيث يستهلك الشي ء في المبيع كشوب اللبن بالماء يصحّ البيع سواء كان ذلك الشي ء مالا أو غيره، و لكن يثبت الخيار للعيب مع عدم التبرّي.

و امّا إذا لم يستهلك فان خرجا الى موجود ثالث يحكم ببطلان البيع لعدم تحقق للمبيع خارجا. و امّا إذا لم يخرج الى ثالث و لم يستهلك في البيع يصحّ بالإضافة الى ما ينطبق عليه عنوان المبيع، و يبطل بالإضافة إلى الآخر و لا يضرّ مع الانحلال الجهل بمقدار المبيع مع العلم بمقدار الجملة فإنّ الجهل بالمقدار في المبيع الانحلالي لا يضرّ كما إذا باع شيئين موزونين بصفقة بوزن الجملة و ظهر أحدهما ملك الغير.

(1) اختلاف المتعاملين في موجب الخيار تارة و في مسقطة أخرى و في

الفسخ ثالثة.

امّا الأوّل ففيه فروض فإنّه ان كان الاختلاف في عيب المبيع و سلامته بان ادّعى المشتري انّه معيب و قال البائع لا يكون فيه عيب و فرض تعذر اختباره لتلفه عند المشتري أو غيره فيقدّم قول البائع لأنّ المشتري يدّعي استحقاق المطالبة بالأرش و البائع ينكره فيحلف مع عدم البيّنة للمشتري على عدم العيب أو عدم حقّ الأرش له عليه.

ذكر السيد اليزدي (قده) انّه لو كانت الحالة السابقة في المبيع هو العيب يستصحب العيب فيكون القول قول المشتري فمع عدم البيّنة للبائع على الزوال يحلف المشتري على عدم زواله.

أقول: الأظهر انّه يحكم في الفرض ايضا بكون المشتري مدّعيا لانّ الموضوع لأخذ الأرش ليس بيع الشي ء مع عيب ذلك الشي ء في ذلك الزمان، بل بيع الشي ء حال وجود العيب فيه، كما هو ظاهر قول أبي جعفر عليه السلام في معتبرة زرارة (أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار) حيث انّ قوله و به عيب و عوار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

الحالية لا الاجتماع بواقعة نظير ما ذكروا من انّه لو ركع و شك في انّه أدرك الإمام في ركوعه أم لا بان احتمل رفع الإمام رأسه عن الركوع قبل وصوله الى حد الركوع فإنّه يحكم ببطلان صلاته أو جماعته فانّ استصحاب ركوع الإمام في زمان وصل فيه حد الركوع لا يثبت ركوعه حال كون الإمام راكعا.

و لو أحرز تحقق نقص في المبيع و اختلفا في كونه عيبا لنقص القيمة أم لا و لم يحرز حال ذلك الأمر لعدم إمكان الرجوع الى أهل الخبرة لفقده فإنّه في الفرض ايضا يكون مقتضى الأصل عدم ثبوت حق الأرش للمشتري فيحلف البائع

على نفيه و هذا بالإضافة إلى الأرش.

و امّا بالإضافة إلى جواز الفسخ فمع الاتفاق على كون الأمر الموجود نقصا بحسب أصل الشي ء كما هو الفرض يكون للمشتري جواز الردّ، و لا يخفى انّ هذا مبنيّ على كون النقص غير الموجب لنقص القيمة عيبا يوجب جواز الفسخ و الّا فمقتضى تقديم قول البائع عدم ثبوت جواز الفسخ ايضا.

و لو أحرز العيب في المبيع فعلا و اختلفا في حدوثه فقال المشتري انّه كان عند البيع أو قبل وصوله الى يده فله خيار العيب، و قال البائع لم يكن حال البيع أو قبل وصوله الى يده فلا خيار للمشتري فإنّه يقدم ايضا قول البائع من غير فرق بين العلم بزمان حدوث العيب و عدمه و ذلك فإنّه لو علم زمان حدوث العيب لا يكون استصحاب عدم البيع الى ذلك الزمان مفيدا في جريان البيع عليه مع العيب.

و ذكر ابن الجنيد في فرض اختلافهما في تقدم العيب و تأخّره انّه يقدم قول المشتري فيحلف على عدم حدوثه عنده لأنّ الأصل عدم وصول المبيع إلى المشتري سالما و عدم استحقاق البائع الثمن كلّه، و فيه ان استحقاق البائع الثمن بكله محرز لأنّ الأرش ليس جزءا منه و وصول المبيع إلى المشتري محرز و عدم وصوله سالما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 323

..........

______________________________

لا يثبت جريان البيع على المعيب أو حدوثه في ضمان البائع نظير ما تقدم في مسألة الاختلاف في تغير المبيع. و الحاصل: انّه يحكم في الفرض بتقديم قول البائع، و هذا فيما لم تشهد القرينة على عدم حدوث العيب في يد المشتري، و الّا فيحكم بمقتضى القرينة، و هذا ليس من تقديم قول المشتري ليحلف

على عدم حدوثه عنده، بل من حكم الحاكم في الواقعة بعلمه الحاصل من القرينة فإنّه مع علمه لا مجال لبيّنة المدعي و لا لحلف المنكر كما لا يخفى.

قال في التذكرة لو أقام أحدهما البيّنة على مدعاه بان تشهد بنيّة المشتري بوجود العيب حال البيع و بنيّة البائع بحدوثه عند المشتري فيعمل ببينة المشتري لأنّ بينة البائع لا اعتبار بها مع بينة المشتري لأنّ المشتري هو المدّعي و لا يطلب من المنكر إلّا الحلف و لا تسمع منه البيّنة؛ و امّا سماع بيّنة البائع مع عدم البيّنة للمشتري فهو مبنيّ على قيام بيّنة المنكر مقام حلفه.

أقول: المنسوب الى المشهور عدم الاعتبار ببيّنة النفي و انّه لا تسمع بيّنة المنكر و لا يسقط بها الحلف عليه و يستدلّ على ذلك بقوله صلوات اللّٰه عليه البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادعي عليه، أو على من أنكر حيث انّ التفصيل يقطع الشركة.

و يدلّ على ذلك أيضا رواية منصور الّتي رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حفص عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث تعارض البيّنتين في شاة في يد رجل قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام حقّها للمدّعي و لا أقبل من الذي في يده بيّنة لأنّ اللّٰه عزّ و جلّ إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي، فان كانت له بيّنة و الّا فيمين الذي هو في يده هكذا أمر اللّٰه عزّ و جلّ، و لكن الرواية ضعيفة سندا، لانّ محمد بن حفص مجهول، و احتمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

كونه ابن العمري الّذي كان وكيل النّاحية، و

كان الأمر يدور عليه، كما هو ظاهر جامع الرّواة، و كان من أصحاب العسكري عليه السلام بعيد غايته لأنّ رواية إبراهيم بن هاشم الذي لقي الرضا عليه السلام و أدرك الجواد عليه السلام عنه و روايته عن منصور الّذي من أصحاب الصادق عليه السلام لا يمكن عادة مع ان في كون منصور هو منصور بن حازم أو منصور ابن يونس تأملا، و ان لا يبعد ذلك باعتبار كونه صاحب الكتاب و المشهور من أصحاب أبي عبد اللّٰه (ع).

و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، لانّ استناد المشهور الى هذه الرواية دون قوله صلوات اللّٰه عليه (البيّنة للمدعي و اليمين على من أنكر) غير محرز، كما انّه لم يحرز أصل الشهرة في الحكم المزبور.

و عن العلامة و الشهيد بل لا يبعد دعوى الشهرة بين متأخّري المتأخرين سماع بيّنة المنكر و انّه لا حلف على المنكر معها و ما تقدم من قوله صلوات اللّٰه عليه لا دلالة له على عدم السماع بل ظاهر التفصيل انّه لا يطالب المنكر بالبيّنة، بل يطالب بالحلف بخلاف المدّعي فإنّه يطالب في إثبات دعواه بالبيّنة لا انّ البيّنة فيما إذا أقامها المنكر لا تعتبر، بل مقتضى إطلاق دليل اعتبار البيّنة سماعها و لو من المنكر كما يدلّ عليه أيضا رواية ضمرة بن أبي ضمرة عن أبيه عن جدّه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام (انّ أحكام المسلمين على ثلاثة شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنّة ماضية من أئمة الهدى)، و لكن الرواية ضعيفة سندا. و مثلها مرسلة ابن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في كتاب علي عليه السلام ان نبيّا من الأنبياء شكى الى ربّه القضاء

فقال (كيف أقضي بما لم تر عيني و لم تسمع اذني؟

فقال اقض عليهم بالبيّنات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به).

أقول: لا يمكن الاستناد في الحكم بسماع بيّنة المنكر إلى شي ء من ذلك فإنّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 325

..........

______________________________

قوله صلّى اللّٰه عليه و آله (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان مع الانضمام بقوله صلى اللّٰه عليه و آله (البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر) انّ المدرك للقضاء ينحصر ببيّنة المدّعي و يمين المدّعى عليه، و انّ المنكر لا يطالب بالبيّنة بل يطالب باليمين و لو مع البيّنة له.

و بتعبير آخر كما انّ مقتضي ملاحظتهما عدم كفاية يمين المدعي على دعواه في الحكم كذلك لا يكون بيّنة المنكر كافيا في الحكم.

و دعوى انّ ذلك مقتضى إطلاق دليل اعتبار البيّنة، و انّ البيّنة من المنكر لا يقاس بيمين المدّعي فانّ اليمين في نفسه لا تعتبر بخلاف البيّنة لا يمكن المساعدة عليها، فانّ مقتضى اعتبار البيّنة أنّه يحرز بها الواقع فيجوز ترتيب آثار الواقع معها سواء كان الواقع نفيا أو إثباتا، كما إذا شهدت البيّنة للمرأة على عدم كونها ذات بعل، أو في العدة فيجوز للرجل تزويجها و لو مع كونها متهمة لا تعتبر قولها. و امّا جواز القضاء و سقوط دعوى الآخر عليها بأنّها زوجته بحيث يترتب على القضاء نفوذه فيمكن أن يؤخذ في موضوع جواز القضاء الإحراز الخاص أو أمرا آخر لا يكون إحرازا أصلا كيمين المنكر فإطلاق اعتبار البيّنة بحيث تعمّ البيّنة على النّفي لا ينافي عدم جواز القضاء بها في مقام الترافع كما هو مقتضى قوله صلوات اللّٰه عليه (انّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان و انّ

البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر).

و بذلك يرفع اليد عن مقتضى الإطلاق في رواية ضمرة و انّه كما لا تكون يمين المدّعي على دعواه من اليمين القاطعة في مقام الدعوى كذلك لا تكون بيّنة المنكر شهادة عادلة في مقام المخاصمة بأن يقطع المخاصمة بها، و كذا الحال في مرسلة ابن عثمان كما لا يخفى.

و ربّما يستدلّ على جواز القضاء ببيّنة المنكر و عدم الحلف عليه معها بروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 326

..........

______________________________

منها معتبرة حفص ابن غياث عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان أشهد انّه له قال (نعم) قال الرجل أشهد انّه في يده و لا أشهد انه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام (أ فيحلّ الشراء منه؟) قال نعم فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام (فلعلّه لغيره؟ فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه؟، و لا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك، ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لو لم يجز هذا لم يبق للمسلمين سوق.

و لكن يخفى انّ المراد بالشهادة فيها نسبة ملك الشي ء إلى ذي اليد، و لذا ذكر سلام اللّٰه في مقام النقض بنسبة الملك الى نفسه بعد الشراء من ذي اليد، و ليس المراد الشهادة في مقام الترافع، و على تقدير الإطلاق و دلالته على جواز الشهادة في مقام الترافع فليس مقتضى ذلك الاكتفاء به عن الحلف على المنكر، كما سنبيّن وجهه في تعارض بيّنة المنكر مع المدّعي.

و منها صحيحة حمّاد

بن عثمان قال بينما موسى ابن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن هيّاج رجلا من همدان منقطعا اليه ان يتعلّق بلجامه و يدّعي البغلة فأتاه فتعلّق باللجام و ادّعى البغلة فثنّى أبو الحسن عليه السلام رجله و نزل عنها و قال لغلمانه (خذوا سرجها و ادفعوا اليه) فقال السرج أيضا لي فقال (كذبت عندنا البيّنة بأنّه سرج محمد بن علي، و امّا البغلة فإنا اشترينا منذ قريب) و أنت أعلم و ما قلت حيث لو لم تكن بيّنة المنكر معتبرة لما كان لقوله عليه السلام و عندنا البيّنة بأنّه سرج محمد بن علي، و فيه انّ المراد بالبيّنة ما يوضح الأمر كما هو معناه اللغوي بقرينة قوله (ع)؛ و امّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب، و أنت أعلم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

و ما قلت.

و الحاصل: انّ مراده عليه السلام بأنّا لا نحتمل صدقك بالإضافة إلى السرج لا انّه ليس عندنا بالبيّنة المعتبرة في مقام القضاء بالإضافة إلى شراء البغلة، كما لا يخفى.

و منها: ما ورد في قضية أمر الفدك بسند صحيح رواه في الوسائل في باب الشهادة بالملكية باليد من احتجاجه عليه السلام في الجواب عن قول الأول هذا في ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا ان رسول اللّٰه جعله لها و الّا فلا حقّ لها فيه بقوله عليه السلام (يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّٰه في المسلمين قال لا قال فان كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البيّنة قال إيّاك اسئل البيّنة قال فما بال فاطمة

سئلتها البيّنة على ما في يديها، و قد ملكته في حيوة الرسول (ص) و بعده و لم تسئل المسلمين بيّنة على ما ادّعوها شهودا كما سئلتني على ما ادّعيت عليهم فسكت أبو بكر فقال عمر يا علي دعنا من كلامك فانّا لا نقوى على حجّتك فان أتيت بشهود عدول و الّا فهو في ء للمسلمين لا حق لك و لا لفاطمة فيه و وجه الاستدلال انه لو لم تعتبر بيّنة المنكر لكان أنسب بالاحتجاج على أبي بكر ذكر انّ بينة فاطمة عليها السلام لا تفيد شيئا فمطالبتها بها لغو لا انّها بلا موجب.

أقول: الاستدلال عجيب فإنهم لم يكونوا يعرفون أو يقبلون بأنّ المطلوب بالبيّنة من يدّعي على ذي اليد فقط و انّ ذي اليد لا يطالب بالبيّنة فكيف الظنّ بعرفانهم أو قبولهم بان بيّنة ذي اليد لا تقطع المخاصمة هذا مع انّ عدم كفاية بينة المنكر عن الحلف لا يلازم لغويتها كما سنبيّن إنشاء اللّٰه تعالى. و الحاصل انّ احتجاجه عليه السلام كان مبنيّا على أمر يعد من الأوليات في باب القضاء.

و منها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انّ رجلين اختصما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

الى أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما الى ان قال قيل فان كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البيّنة قال اقضي بها للحالف الّذي هو في يده و وجه الاستدلال انّه لو لم تكن بينة المنكر مسموعة لتعيّن الحكم بملكية غير ذي اليد لان بيّنته بينة المدعى و لا عبرة معها لا بالبيّنة المنكر و لا بالحلف و نحوها موثقة غياث ابن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه عليه

السلام انّ أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة و كلاهما أقاما البيّنة أنه أنتجها فقضى بها للذي في يده و قال لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين.

أقول: الظاهر و اللّٰه العالم لا دلالة في الروايتين على ما ذكر من جواز القضاء ببيّنة المنكر و عدم الحاجة معها الى حلفه و ذلك لما أشرنا إليه سابقا من انّ عدم اعتبار بيّنة المنكر بالإضافة إلى القضاء فقط لا انّه لا يحرز بها الواقع فانّ مقتضى دليل اعتبار البيّنة عدم الفرق بين كونها قائمة على ثبوت الواقع أو نفيه و على ذلك فمع معارضة بينة المدعي مع بينة المنكر يتساقطان عن الاعتبار على ما هو المقرر من الأصل في تعارض الأمارات و لا يصحّ القضاء في الفرض ببيّنة المدّعي لأنّ ظاهر قوله صلى اللّٰه عليه و آله (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات) المعتبرة منها و كذلك قوله عليه السلام البيّنة على من ادّعى.

و على ذلك ففيما إذا كان المال في يد أحد و ادّعاه الآخر، و اقام على دعواه بيّنة و كان لذي اليد بينة على انّها له كان مدلولهما متناقضين لا يمكن الحكم بثبوت الدعوى بالبيّنة المزبورة و تصل النوبة إلى حلف المنكر و موثقة إسحاق بن عمار توافق هذه القاعدة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها أقضى بها للحالف الّذي هي في يده.

و كذلك موثقة غياث حيث ذكر فيها قضى بها للذي في يده بعد تقييد إطلاقها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 329

و إذا حلف فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب (1).

______________________________

بما في الموثقة من كون القضاء بالحلف و ظاهر الروايتين حكاية واقعة واحدة و الاختلاف

بينهما في النقل بالإطلاق و التقييد أي ذكر القيد في أحدهما و عدم ذكره في الآخر. و الحاصل: ما ذكرنا من سقوط بيّنة المدّعي مع البيّنة على خلافها سواء كانت تلك البيّنة للمنكر أو لآخر و لا يتمّ معها ملاك الحكم بالبيّنة و تصل النوبة إلى حلف المنكر هو الأصل فكلّ مورد ثبت فيه بالنصّ خلاف ذلك نأخذ فيه بالنصّ الوارد فيه و نرفع اليد عن القاعدة المشار إليها و في غير يؤخذ بها.

و مما ذكرنا انّه لا يتم ما ذكره العلامة في اختلاف البائع و المشتري في تقدم العيب و تأخره من انّه لو قام أحدهما بيّنة يؤخذ بها فإنّه لا يكفي هذه البينة فيما إذا أقامها البائع و لا يسقط دعوى المشتري إلّا بالحلف على عدم تقدم العيب، و كذا ما ذكره من انّه لو أقام كل منهما بينة تؤخذ ببينة المشتري فإنه قد تقدم ان بيّنة المدعي في الفرض لا يصلح ملاكا للقضاء بل يتعيّن في الفرض القضاء بحلف البائع على عدم تقدم العيب و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قد ذكرنا في بحث القضاء انّه يعتبر في حلف المنكر حلفه على نفي ما يدّعيه خصمه و هذا يصدق بالحلف على نفي مصبّ الدّعوى أو نفي ما يترتّب على ذلك المصبّ؛ و لذا يكفي في الحلف على نفي دعوى الافتراض الحلف على انّه لا تشتغل له ذمّته. نعم يعتبر في الحلف العلم بالنفي على ما نطقت به الرّوايات من انّه لا يقع اليمين الّا على العلم، و عليه فان اختبر البائع المبيع قبل بيعه يمكنه الحلف على نفي العيب حال البيع و يكون العلم الحاصل بالاختبار كالعلم بالعدالة و الإعسار الحاصل بالمصاحبة الموجبة

للاطلاع بهما، و هل يجوز الحلف على النفي مع عدم الاختبار اعتمادا على استصحاب عدم البيع المزبور حال العيب أو استصحاب عدم ثبوت جواز الفسخ و حق الأرش لخصمه و لو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع كما يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 330

[فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري]

لو باع الوكيل فوجد به المشتري (1).

______________________________

الحلف على طهارة المبيع أو بقاء الزوجية و الملكيّة اعتمادا على الأصل و قاعدة الطهارة ذكرنا في بحث القضاء لا بأس بالحلف على النفي و لو بالاعتماد على الأصل فيما كان مفاد دليل اعتباره التعبد بالعلم بالواقع.

و ما عن المصنف (ره) من دعوى الفرق بين الحلف على الطهارة و الزوجيّة و الملكية، حيث يجوز الحلف فيها بالاعتماد الى الحكم الظاهري دون المقام تحكّم إلّا إذا قيل بعدم اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي، و ان ذلك الاستصحاب لا يثبت السالبة بانتفاء المحمول الموضوع للحكم على الفرض، و كذا ما يظهر منه (ره) من عدم الفرق بين الشهادة بشي ء و الحلف عليه ضعيف غايته فانّ المعتبر في الشّهادة الأخبار بالواقعة عن حسّ بها بخلاف الحلف فانّ المعتبر فيه مطلق العلم.

و أيضا ذكرنا في بحث القضاء انّه لا يحلف على نفي العلم إلّا في مورد دعوى العلم عليه و مع الحلف على نفي العلم بالواقعة تسقط دعوى العلم بها لا دعوى نفس الواقعة و إذا أجاب الخصم بأنّي لا أدري و لم يدّعي المدعى علمه يوقف الحكم لا انّه تردّ اليمين على المدعى كما هو ظاهر المصنف (ره) حيث جعل الردّ أوفق بالقاعدة.

(1) ذكر في المقام فرعا و هو ما إذا باع الوكيل متاعا و وجد مشتريه في ذلك المتاع عيبا و ادّعى انّ العيب

كان حال البيع فإنّه لو اعترف المشتري بالوكالة يكون طرف المخاصمة هو الموكّل لأنّ وكالة الوكيل قد انتهت بتحقّق البيع المنتسب الى مالك المتاع بالوكالة و الضمان بأوصاف المبيع بالضمان المعاملي على المالك؛ و لذا لو اعترف الوكيل بعيب المتاع حال البيع فلا ينفع في ثبوت الخيار أو الأرش للمشتري لأنّ اعتراف الوكيل إقرار على الغير لا على نفسه، و عليه فان اعترف الموكّل بتقدّم العيب و خيار المشتري فهو و الّا يحلف على نفي التقدم.

و لا وجه لما يقال من انّ اعتراف الوكيل ينفذ على الموكّل لا بما هو اعتراف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 331

..........

______________________________

الغير بل لقاعدة سماع قول ذي اليد أو من ملك شيئا ملك الإقرار به، و ذلك فانّ قول ذي اليد لا يعتبر بعد انقضاء اليد الّا مع الوثوق بل في حال اليد أيضا في غير الطهارة و النجاسة، و نحوهما، و قاعدة من ملك شيئا لا تعمّ حال زوال الملك مع انّ السماع يختصّ بسماع التصرّف لا بسماع خصوصية العين كما لا يخفى.

و امّا إذا لم يعترف المشتري بالوكالة و لم يكن للبائع البيّنة يكون طرف المخاصمة معه هو الوكيل فان اعترف بسبق العيب فقد تقدم انّه لا ينفذ في حقّ المالك غاية الأمر يكون اعترافه هذا دعوى بالإضافة إلى موكّله بتحمّله الظلامة عنه و لو حلف المالك على عدم تقدم العيب أو قال لا أدري يكون المتحمل للظّلامة هو الوكيل.

و إذا أنكر الوكيل تقدم العيب فيمكن له الحلف على نفي تقدم العيب أو على نفي خيار المشتري، و لا يقال انّ هذا الحلف حلف على مال المالك، فيكون من الحلف عن الغير فلا

تسمع فإنّه يقال فان حلفه على نفي خيار المشتري من الحلف على دفع الظلامة المتوجّهة اليه مع انّا قد ذكرنا في بحث القضاء جواز الحلف عن المنكر و لو كان ذلك من الحلف على أمر الغير فيما إذا كان ذلك بالولاية أو الوكالة.

و لو لم يحلف الوكيل في الفرض و ردّه على المشتري فحلف على تقدم العيب يثبت الخيار له و هل هذا الحلف الذي من اليمين المردودة بمنزلة اعتراف المنكر فتقع الظلامة على الوكيل أو انّه كبيّنة المدّعي و هو المشتري في المقام فينفذ في حق مالك المتاع و يتعين عليه تحمل الظّلامة فمبني على الخلاف في انّ اليمين المردودة على المدعي بمنزلة إقرار المنكر أو انّه كبيّنة المدعي؛ و قد ذكرنا في بحث القضاء انها ليست من البيّنة، و لا من الاعتراف بل هو ملاك آخر.

و بتعبير آخر كما انّ اعتراف المدعى عليه في نفسه ملاك الحكم و لا يدخل في قوله (ص) البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر و قوله (ص) إنّما أقضي بينكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 332

..........

______________________________

بالبيّنات و الايمان و كذلك الحكم باليمين المردودة فإنّ الحكم بها يستفاد مما دلّ على ردّ اليمين على المدعي بردّ المنكر أو بنكوله.

و قد يقال انّه لو قيل بأنّ اليمين المردودة كالبيّنة فلا يجوز ايضا للوكيل مطالبة الظّلامة عن المالك لاعترافه يكذب البيّنة الّتي أقامها المدعي بعنوان اليمين المردودة؛ اللهمّ الّا ان يكون اعتراف الوكيل بعدم سبق العيب مستندا الى الأصل فلا مورد للأصل المزبور مع البيّنة على خلافه، و لو كانت اليمين المردودة كبيّنة المدّعي تكون نافذة في حق المالك ايضا و انّما لا تنفذ

فيما إذا كان إنكار الوكيل السبق جزميّا؛ و يجاب عن الإشكال بأنّ ذلك مبني على كون اليمين المردودة كبيّنة الرّاد في انّها تسقط الحلف عنه فقط. و امّا إذا قيل بأنّها كبيّنة المدعي فتنفذ في حق المالك.

أقول: قد ذكرنا انّ اليمين المردودة ليست كالبيّنة لا من الرادّ و لا من المدّعي.

فلا تنفذ تلك اليمين إلّا في حقّ الوكيل. نعم إذا أقام المشتري في الفرض البيّنة على العيب في المبيع حال العقد تثبت بتلك البيّنة على المالك تحمل الظّلامة فيما إذا كان الوكيل غير منكر تلك البيّنة بأن كان جوابه للمشتري بلا أدري أو بإنكار سبق العيب اعتمادا للأصل فانّ مع تلك البيّنة لا مورد للأصل فيمكن إثبات دعواه على المالك بتحمل الظّلامة بتلك البيّنة.

لا يقال هذا كلّه أي دعوى المشتري على الوكيل بسبق العيب فيما إذا اعتقد بأنّه البائع بالأصالة. و امّا إذا لم يكن المشتري جازما بأنّه البائع بالأصالة فكيف يدّعي الأرش أو الفسخ على البائع فإنّه يقال يكفي في دعوى المشتري على الوكيل الأخذ بظهور الفعل في الأصالة، كما هو الحال في كل مورد كانت الدعوى أو الإنكار للاعتماد على الحجّة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 333

[الرابعة لو ردّ سلعة بالعيب فأنكر البائع]

لو ردّ سلعة بالعيب فأنكر البائع (1).

______________________________

(1) لو ردّ متاعا معيبا على البائع بدعوى انّه سلعته الّتي شراها منه و انّها كانت معيبة عند الشراء و أنكر البائع عيب متاعه، و ان المردود عليه ليس بسلعته فيحلف البائع على نفي الخيار للمشتري مع عدم البيّنة له، و ذلك لمطابقة قول البائع مع أصالة عدم الخيار للمشتري و عدم جريان بيعه على المتاع المزبور سواء قصد المشتري فسخ الشراء بالردّ المزبور أو بغيره؛ و

هذا فيما لم يعترف البائع بثبوت الخيار للمشتري كما ذكرنا.

و امّا إذا اتّفقا على الخيار للمشتري فقد يقال بأنّ المشتري يحلف على كون المردود هي السلعة التي شراها منه، كما عن العلامة في التذكرة و القواعد، و ذكر في الإيضاح في وجه ذلك بأنّ اختلافهما في أمرين أحدهما خيانة المشتري في دعواه كون المردود هي السلعة المبيعة و الأصل عدم الخيانة؛ و ثانيهما سقوط خيار المشتري و الأصل بقاؤه.

و أورد المصنف (ره) على الاستدلال بأنّ مقتضى استصحاب الخيار نفوذ فسخ المشتري لا تعيين المردود هي السلعة التي جرى عليها البيع، و إثبات كونه هي السلعة المبيعة بأصالة عدم الخيانة غير صحيح لانّ مع جريان أصالة عدم جريان المبيع على المردود يثبت الخيانة بهذا المعنى و الّا تكون أصالة عدم الخيانة مثبتة لكون المبيع هو المردود حتى مع عدم اعتراف البائع بالخيار للمشتري كما في الفرض الأول مع انّهم قد ذكروا فيه حلف البائع على نفي الخيار و نفي كون المردود سلعته.

لا يقال لا يقاس الفرض السابق بالفرض الثاني لأنّ أصالة عدم الخيار للمشتري و عدم حدوث العيب في المبيع حال البيع و صحّة إقباض البائع في الفرض الأوّل كانت مقتضاها تقديم قول البائع بخلاف الفرض الثاني مما لا مجال فيه لشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 334

[الثاني و هو الاختلاف في المسقط]
[الأولى لو اختلفا في علم المشتري]

لو اختلفا في علم المشتري (1).

______________________________

مما ذكر لاعتراف البائع بخيار المشتري فإنه يقال أصالة عدم الخيانة من قبيل ظهور الحال كأصالة الصحة التي لا مجال معها للاستصحاب. و امّا صحة الإقباض فلا معنى لها لأنّ المقبوض كان ملك المشتري سواء كان البيع لازما أو خياريّا و لزوم القبض عبارة أخرى عن عدم الخيار للمشتري

في فسخ البيع.

أقول: و تقريب عدم الفرق بين الفرضين انّ أصالة عدم الخيانة يطلق على معنيين أحدهما عدم نسية الحرام إلى المشتري المدعي و أصالة عدم الخيانة بهذا المعنى يشترك فيها الفرضان، و لكن لا تثبت كون المردود هي السلعة المبيعة لإمكان كون دعوى المشتري للخطإ و الغفلة. و ثانيهما قبول الرّاد بان يبنى على ان ملك البائع هي العين المردودة و هذا لا يجري في شي ء من الفرضين بل يختص بموارد قول الأمين خاصة أخذا بما دلّ على عدم جواز اتهام الأمين و الأخذ بقبول المؤتمن و قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، و لا يعمّ المقام فإنّ السلعة المبيعة كانت بيد المشتري بيد ملك، و بعد الفسخ على تقديره يد ضمان فأين يد الأمانة و دعوى كونها شبيهة بيد الأمانة لم يعلم لها وجه.

و على ذلك فان كان الخيار المتفق عليه خيار العيب فلا ينفذ فسخ المشتري إلّا بعد إثبات كون المردود هو المبيع، و الّا يحقّ له المطالبة بالأرش فقط، و ان كان غيره مما لا يسقط بتلف العين فيجوز له الفسخ و إعطاء البدل عن المبيع كما لا يخفى.

(1) لاختلاف المتبايعين في مسقط الخيار صور: الأولى ما إذا اختلفا في علم المشتري بالعيب عند الشراء فإنّ المأخوذ في موضوع الخيار عدم تبيّن العيب للمشتري عند الشراء و قد ذكر سلام اللّٰه عليه في معتبرة زرارة (أيّما رجل اشترى ما به عيب و عوار لم يتبرّء اليه، و لم يتبيّن له) الحديث؛ و إذا قال البائع ان المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 335

..........

______________________________

كان عالما بالعيب عند الشراء فلا خيار له، و قال المشتري كنت جاهلا فلي

الخيار فيطابق قول المشتري مع استصحاب عدم تبيّن عواره و عيبه له و يثبت له الخيار.

الثانية: ما إذا اختلفا في زوال العيب الى زمان علم المشتري به فقال المشتري انّه قد علم العيب السابق قبل زواله فلي الخيار، و قال البائع انّه كان زائلا عنده فليس لك خيار فانّ المفروض علم المشتري بالعيب السابق و مقتضى الاستصحاب وجود ذلك العيب زمان علمه بالعيب السابق فيتمّ موضوع الخيار فيكون قول المشتري مطابقا للاستصحاب، فيحلف على وجود العيب السابق زمان علمه.

لا يقال: يعارض هذا الاستصحاب استصحاب عدم العلم الى زمان زوال العيب فان زواله محرز بالوجدان و مقتضى الأصل عدم هذا العلم الى ذلك الزمان فيتمّ موضوع سقوط الخيار، و هو عدم العلم به مع زواله فإنّه يقال لو سلم المعارضة تصل النوبة إلى استصحاب بقاء الخيار بناء على انّ زوال العيب مع عدم العلم به مسقط له، كما هو الفرض. نعم لو قيل بأنّ الموضوع للخيار حصول العلم بالعيب حال عيب الشي ء نظير ما تقدم في درك الجماعة بأن يركع الشخص حال ركوع الإمام فالأصل عدم حصول العلم حال عيب الشي ء فيكون قول البائع مطابقا للأصل فيحلف على النفي.

أقول: قد ذكرنا انّ مع زوال العيب لا يكون في البين جواز الردّ و لا جواز أخذ الأرش لأنّ ظاهر المرسلة جواز الفسخ مع ردّ المعيب فلا ينفذ مع عدم كون المردود معيبا و هذا ايضا ظاهر كلام التذكرة؛ قال لو كان المبيع معيبا عند البائع و قد زال عيبه فلا ردّ لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا، كما لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده سقط الردّ

انتهى. و مقتضى ما ذكر (ره) انّ العلم بالعيب السابق حال زواله لا يكون موجبا للخيار بل الموجب له العلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 336

..........

______________________________

بالعيب حال وجوده و يبقى هذا الخيار ما دام العيب باقيا، و مع زواله يسقط؛ و لذا ذكر المصنف (ره) انّ هذه العبارة تشير الى انّ الموضوع للخيار العلم بالعيب السابق حال العيب.

و الفرق بين ذلك و ما ذكرنا هو انّ الموضوع للخيار على ما ذكرنا جريان البيع على شي ء حال وجود العيب فيه، و استفدنا ذلك من معتبرة زرارة، و انّ هذا الخيار يبقى ما دام العيب. و الحاصل انّه لا يعتبر في موضوع الخيار العلم بالعيب أصلا لا مطلقا و لا حال وجود العيب بل المعتبر جريان البيع على ما به عيب و الموضوع للخيار في الفرض محرز و مقتضى الاستصحاب بقاء ذلك العيب الذي كان عند البيع فيجوز للمشتري أخذ الأرش لذلك العيب. و امّا جواز الفسخ فلا لأنّ حدوث نكتة اخرى يوجب سقوط جواز الفسخ سواء بقيت أم زالت.

و مع زوال القديم سواء حدث عيب آخر أم لا، لا مورد لجواز الفسخ و لا لأخذ الأرش لأنّ مع زوال السابق قبل الفسخ يسقط الخيار فسخا و أرشا كما تقدم.

و ذكر المصنف (ره) انّ زوال العيب الحادث في يد المشتري يصحّح الفسخ بالعيب القديم، فمع اختلافهما بأنّ الزائل هو القديم أو الحادث يكون البائع في الفرض مدعيا لمخالفة قوله لاستصحاب العيب القديم و يوافقه قول المشتري فيكون منكرا فيحلف على عدم السقوط لا يقال قول البائع أيضا يوافق الأصل يعني استصحاب العيب الجديد. فيكون كل منهما مدّعيا و منكرا فيتحالفان و يستفيد البائع

بحلفه سقوط الفسخ و يستفيد المشتري بحلفه أخذ الأرش فإنّه يقال أصالة بقاء العيب الجديد غير جارية في نفسها فإنّها لا يتثبت زوال العيب القديم لينتفي جواز الفسخ و يجوز أيضا أخذ الأرش بناء على انّ الثابت للمشتري تخييره بين الفسخ و جواز أخذ الأرش.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 337

[الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المنفق عليه]

الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المنفق عليه (1).

______________________________

أقول: استصحاب العيب السابق لا يترتب عليه بقاء جواز الفسخ مطلقا بل في خصوص ما ثبت فيه بقاء المبيع بحاله الذي كان عليه عند البيع. و من الظاهر انّ الاستصحاب المزبور لا يثبت بقاء المبيع بحاله. و بتعبير آخر يثبت بأصالة بقاء العيب الجديد و بقاء المبيع على تغيّره عدم جواز الفسخ فيكون قول البائع مطابقا للأصل، و قول المشتري مخالفا له فيحلف البائع على نفيه. و امّا الأرش، فلا يستحقّه المشتري أخذا باعترافه بناء على انّه في طول جواز الفسخ.

و امّا بناء على تخيير المشتري بين جواز الفسخ و أخذه يحرز باستصحاب العيب القديم جوازه فيكون البائع بالإضافة إلى سقوط الأرش مدّعيا و المشتري منكرا، فيتمّ ما تقدم عن الشافعي من انّهما يتحالفان فينتفع البائع بحلفه إسقاط الفسخ و المشتري بجواز أخذ الأرش.

(1) إذا اشترى متاعا به عيب و وجد فيه عيب آخر فاختلفا في ذلك العيب الآخر فقال البائع انّه حدث عندك فلا يجوز لك إلّا أخذ الأرش على العيب الأوّل، و قال المشتري انّ العيب الثاني كان عند الشراء أيضا فلي جواز الفسخ بهما.

ذكر في الدروس انّ الفرض مثل ما إذا لم يكن في المتاع الّا عيب واحد، و قال البائع بحدوثه عند المشتري فلا خيار، و قال المشتري انّه

كان عند البيع فلي الخيار، و يقدم قول البائع لموافقته استصحاب عدم العيب حال البيع فيحلف على عدم العيب الثاني عند البيع أو عدم الخيار للمشتري.

و ذكر المصنف (ره) ان الفرض لا يقاس بالعيب المنفرد لانّ استصحاب عدم العيب حال البيع في العيب المنفرد ينفي موضوع الخيار؛ و لذا يقدم فيه قول البائع بخلاف هذا الفرض حيث يدّعي البائع فيه سقوط الخيار الثابت للمشتري بحدوث العيب الثاني عنده و استصحاب عدم العيب الثاني حال البيع لا يثبت حدوثه عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 338

..........

______________________________

المشتري ليقدم قول البائع.

أقول: لو فرض ثبوت الخيار للمشتري بالعيب المتفق عليه يجري في الفرض استصحاب عدم حدوث العيب الثاني عند المشتري فيحلف على ذلك فيحكم ببقاء خياره، و لكن لا يثبت له خيار آخر بالعيب الثاني لأنّ الأصل عدم وجود العيب ذلك الثاني عند البيع لا يقال يعلم إجمالا بعدم مطابقة كل من استصحاب عدمه حال البيع و استصحاب عدم حدوثه عند المشتري للواقع بل أحدهما غير مطابق له لا محالة فإنّه يقال هذا العلم الإجمالي لا يوجب سقوط الأصلين لأنّهما لا يوجب المخالفة القطعيّة، بل يوجب التفكيك بين المتلازمين واقعا و لا محذور فيه فيما إذا اقتضاه الأصلان. و الحاصل يحلف كل من البائع و المشتري فالبائع على وجوده حال البيع، فلا يكون الخيار الثاني، و يحلف المشتري على عدم حدوثه عنده فيحكم ببقاء الخيار الأوّل.

و امّا مع عدم ثبوت الخيار بالعيب الأول كما إذا تبرّء البائع منه أو كان معلوما للمشتري يكون الفرض كما ذكره في الدروس من تقديم قول البائع فإنّ أصالة عدم وجوده حال البيع ينفي الخيار كما هو ظاهر.

و ممّا ذكرنا

يظهر الحال فيما إذا حصلت الزيادة في العيب الذي كان عند البيع و اختلفا في زمان حصولهما فقال البائع انّها حصلت بيد المشتري فلا يجوز له الفسخ و قال المشتري انها كانت قبل قبض المبيع فله الخيار فإنّه ان كان أصل العيب الذي كان عند البيع موجبا للخيار يتحالفان و يثبت للمشتري جواز الفسخ بأصل العيب، و ينفي البائع بحلفه جواز الفسخ و أخذ الأرش بتلك الزّيادة.

و امّا إذا لم يكن أصل العيب موجبا للخيار كما إذا تبرّء البائع منه أو كان معلوما للمشتري فيحلف البائع على عدم حصولها عنده فلا يثبت للمشتري جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 339

[الرابعة: لو اختلفا في البراءة]

الرابعة: لو اختلفا في البراءة (1).

______________________________

الفسخ و لا جواز أخذ الأرش فتدبّر.

(1) لو اختلفا في التبرّي عن عيب المبيع بان ادّعاه البائع و أنكره المشتري يقدم قول المشتري لأنّ جريان البيع على ما به عيب و عواز محرز، و الأصل عدم تبرّي البائع فيتمّ موضوع الخيار، و لكن ربّما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى عن أبي الحسن عليه السلام خلاف ذلك و انّه عند الاختلاف في التبرّي يقدم قول البائع.

و ذكر الأردبيلي (قده) انّ الرّواية لكونها مكاتبة يحتمل فيها الدس و رعاية التقية و كونها على خلاف قاعدة البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادعى عليه فلا يمكن الاعتماد عليها، و لكن جعلها في الكفاية مؤيدة للقاعدة و ذكر في الحدائق انّ تقديم قول البائع في الرواية لكون إنكار المشتري كان تدليسا و لعدم رغبته في المبيع جعل إنكاره وسيلة للتخلّص من البيع؛ و لذا ألزمه عليه السلام بالثمن من غير ان يذكر ان على البائع الحلف على

إسماع التبرّي و ناقش المصنف (ره) في التوجيه بأنّه لا يحتمل أن يسئل السائل عن الامام عليه حكم صورة العلم بكذب المشتري فانّ الحكم في صورة العلم بالحال كان ظاهرا؛ و انّما سئل عن صورة احتمال صدق المشتري كما يفصح عن ذلك قوله أ يصدّق أم لا؟.

و الصحيح في الرواية ان يقال ان في موردها خصوصية لا تنافي ما تقدم من تقديم قول منكر التبرّي عند الاختلاف و تلك الخصوصية ان البيع فيمن يزيد لا ينفك غالبا عن تبرّي البائع بنحو يسمعه كل من حضر الشراء؛ و هذا الظهور الغالبي في المفروض في الرواية أوجب تقديم قول البائع، و هذا من أحد الموارد التي يقدم فيها الظهور على الأصل العملي أي استصحاب عدم سماع التبرّي.

لا يقال تبرّي البائع قبل البيع و لو بنحو يسمعه من حضر لا يكون كافيا في الاشتراط فإنّه يعتبر في نفوذ الشرط ذكره في متن العقد فإنّه يقال يكفي في نفوذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 340

[الخامسة: لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار]

الخامسة: لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار (1).

______________________________

الشرط ذكره قبل المعاملة و إنشائها مبنيّا على المذكور قبله؛ هذا أوّلا. و ثانيا انّ كل نداء المنادي فيمن يزيد يكون إيجابا للبيع و لو بنحو يقبل الرجوع فيه و يكون تبريه في النّداء من ذكر الشرط في الإيجاب، كما لا يخفى.

(1) من موارد اختلاف المتبايعين في حدوث المسقط للخيار ما إذا ادّعى البائع رضا المشتري بالمبيع فلا يجوز له فسخه بعد ذلك، و يجوز له أخذ الأرش خاصّة بناء على تخييره بين الفسخ و مطالبة الأرش. و أنكر المشتري رضاه فإنّه يحلف على عدم رضاه.

و كذلك فيما

إذا ادّعى البائع إسقاط خياره بعد العلم بالعيب فلا يجوز له فسخ البيع و لا مطالبة الأرش أو ادّعى تصرّف المشتري بعد العلم بالعيب بل أو قبله بما يوجب سقوط جواز الفسخ فإنّه مع الاختلاف يحلف المشتري على عدم إسقاط خياره أو عدم تصرّفه و نظير ذلك ما تقدم من انّ المبيع وجد فيه عيب جديد و قال المشتري انّه كان عند البيع فيجوز له الفسخ و أخذ الأرش عليه ايضا. و قال البائع انّه حدث بيد المشتري فلا يجوز له الفسخ بالعيب القديم فإنّه قد تقدّم انّ البائع يحلف على عدم وجوده عند البيع و المشتري على عدم حدوثه بيده فيحكم ببقاء جواز الفسخ و عدم جواز أخذه الأرش على العيب الثاني.

و لكن العجب من المصنّف (ره) حيث جعل في المقام الأصل الموافق لقول المشتري أصالة بقاء الخيار و الأصل عدم جريان البيع على السالم من العيب الجديد فإنّه لو جرى على السالم لكان ضمانه على المشتري و وجه العجب انّ ضمان المشتري العيب الجديد بمعنى حدوثه بيده مع جريان البيع على السالم متلازمان.

و من الظاهر انّ نفي أحد المتلازمين بالأصل يعني أصالة عدم جريان البيع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 341

[الثالث اختلاف المتبايعين في الفسخ]
[الأولى لو اختلفا في الفسخ]

لو اختلفا في الفسخ (1).

______________________________

السالم لا ينفي الملازم الآخر.

(1) لو اختلفا في الفسخ في زمان يكون للمشتري فيه خيار لو لا فسخه فلا ينبغي الريب في سماع قول المدّعي بالفسخ. و ظاهر كلام المصنف سماع قوله بأنّ له إنشاء الفسخ حين الدعوى. و عن الدروس جعل دعواه فسخا بمعنى انّ الحاكم يحكم بتحقق الفسخ بمجرد إقراره بالفسخ لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به، كما لو ادّعى

الزوج طلاق زوجته فانّ للزّوج سلطنة الطلاق، و إذا ادّعاه يقبل قوله بغير بيّنة و لا يحتاج في الحكم بثبوته الى حلف الزوج، و ان أنكرته الزّوجة.

و يشهد للقاعدة المزبورة ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد ابن زياد عن محمد بن عبد اللّٰه الكاهلي قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام كان لعمّي غلام فأبق فأتى الأنبار فخرج اليه عمّي ثم رجع فقلت له ما صنعت يا عمّ في غلامك قال بعته فمكث ما شاء اللّٰه ثم عمّي مات فجاء الغلام فقال انا غلام عمّك، و قد ترك عمّي أولاد صغار و أنا وصيّهم فقلت انّ عمي ذكر انّه باعك فقال عمّك كان لك مضارا و كره أن يقول لك فتشمت به و أنا و اللّٰه غلام بنيه فقال (صدق عمّك و كذب الغلام فأخرجه و لا تقبله).

و الظاهر انّ محمد بن عبد اللّٰه الكاهلي سهو بل السائل هو عبد اللّٰه الكاهلي بقرينة رواية الحسن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي في غير هذا المورد و عدم وجود محمد بن عبد الكاهلي في الرجال على ما أعلم فالرّواية من حيث السند موثقة و مدلولها قبول اخبار المالك عن بيع ماله و عدم بقائه في ملكه و الإقرار بالعتق كما في عبارة المصنف (ره) سهو من قلمه الشريف.

و ذكر السيد اليزدي (قده) انّ الرّواية لا دلالة لها على اعتبار القاعدة، و لذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 342

و ان كان بعد انقضاء زمان الخيار (1).

______________________________

لم يستدل بها المصنف (ره) في رسالته المرسومة في القاعدة على اعتبارها مع اهتمامه فيها بإقامة

الدليل عليها و الوجه في عدم دلالتها هو ورودها في واقعة خاصّة، و لعل الإمام عليه السلام كان يعلم بكذب الغلام، و انّ تصديق البائع كان من سماع الإقرار على النفس و ذكر انّه لا ينافي سماع الإقرار على النفس دون سماع الإقرار للنفس سقوط نفقة الغلام في الفرض فانّ سماع الإقرار على النفس لا ينافي سقوط ما يترتّب على المقرّ به من انتفاع الغير كسقوط النفقة فيما إذا أقرّ الزوج بطلاق زوجته. و انّما لا يسمع الإقرار فيما إذا كان المقرّ به في نفسه للنفس لا عليه. أقول:

دعوى انّ الرّواية واردة في واقعة خاصة، و لعلّ الإمام عليه السلام كان يعلم كذب الغلام لا يناسبها ظاهر السؤال و الجواب.

و دعوى انّ الإقرار على النفس تسمع و لو مع ترتّب النفع للمقرّ فيما إذا كان المقرّ به على النفس و لا تسمع في خصوص ما كان المقرّ به للنفس غير ظاهرة، لانّ الدليل على نفوذ الإقرار السيرة العقلائيّة و لا يترتّب على الإقرار على النفس ما كان للنفس إلّا إذا كان داخلا في قاعدة من ملك كدعوى الطّلاق.

(1) إذا كان اختلاف المتبايعين في الفسخ في زمان لا يكون فيه للمشتري خيار الفسخ، كما إذا تلف المبيع بعد الفسخ و قلنا بأنّ هذا التلف لا يوجب بطلان الفسخ السابق فإن أقام المشتري البيّنة على فسخه السابق يرجع الى البائع بالتفاوت بين الثمن المسمّى و بدل المبيع التالف و لو لم يتمكن على إقامة البيّنة على فسخه فيحلف البائع على نفي علمه بالفسخ فيما لو ادّعى المشتري علمه به و الّا يوقف الدعوى.

و هذا بناء على ما ذكروا من عدم جواز الحلف على فعل الغير نفيا و

إثباتا.

و امّا بناء على ما ذكرنا في بحث القضاء من انّه يصحّ القضاء بالحلف سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 343

[الثانية لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت بناء على الفورية]

لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت بناء على الفورية (1).

______________________________

حلف على فعل نفسه أو فعل الغير حيث لا يعتبر في الحلف الّا العلم فيحلف البائع على عدم فسخه. و ايضا ذكرنا فيما تقدّم انّه يعتبر في نفوذ الفسخ بقاء المبيع بحاله الى ردّه على بايعه و الّا فلا موضوع إلّا للأرش. و عليه فيتعيّن في الفرض المطالبة بالأرش، و لا مجال للمخاصمة في الفسخ. و على ما ذكروه من حلف البائع على عدم علمه بالفسخ فهل للمشتري المطالبة بالأرش قيل لا، لأنّ المشتري يعترف بعدم استحقاقه الأرش بدعواه فسخ البيع و انّه انّما يستحقّ من الثمن الزائد على البدل لا غير.

و ذكر في الدروس انّه يحتمل استحقاق المشتري الأقل من الأرش و التفاوت بين الثمن و بدل المبيع و الوجه في ذلك انّ المشتري يستحقّ المال المزبور باتفاقهما غاية الأمر يذكر المشتري انّه بعنوان التفاوت بين الثمن و البدل و البائع بدعوى انّه بعنوان الأرش فإن كان التفاوت أزيد فالبائع ينكر استحقاق المشتري تلك الزيادة فيحلف على نفي استحقاق المشتري، و ان كان الأرش أزيد فلا يجوز للمشتري أخذه أخذا باعترافه، و على ما ذكر فلا مورد للمخاصمة مع عدم الاختلاف بين الأرش و التفاوت بين الثمن و بدل التالف، كما انّه لا موضوع لحلف البائع فيما إذا كان الأرش أكثر كل ذلك فيما إذا لم يتضمّن دعوى المشتري المطالبة بعين الثمن و الّا يحتاج نفي استحقاق المشتري الى حلف البائع فتدبّر.

(1) لو كان اختلاف المتبايعين على القول

بفورية الخيار في تأخر الفسخ أو وقوعه زمان الخيار بان قال المشتري كان الفسخ زمان الخيار، و قال البائع انّه كان بعد انقضائه ذكر المصنف (ره) ان استصحاب بقاء العقد و عدم حصول الفسخ الى انقضاء الخيار يوافق قول البائع، حيث يذكر عدم الفسخ زمان الخيار، و انّه وقع على التأخير، كما انّ أصالة الصحّة في الفسخ يوافق قول المشتري المدّعي وقوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

الفسخ زمان الخيار، و إذا اتفقا على زمان الفسخ، و اختلفا في أول زمان العقد فعيّنه البائع بزمان يكون الفسخ معه على التأخير و عيّنه المشتري بما يكون على الفور يحتمل استصحاب عدم وقوع العقد في الزمان المشكوك فيكون موافقا لقول المشتري و لكن الاحتمال ضعيف لأنّ استصحاب عدم حصول العقد في ذلك الزمان لا يثبت وقوع الفسخ في أوّل زمان إمكان الفسخ.

و نظير المسألة ما إذا اختلف الزوجان في تقدم رجوع الزوج و وقوعه في العدة فقال الزوج انّه كان في العدة و الزّوجة انّه كان بعد انقضاء العدة.

أقول: استصحاب في ناحية بقاء العقد لا مجال له مع استصحاب عدم حصول الفسخ المزبور الى حين انقضاء الخيار، فانّ هذا الاستصحاب لو تمّ يترتّب عليه بقاء العقد إذ مع الأصل السببي لا تصل النوبة الى الأصل الحكمي كما انّه لا مجال لاستصحاب عدم الفسخ المزبور الى حين الانقضاء لو جرت أصالة الصحّة في ناحية الفسخ لأنّ مع أصالة الصحة لا مجال للاستصحاب كان على وفق أصالة الصحّة أو على خلافها على ما هو المقرر في محله من حكومتها على الاستصحاب.

و ذكر السيد اليزدي (ره) انّه يقدم في فرض الاختلاف في تقدم الفسخ و تأخره

قول المشتري المدّعي لصحّة الفسخ لا لأصالة الصّحة في الفسخ فان حمل فعل الغير على الصّحة يكون في غير موارد المنازعة و مع المنازعة يجري الحمل في العقود لا في الإيقاعات، كما في المقام بل لأنّ مع استصحاب بقاء الخيار الى حصول الفسخ يترتّب عليه نفوذه.

لا يقال: هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وقوع الفسخ المزبور الى زمان انقضاء الخيار فإنه يقال ان الاستصحاب المزبور لازمه العقلي وقوع الفسخ بعد الانقضاء المحكوم على الفسخ معه بالبطلان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

أقول: ما ذكره (قده) في أصالة الصحّة عجيب فانّ اعتبارها لا يختص بغير موارد المنازعة كما انّه لا فرق في اعتبارها بين العقود و الإيقاعات بل سائر ما يتّصف بالصحة من العبادة و غيرها.

نعم في أصالة الصحّة كلام و هو عدم جريانها في موارد الشك في قابلية المورد للتصرف أو في ولاية المتصرّف للتصرف و عليه في المقام يشك في قابلية العقد للفسخ حال فسخ المشتري فلا مجري لها.

و امّا استصحاب بقاء الخيار فقد يقال انّه لا مجال له لأنّ انحلال البيع مترتّب على الفسخ حال الخيار و استصحاب بقاء الخيار لا يفيد في كون الفسخ حال الخيار نظير ما تقدم من انّ الموضوع لدرك الجماعة الركوع حال ركوع الإمام؛ و لكن لا يخفى ما فيه فانّ انحلال العقد بالفسخ في زمان أثر شرعي لوجود الخيار في ذلك الزمان، و إذا ثبت بالاستصحاب تحقق الخيار زمان الفسخ يترتّب على الفسخ المزبور انحلال العقد و وقوع الفسخ حال الخيار ليس موضوعا لانحلال العقد في شي ء من الخطابات، و ممّا ذكرنا انّه يلزم في الحكم ببقاء العقد من نفي الخيار زمان الفسخ، و من

الظاهر عدم أصل ينفي الخيار زمان الفسخ و أصالة عدم الفسخ المفروض الى زمان انقضاء الخيار يلزمه عدم الخيار زمان الفسخ و الأصل لا يثبت لازمه العقلي، كما هو ظاهر فالمتحصّل انّ مع عدم البيّنة للبائع يحلف المشتري على كون فسخه زمان الخيار له.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في مسألة اختلاف الزّوجين في تقدم الرجوع على انقضاء العدة أو تأخره فإنّ مقتضى الاستصحاب كونها على العدة زمان الرجوع فيترتّب عليه انحلال الطلاق فانّ انحلاله بالرجوع من أحكام كونها على العدّة. في ذلك الزّمان و استصحاب عدم ذلك الرجوع الى انقضاء العدة لا ينفي العدة زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 346

[الثالثة لو ادّعى المشتري جهله بالخيار أو بالفوريّة]

لو ادّعى المشتري جهله بالخيار أو بالفوريّة (1).

[القول في ماهية العيب]

اعلم انّ حكم الرد و الأرش معلّق في الروايات (2).

______________________________

الرجوع الّا بنحو الأصل المثبت لا يقال يقدم في الفرض قول المرأة لمثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة (العدة و الحيض للنّساء إذا ادّعت صدقت) فإنّه يقال ظاهرها اعتبار اخبارها عن حالها الفعلي، و لا يعمّ اخبارها عن حالها السابق زمان الفعل الصادر عن الغير بل عن نفسها ايضا كما لا يخفى.

(1) لو فرض إمكان تصوير الخيار على الفور و بنحو التراخي في حق الجاهل بالفورية و لو بجعل الخيار المتعدد بان يجعل الشارع الخيار لكل من اشترى ما به العيب زمان علمه بالعيب، و جعل خيار آخر لمن اشترى المعيب و لم يعلم بالخيار له زمان علمه بالعيب فإنّه يجري مع اختلافهما في جهل المشتري استصحاب عدم علمه بالخيار له زمان علمه بالعيب، فيثبت الموضوع للخيار الثاني فيكون قول مدّعي الجهل موافقا للأصل. نعم إذا كان المشتري ممن يبعد الجهل في حقه يكون تقديم مدّعي علمه بالخيار مبنيّا على تقديم الظاهر على الأصل.

(2) قد تكلّم (ره) في المقام في العيب الموضوع لجواز الفسخ العقد و أخذ الأرش عليه ثم تعرّض لبعض ما يقال انّه عيب. و قال بما حاصله انّ العيب هو نقص الشّي ء عن مرتبة الصحّة الملحوظة في الشي ء المتوسطة بين النقص و الزيادة المعبّر عن الزّيادة بالكمال و ان كون شي ء صحيحا عبارة عن كونه على مقتضى الحقيقة المشتركة بينه و بين سائر أفراد تلك الطبيعة.

و إذا علم مقتضى الحقيقة من الخارج بحيث يكون تخلف فرد من إفرادها عن ذلك المقتضي لأمر عارض سواء كان التخلف بالنقص كالعمى في الحيوان أو بالزيادة كمعرفة الكتابة

في العبد و الخياطة في الأمة يكون المعيار في إحراز النقص هو العلم بمقتضاها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 347

..........

______________________________

و قد لا يعلم مقتضى حقيقة الشي ء الّا من وجدان غالب أفراده على مرتبة و يجعل الغلبة وسيلة إلى إحراز مقتضى حقيقة ذلك الشّي ء و كون غالب أفراد شي ء على نحو و ان لا يلازم عقلا كون ذلك النحو مقتضى الحقيقة لإمكان كونه لعارض أو عوارض تقارن غالب الأفراد. نعم يظنّ بكون ذلك النحو مقتضى الحقيقة فيكون الغلبة طريقا ظنّيّا بهذا اللحاظ، و الّا فلا يمكن الاستدلال من الجزئي على جزئيّ الآخر.

و الحاصل: تعتبر هذه الغلبة عرفا و عادة في استكشاف مقتضى حقيقة الشي ء و يبني ان مقتضى غالب الافراد مقتضى حقيقته فيقاس إليها النقص و الزّيادة.

و قد يعلم انّ ما عليه غالب أفراد الشي ء ليس من مقتضى حقيقة الشي ء بل لأمر خارج عن حقيقته، كما في خراج الضيعة فانّ الخراج ليس من مقتضى تملك الضيعة و لكنه يوضع عليها فيكون المقدار المتعارف من الخراج من مقتضى طبيعة الضيعة المملوكة؛ و في هذا الفرض يكون الملاك في النقص و الكمال الطبيعة الثانوية فزيادة الخراج الموضوع للأرض عن خراج أمثالها عيب؛ و لذا ذكروا انّ الثيبوبة في الإماء ليست عيبا، بل قد يكون كون الشّي ء على مقتضى حقيقته عيبا كالغلفة في العبد، فانّ عدم الختان الواجب عيب. نعم ربّما قيل انّ مجرد عدم الختان غير عيب بل العيب في الأغلف لاحتمال الضرر في ختان الكبير، و لذا لا يعدّ الغلفة في الصغير عيبا، و على كل تقدير فلا عبرة بالخلقة الأصليّة أو الحقيقة فيما إذا حصلت حقيقته ثانويّة.

و لكن عدم العبرة بها لكون الشي ء

معيبا غير انّه لا يثبت له حكم العيب لانصراف ما دلّ على جواز الفسخ و الأرش إلى صورة التزام المتبايعين بعدم العيب و لو بشرط ضمني و مع كون النقص غالبا لا يكون في البين شرط ضمني و لحوقه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

بصورة تبرّي البائع عن العيب أو انّ النقص الحاصل في غالب الافراد غير داخل في العيب أصلا، و تظهر الثمرة فيما إذا اشترط المشتري السلامة من النقص الغالب فإنّه بناء على الأول يثبت له عند التخلّف خيار العيب بخلاف الثاني فإنّه لا يثبت له الّا خيار تخلّف الشرط، و ذكر العلامة لو اشترط البكارة في الأمة و ظهر الخلاف يثبت له الأرش دون الردّ؛ و ظاهر ذلك انّ الثيبوبة عيب يثبت حكم شراء المعيب مع اشتراط خلافها؛ ثم انّ المصنف (ره) قد قوى الوجه الثاني و ذكر انّ مع معارضة الحقيقة الصنفيّة مع النوعيّة تعتبر الصنفيّة، و ذلك لكون المعيار في الصحة مع اختلاف الصنف في غالب افراده مع النوع بحسب افراده هو غالب الصنف بنظر عامة النّاس.

أقول: محصّل ما أفاده (قده) في المقام أمور: الأول انّ الملاك في صحّة الشي ء و تماميّته عدم نقصه عن مقتضى الحقيقة المشتركة بينه و بين سائر الأفراد؛ و المراد من الحقيقة المشتركة ما تعلّق البيع بالشي ء بذلك العنوان.

الثاني: انّ مقتضى الحقيقة المشتركة إمّا بعلم من الخارج و مع عدم علمه من الخارج يستكشف بملاحظة غالب افراد تلك الحقيقة فما عليه الغالب فهو مقتضى الحقيقة المشتركة.

الثالث: إذا علم مقتضى الحقيقة المشتركة خارجا و كان غالب الأفراد على خلافه فما تعلّق عليه البيع لو كان مساويا لغالب الأفراد لا يثبت فيه خيار

العيب و عدم ثبوته لعدم العيب بان يكون ملاك الصحة أحد الأمرين أو انّه عيب، و لكن لا حكم له حيث انّ غلبة نقص على أفراد الحقيقة توجب ان لا يلتزم بالسّلامة عنه و لو شرط السلامة في الفرض فظهر التخلف فيثبت خيار تخلف الشرط على الأوّل و خيار العيب على الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

الرابع: ان المعيار في عيب الشي ء مع اختلاف مقتضي الحقيقة المشتركة الصنفيّة مع مقتضي الحقيقة النوعيّة هو مقتضى الحقيقة الصنفيّة فمع النقص عنه يكون الشي ء معيبا و مع عدمه فلا عيب.

أقول: الظاهر عدم إمكان الجمع بين كون غالب الأفراد طريقا الى مقتضى الحقيقة المشتركة و بين الالتزام بأنّ ملاك صحّة الشي ء فيما إذا كان غالب الأفراد على خلاف مقتضى الحقيقة المشتركة هو موافقته لغالب الأفراد فإنّ الشّي ء فيما كان مساويا لغالب الأفراد و حكم بأنّه غير معيب و لو مع نقصه عن مقتضى الحقيقة المشتركة المعلوم خارجا يكون لغالب الأفراد موضوعيّة و الطريقيّة معناه عدم الموضوعية لغالب الأفراد.

و الصحيح ان الموافق لغالب الأفراد لا يكون معيبا لا انّه معيب لا يجري عليه حكم العيب و لو شرط البكارة في الأمة البالغة، فظهرت ثيّبا لا يجري عليه خيار العيب، و لو قيل بأنّه يرد عليه الأرش بعد ظهور عدم بكارتها بوطيها فهو للنصّ لا لكون الثابت خيار العيب و دعوى انّ غلبة النقص على الأفراد يوجب تبرّي البائع عن ذلك النقص فيما إذا أطلق العقد لا يمكن المساعدة عليها فانّ لازمها ثبوت خيار العيب للمشتري فيما لم يعلم حين الشراء بغلبة النقص لانّ الموجب لانتفاء خيار العيب إسماع البائع التبرّي لا نفس تبرّيه كما تقدم.

و الحاصل:

انّ العيب في الشي ء أمر عرفي و لا يتحقق بخصوص النقص بل يحصل بالزيادة أيضا كما إذا كان يد العبد ذات أصابع ستة فالعيب في الشي ء الخارجي كونه على خلاف أمثاله بحيث يكون ذلك الخلاف ضد المزيّة فإنّ أحرز ذلك في الشّي ء يثبت فيه خيار العيب و الّا يرجع الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و يحكم بعدم ثبوت جواز الفسخ و لا جواز المطالبة بالأرش.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 350

و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب النقص المالي (1).

______________________________

(1) ذكر (قده) بما حاصله انّه لا يبعد أن يكون نقص الشي ء عن مقتضى العنوان الذي جرى البيع عليه بذلك العنوان عيبا مع كونه موجبا للنقص في ماليته؛ و امّا مع عدم إيجابه النقص المالي أو إيجابه زيادة قيمته فلا يصدق العيب عليه. نعم حيث انّ الغالب في أمثال الشي ء عدم ذلك النقص فإطلاق العقد مقتضاه اشتراط عدم ذلك النقص فيثبت للمشتري خيار تخلف الشرط.

و تظهر الثمرة بين كون الثابت في الفرض خيار العيب أو خيار الشرط فيما إذا أراد المشتري الفسخ بعد تصرّفه في المبيع بما لا يجوز معه الفسخ بخيار العيب فإنّه يجوز ذلك الفسخ بناء على كون الخيار خيار تخلف الشرط، و فيما إذا حصل النقص المزبور قبل القبض أو في زمان الخيار فإنّه يكون مضمونا على البائع بناء على كونه خيار العيب و لا يكون مضمونا عليه بناء على كونه خيار تخلف الشرط.

و لكن تأمّل (قده) في عدم سقوط خيار الشرط ايضا بالتصرّف المزبور أوّلا، كما تنظّر في عدم ضمان الوصف في شرطه في مورد حصوله قبل القبض أو زمان الخيار.

أقول: لا موجب لسقوط خيار الشرط بالتصرف فيما

إذا انكشف فقد الوصف المشروط بعده بل مطلقا مع عدم قصده إسقاط الخيار و إعراضه عن فسخ البيع، كما أنّه لا يختلف ضمان البائع بالإضافة إلى الوصف المشترط فقده قبل العقد أو قبل القبض أو حدوثه زمان خيار الحيوان.

و لكن مع ذلك ففي كون النقص الخلقي مع عدم إيجابه النقص المالي موجبا للخيار تأمّل لأنّ مجرد تخلف وصف غالبي موجب للخيار و لو مع عدم اشتراطه في العقد غير ثابت و أصالة السلامة يحرز بها حال المبيع لا انّه يجعل غير المشروط مشروطا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 351

[الكلام في بعض أفراد العيب]

الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب (1).

______________________________

و كيف ما كان فقد يستدلّ على كون مجرد النقص الخلقي و لو مع عدم إيجابه النقص المالي عيبا يثبت معه للمشتري خيار العيب بمرسلة السياري؛ و أجاب عنها المصنف (ره) بوجوه: الأوّل انّ السّائل لم يقصد ردّ الشراء بمجرد عدم الشعر على عانة الأمة بل لاحتماله أن يكون ذلك لمرض في العضو أو المزاج؛ و لذا ذكر في سؤاله و زعمت انّه لم يكن لها قط. و بتعبير آخر ازالة الشعر بعلاج لا يكشف عن كون عدم الشعر بحسب الخلقة مرغوبا اليه مع احتماله للمرض؛ و قول ابن أبي ليلى انّ الناس ليحتالون كان للفرار عن القضاء لا لأنّ السائل لم يكن يحتمل كون عدم الشعر للمرض.

الثاني: انّ قوله عليه السلام (فهو عيب) لا يدلّ الّا على ثبوت ما هو الظاهر من أثر العيب، و هو أصل جواز الفسخ. و امّا سائر ما يجري في خيار العيب و أثره فلا دلالة لها على ترتّبه. أقول مقتضى الحكم بتحقّق موضوع ترتّب حكمه

عليه من غير فرق بين حكم و أثر.

و الثالث: انّ الرّواية لا دلالة لها على أزيد مما يعرفه العرف من العيب و تنصرف الزّيادة و النقيصة فيها الى ما يوجب النقص المالي لا انّ مطلق الزّيادة و النقيصة ككثرة شعر الجارية أو تعلّمها الخياطة و نحو ذلك عيب يوجب الخيار.

الرابع: لو سلّم ظهور الرواية في تحديد العيب في الشي ء الموجب للخيار في بيعه الّا انّ الرّواية لضعفها لا يصلح لإثبات الحدّ للمعنى العرفي للعيب.

(1) ذكر (قده) انّ الثفل بضم الثاء و سكون الفاء الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب يثبت به الردّ و الأرش و يشهد لكون ما ذكر عيبا حسنة ميسر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قلت له رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه دردّيّا قال فقال (ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه، و ان لم يكن يعلم ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 352

..........

______________________________

ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه) «1»؛ و ظاهرها انّ الدردي مع عدم تعارفه موجب لجواز الفسخ. و في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه انّ عليّا عليه السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربّا فخاصمه الى علي عليه السلام فقال له عليّ (لك بكيل الرّب سمنا فقال له الرجل انّما بعته منك حكرة فقال له علي عليه السلام انّما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربّا «2».

و لكن لا يخفى انّه لو كان الربّ في العكة من العيب في زيتها لكان للمشتري فسخ البيع أو أخذ الأرش لا المطالبة بكيل الربّ سمنا. و ذكر السيد اليزدي

أنّه من قبيل المطالبة بالأرش. و فيه انّ الأرش نسبة تفاوت قيمتي الشي ء معيبا و صحيحا الى الثمن المسمّى. و الحاصل انّ الحكم الوارد في الرواية يتمّ فيما كان المبيع بنحو الكلي على العهدة و دفع العكرة وفاء، و يكون في الفرض على البائع استرداد الرب و دفع السمن بكيله.

ثمّ انّه قد يناقش في صحّة البيع بالإضافة الى غير الثفل بجهالة مقدار المبيع حال البيع، و لكن ذكر المصنف (ره) لظهور الخليط في السمن و نحوه صور. الأولى أن يطلق على المجموع عنوان المبيع نظير الغش في الذهب الموجب لنقص في الكمّ بعد التخليص، و ان كان الخلط كثيرا في نفسه يثبت للمشتري خيار العيب.

الثانية: ان لا يكون الخليط موجبا للعيب بل لنقص الكمّ في المبيع، و لكن كان البيع جاريا على السمن في الظّرف كل رطل بكذا، و في هذا الفرض يحكم بصحّة البيع و لزومه لانّ المبيع هو السمن الموجود في الظّرف لا الخليط و المفروض

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 7 من أحكام العيوب.

(2). الوسائل الجزء 12، الباب 7 من أحكام العيوب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 353

[القول في الأرش]

القول في الأرش و هو لغة (1).

______________________________

العلم بوزن السمن مع ظرفه، اللهم الّا أن يقال ان إطلاق البيع في هذه الصورة بمنزلة اشتراط كون كل ما في الظرف سمنا، فيلحق هذه الصورة بالثّالثة، و هي ما إذا اشترط كون ما في العكة مقدارا خاصا من السمن و لو مع ظرفه و في هذه الصورة يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط أو خيار تبعّض الصّفقة على الوجهين في بيع الصبرة على انّها كذا مقدار فبانت أنقص منه.

الرابعة: ما إذا شاهد المشتري خلط الزيت

بما لا يتموّل و اشترى الزيت المعلوم وزنه مع الخليط و الظرف، ففي مثل ذلك لا يبعد بطلان البيع بالإضافة إلى الزّيت ايضا للجهل بوزن السمن، و لا يصحّحه العلم بوزن المجموع من الزّيت و الدردي و الظرف، لأنّ المصحّح لبيع المظروف العلم بوزنه و لو مع ظرفه و لا يصحّح البيع العلم بوزن المظروف المبيع مع ظرفه و شي ء آخر غير مبيع، كما إذا علم بوزن المظروف مع ظرفه و صخرة.

(1) ذكر (قده) انّ الأرش كما عن الصحاح و المصباح دية الجراحات، و عن القاموس انّه بمعنى الدّية. و يظهر عن الصحاح و المصباح انّه لغة بمعنى الفساد و يطلق الأرش في اصطلاح الفقهاء على مال يؤخذ بدلا عن نقص في مال أو بدن مع عدم تقدير ذلك البدل. و عن حواشي الشهيد انّ الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معان. منها ما يأخذ المشتري بدلا عن وصف الصّحّة المضمونة على البائع، و كذلك أرش عيب الثمن، و منها نقص قيمة العبد المملوك للغير بجناية انسان عليه مع عدم تقدير تلك الجناية؛ و منها قيمة التالف بالجناية المقدرة شرعا، كما في قطع يد العبد فانّ على الجاني نصف قيمة العبد؛ و منها أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب.

و ظاهر هذا الكلام انّ لفظ الأرش يطلق في اصطلاح الفقهاء على كل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 354

ثم ان ضمان النقص تابع في الكيفيّة لضمان المنقوص (1).

______________________________

هذه المعاني من غير أن يكون إطلاقه عليها من قبيل الاشتراك المعنوي أو الحقيقة و المجاز؛ بل اللفظ في كل منها منقول عن معناه اللغوي بأن يكون اللفظ الموضوع

للمطلق لغة منقولا الى المقيد الخاص. و ما ذكر من انّه في اصطلاح الفقهاء يطلق على مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون منتزع عن تلك المعاني.

و فيه انّ الاشتراك اللفظي بعيد غايته بالإضافة الى جميع ما ذكر بل الظاهر انّ الأرش هو بدل التالف سواء كان له تقدير أم لا، بخلاف الدية فإنّه يطلق على بدل التالف المقدر شرعا فيكون إطلاقه على جملة من المعاني المزبورة بالاشتراك المعنوي لو لم يكن كلّها كذلك.

(1) ثم انّ المصنف (قده) قد تصدّى لإثبات كون ضمان وصف الصحّة في المقام معامليا لا ضمان اليد. و قال في وجهه انّ النقص المضمون تابع للأصل في الضمان فان كان ضمان الأصل ضمان اليد كالغصب و المأخوذ المستام يكون ضمان وصفه ايضا ضمان اليد، و إذا كان ضمان الأصل معامليا، كما في ضمان البائع المبيع بتلفه بيده قبل قبضه، أو زمان الخيار فانّ تلفه في الفروض يوجب خروج الثمن عن ملكه و عوده إلى المشتري فيكون ضمان الوصف ايضا معامليّا، بان يوجب فوات وصف الصحة بيد البائع خروج ما بإزائه من الثمن عن ملكه فيما إذا وزّع الثمن المزبور على مجموع الناقص و المنقوص، و لا يكون في الفرض ضمان اليد فإنّه قد يوجب أن يأخذ المشتري من البائع تمام الثمن مع ملكه المبيع، كما إذا اشترى جارية بدينارين فوجد فيها عيبا، و فرض انّها تساوي معيبة بمأة دينار و صحيحها أزيد فإنّه يلزم على ضمان اليد أخذ تمام الثمن أو الأزيد مع الجارية مع انّ المذكور في بعض الروايات انّه يردّ على المشتري، و ظاهره كون المردد أنقص من الثمن، و لو كان وصف الصحة مضمونا بضمان اليد لما كانت المال

الذي يعطيه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 355

..........

______________________________

البائع مردودا دائما، و ما في عبارته (قده) في الفرض من لزوم أخذ المشتري مأة دينار سهو من قلمه الشريف.

نعم ظاهر كلمات جماعة من الأصحاب، بل ظاهر بعض الروايات ان للمشتري قيمة العيب و ظاهرها ضمان اليد، و لكنّها كبعض الرّوايات المشار إليها محمولة على عدم اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية، كما هو الغالب.

و الحاصل: ان الأرش في المقام هو مقدار من المال نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة التفاوت بين قيمتي الشي ء صحيحا و معيبا، كما إذا كان قيمة الشي ء معيبا خمسين و قيمته صحيحا بمأة فالتفاوت بينهما بالنصف فيؤخذ من البائع نصف الثمن المسمّى.

أقول: ما ذكر (قده) في الاستدلال على كون ضمان وصف الصحّة ضمان معاوضي بالمعنى الذي ذكر ينافي ما ذكر في حمل كلمات بعض الأصحاب و بعض النصوص من حملها على الغالب من تساوي الثمن المسمّى و عدم اختلافه مع قيمة السوقية للشي ء صحيحا فانّ مقتضاه حمل ما ذكر في بعض الروايات من ردّ البائع ايضا على الغالب.

أضف الى ذلك انّ مقتضى ما ذكر في معنى الضمان المعاملي أن يكون الأرش جزء من الثمن مع انّه لا يلتزم بذلك؛ و أضف الى ذلك انّه لا فرق في ضمان الوصف بضمان معاملي بين وصف الصحّة أو الكمال، و لو كان معنى ضمان الوصف عود ما قبله من الثمن الى ملك المشتري لكان الأمر في وصف الكمال المشترط كذلك مع انّه (قده) قد صرّح فيما سبق بأنّ الأرش تغريم لا يكون جزءا من الثمن، و لا على البائع دين بدون مطالبة المشتري و قد كان (قده) ملتفتا الى ذلك.

و لذا ذكر في

آخر كلامه انّ الثمن في البيع لا يقع إلّا بإزاء العين و لا يسقط على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 356

..........

______________________________

وصف الصحة كما لا يقسط على وصف الكمال و الأرش في المقام خارج عن ضمان اليد و الضمان المعاملي؛ بل هو نظير أرش الجناية متمّم للنقص الحاصل في المبيع ليساوي الثمن لا لتنقيص الثمن المسمّى ليساوي المبيع الموجود.

و لا يخفى انّ هذا الكلام هدم لما ذكر (قده) في وجه كون الأرش مقدارا من المال نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة، لأنّ مع الاعتراف بعدم كون الأرش داخلا في ضمان معاملي يرد ما تقدّم من احتمال كون الأرش قيمة العيب لا مقدار من المال يلاحظ فيه النسبة.

و ذكر السيد اليزدي (قده) في وجه كون الأرش هو المقدار الذي يلاحظ فيه النسبة لا نفس التفاوت بين القيمتين أن للمعاملة مقامين مقام الإنشاء و القرار، و مقام اللب و القصد و الثمن في المقام الأوّل يقع بإزاء نفس العين و لا يقسط على الموصوف و الوصف؛ و لذا لو فقد الوصف لم تنحل المعاملة بالإضافة الى بعض الثمن، و انّه لو باع المعيب بأقلّ فيما إذا كانا من جنس واحد لزم الرّبا كما إذا باع كرّا من الحنطة المعيبة بنصف كرّ من الحنطة، و لو كان مقدار من العوض في مقابل وصف الصحّة لم يلزم في الفرض ربا و لانّ النصف الناقص في ناحية العوض بإزاء وصف الصحّة المفقودة في المبيع.

و هذا بخلاف مقام اللب فإنّه يقسّط الثمن فيه على الموصوف و الوصف حيث يوجب الوصف زيادة العوض، و حيث انّ العبرة في استحقاق العوضين و النقل و الانتقال

بالمقام الأول يكون تمام الثمن حتى في فرض عيب المبيع للبائع غاية الأمر حيث انّ البائع تعهّد بالوصف و أوجب أن يبذل المشتري الثمن الزائد فللمشتري المطالبة بما بذل من الزّيادة.

أقول: قد تقدّم انّه لا معنى للبّ في المعاملة فإنّها أمر إنشائي يكون بيعا أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 357

..........

______________________________

إجارة أو غيرهما و يصدق عليها عنوان العقد و يترتّب عليها الأحكام و الآثار المترتّبة على عنوان العقد مطلقا أو على المعاملة بعنوانها الخاص؛ و من الظاهر عدم تحقق المعاملة إلّا بالقصد؛ و عليه فان كان شي ء داعيا إلى المعاملة أو شرطا فيها بترتّب على الشرط ما يأتي. و امّا الدّاعي فلا أثر لتخلفه و قد تقدم انّ شرط الوصف لا يترتّب عليه الّا جواز الفسخ نظير شرط وصف الكمال لا جواز أخذ الأرش و جواز أخذه تعبّد قد دلّ عليه الروايات؛ و ظاهر جملة منها استحقاق المشتري التفاوت بين قيمتي الصحيح و المعيب كموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الدّاء، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصّحة و الدّاء.

و في معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول (أيّما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردّها و ردّ البائع عليه قيمة العيب) فلا يبقى في البين الّا التسالم بين الأصحاب على كون الأرش مقدارا من المال يكون نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة؛ و ربّما يستدلّ

على كون الأرش يلاحظ فيه النسبة لا انّه قيمة العيب نظير موارد ضمان اليد بأنّه لو كان المراد بالأرش في المقام هو الثاني لزم الجمع بين العوض و المعوّض كما إذا اشترى فرسا بمأة و ظهر في أحد عينيه عمى، و كان قيمته معيبا بخمسين و صحيحا بمأة و خمسين، و لو استردّ المأة أو سقط عن عهدته كما إذا كان الثمن على عهدة المشتري بمطالبته الأرش يكون كل من العوض و المعوض للمشتري؛ و هذه قرينة قطعية على انّ المراد بالأرش هو ما يلاحظ فيه النسبة و ظهور ما تقدم من الروايات باعتبار الغالب من كون الثمن المسمّى مساويا للقيمة السوقية للشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 358

نعم يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن (1).

______________________________

صحيحا.

و لكن يمكن الجواب بأنّه كان للاستدلال وجه بناء على تعيّن كون الأرش من الثمن. و امّا بناء على انّه غرامة و لا يتعيّن دفعه من الثمن فلا يكون وجها بل يكون الفرض نظير ما إذا اشترى الغرس بمأة صحيحا و حدث العمى في إحدى عينه في ضمن ثلاثة أيام و مع ذلك فالجمع في الفرض ايضا بين أخذ المأة و تملك الفرس لا يخلو عن تأمّل.

(1) ثم انّه يبقى في الأرش بعض الجهات ممّا ينبغي الكلام فيها.

منها انّه هل يتعين على البائع دفع الأرش من الثمن مع إمكانه و مطالبة المشتري أو يجوز له الدفع من غيره حتى في الفرض؛ ظاهر كلام العلامة في التذكرة و غيرها و الشهيدين تعيّن الدفع من الثمن فإنّ الأرش جزء من الثمن أو مقدار منه؛ و لكن تردد في جامع المقاصد في تعيّن ذلك

و قوى المصنف (ره) عدم التعين لأنّه لم يثبت كون الأرش جزءا من الثمن و مجرد ذكره في بعض الكلمات لا يعيّنه و الثابت انّ البائع يجب عليه الخروج عن الوصف الذي التزم بوجوده للمبيع.

و بتعبير آخر تكليفه بالدفع من الثمن لم يقم عليه دليل و الأصل عدم وجوبه لا يقال تكليفه بالجامع أي الدفع الشامل للدفع عن النقدين ايضا مجهول فإنّه يقال لا يجري الأصل في ناحية عدم تعلق التكليف بالجامع فإنّه محرز و ان رفع الحكم المزبور خلاف الامتنان.

لا يقال ظاهر ما دلّ على ردّ التفاوت إلى المشتري كون المردود من الثمن فإنّه يقال يصدق الردّ فيما إذا كان المدفوع إلى المشتري ثانيا من نوع ما أخذ من المشتري ثمنا؛ و كذلك لا دلالة لمثل قوله عليه السلام و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 359

و الّا بطل البيع فيما قابله من الصحيح (1).

______________________________

كان فيها على اعتبار كون الأرش من الثمن فانّ الثمن إذا كان كلّيا على العهدة و أراد المشتري أخذ الأرش يسقط عن عهدته مقدار الأرش كما لا يخفى.

ثم انه بناء على جواز الدفع من النقدين و عدم تعين الدفع من الثمن هل يجوز الدفع من غير النقدين من سائر الأموال مما يكون له مالية الوصف أو يتعيّن الدفع من الثمن أو النقدين إلّا إذا رضي المشتري بذلك المال فيكون الدفع به معاوضة لا وفاء لما على البائع من الأرش فالأظهر الثاني؛ لأنّ الضمانات في سائر الموارد كما يكون بالمثل أو القيمة المتعيّنة بالنقود كذلك الحال في المقام؛ و ما عن العلامة و الشهيد (قدّس سرّهما) من جواز إعطاء الأرش من

غير النقدين حيث ذكرا بأنّه لو ظهر في أحد العوضين المتخالفين عيب في بيع الصرف يجوز أخذ الأرش من غير النقدين لا يمكن المساعدة عليه.

(1) يعني لو كانت ذمّة البائع مشغولة للمشتري بالوصف بان قيل انّه قد أخذ من المشتري عوض المبيع المقسط على الوصف المفقود و الموصوف فيكون مديونا للمشتري بالوصف فيلزم الحكم ببطلان البيع بالإضافة إلى المقدار المقابل للوصف المفقود لعدم التقابض في المجلس بالإضافة إليه.

أقول: ما ذكره (قده) من انّ الضمان بالنقدين يختص بالأموال المعيّنة المستقرة على العهدة قبل المطالبة لا في مثل المقام الذي لم يثبت على العهدة مال من الأول لا يمكن المساعدة عليه فانّ الشي ء في مورد ضمان التغريم ايضا كاللّقطة التي تصدق بها واجدها ان كان مثليّا فيضمن بالمثل و ان كان قيميّا يضمن بالقيمة المتعيّنة بالنقود المتعارفة في كل بلد و عصر كما هو منصرف ما ورد في رد قيمة العيب و قيمة النقص و نحوهما من روايات الأرش و يشهد على ضمان الأرش و لو بعد المطالبة بالنقود، انّ المشتري لو طالب غير النقد لم يجب على البائع الإجابة و لو طالب النقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 360

كما انّ لذي الخيار مطالبة النقدين في غير المقام (1).

و مما ذكرنا في معنى الأرش (2).

______________________________

لوجبت الإجابة فيكون أداء الأرش بغير النقد بالمراضاة التي كالمعاوضة أو إسقاط ما على العهدة بتملّك غيره و قد تحصّل مما ذكرنا انّه لو قيل باشتغال ذمّة البائع بعد المطالبة بقيمة الوصف لم يلزم محذور، فإنّ الأرش و ان يكون بالنقود الّا انّه غير داخل في العوضين ليعتبر قبضه في مجلس العقد.

(1) قيد في غير المقام زائد و مراده

انّ للمشتري الذي يكون له خيار العيب مطالبة الأرش من النقدين و لا يكون رضا البائع دخيلا في لزوم الإجابة، كما تقدم، و يحتمل كون غير المقام إشارة الى غير مسألة الصرف حيث لا يجوز في تلك المسألة مطالبة الأرش من النقدين على ما ظاهر القواعد و التحرير و الدروس.

(2) ذكر (قده) أنّ أرش العيب لا يستوعب الثمن فإنّه لو فرض انّ معيب الشي ء لا قيمة له و لا يبذل بإزائه مال يكون أخذ العوض بإزائه من الأكل بالباطل، فلا يتحقق عنوان البيع على ما ذكرنا في اعتبار ماليّة العوضين.

نعم ربّما يقال بأنّ العيب المستوعب للقيمة مع حدوثه قبل القبض أو في زمان خيار الحيوان لا يوجب انحلال البيع و يكون المبيع للمشتري مع استحقاقه الأرش المساوي لتمام الثمن بل يمكن أن يقال بعدم انحلال البيع حتى مع حدوث عيب لا يكون معه الشي ء ملكا، كما إذا انقلب الخلّ المبيع قبل قبضه خمرا فإنّ للمشتري حقّ الاختصاص به للتخليل مع استحقاقه تمام الثمن أو مقداره بالأرش و الوجه في ذلك انّ حدوث الحدث في المبيع قبل القبض أو زمان الخيار كالتلف قبل القبض في مجرّد ضمان البائع لا انحلال البيع بل الانحلال يختص بالتلف و لا يجري في التّعيب، و فيه ما تقدم من انّ المستفاد مما ورد في التلف قبل القبض أو في الحدث زمان خيار الحيوان ان ما يحدث قبل القبض أو زمان الخيار كالحادث قبل العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 361

الّا ان العلّامة (قده) في القواعد و التذكرة و التحرير و محكي النهاية (1).

______________________________

و من الظاهر انّ التعيب كذلك لو كان قبل العقد لكان موجبا لبطلان البيع.

(1) إذا

جنى العبد خطاء فانّ للمجني عليه أو وليّه أخذ أقلّ الأمرين من قيمة العبد و أرش الجناية عن مولاه و لو كان المولى معسرا أو امتنع عن دفع القيمة أو الأرش يجوز للمجني عليه أو وليّه استرقاق العبد أو بيعه و أخذ قيمته فيما إذا كان أرش الجناية مستوعبا لقيمة العبد و الّا يسترق العبد بمقدار الأرش و يباع العبد و يستوفي المجني عليه مقدار الأرش و يدفع باقي الثمن الى مولاه.

و إذا جنى العبد عمدا يكون للمجني عليه أو وليّه حق القصاص، و ان رضي بفداء المولى بقيمة العبد أو أرش الجناية و فداه المولى فهو و الّا يجري ما تقدم في الجناية خطاء من جواز استرقاقه أو بيعه لأخذ أقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية. و في صحيحة فضيل بن يسار انّه قال في عبد جرح حرّا فقال ان شاء الحر اقتصّ منه و ان شاء أخذه ان كانت الجراحة تحيط برقبته، و ان كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه فان أبى مولاه ان يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحة و الباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه و يرد الباقي على المولى.

و في رواية أبي محمد الوابشي و لا يبعد كونه ثقة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها قال لا يجوز إقرار العبد على سيده فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه الى غير ذلك.

ثم انّ المقرر في محله انّه يجوز للمولى بيع العبد الجاني خطاء لأنّه بالجناية لا يسقط عن ملكه و ماله، و إذا انتقل إلى المشتري

يتعلّق بالعبد المزبور حتى المجني عليه، و لا يكون له شي ء مع علمه حين الشراء بجناية العبد بخلاف ما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 362

يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب (1).

______________________________

جاهلا به فانّ له خيار العيب فيجوز له فسخ الشراء أو أخذ الأرش، كما إذا استرق المجني عليه العبد فإنّ للمشتري الرجوع الى البائع بالأرش و هو تمام الثمن المسمّى.

و امّا بيع العبد الجاني عمدا، فالظاهر جوازه لعين ما تقدم من انّ تعلق حق القصاص لا يوجب سقوطه عن الملك و الماليّة، و قيل انّ جواز البيع مع إجازة المجني عليه أو وليّه، و مع الإجازة لا يستحقّ المجني عليه أو وليّه الثمن المسمّى بل له الرجوع الى مولاه بالفداء و الّا استرق العبد على ما تقدم.

و مشتري العبد مع جهله بالحال له خيار العيب، و ان كان علمه بالحال بعد القصاص أو الاسترقاق فله الرجوع الى البائع بالتفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان.

ثمّ انّ المصنف (ره) قد فهم من عبارات العلامة انّ مع استيعاب أرش الجناية قيمة العبد يكون أرش عيبه تمام الثمن فيرجع المشتري الجاهل بالحال بتمام الثمن؛ هذا في الجناية خطاء، و مع الجناية عمدا يكون أرش العيب بعض الثمن و هو تفاوت قيمة العبد بين كونه جان أو غير جان؛ و لذا ورد عليه أولا بأنّ الأرش لا يستوعب القيمة و الّا بطل البيع. و ثانيا على تقدير جواز كون الأرش كذلك فالفرق بين الجناية خطاء و عمدا بالاستيعاب في الأوّل و عدم الاستيعاب في الثاني بلا وجه.

أقول: لم يظهر التفرقة في الكلمات المتقدمة بين الجناية خطاء و الجناية عمدا بإمكان كون

الأرش تمام الثمن على الأوّل و يكون الأرش بعض الثّمن على الثاني.

نعم ما ذكره (قده) من عدم إمكان صحة البيع مع كون الأرش تمام الثمن بحيث لا يكون للمعيب قيمة صحيح و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) تعيين الأرش كما ذكره (قده) بمعرفة قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 363

..........

______________________________

و بملاحظة نسبة التفاوت بين القيمتين بمعنى ان يلاحظ نقصان قيمة معيب الشي ء عن قيمة صحيحة بأيّ نسبة من نصف أو ثلث أو ربع الى غير ذلك و يؤخذ بتلك النسبة من الثمن المسمّى أي ينقص عن الثمن المسمّى أو مقداره تلك النسبة و لو كان الثمن المسمّى بمأة و عشرين و قيمة الشي ء صحيحا بمأة و خمسين و معيبا بمأة فالتّفاوت بين القيمتين بالثلث فينقص عن الثمن المسمّى أو مقداره ثلثه أي الأربعون.

ثم انّه إذا أمكن تعيين قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا، كما إذا كان المتبايعان قريبا الى السوق و مطلعين بقيمته أو لم يكونا مطلعين بالقيمة السوقية لبعدهما عن السوق، و لكن أمكن قيام البيّنة على القيمة صحيحا و معيبا فالأمر ظاهر.

ثمّ ان البيّنة في الفرض لا تدخل في قول أهل الخبرة فإن قيمة الشي ء مما يعرف بالحسّ و لا يحتاج الى الحدس و النظر من بعض الناس خاصة؛ بل يظهر لكل من دخل السوق. نعم ربّما لا يمكن معرفة قيمة الشي ء إلّا بالحدس و النظر المختص ببعض الناس و ذلك في الموردين أحدهما ما إذا لا يعرف وصف الشي ء الدخيل في قيمته الّا بالحدس و النظر ممن يعد خبرة لذلك الشي ء كالصّائغ حيث يعرف الذهب و انّه من أي أصنافه و انّ فيه أيّ

مقدار من الخليط مع انّ قيمة أصنافه معلومة لكل من يدخل السوق و يطلع عليها جميع الناس. و ثانيهما ما إذا لا يعرف قيمة الشي ء إلّا بالحدس لأنّ الشي ء لا يكون له في السوق مثل فعلا ليعلم رغبة الناس به كبعض الأحجار النفيسة و لكن يحدس بأنه لا بدّ من ان يباع في السوق بكذا، و قد يقال انّ مورد الرجوع الى أهل الخبرة يختصّ بالأخير و لا يجري في غيره بل يتعين في الأوّل من الفرضين التعدّد و العدالة لأنّ الاعتبار فيهما بالبيّنة؛ و فيه انّه لا فرق في اعتبار العقلاء قول المقوم لكونه من أهل الخبرة بين الفرض الأول و الفرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 364

ثم انه لو تعذر معرفة القيمة (1).

لو تعارض المقوّمون فيحتمل تقديم بيّنة الأقل (2).

______________________________

الثاني و لا يعتبرون في اعتبار قوله الّا الوثاقة. و ما في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط من قوله عليه السلام أو تأتي صاحب البغل بشهود يشهدون انّ قيمة البغل ظاهره القسم السابق على الفرضين.

بقي في المقام أمر و هو انّ اعتبار قول أهل الخبرة يختصّ بما إذا لم يمكن معرفة الشي ء بالحسّ من عامّة الناس و لو أمكن معرفته بالحسّ مع إمكان معرفته ايضا بالحدس المختص ببعض الناس فلا يدخل الشي ء المزبور مما يعتبر فيه قول أهل الحدس، كما ذكرنا تفصيل ذلك في عدم اعتبار قول المنجم في اخباره عن رؤية الهلال و آخر الشهر من المكاسب المحرّمة.

(1) و لو لم يمكن تعيين قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا بوجه فهل يكتفي بالأرش بالأقلّ لأنّه المتيقن من استحقاق المشتري على البائع، أو يكتفي بمقدار المظنون لأنّه يتنزّل الى الظّن مع

عدم التمكن من العلم، و يحتمل ضعيفا تعيّن الأكثر لأنّ البائع بدفع الأكثر يخرج عن عهدة عيب الشي ء قطعا، و فيه انّ المورد من موارد العلم الإجمالي. بين الأقل و الأكثر الاستقلاليّين و لا مرجع فيه الّا الرجوع على عدم الاشتغال بالمقدار الزائد عن الأقل كما لا يخفى.

(2) ان كان التعارض في أقوال المقوّمين بحيث يكون الرجوع إليهم من الرجوع الى أهل الخبرة فاللازم اتباع تقويم من خبرويّته أقوى، كما هو مقتضى السيرة العقلائيّة في موارد الرجوع الى أهل الخبرة، و مع عدم الأولويّة في خبرويّتهم يسقط اعتبار قولهم لانّ اعتبار قول بعضهم بلا معين و اعتبار كل في بعض ما يقوله خارج عن مقتضى دليل الاعتبار، كما هو الحال في جميع الطرق المعتبرة سواء قيل باعتبارها بخطاب لفظي أو للسيرة العقلائيّة الممضاة شرعا، و لو كان التعارض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

المقومين باعتبار ان قولهم يكون من البيّنة و شهادة العدلين فالأمر أيضا كما تقدم، و يكتفي في الأرش بمقدار الأقل أخذا في غيره بأصالة عدم الاشتغال، و ليعلم انّ المراد بالأقل ليس الأخذ بالبيّنة الدّالة على الأقل، فإنّها كما ذكرنا لا تعتبر لتعارضها بالدّالة على الأكثر، بل المراد المقدار المقطوع كما لا يخفى.

و لكن مع ذلك قد يقال في تعارض المقوّمين وجوه أخر: الأول: الأخذ بالبيّنة الدّالة على الأقل لأنّه المتسالم عليه و يرجع في الزائد عنه إلى أصالة النفي.

الثاني: الأخذ بالأكثر لأنّ بيّنة الأقلّ تثبت الأقل و لا ينفي الأكثر، و بيّنة الأكثر تثبت الأقلّ في ضمن الأكثر.

الثالث: القرعة في تعيين الأرش على طبق احدى البيّنتين لأنّ القرعة لكل أمر مشتبه و منه الأرش في المقام.

الرابع:

تعيّن المصالحة على الأرش لأنّ كلّ من المتبايعين متمسك بحجّة شرعيّة و لا يمكن لأحدهما الحلف على الواقع نفيا أو إثباتا لعدم العلم به بل لا يجوز الحلف بالتقويم المفروض لتعارض التقويمين.

الخامس: تخيير الحاكم في الحكم بالأرش بالمقدار الأقل أو الأكثر نظير تخييره في الحكم بمضمون أحد الخبرين المتعارضين، أو بالحكم بأحد طرفي المحذورين لقطع المنازعة و المخاصمة.

السادس: ما ذكر المصنف (ره) من انّه أقوى الوجوه و عليه معظم الأصحاب من العمل بالبيّنتين في بعض مدلول كلّ منهما كما لو ذكر مثلا أحدهما انّ صحيح الشي ء يساوي عشرة و قالت الأخرى أنّه يساوي ثمانية يؤخذ قيمة صحيحة تسعه حيث يعمل في نصفه بالبيّنة الأولى و في نصفه الآخر بالبيّنة الثانية.

و ذكر في وجه ذلك انّ العمل بكل من الدليلين مهما أمكن، و لو في بعض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 366

ثم ان المعروف في الجمع بين البيّنات (1).

______________________________

مدلولهما أولى من طرح كلاهما أو أحدهما رأسا في حقوق النّاس بخلاف الأحكام الشرعية التي تكون من حقوق اللّٰه حيث انّ الامتثال الاحتمالي للتكليف الواقعي في حقوق اللّٰه لا يقصر عن التبعيض، بل يكون أولى منه، كما في دوران الأمر بين المحذورين مع تكرار الواقعة، فإنّه لا يبعد أن يقال الأخذ بالموافقة الاحتماليّة أولى من الأخذ بأحد الاحتمالين في واقعه، و الأخذ بالاحتمال الآخر في واقعة أخرى لأنّ الموافقة القطعيّة الملازمة للعلم بالمخالفة القطعية لا تعتبر في الأحكام بخلاف حقوق الناس فانّ رعايتها في الجملة أولى من ترك بعضها رأسا.

أقول: العمل بكل من البيّنتين في بعض مدلولهما مع تعارضهما في ذلك البعض ايضا لا يحرج عن الجمع التبرّعي، و لا يكون داخلا في الجمع

الدلالي من غير فرق بين الأحكام الشرعيّة و حقوق الناس؛ و عليه فلا يعمّ دليل الاعتبار لا أحدهما تعيينا و لا تخييرا فان قام في مورد دليل على العمل بأحدهما كما ذكر فهو و الّا تسقطان و يرجع الى الأصل العملي و مع الأصل العملي لا يكون المورد من موارد القرعة فإنّ مع ظهور الحكم الشرعي في الواقعة و لو كان ظاهريا لا يكون المورد من المشتبه و المشكل كما لا يخفى.

(1) ثم ان المعروف في الجمع بين التقويمات جمع القيم الصّحيحة، و كذا القيم المعيبة و يؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و كذا عن القيمتين للمعيب و يلاحظ نسبة التفاوت بين النصفين، و ان كان القيم للصحيح ثلاثة يؤخذ بثلث المجموع؛ و بهذا يظهر ما إذا كانت القيم أزيد.

و عن السيد اليزدي (قده) انّه لا حاجة الى تنصيف القيمتين أو تثليثهما، بل يكفي ملاحظة نسبة تفاوت مجموع القيم للمعيب الى مجموع القيم للصحيح ليؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة لأنّ نسبة المجموع الى المجموع لا تختلف عن نسبة نصف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 367

و قد يحتمل الجمع بطريق آخر (1).

______________________________

أحد المجموعين الى نصف المجموع الآخر.

و إذا قال أحدهما ان صحيحة يساوي اثنى عشر و معيبه ستّة، و قال الآخر صحيحة يساوي ثمانية و معيبه أربعة فإنّ نسبة العشرة إلى العشرين يساوي نسبة الخمسة إلى العشرة.

و يمكن ان لا يلاحظ مجموع قيمتي الصحيح و مجموع قيمتي المعيب بل يلاحظ التفاوت بين القيمتين للصحيح و يعمل بكل من التقويمين في ذلك التفاوت، و لو قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر، و قال الآخر انّه يساوي ثمانية فالتفاوت و هي الأربعة

يؤخذ في نصفها بالتقويم الأكثر، و في نصفها الآخر بالتقويم الأقل فيكون قيمة الصحيح عشرة؛ و كذا الحال في ناحية قيمتي المعيب و ذكر المصنف (ره) لكن الأظهر هو الجمع على النهج الأول. أقول لم يعلم الاختلاف بينهما ليقال انّ الأظهر هو الوجه الأوّل.

و ذكر الكمپاني (قده) انّه لا تعارض في اختلاف المقوّمين فيما إذا لم تختلف النسبة في التفاوت بين قيمة المعيب و الصحيح على كلا التقويمين، كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر و معيبه ستة، و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه أربعة فإن النسبة في التفاوت على كل من التقويمين النصف فيؤخذ من الثمن المسمّى بنصفه من غير أن يكون بين البيّنتين تعارض. و فيه انّ ما ذكر من النسبة مدلول التزامي لكل من البيّنتين، و مع تعارضهما في مدلولهما المطابقي لا تصل النوبة إلى الأخذ بمدلولهما الالتزامي.

(1) و قد يذكر في المقام طريق آخر للجمع بين البيّنتين منسوب الى الشهيد (قده) في الروضة و حاصله ملاحظة النسبة في التفاوت بين القيمة المعيب الى الصّحيح في كلّ من التقويمين و يعمل بكل منهما بالإضافة إلى نصفي الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 368

و قد ينقص عن الأوّل (1).

______________________________

المسمّى، كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثنى عشر و معيبه ستة فالنسبة في هذا التفاوت النصف، و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه ستة فالنسبة في هذا التفاوت هو الرّبع فالأرش على الطريق الأول خمسين من الثمن المسمّى؛ و إذا فرض انّ الثمن المسمّى كان عشرة فالأربعة هي الأرش، و على الطّريق المنسوب الى الشهيد في نصف الثمن المسمّى اثنان و نصف

و في نصفه الآخر واحد و ربع الواحد فيكون المجموع أربعة إلّا ربع الدرهم.

(1) قد يكون الأرش على الطريق المنسوب الى الشّهيد (قده) أقلّ منه على طريق المشهور.

كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة عشرة و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية مع اتفاقهما على انّ معيبه ستّة فتكون القيمة المنتزعة للصحيح على طريق المشهور تسعة و التفاوت بين الستة و بينه بالثلث، و إذا فرض الثمن المسمّى اثنى عشر يكون ثلثه أربعة دنانير.

و امّا على طريق الشهيد تكون نسبة تفاوت الستة إلى الثمانية بالربع فيؤخذ بنصف الربع أي ثمن الثّمن المسمّى المفروض الاثني عشر فيساوي واحدا و نصفا و نسبة تفاوت الستة إلى العشرة بخمسين فيؤخذ بنصفه و هو خمس الاثنى عشر فخمس العشرة اثنان و خمس الاثنين الباقي من الثمن المسمّى أربعة أعشار من أعشار كل من الاثنين فيكون المجموع ثلاثة دنانير و تسعة أعشار الدينار الواحد لأنّ الدينار يساوي خمسة أعشار من عشرة أعشار دينار واحد. و بتعبير آخر يجمع بين الواحد و النصف و هو نصف الأرش على أحد التقويمين مع الاثنين و أربعة أعشار الواحد و هو النصف الآخر من الأرش على التقويم الآخر، فيكون المجموع ثلاثة دنانير و تسعة أعشار من عشرة أعشار الواحد فينقص الأرش على هذا الطريق عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

طريق المشهور بنصف خمس أي عشر واحد من عشرة أعشار الدينار الواحد.

و ذكر المصنف (ره) انّه إذا اختلف المقومون في قيمة صحيح الشي ء مع اتفاقهم على قيمة معيبه يختلف طريق المشهور عن طريق الشهيد دائما؛ و علّله بأنّ نسبة تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة تكون متعددة على طريق الشهيد بخلاف

طريق المشهور، فإنّ الأرش عليه نسبة واحدة مأخوذة من تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى القيمة الصحيحة المنتزعة من القيمتين، و هذه النسبة لا تختلف في اجزاء القيمة المنتزعة مع تساوي الأجزاء و يتعدد مع عدم تساويها كما هو الحال على طريق الشهيد.

ثم ذكر (قده) انه إذا كان الاختلاف في المعيب مع الاتّفاق على قيمة الصحيح فيتّحد الطريقان دائما و علّله بأنّ نسبة قيمة الصحيح الى نصف القيمة الحاصلة من القيمتين للمعيب التي طريقة المشهور مساوية لنسبة نصف قيمة الصحيح الى نصف احدى القيمتين المذكورتين للمعيب، و نسبة نصفه الآخر الى نصف القيمة الأخرى من القيمتين للمعيب، كما إذا اتّفقا على انّ صحيح الشي ء يساوي اثني عشر مع كون الثمن المسمّى اثني عشر و قال أحدهما ان معيبه ثمانية و قال الآخر انّه ستة فإنّه على المشهور يؤخذ للمعيب قيمة منتزعة و هو سبعة و التفاوت بين السّبعة و اثني عشر خمسة؛ و هذا يساوي مع تفاوت ثلاثة مع ستة و تفاوت أربعة مع ستّة.

أقول: ما ذكر (قده) و ان كان صحيحا لا يختلف الطّريقان مع الاتفاق على القيمة للصحيح الّا انّ الوجه الّذي ذكره لاختلاف الطّريقين فيما إذا كان الاختلاف في قيمة الصحيح مع اتفاقهما على قيمة المعيب يجري في هذا الفرض ايضا. و الظاهر انّ الوجه في اختلاف الطريقين مع الاختلاف في قيمة الصحيح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 370

ثم ان الأظهر بل المتعيّن هو الطريق الثّاني (1).

______________________________

و الاتفاق على المعيب الاختلاف في العدد الأكبر، و عدم اختلاف الطريقين عند الاختلاف في معيب الشي ء الاتفاق على العدد الأكبر.

و ذكر (قده) انّه إذا كان الاختلاف بين المقوّمين في قيمة الشي ء صحيحا

و معيبا انّه ان اتّحد نسبة قيمة معيب الشي ء إلى قيمة صحيحة في كل تقويم مع نسبتهما في التقويم الآخر فلا يختلف الطريقان، و ان لم يتحدا فقد يتّحد الطريقان و قد يختلفان.

أقول: مع عدم اتّحاد نسبة التفاوت في أحد التقويمين مع النسبة في التقويم الآخر يختلف الطريقان لا محالة و لم يتقدم منه (قده) مثال ما إذا اختلفت النسبتان و تتّحد نتيجة الطريقين. فتأمّل جيّدا.

(1) ذكر (قده) ان المتعين من الطريقين المنسوب الى المشهور و المنسوب الى الشهيد هو الثّاني سواء كان المدرك للعمل بالبيّنتين أولويّة الجمع بينهما في العمل بان يعمل بكل من البيّنتين في نصف المبيع أو كان العمل بكل منهما للجمع بين حقّي البائع و المشتري نظير ما يذكر من تنصيف الدرهم في مسألة ما ذا أودع عنده أحد درهمين و الآخر درهما و تلف أحد الدّراهم فانّ الدّرهم من الدّرهمين الباقيين لصاحب الدّرهمين و الآخر ينصّف بينهما ليذهب من كل منهما نصف درهم.

و الوجه في تعين الطّريق الثاني بناء على أولويّة الجمع ان مقتضى الجمع و إن كان تعيين قيمة نصف الشي ء صحيحا و معيبا على طبق أحد البيّنتين و تعيين قيمة أخرى لنصفه الآخر على طبق البيّنة الأخرى فيكون قيمة الشي ء صحيحا مجموع قيمتي النصفين صحيحا و مجموع قيمتي النصفين معيبا.

و إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر و معيبه عشرة و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه خمسة يكون قيمة نصفه صحيحا ستة و نصفه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 371

..........

______________________________

بالأربعة، فيكون المجموع عشرة و قيمة نصفه معيبا خمسة و قيمة نصفه الآخر باثنين و نصف، فيكون المجموع سبعة و نصف

الّا انّه لا موجب لملاحظة النسبة بين سبعة و نصف و عشرة بل يعتبر ملاحظة النسبة في نصف الشي ء بإحدى البيّنتين، و في نصفه الآخر بالأخرى ليعمل بهما في نصفي الشي ء.

لا يقال يشبه ما نحن فيه بما إذا بيع الشيئين المختلفين قيمة بصفقة واحدة، كما إذا باع العبد و الأمة باثني عشر درهما و ظهر كل من العبد و الأمة معيبا و كان قيمة العبد صحيحا أربعة و معيبا باثنين و نصف و الأمة تساوي صحيحة ستة و معيبة بالخمسة فإنّه لا شبهة في انّه تلاحظ النسبة في الفرض بين العشرة التي قيمة منتزعة لمجموع صحيح العبد و الأمة و بين السبعة و النّصف التي قيمة لمجموعهما معيبين فيكون التفاوت ربعا فيؤخذ من الثمن المسمّى ربعه أي ثلاثة دنانير.

فإنه يقال إذا اشترى الأمة و العبد باثني عشر درهما فقد اشترى كلا منهما بثمن يخالف الآخر و يقسط ذلك الثمن على كلّ من العبد و الأمة بحسب قيمة كل منهما.

و بتعبير آخر كما يقسط ذلك الثمن الواحد على الشّيئين بحسب قيمة كلّ منهما فيما احتيج الى التقسيط، كما إذا ظهر أحدهما ملك الغير أو لغير ذلك، و كذلك الأرش يقسط عليهما بحسب قيمة كل منهما فيقسّط ربع الثمن أي ثلاثة دنانير على كل من العبد و الأمة حيث انّ ما يقع بإزاء الجارية من الاثني عشر سبعة و خمس و ما يقع بإزاء العبد و أربعة أربعة أخماس و السدس من ربع الثمن المسمّى أرش للجارية أي واحد و خمس و الباقي من ثلاثة دنانير و هو دينار و هو دينار و أربعة أخماس أرش للعبد و هو ثلاثة أثمان قيمته كما لا يخفى.

و هذا بخلاف

ما نحن فيه فانّ الثمن المسمّى المبذول بإزاء الشي ء كان بنسبة واحدة بالإضافة إلى نصفي الشي ء و إذا أريد العمل بإحدى البيّنتين في نصف ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 372

فالمتعيّن هو الطّريق الثّاني أيضا (1).

______________________________

الشي ء و بالأخرى في نصفه الآخر فلا بدّ من تعيين الأرش نصفين بنسبتين.

(1) و حاصله انّه لو كانت البيّنتان مختلفتين سواء كان مفادهما المطابقي بيان تلك النسبة أو تعيين القيمة لصحيحة و معيبه يكون الجمع بين حقّي البائع و المشتري هو الأخذ بإحدى النسبتين بالإضافة الى نصف الثمن المسمّى و بالبينة الأخرى في نصفه الآخر، و يحصل للأرش نسبة تكون متوسطة بين النّسبة الزائدة و الناقصة، كما إذا شهدت إحداهما بأنّ التفاوت بين قيمتي الصّحيح و المعيب بالسدس فالأرش على هذه النسبة من الثمن المسمّى المفروض كونه اثني عشر اثنان و شهدت الأخرى بأنّ التفاوت بينهما بثلاثة أثمان فالأرش على هذه النسبة أربعة و نصف فيؤخذ من كل من الأرشين نصفه و يجمع فيكون ثلاثة و ربع فيكون الأرش سدس الثمن المسمّى و نصفه و ثمن السدس حيث ان السدس من الثمن المسمّى اثنان و نصفه واحد و ثمنه أي ثمن الاثنين يكون ربع الواحد.

و لو شهدت احدى البينتين انّ صحيحة اثنا عشر و معيبه عشرة و شهدت الأخرى انّ صحيحة ثمانية و معيبه خمسة فلا بدّ من جعل قيمة لصحيحة تكون متوسطة بالإضافة إلى نسبة قيمة الشي ء صحيحا الى قيمته معيبا التي يذكرها احدى البيّنتين؛ و بالإضافة إلى نسبة أخرى في قيمة الشّي ء صحيحا الى قيمته معيبا التي تذكرها البيّنة الأخرى.

أقول: لا ينبغي الريب في انّ كلا من الطّريق المنسوب الى المشهور و الطريق المنسوب

الى الشهيد خروج عن الأصل، و فيهما جمع بين الحقّين أي لحاظهما و لا ينبغي التّأمل أيضا في انّ الطريق الثاني أكثر جمعا بينهما حيث انّ المألوف في مقامات الاختلاف في الدعاوي المالية المردّدة بين الأقل و الأكثر ان يلاحظ ما به التفاوت و يؤخذ بنصفه في مقام المصالحة الّا انّ الكلام في تعيّن ذلك في المقام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 373

[القول في الشروط التي يقع عليها العقد]
اشارة

الشرط يطلق في العرف على معنيين (1).

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 373

______________________________

و سائر المقامات التي تشبه المقام؛ و الأظهر عدم تعيّن ذلك و ان للبائع الاقتصار بالأرش الأقل حتى يثبت الأكثر؛ و لذا لو تردّد الدين بين الأقل و الأكثر. فلا يلزم المديون بغير الأقل الّا ان يثبت بطريق معتبر الأكثر و لو كان الجمع بين الحقين في المقام متعيّنا لتعيّن في مسألة الدين المردد بين الأقل و الأكثر كما لا يخفى.

و قد تقدّم ايضا انّ دليل اعتبار أي طريق و منه ما دلّ على اعتبار البيّنة لا يعمّ صورة التّعارض سواء كان التعارض في تمام المدلول أو في بعضه، كما إذا ذكر كل بينة لصحيح الشي ء قيمة و لمعيبه أخرى سواء فرع على ذلك نسبة الأرش أم لا، أو ذكر كل بيّنة للأرش نسبة من غير تعرض لقيمة صحيح الشي ء و معيبه بحيث تكون النسبة في إحداهما غير النسبة في الأخرى و الّا لم يكن بينهما تعارض أصلا فتدبّر جيّدا.

(1) ذكر (قده) ان الشّرط يطلق على معنيين لغة أحدهما معناه المصدري أي الإلزام

و الالتزام بأمر و يكون الإلزام من المشروط له و الالتزام من المشروط عليه، و ذكر في القاموس كون الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه و ظاهره عدم إطلاق الشرط حقيقة أو عدم صحّته على الإلزام و الالتزام الابتدائيين.

و لكن لا يمكن الالتزام بعدم صحة الإطلاق حيث ان إطلاقه في الاخبار على الإلزام الابتدائي أو الالتزام كذلك شائع كما يفصح عن ذلك ما ورد في حكاية بيع بريرة من قوله (ص) قضاء اللّٰه أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق، حيث ان المراد من شرط اللّٰه حكمه فلا يثبت ذلك الولاء لغير المعتق كالبائع و لو بالاشتراط في بيع العبد.

و قوله عليه السلام في الرّد على مشترط عدم التزوج بامرأة أخرى في النكاح ان شرط اللّٰه قبل شرطكم حيث ان المراد بشرط اللّٰه تجويز التزوج بامرأة اخرى متعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 374

..........

______________________________

مطلقا و دواما إلى أربع.

و في صحيحة عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام في رجل تزوج امرأة و شرط لها ان هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق فقضى في ذلك ان شرط اللّٰه قبل شرطكم فان شاء و في لها بما اشترط الحديث.

و ما في بعض روايات خيار الحيوان ما الشرط في الحيوان قال إلى ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا فان كلا من خياري الحيوان و المجلس تأسيسى من الشارع فيدخل في حكمه، و قد أطلق الشرط على النذر و العهد و الوعد في بعض اخبار الشرط في النكاح و في صحيحة منصور بن برزخ أو موثقته عن عبد صالح عليه

السلام، قال قلت له انّ رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه الّا ان يجعل للّٰه عليه ان لا يطلّقها و لا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزوج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النّهار، قل له فليف للمرأة بشرطها فانّ رسول (صلى اللّٰه عليه و آله) قال المؤمنون عند شروطهم.

و قد ذكر في الحدائق ان إطلاق الشرط على البيع في الأخبار كثير و الحاصل لا شبهة في استعمال الشرط في الحكم و الالتزام الابتدائي و لا يبعد كونه حقيقة بأن يكون المعنى الظاهر من الشرط هو الإلزام و الالتزام سواء كان في ضمن عقد أو كان ابتدائيتا فان أولويّة الاشتراك المعنوي على المجاز يقتضي ذلك، و لا يتبادر من قوله شرط فلان على نفسه كذا الّا الالتزام على نفسه و لو كان ابتدائيّا و لذا استدل عليه السلام بالنبوي المزبور (المؤمنون عند شروطهم) على لزوم الوفاء بالنذر و العهد عند ارادة نكاح المرأة و لا حجة فيما ذكر القاموس على انحصار الشرط بما كان في ضمن عقد لتفرده بذلك و لعله لم يلتفت الى الاستعمالات المشار إليها و الّا ذكرها و لو مع الإشارة إلى مجازيّتها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 375

..........

______________________________

و قد يتجوز الشرط بالمعنى المصدري و يراد منه المشروط كالخلق المراد به المخلوق و لذا يحمل الشرط على الأمر المتعلق به الإلزام و الالتزام.

أقول ما ذكر (قده) من أولوية الاشتراك المعنوي عن المجاز ثبت في محلّه انّ مثل هذه الأمور الاستحسانيّة لا يثبت اللغة و انه لا

يتبادر من قوله شرط فلان على نفسه كذا غير الالتزام بذلك الأمر و لو ابتداء فهذا غير ثابت حيث ان سعة معنى الشرط و شموله الإلزام و الالتزام الابتدائين غير ظاهر و العناية و المجاز في الاستعمال خارج عن مورد الكلام مع ان استعمال الشرط في قضيّة حكاية بريرة و كذا في قول على عليه السلام لمشترط عدم التزوج على امرأة أخرى من قبيل المعاملة و الإطلاق بالمشاكلة نظير قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ و قوله عليه السلام لا تنقص اليقين بالشك و، لكن تنقض الشك باليقين الى غير ذلك.

و على الجملة إطلاق الشرط على الالتزام الابتدائي بحيث يكون الوعد للغير داخلا في عموم قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم غير محرز لو لم نقل بإحراز عدمه و لذا لم يرد في شي ء من الأخبار الواردة في الأمر بالعمل بالوعد أو العهد التعليل بالعموم المزبور، نعم علل الأمر في بعضها بالأمر بالوفاء بالعقود و بقوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ فراجع.

ثم انّه بعد البناء على انه يعتبر في الشرط تحقّقه في ضمن معاملة يقع الكلام في ان ارتباطه بالمعاملة بمجرد الظرفيّة كما هو ظاهر القاموس أو انّه نحو آخر نتعرّض لذلك عن قريب إنشاء اللّٰه تعالى و يظهر من المصنف في الأمر الأول من شروط صحّة الشرط انّ ارتباط الشرط بالمعاملة تعليق التراضي بها على حصول المشروط خارجا.

و فيه ما تقدم من انّ التراضي في المعاملة ليس بمعنى طيب النفس و على تقديره فالتعليق يوجب بطلان المعاملة مع تخلف الشرط أو مطلقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 376

الثاني ما يلزم من عدمه العدم (1).

______________________________

(1) و هذا هو المعنى الثاني من

المعنيين العرفيين للفظ الشرط عنده (قده) و ما يلزم من عدمه العدم يعم كل دخيل في حصول الشي ء بحيث لولاه لم يكن ذلك الشي ء فيدخل فيه السبب و المقتضى و الشرط و مثل الوضوء و استقبال القبلة الى غير ذلك و ذكره (قده) ان الشرط بهذا المعنى اسم جامد لا يشتق منه شي ء بالأصل أي إذا لم يؤوّل الشرط بهذا المعنى الى معنى حدثي نعم لو أوّل إلى معنى حدثي كجعل الشي ء بحيث لا يحصل الشي ء الآخر بدونه فيقال للجاعل الشارط و للشي ء الآخر كالصلاة بالإضافة إلى الوضوء و الاستقبال و نحو هما المشروط و هذا الإطلاق ليس بنحو التضايف في الفعل و الانفعال و الّا فلا بد من إطلاق الشارط على الجاعل و المشروط على مجعوله اى نفس الوضوء أو الحكم المتعلّق بالصلاة المتقيدة بالوضوء و غيره و بتعبير آخر الشرط بهذا المعنى كالسبب اسم جامد و اشتقاق الشارط و المشروط منه كاشتقاق المسبّب بالكسر و الفتح من لفظ السبب حيث يطلق المسبب بالكسر على جاعل السبب كما في الدعاء يا مسبب الأسباب و المسبب بالفتح يطلق على الحاصل من السبب و هذا الإطلاق أيضا ليس بنحو التضايف فلا يكون اشتقاقا على الأصل لأن المسبّب بالكسر جاعل السببيّة للشي ء فيكون المسبب بالفتح على التضايف نفس السبب لا الأمر الحاصل عن السبب.

و قد تحصّل انّ الشرط له معنيان أحدهما الحدثي و ثانيهما معنى الاسم الجامد نظير ما يقال من ان لفظ أمر معناه الطلب و معناه الآخر الشي ء.

و امّا إطلاق الشرط في اصطلاح علماء الأدب على الجملة الّتي تقع تلو اداة الشرط فهو مأخوذ عن المعنى الثاني أي ما يلزم من عدمه العدم كما انّ

ما يطلق عليه الشرط في اصطلاح أهل المعقول مأخوذ من هذا المعنى غاية الأمر أضيف إليه قيود ليمتاز الشرط عن السبب و المانع باصطلاحهم فيكون كل من الاصطلاحين من نقل اللفظ عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 377

[الكلام في شروط صحة الشرط]
[أحدهما ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف]

أحدهما ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف (1).

______________________________

معناه العام الى بعض افراده و لا يحمل الشرط في الاستعمالات العرفيّة الّا على أحد الأوّلين فإن كان في البين قرينة على تعيين أحدهما فهو و الّا يكون الخطاب مجملا.

أقول الظاهر انّ الشرط يطلق على الالتزام بالعمل أو ثبوت الحق لكن لا مطلقا بل فيما كان داخلا في التزام معاملي و إذا قال بعث مالي بكذا و اشترطت عليه خياطة ثوبي ظاهره إدخال التزام الطرف بخياطة ثوبه في البيع و الإدخال ليس بمعنى الظرفيّة كما هو ظاهر القاموس بل بنحو تعليق نفس الالتزام المعاملي على التزام الطرف بذلك العمل أو ثبوت الحق و قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في باب شرط الخيار. و اما الإلزام فهو خارج عن معنى الشرط بل جوازه أمر مترتب على صحّة الشرط في المعاملة و نفوذه حيث يكون للمشروط له إلزام الآخر بالعمل أو رعاية الحق كما لا يخفى.

و لا ريب في انّ المراد من قوله (ص) المسلمون عند شروطهم هذا المعنى بقرينة تطبيقه في بعض الروايات على الشرط في المعاملة حتى في رواية منصور بن برزخ حيث ذكر فيها ما يدل على انّ المراد الالتزام بالعمل و إعطاء هذا الالتزام للمرأة في نكاحها و لذا ذكر سلام اللّٰه عليه فيها فليف للمرأة بشرطها و اما الشرط بالمعنى الآخر الّذي ذكره اى ما يلزم من عدمه عدم شي ء آخر فلم

يظهر انّ هذا معناه لغة و الشاهد صدق الشرط على موارد قيام البدل سواء كان البدل اختياريا أو اضطراريا.

و لا يبعد ان يكون معنى الشرط لغة الدخيل في حصول شي ء آخر سواء كانت دخالته جعلية كما في قيود المأمور به أو الموضوع أو نفس الحكم أو كانت واقعية و بهذا الاعتبار يطلق الشرط على الجملة الواقعة في تلو اداة الشرط و ما هو من اجزاء العلّة التامّة للشي ء عند أهل المعقول.

(1) ذكر (قده) بما حاصله انه يعتبر في نفوذ الشرط و صحته كونه اى المشروط مقدورا على المشروط عليه بان يمكن له تسليم المشروط الى المشروط له سواء كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 378

..........

______________________________

الشرط غير المقدور صفة في أحد العوضين و المراد بالصفة الأمر الاستقبالي في ذلك العوض كما إذا قال بعت هذه الدابّة على ان تحمل مستقبلا أو هذه الأمة على ان تلد مستقبلا ذكرا أو كان المشروط عملا اى فعلا لا يتمكن عليه المشروط عليه كما إذا قال بعتك هذا الزرع على ان يجعل سنبلا أو بعت البسر على ان يجعل تمرا و قد مثل بما ذكر شرط العمل غير لمقدور في القواعد و الظاهر انه أراد أن يجعل اللّٰه الزرع أو البسر سنبلا أو زرعا فانّ صدور مثل هذه الأفعال عن المشروط عليه ممتنع لا يشترط على المشروط عليه في بناء العقلاء و يبعد من الفقهاء ان يتعرّضوا لأمر خارج في المعاملات عن بناء العقلاء بخلاف ما إذا اشترط في المعاملة فعل الغير فان تعليق التراضي بالمعاملة على حصول فعل الغير يقع من العقلاء.

و على الجملة لا يحتمل ان يكون مراد العلامة و غيره ممن ذكر هذا

الاعتبار الاحتراز عن مثل شرط اجتماع الضدّين أو ارتفاع النقيضين و لذا لم يذكروا هذا الاشتراط في بابي الإجارة و الجعالة و يغني عن هذا الاشتراط اشتراط جواز المشروط و إباحته بل المراد كما ذكرنا الاحتراز عن اشتراط فعل الغير فان اشتراط فعل الغير اولى من اشتراط الوصف الحالي في المبيع فانّ الوصف المزبور خارج عن قدرة البائع حيث لا يمكن تحصيله ان لم يكن حاصلا بخلاف فعل الغير فإنه يمكن ان يتوسّل الى حصوله بالاستدعاء و غيره فيكون قوله بعت الزرع على ان يجعل سنبلا ظاهرا في اشتراط ان يجعله اللّٰه سنبلا نعم يحتمل ان يكون المراد جعل البائع فتكون كناية عن إيجاد مقدماته الإعدادية من سقيه و نزع الحشيش من حوله كما يظهر ذلك مما ذكره في الشّرائع و على ذلك فيدخل في الشرط المقدور كما لا يخفى.

أقول قد تقدم ان الشرط في المعاملات أخذ الالتزام و إعطائه بنحو ما ذكرنا و الالتزام لا يتعلّق الا بفعل النفس فان غيره غير مقدور للملتزم و عليه فلو كان الشرط بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 379

و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور (1).

______________________________

المشروط فعلا فلا بد من كونه مقدورا للمشروط عليه و ان كان وصفا سواء كان حاليا أو استقباليا فلا معنى لاشتراطه الّا الالتزام بثبوت حق الخيار لصاحبه على تقدير عدم ذلك الوصف فانّ الخيار لكونه حقّا يكفي في ثبوته نفس الاشتراط لا يكون من شرط غير المقدور.

(1) استدل (قده) على اعتبار كون الشرط مقدورا للمشروط عليه مع عدم الخلاف فيه بأنه مع عدم كونه مقدورا لا يتمكن على تسليم الشرط فيما كان فعلا كما لا يتمكن على

تسليم المبيع مع الوصف فيما كان المشروط الوصف فيه قبل قبضه من المشترى لأنّ حصول الشرط أو الوصف المزبور بضرب من الاتفاق فلا يناط بإرادة المشروط عليه فيكون البيع غرريا لارتباط العقد بما لا وثوق لحصوله.

لا يقال ما ذكر من كون حصول الوصف بضرب من الاتّفاق و لا يناط بإرادة المشروط عليه يجري في- اشتراط الوصف الحالي أيضا مع انه لا ينبغي الريب في جواز اشتراط الوصف الحالي في المبيع كاشتراط كون العبد كاتبا فعلا أو الدابّة حاملا كذلك. فإنه يقال بالفرق بينهما للإجماع على جواز الثاني دون الأوّل و ان اشتراط الوصف الحالي مبنى على وجود الوصف حال البيع فيكون من اخبار البائع بوصف المبيع و ان لم يكن وجوده معلوما بالوجدان للبائع المخبر فضلا عن المشترى حيث يكفي في توصيف المبيع بالوصف كونه مقتضى الأصل أو موثوقا حصوله بخلاف اشتراط الوصف الاستقبالي فإنه لا يبتنى على وجود الوصف فيكون البيع معه غرريّا.

ثم ذكر انّه بظهر من الشيخ (قده) و القاضي (ره) جواز اشتراط الوصف الاستقبالي و انه لو تحقق الأمر الاستقبالي كحمل الدابّة فالبيع لازم و ان لم يحصل يثبت للمشتري الخيار فيكون اشتراط القدرة على الشرط مورد الخلاف الّا ان يكون مرادهما من اشتراط كون الدابّة تحمل مستقبلا اشتراط أمر حالي في الدابّة فلا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 380

..........

______________________________

معه اشتراط القدرة في الشرط محل الخلاف.

أقول قد تقدم ان اشتراط وصف في أحد العوضين حالا أو استقبالا مرجعه الى اعتبار الخيار لمن تخلف عليه الوصف و مع الخيار لا يثبت للبيع لزوم فلا معنى لكون البيع مع شرط الوصف غرريّا لأنّ الغرر هي الجهالة في نفس البيع

لا في حكمه من اللزوم و الجواز و المفروض انّ البيع لا جهالة فيه و انّ المعاوضة قد حصلت بين العين و الثمن سواء كانت العين على الوصف أو على خلافه.

و بتعبير آخر العين تعلق بها البيع مطلقا غاية الأمر لا لزوم له مع عدم الوصف.

و مما ذكر يعلم انّه لو اشتراط في المعاملة فعل ثالث فمرجعه الى اعتبار الخيار لمن تخلف عليه ذلك الفعل فلا يكون الشرط محكوما بالبطلان.

و الحاصل الخيار لأحد المتعاملين أو كلاهما لا يحتاج الى سبب خاص بل يحصل في المعاملة بمجرّد الاشتراط فيكون كسائر الأمور الإنشائيّة المعبر عنها بشرط النتيجة فإنّ اشتراطها في المعاملة لا بأس به على تقدير عدم توقّف ذلك الأمر الإنشائي على سبب خاص فانّ الشرط مع التوقف على سبب خاص لا يصح لا لكونه غير مقدور بل لأنّ ثبوته بالشرط لا يستفاد من أدلة نفوذ الشروط و ان الشرط لا يكون مشرعا و لا يصح فيما خالف الكتاب و السنّة هذا كلّه في شرط غير الفعل الاختياري للمشروط عليه و امّا فيه فيأتي انه يثبت فيه الحكم التكليفي و لا يكون اشتراطه مجرد اعتبار الخيار.

و إذا كان الفعل المشرط مركبا من فعل المشروط عليه و غيره كما إذا باع الشي ء و اشترط على المشترى ان يبيعه من ثالث فهل هذا من اشتراط الفعل المقدور بان يكون الشرط مجرّد إيجاب البيع على تقدير اقدام الثالث بالشراء أو من اشتراط المركب من المقدور و غيره و يظهر الثمرة فيما لم يرغب ذلك الثالث بشراء المتاع مع تصدّى المشتري الأول لبيعه منه فإنه يحكم بلزوم البيع على الأول و بجوازه على الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

381

[الثاني ان يكون الشرط سائغا]

الثاني ان يكون الشرط سائغا (1).

______________________________

و من هذا القبيل لو اشترط على البائع الكفيل على عهدة المبيع و لم يجدا لبائع الكفيل و لا يبعدان يقال انه يختلف الحال بحسب المقامات و قرائن الأحوال و مع عدم القرائن فهو من اشتراط الأمر الغير المقدور فانّ المركب كالوصف و مرجعه الى اشتراط الخيار و ما عن المصنف من عدم شرط ذلك الّا مع الوثوق بحصوله ضعيف جدا.

(1) يظهر من عنوان الشرط الثاني بقرينة التمثيل انّ الفرق بين هذا الاعتبار و بين اعتبار عدم كون الشرط مخالفا للكتاب و السنة انّ المراد بالمشروط في هذا الشرط الفعل الذي يعدّ عصيانا كفعل الحرام أو ترك الواجب و المراد بالشرط الرابع كون المشروط اعتبارا اى معتبرا يخالف اعتبار الكتاب و السنة كاشتراط كون الأجنبي وارثا يلتزم به في نكاح أو بيع أو غيرهما.

و الحاصل المراد في- المقام ان لا يكون العمل المشروط عصيانا كما إذا اشترط فعل محرم أو ترك واجب و المراد بالشرط- الرابع ان يكون المشروط حكما و اعتبارا يخالف الحكم الشرعي و الاعتبار كما إذا باع المال و شرط ان لا يجوز للمشتري بيع ذلك الكتاب بان لا يكون له حقّ البيع أو تزويج امرأة و شرط لها ان يجوز له التزوج بامرأة أخرى. و استدل (قده) على اعتبار كون الشرط سائغا بموثقة إسحاق بن عمار عن ابى جعفر عن أبيه ان على بن أبي طالب عليه السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف به فانّ المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

و ذكر الإيرواني (قده) أنّه لا مجال للاستدلال على كون الشرط سائغا بالموثقة المزبورة فإن ظاهر تحليل الحرام

و تحريم الحلال كونهما اعتباريين و لو بنحو التشريع لا التحليل أو التحريم عملا فتكون دليلا على الشرط الرابع و استدل هو (قده) على هذا الاعتبار بالإطلاق أو العموم في خطاب وجوب الفعل أو حرمته لا يقال ان العموم أو الإطلاق المزبور يعارض بالعموم من وجه الإطلاق أو العموم في مثل قولهم المسلمون عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 382

..........

______________________________

شروطهم الّا شرطا أحلّ حراما أو حرّم حلالا فإنه يقال بعد تساقطهما يرجع الى استصحاب بقاء حرمة الفعل أو وجوب المشروط تركه.

أقول لو تم ما ذكر من المعارضة بين خطاب حرمة الفعل و وجوب الوفاء بالشرط فلا ينبغي الريب في تقديم الثاني فإنه من بيان الحكم للفعل بالعنوان الثاني أي الشرط كما لا تخفى.

و ذكر النائيني (قده) ان هذا الاعتبار مستدرك لرجوعه الى اشتراط القدرة على الشرط فان المحرم لا يكون مقدورا على المكلف تشريعا فلا يصح شرطه و فيه ان شرط العمل غير المقدور لم يكن صحيحا لأن مثل قوله عليه السلام المؤمن عند شروطهم لم يكن شاملا له لان التكليف بغير المقدور غير صحيح و اما إذا كان العمل المشروط محرّما فعدم شموله للشرط المزبور يحتاج الى بيان انّ الشرط لا يكون من العناوين المغيّرة لحرمة الأفعال أو وجوبها كما لا يخفى.

و ذكر السيد اليزدي (قده) ان هذا الاعتبار يرجع الى اعتبار ان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة حيث انّ المراد بمخالفته للكتاب و السنة مخالفته لهما عملا أو اعتبارا.

و اما التفرقة بين الشرط الثاني و الشرط الرابع الآتي بأنّ المراد بالشرط يختلف فانّ المراد به في المقام نفس الالتزام و المراد به في الشرط الرابع المشروط و

الملتزم به فيعتبر في نفوذ الشرط بان يكون نفس الالتزام جائزا فلا يصح الالتزام بالمحرّم فلا يمكن المساعدة عليه فأنّ الالتزام بالإتيان بالحرام كالالتزام بالإتيان بالمحلل غير متعلق للحرمة سواء كان الالتزام حقيقيا أم إنشائيّا و انّما المتعلق للتحريم نفس العمل كما ذكر تفصيل ذلك في بحث المخالفة الالتزاميّة و على ذلك فلا مورد لكون نفس الالتزام في ضمن معاملة محرّما و على تقديره فلا تقضى ذلك التحريم عدم نفوذه و صحّته فانّ الشرط بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 383

[الثالث ان يكون مما فيه غرض معتدّ به عند العقلاء نوعا]

ان يكون مما فيه غرض معتدّ به عند العقلاء نوعا (1).

______________________________

الالتزام قسم من المعاملة و لا يقتضي النّهي عن معاملة فسادها و قد تقدم ان الإلزام بمعنى الإكراه على عمل يتعلّق به الحرمة و لكنه غير داخل في معنى الشرط بل أمر يترتب على نفوذ الشرط و صحّته فيكون للمشروط له إلزام المشروط عليه بالشرط فتدّبر.

أقول إذا كان العمل المشترط في نفسه محرما أو تركه غير مشروع فلا يصح شرطه و لا يحتاج في إثبات عدم صحّته الى الاستثناء في روايات الباب كما ذكرنا ذلك في الإجارة على عمل محرّم فإنّ الإجارة المزبورة لا تصح و لا يمكن إثبات صحتها بمثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ذلك فإنّ حرمة المحرّمات لو كانت مرفوعة بالشرط في المعاملة أو بالإجارة و نحو ذلك لكان تحريمهما لغوا حيث يمكن التوصل الى ارتكابه بالشرط في معاملة أو بالإجارة و لا يقاس ذلك بموارد الفرار عن الحرام الى الحلال بالاحتيال في رفع الموضوع فتدبّر.

(1) ذكر (قده) انّه يعتبر في الشرط ان يكون فيه غرض معتد به و مطلوب للعقلاء أو كان فيه غرض للمشروط له

و ان لم يكن معتد به عند العقلاء نوعا و قد مثّل في الدروس بشرط جهل العبد بالعبادات في شرائه فإنه مع عدم معرفتها ربما يكون أكثر فراغا للخدمة لمولاه و قد ذكر جماعة ان اشتراط الكيل بمكيال معين أو بميزان معيّن مع تساويه مع الأفراد المتعارفة من الكيل و الميزان لغو لعدم تعلّق غرض للتعيين المزبور من غير فرق بين بيع السلم و غيره و احتمال اختصاص البطلان ببيع السلم لاحتمال عدم التمكن بالكيل أو الوزن بالكيل أو الميزان المزبورين عند استحقاق المشترى تسلّم المبيع ضعيف.

و قد ذكر في التذكرة ان كل شرط لا يكون فيه غرض للعقلاء و لا يوجب ذلك الشرط زيادة الماليّة في ناحية أحد العوضين يكون لغوا و لا يوجب تخلّفه الخيار و علل المصنف (قده) الحكم بأنّ الشرط المزبور لا يعد حقا للمشروط له حتى يتضرر بعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

حصوله فيرتفع لزوم المعاملة بقاعدة نفى الضرر كما ان الشرط المزبور لا يوجب أن يعتنى الشارع به فيوجب الوفاء به فيما لو كان عملا و يكون ترك العمل ظلما فالشرط المزبور يشبه إعطاء المال بإزاء عين لها منفعة لا يعتد بها العقلاء. و لو شك في كون الشرط مما فيه غرض عقلائي أم لا يحمل على الصحة و على هذا الحمل يبتنى ما ذكر العلّامة في مسألة بيع العبد و اشتراط بايعه على المشترى ان لا يأكل إلّا الهريشه و لا يلبس الّا الخز. و لو اشترى العبد و شرط كونه كافرا ففي صحّة الشرط قولان فقيل بصحة الشرط و انّه يثبت للمشتري الخيار مع ظهور إسلامه كما عن العلامة لأنّ كفر العبد

يتعلق به الغرض لتمكن مشتريه على بيعه من الكافر و المسلم بخلاف العبد المسلم فإنّه لا يجوز بيعه من الكافر و ان العبد الكافر يستغرق أوقاته بخدمة مولاه بخلاف المسلم.

و قيل كما عن الشيخ ببطلان الشرط المزبور و انه يحكم بلزوم البيع و لو مع ظهور إسلامه لأن إثبات الخيار في الفرض يوجب ان يحسب إسلام العبد نقصا فيه و كفره مزية و الإسلام يعلو و لا يعلى عليه و لأن في تملّك العبد المسلم غرض أخروي و هي المصاحبة مع المؤمن و الإنفاق عليه و الغرض الدنيوي لا يزاحم الأخروي كما جزم بذلك في الدروس.

أقول قد ذكرنا فيما تقدم ان اشتراط الأوصاف مرجعه الى جعل الخيار على تقدير فقدها و عليه فلو اشترى العبد و جعل لنفسه الخيار على تقدير كونه مسلما و باعه البائع كذلك فلا موجب للحكم بلزوم العقد فانّ اشتراط الخيار مطلقا أو على تقدير صحيح و يتعلق به الغرض من العقلاء و كذا الحال في اشتراط فعل الغير بل فعل نفسه أيضا غاية الأمر لا يثبت التكليف بالإتيان بالعمل المزبور لانصراف ما دل على التكليف عنه و ثبوت الخيار على تقدير عدم الفعل بالاشتراط لا بقاعدة نفى الضرر ليقال ان وجوب البيع في الفرض غير ضرري.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 385

[الرابع ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]

الرابع ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة (1).

______________________________

لا يقال قد ذكر في محله ان المحكوم بالبطلان من البيع و الإجارة و غيرهما من المعاملات المالية بيع السفيه و إجارته و سائر معاملته الماليّة و اما البيع السفهائى و الإجارة السفهائيّة و كذا غيرهما فيحكم بصحّتها و عليه فالشرط السفهائى لا يختلف عن تلك المعاملات

فإنّه يقال لا يبعد الفرق بين المعاملات و الشرط بأنّ المعاملات فيما إذا كانت سفهية من جانب واحد فلا تكون سفهيّة من الجانب الآخر و بتعبير آخر إذا كان البيع للبائع سفهيّا فلا يكون بالإضافة إلى المشتري كذلك فلا بأس بشمول دليل الحل و اللزوم له بخلاف الشرط فانّ الغرض فيه للمشروط له فقط و إذا كان سفهيّا بالإضافة إليه فلا يكون مشمولا لخطاب وجوب العمل بالشرط كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) انه لو أحرز أن الحكم الوارد في الكتاب و السنة ثابت مع الشرط ايضا فلا ينبغي الريب في بطلان الشرط المزبور لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يجوز بحال نعم يحتمل ان يقال ان ثبوت الحكم الوارد فيهما مع الشرط غير محرز لحكومة المؤمنون عند شروطهم على إطلاق الكتاب و السنة أو عمومهما فيختص الحكم الوارد فيهما بغير حال الشرط بل التزم بعض بهذا الاحتمال و بان ما ورد في الروايات من استثناء الشرط المخالف للكتاب عن الشرط النّافذ يحمل على صورة المخالفة بالتباين و يرفع عن إطلاق الاستثناء و عمومه بالإضافة الى غير موارد التباين و غير موارد قيام النص الخاص على جواز الشرط.

أقول توضيح الحال في المقام يحتاج الى التكلم في مدلول اخبار الباب- منها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه سئل عن رجل قال لامرأته ان تزوجت عليك أو بت عنك فأنت طالق فقال انّ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قال من شرط لامرأته شرطا سوى كتاب اللّٰه عز و جل لم يجز ذلك عليه و لا له.

و لا يخفى ان شرط الطلاق بنحو شرط النتيجة محكوم بالبطلان سواء كان شرط

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

مطلقا أو معلّقا و هذا الحكم مستفاد من الروايات الواردة في اعتبار صيغة خاصّة في الطلاق مع اعتبار أمور أخرى في المطلقة لكونها في طهر لم يجامعها زوجها فيه مع حضور العدلين حيث ان شرط النتيجة انّما يصح في أمر لا يعتبر في إنشائه سبب خاص على ما تقدم و على ذلك فان كان السؤال في الرواية عن شرط الطلاق بنحو النتيجة في نكاح المرأة كما هو ظاهر الشرط فلا ريب في انّه لا بد من ان يكون المراد من شرط سوى كتاب اللّٰه المشروط الّذي لم يذكر في كتاب اللّٰه أى القرآن و يقيد بما إذا لم يذكر مشروعيّة في السنة أيضا أو ان يراد بكتاب اللّٰه الحكم المكتوب من قبل اللّٰه سبحانه فيعمّ ما ورد في السنة أيضا و لكن الأول انسب لإعطاء الضابطة لصحيح الشرط و فاسده.

و اما ما رواه الشيخ و العلامة من طريق العامة في حكاية بريرة لما اشتراها عائشة و شرط عليها مواليها ولائها ما بال أقوام يشترطون شرطا ليست في كتاب اللّٰه فما كان في شرط ليس في كتاب اللّٰه فهو باطل قضاء اللّٰه أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق فظاهره و ان يقتضي ان يكون المراد بكتاب اللّٰه ما كتب اللّٰه الّا انه لضعف السند لا يمكن الاعتماد عليه مع احتمال ان يراد منه ان المشروط المزبور غير وارد في الكتاب فمن اين يصح لهؤلاء الأقوام الشرط المزبور و لا ينافي ذلك الحكم بصحّته لو كان المشروط واردا في السّنة أخذا بغيره.

منها موثقة إسحاق ابن عمار عن جعفر عن أبيه ان على ابن أبي طالب عليه السلام كان يقول من

شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

و منها صحيحة الحلبي كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو مردود و منها صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من اشترط شرطا مخالفا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 387

..........

______________________________

لكتاب اللّٰه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه. و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّٰه و في صحيحة الأخرى عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال المسلمون عند شروطهم الّا كل شرط خالف كتاب اللّٰه عز و جل فلا يجوز.

و منها صحيحة محمد بن قيس على رواية الشيخ (قده) عن ابى جعفر عليه السلام قال قضى على عليه السلام في رجل تزوج امرأة و أصدقها و اشترطت ان بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و واليت الحق من ليس بأهله قال فقضى انّ على الرّجل النفقة و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة.

و رواية إبراهيم بن محرز قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل قال لامرأته أمرك بيدك قال عليه السلام انى يكون هذا و قد قال اللّٰه الرجال قوامون على النساء. و في تفسير العياشي عن ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوّجها رجل و شرط عليها و على أهلها ان تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فإنها طالق فقال شرط اللّٰه قبل شرطكم ان شاء و في بشرطه و ان شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسرى عليها و هجرها إن أتت بسبيل ذلك قال اللّٰه

تعالى في كتابه فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ و قال أحل لكم ما ملكت ايمانكم و قال وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ و رواه الشيخ بسند موثّق الى قوله عليه السلام و نكح عليها.

ذكر المصنف (قده) ان المراد بالكتاب في بعض الروايات الظاهرة في بطلان الشرط المخالف له هو ما كتب اللّٰه على عباده من الأحكام سواء ذكر في القرآن أم لا بان كان ذلك الحكم مستفادا من النص و نحوه.

ثم ذكر انّ ما دل على اعتبار موافقة الكتاب في نفوذ الشرط و صحته يحمل على عدم كونه مخالفا له بناء على ان ما لم يكن مخالفا له موافق لبعض الإطلاق و العموم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 388

ثم ان المتصف بمخالفة الكتاب (1).

______________________________

بعض الآيات من قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ* و خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

أقول قد تقدم انّ حمل الكتاب في روايات الباب على حكم اللّٰه على عباده بعيد غايته فإنّه مع كونه خلاف ظاهر كتاب اللّٰه لا يناسب جعل الضابطة للشرط الفاسد و ايضا الوجه في حمل الموافق للكتاب على عدم كون الشرط مخالفا له هو انّه لو اعتبر الموافقة بنفسها لكان ذكر عدم المخالفة في الروايات المتعدّدة بلا وجه و لزم ان لا يكون الحكم مناسبا لإعطاء الضابطة فإنّ أكثر الشروط لا يستفاد موافقتها للكتاب و دعوى انها موافقة لبواطنه لا يمكن المساعدة عليها فإنّ الإحالة على بواطن الكتاب لا يناسب لإعطاء الظابطة بل يناسبها ظواهر الكتاب كما لا يخفى ثم ان الجمع بين كون المراد بكتاب اللّٰه مطلق ما كتب اللّٰه و بين كون المراد من

الموافقة عدم المخالفة للقرآن المجيد متهافت.

(1) ذكر (قده) ان الشرط بمعنى المشروط فيما إذا كان من الاعتباريات كثبوت الإرث للأجنبي أو كون الطلاق بيد المرأة و نحو ذلك يكون مخالفته للكتاب أو السنة ظاهرة و امّا إذا كان الشرط بمعناه المصدري أي الالتزام فقد يدعى ان الالتزام بفعل الحرام و ترك المباح ايضا مخالف للكتاب و السنة فان ترك المباح و ان لم يكن فيه محذور الّا ان الالتزام بتركه فيه محذور بل الالتزام بترك المباح و ان قيل لا محذور فيه أصلا الّا انّ الالتزام بفعل الحرام فيه محذور المخالفة للكتاب و السنّة.

و يشهد لكون الالتزام بترك ما رخص فيه الشارع مخالفة للكتاب و السنة رواية العيّاشي المتقدمة الّتي رواها الشيخ بسند موثق على ما تقدم فانّ المذكور في النكاح في الروايتين الالتزام بترك المباح و التوجيه بما يأتي ضعيف بان يراد من المذكورات فيهما عدم الحق له في ارتكاب تلك المباحات فيكون المشروط مخالفا لما دل على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

إباحتها.

ثم ذكر (قده) ان موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة ايضا ظاهرة في عدم جواز الالتزام بترك المباح أو فعل الحرام فانّ قوله عليه السلام فيها الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما مقتضاه أنّ الإحلال و التحريم فعل الشارط لأنه باشتراطه يمنع عن الحلال و يرخص في الحرام و أوضح من ذلك كلّه المرسل المروي في الغنية الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع عنه كتاب أو سنّة فأنّ الالتزام بارتكاب الحرام يمنع عنه الكتاب و السنّة انتهى.

أقول لا يمنع الكتاب و السنة عن الالتزام بفعل الحرام منعا تكليفيا بل يمنعان عن نفس ارتكاب الحرام و معه

لا يمكن ان يعمّه المؤمنون عند شروطهم، و بتعبير آخر المشروط فيما كان من الاعتباريات و كان مخالفا لاعتبار الشارع و حكمه يكون محكوما بالبطلان و هذا هو المقطوع من مخالف الكتاب و السنة فأنّ مدلولهما الحكم و اما إذا كان المشروط هو ترك المباح أو فعل الحرام فيكون المشروط فيما إذا كان محرما مخالفا للكتاب أو السنّة عملا و اما إذا كان مباحا فلا يخالف الكتاب أو السنة حتى عملا و هذا ظاهر و ما عن المصنف (ره) من المحذور في الالتزام بفعل الحرام أو المباح قد تقدّم ما فيه و انه لا محذور في الالتزام القلبي أو المعاملي و لا يعاقب الملتزم بعقاب فيما إذا لم يرتكب الحرام كما لا يخفى.

و امّا الاستدلال على عدم جواز الالتزام بمثل رواية العياشي ففيه ان المراد بشرط اللّٰه فيه حكمه و قد أطلق عليه الشرط للمقابلة و المراد بحكم اللّٰه عدم صحّة الطلاق بغير الوجه المعتبر و ليس الشرط المزبور الوجه المعتبر و كذا الحلف عليه فإنّه أيضا باطل لأنّه أيضا من شرط اللّٰه قبل الحالف و بتعبير آخر لو كانت الرواية واردة في شرط ترك التزويج بالمرأة الأخرى و مع ذلك ذكر سلام اللّٰه عليه بعدم وجوب الوفاء لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

للاستدلال المزبور وجه و لكن الرواية واردة في شرط الطلاق بنحو النتيجة أو الحلف عليه و في كل منهما لا يكون ترك التزويج بامرأة أخرى بنفسه شرطا و بظهور الفرق بين المقامين يظهر الفرق بين مدلولها و مدلول صحيحة منصور بن برزخ عن عبد صالح عليه السلام قال قلت له انّ رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم

طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه الّا ان يجعل للّٰه عليه ان لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار قل له فليف للمرأة بشرطها فأن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، قال المؤمنون عند شروطهم.

نعم ما في ذيل رواية العياشي من الاستشهاد على بطلان الشرط بأنّ الكتاب قد أباح الشرط أى ارتكاب المشروط لا يناسب الحمل المذكور و لكن ليس الذيل في موثقة محمد بن قيس و رواية العياشي ضعيفة سندا كما تقدم مع احتمال كون الاستشهاد فيها جدليّا و ما ذكر (قده) من دلالة موثقة إسحاق بن عمار على فساد الشرط فيما تعلق بفعل الحرام أو ترك المباح حيث انّ الشرط مع تعلّقه بأحدهما يكون محللا للحرام أو محرما للحلال فالشارط بشرطه يرخص في ارتكاب الحرام أو يمنع عن ارتكاب المباح لا يمكن المساعدة عليه فانّ الشرط كما تقدم هو أخذ الالتزام أو إعطائه و الأخذ يكون من المشروط له المعبر عنه بالشارط و الإعطاء من المشروط عليه و إذا فرض تعلق الشرط بفعل الحرام أو ترك المباح فلا يكون نفس الالتزام أخذا أو إعطاء محللا للحرام الّا من حيث العمل.

و يمكن ان يدعى ظهور الموثقة فيما كان الشرط محللا و محرما من حيث البناء و الحكم بان يلتزم المشروط عليه ان لا يجوز له التزوج بامرأة أخرى أو لا يحرم عليه شرب الخمر فلا يمكن مع هذا الاحتمال التمسك بها على بطلان الشرط فيما إذا تعلق بفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

391

..........

______________________________

الحرام أو ترك المباح و ما في صدر الرواية من قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به لو لم يكن انسب مع هذا الاحتمال فلا ينبغي الريب في انّه لا تنافيه.

لا يقال يمكن دعوى عموم الموثقة لكلا الفرضين بان يستفاد منها بطلان الشرط فيما إذا كان الملتزم به عدم ممنوعيّة ما هو حرام شرعا أو ممنوعية الحلال شرعا و ما كان الملتزم به نفس فعل الحرام أو ترك المباح ففي الأوّل يكون المشروط محللا و محرما من حيث البناء و الحكم و في الثاني يكون محلّلا عملا و محرما كذلك كما لا يخفى.

أقول شرط ترك المباح لا يكون محرما للحلال لا من جهة الشرط بمعنى الالتزام فانّ الالتزام بترك المباح لا ينافي إباحته نظير ما تقدم من عدم مخالفته للكتاب و السنة و لا من جهة الشرط بمعنى الملتزم به فان ترك المباح لا يكون تحريما عملا فانّ المباح يجوز فعله و تركه.

نعم في شرط الحرام يكون المشروط أى ارتكاب الحرام محلّلا للحرام من حيث العمل كما انه يخالف الكتاب كذلك و احتمال ان يكون المراد من كون الشرط محلّلا و محرّما كونه كذلك بلحاظ حكمه أي وجوب الوفاء به فيعم الاستثناء شرط ترك المباح ايضا ضعيف لظهور الموثقة في كون الشرط في نفسه محلّلا للحرام أو محرّما للحلال لا بلحاظ وجوب الوفاء به.

و الحاصل انّ غاية ما يستفاد من هذه الموثقة ما استفدناه من الاستثناء في الأخبار الواردة في وجوب الوفاء بالشرط الّا ما خالف الكتاب أو السنة من ان الالتزام بالفعل الحرام يدخل في الاستثناء لكون فعل الحرام مخالفا للكتاب أو السنة عملا فيكون ارتكابه من تحليل الحرام عملا.

و ما

ذكر المصنف (ره) من ان الالتزام بفعل الحرام أو الالتزام بترك المباح في نفسها مخالف للكتاب و السنة فيعم الاستثناء كلّا من المشروط و المعتبر المخالف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 392

ثم المراد بحكم الكتاب و السنة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له (1).

______________________________

للحكم المذكور في الكتاب و السنة و الالتزام بفعل الحرام و ترك المباح لا يمكن المساعدة عليه فإنه قد تقدم عدم المانع في مجرد التزام فعل الحرام غير كونه نوعا من التجري فضلا عن الالتزام بترك المباح و ثانيا انه مع الإغماض عما ذكر أولا يكون المخالف للكتاب و السنة في شرط ترك المباح أو فعل الحرام نفس الشرط بمعنى الالتزام و في موارد كون المشروط مخالفا لهما يراد من الشرط المشروط واردة الشرط و المشروط معا من الاستثناء استعمال اللّفظ في معناه الحقيقي و المجازي و لو أمكن هذا الاستعمال فلا ريب في انّه خلاف الظّاهر فلا يصار اليه بلا قرينة.

(1) و توضيح المقام انه (قده) بعد ما التزم بأنّ الشرط المخالف للكتاب و السنة المحكوم بالبطلان يعم الالتزام بفعل الحرام و الالتزام بترك المباح فيشكل الأمر بأن غالب الشروط المتعارفة في قبيل الالتزام بترك المباح أو فعله و إذا فرض كون هذا الشرط باطلا فلا يبقى للالتزام بالعمل مورد الا شرط فعل الواجب أو ترك الحرام و تصدى لدفع الإشكال بأن مجرد شرط ترك المباح أو فعله بل فعل الحرام لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة بل تتحقق مخالفة الشرط لهما فيما إذا لم يكن الحرمة أو الإباحة الثابتة للفعل اقتضائية بحيث يمكن انتفائهما بطرو عنوان على الفعل و امّا إذا كان الحكم

اقتضائيّا كذلك بحيث لم يكن لخطاب حرمة الفعل أو إباحته دلالة الّا على الحكم لنفس الفعل مع قطع النظر عن طرو عنوان فلا بأس بالحكم بصحّة الشرط المزبور فانّ الالتزام بوجوبه في الفرض لا ينافي الكتاب.

و قال (قده) ان الخطابات الواردة في إباحة الأشياء و المباحات الشامل للمستحبّات و المكروهات من هذا القبيل و انّ الحكم فيها بإباحة الفعل من حيث ذات الفعل فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك كما في خطاب حلية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

أكل اللحم فإنّه لا تنافي مع الحرمة الثابتة له بالحلف أو أمر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له بعنوان كونه مقدّمة الواجب أو تعلّق النذر به، و انّ الخطابات الواردة في الواجبات و المحرّمات من قبيل الحكم المطلق بحيث لا يتغير الّا بالعناوين الرافعة للتكاليف كالاضطرار الى الارتكاب أو الحرج أو الضرر و على ذلك فلو اشترطا في المعاملة ارتكاب محرم فيحكم ببطلانه لأنّ الالتزام بارتكابه مخالف للكتاب و السنة و لو ورد حليته بعنوان آخر فيلاحظ الراجح من الخطابين فيؤخذ به كان ترجيحه بمرجح داخلي أو خارجي الأول ككون الخبر الدال على أحدهما أظهر و الثاني ككون مدلوله موافقا للمشهور.

ثم أورد (قده) على ما ذكره من عدم البأس باشتراط ترك المباح لأن خطابات المباحات ظاهرة في الإباحة الاقتضائيّة بأنّ مقتضى بعض الأخبار المتقدمة الحكم ببطلان شرط ترك المباح مع انّ خطابه ايضا كخطاب سائر المباحات اقتضائية كاشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى أو عدم اتخاذ السريّة و نحوهما.

و أجاب عن الإيراد بوجهين الأوّل انه يعلم من الرواية المتقدّمة ان الإباحة في التزوج بامرأة أخرى أو اتخاذ السريّة مطلقة و

ان كانت في انظارنا كإباحة أكل اللّحم و التمر و غيرهما مما تتغيّر إباحتها بالعناوين الثانية و هذا الوجه لا يناسب الاستشهاد لبطلان الشرط المزبور بأن إباحة التزوج بامرأة أخرى مذكورة في الكتاب كما لا يخفى. و الوجه الثاني انّ الطلاق المعلق على مثل هذه الأفعال باطل و انّ هذه الأفعال لا توجيه لا ان في شرط مجرّد ترك التزوج بامرأة اخرى محذورا بل لا بأس بشرطه كما يفصح عن ذلك صحيحة منصور بن برزخ المتقدّمة.

أقول في ما افاده موارد للنظر منها ما ذكره من ان خطابات المباحات كلّها اقتضائية و ظاهرة في ثبوت الحلية لها في نفسها و لا دلالة لها على ثبوتها لها عند طروّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

عناوين آخر عليها فان الالتزام بذلك يوجب ان لا يصح لنا التمسك بإطلاق تلك الخطابات عند الشك في ثبوت الحلية للفعلى مع طروّ عنوان يحتمل كونه مغيّرا لإباحته.

و قد ذكرنا سابقا ان مقتضى السيرة العقلائيّة في الخطاب المتضمن لحكم على موضوع كون المتكلم في مقام البيان من جهة قيود الموضوع و المتعلق و نفس الحكم فيرفع اليد عن ذلك بقيام قرينة معتبرة انه في مقام بيان الحكم من جهة دون الأخرى كما في خطاب تجويز الأكل من صيد أمسكه الكلب المعلّم فإنّه قد ذكر في محله انّه في مقام تجويز الأكل من حيث عدم كونه ميتة فلا يقتضي عدم وجوب تطهير موضع العقر.

نعم إذا ورد في مقابل خطاب حلية فعل حرمته أو وجوبه بعنوان ثانوي يقدم الخطاب الثاني على الأوّل حيث انّ الخطاب المتضمن للحكم بالعنوان الثانوي قرينة عرفيّة على تقييد الحكم في الخطاب الأوّل و هذا يجري في

غير خطابات المباحات أيضا غاية الأمران الخطابات المتكفلة للأحكام بالعناوين الثانوية مقيدة في نوعها بقيود تمنع عن حكومتها بالإضافة إلى خطابات المحرمات نظير ما ورد في عدم الطاعة لمخلوق في معصية الخالق المانعة من حكومة خطاب وجوب طاعة الوالدين على خطابات التحريم أو الواجبات فيما إذا أمرا بارتكاب الحرام أو ترك الواجب و ما دل على عدم انعقاد الحلف فيما إذا كان المحلوف عليه مرجوحا فأنّ مقتضى إطلاق خطاب التحريم عدم انعقاد الحلف على ارتكاب الحرام أو ترك الواجب الى غير ذلك و هذا ايضا هو الوجه في عدم حكومة دليل نفوذ الشرط على خطابات المحرمات فإنّه قد أخذ في خطاب نفوذ الشرط عدم كون المشروط مخالفا للكتاب و السنّة و هذا المخالفة لا يتحقّق في ترك المباح أو فعله و لكنّها متحقّقة في شرط ارتكاب الحرام كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 395

ثم انه لا اشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي (1).

______________________________

(1) و حاصله أنه قد تقدم ثبوت الحكم لموضوع بأحد النحوين من كونه بنحو الاقتضاء و الحيثيّة و كونه حكما فعليّا مطلقا بحيث لا يقبل التغيّر بعروض عناوين آخر غير ما أشرنا اليه و عليه فلا إشكال في حكم الشرط فيما إذا أحرز حال الحكم و لكن يقع الإشكال في تمييز حال الحكم في بعض الموارد كما إذا شرط مولى الأمة في تزويجها من حرّ كون ولدها رقّا له في عقد الزواج فهل الحكم بكون الولد يتبع أشرف أبويه حكم اقتضائي لا ينافيه الاشتراط المزبور أو انّه حكم فعلى لا يتغيّر بالشرط و كشرط التوارث في عقد المتعة فإنّه ذكر جماعة بصحة اشتراط التوارث في عقد المتعة فيقع

الكلام في ان عدم ثبوت التوارث في غير النكاح الدائم حكم اقتضائي أو انّه حكم فعلى مع ان المتسالم عليه عندهم عدم صحّة شرط التوارث في غير عقد النكاح بل في غير الزّوج و الزّوجة مطلقا فلا بد من كون عدم التوارث في غير النكاح الدائم حكما فعليّا من جهة و اقتضائيّا من جهة أخرى.

و ربّما يقال في مثل هذه الموارد ان الشرط فيها غير مخالف للكتاب و السنّة أو انّ الشرط المخالف للكتاب محكوم بالبطلان إلّا في مثل هذه الموارد و لكن كون الأوّل أي الشرط فيها غير مخالف للكتاب يحتاج إلى التأمل و امّا الثاني هو بطلان الشرط المخالف إلّا في هذا الموارد ضعيف كما تقدم في أوّل هذا الشرط في قوله و التزم بعض بورود التخصيص على الاستثناء في قولهم المؤمنون عند شروطهم الّا ما خالف الكتاب.

و نظير ما ذكر اشتراط الضمان في العين المستعارة فإنّهم اتفقوا على جوازه و لكن المشهور على عدم صحة شرط الضمان في العين المستأجرة فيقع الكلام في ان عدم ضمان الأمين لو كان حكما اقتضائيّا لصح الاشتراط في كلا الموردين و ان كان حكما فعليّا لا يتغير فكيف يصح في العارية و نظير ذلك شرط الزوجة على الزّوج ان لا يخرجها الى بلد آخر فإنّهم و ان اختلفوا في جواز هذا الاشتراط الّا انّ المشهور على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 396

..........

______________________________

جوازه و ذكر بعض بطلانه لان هذا الشرط مخالف لوجوب طاعة الزوجة لزوجها و ان اختيار المسكن بيده لا بيدها و أورد بعض المجوزّين لهذا الاشتراط على الاستدلال على المنع بما ذكر من جريان دليل المنع في اشتراط جميع الشروط السائغة

لأن الشرط ملزم لما كان غير لازم قبل ذلك.

ثم ذكره (قده) انه على الفقيه ملاحظة الخطابات و الأحكام الواردة فيها بأنّها مما يتغيّر بالعناوين الطارية بمعنى كونها اقتضائيّة أو انها مطلقة و لو أحرز إحداهما فهو و الّا فيمكن البناء على كونها اقتضائية باستصحاب عدم كون الشرط مخالفا للكتاب و هذا الأصل يرجع اليه فيما إذا لم يكن لخطاب الحكم إطلاق كما في أكثر خطابات الترخيص و السلطنة فإن ظاهرها سوقها في مقام بيان حكم الشي ء بحيث لا ينافيه ملزم شرعي آخر كالنذر و الشرط و اما ما كان ظاهره العموم كما إذا كان الخطاب حكما منعيّا أو يتضمن المنع كقوله ولد الحر لا يملك فلا يجرى فيه هذا الأصل.

أقول قد تقدم في أوّل عنوان الشرط الرابع انّ الشرط المخالف للكتاب اى الحكم الواقعي الثابت في مورد الشرط لا يمكن ان يكون صحيحا و اما إذا كان المشروط مخالفا لإطلاق الكتاب أو عمومه و كذا مع إطلاق السنة و عمومها فلا بأس بقيام دليل خاص على صحّة ذلك الشرط و يكون الدليل الخاص مقيّدا للاستثناء في قولهم المسلمون عند شروطهم الّا فيما خالف الكتاب و السنة و نظير الدليل الخاص ما إذا كان المشروط مخالفا للحكم الوارد في الكتاب و السنّة و لكن ثبت انّ المذكور في الكتاب أو السنة من قبيل الحقّ القابل للإسقاط كاشتراط الخيار مع لزوم المعاملة بدونه و مثله اشتراط سقوط وجوب الوطي عنه في أربعة أشهر و نحوهما و لا يخفى انّه يمكن كون المعتبر من قبيل الحكم في مورد و من قبيل الحق في مورد آخر مثلا لا يصح شرط الضمان على الودعي و يصح على المستعير.

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 397

و مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم (1).

ثم ان بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خصّ (2).

______________________________

(1) أقول ما ذكر (قده) من الرجوع الى أصالة عدم كون الشرط مخالفا للكتاب فلا بد في تقريرها على تقدير كون المراد بالكتاب الحكم الشرعي الواقعي من ان المشروط لم يكن مخالفا للكتاب و لو قبل جعل الكتاب و الحكم الشرعي و الآن كما كان و اما تقريبها بان المشروط لم يكن مخالفا للكتاب قبل الاشتراط و بعد الاشتراط ايضا كما كان فغير صحيح لأن مخالفة المشروط لا نتوقف على فعليّة الاشتراط بل المشروط يتصف بها بفرض الاشتراط كما لا يخفى. و لو أريد بالكتاب ظواهر آيات الأحكام و من السنّة ظواهر الأخبار فلا يبقى مورد بشك فيه في مخالفة المشروط لهما بل يحرز المخالفة أو عدمها بالوجدان دائما و بتعبير آخر استصحاب نفى المخالفة و بأنّ الشرط لم يكن يخالف الكتاب لا يدخل في الاستصحاب العدم الأزلي كما لا يخفى.

نعم في موثقة إسحاق بن عمار المؤمنون عند شروطهم الّا شرطا أحلّ الحرام أو حرّم الحلال. و عليه فإذا شكّ في حلية فعل أو حرمته تكليفا فيكون اشتراط ارتكابه من الشك في تحليل الحرام و لو عملا كما تقدم و هكذا اشتراط الترك فيما إذا كان احتمال وجوبه و لكن لا بأس بالرّجوع إلى أصالة الحلية أو البراءة و مع الرجوع إليهما يحرز عدم كون اشتراط محلّلا للحرام بل يمكن إحراز ذلك باستصحاب عدم جعل الحرمة أو الوجوب لذلك الفعل و تقدم سابقا ايضا ان في الشك في حلية شي ء وضعا كما إذا كان من قبيل المعاملة يكون الأمر بالعكس فمع

عدم إحراز مشروعيّتها يكون الأصل عدم إمضائها فيثبت كون المشروط محلّلا للحرام كما لا يخفى.

(2) قد خصّ النراقي (قده) الشرط المخالف للكتاب و السنة و المحلّل للحرام و المحرم للحلال بما كان المشروط أمرا اعتباريّا مخالفا للمعتبر في الكتاب و السنة لأنّ كلا من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 398

..........

______________________________

الكتاب و السنة حكم يدخل في الأمر الاعتباري تكليفا أو وضعا و بتعبير آخر شرط ارتكاب المباح أو تركه أو ارتكاب الحرام و تركه أو فعل الواجب و تركه كل ذلك من الشرط الخارج عن الأمر الاعتباري و ربّما يكون مقتضى عموم المؤمنون عند شروطهم فيها مخالفا لما دل على حرمة الفعل فيرجع الى المرجح في ترجيح أحد المتعارضين كما في شرط شرب الخمر فإنّ الإجماع على حرمته مطلقا مرجّح للتحريم و مع عدمه يحكم بمقتضى القواعد و الأصول و أورد المصنف على ذلك بأنّ مقتضى الرّجوع الى الأصول مع فقد المرجّح هو الحكم بعدم وجوب الوفاء بالشرط فيما كان المشروط أمرا قد ورد في خطاب الشرع إباحته فلا يحكم بالصّحة و نفوذ الشرط فيه مع كون المشروط أمرا مباحا بعنوانه الأولى و إذا كان المشروط فعلا محرما أو ترك واجب فلازم الرجوع الى الأصل و استصحاب بقاء الحرمة بعد اشتراط الفعل أو بقاء الوجوب بعده هو الحكم بفساد الشرط.

أقول قد تقدم أنّه لو فرض المعارضة بين خطاب وجوب الوفاء بالشرط و ما دل على حرمة الفعل أو إباحته فإنّه لا ينبغي الريب في تقديم ما دلّ على الحكم بعنوانه الثانوي و لا تصل النوبة إلى ملاحظة المرجح و الرجوع الى الأصول و لكن قد تقدّم ان هذا التقدّم بالإضافة الى ما

ذلّ على اباحة الشي ء و اما خطابات المحرّمات فقد تقدم ان خطاب الوفاء بالشرط لو كان مقدّما عليها لكان تحريم تلك المحرمات كاللغو حيث يمكن التوصل الى ارتكاب الحرام باشتراطه في ضمن معاملة.

ثم انه إذا شك في شرط فعل نحتمل حرمته في نفسه فيحكم على ما ذكر النراقي (ره) بوجوبه بالشرط أخذا بعموم قوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم من غير حاجة الى الرجوع باستصحاب عدم جعل الحرمة له في نفسه بل ربما يتوهم انّه يحكم مع وجوب الوفاء بالشرط بإباحة ذلك الفعل في نفسه بدعوى أنّ إباحته في نفسه من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 399

فقال و لو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف (1).

يظهر لك معنى قوله (ع) في رواية إسحاق ابن عمّار المتقدّمة (2).

______________________________

لازم وجوب الوفاء به مع الشرط و إثبات اللازم بالأصل اللفظي لا بأس به.

و فيه انّه لم يثبت كون إباحته في نفسه لازما لإمكان أن يختصّ حرمة فعل بغير صورة اشتراطه و ما تقدم من عدم إمكان اختصاص الحرمة في المحرمات بغير صورة الاشتراط راجع الى عامّة المحرّمات و اما كون الأمر في محرم كذلك فلا نمنعه هذا مع ان الدّليل على اعتبار الأصول اللفظيّة إلى الظهورات السيرة العقلائيّة و لم يحرز انّ السيرة جاريّة على اعتبار الظهور في مثل المورد.

(1) يعنى لو جعل شرط ارتكاب الحرام شرطا مخالفا للكتاب و السنة لم يكن بعيدا.

أقول لا بد من ان يراد بالشرط المشروط اى شرب الخمر مثلا فإنّه مخالف للكتاب عملا و اما لو جعل نفس الالتزام بشرب الخمر مخالفا للكتاب ففيه ما تقدم من أنّ الالتزام قلبا أو معاملة لا يدخل في متعلّق التحريم

في الكتاب أضف الى ذلك انّ ارادة المشروط من الشرط فيما إذا كان المشروط أمرا اعتباريا يخالف الكتاب و ارادة نفس الالتزام فيما كان الالتزام بارتكاب الحرام من الجمع بين ارادة المعنى و المجازي من اللفظ اللّهمّ الّا ان إيراد من الشرط معناه المصدري فقط و يراد من مخالفته الكتاب و السنّة الأعم من ان يكون الوصف أي المخالفة من قبيل الوصف بحال نفسه أو حال متعلّقه فتدّبر.

(2) أقول قد تقدم ان شرط ارتكاب الحرام يكون تحليلا للحرام عملا و لا يبعدان يكون المراد من الشرط المحلل للحرام المشروط المحلل للحرام اعتباريا كما إذا زوّج المرأة نفسها من رجل على ان يكون له الحق في ترك طاعته و المشروط المحلل له عملا كما في فرض شرط ارتكاب الحرام و امّا الشرط المحرم للحلال فينحصر بما إذا كان المشروط تحريما للحلال اعتبارا كما إذا زوّجت نفسها منه على ان لا يحق للزوج طلاقها و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 400

..........

______________________________

تحريم الحلال عملا فهذا غير متحقّق في الالتزام بترك الحلال لأنّ الحلال يجوز فعله و تركه سواء كان اختيار الترك في زمان أو إلى الأبد.

و عن السيد اليزدي (قده) الالتزام بترك المباح إلى الأبد تحريم الحلال و لذا ورد في بعض الروايات انّ الالتزام بترك شرب العصير بالحلف عليه لا ينعقد لأن هذا الحلف محرّم للحلال.

و في خبر العياشي عن عبد اللّٰه ابن سنان قال سألته عن رجل قال امرأته طالق و مماليكه أحرار إن شربت حلالا و لا حراما قط فقال اما الحرام فلا تقربه ان حلف أو لم يحلف و اما الحلال فلا يتركه فإنه ليس لك ان تحرّم ما

أحل اللّٰه ان اللّٰه يقول لا تحرموا طيبات ما أحل اللّٰه لكم.

و فيه ان الرّواية ضعيفة سندا و دلالة فإن الحلف بالطلاق باطل عندنا و عبّر الامام عليه السلام عن بطلانه بما ذكر جدلا.

و الحاصل لا نعلم انّ الالتزام بترك المباح في زمان أو دائما مخالفا للكتاب أو السنة أو محرّما للحلال و لذا أفتى الأصحاب بأنّه يصح الحلف على فعل المباح أو تركه فيما إذا كان المباح مما يساوى طرفاه من غير ان يكون في أحدهما مرجح شرعا أو من حيث الفائدة الدنيوية.

لا يقال قد ورد في بعض الروايات المعتبرة كمعتبرة عبد اللّٰه ابن سنان عدم جواز اليمين في تحليل الحرام أو تحريم الحلال قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول لا تجوز اليمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة الرحم. و من الظاهر ان المتعارف في الحلف هو الحلف على الفعل أو الترك فلا بد من ان يكون الحلف على ارتكاب الحرام من اليمين في تحليل الحرام و الحلف على ترك المباح دائما من الحلف في تحريم الحلال. فإنه يقال المتعارف في الحلف على ترك المباح أو فعله الحلف على تركه أو فعله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 401

و ربما يتخيّل انّ هذا الاشكال (1).

و ربّما قيل في توجيه الرّواية (2).

______________________________

في زمان أو حال و الحلف على تركه أو فعله إلى الأبد و الحلف على عدم الحق له في ارتكابه أو تركه و الحلف المحرّم للحلال هو القسم الأخير كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان الإباحة التكليفة المترتّبة على موضوعها و ان لا تحرز أنها تتغيّر بالعنوان الثانوي الّا انه إذا كانت الإباحة ترتّبها

على الحكم الوضعي فلا تتغيّر بالعنوان الثانوي و لذا قيل ان من الصلح المحرم للحلال المصالحة بان لا ينتفع بماله أو لا يطاء جاريته و بتعبير آخر بعض اثر الملك و ان يتغيّر بالعنوان الثانوي و كذا بعض آثار الزّوجة و لذا لا يجوز سكنى المشترى في المبيع مع اشتراط إسكان البائع فيه في تلك المدة و كذا لا يجوز له إسكان زوجته في بلد اشترط في عقد الزواج أو غيره عدم إخراج الزوج اليه أو وطيها فيما إذا اشترط كما ذكر عدم وطيها كما في الرواية. إلّا ان اباحة التصرف لا ترتفع مطلقا عن الملك و اباحة الاستمتاع عن الزّوجيّة.

و أجاب (قده) بأنّ هذا الجواب ايضا غير منضبط فإنّه كما انّ بعض الأحكام التكليفة المترتبة على الحكم الوضع يتغيّر بان لا يجوز بعض التصرف المترتب على الملك أو الزّوجيّة كما ذكر كذا يمكن ان يرتفع مطلق التصرف المترتب على الملك و مطلق الاستمتاع المترتب على الزوجية بالشرط.

و دعوى عدم الارتفاع في الثاني أمّا للإجماع أو لمجرد الاستبعاد كما ترى فان الاستبعاد لا يعتمد عليه و الاعتماد على الأوّل يوجب ما تقدم من عدم الفائدة في ضابطة كون الشرط محرّما للحلال.

(2) و حاصله ان الشرط المحلل للحرام أو المحرم للحلال بمعنى انه على تقدير الحكم بوجوب الوفاء به يكون محللا للحرام و محرّما للحلال و لكن هذا خلاف ظاهر الرواية فإن ظاهرها استناد التحريم و التحليل الى الشرط لا الى حكمه مع انه يلزم ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 402

..........

______________________________

لا يصح شرط عدم الطلاق و ترك التزوج بامرأة اخرى و بتعبير آخر يلزم انحصار شرط الفعل باشتراط ترك الحرام و

فعل الواجب فتعين ان يكون المراد محلّلية نفس الشرط أو محرّميته و هذا لا يتحقّق الّا بكون المشروط حلية الحرام أو ممنوعية الحلال.

لا يقال لا ينحصر التحقق بما ذكر فإنّه لو اشترط ترك التزوّج بامرأة أخرى يكون المطلوب للمشروط له ترك التزوّج و انّه لا يرضى بالتزوج فيصدق ان الشرط محرم للحلال فإنه يقال المراد في تحريم الحلال جعل الحلال محرّما شرعا و هذا لا يحصل باشتراط ترك التزوج و بتعبير آخر عدم رضاء المشترط غير عدم رضا الشارع.

لا يقال لا يوجد مورد يكون نفس الشرط فيه محلّلا شرعا للشي ء الحرام أو محرما كذلك و انما يكون محلّلا و محرّما بلحاظ وجوب الوفاء من الشارع فإنّه يقال ان كان المراد ان نفس الشرط لا يكون محلّلا و محرّما بالنظر الى نفس الشرط فقد تقدم ان الشرط اى مقتضاه ذلك أي بأن كان الحرام الشرعي أو حلاله محللا شرعا أو محرما كذلك بنفس الاشتراط.

و بتعبير آخر الشرط كالنذر و اليمين و العهد فإنه كما إذا أنذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لكن إذا أنذر ان لا يحلّ له المال المشتبه يحكم ببطلانه كذلك في شرط ترك الحلال و شرط ان لا تحل له ذلك الفعل انتهى و أجاب المصنف (ره) عن التوجيه بأن اشتراط ان يكون الحرام الشرعي حلالا شرعا أو الحلال الشرعي حراما شرعا من فعل للشارع و غير مقدور للمشترط العاقل و لا يمكن ان يقال بان الاستثناء في موثقة إسحاق بن عمار ناظر الى هذا الاشتراط الّذي لا يصدر عن عاقل و بتعبير آخر الاستثناء في الموثقة وارد على الشرط الذي يجب الوفاء به و غير المقدور أى فعل الغير لا

يمكن الوفاء به حتى يرد على وجوب الوفاء به استثناء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

أقول لو كان المراد بالشرط المحلل للحرام أو المحرم للحلال اشتراط الإباحة الشرعيّة في الحرام و الحرمة الشرعيّة في الحلال فيرد عليه ان حمل الاستثناء في الموثقة على ذلك غير ممكن لما ذكر من ان المشروط من فعل الشارع و لا يدخل في اختيار المتعاقدين و لكن لا موجب للالتزام بما ذكر بل المشروط كما أشرنا إليه سابقا الممنوعيّة أو حق الارتكاب في اعتبار المتعاقدين و اشتراط حق الارتكاب و الممنوعيّة في اعتبارهما و ان يكون نادرا في الأفعال الخارجيّة و لكنّه متعارف في الأفعال الاعتباريّة فتشرط المرأة للرجل ان لا يحق له التزوج بامرأة أخرى أو ان لا يحق له طلاقها الى غير ذلك.

و بتعبير آخر الفرق بين اشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى و بين اشتراط ان لا يحق له التزوج بامرأة أخرى ظاهر فإنّ الأوّل من قبيل شرط الفعل و لا يجوز له التزوج بلحاظ الحكم المترتب عليه بلحاظ الشرط و لا ينافي متعلق الشرط أى المشروط الكتاب و السنة كما لا يكون المشروط حرمة الحلال بخلاف الثاني فإنّ المشروط فيه مخالف للكتاب لاعتبار للحرمان فيما لا يحرّمه الشرع و كذا الحال في اشتراط ترك فعل خارجي و اشتراط عدم الحق في ارتكابه فان عدم الجواز في الأول يترتب بعنوان الشرط و في الثاني يكون متعلق الشرط عدم الحق و الحرمان و ذكر بعض الأعلام (قده) تفصيلا آخر في شرط ترك الحلال و هو أنّه إذا كان الشي ء حلالا مع قطع النظر عن العقد و الشرط فيه يكون اشتراط تركه محكوما بالفساد كما في شرط

عدم الحق في ارتكابه لان الشرط على كلا التقديرين محرّم للحلال و من هذا القبيل شرط ترك التزوج بامرأة أخرى أو التسري بأمة.

و اما إذا كان اباحة الشي ء تحصل بالعقد و قبل العقد لا موضوع للإباحة كما في شرط ترك الوطي في عقد زواج المرأة فإن الوطي بالعقد يحكم بإباحته و قبله لا موضوع لها و في أمثال ذلك يكون اشتراط تركه لا بأس به فيما كان الشرط بنحو شرط الفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 404

و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء (1).

______________________________

لأنّ الموجب لجواز الفعل هو العقد مع عدم الاشتراط فلا يكون العقد موجبا لجوازه.

أقول الفرق لا يرجع الى محصّل فان ما يوجب الحكم ببطلان شرط ترك الفعل فيما كان مباحا مع قطع النظر عن العقد و الشرط بعينه يجرى فيما كان اباحة الشي ء بالعقد و الموجب المزبور إطلاق خطاب إباحة ذلك الفعل. مثلا قوله سبحانه الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ* المستثنى فيه يعم الزّوجة التي اشترط في عقدها ترك وطيها فيكون شرط ترك وطيها محرّما للحلال الوارد في الكتاب. و يشهد لعدم الفرق ايضا قولهم ببطلان اشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى و قد ورد في صحيحة منصور بن برزخ وجوب الوفاء به مع انّ إباحته تثبت قبل العقد و الشرط و ما قيل من استفادة عدم جوازه من سائر الروايات فقد تقدم ضعف دلالتها و انها ناظرة إلى الحكم بشرط الطلاق المعلّق أو الحلف بالطلاق فراجع.

(1) يظهر من كلام صاحب القوانين (ره) ان مراده من الشرط الحرام ما كان المشروط مع قطع النظر عن طريان عنوان الشرط عليه محرما كشرط شرب الخمر و

الزنا و نحوهما و ما كان الالتزام به حراما للحلال كالالتزام بارتكاب المكروه دوما كتقليم الأظفار بالسن و الالتزام بالإتيان بالمستحب دائما كالنوافل أو بترك المباح دائما كما إذا شرط ان لا يلبس الخز أصلا.

و بتعبير آخر يكون الالتزام بفعل المكروه أو فعل المستحب أو ترك المباح على نحو الدوام و الاستمرار و على نحو العموم من الشرط المحرّم للحلال و اما إذا لم يكن بنحو العموم و الاستمرار أصلا كان يشترط بان لا يلبس هذا الخز مدّة أو لا يتزوج بالمرأة الفلانيّة إلى زمان فلا إشكال في صحّة الشرط حيث لا يحصل بالشرط حكم كلى على المشروط عليه ليكون الحادث من تحريم الحلال و وجوب الوفاء بمثل هذا الشروط و ان يكون حكما كليّا الّا انه مجعول من قبل الشارع لا من قبلنا و لو اشترط ان لا يتزوج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 405

[الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد]

الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد (1).

______________________________

بهذه المرأة أبدا أو ان لا يبيع هذا الشي ء الخارجي أبدا ففي صحّة الشرط اشكال وجه الأشكال شباهته بتحريم الحلال من حيث العموم في الزمان و وجه صحته انّ التحليل راجع الى شخص خارجي لا إلى الطبيعي.

و المتحصل ان تحريم الحلال بوجه الكلى بالالتزام بترك الطبيعي المباح دوما يحتاج الى سبب شرعي و رخصته شرعيّة و قد ثبت هذه الرخصة في موارد النذر و شبهه بالأمر بالوفاء بالنذور و عدم جواز حنث الحلف و العقد و اما الشرط فليس كذلك كما يدل عليه موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة انتهى كلامه ملخّصا.

أقول يرد على المصنف (ره) انه قد ذكر قرب هذا التفسير من التفسير المتقدم مع ان هذا

التفسير لا يرتبط بما تقدم أصلا فانّ على التفسير المتقدم لم يكن الالتزام بترك المباح شرطا حراما و باطلا أصلا بخلاف هذا التفسير كما تقدم نعم يرد على هذا التفسير منه انه لو كان المراد من الشرط المحرم للحلال جعل القضيّة الكليّة و لو في حق المشروط عليه لكان الأمر في الشرط المحلل للحرام ايضا كذلك فلا يكون بأس باشتراط شرب هذا الخمر يوما أو شهرا كما لا يخفى و ثانيا الالتزام بترك المباح دوما و ابدا لا محذور فيه و لا يدخل في الشرط المحرم للحلال و ثالثا ان! نظير هذا الاستثناء قد ذكر في روايات الحلف و الصلح فلا معنى ان يكون النذر و شبهه سببا شرعيا لجواز الالتزام بفعل المستحب دائما أو ترك المباح كذلك و لا يكون الشرط سببا كما لا يخفى.

(1) المعروف انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون المشروط منافيا للعقد و الّا يحكم ببطلان الشرط و يستدل على ذلك تارة بأنّه لا يمكن تحقّق العقد مع المشروط المزبور لأنّ مقتضى العقد لا يتخلّف عن العقد و مع الشرط الموجب لعدم تحققه امّا لا يتحقق شي ء من العقد أو الشرط أو لا يتحقق الشرط خاصة لكونه تابعا و على كل تقدير فلا شرط و اخرى بأنّ المشروط إذا كان مخالفا لمقتضى العقد يكون مخالفا للكتاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

و السنّة فانّ مدلولهما ترتب مقتضى العقد على ذلك العقد و لذا ذكر العلامة (ره) ان اشتراط عدم بيع المبيع على المشترى يخالف السنة الدالّة على ان الناس مسلطون على أموالهم.

و ربما يقال ان العقد اى بيع المال من واحد يوجب تسلّطه على بيع

ذلك المال فيما إذا لم يشترط عدم البيع عليه و بتعبير آخر يكون جواز بيع المبيع ثانيا من مقتضى إطلاق بيعه منه أولا فلا يكون مخالفا لمقتضى العقد.

و لكن لا يخفى ان الكلام في اشتراط أمر يكون عدم ذلك الأمر من مقتضى نفس العقد بان لا ينفك عنه لا في اشتراط أمر يكون ذلك الأمر منافيا لمقتضى إطلاق العقد و عدم تقيدّه بشرط و الّا فلا منافاة و كيف ما كان فلا إشكال في اشتراط هذا الأمر و انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون مخالفا لمقتضى نفس العقد للتسالم على ذلك و انّما الإشكال في تمييز موارد كون المشروط مخالفا لمقتضى نفس العقد عن موارد كونه منافيا لمقتضى إطلاق العقد ليحكم بالفساد على الأوّل و على عدم البأس و النفوذ على الثاني. فإنه قيل في بعض الموارد ببطلان الشرط لكونه خلاف مقتضى نفس العقد و بصحته في بعضها الآخر مع عدم الفرق بينهما مثلا قيل بعدم جواز شرط ترك البيع أو الهبة على المشترى فإنه يخالف مقتضى الشراء و بجواز شرط العتق و الوقف على المشترى حتى فيما كان الموقوف عليه البائع و ولده و ما قيل في الفرق بان العتق مبنى على التغليب غير صحيح فإنه لا يجري في جواز اشتراط الوقف.

و الحاصل يقع الإشكال في تمييز كون الشرط مخالفا لمقتضى نفس العقد أو إطلاقه في موارد كثيره منها اشتراط ترك البيع على المشترى فانّ المشهور على عدم الجواز و لكن عن العلامة جوازه منها ما ذكره في الدروس من انه لو اشترى حيوانا و شرك فيه الآخر على ان يكون الربح بينهما و لا خسران عليه فان مقتضى صحيحة

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

رفاعة جواز الشرط قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك في جارية له و قال ان ربحنا فيها فلك نصف الربح و ان كان وضيعة فليس شي ء قال لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية و نحوها و لكن عن ابن إدريس عدم جواز الشرط لأنه مخالف لمقتضى الشركة.

أقول ظاهر الصحيحة التشريك بمعنى بيع نصف المشاع على الآخر مع الشرط المزبور و لا بد من ان يراد بالشرط شرط تدارك الخسارة نظير ما ذكروه في شرط الخسران الشركة في عقد على العامل و الوجه في ذلك انّه إذا كان المشروط في المتاع المشترك فيما إذا اشتراه اثنان بثمن على عهدتهما أو كان المتاع لأحدهما فشرك الآخر فيه و لو ببيع نصفه منه تولية الربح بينهما و الخسران على أحدهما فيتصوّر صور.

الأولى ان يكون المشروط انتقال المقدار المساوي لرأس مال صاحبه من الثمن اليه بمجرد البيع كما إذا اشتريا المتاع بعشرين بالمناصفة و باعا بعشرة فينتقل تمام العشرة إلى ملك المشروط له و الاشتراط بهذا النحو محكوم بالبطلان فإنّ العشرة التي بيع المتاع بها بدل لتمام المتاع لا لنصفه فيكون انتقالها الى ملك أحدهما موجبا لخروج المعوض من كيس و دخول عوضه في ملك آخر لا يقال لا محذور في انتقال بدل المال الى غير ملك مالك المعوض بعضا أو كلّا كما في المضاربة فإنّ الثمن الذي وقع بإزاء المتاع المشترى برأس المال بدل عن ذلك المتاع المملوك لرب المال مع انّه يدخل بعضه في ملك العامل فإنّه يقال المضاربة تتضمّن التوكيل في التجارة و جعل بعض الربح بنحو الإشاعة أجرة للعامل و هذا لا

محذور فيه فيكون نظير الصورة الثانية. و هي ما إذا اشترط دخول مقدار من رأس المال المملوك لأحد الشريكين ببيع المتاع في ملك الآخر مع الخسران أو دخول ما يقال رأس مال صاحبه من العين في ملكه قبل البيع ليكون ثمنه ملكه بالبيع و الشرط في هذه الصورة بفرضية لا بأس به بناء على انّ شرط الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 408

..........

______________________________

بنحو شرط النتيجة مع التعليق و الجهالة صحيح و لا يضرّ كونه تمليكا قبل التملك و لكن هذا مجرد فرض.

الصورة الثالثة ما إذا كان الشرط اى المشروط بنحو شرط الفعل بان يلتزم أحد الشريكين في عقد الشركة أو عقد آخر ان يتدارك خسران شريكه و هذا النحو من الاشتراط يوافق الارتكاز و لذا لا يفرق بين كون الخسران بحيث يحتاج تداركه الى الإعطاء من غير الثمن أم لا و لا يبعدان يكون ظهور الصحيحة أيضا ذلك. و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا اشترط في عقد الشركة أو في عقد آخر زيادة أحدهما في الربح بالإضافة الى رأس ماله فإنه لا يصح على الصورة الأولى إلّا إذا كان للمشروط له عمل زائد بحيث تكون الزيادة بإزاء عمله فيشبه المضاربة هذا كله في ربح التجارة و خسرانها.

و امّا إذا كان الاشتراط راجعا الى اختصاص أحد الشريكين بنماء العين المشتركة فهذا لا بأس به سواء كان الاشتراط في عقد الشركة أو غيره لانّ ما ذكر في ربح التجارة في الصورة الأولى لا تجري في هذا الفرض و لكن الشرط المزبور ايضا لا يخلو عن التأمل.

و منها ما اشتهر بينهم من جواز شرط ضمان العين في عاريتها و لا يجوز شرط ضمانها

في إجارتها و ربّما يقال كما عن الأردبيلي بجواز شرط الضمان في الإجارة أيضا لأنّ عدم ضمانها فيها مقتضى إطلاق عقد الإجارة نظير العارية.

منها التوارث في عقد الانقطاع فانّ فيه وجوه أربعة الأوّل التوارث مطلقا و لو مع عدم الاشتراط. الثاني التوارث مع الاشتراط فقط. الثالث عدم التوارث مع اشتراط العدم الرابع عدم التوارث مطلقا فانّ الكلام في ان التوارث من مقتضى نفس عقد الانقطاع كعقد الدوام أو انه من مقتضى إطلاقه أو ان عقد الانقطاع لا يقتضي التوارث لا بنفسه و لا بإطلاقه بل يقتضي عدمه و إذا اقتضى عدمه هل اقتضاء عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 409

[الشرط السادس ان لا يكون الشرط مجهولا]

الشرط السادس ان لا يكون الشرط مجهولا (1).

______________________________

التوارث بنفس العقد أو بمقتضى إطلاقه.

أقول ان أريد بمقتضى العقد مدلوله فلا ينبغي الريب في اعتبار عدم كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد فإنّه إذا كان منافيا له لا يتحقق قصد إنشاء ذلك المدلول كما إذا قال بعتك المال على ان لا يكون المبيع ملكا لك فعلا أو مطلقا أو وهبتك المال على ان يكون المال لي لا لك الى غير ذلك.

و اما إذا أريد من مقتضى العقد حكمه سواء كان ذلك الحكم إمضائيا أو تأسيسيّا فإن كان المشروط عدم ذلك الحكم فلا يصح الشرط لكونه يخالف الكتاب أو السنّة نعم إذا كان ذلك المقتضى من قبيل الحق لا الحكم فلا بأس باشتراط عدمه و اما اشتراط الفعل أو الترك لحكم المعاملة فقد تقدم الكلام فيه سابقا فلا نعيد.

(1) ذكر (قده) انه يعتبر في نفوذ الشرط عدم جهالته حيث ان جهالته يوجب الغرر في البيع لكون الشرط في الحقيقة أمر ينضم الى أحد العوضين و

الجهالة في أحد العوضين غرر في البيع و لذا ذكروا انّه يعتبر في بيع السلم و النسية تعيين المدة التي يستحق فيها المشترى تسلم المبيع و البائع تسلم الثمن مع انّ في السلم اشتراط تأخير في تسليم المبيع على العهدة و النسية اشتراط التأخير في الثمن كذلك.

و لو أغمض عن ذلك بان بنى على انّ الشرط لا ينضم الى أحد العوضين مطلقا بل في خصوص ما كان المشروط وصفا في أحد العوضين أو تعيين زمان أو مكان لتسليمهما و اما إذا كان عملا خارجيّا أو اعتباريّا فلا تكون الجهالة في هذا الشرط موجبا للغرر في البيع يحكم ببطلان الشرط المجهول لما رواه العلامة عن النبي (ص) من نهيه عن الغرر و هذا النهى يعم المعاملة التي تكون فيها الجهل و كذا الشرط المجهول فيها و لا بأس بإرساله في الاعتماد عليه لانجبار ضعفه بعمل المشهور حيث يحكمون بفساد المعاملة التي فيها جهل حتى في مثل الوكالة و غيرها من المعاملات الجائزة نعم بطلان الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 410

..........

______________________________

لا يوجب بطلان البيع على الأظهر فيما يأتي مسألة كون الشرط الفساد مفسدا للعقد أم لا.

ثم ذكر قده أن جهالة الشرط يوجب الجهالة في أحد العوضين و لذلك يكون البيع غرريّا و فرع على ذلك عدم المساعدة على ما ذكر العلامة (قده) في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد فيما إذا جهل مقداره انه لو وقع البيع و اشترط فيه الحمل أو البيض للمشتري صح البيع لان الشرط تابع و لا يضرّ جهالة التابع بخلاف ما إذا قال بعت الدابّة مع حملها بكذا فإنه يحكم ببطلان البيع للجهالة في أحد

العوضين.

و عن الدروس لو جعل الحمل جزءا يصح البيع أيضا لأن الحمل تابع و كذا مال العبد بناء على أنه يملك فان ماله لكونه تابعا للعبد لا يضر فيه الجهالة و لا يجرى فيه الربا بخلاف ما إذا قيل بأنه لا يملك فانّ المال على ذلك لا يتبع العبد فيعتبر في بيعه مع ماله أو بشرط ماله العلم بمقدار المال و عدم لزوم الربا لكن الأظهر مع اختلاف الكلمات اعتبار عدم الجهالة في الشرط مطلقا الّا فيما إذا كان الشرط بحيث يعدّ في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاجة و الوجه في ذلك عموم النهى عن الغرر و كون التراضي بالبيع منوطا بالشرط على ما في كلماتهم فيكون الشرط دخيلا في تحقق نفس البيع و الجهالة فيه موجبة للجهالة في البيع.

أقول قد تقدم ان إنشاء البيع منوط بالشرط بمعناه المصدري و هو حاصل على الفرض و اما الشرط بمعنى المشروط فلا يكون إنشاء البيع معلقا عليه و الّا بطل للتعليق و انّ الجهالة في المشروط يوجب الغرر في البيع فيما إذا كان المشروط وصفا لأحد العوضين أو تعيّنا الزمان استحقاق التسليم أو التّسلم أو مكانهما لا مطلقا فانّ البيع تمليك عين بعوض و لو كان المشروط امرا خارجا عن العوضين كما إذا كان عملا خارجيا و اعتباريّا فلا يوجب جهالته جهالة في البيع و النهى عن الغرر غير ثابت و اعتبار التعيين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 411

[الشرط السابع ان لا يكون مستلزما لمحال]

ان لا يكون مستلزما لمحال (1).

______________________________

في غير البيع من المعاملات المبتنية على المداقة و المغابنة مستفاد مما ورد في البيع حيث لا فرق بحسب المتفاهم العرفي بينه و بينها من تلك الجهة.

ثم

انّ مسألة التابع لأحد العوضين لا يجري في هذا الفرض بل يجري في الفرض الأول فلا حظ و تدبر.

ثم انّه لا يبعد دعوى عدم البأس بشرط مجهول راجع الى أحد العوضين بان يكون المشروط مالا مجهول الحصول أو المقدار أو الوصف و ذلك للأخذ بمقتضى ما ورد في جواز بيع المجهول منضّما الى معلوم فإنه إذا كان ظاهر تلك الروايات جعل المجهول جزءا من أحد العوضين فلا يحتمل صحته و عدم صحّة جعل المجهول شرطا.

و عن السيد اليزدي (قده) انه لا بأس بالشرط المجهول إذا كان له واقع معين كما إذا أباع المال بكذا على ان يفعل المشترى ما يقوله زيد و امّا إذا لم يكن له واقع معين فلا يصح كما إذا قال بعتك المال بكذا على ان يفعل شيئا و الوجه في الفرق ان البيع في الصورة الثانية يكون غرريّا بخلاف الصورة الأولى فإنّه لا ينطبق الغرر على البيع و لكن لا يخفى أن التفرقة بين الصورتين غير وجيه فانّ البيع هو تمليك عين بعوض فان كان المشروط المجهول لا حقا بأحد العوضين فيحكم ببطلانه في الصورتين و الّا فلا يكون البيع غرريّا و لا يحكم ببطلانه و بتعبير آخر عنوان العقد و ان يعمّ المعاملة بشرطها و لذا يحكم بلزوم الشرط كنفس المعاملة الّا ان عنوان البيع لا يعم الشرط و لا يكون الغرر فيه غررا في البيع.

(1) إذا كان تحقق المشروط مستلزما لمحال يكون ذلك من شرط المحال و غير المقدور و قد تقدم عدم تعلّق الالتزام بغير المقدور فضلا عن المحال و امّا ما يذكر في المقام مثالا لذلك بان باع منه شيئا و اشترط عليه ان يبيعه منه ثانيا

فلا يخفى ما فيه فان الاشتراط المزبور في نفسه لا بأس به و لا يستلزم دورا و لا غيره حتى فيما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 412

..........

______________________________

المشروط بيع المتاع من بايعه بنحو شرط النتيجة لأن بالبيع يدخل المبيع في ملك المشترى و بالشرط يخرج من ملكه الى ملك بايعه لأنّ المراد بالشرط في المقام الشرط في المعاملة لا الشرط من اجزاء العلة و لو امتنع اشتراط ان يبيعه منه ثانيا لأمتنع اشتراط ان يبيعه من غيره بعد شرائه لأنّ المراد من بيعه من غيره البيع عن نفسه بحيث يدخل الثمن في ملكه كما يخرج المثمن من ملكه ايضا و البيع فضولا أو بنحو الوكالة لا يدخل في شرط البيع المفروض و لكن يرفع اليد عن الجواز بالإضافة إلى اشتراط بيع المال من بايعه ثانيا و يحكم ببطلان الشرط بل بطلان البيع المشروط أخذا بظاهر صحيحة على ابن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسه دراهم بنقد أ يحلّ قال إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس و قريب منها غيرها و هذا مع اختلاف الثمنين.

و ذكر السيد اليزدي (قده) مثالا آخر لهذا الاشتراط كما إذا نذر أن ماله المعين لزيد على تقدير وجوب الكنس عليه ثم باع ذلك المال من عمرو و اشترط عمرو عليه كنس المسجد فإنه إذا صح هذا الشرط و وجوب عليه الكنس للزم دخول المبيع في ملك زيد كما هو مقتضى نذر كونه له بنحو نذر النتيجة و إذا دخل في ملكه لزم بطلان البيع من عمرو و على ذلك فيلزم

من صحّة الشرط انتفاء المعاملة الّتي وقع الشرط المزبور في ضمنها.

أقول لو فرض صحّة النذر المزبور كما إذا وقع شكرا لوجوب كنس المسجد لوجب على الناذر وجوب الكنس باشتراطه في بيع المال من عمرو و لكن لا يبطل البيع المزبور و لا يدخل المبيع في ملك زيد لأنّ نذر المال له بنحو شرط النتيجة على تقدير وجوب الكنس و على تقدير بقاء المال في ملكه و لا يعم فرض خروجه الى ملك الآخر بناقل اختياري أو قهري كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

و الحاصل لسنا ندعي ان انتقال المال الى زيد متأخر عن انتقاله الى عمرو رتبة و مع انتقاله الى عمرو في رتبة سابقة لا يبقى مجال للمتأخر ليقال ان انتقال المال الى زيد إنّما يتأخر عن وجوب الكنس لا عن انتقال المال الى عمرو و انتقال المال الى عمرو و ان كان في رتبة وجوب الكنس الّا ان المتأخر عن أحد الشيئين في رتبة واحدة لا يتأخّر عن الآخر منهما أيضا لأن الملاك التأخر رتبة و هي العلية و المعلوليّة يختص بأحد الشيئين.

بل المدعى ان نذر المال لزيد مشروطا بوجوب كنس المسجد عليه بنحو القضيّة الشرطيّة مقتضاه تحقّق انتقال المال الى زيد على تقدير بقاء المال في ملك الناذر عند وجوب الكنس على ذلك الناذر كما في سائر النذور المعلقة أى المشروطة و من الظاهر ان القضية الشرطية لا تتكفل لا ثبات الشرط الوارد فيها كما انها لا تنفيه و نظيرها القضية الحمليّة الّتي بمفاد القضيّة الحقيقيّة فإن هذه القضيّة لا تتكفّل لإثبات موضوعها أو نفيها و لذا لا تنافي القضية الشرطيّة أو الحقيقية القضيّة الأخرى النافية

لتحقق الشرط أو نفى تحقق الموضوع. و على ذلك فإذا باع الناذر المال من عمرو على شرط وجوب الكنس على البائع فيعمّه أحل اللّٰه البيع فيخرج المال المزبور عن ملك الناذر و لا يبقى لرجوع المال الى زيد موضوع أى شرطه و هو بقاء المال على ملك الناذر.

نعم يبقى الكلام في انّ هذا الانتقال حنث للنذر أم لا. و الصحيح كما ذكرنا في محله انه لو كان النذر بمجرد مفاد القضيّة الشرطيّة فقط فلا حنث لأنّ نذر الانتقال كما هو معلق على وجوب الكنس كذلك معلق على بقاء المال على ملك الناذر و مع خروج المال عن ملكه كعدم وجوب الكنس لا نذر و امّا كان مع الالتزام بإبقاء المال الى زمان يحتمل فيه حصول الشرط كما هو المتفاهم مثل قول الناذر للّٰه علىّ التصدق بهذا المال على تقدير مجي ء مسافري أو شفاء مريضي و نحو ذلك فاللازم إبقاء المال و لو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 414

[الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد]

في اعتبار ذكر الشرط في متن العقد (1).

______________________________

أتلفه أو أخرجه عن ملكه مع احتمال حصول الشرط مطلقا أو في زمان عينه فعليه كفارة الحنث كما انّه لو لم يخرجه و لكن لم يتصدق مع تحقق الشرط يتحقّق الحنث و لا يبعدان يكون المثال من هذا القبيل ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) اختلف كلماتهم في اعتبار ذكر الشرط في متن العقد بحيث لا يكفى ذكره قبله حتى فيما كان من قصدهما بناء العقد على المذكور قبله فإنّه يظهر من بعضهم كما صرّح به بعضهم الآخر اعتبار ذكره في متن العقد و يذكر في وجه الاعتبار انّ المشروط عليه قبل العقد ان التزم بشي ء

فهذا يدخل في الالتزام الابتدائي فلا يجب الوفاء به حتى ما لو فرض انّه كان على التزامه الى ان وقع العقد أو حتى كان على التزامه بعد العقد أيضا فإنّ بقائه على التزامه لا يخرجه عن الالتزام الابتدائي. و ان لم يلتزم بذلك الشي ء قبل العقد بل وعد بالتزامه في ضمن العقد فمع عدم ذكره في متن العقد لم يتحقّق الالتزام بذلك الشي ء لا قبل العقد و لا فيه.

و ربّما يؤيّد ذلك بما ذكروا في باب الربا في الاحتيال للتخلص من الربا من انه لو عاوض أحد المتجانسين بأزيد منه و كان من قصدهما المبادلة مثلا بمثل و هبة المقدار الزائد فلا بأس فيما إذا لم يشترط الهبة في البيع و وجه التأييد انه لا يكون هذا التخلص عادة إلّا بالتواطي عليه قبل المعاملة و لو كان التوافق بشي ء قبل المعاملة بمنزلة الاشتراط لكان هبة الزائد شرطا لا محالة فتدخل المعاملة في الربا حيث ان الربا تعم الزيادة العينيّة و الحكمية و شرط هبة المقدار الزائد من الزيادة الحكميّة.

و كذا يؤيّد بما ذكر العلامة و قبله المحقق في بيع المرابحة بأنّه يجوز للبائع عند إرادته الاخبار برأس ماله ان يبيع ذلك المال من آخر بمقدار يريد الأخبار بذلك المقدار و يشترى منه ثانيا بذلك المقدار و يخبر عند إرادته البيع مرابحة برأس ماله و انه ذلك المقدار و هذا كاشف عن انه لا يجرى على المذكور قبل العقد و بناء العقد عليه حكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 415

..........

______________________________

الشرط لما تقدم من بطلان البيع بشرط بيع المشترى المال من بايعه ثانيا و لو كان التوافق قبل العقد في حكم الشرط لكان

بيع المالك المال علاجا لأخباره برأس المال باطلا لأنه قد اشترط فيه بيع المشترى المال منه ثانيا. أقول لعل مرادهما من الجواز الحكم بصحة البيع و حليته نفسه تكليفا لا الاخبار برأس المال اعتمادا على ذلك البيع فإنّ الأخبار المزبور يكون غشا في بيع المرابحة فيحكم بحرمته تكليفا هذا مع عدم التأييد فيما ذكراه خصوصا في مسألة نسيان ذكر المدة فإن الحكم بانقلاب العقد مع نسيان ذكره على تقديره حكم تعبدّي و لكن قد ذكرنا في المسألة ان ذكر الأجل و لو إجمالا مقوم لعقد المتعة فمع عدم ذكره لا متعة لا انّه ينقلب دائما و النص الوارد ناظر إلى التفرقة بين العقدين في الإنشاء لا الى الحكم بالدوام و لو مع عدم القصد و اما عدم التأييد في غير هذه المسألة فإن مجرد التوافق على شي ء لا يوجب بناء العقد عليه و انّما يكون العقد مبنيّا فيما إذا كان مقتضى التوافق ثبوت الحق لأحدهما على الآخر بحيث يستحقّ له المطالبة به و إلزام الآخر بالعمل على ذلك التوافق و قد تقدم بيان ذلك في اشتراط البيع من البائع ثانيا في بيعه أولا.

قد يقال الإنصاف انه لو كان الشرط ارتباطه بالعقد بالظرفيّة و المظروفية كما هو ظاهر القاموس لكان اللازم اعتبار ذكر المشروط في متن العقد و الّا فلا ظرفية نعم بناء على ما ذكرنا من الارتباط فيتحقّق معنى الشرط و لو بذكره قبل العقد و فيه ايضا ما لا يخفى.

و اما ما ذكره المصنف في وجه الكفاية انّ التراضي بالعقد مبنى على ذلك الأمر المذكور قبل العقد ففيه انه لو كان المراد بالإناطة التعليق فتعليق طيب النفس بالمعاملة على تقدير تحقّق ذلك الأمر يوجب

بطلان المعاملة مع عدم تحققه. لا كون العقد خياريّا و كذا مع تعليق نفس المعاملة على المشروط أضف الى ذلك عدم اعتبار طيب النفس في المعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 416

[و قد يتوهم هنا شرط تاسع]

و قد يتوهم هنا شرط تاسع (1).

______________________________

و أما الاستدلال على اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و عدم الاكتفاء بذكره قبله و بناء العقد عليه بأنّ الشرط كالجزء من أحد العوضين فيكون ركنا في البيع فيعتبر ذكره فيه و لا يستغنى بذكره قبله كما هو الحال في العوضين فلا يمكن المساعدة عليه فلأنّ الشرط لا يكون جزءا و لا كالجزء من أحد العوضين هذا أولا و ثانيا لا يعتبر ذكر العوضين في إنشاء البيع فان نفس البيع أمر إنشائي و الإبراز مقوّم له و لكن العوضين فلا بد من معلوميّة و هو يحصل بتعينهما و ذكرهما و لو قبل البيع كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) ما حاصله انه قد يتوهم في نفوذ الشرط اعتبار عدم تعليقه و الّا بطل الشرط بل العقد ايضا و يقال في وجه ذلك انّ الشرط سواء كان من شرط الفعل أو غيره يرجع الى أحد العوضين اى ينضم إلى أحدهما و لو لم يكن فيه تعليق فلا يكون في ضمّه إلى أحدهما محذور بخلاف ما إذا كان معلقا فانّ التعليق في الشرط يوجب التعليق في أصل البيع لأن البيع الجاري على المنضم معلق على حصول الشرط و لو قال بعت هذا المال بدرهم على ان تخيط ثوبي إذا جاء زيد من سفره يكون مبادلة المال المزبور بالدرهم المنضم إليه خياطة ثوبه على تقدير مجي ء زيد لا على كل تقدير بل يجرى البيع على تقدير عدم

مجيئه بالدرهم المجرّد فيدخل بذلك الفرض في بيع الشي ء بثمنين المحكوم بالبطلان بلا ريب كما يأتي في مسألة بعته حالا بكذا و نسية بكذا.

و يندفع الوهم و وجهه بان التقدير يرجع الى الشرط بمعنى المشروط و لا يكون قيدا للشرط بالمعنى المصدري و لا لأصل المعاوضة ليكون مقتضى ذلك وقع المعاوضة بين المال المزبور و الدرهم المنضم إليه الخياطة المطلقة في فرض مجي ء زيد من سفره و وقوعها بينه و بين الدرهم المجرد على تقدير عدم مجيئه.

و بتعبير آخر لو كان مجي ء زيد قيدا للمشروط إلى الخياطة فلا يكون في البين إلّا معاوضة واحدة و هي بيع المال المزبور بالدرهم المنضم إليه الخياطة الخاصة أي الخياطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

على تقدير مجي ء زيد من غير ان يكون تعليق في الشرط بمعنى الالتزام بالخياطة و لا في الالتزام بالنقل و لا إنشاء المعاوضتين على تقديرين بل المنشأ مبادلة واحدة و هي بيع المال بإزاء الدرهم المنضم إليه الخياطة الخاصّة و هي الخياطة على تقدير مجي ء زيد.

و هذا الفرق و ان لا يوجب الاختلاف مع ما سبق في النتيجة الّا انّه يوجبه في الإنشاء فيمكن كونه وجها في فساد المعاملة و صحتها لكون المعاملة من الإنشاءات نظير ما يقال في الفرق بين قول القائل إذا جاء أول الشهر فأنت وكيلي في بيع داري و قول الآخر أنت وكيلي في بيع داري أول الشهر الآتى فإنّهم ذكروا بطلان الأول لتعليق الوكالة و صحّة الثاني لأن القيد عليه راجع الى متعلق الوكالة لا لنفسها على ما هو المعروف في الفرق بين الواجب المشروط و الواجب المعلّق.

ثمّ ان العلامة قد أشكل في اشتراط البائع

على المشترى كونه أحق بالمبيع لو باعه و قد توهم انّ الاشكال لاعتبار التنجيز في الشرط و لكنه فاسد بل اشكاله لعدم جواز اشتراط بيع المال من بايعه ثانيا كما يأتي و الاشتراط المزبور يدخل في الشرط المزبور و لو على تقدير ارادة المشترى بيع المال و يشهد لفساد الوهم ان العلامة و كثير منهم ذكروا ان ردّ الثمن في بيع الخيار شرط النفس الخيار فيكون الخيار المشروط معلقا على رد الثمن لا الفسخ بالخيار و لو كان التنجيز في الشرط معتبرا لما كان ردّه قيدا لنفس الخيار.

و وجّه المحقق الإيرواني قده كلام المصنّف في المقام بان المنضم الى أحد العوضين ليس الشرط بمعنى المشروط بل الشرط بالمعنى المصدري و عليه فلا يكون في البيع تعليق و تقدير و لا بيعين على تقديرين و الحاصل ان المال المزبور يعوّض بالدّرهم المنضم اليه التعهد بالخياطة على تقدير مجي ء زيد على كل تقدير سواء حصلت الخياطة خارجا أم لا و مجي ء زيد يتوقف عليه الملتزم به الّذي لا يكون جزءا من العوضين أصلا.

أقول قد تقدم سابقا انّ الشرط لا يكون جزءا من أحد العوضين لا بمعنى المشروط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 418

..........

______________________________

و لا بالمعنى المصدري فإنّ البيع في حقيقته تمليك المال بالعوض بحيث يدخل العوض في ملك مالك المعوّض و الشرط بمعنى المشروط و لو كان عملا لا يدخل في ملك البائع و لذا لا يكون له مع تخلف الشرط المطالبة بالبدل و لو كانت الخياطة ملكا للبائع لكان له مع عدمها المطالبة ببدلها لإتلاف المشترى بتركه العمل و كذلك لا يكون الشرط بالمعنى المصدري ملكا للبائع فإن تعهد المشترى لا يدخل

في ملك البائع و لا في ملك غيره في اعتبار العقلاء كما يظهر ذلك بتفتيش ما هو المرتكز عند العقلاء من حقيقة البيع أو نحوه و ذكرنا ان التعهد و هو الشرط بالمعنى المصدري قيد لنفس المعاملة فإنها على تقديره و يحصل عند المعاملة و اما المتعهد به عملا كان أو غيره فلا يكون قيدا لا للمعاملة و لا لأحد العوضين و عليه فلا يحصل من تعليق المتعهد به تعليق في ناحية أصل المعاملة و العقد كما لا يخفى.

ثم انّه لا يبعدان يكون التعليق في الشرط راجعا الى نفس الالتزام الشرطي بمعنى انه لا يكون التزام بالخياطة على تقدير عدم المجي ء و هذا التعليق لا يرجع الى نفس العقد بل العقد يكون معلّقا على الالتزام بالخياطة المشروطة و ليس في البين ما يدل على اعتبار الإطلاق في الاشتراط في المعاملات بل المقدار الثابت بطلان العقود و الإيقاعات بالتعليق على ما ذكرنا في محلّه و لو كان الأصل المعاملة غير مكره عليه و كان الإكراه على الاشتراط فقط كما إذا قال إذا بعت فاشترط على نفسي كذا فالشرط غير صحيح بمعنى انه موقوف على الإجارة بعد ارتفاع الإكراه.

أقول ظاهر كلامه المحتاج إلى الإجازة الشرط لا أصل العقد و نفس المعاملة و انه إذا لم يلحقه الإجازة يثبت أصل المعاملة لا الشرط فيها و لا يرد عليه عدم جريان الإجازة في الإيقاعات لأن الشرط في العقود غير داخل في الإيقاعات نعم لا بد من اقامة الدليل على نفوذ الإجازة في كل أمر إنشائي مكره عليه لا يكون من الإيقاعات و قد تعرّضنا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 419

[مسألة في حكم الشرط الصحيح]
اشارة

من صفات المبيع الشخصي (1).

أو غيرهما (2).

______________________________

لذلك في إجازة العقد المكره عليه و لا يفرق في نفوذ الإجازة بين القول بان الشرط التزام في التزام كما هو ظاهر القاموس أو ان معنى الاشتراط تعليق العقد على الالتزام بأمر من عمل اعتباري أو خارجي أو وضعي فإن مقتضى حديث الرفع الإكراه عدم الحكم للالتزام أو التعليق إذا كان عن إكراه فتدبر جيدا فان صدق الإكراه على الاشتراط مع الاختيار في المعاملة لا يخلو عن تأمّل.

ثم انّه ذكر (قده) شرطا آخر لنفوذ الشرط و هو ان لا يكون الشرط في المعاملة خلاف الشرع و ان كان المشروط في نفسه عملا مشروعا و مباحا كما إذا اشترط في بيع أحد الربويين بمثله شرطا كخياطة الثوب فإنّ الخياطة في نفسها عمل مشروع لكن اشتراطها يوجب كون البيع داخلا في عنوان الربا الذي خلاف الشرع و لكن أورد على ذلك بان المحرم ليس نفس الاشتراط بل تحصيل الحرام بمجموع العوض و الاشتراط فإنه يحصل بهما الربا.

أقول ما ذكر انّما يتم بالإضافة إلى الحكم التكليفي يعني حرمة الربا تكليفا و امّا بالإضافة إلى الوضع اى الفساد فالفاسد في الفرض هو الشرط فقط بناء على ما تقدم من ان الشرط في المعاملة أمر زائد عليها و لا ينضم الى أحد العوضين حيث ان الفرض إنشاء مبادلة الشي ء بمثله حاصلة و الاشتراط على المشروط عليه أمر زائد عليها فيكون سحتا نظير ما ذكر في اشتراط الزيادة في القرض فتدّبر.

(1) بخلاف ما إذا كان المبيع كليّا فإنّه يكون للمشتري استرداد فاقد الوصف و مطالبة البائع بواجده لا الخيار في فسخ العقد نعم لو امتنع البائع عن اقباض واجده لكان للمشتري خيار الفسخ لأن إقباض المبيع حالا في البيع

الحال و على رأس المدة كما في السلم شرط ارتكازي و يكون من شرط الفعل لا الوصف.

(2) بان يكون الشرط بمعنى المشروط فعل غير المتعاقدين كما إذا قال بعتك هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 420

..........

______________________________

المتاع بكذا على ان تخيط ثوبي هذا فلان و قال المشترى قبلت.

و ذكر السيد اليزدي (قده) لا يناقش في هذا الاشتراط بأنّه يعتبر في شرط الفعل على المشترى تمكّنه على ذلك الفعل و فعل الثالث غير مقدور للمشتري و ذلك فان المعتبر في شرط الفعل تمكّن المشروط عليه و هو في الفرض هو الثالث القادر على فعله و لذا يعتبر قبوله لأنّه طرف في المعاملة المفروضة و لا بعد في انّ يكون المشروط عليه في المعاملة متعدّدا بان يكون في المعاملة المفروضة المشروط عليه كل من المشترى و الثالث فيعتبر قبول كل منهما.

و بتعبير آخر المشترى يلتزم بفعل الغير و الغير يلتزم بفعل نفسه و نظير ذلك ما إذا باع العين من المشترى على ان يضمن ثالث الثمن حيث يعتبر في تحقق البيع و الشرط قبول كل من البائع و المشترى.

أقول لو كان المشروط في حقيقته فعل الغير لا من قبيل شرط فعل نفسه أو من قبيل شرط النتيجة على ما يأتي فمرجع الاشتراط نظير اشتراط الوصف في المبيع الى اشتراط الخيار على تقدير عدم وقوع الفعل عن الغير و المشروط عليه في الخيار المشروط في المثال هو المشترى لا الثالث بل التزام الثالث بالخياطة يدخله في الالتزام الابتدائي بالإضافة إليه لا الشرط فلا يجب عليه شي ء حتى مع قبوله.

و الحاصل تحقق العقد و الشرط فيما إذا كان المشروط نظير فعل الخياطة عن الأجنبي لا يتوقف

على قبول الثالث بل قبوله و عدمه سيّان في تحققهما و عدمهما بخلاف ما إذا كان المشروط من قبيل ضمان الثالث الثمن في البيع فإنّه يتوقف تحقق الضمان الذي من قبيل شرط النتيجة في العقد لا الإيقاع على قبول ذلك الثالث فاعتبار قبوله لتحقق عقد الضمان الحاصل باشتراط البائع و قبول الأجنبي فيكون المشترى طرفا للبيع المشروط فيه ضمان الثالث كما يكون الثالث طرفا في عقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 421

[شرط الصفة]

و لا إشكال في انه لا حكم للقسم الأول الا الخيار (1).

______________________________

الضمان الحاصل بإنشاء البائع بعنوان الشرط في المعاملة و قبول ذلك الثالث فتدبر جيدا.

(1) ذكر (قده) انه لا حكم للشرط في القسم الأول أي اشتراط وصف في المبيع غير الخيار على تقدير عدم ذلك الوصف و ان عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعم هذا القسم لعدم إمكان تحصيل الوصف ليجب الوفاء به.

أقول يرد عليه أولا بأنّ المؤمنون عند شروطهم و ان يكون بمعنى أوفوا بالشروط كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام من شرط لأمرائه شرطا فليف به فإن المؤمنون عند شروطهم الّا ان القضيّة المزبورة انحلالية باعتبار الشروط و العقود فكل شرط محكوم بوجوب الوفاء به و لا مانع عن كون وجوب الوفاء بالإضافة الى بعض الشروط تكليفا فيعتبر في متعلّقه التمكن و بالإضافة إلى البعض الآخر إرشادا إلى الوضع كما نذكره في شرط النتيجة يعني الإرشاد إلى إمضائها فلا يعتبر في متعلقة التمكن و لا يكون استعمال صيغة الأمر في موارد الانحلال بالإرشاد إلى الوضع في البعض و بالتكليف في البعض الآخر من استعمال اللفظ في أكثر من معنى لأن الإرشاد و التكليف غير داخل في

مدلول الصيغة بل يختلف الطلب إرشادا و تكليفا باختلاف الداعي إلى إنشاء الطلب فيكون وجوب الوفاء في شرط الوصف إرشادا إلى إمضاء الخيار المجعول على تقدير فقده.

و ثانيا على تقدير الإغماض عن ذلك و الالتزام بان وجوب الوفاء بالشّرط تكليف يستفاد منه الوضع بحسب الموارد الّا ان متعلق التكليف ليس إيجاد المشروط فقط بل يعم الفعل المترتب على النتيجة و المشروط كما يصرح (قده) في شرط الغاية و فيما نحن فيه الفعل المترتب على ثبوت الخيار ردّ الثمن و نحوه على تقدير فسخ المشترى عليه فينتزع منه ثبوت الخيار و الّا فمن اين يثبت الخيار في الفرض و لعل مراده (قده) أن انه لا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 422

[شرط النتيجة]

و اما القسم الثالث فإن أريد اشتراط الغاية (1).

______________________________

حكم للقسم الأول بمعنى إيجاد الشرط كما في شرط الفعل لكن تعليله بأن المؤمنون عند شروطهم لا يعم هذا القسم كما ترى.

(1) القسم الثالث من الشرط ما إذا كان المشروط امرا وضعيا اى جعليّا سواء كان ذلك الأمر الوضعي من قبيل نتيجة العقد أو الإيقاع أو غيرها كاشتراط الخيار لأحد المتعاقدين في ضمن العقد فتحصيص القسم الثالث بأحد الأولين كما هو ظاهر المصنف (ره) حيث عبر عن هذا القسم بكون المشروط غاية أي نتيجة العقد أو الإيقاع بلا وجه.

و ذكر (قده) ان كان المراد باشتراط الملكيّة أو الزوجيّة اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعيّة فهذا يدخل في القسم الثاني أي ما إذا كان المشروط فعلا حيث لا يفرق في القسم الثاني بين كون الفعل المشروط خارجيّا أو كان من قبيل الإنشائيات و اما ان كان المراد حصول الملكية أو الزوجيّة بنفس الاشتراط كما إذا باع

العين منه بكذا على ان تكون بنته زوجة للبائع بمهر كذا و قبله المشترى بناء على ولاية لأب في نكاح بنته الباكرة فإن كانت الغاية مما تحصل بسبب خاص كالزوجيّة بناء على اعتبار الصيغة الخاصّة في النكاح كالطلاق فيحكم ببطلان ذلك الشرط أى المشروط حيث انّ حصوله بالشرط خلاف الكتاب أو السنة لأن المفروض دلالتهما على اعتبار صيغة خاصّة في حصوله.

و بذلك يظهر الحال في اشتراط كون حرّ عبدا أو انعتاق العبد حيث ان العبوديّة لا تحصل إلّا بالغلبة و الاستيلاء و الانعتاق بالعتق و كذا اشتراط كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل حيث انّ الشرط المزبور بمعناه المصدري يدخل في البيع تعليقا و التعليق في البيع مبطل حتّى ما إذا كان بصورة الاشتراط في عقد.

كما انّه إذا قام الدليل على حصول الغاية بالشرط أيضا كالوكالة و الوصاية أو كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 423

..........

______________________________

مال تابع للمبيع ملكا للمشتري كمال العبد في بيعه أو حمل الدابة في بيعها أو الثمرة في بيع الشجرة فلا اشكال.

و امّا إذا لم يثبت شي ء من الأمرين كما إذا اشترى في بيع شي ء كون شي ء آخر غير تابع للمبيع ملكا للمشتري أو كون المال الفلاني صدقة أو اشتراط كون العبد الفلاني حرا ففيه إشكال فإنّ وجه عدم صحة الشرط المزبور جريان الاستصحاب في ناحية عدم تحققه و عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعم الفرض لينتزع من شموله صحّة الشرط فانّ الشرط في الفرض ليس فعلا على المشروط عليه ليتعلّق به وجوب الوفاء و وجه الصحة شمول العموم المزبور بدعوى انه يكفى في شموله ان يكون المترتب على تلك الغاية فعلا و لا يعتبر كون الغاية

المشروطة بنفسها فعلا نظير وجوب الوفاء بالعهد و وجوب الوفاء بالعقد بل مقتضى عموم- أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ايضا وجوب الفعل المترتب على الغاية حيث انّ الشرط المزبور جزء من العقد فيعمه الحكم المترتب على العقد و على ذلك فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق الشرط بمعنى المشروط فيحكم بصحّته.

أقول ما ذكر (قده) أولا من ان شرط الانعتاق غير صحيح لأنّه قام الدليل على احتياجه الى سبب خاص و ما ذكره بعد ذلك من ان شرط كون العبد حرا مما لم يتم فيه الدليل على أحد الوجهين متهافتان حيث ليس الانعتاق الّا كون العبد حرا.

ثم ذكر (قده) و يشهد لعموم المؤمنون عند شروطهم القسم الثالث تمسك الامام عليه السلام بهذا العموم في موارد كلّها من قبيل شرط الأمر الوضعي كعدم الخيار للأمة في نكاحها فيما أعانها ولد زوجها في أداء المال و اشتراط عدم الخيار المزبور في اعانتها و دعوى ان شرط الملكية بنحو الغاية غير صحيح لأن الملكيّة تتوقف على أسباب خاصّة مدفوع بأنه يكفي فيها مطلق التمليك و لو كان ذلك بالاشتراط كما يظهر ذلك من اتفاقهم على اشتراط ملكيّة حمل الدابّة للمشتري في بيعها و كذا ملكية مال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 424

..........

______________________________

العبد لمشتريه في بيعه.

و دعوى ان ذلك لكون الحمل و مال العبد من توابع الأم و العبد و لا يعم ما إذا اشترط ملكيّة شي ء غير تابع لا يمكن المساعدة عليها فإنّه لا فرق في عدم توقف الملكية على سبب خاص بين التابع و غيره كما يظهر ذلك ممن ذكر انّه لا فرق في اشتراط ملكيّة الحمل بين كونه في بيع الأم أو غيره.

أقول قد يقال

انّه لا يمكن الأخذ بعموم المؤمنون عند شروطهم فيما إذا احتمل دخالة سبب خاص في تحقق ذلك الأمر الوضعي بحيث لا يكون ذلك السبب بالشرط و بتعبير آخر لو كان في مورد الأمر الوضعي ما يكون مثبتا لحصوله بلا حاجة الى سبب خاص و لو كان ذلك المثبت العموم أو الإطلاق في دليل اعتباره فضلا عن الدليل الخاص فيكون شرط ذلك الأمر بنحو النتيجة بلا اشكال حيث يعمّه المؤمنون عند شروطهم و يثبت حصوله بالشرط ايضا و لا يحتاج إلى إنشائه استقلالا كما في ملكيّة المال بعوض. فإنّه لو كان المنشأ أمرا استقلالا يدخل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إذا اشترط في ضمن عقد كما إذا زوجت المرأة نفسها و على مهر و اشترطت على زوجها كون داره لها بإزاء المهر و قبله الزّوج فانّ المشروط لو لم يدخل بالشرط في عنوان البيع لعدم إنشاء مستقل فلا ريب في انه يعمّه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم.

و امّا إذا لم يكن في البين مثبت لذلك لعدم العموم أو الإطلاق في دليل اعتباره بحيث وصلت النوبة الى الأصل العملي فالأصل عدم تحقق ذلك الأمر بالشرط و نحوه و عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعمّه لأنه مخصّص بما إذا لم يكن الشرط مخالفا للشرع فيحرز بالأصل المستثنى نعم لو كان الفعل المشروط فعلا خارجيّا و شك في حرمته و حليته و جرى فيه أصالة الحلية يكون بالشرط في العقد واجب الوفاء لأن أصالة الحلية يخرجه عن كونه مخالفا للشرع. و قد أجاب (قده) فيما تقدم من كون التمسك بعموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 425

..........

______________________________

المؤمنون عند شروطهم في

المشكوك في حاجته الى سبب خاص أو انه يحصل بالشرط ايضا من التمسك بالعام في شبهته المصداقية بأن أصالة عدم مخالفة المشروط للكتاب أو السنة مدخلة المشكوك المزبور في المستثنى منه.

و ناقش في الجواب جملة من الأعلام منهم المحقق النائيني (قده) بان استصحاب عدم مخالفة الشرط لهما من استصحاب العدم الأزلي و هذا الاستصحاب لا يفيد في إثبات العدم المحمولي أي السالبة بانتفاء المحمول و ذكر النائيني (ره) في توجيهه انه إذا لم يكن الموضوع موجودا فعرضه لا يتصف بالوجود و لا بالعدم حيث يكون تقابل وجود العرض و عدمه من تقابل العدم و الملكة لا من تقابل الإيجاب و السلب نعم اتصاف المهيّة بالوجود و العدم بنفسها فلا يمكن اجتماعهما و لا ارتفاعهما و ما اشتهر في الألسنة بأنّ السالبة محصّلة صادقة بانتفاء الموضوع تارة و بعدم المحمول اخرى بخلاف القضيّة المعدولة فإنها تصدق مع وجود الموضوع خاصة من الاغلاط بل كل منهما يحتاج الى وجود الموضوع و انما الفرق بينهما ان المحمول في المعدولة عنوان بسيط يتنزع عن سلب المحمول عن موضوعه و إذا قيل ليس زيد بقائم يتنزع عنه عنوان لا قائم له و إذا كانت السالبة المحصلة لها حالة سابقه فلا يفيد استصحابها في إثبات ذلك العنوان البسيط.

و السر في جميع ذلك ان العرض له وجود واحد فيه اعتباران كونه موجودا و قيامه بمعروضه و كونه حالا فيه لا انه وجودان وجود في نفسه و وجود في غيره فانّ القيام بالموضوع لو كان وجودا آخر لكان له مهيّة و على ذلك فلا يكون مع عدم الموضوع اعتبار قيامه و عدم قيامه كما تقدم فقد تحصل انه لا مجال لاستصحاب عدم مخالفة

الشرط الكتاب و السنة نعم مع ذلك فيما إذا شك في صحّة الشرط و عدمها يمكن بقوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم الذي ليس فيه الاستثناء المزبور فإنّه ذكر أوّلا ان الشك في شرط ملكيّة عين غير تابعة لأحد العوضين ليس من أجل احتمال حاجة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 426

..........

______________________________

ملكيّتها الى سبب خاص كما هو الظاهر من المصنف و الا لما حصلت بالمصالحة فإنها إنشاء التراضي لا الملكيّة فالملكية يتعلق بها التراضي بل من أجل ان ملكية العين بالشرط لا تكون مجانا كما في الهبة و لا بالعوض كما في البيع و كان احتمال كونها لا مجانا و لا مع العوض مخالفا للكتاب و السنة من هذه الجهة لأن الشرط لا ينضم الى أحد العوضين و مع ذلك لا يكون التمليك مجانا.

و ذكر ثانيا ان عنوان مخالفة الكتاب عنوان انتزاعي عن الالتزامات التي مخالفة للكتاب و منافية للحكم المجعول في الشريعة و لو شك في موردان الحكم المجعول فيها ايضا مخالفا للالتزام المفروض يكون الشك من الشبهة الحكميّة و التخصيص الزائد و لا مساس بذلك بالشبهة المصداقيّة و على ذلك فلا يمكن التمسك في الالتزام المزبور بالعموم الوارد فيه الاستثناء لإجماله و يرجع الى العام الذي ليس فيه هذا الذيل.

أقول ما ذكر (قده) من عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بمنع كون القضية السالبة صادقة مع انتفاء الموضوع أو دعوى بعض آخر أنها و إن كانت صادقة مع انتفائه الّا استصحاب تلك القضيّة لا يثبت السالبة بانتفاء المحمول لا يمكن المساعدة عليهما لما تقدّم سابقا من انّ قيام العرض بمعروضه مقتضاه انّ العرض في وجوده يحتاج الى وجود الموضوع و

اما عدم العرض فيكفي فيه عدم وجود الموضوع. و بتعبير آخران العرض و ان لا يكون له وجودان كما أوضحه و ان العدم لا يكون طارئا لوجوده بل لنفس مهيّة العرض الّا ان مهيّة العرض لا يحتاج في عدمه الى وجود المعروض بل عند عدم المعروض كما يضاف العدم الى مهيّة المعروض كذلك يضاف الى مهيّة عرضه و إذا قيل ليس زيد بقائم يكون العدم مع انتفاء الموضوع مضافا الى زيد و الى عرضه و إذا وجد زيد و احتمل بقاء عدم عرضه على حاله فيستصحب و تصبح القضيّة المزبورة سالبة بانتفاء المحمول حيث ليس القضيّة السالبة بانتفاء المحمول الّا وجود المعروض و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

تحقق عرضه نعم إذا كانت القضيّة المعدولة ذات اثر فلا يفيد استصحاب السالبة في إثباتها لأن اتصاف المعروض بعدم عرضه أمر انتزاعي يلزم لسلب المحلول كما أوضحنا ذلك فيما تقدم.

هذا كله في جريان الاستصحاب في العدم الأزلي لترتيب الأثر المترتب على السالبة بانتفاء المحمول.

و أمّا في المقام فلا مجال لاستصحاب عدم مخالفة الشرط للكتاب و السنّة لأنّ المراد ان يكون المشروط امرا يخالف في تحقّقه ظاهر الكتاب و لو كان ذلك الظهور هو إطلاقه أو عمومه إذ إعطاء الضابطة لا يناسب غير ذلك بان يكون المراد منه المراد الواقعي من الكتاب أو السنة و هذه المخالفة لا يتصور لها مورد الشك لأن الأصل لا يعتبر في الشبهة الحكميّة إلّا بعد الفحص و بعد الفحص فيظهر المخالفة أو عدمها بل إذا شك في كون المشروط أمر غير ممضى في نفسه شرعا مع إحراز أن إمضائه أو عدمه لا يدل عليه الكتاب و السنّة

فلا يمكن التمسك بالعموم المزبور لان استصحاب عدم إمضائه يدخله في الاستثناء في قوله (ص) المسلمون عند شروطهم إلّا إذا كان محللا للحرام أو محرما للحلال بناء على ما تقدم من شمول المستثنى للحرام الوضعي المحرز بأصالة عدم الإمضاء كما لا يخفى.

ثم لا يخفى ما في قوله (قده) من أنّه لا يبعد لزوم الإنشاء المستقل في جميع الإيقاعات و انها لا تصح بالاشتراط في عقد فتدبّر.

بقي الكلام في أمرين الأوّل. انّ النّائيني (قده) جعل المقام أى كون الشرط مخالفا للكتاب و السنة. من الشبهة الحكمية الّتي تدخل في الشبهة المفهوميّة من المستثنى المتصل بخطاب العام و لذا يؤخذ فيه بالعام الّذي لم يرد فيه الاستثناء المزبور و لا يخفى ما فيه فان الشبهة في المقام و إن كانت حكميّة حيث ان الشك في كون المشروط ممضى أم لا الّا ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

الشبهة الحكميّة في المقام لا تدخل في الشبهة المفهوميّة فان منشأ الشك في المقام ليس سعة نفس معنى المستثنى الوارد في خطاب العام بل منشئه الشك في الخارج و ان الحكم المجعول للصدقة المشروطة بشرط النتيجة ما هو و دعوى انّ عنوان المخالفة عنوان انتزاعي ينتزع عن الشروط التي يخالف الحكم المستفاد من الكتاب كما ترى فإنّه لا يوجب ان يدخل المقام في الشبهة المفهومية بان لا يكون الشك في المنشأ الذي يحرز وجوده بالأصل كما تقدم.

و الحاصل كما لا تدخل المقام في الشبهة المفهومية لا تدخل في الشبهة المصداقيّة التي يكون الشك فيها ناشئا عن الخارج عن حكم الشارع و خطابه و نتيجة ذلك ان يجرى في المقام حكم الشبهة الحكمية فيلزم الفحص في الرجوع

الى الأصل العملي من غير ان يدخل في الشبهة المفهوميّة التي نتيجتها كما ذكره الرجوع في مورد الشك الى العام الذي لم يذكر فيه المخصّص المتصل.

لا يقال الرجوع الى العام المزبور لا يتوقف على كون الشبهة في المقام من الشبهة المفهوميّة بل يرجع اليه مع كون الشبهة حكمية مطلقا و لا تصل النوبة الى الأصل العملي فإنه يقال كلا انّما يرجع الى خطاب العام في الشبهة الحكميّة فيما إذا كان الشك في تخصيص زائد بأن يرجع اليه مع الشك في خروج أمر آخر بعنوان نفسه أو بخروج عنوان آخر يدخل فيه و ما نحن فيه ليس كذلك و لذا عدّ المقام من الشبهة المصداقيّة بالإضافة إلى خطاب العام و ان لم يكن من الشبهة المصداقية التي يكون منشأ الشّك فيها الخارج عن خطاب الشارع و حكمه و اللّٰه سبحانه هو العالم.

الأمر الثّاني- ان مقتضى عموم المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم بمعنى أوفوا بالشروط فيما كان المشروط أمرا وضعيّا انّه إذا كان نفس المشروط مما يحصل بغير الشرط من الإنشاء استقلالا أو تبعا يحصل بالشرط ايضا و انّه يكون حصوله بالشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 429

[شرط الفعل]
اشارة

و انما الخلاف و الاشكال في القسم الثاني (1).

______________________________

بنحو اللزوم كما هو ظاهر الوجوب الوفاء سواء كان اللزوم مفاده الاولى أو مستفادا من التكليف بالفعل المترتب على ذلك المشروط و إذا لم يكن المشروط مما يحصل بغير الشرط أصلا أو شك في حصوله بغيره أو كان يحصل بسبب خاص فلا مجال فيه للتمسك بعموم أوفوا بالشروط كما تقدم.

و إذا كان مما يحصل بغير الشرط كملكية عين بعوض أو مجانا فإنه يحصل بالشرط ايضا و يحكم

بلزومه معه و ان لم يكن مشروعيّته بغير الشرط بنحو اللزوم كما في شرط الوكالة في أمر في عقد آخر فإنّ الوكالة كالوصاية تحصل مع إنشائه مستقلا فكلّ إنشاء يستفاد منه الوكالة أو الوصاية محكوم با- لصحة مع جواز رجوع الموكل و الموصى فيهما و لكن مع حصولهما بالشرط يحكم بلزومهما فلا يكون رجوع الموكل أو الموصى موجبا لانتفاء الوكالة أو الوصاية المشروطتين في عقد بنحو الشرط النتيجة و ذلك فانّ ما دل على جواز الرجوع في الوكالة أو الوصاية لو لم يكن منصرفا الى ما إذا كان بإنشائهما مستقلا- فلا أقل من انّه لا يمكن الأخذ بإطلاق دليل الرجوع لأنّ ما دل على لزومهما بالشرط دلالته على لزومهما بالعنوان الثاني نعم إذا كان المشروط في نفسه مما لا يتحقق عرفا و لو بشرط النتيجة مع حصول أمر فيحكم بانتفائه بحصول ذلك الأمر و من هنا ينتهى الوكالة المشروطة بشرط النتيجة مع موت الموكل لا مع عزله فإن الوكالة عرفا النيابة عن الحي بخلاف الوصاية فإنها إعطاء ولاية التصرف للوصي و لذا لا تبطل بموت الموصى فيحكم بلزومها و لو مع كونها بشرط النتيجة.

(1) القسم الثاني ما إذا كان المشروط عملا سواء كان خارجيا كالخياطة أو اعتباريّا كالعقد و الإيقاع أى إنشائهما و يقع الكلام في هذا القسم في مسائل الاولى انّ المشهور على ان العمل المشروط يجب على المشروط عليه تكليفا كما يشهد لذلك ظاهر النبوي الوارد في عدّة روايات بعضها معتبرة سندا كما تقدّم و وجه الظهور انه إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

المشروط عملا فالوفاء به عبارة أخرى عن الإتيان به كما في وجوب الوفاء بالنذر

و الحلف.

لا يقال هذا فيما كان المشروط عملا خارجيّا و اما إذا كانت معاملة فظاهر الأمر بها الإرشاد إلى صحتها فإنّه يقال هذا فيما إذا كانت المعاملة بعنوانها الخاص متعلق الأمر كالأمر بالنكاح و غيره و امّا إذا كان بعنوان آخر كالوفاء بالنذر و الشرط فظاهر الأمر بهما كظاهر الأمر بالفعل الخارجي هو التكليف و أيّد (قده) التكليف في هذا القسم و ظهور النبوي فيه بما في ذيله في بعض الكتب الّا من عصى اللّٰه بناء على انّه استثناء من المشروط عليه لا من الشارط. و وجه التأييد ان ظاهر العصيان مخالفة التكليف بترك الواجب أو فعل الحرام و حمله على العصيان الوضعي أي بطلان الإلزام و الالتزام و عدم الأثر لهما خلاف الظاهر و لو كان الاستثناء راجعا الى المشروط عليه لكان مفاده انّ المشروط عليه فيما إذا كان عاصيا بالعمل المشروط لا يجب عليه ذلك العمل فيحكم ببطلان شرطه كما إذا كان المشروط عملا محرما في نفسه أو تركا للواجب و في غيره يجب العمل فيكون الاستثناء المزبور قرينة على وجوب الفعل.

و اما إذا كان راجعا الى الشارط فيكون عصيانه وضعيّا أى إرشادا إلى بطلان إلزامه حيث لا يناسب الإلزام و الالتزام الّا العصيان الوضعي كما إذا شرط على صاحبه امرا مخالفا للكتاب أو السنّة و لكن لا يخفى عدم ثبوت الاستثناء بالنقل المعتبر مع احتمال رجوعه الى الشارط و لكن ظهور النبوي في نفسه كاف.

و يشهد ايضا لوجوب الفعل على المشروط عليه موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر بن أبيه عن على (عليه السلام) كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فانّ المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرم حلالا أو

حلل حراما و في سندها غياث ابن كلوب الراوي عن إسحاق و قد وثقة الشيخ في العدة في ذكره بعض العامة الذّين عمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 431

هذا كله مضافا الى وجوب الوفاء بالعقد (1).

______________________________

الأصحاب برواياتهم فيما لم يعارضها رواية أصحابنا فراجع و دلالتها ايضا لا بأس بها فانّ ظاهر قوله عليه السلام فليف به هو التكليف فيما كان المشروط عملا و تعليل الأمر بالوفاء قرينة جليّة على عدم اختصاص الحكم بالشرط للمرأة في النكاح أو غيره.

و يدل على وجوب العمل بالمشروط في الجملة بعض الروايات كصحيحة أبي العباس عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة و يشترط ان لا يخرجها من بلدها قال يفي لها بذلك أو قال يلزمه ذلك و نحوها غيرها.

(1) مراده (قده) خطاب وجوب الوفاء بالعقد كما يقتضي العمل بأصل العقد كذلك يقتضي لزوم العمل بالشرط بعد كون الشرط كالجزء من العوضين أقول قد تقدم سابقا ان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في مثل البيع من المعاملات إرشاد إلى لزومها فمع شرط الفعل و الحكم بصحّة شرطه يخرج المعاملة عن اللّزوم و الخطاب المزبور حيث يكون البيع خياريّا مع عدم تحقق ذلك الفعل أضف الى ذلك انّ الشرط لا ينضم الى أحد العوضين كما مر تفصيله فلا نعيد نعم يمكن ان يدعى ان الشرط في نفسه عهد مشدود فيعمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بما ان المشروط في الفرض عمل فلا بأس بكون وجوب الوفاء به كما هو ظاهر الأمر بالعمل تكليفا.

بل يمكن تقريب التمسك بوجه آخر يأتي في تقريب عدم ثبوت الخيار للمشروط مع التمكن على إجبار الممتنع فانتظر.

و عن الشهيد (قده) أنه لا يجب على

المشروط عليه الفعل و انّما فائدة شرطه تزلزل العقد و عدم لزومه على المشروطة له و يظهر دليله على ذلك من التفصيل الّذي حكى الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته حيث قال إذا كان المشروط ما يحصل بنفس الاشتراط في العقد كاشتراط الوكالة يكون الشرط لازما لان المفروض تحقق العقد المكفي في تحقق المشروط و امّا إذا لم يحصل المشروط بنفس العقد و تمامه بل يحتاج في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 432

..........

______________________________

تحققه إلى صيغة بعده كاشتراط العتق فلا- يلزم الشرط و انّما يقلب العقد اللازم جائزا لأن الفعل المزبور ممكن فالعقد المعلّق على الممكن يكون ممكنا و قال في الروضة بعد حكاية ذلك انّ الأقوى اللزوم مطلقا و ان كان ما ذكره من التفصيل اولى مما ذكره في اللمعة من إطلاق عدم لزوم الشرط انتهى.

و ذكر المصنف (ره) في الإيراد على كلام الروضة بأن شرط أمر بنحو شرط النتيجة خارج عن مورد الكلام و المحكي عن الشهيد نفى وجوب الفعل المشروط مطلقا فلا يصح جعله مقابلا لما ذكر في اللمعة. نعم كلامه في اللمعة أعم من جهة أخرى و هو انّ الفعل المشروط يوجب تزلزل العقد بمعنى ثبوت الخيار للمشروط له سواء كان عدم تحقق ذلك الفعل لتركه أو تعذّره حيث ان المراد من قوله و كذا كل شرط لم يسلم لمشترطه هو التعذر.

و الحاصل لا خلاف في لزوم ترتيب آثار المشروط فيما إذا كان أمرا اعتباريّا قد أخذ في العقد بنحو شرط النتيجة و انّه يجبر الممتنع عن ترتيب الآثار على الترتيب كما هو مقتضى تحقق المشروط و لزومه و الكلام فعلا في القسم الثاني فإن المشروط فيه فعل يصح

تعلق الوجوب به بخلاف شرط النتيجة فإنّه غير قابل للتكليف و هذا ظاهر.

أقول ما ذكر في الروضة من الوجه لعدم الوجوب موهوم فان العقد لا يكون معلقا على الممكن اى الفعل بل على الالتزام بذلك الفعل و الالتزام قد حصل من حين إنشاء العقد هذا أولا و ثانيا على تقدير الإغماض عن ذلك بتسليم التعليق المزبور و الالتزام بعدم إيجابه بطلان العقد ان ما ذكر يمنع عن وجوب الفعل بالتمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لكن لا يمنع وجوبه أخذا بقوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به الى غير ذلك فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 433

..........

______________________________

أضف الى ذلك انه على تقدير التعليق المزبور يكون نتيجة عدم حصول الفعل المشروط بطلان العقد لا كونه خياريّا.

و يبقى الكلام في ان ما يذكر من الأحكام لشرط الفعل و منه وجوب الإتيان يختص بما إذا كان شرطه في ضمن عقد لازم أو يعم ما ذا كان في ضمن عقد جائز سواء كان جوازه من الطرفين كالوكالة و الشركة و المضاربة أم من طرف واحد كالّرهن فقد يقال ان الشرط في ضمن عقد جائز لا اثر له فان العقد في نفسه لا يجب الوفاء به فكيف يجب الوفاء بالشرط و عن صاحب الجواهر (قده) ان عموم المؤمنون عند شروطهم لا يقتضي وجوب الفعل المشروط و أنّما يدل على صحّة الشرط و وجوبه مستفاد من عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إذا كان العقد جائزا فلا يكون في البين استفادة و يستدل أيضا بأنّه إذا كان شرط الفعل في عقد جائز لازما للزم شرط الغاية و سائر الأمر الاعتباري في ضمنه ايضا

مع ان ظاهر الأصحاب التسالم بعدم لزوم شرط الغاية و الأمر الاعتباري كما إذا شرط في ضمن عقد الوكالة أو الشركة أو المضاربة الأجل أو غيره من الأمور الاعتباريّة.

أقول الأظهر عدم الفرق في شرط الفعل بين العقد اللازم و الجائز حتى ما إذا كان جائزا من الطرفين فان قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به فان المسلمين عند شروطهم يعم ما إذا كان الشرط لها في ضمن عقد النكاح أو غيره لازما أو جائزا نعم الشرط في العقد اللازم يفترق عن الشرط في العقد الجائز في جهة أخرى و هي انّ الشرط في العقد الجائز يرتفع عنوانه بفسخ العقد و لا يكون بعده معنونا بعنوان الشرط حيث انه الالتزام المرتبط لا الالتزام الابتدائي ففي فرض فسخ العقد من أحدهما أو ممن يكون جواز العقد من طرفه فلا يجب الوفاء بالشرط لانتفاء الشرط لا لارتفاع حكمه مع بقاء موضوعه بل يجرى ذلك في العقد اللازم ايضا فيما إذا فسخ بإقالة أو خيار فسخ و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

بكلمة أخرى وجوب الوفاء ما دام الفعل مصداق الشرط و يرتفع بارتفاع عنوانه.

و امّا دعوى التسالم على عدم لزوم شرط الغاية و الأمر الاعتباري في ضمن العقد الجائز فلا يمكن المساعدة عليها فان اشتراط الأجل في ضمن عقد الشركة أو المضاربة بمعنى لزومها الى تلك المدة محكوم بالفساد لمخالفة شرط اللزوم في المدة المعينة أو الى الأبد فيهما للسنة الدالّة على جوازهما حكما و لذا لو اشترط لزومها في عقد لازم يحكم ايضا بالفساد نعم إذا كان نفس الشركة أو المضاربة شرطا في ضمن عقد لازم لحكم بلزومها بلزوم ذلك العقد

و لا ينافيه ما دل على جوازهما كما ذكرنا سابقا في شرط الوكالة في ضمن عقد لازم آخر.

و مما ذكر يظهر انّه لو كان المشروط في ضمن عقد جائز عدم فسخه أو شرط عدم فسخه في ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل يحكم بصحته لعدم كونه مخالفا للسنّة و لو فسخه بعد هذا الاشتراط صح الفسخ و ان فعل حراما لأن وجوب الوفاء تكليفا لا يقتضي فساد الفسخ فإنه من قبيل المعاملة كما لا يخفى.

و قد ظهر مما ذكر ايضا انحلال شرط الغاية في العقد الجائز بانحلال نفس العقد فلا يترتب على الغاية بعد ذلك حكم لا لارتفاع حكمه بل بارتفاع نفس الغاية التي كانت معنونة بعنوان الشرط بل العقد على ما تقدّم لا يقال إذا كان الشرط نتيجة الإيقاع كما إذا اعطى المال مضاربة على ان يسقط الدين الذي كان له على العامل و قبلها العامل فان بقبوله يسقط الدين عن عهدته و إذا فسخ ربّ المال أو العامل المضاربة بعد ذلك فكيف يعود الدين على عهدة العامل مع ان الزائل لا يعود.

فإنّه لا مانع عن عوده نظير ما إذا أباع متاعه بدين للمشتري على عهدته ثم فسخ البيع بإقالة أو خيار فإنه لا- ينبغي الريب في عود الثمن اى الدّين إلى عهدة البائع و بتعبير آخر مقتضى فسخ العقد انحلال الشرط الّذي كان من قبيل شرط النتيجة سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 435

[الثانية في انّه لو قلنا بوجوب الفعل به]

الثانية في انّه لو قلنا بوجوب الفعل به (1).

______________________________

كانت من نتيجة العقد أو الإيقاع و عدم العود في الإيقاعات و غيرها للزوم الشرط بقاء و إذا زال الشرط عاد الساقط سابقا و من ذلك ما

لو اشترى حيوانا ثم اشترى من بايع الحيوان متاعا آخر على ان يسقط خياره الحيوان في الشراء الأوّل ثم فسخ الشراء الثاني بإقالة أو خيار فانّ خيار الحيوان الساقط في شرائه يعود فتدّبر جيّدا.

(1) ذكره (قده) انه بعد البناء على وجوب الفعل على المشروط عليه يجبر بذلك الفعل على تقدير امتناعه عنه أم يثبت الخيار للمشروط له بمجرد امتناعه فعن جماعة انه يجبر بالفعل و مع عدم إمكانه فيثبت الخيار للمشروط له و لكن ظاهر العلامة في التحرير خلافه و انه لا يجبر على الفعل حيث قال فيه ان الشرط فيما تعلق بمشروط فيه صلاح المتعاقدين كاشتراط الأجل في الثمن أو الخيار أو باع متاعه بكذا على شرط الشهادة بأن يحضر الشاهدين ليشهدا بأنّ المتاع المزبور لبائعه أو على شرط التضمين بان يضمن ثالث للمشتري درك المبيع و انه لو ظهر ملك الغير لكان على ذلك الثالث ضمان الثمن للمشتري أو باع متاعه بثمن مؤجل على ان يعطى المشتري الرهن لذلك الثمن أو اشترطا وصفا في المبيع كالكتابة جاز و لزم الوفاء به ثم قال لو باع العبد على شرط عتقه فإن أعتقه المشتري فلا كلام و ان لم يعتقه فهل يجبر المشترى بعتقه الأقرب عدم الإجبار.

و قال الشهيد في الدروس ان في إجبار المشروط عليه بالفعل اشكال و قال في التذكرة أوّلا انه لا يجبر المشروط عليه بالفعل فيما كان الفعل المزبور حقا لآدمي كاشتراط الرهن للثمن المؤجّل أو الكفيل له و ان كان من حقوق اللّٰه كالعتق على وجه يجبر عليه ثم ذكرا خيرا أنّه يجبر بالفعل حتى في حقوق الناس نظير ما إذا باع متاعه بثمن حال فأهمل في تسليم الثمن فإنه

يجبر بالتسليم مع انه تسليمه من حق الناس.

ثم قال (قده) انه يمكن ان ينسب القول بوجوب الفعل على المشروط عليه مع عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 436

..........

______________________________

إجباره عليه الى كل من استدل على صحة الشرط بعموم المؤمنون عند شروطهم و مع ذلك التزم بعدم الإجبار و وجه النسبة ان ظاهر المؤمنون عند شروطهم في نفسه في وجوب الفعل المشروط و كذا ظهوره فيه بقرينة خارجيّة كقوله عليه السلام في موثقة إسحاق ابن عمار فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم ممّا لا ينبغي الريب فيه بل لا معنى لصحّة شرط الفعل عند من لا يرى بطلان العقد بالشرط الفساد كالشيخ و اتباعه إلّا وجوب الفعل المشروط لان استحباب الفعل لا ينافي بطلان الشرط لان الشرط الفاسد يدخل في الوعد و الوفاء بالوعد مستحب فلا يمكن للمستدل بالصّحة الالتزام بان الفعل المشروط يستحب الإتيان به و لا يجب. أقول لا يمكن هذا النسبة حيث يمكن ان يكون معنى صحّة شرط الفعل عند المستدل بعموم المؤمنون عند شروطهم ترتّب الخيار للمشروط له على تقدير عدم الفعل فيكون فساد الشرط بمعنى عدم ترتب هذا الخيار كما لا يخفى.

أقول الأظهر في المقام جواز الإجبار بالفعل لان التزام المشروط عليه بالفعل في ارتكاز المتعاملين يكون بنحو الحق للمشروط له و لذا لا يجب الفعل مع رفع يده عن شرطه فيكون إجباره بالفعل كإجبار الأجير على العمل و ان كان بينهما فرق من جهة أخرى و هي كون الفعل ملكا للمستأجر و لا يدخل في الملك في الاشتراط و ما عن السيد اليزدي (قده) من إمكان الالتزام بدخول الفعل المشروط في ملك الشارط فيما كان نفعه

عائدا إليه كخياطة ثوبه لا يمكن المساعدة عليه فان الفعل لا يدخل في ملك الشارط ضرورة عدم الفرق في شرط الخياطة أو إعطاء الدرهم و العتق مع انه على الملك يلزم مطالبة المشروط عليه بقيمة الفعل مع فوته نظير الفوت في باب الإجارة و نظير الإجبار على الفعل الإجبار على تسليم الثمن أو المبيع و لكن جواز الإجبار يجتمع مع خيار الفسخ لأن الخيار المترتب على ترك الفعل خيار جعلي من المتعاقدين و المجعول في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 437

و قد يتوهم انّ ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا (1).

______________________________

ارتكازهما من الخيار يعم حال التمكن على الإجبار.

نعم مع الإغماض عن عموم الارتكاز و الالتزام بان الخيار في المقام مستفاد من قاعدة نفى الضرر فمقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في فرض التمكن على إجبار المشروط عليه لزوم العقد و عدم كونه خياريّا.

و مراد المصنف في الاستدلال على جواز الإجبار بعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط كون الوجوب المستفاد منها في المقام حقا نظير وجوب تسليم العوضين لا ان مجرد وجوب شي ء على أحد يقتضي جواز إجباره عليه و قوله ان المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه أى استحقه عليه شاهد لكون الوجوب في المقام حقا لا حكما و ليس المراد الملك في باب الإجارة كما يأتي الإشارة الى ذلك في ذيل كلامه في المسألة الثالثة.

(1) و قد يتوهم ان ظاهر الشرط هو الفعل اختيارا و عليه فلا يكون لإجباره مورد و أجاب المصنف (قده) بان المستفاد من الشرط انه إذا فعله المشروط عليه و لو بالإجبار حصل المشروط و لا يكون للبائع خيار تخلف الشرط نعم إذا قيّد في- العقد

كون المشروط الفعل باختياره و بطيب نفسه لما كان في البين جواز الإجبار بل كان للبائع مع امتناعه خيار تخلّف الشرط.

و ذكر الإيرواني نعم التوهم المزبور و قال في وجه تحسينه ان المراد بالإجبار امّا لإكراه أو فعل ما يوجب صدور الفعل و لو بلا ارادة من المشروط عليه أو تصدى الحاكم بالفعل المزبور فيما كان من الاعتباريات الصالحة للوكالة و صدورها بالولاية و على ذلك فليس المراد بالإجبار المعنى الثالث فإنّه لا يعد إجبارا و كذا لا يمكن الالتزام بالثاني فإنّ الالتزام يتعلّق بالفعل الاختياري و لا يعمّه بان يلتزم بالأعم من فعل نفسه و الفعل غير الاختياري و امّا المعنى الأوّل فلا يمكن الالتزام بجوازه لظهور الشرط في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

التزام المشروط عليه بالفعل بلا مؤنة خارجية فالإكراه إلزام و مؤنة خارجيّة فيكون الإكراه ظلما و عدوانا على المشروط عليه و لكن لا يخفى أنه لا موجب للانصراف في اشتراط الفعل فالالتزام يتعلق بما يتعلّق به التكليف في باب الأمر و الطلب و كما يكره الشخص على الإتيان به من باب الأمر بالمعروف كذلك في الالتزام بالفعل و شرطه مع ان ما ذكر من عدم إمكان الالتزام بالجامع بين المقدور و غيره فيه كلام فإنّه لو كان الإطلاق بمعنى رفض القيد لا الجمع بين القيود فلا موجب لا متاعه كما لا يخفى.

ذكر قده في هذه المسألة جواز الإجبار على الفعل مع ثبوت الخيار للبائع و ذكر في وجهه ان امتناع المشروط عليه عن الوفاء رضاء منه بفسخ البيع و إذا رضى البائع بفسخه بترك إجباره المشروط عليه يكون فسخه داخلا في الإقالة.

ثم ذكر الفرق بين امتناع

المشروط عليه عن الفعل و بين امتناع المتعاقدين عن تسليم العوض فإنه يجبر على التسليم في الثاني و مع إمكانه لا يكون للآخر خيار بخلاف صورة الامتناع عن الفعل المشروط عليه فإنه يجوز المشروط له الفسخ و لو مع إمكان الإجبار و الفارق ان العوض قد دخل في ملك العاقد الآخر فلا يخرج عن ملكه بامتناع الآخر عن تسليمه بخلاف الفعل المشروط فإنّه كالاعتاق لا يكون ملكا للآخر فإذا امتنع المشروط عليه فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له ايضا نقضه و فيه انّ الفعل قد صار بالاشتراط حقا للمشروط له على المشروط عليه و مجرد امتناع المشروط عليه لا يوجب سقوط هذا الحق كما لا يكون رضا بالفسخ ليكون فسخ الآخر معه بعنوان الإقالة و لعلّة الى ذلك أشار بأمره بالتأمّل و الحاصل انّ العمدة في ثبوت الخيار مع ترك التسليم هو الشرط الارتكازي فيجتمع- الخيار مع جواز الإجبار فتدبّر.

و اما ما ذكر (قده) في وجه ثبوت الخيار مع عدم التمكن على الإجبار فقط من انّ الاختصاص مقتضى قاعدة نفى الضرر و لا ضرر مع التمكن على الإجبار فيكون مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 439

[الثالثة هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار]

هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار (1).

______________________________

وجوب الوفاء بالعقود لزومه مع التمكن على الإجبار ففيه ان اللزوم في العقد لا يكون ضرريّا دائما و لو مع عدم التمكن على الإجبار أيضا كما إذا باع المال بثمن يساوي قيمة السوقية فإن تضرر الشارط بترك المشروط عليه العمل بالشرط حاصل سواء فسخ البيع أم لا و فيما إذا باع يا لأقل من قيمته السوقية يكون نفي اللزوم تداركا للضرر و اما الضرر فهو ناش من

صحة البيع المزبور في فرض عدم عمل المشروط عليه بالشرط كما لا يخفى.

(1) كل ما ذكر في المسألة الثالثة تعرضّنا لها في المسألة الثانية و يبقى أمر واحد لم يسبق التعرض له و هو انّه للحاكم إيقاع الفعل المشروط فيما إذا كان من الإنشائيات مع امتناع المشروط عليه عن التصدي و مطالبة الشارط به بلا فرق بين القول بان الخيار يثبت للمشروط له حتى مع تمكنه على الإجبار أو قيل بأنّ الخيار لا يثبت مع تمكنه و ما في كلام المصنف (ره) من انّ الكلام في جواز إيقاع الحاكم مبنى على المختار من عدم الخيار مع التمكن على الإجبار لا يمكن المساعدة عليه كما يشهد بذلك الاستدلال على جواز تصدّى الحاكم بعموم ولاية السلطان على الممتنع من أداء مال الغير أو حقّه.

و لكن ناقش في الاستدلال النائيني (ره) بما توضيحه انّ الولاية للحاكم تثبت مع عدم حياة المولى عليه كما إذا لم يكن للميت وصيّا أو مع عدم حضوره كالولاية على الغائب أو مع صغر المولى عليه أو جنونه على تفصيل مذكور في محله و المشروط عليه في المقام لا يدخل في شي ء من العناوين و لا دليل على ولاية الحاكم في غيرها.

أقول إذا فرض الزوج ممتنعا عن الإنفاق على زوجته أو الأب على أولاده فلا ينبغي الريب في جواز تصدّى الحاكم للإنفاق بمال الزّوج أو الأب مع انهما لا يدخلان في شي ء من العناوين المزبورة و الحاصل الفرق بين تصدى الحاكم فيما إذا كان العمل من آثار شرط النتيجة و بين كون المشروط نفس العمل يحتاج الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

التوضيح.

و امّا أشار إليه المصنف (ره) فلا نعرفه.

نعم نقل السلطان ولّى لمن لا ولّى له على ما اشتهر في بعض الألسنة و لكن لا يعم شرط الفعل و لا العمل المترتب على الأمر الوضعي فإن عمل السلطان في الفرضين مع امتناع الشخص ولاية عليه لا له كما لا يخفى أضف الى ذلك عدم ثبوته بنقل معتبر نعم الحكام و القضاة في زمان الأئمّة عليهم السلام كان لهم الولاية باستيفاء الحقوق قضاء أو عملا بحسب نصبهم و لكن الروايات الواردة في المراجعة إلى قضاة العدل و العاملين بالأحكام و عدم جواز الرجوع الى الحكّام و قضاة الجور يمكن دعوى عدم عمومها للمراجعة للاستيفاء عملا للقرينة العامة على عدم بسط يدهم في ذلك الزمان و كون الرجوع إليهم كان لرفع المنازعة و قطع المخاصمة في الحكم أو موضوعه كما هو المفروض في تلك الروايات.

و مع ذلك قد يقال الدليل على وجوب التصدي للقضاء على نحو الواجب الكفائي يجري في التصدي لاستيفاء الحقوق و أخذ حقوق بعضهم من بعض آخر عملا حفظا للنظام و يتعين المراجعة إلى المتصدي فيما كان في استيفاء ذي الحق حقه بالمباشرة محذور و من الظاهر انّ المتيقن من المتصدي الحاكم العدل و المأذون من قبله و بما انه ليس في البين خطاب لفظي يؤخذ به في إثبات الولاية للمتصدي على الإطلاق فيؤخذ بالقدر اليقين فلا يحكم بنفوذ تصرف المتصدي مع إمكان إجبار من عليه الحق على أداء ما عليه من حقّ الغير لأنّه يجوز إجبار المتصدي من عليه الحق تأديبا و منعا عن المنكر كما هو مقتضى لزوم حفظ النظام و اما مباشرة المتصدي بالاستيفاء مع إمكان الإجبار كما إذا أعتق العبد الّذي باعه على ان يعتقه المشتري أو باع

ماله للإنفاق إمكان إجباره على الإنفاق بنفسه فالأصل عدم نفوذ ذلك العتق و عدم صحة البيع المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 441

[الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط الّا الخيار]

الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط الّا الخيار (1).

______________________________

نعم مع عدم إمكان الإجبار للفرار و نحوه يكون محكوما بالصّحة و من هنا يظهر الحال في إعطاء الحاكم الأجرة من مال المشترى على الخياطة المشروطة عليه مع امتناع المشترى عن الخياطة فإنّه يجوز مع عدم إمكان الإجبار لا مع إمكانه.

هذا فيما إذا كان العمل المشروط عليه الطبيعي لا العمل المباشري كما إذا باع المال و اشترط على المشترى ان لا يترك ما عليه من الفرائض اليوميّة فإنه مع عدم التمكن على إجباره بالعمل و الإتيان بفرائضه لا يكون مورد لتصدى الحاكم فتدبّر.

(1) ذكره (قده) في تعذر الشرط فرضين الأول ما إذا كان الفعل المشروط ما لا ماليّة له كاشتراط العتق و التدبير الثاني ما إذا كان الفعل له مالية كخياطة الثوب و صبغه.

و ذكر في القسم الأول انه يثبت للمشروط له خيار الفسخ و لا يجوز له المطالبة بالأرش و علّل ذلك بأنّ الشرط لا يكون جزءا من أحد العوضين بل يكون تقييدا لأحدهما و التقييد أمر معنوي أي ليس جزءا لا يقابل بالمال في المعاملة و إذا باع العبد بمأة على ان يعتقه فقد قيّد المبيع بالعتق بعد العقد فيكون التقييد المزبور كسائر الأوصاف في المبيع في انّه لا يقابل بشي ء من الثمن بل يكون كالوصف مما تزيد و تنقص به قيمة الشي ء و الأرش في مورد خيار العيب ثبت بالنّص لا انه على القاعدة.

و عن ظاهر العلّامة ثبوت الأرش في المقام و تبعه الصيمري في مسألة بيع العبد

و اشتراط تدبيره حيث قال لو امتنع المشترى عن تدبيره تخيّر البائع بين فسخ البيع أو الإمضاء و الرجوع الى تفاوت قيمه العبد مشروطا تدبيره و بيعه مطلقا بل يظهر من الصيمري جواز المطالبة بالأرش بمجرد امتناع المشترى عن العمل بالشرط و عدم تعذّره و حيث لا يمكن ان يكون المراد الرجوع بتمام التفاوت كما إذا باع الثوب مع اشتراط خياطته بمأة و كانت قيمته بدون الشرط المزبور مأتين فإنّه لا يمكن الالتزام بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 442

..........

______________________________

الرجوع الى تمام المأة لأنّ للشرط جزءا و قسطا من الثمن يكون المراد من الأرش نسبة التفاوت لا تمامه.

و ذكر (قده) في القسم الثاني أيضا تخيّر المشروط بين الفسخ و الإمضاء مجانا و انه لا يجوز له المطالبة ببدل الفعل المشروط أي أجرة المثل و ان كان يحتمل استحقاقها كما ذهب إليه العلّامة في التذكرة حيث قال أنّ الشرط اى المشروط ان كان مما يتقوّم كما شرط صبغ الثوب و تسليمه مصبوغا و تلف الثوب بيد المشترى قبل صبغه يكون للمشتري المطالبة بقيمة الفائت و ان لم يكن المشروط مما يتقوم تخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجانا و مراده مما يتقوّم ما كان للمشروط ماليّة في نفسه لا ما يزيد و ينقص به قيمة الشي ء كالوصف فيعم بيع العبد و اشتراط ماله و لكن الاحتمال أي المطالبة بأجرة المثل ضعيف لأن الثمن في المعاملة يقع بإزاء نفس المبيع و لا يتضّم المشروط الى أحد العوضين و لذا لا يجرى على المشروط حكمهما و لو كان المشروط كالثمن من أحد النقدين كما إذا باع العبد مع اشتراط ماله الّذي من أحد النقدين بالثمن

من النقود لا يعتبر التقابض في المجلس و لو كان مال العبد منضما الى المبيع لزم التقابض بالإضافة اليه و عوضه نعم يجرى على بعض الشروط و هو شرط الكم حكم الجزء في تقسيط الثمن و يأتي الكلام فيه في الأمر السابع.

و ذكر السيد اليزدي (قده) في المقام كلاما طويلا و ملخصه أن للمعاملة مقامين مقام الإنشاء و مقام اللّب و المشروط في مقام الإنشاء لا يدخل في أحد العوضين بل تجري المعاملة إنشاء على نفس المالين و لكنه في مقام اللب يدخل في أحد العوضين حتى في شروط الأوصاف و حيث لا يدخل المشروط وصفا كان أو غيره في أحدهما و لا يقابل في الإنشاء بشي ء لا يكون فقد الوصف أو تعذر الشرط حال العقد موجبا لانحلال البيع بل يجوز لمن تخلف عليه الشرط أخذ صاحبه بالمعاملة في مقام اللّب بان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 443

..........

______________________________

يطالب مع عدم فسخها باسترداد ما وقع بإزاء المشروط في مقام اللب بخلاف الجزء حيث انه في مقام الإنشاء أيضا داخل في أحد العوضين و لذا يكون فقده موجبا للانحلال المعاملة إنشاء ايضا بالإضافة إليه.

هذا كلّه من غير فرق بين شرط الفعل و الوصف و سواء كان الفعل مما يتقوم في نفسه كخياطة الثوب و صبغه أو لم يكن مما يتقوم كعتق العبد و اشتراط بيع المال و لكن مع التعذر من حال العقد في الفعل المتقوم في نفسه لا يكون شرطه محكوما بالصّحة لعدم تمكن المشروط عليه فلا يدخل الفعل في ملك المشترط و بناء على القول بأنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد يكون للمشروط له الفسخ و إمضاء العقد مجانا أو مع

المطالبة بالأرش كما ذكر العلامة و امّا إذا كان المشروط مما له قيمة و كان التعذر طارئا بعد العقد ففي مثل ذلك يكون الفعل مملوكا على عهدة المشروط عليه فالشارط المطالبة ببدل ذلك الفعل لتلفه عليه في ضمان الغير الّا ان يقال ان تعذر الفعل كالتلف قبل القبض يوجب انحلال الملك بالإضافة إلى الفعل و لا يكون للمشروط الّا المطالبة بالأرش كما في صورة التعذر من الأوّل و على ذلك فلا يكون الأرش في خيار العيب أمرا تعبدّيا نعم لا يجوز إجبار المشروط عليه بالأرش حيث يجوز له ان يقول بأنك إذا أردت الأرش أفسخ المعاملة لوقوع الثمن في المعاملة إنشاء بإزاء نفس العين نعم في خيار العيب يجوز الإجبار على الأرش كما هو ظاهر الروايات و الأرش فيه من هذا الجهة يكون امرا تعبدّيا.

أقول المعاملة لكونها من الإنشائيّات فليس لها واقع غير الإنشاء و بتعبير آخر ليس للبيع غير ما يعتبره المتعاقدين بحسب إنشائهما و ابرازهما و ليس البيع الّا تمليك أحد المالين بإزاء الآخر و تملّكه بإزائه و قد ذكرنا ان شرط الوصف فيما كان موصوفه عينا خارجيّة أو كالعين الخارجيّة كالكلي في المعين لا يمكن ان يكون قيدا اى تضييقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 444

[الخامسة لو تعذّر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه]

لو تعذّر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه (1).

______________________________

لا لأحد العوضين و لا لنفس البيع فان تضيّق البيع بالشرط بمعناه المصدري و تعليق البيع على الالتزام أمر حاصل.

و اما تعليقه على الشرط بمعنى المشروط فلا لأنّ تعليقه به يوجب التعليق المبطل فحسب بل لأنّ العقد في بناء المتعاقدين و اعتبار العقلاء لا يكون معلقا على حصوله حتى في الموارد

الّتي يكون المشروط امرا وضعيّا كالخيار و اشتراط الوكالة فضلا عما يكون من الأفعال الخارجيّة و لذا لو حكم بفساد الأمر الوضعي لبطلان شرطه فلا يحكم بفساد البيع.

و اما عدم كون المشروط قيدا لأحد العوضين فلان الثمن في اعتبارهم يقع بإزاء نفس المبيع و المبيع بإزاء نفس الثمن و انما يكون الشرط وصفا كان أو غيره داعيا إلى زيادة الثمن أو نقصه و كذا لا ينضم نفس الشرط بمعنى الالتزام لأحد العوضين لانّ الالتزام بنفسه لا يدخل في ملك الآخر و ليس له مالية و البيع تمليك بالعوض و على ذلك فلا شي ء في المعاملات مع تعذّر الشرط وصفا كان أو غيره الّا ثبوت الخيار حيث لا معنى للالتزام بالوصف الّا اعتبار الخيار على تقدير فقده كما لا معنى لاشتراط الفعل الّا ثبوت الالتزام الحقي بالإضافة إلى الفعل و ثبوت الخيار مع عدم تحققه للتعذّر أو غيره و إذا كان الفعل متعذّرا حال العقد أو طرء فيما بعد ذلك يثبت الخيار و ليس الفعل فيما يتقوم ملكا للمشروط له لأنّ المشروط عليه لم يملكه بل التزام به نظير التزامه في مورد النذر و الحلف غاية الأمر ان الملتزم له في النذر هو اللّٰه سبحانه و في الشرط في المعاملة هو المشروط له كما تقدم.

نعم قد تقدم ان للمشروط له إلزام المشروط عليه بالفعل مع التمكن على الإجبار و لا ينافي ذلك ثبوت الخيار معه.

(1) مراده (قده) انه لو لم تبق العين المنتقلة إلى المشروط عليه في ملكه لتلفها أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

ان المشروط عليه نقلها الى الغير أو بقي تلك العين في ملكه و لكن تعلّق بها حق

الغير كما إذا رهنها أو استولدها و فرض ان الفعل المشروط عليه قد تعذّر كتلف الثوب الّذي اشترط عليه خياطة فلا تكون عدم بقاء العين المنتقلة إلى المشروط عليه أو نقلها أو تعلق حقّ الغير بها مانعا عن فسخ المشروط له البيع الأوّل لتعذّر الشرط و إذا فسخ فهل يرجع ببدل المبيع مطلقا أو مع بقائها و فسخه نقل المشروط عليه أو رهنه من أصله أو من حين فسخ البيع وجوه يأتي الكلام فيها و ان الصحيح منها هو الرجوع الى البدل جمعا بين الخيار الثابت للمشروط بتعذّر شرطه و بين ما دل على نفوذ نقل مالك العين أو رهنه حيث ان التصرفات من المشروط عليه حلت زمان مالكيّته.

هذا كلّه فيما لم يكن تصرّف المشروط عليه في العين المبيعة منافيا لعمله بالشرط كما فرضنا ان الشرط في البيع كانت خياطة ثوب مخصوص آخر و أمّا إذا كان تصرفه منافيا للعمل بالشرط كما إذا باع العين منه على ان تجعلها المشترى وقفا على البائع و أولاده و بعد البيع باعها المشترى من ثالث فيكون البيع الثاني منافيا للعمل بالشرط.

و في الفرض هل يحكم بصحّة البيع الثاني مطلقا اى بلا حاجة الى إذن المشروط له و إجارته أو مع اذنه و إجازته أو يبطل مطلقا أى لا يفيد في صحّة البيع الثاني إذن المشروط و أجازته حيث ان البيع الثاني لا يكون من قبيل البيع فضولا ليصح بإجازة مالك المبيع وجوه خيرها عند المصنف (ره) صحته باذن المشروط له أو إجازته.

و هذا بناء على ان للمشروط له إجبار المشروط عليه بالشرط فإنّ صحّة التصرفات تنافي حق المشروط له في تلك العين و اما بناء على عدم جواز

الإجبار فيصح التصرف المنافي و لكن إذا فسخ المشروط له البيع الأول فهل يبطل التصرفات المزبورة من أصلها و من حين فسخ البيع الأول أولا تبطل أصلا بل يرجع المشروط الى بدل العين مثلا أو قيمة لأن التصرفات المزبورة من تلف العين حقيقة أو حكما و عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 446

..........

______________________________

العلامة في التذكرة تفصيل رابع و هو التفصيل في التّصرف المنافي بين العتق و غيره فان كان التصرف المنافي عتقا فيصح مطلقا لبناء العتق على التغليب و ان كان غير العتق فيبطل بفسخ البيع الأوّل و على ذلك ففي فرض العتق لو فسخ المشروط له البيع الأوّل فيرجع الى المشروط عليه بقيمة العبد المبيع فقد اختار هذا التفصيل الشهيد الثاني أيضا في الروضة أقول قد تقدم سابقا انّ الخيار حقّ لذي الخيار يتعلّق بالعقد لا بالعين المنتقلة الى من اشترط عليه الخيار فشرط الفعل بالإضافة إلى ثبوت الخيار ليس حقا في العين المزبورة و امّا بالإضافة إلى الفعل فأيضا كذلك فانّ شرطه لا يوجب الّا استحقاق المشروط له نفس الفعل بنحو الحق لا بنحو الملك و لا بالتكليف المحض.

و المراد باستحقاق الفعل بنحو الحق انّ وجوبه على المشروط عليه مع عدم رفع المشروط له يده عنه بان يطالبه لا ان يسقطه عن عهدة المشروط عليه و لكن العين التي يتعلّق بها الفعل فهي باقية على حالها التي كانت بدون ذلك الشروط حيث انها لو كانت مملوكة للمشروط له كما إذا باع متاعه بثمن و اشترط على المشترى خياطة الثوب المعين تكون تلك العين على حالها من ملك المشروط له من غير ان يتعلق بها زائدا على ملكها حق و

ان كانت مملوكة للمشروط عليه تكون ملكا له من غير ان يتعلّق بنفس العين حق للمشروط له.

و على ذلك فان تصرف المشترى في العين المنتقلة إليه بالبيع تصرّفا ينافي الفعل المشروط فإنّه و ان ارتكب محرّما مع عدم رفع المشروط له يده عن الفعل المشروط قبل التصرف المزبور الّا ان العين لكونها ملكا للمشروط عليه يعمّه ما دلّ على نفوذ تصرّف المالك و معاملته فبتعذّر الشرط يثبت للمشروط له خيار الفسخ قيل بجواز الإجبار أو عدم جوازه فانّ جواز الإجبار مع امتناعه عن العمل المشروط و عدم تعذر ذلك العمل و إذا كان التّصرف المزبور لازما يتعذر الفعل المشروط بشمول أدلّة نفوذ التصرف و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 447

و هل له إمضاء البيع مع طلب (1).

ثم انّ هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين (2).

______________________________

لزومه لذلك التصرّف و لا يجوز هذا الإجبار بناء على ان ليس للمشروط له مع هذا الامتناع الّا الخيار.

و بالجملة عدم جواز التصرف المنافي لكونه ملازما لترك الواجب أو حرمة نفس التصرف لا يوجب فساد ذلك التصرف ما لم يثبت ان للمشروط له حق في العين المنتقلة إلى المشروط عليه و لا يمكن إثبات هذا الحق بجواز الإجبار أو عدم جواز ذلك التصرف تكليفا فإنّ النهي عن معاملة لا يوجب فسادها فضلا عمّا إذا كان عدم ذلك التصرف لاستلزامه ترك الواجب الذي من قبيل الحق للغير أو الحقّ للّٰه سبحانه فقط.

فتحصل انه مع تلف العين أو التصرّف المنافي اللازم ليس للمشروط له الّا خيار الفسخ في بيعته و مع فسخه يرجع الى بدل العين مثلا أو قيمة.

ثم ان الالتزام بصحّة التصرف و انه مع فسخ البيع

الأول يبطل تلك التصرفات من أصلها أو من حين فسخ البيع الأوّل غير ممكن فإنّه لا موجب لانفساخها من الأصل أو من حين فسخ البيع الأول بل يلزم من انفساخها عدم تعذر الشرط الموجب لعدم الخيار في فسخ البيع الأوّل عند المصنف و اتباعه ممّن جعل الخيار في فرض تعذّر الشرط خاصة و يجرى مثل هذا الكلام في تصرّف الناذر في العين الّتي نذر تصرّفا خاصا فيها مطلقا أو مشروطا فتدّبر جيّدا.

(1) يعنى هل للمشروط له إمضاء البيع الأوّل و عدم فسخه و مع ذلك ان يطلب من المشروط عليه يعني المشترى ان يفسخ نقله العين من ثالث فيه احتمال.

أقول لو كان التصرف المنافي غير لازم فله ذلك فإنه من الإجبار على الشرط و الّا فلا مورد للطلب كما لا يخفى.

(2) يعنى كما لا يسقط خيار المشروط له بتلف العين المنتقلة اليه كذلك لا يسقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 448

إذا كان مما يقبل الاسقاط (1).

______________________________

خياره بتصرّفه في تلك العين بنقل أو غيره فيما إذا لم يكن تصرّفه ظاهرا في اغماضه عن خيار تعذّر الشرط و الّا فيسقط كما في تصرّف ذي الخيار في خيار المجلس أو الشرط أو نحوهما على ما تقدم في خيار الحيوان.

(1) ذكروا ان للمشروط له إسقاط شرطه فيما كان المشروط قابلا للإسقاط دون ما لا يقبل كاشتراط ملكيّة مال العبد أو حمل الدابة للمشتري و قد يقال في ضابط ما يقبل الأسقاط و ما لا يقبله ان المشروط إذا كان أمرا وضعيّا يكفي في حصوله نفس الاشتراط في العقد لا يقبل الأسقاط بخلاف ما إذا كان فعلا سواء كان لذلك الفعل ماليّة أم لا فان هذا

قابل للإسقاط حتى بناء على ان الفعل فيما كان له ماليّة مملوك للمشروط له فإن ملكيّة الفعل على العهدة نظر الدين- يقبل الاسقاط و لكن لا يخفى ان مجرّد كون المشروط امرا وضعيا يحصل بنفس الاشتراط لا يقتضي عدم جواز إسقاطه فإنّ الخيار المشروط أمر وضعي يحصل بنفس الاشتراط فيما لم يعين له زمان منفصل مع انّه يقبل الأسقاط منفصلا أو متّصلا و لا يبعد ان يقال ان المشروط فيما كان من قبيل الشي ء على عهدة المشروط عليه أو كان أمرا يكفي في زواله مجرّد الإلغاء كالخيار و منه اشتراط الوصف في أحد العوضين يقبل الأسقاط بخلاف ما إذا كان زواله يحتاج الى سبب خاص فإنه لا يزول الا بذلك السبب كملكيّة العين فإنّها لا يزول إلّا بالمعاملة و الإرث لا بمجرد الإسقاط الإنشائي.

لا يقال نفس الاشتراط في نفسه أمر اعتباري يقبل الأسقاط و الإلغاء و لا يفرق في ذلك بين كون المشروط قابلا للإسقاط أم لا فبالغاء نفس الاشتراط يسقط اعتبار المشروط وضعيّا كان أو فعلا خارجيّا أو غيرهما.

فإنه يقال نعم و لكن كما ان الاشتراط في تحققه يتبع العقد و يعتبر الالتزام المزبور شرطا كذلك في زواله يحتاج الى زوال ذلك العقد و لذا ينحل تمام الشروط من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 449

[السابعة قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن]

السابعة قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن (1).

______________________________

فرق بين مشروط و مشروط آخر بانحلال العقد.

و على ذلك فلو شكّ في كون المشروط مما يقبل الأسقاط و الإلغاء فمقتضى الاستصحاب بقاء ذلك المشروط و عدم زواله بناء على اعتباره في الشبهات الحكميّة و امّا بناء على عدم اعتباره فالأصل

عدم اعتبار المشروط بقاء و لكن هذا مجرد فرض فانّ خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم مقتضاهما بقاء المشروط و عدم انحلاله كما لا يخفى.

ثم انّه يستثني عن جواز إسقاط شرط الفعل اشتراط العتق فإنّه لا يقبل الأسقاط لعدم انحصار الحق فيه لمشترطه بل فيه حق اللّٰه تعالى و حق العبد و ناقش المصنف (ره) في الاستثناء بأنّه ان أريد من حق العبد انتفاع العبد بعتقه فهذا لا يوجب استحقاقه المطالبة به و إجبار المشروط عليه به فيكون نظير ما إذا باع متاعه و اشترط على المشترى بيعه من آخر بأقلّ من القيمة السوقيّة فإنّه لا يجوز لذلك الآخر المطالبة بالبيع و الإجبار عليه.

و مما ذكر يظهر الكلام في حق اللّٰه فإنّه ان أريد بحق اللّٰه سبحانه إيجاب الوفاء بالشرط فيجري في جميع شرط الأفعال و لو كان المراد بان العتق في نفسه مستحب يعتبر فيه القربة فهذا يجري في سائر الأفعال المستحبّة كشرط التصدق للفقير بمال كذا و على الجملة لو لم يكن المشروط في نفسه عملا واجبا كإتيان الفرائض اليوميّة فلا يكون فيه حق اللّٰه بحيث يجبره الحاكم على الإتيان به من باب المنع عن المنكر اى ترك الواجب أقول لو كان المشروط في نفسه عملا واجبا كما ذكرنا ايضا يصح إسقاطه فلا يترتّب على تركه خيار الامتناع أو تعذر الشرط كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكر (قده) في المقام انّ الشرط في المعاملات و ان لا يقسط عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 450

..........

______________________________

العوض بل الثمن في البيع يقع بإزاء نفس المبيع فلا يكون الشرط جزءا من المبيع و لا من الثمن الّا انّ عدم التقسيط

لجريان أبناء المعاملات في اعتبارهم و قرارهم على كون الشرط التزاما زائدا على الالتزام بأصل المعاملة و انّ الشارع قرر المعاملات و الشروط فيها على ما هي عليه عندهم و من الظاهر ان عدم تقسيط الثمن منهم غير شرط المقدار للمبيع أو الثمن.

و امّا إذا كان المشروط هو الكم في المبيع الشخصي أو الثمن الشخصي و ظهر عدم كونه بذلك المقدار فإنّ جماعة من القدماء و المتأخرين و ان ذهبوا الى شرط الكم كسائر الشروط في عدم التقسيط الّا انّ الأظهر هو التقسيط كما عليه اعتبار أبناء المعاملات فإنّه إذا باع صبرة على انّها مأة منّ و ظهرت تسعين فإنّه لا ينبغي الريب في انّ الفرض عندهم من ظهور عدم بعض المبيع فيستحق المشترى من الثمن ما يقع بإزاء عشرة أمنان فإنّ الثمن ثمن لمأة منّ خارجي.

و بتعبير آخر يكون البيع المزبور بالإضافة إلى عشر الثمن غير متحقق و يجوز للمشتري فسخه في الباقي لتبعّض الصفقة عليه كما ان له الإمضاء باسترداد الثمن الزائد وفاقا لجماعة كالشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع و العلّامة في جملة من كتبه و الشهيدين و غيرهما (قدس سرهم).

و دعوى ان الثمن المزبور يقع في إنشاء المعاملة بإزاء الموجود خارجا و انّما يعتبر وصف في المبيع و هو كونه بمقدار كذا فيكون من تخلف الوصف المشروط و يثبت فيه ما يثبت في فقد سائر الأوصاف المشروطة و لذا يقال بتقديم الإشارة على الوصف لا يمكن المساعدة عليها فان شرط الكم من ذكر عنوان للمبيع و ذلك العنوان موجود بعضه حقيقة و بعضه وهما كما عليه اعتبارهم و هذا كلّه فيما كان المبيع متساوي الأجزاء بأن كان مثليّا و امّا

إذا كان اجزائه مختلفة فالأمر فيه و ان كان كذلك ايضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 451

..........

______________________________

كما يدل عليه خبر ابن حنظلة و لا يضر لدلالته اشتمال ذيله بحكم لم يعمل به الأصحاب و لا يمكن إرجاعه إلى القاعدة و هو إعطاء غير المبيع عوضا عن الجزء المعدوم الّا انه قد يقال ان شرط المقدار في مختلف الأجزاء لا يوجب الّا ثبوت الخيار فان شرط الكم فيه كبيع الحيوان بثمن و اشتراط حمله فيه أو بيع العبد بثمن و اشتراط ما له فيه في انّ ظهور عدم الحمل أو المال لا يوجب الّا الخيار.

و زاد بعض هؤلاء على هذا الاستدلال ما ذكر الشيخ (قده) في الفرق بين الصورتين من انّ الثمن في صورة اختلاف الأجزاء لا يمكن تقسيطه على المقدار الموجود و المقدار المفقود فإنّه إذا باع أرضا بثمن على أنها عشرة أجربة و ظهرت بعد المسح كونها خمسة فالخمسة المفقودة لا يمكن فيها تعيين الوصف بأنّها سهلة مثلا أو غير سهلة ليمكن تقسيط الثمن على ذلك المفقود و الموجود بخلاف فرض متساوية الاجزاء لأن المفقود فيه يفرض على وصف الموجود.

و أجاب المصنّف (ره) عن الفرق المزبور بان عدم إحراز ما يقع من الثمن بإزاء المفقود لا يوجب عدم استحقاق المشترى القسط الّذي لو فرض العلم بذلك القسط كان له الأخذ بذلك القسط و إذا لم يعلم ذلك القسط فيلزم المتبايعين بالمصالحة عليه الّا ان يقال انّ الحكم بصحّة البيع في البعض و الانحلال في البعض الآخر ينحصر بما إذا كان التّقسيط عند الحاجة إليه ممكنا و ان لم يعلم ذلك القسط ابتداء و امّا إذا لم يكن كما فيما نحن

فيه فلا بد من الحكم ببطلان أصل البيع بظهور المبيع على غير المقدار المشروط أو الحكم بالصحّة بلا تقسيط الثمن بان يثبت للمشروط له خيار الفسخ خاصّة.

و لكن يمكن الجواب عن هذه الدعوى بإمكان التقسيط عند الحاجة في الفرض أيضا فإنه لو كانت القطعة المزبورة مع اختلاف أجزائها متفقة في القيمة فالأمر واضح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 452

..........

______________________________

لأنه يكون الفرض كالفرض في متساوية الأجزاء فيفرض كون خمسة أجربة عشرة أو كون ثلثه من الخمسة الموجودة ثمانية فالثمانية مع الاثنين الباقيين من الخمسة عشرة أو يفرض أربعة من الخمسة الموجودة تسعة فتكون التسعة مع الواحد الباقي من الخمسة عشرة أو يفرض الواحد من الخمسة و الستة مع الأربعة الباقية تكون عشرة و امّا إذا كانت الأجزاء مختلفة في القيمة و قد رأى المشترى الخمسة الموجودة أو وصفها له البائع و تخيّل أنها عشرة بأن كانت الأرض جريبان منها سهلة و ثلاثة اجربتها غير سهلة و اشتراها بزعم أنها عشرة أجرته فيفرض السهل أربعة أجربة و غير السهلة ستة فتكون الثمن موزعة على العشرة كذلك فيأخذ المشترى من الثمن المسمى نصفها لأنّ الموجود خارجا نصف المبيع و هذا الفرض كالفرض في متساوي القيمة و ان لم يكن تحقّقه خارجا ضرورة انّ الخمسة لا تكون عشرة و ثلثه لا تكون ثمانية الّا ان فرضه طريق صحيح الى تقسيط الثمن المبذول بإزاء العشرة فقد تحصل انّ التقسيط في الصورة الثانية أيضا هو الأظهر و انّه كالصورة الأولى ممكن.

و ذكر السيّد اليزدي في المقام ما حاصله ان ذكر المقدار للمبيع الشخصي على نحوين فتارة يؤخذ شرط المقدار على حقيقة الشرط بان يكون المبيع هو الموجود

الخارجي كيف ما اتفق و يكون الثمن بإزاء نفس الموجود الخارجي و يكون اشتراط المقدار كاشتراط الوصف فيه و منه اشتراط حمل الحيوان المبيع للمشتري في كون تخلّفه موجبا للخيار و لا يضر في ذلك انّه على تقدير تحقق المقدار المزبور يكون الثمن بإزاء تمام المقدار لأنّ المقدار على تحقّقه من الموجود الخارجي الّذي بيع بالثمن المزبور بخلاف صورة عدم تحققه.

و اخرى يكون ذكر المقدار لا بعنوان الاشتراط حقيقة بل باعتبار أنّه عنوان المبيع الذي يكون بذل الثمن للموجود خارجا بذلك العنوان و يجرى ذلك في حمل الدابّة أيضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 453

..........

______________________________

بأن يبذل الثمن بإزاء الدابة و حملها و في هذا الفرض يقسط الثمن و يتم البيع بالإضافة إلى المقدار الموجود فقط و ما ورد في رواية عمر بن حنظلة يحمل على البيع بالنحو الثاني بأن يراد بذكر عشرة أجربة أنّ العشرة يعطى لها الثمن نظير صورة اخبار البائع بوزن المبيع أو كيله أو تحمل الرواية على ثبوت الأرش في الوصف المشروط المفقود على ما تقدم و على الجملة فالمتبع صورة العقد و إنشائه مع عدم القرينة على خلافه من كون شرط المقدار كاشتراط سائر الأوصاف.

أقول إنّما يتبع ظاهر الإنشاء فيما إذا أمكن جعل شي ء جزءا من المبيع و جعله شرطا في بيع ذلك المبيع و اما إذا لم يكن الّا جعله شرطا كشروط الوصف الغير المقوم فلا معنى لجعله جزءا و ان أتى بنحو لو أتى بذلك النحو ما يمكن مقابلته بالمال لكان جزءا كما إذا قال بعت هذا العبد مع وصفه الكتابة بكذا حيث انّ الثمن يقع بإزاء العبد و لا يترتب على تخلّف الوصف الّا

خيار الفسخ فإنّه لا معنى لاشتراط وصف الكتابة إلّا جعل الخيار كما انّه إذا لم يكن جعل شي ء شرطا و التزاما بأمر آخر غير الالتزام البيعي فلا يحمل على الاشتراط و لو كان في صورة العقد بصورة الاشتراط كما في الوصف المقوّم بان قال بعت هذا الموجود بكذا على انه ذهب فظهر كونه نحاسا.

و على ذلك فنقول لا ينبغي الريب في ان اشتراط المقدار فيما كان المبيع من المثلي عنوان مقوم لما تقدم من انحلال البيع فيه بالإضافة إلى أجزائه الخارجيّة كانحلاله بالإضافة إلى أجزائه المشاعة و لو قال بعت هذه الصبرة من الحنطة على أنّها مأة كر بألف دينار فالمتفاهم منها ان كل كرّ منها قد بيع بعشرة دنانير و هذا ظاهر عند أبناء الأسواق و انه لو ظهر ان الصبرة المزبورة تسعون فلا يستحقّ البائع إلّا ما يقع الثمن بإزاء التسعين حتى ما لو كان الاشتراط بصورة اخبار البائع بالوزن.

و انّما الكلام فيما إذا كان المقدار فيما لا ينحل البيع فيه الى أبعاضه الخارجيّة و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 454

فان دلّت القرينة على انّ المراد اشتراط بلوغه هذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة (1).

و لعل هذا هو الأظهر (2).

[القول في حكم الشرط الفاسد]

و الكلام فيه يقع في أمور (3).

______________________________

لم يكن البيع فيه و تعيين الثمن فيه بحسب المقدار و الكم مثلا لو قال بعت هذا الأرض التي عشرة أجربة كل جريب منها بكذا فإنه لا إشكال في بطلان البيع بالإضافة إلى خمسة أجربة لو ظهرت انها تكون خمسة أجربة.

و الحاصل ينبغي الكلام فيما إذا قال بعت هذا الأرض التي عشرة أجربة بألف فظهر كونها خمسة أجربة مثلا أو يقول بعت هذا

الأرض بكذا على انّها عشرة أجربة فنقول ففي مثل هذه الموارد لو كانت تعيين المبيع عرفا بحسب المقدار بحيث يكون البيع مع عدم ذكر الكم من بيع الغرر فلا ينبغي الإشكال في ان ذكر الكم عنوان مقوم أتى بصورة الشرط أم لا و ان لم يكن تعينه بالكم خاصة بل يكفي في بيعه المشاهدة أيضا يكون ذكر الكم شرطا أتى بصورة الاشتراط أو بنحو الأخبار.

(1) بان يكون في البين شرط آخر و هو ان الموجود على تقدير اشتماله للزيادة فتلك الزيادة للمشتري مجانا.

(2) لم يعلم وجه أظهريّته بل شرط المقدار إذا كان عنوانا يتعلّق البيع بالموجود بذلك العنوان يكون الزيادة للبائع لا محالة.

(3) ذكر (قده) انّه إذا كان الشرط في المعاملة محكوما بالفساد فلا ينبغي الإشكال في أنّه لا يجب الشرط فيما كان فعلا و انما يجب مع صحّة الشرط فان لزوم الإتيان بالفعل كان مستفادا من قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و المفروض عدم جريانه مع فساد الشرط كما لا ينبغي التأمل في انه يستحبّ الإتيان بذلك المشروط فيما كان المشروط عملا مباحا و قلنا بان فساد الشرط لا يسرى الى أصل المعاملة فإنّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 455

..........

______________________________

الشرط مع فساده يدخل في عنوان الوعد فيستحب الوفاء به.

ثم ان فساد الشرط يسرى الى أصل المعاملة فيما كان فساده لجهالة المشروط لأنّ الشرط على ما تقدم قيد لأحد العوضين فيكون البيع مع جهالته غرريا و كذا يحكم بفساد أصل المعاملة فيما كان الشرط استيفاء المنفعة المحرمة من المبيع كما إذا باعه الخشب على ان يعمله صنما أو صليبا فإنّ المنفعة المحللة للخشب و ان كانت كثيرة و باعتبارها يحسب مالا

يصح المعاوضة عليه الّا ان مع اشتراط صنعه صنما أو صليبا يقتصر منفعته بالمحرم فيكون أخذ المال بإزائه أكلا له بالباطل لأن من شرط البيع ماليّة المبيع و لو لم يتم هذا يكفي في المقام دلالة بعض الروايات الواردة في النهي عن بيع الخشب ممّن يعمله صنما أو صليبا و كذا لا يصح البيع فيما كان وقوعه مع الشرط المزبور دوريا كما إذا باع متاعا و اشترط على المشترى بيعه منه ثانيا فإنّه قد ذكر العلامة (قده) بطلان البيع في الفرض لكون وقوعه دوريّا لان تحقق البيع موقوف على حصول الشرط توقف المشروط على شرطه و تحقق الشرط اى بيعه من بايعه ثانيا موقوف على تحقق البيع لأن من شرط البيع كون بايعه مالكا للمبيع و بما ان هذا التعليل عليل لانّ الشرط في المعاملات لا يدخل في اجزاء العلة ليتوقف البيع على حصول الشرط و الّا لما صّح اشتراط بيعه من غير بائعه أيضا ذكر وجها ثانيا لبطلان البيع و هو عدم قصد البائع للبيع مع الشرط المزبور و بما انّ هذا الوجه ايضا غير صحيح لانّ القصد الى البيع خصوصا مع اختلاف الثمن ظاهر ذكر وجها ثالثا و هي دلالة النص على بطلان البيع مع الشرط المزبور.

و الحاصل انّ الكلام في إفساد الشرط الفساد أصل المعاملة يختص بما لم يكن فساد الشرط موجبا للخلل في المعاملة بأن يوجب فقد شرطها انتهى محصل كلامه.

أقول يأتي انّ الملتزم بسراية فساد الشرط الى العقد يدّعى ان التراضي المعتبر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 456

..........

______________________________

صحّة المعاملة ينتقى مع فساد الشرط حيث ان التراضي بالمعاملة منوط بحصول الشرط أى نفوذه.

فالقول بأنّ مورد الكلام

فيما لم يكن فساد الشرط للإخلال بما يعتبر في المعاملة بلا وجه بل الصحيح في المقام بعد التسالم على الكبرى و هي فساد أصل المعاملة بفساد شرطه فيما كان فساد الشرط موجبا للإخلال بما يعتبر فيها هو البحث في الصغرى و هي ان فساد الشرط يوجب فقد ما يعتبر في المعاملة مطلقا أولا يوجب مطلقا أو يوجبه في بعض الموارد دون البعض الآخر اللهم الّا ان يكون مراد المصنف (ره) ان المعاملة التي يختل فيها مع الشرط ما يعتبر مع قطع النظر عن فساد الشرط خارج عن مورد الكلام.

ثم انّ البحث في الصغرى كما ذكرنا مع قطع النظر عن قيام النص في مورد خاص ببطلان المعاملة بذلك الشرط فإنه يؤخذ بالنص في ذلك المورد و من ذلك ما إذا باع متاعا بشرط ان يبيعه منه ثانيا أو اشترى متاعا بشرط ان يشترى بايعه ثانيا و لكن مدلول النص كما يأتي ما إذا كان في البين اختلاف الثمنين في البيع الأول و البيع المشروط فلا بأس باشتراط بيع المتاع منه ثانيا مع عدم الاختلاف المزبور.

و اما بيع الخشب على ان يعمل صنما أو صليبا فقد ذكرنا في المكاسب المحرمة انّه لا يجوز بيعه ممّن يعمله صنما أو صنما للنص و النص لا يعم ما إذا اشترط البائع على مشتري الخشب صنعه صنما أو صليبا مع عدم عمل المشترى بالشرط و كذا لا يمكن استفادة عدم الجواز فيما كان شرط المشترى على البائع ان يصنعه البائع صليبا أو صنما مع عدم وفاء البائع بالشرط.

و دعوى انّ الخشب مع اشتراط المنفعة المحرمة يخرج عن الماليّة فيكون أكل الثمن بإزائه أكلا له بالباطل لا يمكن المساعدة عليها لأن الشرط

المنفعة المحرّمة مع فساد الشرط لا يوجب خروج الخشب عن المالية لا عقلا و لا شرعا فكيف يكون أخذ الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 457

و مقتضى التأمل في كلامه انّ الوجه في ذلك (1).

______________________________

بإزائه من اكله بالباطل.

و امّا جهالة الشرط فقد تقدم ان الشرط لا ينضم الى أحد العوضين لا قيدا و لا جزءا لا بمعناه المصدري و لا بمعناه المشروط و ان جهالته لا يوجب فساده فضلا عن إيجابه فساد أصل المعاملة إلا إذا كان المشروط خصوصيّة في أحد العوضين كاشتراط النسبة في الثمن أو كون المبيع بيد بايعه إلى مدة مجهولة يكون البيع فاسدا للغرر فيه.

و اما ما ذكر (قده) من عدم التأمل في استحباب العمل بالشرط مع كونه عملا مباحا في نفسه بناء على عدم فساد المعاملة بالشرط الفاسد فقد يقال كما عن النائيني (قده) ان الشرط الفاسد لا يدخل في عنوان الوعد فان الوعد اخبار و الاشتراط أمر إنشائي.

و قد يقال كما عن اليزدي (قده) بان الاستحباب لا يختص بصورة عدم فساد العقد به بل على القول بالإفساد أيضا يستحب الإتيان بذلك الفعل للوفاء بالوعد و لكن شي ء من الأمرين غير تام اما الأول فلما ذكرنا في بحث حرمة الكذب ان الوعد قسم منه اخبار و قسم منه إنشاء فإنّ الالتزام بالفعل للغير مستقبلا و إبراز ذلك الالتزام لا بمعنى الحكاية وعد فيدخل فيه الشرط في المقام و اما الثاني فلانّ الالتزام بالفعل للغير إنشاء لا يكون مطلقا بل على تقدير حصول المعاملة حيث انّ الالتزام الشرطي قسم من الوعد الإنشائي منوط بالمعاملة و على تقدير عدم المعاملة فلا التزام كما لا يخفى.

(1) بان يكون المشروط

تسليم المبيع أى الزرع سنبلا فإنّه لا ينبغي في الفرض في بطلان البيع لعدم إحراز التمكن من هذا التسليم فيكون نظير اشتراط كون المبيع بيد بايعه إلى مدّة مجهولة في إيجابه الغرر في البيع فإنّه يعتبر في البيع التمكن عي التسليم و لو بالتسبيب بنحو الوثوق و العادة و امّا إذا كان الشرط صيرورة الزرع سنبلا و لو بعد تسليم المبيع الى مشتريه فبطلان الشرط المزبور مسلّم و لكن في كونه موجبا لبطلان البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 458

و ربما ينسب الى ابن المتوج البحراني (1).

أحدها ما ذكره الشيخ في المبسوط للمانعين (2).

______________________________

مورد الكلام في المقام.

ثم لا يخفى ان المصنف (قده) قد نسب الى الشيخ (ره) و من تبعه فيما سبق عدم كون فساد الشرط موجبا لفساد العقد و نسب إليه في المقام كون فساده موجبا له و الظاهر ان النسبة في المقام سهو من قلمه الشريف.

(1) و ربما يقال ان الخلاف في كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد أم لا فيما لم يكن فساد الشرط للغويته كما إذا باع المتاع و اشترط على المشترى لبس ثوب مخصوص أو أكل طعام خاصّ فإنه لا خلاف في الفرض في صحّة العقد و لزومه. مع بطلان الشرط و قد تقدم عن التذكرة قوله انه يعتبر في الشرط كونه مقصودا للعقلاء و ما لا يتعلّق به غرضهم لغو لا يؤثر في الخيار و منه اشتراط الكيل بمكيال معيّن في بيع السلم نعم قد وقع الكلام في بعض الموارد بأنّ الشرط فيه غرض عقلائي أم لا كاشتراط كفرا لعبد المبيع و يؤيّد ان ما لا غرض فيه من الشرط خارج عن مورد الكلام في المقام

استدلال القائل بفساد العقد بفساد شرطه بان للشرط قسطا من الثمن و مع فساده يكون القسط الواقع بإزاء المبيع مجهولا.

و وجه التأييد أن شرط اللغو لا يكون له قسط من الثمن.

نعم الاستدلال الآخر على الإفساد بأنّ التراضي منوط بحصول شرطه و مع عدم حصوله لا تراضي يجري في الشرط اللغو أيضا الّا ان الشهيدين مع استدلالهما بهذا الوجه قد صرّحا بأنّ اشتراط كفر العبد و جهله بالعبادات لغو اى لا يترتب عليه أي أثر و من الأثر فساد العقد به كما لا يخفى.

(2) استدل الشيخ (قده) في مبسوطه على سراية الفساد إلى أصل المعاملة بأن للشرط قسطا مجهولا من الثمن بمعنى انّ الشرط على البائع ينضم الى المبيع و يقع الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 459

..........

______________________________

بإزاء المبيع و الشرط و إذا فرض فساد الشرط و جهالة القسط الواقع بإزائه يكون القسط الواقع بإزاء المبيع مجهولا فيبطل البيع بالإضافة إليه أيضا.

و أورد المصنّف (ره) على الاستدلال المزبور بعد النقض عليه ببطلان الشرط في النكاح بأمور و وجه النقض انّ فساد الشرط في النكاح و ان لا يوجب بطلان النكاح لدلالة الروايات على بقاء النكاح ببطلان الشرط فيه الّا انه يلزم على القائل ببطلان العقد ببطلان شرطه لأن للشرط قسطا من الثمن الحكم ببطلان المهر المسمى ببطلان الشرط على الزوج و ذلك فانّ المهر المسمى في النكاح لو كان مالا متعدّدا كما إذا جعل شاتان مهرا و ظهر ان احدى الشاتين ملك لغير الزوج يبطل المهر المسمى و يتعيّن مهر المثل و الشرط على الزّوج جزء المهر بناء على القول بان للشرط قسطا من الثمن فيلزم من بطلان الشرط المزبور بطلان المهر

المسمى.

و الأمور الّتي ذكرها في الإيراد كما تلي الأوّل ان مدلول عقد البيع مثلا وقوع الثمن بإزاء نفس المبيع فلا يكون الشرط اى المشروط جزءا من الثمن و لا من المثمن غاية الأمر يكون الشرط قيدا لأحدهما بحيث بكون بالقيد المزبور زيادة ماليّة أحد العوضين و نقصها و الشاهد بعدم كون المشروط جزءا أنّه لا يثبت للمشروط له عند تخلف الشرط الّا الخيار لا المطالبة ببدل الشرط.

الثاني انّه على تقدير انّ للشرط على البائع قسطا من الثمن فلا نسلم جهالة ذلك القسط و كما ان القسط الواقع بإزاء المبيع الموصوف بوصف و فاقده مضبوط عرفا كذلك المبيع المشروط معه فعل على البائع و الخالي عن الشرط مضبوط عندهم و بتعبير آخر يكون المقام من بيع شيئين بثمن ثم ظهر فساده بالإضافة إلى أحدهما.

و الثالث انّه لا يعتبر في المعاملة إلّا كون الثمن الواقع في الإنشاء معلوما و اما الجهالة الطارية بعد إنشائها فلا يضرّ لصحّتها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 460

الثاني ان التراضي (1).

______________________________

أقول الصحيح في الجواب هو ان الشرط لا يقسط الثمن عليه في المعاملة و لا يكون قيدا لأحد العوضين ايضا لا بمعناه المصدري و لا بمعناه المشروط و الوجه في صحّته التزام القائل بعدم السراية بانتقال كل الثمن إلى البائع و انتقال تمام المبيع إلى المشترى مع فساد الشرط بلا فرق بين الشرط على البائع أو المشتري كما لا يخفى.

(1) و قد يستدل على بطلان العقد ببطلان شرطه بانتفاء التراضي المعتبر في المعاملة بفساد الشرط و بيانه ان التراضي قد تعلق بالعقد بنحو خاصّ و مع عدم حصول الخصوصيّة ينتفي التراضي كما هو مقتضى انتفاء المقيّد بانتفاء القيد و

عدم بقاء الجنس بانتفاء الفصل و المعاوضة بين نفس المثمن و الثمن بلا شرط معاوضة أخرى تحتاج إلى إنشاء أخر و تراض جديد و حيث انه لم تنشأ تلك المعاوضة و لم يحصل التراضي الجديد يكون أكل الثمن بإزاء نفس المبيع من اكله بالباطل و بغير تراض.

و أجاب (قده) بان ارتباط الشرط بالعقد ليس بنحو يحتاج مع عدم صحّة الشرط إلى إنشاء عقد آخر بتراض جديد و لا يكون مطلق الارتباط مقتضيا لذلك فإنّه قد ثبت صحة العقد مع عدم حصول جزء المبيع كما في مورد تبعّض الصفقة و كذا مع انتفاء وصفه المشروط كما إذا باع العبد بوصف كونه كاتبا فظهر غير كاتب و كما في النكاح فإنّه لا يبطل النكاح ببطلان الشرط فيه كما هو مورد النص و الفتوى و قد تقدم ان ظاهرهم التسالم في الشرط اللغو صحّة العقد مع إناطة التراضي بالعقد بالشرط يجرى فيه ايضا.

و ايضا ذكروا انه لا أثر للتواطي على الشرط مع عدم عدم ذكره بالعقد مع جريان الإناطة فيه ايضا و الغرض من ذكر هذه الموارد إثبات إمكان التفكيك بين العقد و الشرط فيه في الحكم بالصّحة في العقد و الفساد في شرطه لا ان الحكم في هذه المورد دليل على ان فساد الشرط لا يوجب بطلان العقد بل المراد إثبات أن ارتباط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 461

..........

______________________________

الشرط بالعقد ليس بنحو يوجب بطلانه انتفاء التراضي بالعقد حيث لا يمكن الالتزام في الموارد المزبورة بأن الأكل فيها باطل عرفا و لكن قد جوزه الشارع تعبدا و قهرا على المتعاقدين و الحاصل ان التوجيه في هذه الموارد بعدم انتفاء التراضي بالعقد فيها يجري في

جميع موارد الشروط الفاسدة و لذا ذكر في جامع المقاصد بان التفصيل بين الجزء و الشرط بالالتزام بصحّة المعاملة بالإضافة الى بعض المبيع بعد بطلانه بالإضافة إلى بعضه الآخر و عدم الالتزام بعدم صحّة المعاملة بعد بطلان شرطها مشكل.

و الحاصل يمكن دعوى انّ فساد الشرط لا يوجب انتفاء التراضي بأصل العقد أخذا بالموارد المزبورة.

و توضيح الدعوى أنّ القيود المأخوذة في المطلوبات الشرعية و العرفيّة على نحوين الأول ما يكون ركنا في المطلوب بحيث لا يكون الفاقد مطلوبا كما إذا باع الموجود على انّه عبد فظهر كونه حمارا و تعلق طلب المولى بالإتيان بتتن الشطب فإنه لا يكفي الإتيان بالأصفر أى التتن الّذي يستعمل في النّار جيل المعروف لغة الفرس ب (قليان) و تعلّقه بالغسل للزيادة تنظيفا فإنه لا يكفى التيمّم و لا يقوم مقامه حيث لا تنظيف في التيمم بخلاف ما إذا باع الموجود بأنه عبد صحيح فظهر معيبا أو أمره بالإتيان بالتتن الجيّد فاتى بالردي و بالغسل بماء الفرات فاغتسل بغيره فانّ العرف في هذه الموارد يحكم بان الموجود نفس المطلوب غاية الأمر فاقد لجهة أخرى مطلوبة ايضا و يعبّر عن ذلك بموارد تعددّ المطلوب و الظاهران الشرط في المعاملات من القبيل الثاني و يكون قيدا لأحد العوضين بنحو لا يكون ركنا في المعاوضة و عليه فلو كان المشروط له جاهلا بفساد الشرط يمكن ان يقال بثبوت الخيار له لكون لزوم العقد بدون الشرط ضرريّا عليه بخلاف ما إذا كان عالما بفساده و مع ذلك قد أقدم على المعاملة مع الشرط فإنه بإقدامه على الضرر يكون العقد لازما عليه و هذا الخيار غير مصرح به في كلماتهم انتهى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 462

الثالث رواية عبد الملك بن عتيبة (1).

______________________________

ما افاده (ره) في المقام.

أقول قد تقدم ان المعاملة تكون معلّقة على الشرط بمعناه المصدري أي الالتزام سواء كان المشروط فعلا أو أمرا وضعيّا و انّ التراضي المعاملي المعتبر في المعاملات نفس إنشاء المعاملة لا بالإكراه عليها و لا يعتبر فيها طيب النفس الباطني و عليه فالالتزام المعلق عليه حاصل فتكون المعاملة و إنشائها حاصلا غاية الأمر لا يكون الشرط المزبور نافذا بمعنى انّ المشروط على تقدير كونه فعلا لا يجب الإتيان به و على تقدير كونه أمرا وضعيّا لا يكون ممضى شرعا و من الظاهر لا تعليق للعقد على المشروط أصلا بل عدم حصول المشروط في مورد اشتراط الفعل بل و غيره يكون من شرط الخيار المشروط و يثبت هذا الخيار للمشروط سواء علم فساد الشرط أم لا فان شرط الخيار شرط آخر غير الشرط الباطل و ليس لقاعدة نفى الضرر لينحصر ثبوته بصورة جهل المشروط له بالفساد.

و مما ذكرنا ان قضيّة تعدد المطلوب لا ترتبط بالمقام حيث انه قد بينّا فيما سبق انّ الشرط لا يكون قيدا ليقال انّه غير ركن أضف الى ذلك ان ما ذكره (قده) من تعدد المطلوب ضعيف جدا في موارد الطلب الإلزامي و لا يساعد عليه الظهور العرفي نعم ذكروا ذلك في باب المستحبات و هو ايضا لا يخلو عن تأمّل إلّا في موارد قيام قرينة عامّة أو خاصّة على ما ذكر تفصيله في باب المطلق و المقيد.

(1) استدل على فساد العقد بفساد شرطه بروايات منها رواية عبد الملك بن عتيبة رواها الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن على بن حكم عنه قال سألت أبا الحسن

عليه السلام و سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى و ان كان فيه كلام لا يسعه المجال الّا انه معتبر و لكن عبد الملك بن عتيبة لم يوثق فإنه الهاشمي لا النخعي الثقة بقرينة رواية على بن الحكم و وجه الاستدلال بها رجوع الضمير لا ينبغي إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 463

..........

______________________________

العقد و ان المراد به الحرمة الوضعيّة يعني العقد المشروط فيه ضمان الضرر على البائع فاسد و لا يمكن إرجاعه إلى الشرط و الأخذ بظهور لا ينبغي في الكراهة حيث لا معنى لصحّة البيع و كراهة الوفاء بالشرط إذا لو كان البيع صحيحا لوجب الوفاء بالشرط على تقدير صحّة الشرط أو استحب على تقدير فساده.

و أجاب (قده) عن الاستدلال برجوع لا ينبغي إلى العقد و المراد به الكراهة بمعنى ان العقد المشروط فيه الضرر على البائع مكروه و ان كان يجب العمل بالشرط على تقديره.

أقول لو كان اشتراط الضرر على البائع بنحو شرط الفعل تم ما ذكره و امّا لو كان بنحو شرط النتيجة فلا يمكن الالتزام بصحّة الشرط فانّ كون الضرر على البائع شرط ينافي مقتضى العقد فان النفع أو الضرر يتبع الأصل كما لا يخفى و كيف كان فلا يبعدان يكون المراد بلا ينبغي الفساد و أنّ الفساد يرجع الى الشرط لا إلى أصل البيع.

و منها رواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه إيّاه ثم أشتريه منه مكاني قال إذا كان بالخيار إنشاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر

فلا بأس فقلت ان أهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون ان جاء به بعد شهر صلح قال انما هذا تقديم و تأخير فلا بأس و الرواية ضعيفة سندا بالحسين بن المنذر.

و منها صحيحة على بن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم أ يحلّ قال إذا لم أ يشترط و رضيا فلا بأس و وجه الاستدلال ان مقتضى نفى البأس عن بيع الشي ء ثم شرائه بعدم اشتراط الشراء في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 464

..........

______________________________

البيع الأول مقتضاه عدم جواز البيع المزبور مع اشتراط الشراء فيه و البأس في البيع ظاهر فساده.

و أجاب (ره) عن ذلك بوجهين الأول انّ البأس في الروايتين مع الاشتراط راجع الى الشراء ثانيا و ان الشراء ثانيا لا بأس به مع عدم اشتراطه في البيع الأول و الّا يكون الشراء ثانيا باطلا و لا بأس بالالتزام بذلك فان اشتراطه في البيع الأول يوجب ان يقع الشراء ثانيا بلا تراض و بنحو الإلزام على المشروط عليه و ذكر (قده) انه يؤيّد ذلك ما في رواية الحسين بن المنذر من نقل الراوي ما يذكر أهل المسجد من بطلان الشراء ثانيا مع عدم الاشتراط ايضا و انه لو وقع الشراء بعد شهر صحّ لا قبله.

ثم قال لو فرض رجوع البأس مع الاشتراط الى البيع الأوّل فلا يدل على سراية فساد الشرط الى العقد فان الكلام في المقام في سراية فساد الشرط الى العقد لا فيما أوجب الاشتراط الخلل في العقد و ما في الروايتين من قبيل الثاني حيث ان فساد البيع بالاشتراط المزبور لكون صحّته مع الشرط المزبور دوري كما

ذكره العلامة أو لأنّ البائع لا يقصد البيع مع الشرط المزبور كما عن الشهيد (ره) أو لغير ذلك و كيف ما كان فاشتراط شراء المال ثانيا لا يكون في نفسه باطلا لأنّه غير مخالف للكتاب و السنّة و لا منافيا لمقتضى العقد ففساد العقد مع الاشتراط المزبور يكون للخلل في العقد لا للفساد في شرطه.

أقول ظاهر الروايتين ان بيع العينة مع الاشتراط لا يصح و ان بيع المتاع بشرط شرائه ثانيا محكوم بالبطلان و لا بأس بالالتزام به و هذا كما ذكر (ره) أخيرا لا بأس بالالتزام به تعبدا لا للدور و عدم قصد البيع كما تقدم و اما إرجاع البأس بالشراء الثاني و ان بطلانه لعدم التراضي به ففيه ما لا يخفى فان لازم ذلك بطلان البيع بشرط بيع المتاع و لو من ثالث و لا أظن أن يلتزم به أحد و ان التراضي المعتبر في المعاملة هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 465

و يدل على الصحة جملة من الاخبار (1).

______________________________

عدم الإكراه عليها بلا حق على ما تقدم في بيع المكروه و ان طيب النفس بمعنى ابتهاجها غير معتبر في المعاملات أصلا.

(1) استدل (قده) على صحّة المعاملة مع فساد الشرط فيها بروايات منها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبيد اللّٰه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه ذكران بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقها فخيرها رسول اللّٰه (ص) ان شائت ان تقر عند زوجها و ان شائت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا ولاءها على عائشة فقال رسول اللّٰه (ص) الولاء لمن أعتق فإن الحكاية ظاهرة تمام الظهور في

ان شرط الولاء المحكوم بالفساد لا يوجب بطلان البيع و الّا كان عتقها في ملك الغير و حملها على الاشتراط خارج العقد مع كونه خلاف الظاهر ينافيه تعليل الحكم في هذه الرواية إشارة و في غيرها صراحة بأن شرط الولاء لغير المعتق مخالف للكتاب و السنة.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي و في الأولى أي المرسلة عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشترى جارية و شرط لأهلها ان لا يبيع و لا يهب قال يفي بذلك إذا شرط لهم رواها الشيخ بإسناده عن احمد بن عيسى عن على بن حديد عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا و رواها أيضا بإسناده عن على بن إسماعيل الميثمي و زاد في الثاني الّا الميراث و سنده (ره) الى على بن إسماعيل غير مذكور و كيف ما كان فالأمر بالوفاء بالشرط في عدم البيع و الهبة دون الميراث شاهد بعدم سراية فساد الشرط الى العقد فانّ شرط عدم الميراث بان لا يثبت في ملك المشترى عند موته باطل كما تقدم و لو كان العقد مع بطلان شرطه فاسدا لما أمر عليه السلام بالوفاء بشرط عدم البيع و الهبة بل لو كان شرط عدم البيع و الهبة فاسدا ايضا كما نسب الى المشهور لكان الأمر بالوفاء بهما استحبابا وفاء للوعد دليلا على عدم بطلان البيع و الوجه في استثناء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 466

و قد يستدل على الصحّة بان صحّة الشرط (1).

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 466

في ثبوت الخيار

للمشروط له مع فساد الشرط (2).

______________________________

الميراث عن استحباب الوفاء لكون الإرث لا يقبل الاستحباب أو الوجوب كما لا يخفى.

و في الثانية أي صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الشرط في الإماء لا تباع و لا توهب و لا تورث فقال يجوز في غير الميراث فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو ردّ و ظاهر قوله عليه السلام فإنّها تورث شاهد لثبوت البيع و سقوط شرط عدم الإرث بل في قوله عليه السلام كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو ردّ ان الشرط لا يعمل به مع كونه مخالفا لكتاب اللّٰه و انّ العقد يبقى في جميع موارد عدم العمل بالشرط لمخالفته كتاب اللّٰه و يؤيّد أيضا صحّة المعاملة مع بطلان الشرط ما ورد في الشرط الفاسد في النكاح.

(1) و قد يستدل على صحة العقد مع بطلان شرطه بان صحّة الشرط متوفّقة على صحة العقد و لو كان صحّة العقد متوقّفا على صحّة الشرط لدار و فيه ما لا يخفى فان مدعى سراية الفساد الى العقد يدعى الملازمة بين الحكمين اى الحكم بصحة العقد و إمضائه و الحكم بصحّة الشرط و إمضائه نظير الملازمة بين وجوب القصر و لزوم الإفطار و الملازمة بين الحكمين لا يرتبط على كون كل من الحكمين علة لحدوث الحكم الآخر كما هو واضح.

(2) ذكر (قده) انه بناء على صحّة المعاملة مع فساد الشرط فيها يثبت للمشروط له خيار الفسخ مع جهله ببطلان الشرط لأن عدم حصول الشرط المزبور من تخلّف الشرط لأن المانع الشرعي و تحريم الشارع الفعل المشروط في المعاملة كتعذّر ذلك الفعل عقلا في عدم حصول الشرط و تخلّفه فيدلّ على ثبوت الخيار

مع بطلان الشرط ما دلّ على ثبوته عند تخلف الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 467

..........

______________________________

ثم لا فرق في ثبوت الخيار للمشروط له مع الجهل بفساد الشرط بين جهله بالحكم كما إذا لا يعلم بان شرط كنس المسجد على الحائض باطل أو جهله بالموضوع بان لا يعلم بان المشروط عليها الكنس حائض و الشاهد لثبوت الخيار و لو مع الجهل بالحكم تقصيرا ذكرهم ثبوت خيار الغبن للجاهل به أو بفوريّته.

و لكن يمكن القول بان الجاهل بفساد الشرط كالعالم بفساده في عدم ثبوت الخيار له سواء كان بطلان الشرط مع جهله بالحكم أو الموضوع لانّ الدليل على ثبوت الخيار مع تخلف الشرط الإجماع و قاعدة نفى الضرر و شي ء منهما غير جار في المقام فإن الإجماع على الخيار مع بطلان الشرط غير محرز بل تقدم عدم الإشارة الى ذلك في كلماتهم فضلا عن التصريح و اما قاعدة نفى الضرر فقد ذكرنا في التكلم في القاعدة أنّه لا يعمل بها في غير مورد إحراز عمل المشهور بها للعلم بأنه كان لها قيد لم يصل إلينا و عمل المشهور بها في مورد كاشف عن عدم شمول القيد لذلك المورد و الوجه في العلم الإجمالي المزبور استلزام إطلاقها تأسيس فقه جديد خصوصا لو جعل الجهل بالحكم عذرا بحيث تنفى بالقاعدة الحكم الضرري المتعلق بالمكلف و لو لجهله بالحكم الشرعي الآخر كنفي لزوم المعاملة في صورة الجهل بخيار الغبن أو جهله بفوريّته.

و الوجه في استلزام العمل بعموم القاعدة تأسيس فقه جديد انه يثبت في المعاملات من جهة الجهل بأحكامها خصوصا الجهل بصحّتها أو فسادها ضرر لا يتدارك فيلزم ان لا يثبت صحتها أو فسادها لئلا يقع الضرر

كما إذا اشترى مالا نسية مع عدم تعيين المدة في ناحية الثمن للجهل باشتراط التعيين و تسلم المبيع ثم علم بطلان البيع فانّ بطلانه يوجب تضرّر البائع لو قيل بأن أجرة حمل المتاع اليه ثانيا على البائع و تضرر المشترى لو قلنا بأن أجرته عليه فيلزم ان ينفى فساد المعاملة بقاعدة نفى الضرر لئلا يقع الضرر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 468

و هو المانع من صحّة البيع (1).

و في باب المرابحة بعد ذكر المحقّق (2).

______________________________

و الحاصل ان العمل بقاعدة نفى الضرر في لزوم البيع مع فساد الشرط فيه غير محرز فلا يمكن نفيه و لو مع جهل المشروط له بفاسد الشرط حكما أو موضوعا.

أقول قد تقدم ان الخيار في المعاملات لا يثبت بقاعدة نفى الضرر و لو جرت القاعدة فيها لكان مقتضاها فسادها لا ثبوت الخيار و ان المدرك للخيار في المقام و نظيره هو الشرط الارتكازي الثابت في المعاملات و هذا الشرط مشمول لقوله صلى اللّٰه عليه و آله المسلمون عند شروطهم.

بل لا يبعدان يثبت الخيار فيما كان المشروط المحكوم بالفساد أمرا وضعيّا فانّ عدم حصوله ايضا موضوع للخيار المشروط في ارتكازهم و يشهد لذلك موت المشروط عليه بعد العقد مع شرط الوكالة بنحو شرط النتيجة عليه.

و امّا ما ذكر (قده) من ان الأخذ بعموم القاعدة يوجب تأسيس فقه جديد فقد ذكرنا في محلّه ان الحكم الضرري منفي بها لا الناشي من عدم الحكم أو الناشي من غير الحكم و هذا لا يستلزم محذورا و التفصيل في محلّه.

(1) اى الشرط مانع عن صحة البيع و مع إسقاط الشرط يصح البيع ثم ذكر و بالجملة فهل يترتب على مثل شرط تخمير العنب

فساد بيعه من أصله بحيث لو رضى المشترى بإسقاط شرطه لم يصح البيع أيضا أو انّ البيع بدون إسقاط الشرط موقوف فإن أسقط صحّ و وجه الإيقاف ان التراضي بأصل العقد كالتراضي في عقد المكروه و الفضولي و لكن الجواب ما قيل في وجه بطلان العقد ببطلان شرطه مقتضاه عدم كفاية إسقاط الشرط حيث ان العقد المطلق غير منشأ كما لا يخفى.

(2) ذكر المحقق (قده) في مسألة اشتراط بيع المبيع من بايعه ثانيا انه لو لم يشترطا البيع الثاني بذكره في البيع الأول شرطا بل كان ذلك من قصد هما من غيران

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 469

..........

______________________________

يشترطا لفظا كان البيع مكروها.

ثم انه ذكر في المسالك في مسألة اشتراط البيع من البائع ثانيا انّ المراد من اشتراط بيعه من بايعه ذكر هذا الشرط في عقد البيع و لو لم يذكرا في العقد بل كان بيعه من بايعه ثانيا في قصد المتبايعين فقط لم يضر هذا القصد بصحّة البيع و لا بصحّة الشراء من مشتريه ثانيا و امّا لو ذكرا هذا الشرط قبل العقد و تركا ذكره في العقد فان كان عالمين بأنّ الشرط المذكور قبل العقد لا اثر له فيحكم أيضا بصحّة البيع و الشراء ثانيا و امّا لو جهلا ذلك و تخيّلا انّ المذكور قبل العقد كالمذكور في العقد يحكم ببطلان البيع نظير الحكم ببطلانه مع ذكر الشرط في نفس العقد و الوجه في التفصيل انه مع علمهما بعدم الأثر للشرط المذكور قبل العقد يكون إقدامهما مطلقا بخلاف ما إذا جهلا و تخيّلا لزوم الشرط فإن إقدامهما على ملكية المبيع يكون مقيّدا.

و ذكر أيضا في المسالك في ذيل كلام المحقق

في باب المرابحة انّه لو لم يشترطا بيع المتاع من بايعه ثانيا في متن عقد البيع بل اشترطا ذلك قبل البيع فلا يوجب بطلان البيع إلّا إذا توهّما لزوم رعاية المذكور قبل العقد أيضا أو علما عدم لزومه و لكن كان عدم ذكره في متن العقد لنسيانهما.

ثم تعرّض لما يورد على كلام المحقق من حكمه بصحّة البيع من عدم ذكر الشرط في عقد البيع و كونه في قصدهما فقط و لما يجاب عن الإيراد أما الإيراد فهو ان العقود في صحتها تتبع القصود و إذا لم يكن العقد بحسب القصد مطلقا كما هو فرض قصدهما بيع المتاع من بايعه ثانيا فكيف يحكم بصحّة البيع اما الجواب فلأنّ صحّة الشرط و ان يحتاج الى قصده و ذكره في العقد و لكن فساد الشرط لا يتوقف على قصده بل يكفى فيه عدم ذكره في العقد كما انّ بطلان العقد بالشرط يتوقف على قصد ذلك الشرط و ذكره في العقد و كذلك صحّة الشرط فإنّه يتوقف على القصد و ذكره في العقد و المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 470

..........

______________________________

عدم حصول الشرط كذلك ثم أورد على هذا الجواب بان توقف صحّة العقد على اللفظ و القصد لازمه الحكم ببطلان العقد مع عدم القصد كما هو مقتضى الإيراد فإن اللّفظ يحصل من الساهي و الغالط و المكره و لكن لا يصح عقدهم لعدم القصد.

و على ذلك فإنّما يحكم بصحّة البيع مع عدم ذكرهما الشرط في متن العقد فيما لو قصد البيع المتاع من المشترى بحيث يكون ملكا له على وجه لا يكون للبائع إلزامه ببيعه منه ثانيا بل يكون هذا البيع باختيار المشترى و إرادته

و إقدام البائع على بيع المتاع لوثوقه بالمشتري و انه لا يمتنع عن تمليك المتاع منه ثانيا بمحض اختياره و وعده.

و أورد المصنف (قده) على المسالك بأنّه لو فرض الحكم بفساد العقد فيما إذا شرطا بيع المتاع من بائعة ثانيا قبل العقد مع جهلهما بفساد الشرط المذكور قبل العقد لزم الحكم بفساد العقد مع علمهما بفساده أيضا فإن العلم بالفساد شرعا لا ينافي قصدهما ملك المتاع للمشتري بنحو يحقّ للبائع إلزامه ببيعه منه ثانيا بان لا يقصد ملك المتاع للمشتري بالملك المطلق كما ان العلم بفساد بيع لا ينافي قصد بيع المتاع من المشترى لا مجانا نظير ما إذا باع المكيل من المشترى بغير كيل و على الجملة كون تمليك المتاع من المشترى مقيّدا أو مطلقا أمر عرفي يحصل بالعقد من المتعاقدين و قصد المتعاقدين لا يتبع الفساد الشرعي.

أقول لو كان الوجه في فساد البيع مع ذكر شرط بيع المتاع من بايعه ثانيا في متن العقد عدم قصد المتعاقدين ملك المتاع بنحو الإطلاق فالظاهر عدم الفرق في بطلان البيع بين ذكره في متن العقد و بين ذكره سابقا و إيقاع العقد مبنيّا عليه لعدم الفرق بين عدم قصد الملك المطلق في الصورتين و كذا لو قلنا بان فساد البيع المشروط فيه بيع المتاع من بايعه ثانيا للتّعبد فإنه أيضا يحكم ببطلان البيع في الصورتين لان العقلاء لا يفرقون في معاملاتهم بين ذكر الشرط في متن العقد أو ذكره سابقا و إيقاع العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 471

[الكلام في أحكام الخيار]

اشارة

الخيار موروث بأنواعه (1).

______________________________

مبنيّا عليه ففي الصورتين مع الشرط المزبور ليس المشترى بحسب بنائهم ان يبيع أو يترك البيع من بايعه ثانيا كما

انّه ليس للبائع ان يأخذ المبيع ثانيا أو ان يتركه و قد ذكر في رواية الحسين بن منذر و صحيحة على بن جعفر هذا الاختيار شرطا في صحّة البيع و ليس المراد خصوص الاختيار شرعا و الّا فالاختيار شرعا حاصل حتى مع ذكره في العقد ايضا لبطلانه كما لا يخفى.

(1) الخيار موروث بأنواعه بلا خلاف كما عن جماعة و في التذكرة ان الخيار عندنا موروث بجميع أنواعه لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص و وافقنا في الحكم الشافعي إلّا في خيار المجلس و عن الغنيّة الإجماع على إرث خيار المجلس و الشرط و يستدل على إرث الخيار مضافا الى الإجماع بأنّ الخيار حق للميّت فيعمّه قوله سبحانه و لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ و بالنبوي المعروف ما ترك الميّت من حقّ لوارثه.

و ذكر المصنف (ره) ان الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب العزيز و الأخبار الواردة في إرث تركه الميت يتوقف على ثبوت أمرين الأوّل- كون الخيار حقا لا حكما نظير حق المالك ان يجيز البيع الجاري على ماله فضولا و جواز أن يرجع الواهب في هبته و جواز الفسخ في العقود الجائزة فإنّ الجواز في هذه المورد حكم شرعي و الحكم الشرعي يتبع موضوعه و لا يدخل في الإرث و كذا لا يحكم بالإرث فيما إذا تردد كون شي ء حقا أو حكما فإنّ الأصل عدم ثبوته للوارث أو عدم انتقاله الى غيره و ليس في البين ما يدل على كون الخيار حقا اى قابلا للإسقاط في مقابل الحكم غير ما دل على انتهاء الخيار بالتصرف في المبيع الحيوان معلّلا بأنّ التصرف رضاء بقرار البيع و

استفادة كون الخيار في جميع موارده حقا قابلا للإسقاط لا يخلو عن اشكال و التمسك على كونه مطلقا قابلا للإسقاط بالإجماع فيكون حقّا مستغنى منه بقيام الإجماع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 472

..........

______________________________

نفس إرث الخيار كما تقدم.

الثاني بعد كون الخيار حقا قابلا للإسقاط ثبوت كونه من الحقوق التي تقبل النقل ليثبت للوارث و يصدق انه مما تركه الميّت بان لا يكون من له الحق مقوما للحق كما في حق الجلوس للمسجد أو السوق فإنّه يثبت للجالس و لا ينتفل الى غيره و كذا حق التولية أو النظارة فإنه يثبت لمن يجعله الواقف أو الحاكم متولّيا أو ناظرا و لا يثبت لوارثه الّا ان يجعل الواقف أو الحاكم وارثه ايضا متوليا أو ناظرا أو إثبات هذا الأمر في الخيار بغير الإجماع مشكل و التمسّك باستصحاب بقاء الحق بعد موت من له الحق غير ممكن لعدم إحراز بقاء الموضوع و احتمال ان لا يكون عدم ثبوت الحق للوارث من عدم بقاء الحق بل من عدم ثبوته من الأول كما لا يخفى.

أقول قد تقدم في البحث في حقيقة الخيار أنّه سلطنة على المعاملة المنشأة و يكون لمن له الخيار سلطنة قرار العقد و إلغائه و هذه السلطنة تأسيسيّة كخياري المجلس و الحيوان و إمضائيّة كخياري الشرط و الغبن و غيرهما و بما ان الخيار المشترط في اعتبار المتعاقدين حقي و وقع الإمضاء الشرعي بما هو عند المتبايعين بحسب اعتبارهم فلا ينبغي التأمّل في كون الخيارات الإمضائيّة من الحقوق و كذا الخيار التأسيسي فإنّ قوله عليه السلام الخيار في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا ظاهر عدم اختلاف الخيار في المجلس

و الثابت إلى ثلاثة أيام و انه سنخ واحد و مع ملاحظة ما دل على كون الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام بنحو الحق كالحكم بسقوطه بالرّضا ببقاء العقد و الإغماض عن فسخه يكون خيار المجلس ايضا كذلك أضف الى ذلك انّ المتبادر من الخيار في قوله البيّعان بالخيار انّه من سنخ ما يشترطه المتبايعان لأحدهما أو كلاهما و لذا عبر عن خيار الحيوان بالشرط في الحيوان و كيف ما كان فالعمدة في المقام ما ذكر من اعتباره في بناء أرباب المعاملات بنحو الحق و إمضاء الشارع ظاهره كجعله انّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 473

..........

______________________________

على ما هو عليه عند أبناء المعاملات و الّا فالإجماع في المقام مدركي لا يصلح للاعتماد عليه و في صحيحة الحلبي في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط و فيها دلالة واضحة على خيار الحيوان لا يختلف عن الخيار المشروط إلى ثلاثة أيّام في سنخه.

و امّا بالإضافة إلى الأمر الثاني و ان الالتزام بالإرث في الخيار يحتاج إلى إثبات كونه قابلا للنقل فإن أريد بالنقل النقل الاختياري فلا حاجة الى إثباته فإن بعض الحقوق لا يقبل النقل الاختياري كحق القصاص بل الشفعة مع انّهما يورث و ان أريد النقل القهري فالنقل القهري اى الإرث بنفسه مورد الكلام في المقام.

فالصحيح ان الالتزام بالإرث يتوقف على اعتبار النبوي المعروف من قوله (ص) ما ترك الميت من حق فلو إرثه أو إثبات كون الخيار مما ترك ليعمه بعض آيات الإرث و ان لم يثبت اعتبار النبوي كما لا يخفى.

و الحاصل ثبوت الحق لشخص يكون بعنوان مقوم للحق عرفا كثبوت حق

الحضانة للأم و حق القسم للزوجة و حق السبق الى المسجد و المشهد للجالس و مثل هذه الحقوق لا يدخل في الإرث لانتهاء العنوان المقوم بانتهاء حياة الشخص و قد يكون العنوان غير مقوم له و يقال من هذه الحقوق ما يكون الغرض منه جلب المال كثبوت حق التحجير و حق الصيد بنصب الشبكة و الخيار من هذا القبيل.

و لكن إثبات هذه الضابطة لا يخلو من صعوبة فإنه لا فرق في اعتبار أبناء المعاملات بين الخيار المشترط لأحد المتعاقدين أو لأجنبي مع ان الثاني لا يورث بلا كلام فلا يبعد ان يكون العمدة في مسألة إرث الخيار هو الإجماع أو يدعى ان الخيار المجعول للأجنبي من قبيل ثبوت الحق لشخص بعنوان مقوّم بخلاف الثابت لأحد المتعاقدين تأسيسا أو إمضاء بمعنى انه يثبت الخيار لأحد المتعاقدين بعنوان يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 474

[بقي الكلام في ان إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال]

اشارة

ان إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال (1).

______________________________

ذلك العنوان دخيلا في حدوث الخيار و لكن لا يكون حياة الشخص بقاء دخيلا في بقاء ذلك الحق فينتقل الى الوارث بأدلة الإرث و يكشف عن عدم كون الحياة لمن له الخيار مقوّما له مثل قوله عليه السلام عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) البيعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام فإن المراد من صاحب الحيوان مالكه المشترى و من الظاهر ان الحياة لا تكون مقوّما للملكيّة في المال و الرواية دالّة على انّ الخيار يثبت للمالك فيكون كأمواله تركه له فيرثه من يرثه ماله.

(1) إرث الخيار لا يتبع إرث المال و إذا كان دين الميت مستغرقا لجميع تركته فلا إرث بالإضافة إلى

المال و لكن لو كان العقد على بعض تركته متعلّقا للخيار للميّت فينتقل ذلك الخيار الى ورثته لأن إرث المال من بعد الدين فلو لم يكن المال من تركته زائدا على الدين فلا إرث بخلاف الحقوق للميت مما لا تقبل المعاوضة عليها لعدم كونها مالا فيدخل تلك الحقوق في الإرث.

و بهذا يظهر ان الخيار للوارث من قبيل إرثه استقلالا لا تبعا لإرث المال حتى لا يكون الخيار موروثا في فرض استغراق الدين للتركة نعم الموانع عن إرث المال مانع عن إرث الحق أيضا و لو لم يكن الحق مالا يبذل بإزائه المال كقتل الوارث مورّثه أو كفره أو كونه رقا فان ما ورد في انه لا يرث القاتل أو الكافر أو الرّق يعم ما إذا كان الموروث مالا أو حقّا.

و في صحيحة هشام ابن سالم عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لا ميراث للقاتل و- صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه السلام) سمعته يقول لا يرث اليهودي و النصراني المسلمين و يرث المسلمون اليهود و النصارى و في صحيحة محمد ابن مسلم عن أحدهما عليه السلام لا يتوارث الحر و المملوك الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 475

[ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت]

ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت (1).

______________________________

و اما إذا كان الوارث محروما عن إرث بعض المال فالأظهر عدم حرمانه من إرث الخيار المتعلّق بالعقد على ذلك المال و الوجه في ذلك ان حرمان غير الولد الأكبر عن الحبوة أو حرمان الزّوجة غير ذات الوالد أو مطلقا من العقار تخصيص في أدلة الإرث و قد تقدم ان

التوارث في الحقّ المتعلق بالعقد على المال لا يتبع ذلك المال بل الحق بنفسه داخل في خطابات الإرث بل لو قلنا بأنّ الخيار حق متعلّق بنفس المال لا بالعقد على ذلك المال يكون الأمر أيضا كذلك فانّ الحق المتعلّق بالمال غير ذلك المال و ما دل على اختصاص الولد الأكبر بالحبوة أو حرمان الزوجة عن العقار مقتضاه انّ نفس الحبوة لا يكون ميراثا لغير الولد الأكبر و كذا الزوجة محرومة عن نفس العقار لا عن الحق المتعلق بها كما لا يخفى.

(1) ثم ان المصنف (ره) قد ذكر في المسألة أقوالا أربعة الأول الإرث مطلقا:

الثاني عدم الإرث مطلقا و ثالثها التفصيل بان يثبت الخيار للمحروم فيما إذا انتقل الى الميت المال الذي يحرم الوارث عنه و لا يثبت ما إذا كان منتقلا عنه و بهذا صرّح فخر الدين في الإيضاح و فسرّ به عبارة والده. و الرابع عكس ذلك بان يثبت الخيار للمحروم فيما إذا انتقل المال المزبور عن الميت و الاشكال فيما إذا انتقل اليه.

و قال لم أجد من جزم بالقول بعدم الإرث مطلقا و لكن يمكن توجيهه بان ما يحرم عنه الوارث لو كان منتقلا عن الميت كالحبوة فلا معنى لثبوت الخيار لسائر الورثة لعدم إمكان الفسخ منهم فانّ الفسخ عبارة عن إخراج ذي الخيار ما يملكه فعلا الى ملك الآخر بإرجاع ملك الآخر الى نفسه و من الظاهر ان ما يملكه سائر الورثة من ثمن بعض الحبوة لا يمكن لهم إخراجه عن ملكهم و إرجاع ما بإزائه من المثمن اى بعض الحبوة الى ملكهم و كذا لا يمكن ان يثبت الخيار لهم فيما إذا انتقلت الحبوة إلى ملك الميت.

فإن سائر الورثة لا يملكون

شيئا من الحبوة ليخرجوها الى ملك الآخر و يملكون ما بإزائها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 476

[رابعها عدم الجواز في تلك الصورة و الإشكال في غيرها]

و حاصله انّ الميّت انما كان له الخيار (1).

______________________________

من الثمن. و الحاصل انّ الخيار حق لاسترداد ما انتقل من ماله بعد تسلطه على ما وصل اليه و المفروض عدم تحقق ذلك بالإضافة إلى المحروم عن الحبوة.

و لكن قد يورد على ذلك كما في الإيضاح ان ثبوت الخيار لا يقتضي ما ذكر و لذا يصح جعل الخيار للأجنبي مع انّه لا يتمكن على إرجاع المال الى نفسه أو إخراجه عن ملكه و بتعبير آخر حقّ الخيار ليس تابعا لملكيّة المال في الإرث و مقتضى ما دل على اختصاص الحبوة بالولد الأكبر أو حرمان الزوجة عن العقار تخصيص الإرث بالإضافة إلى نفس المال لا بالإضافة إلى الخيار.

و أجاب (ره) عن النقض باشتراط الخيار للأجنبي بان الأجنبي منصوب من قبل أحد المتعاقدين و يكون فسخه كالفسخ من أحدهما و الخيار عبارة عن سلطنة ذي الخيار إلى إرجاع المال الى نفسه أو إلى من نصبه بعد تسلّطه على إخراج ما هو ملكه أو ملك من نصبه فعلا و هذا لا يجري في حق المحروم عن بعض المال في الميراث فلا ينتقل الخيار الّا الى وارث يكون له السلطنة على ما ذكر.

و دعوى انه لو انتقلت الى الميت ما يحرم عنه كان الثمن المدفوع الى الطرف الآخر متزلزلا فيكون في معرض العود الى جميع الورثة و منهم المحروم فيكون لجميع الورثة حقا في ذلك الثمن فيثبت لهم الخيار في هذه الصورة يمكن دفعها بأنّ الخيار عبارة عن السلطنة على الثمن المزبور بعد السلطنة على ما وصل بإزائه فعلا إليه

الى من نصبه و الالتزام بثبوت الخيار للمحروم يستلزم سلطنة جميع الورثة على الحبوة و هذا من تسلّط الشخص على مال الغير كما ذكر في جامع المقاصد.

(1) يعنى حاصل ما ذكر في وجه عدم إرثها من الخيار هو انّه يكون الخيار للميّت حيث كان له علقة فيما انتقل عنه لتسلّطه على ردّ ما بيده من الأرض الى صاحبه ليتملّك بإزاء تلك الأرض الثمن الّذي بيد صاحبه و لا ينتقل الخيار عن الميت الّا الى ورثة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 477

..........

______________________________

تكون كالميت في هذا التسلّط و من الظاهر انّه لا تكون الزوجة كذلك لعدم تسلّطه على رد الأرض و ان يكون لها حصّة من الثمن على تقدير فسخ سائر الورثة المعاملة الجارية على الأرض و قد تقدم نظير ذلك في عكس هذه الصورة أي فيما انتقل الأرض عن الميت فإنّ الزوجة و ان تملّك حصّتها من الثمن الّا انه لا يمكن لها تملك ما بإزائها من الأرض برد تلك الحصة و قد تقدم في خيار المجلس عدم ثبوته للوكيل لأن الوكيل لا يكون مسلطا على ردّ ما وصل الى موكلّه ليمكن له تملك ما بإزائه مما انتقل عن موكلّه و هذا الكلام يجري في حق الزّوجة أيضا فيما انتقل الأرض إلى الميت.

اللّهم الّا ان يقال بالفرق بين الوكيل في خيار المجلس و بين الزّوجة فيما انتقلت الأرض إلى الميت و وجه الفرق ان تزلزل ملك صاحب الوكيل في المعاملة كان متوقّفا على تسلط الوكيل على ردّ ما وصل الى موكلّه و هذه السلطنة لم تكن ثابتة بخلاف ما نحن فيه فان ملك المشترى ثمن الأرض الّتي باعه من الميت متزلزل على

كل تقدير سواء كان للزوجة خيار أم لا لثبوت الخيار لسائر الورثة فيكون للزوجة علقة في ذلك الثمن بإرجاعه إلى ملك الميت لترث منه.

نعم فيما إذا انتقل الأرض عن الميت فلا يكون لها علقة في الأرض المنتقلة إلى الميّت و لو لم تكن للزوجة خيار الفسخ فيما إذا انتقلت الأرض إلى الميت بدعوى انها لا تتمكن على ردّ الأرض إلى بائعها لتملّك حصتها من الثمن لا يكون لسائر الورثة أيضا خيار الفسخ فإنهم لا يتملكون تمام الثمن بإزاء الأرض التي يردونها على بائع الأرض اللهم الّا ان يقال لهم خيار الفسخ بالإضافة إلى حصصهم من الثمن و لازم ذلك تبعض المعاملة الجارية على الأرض في الفسخ و لكن يأتي ان تبعض في الفسخ مشكل و على ذلك فيقوى ثبوت الخيار في شراء الميت الأرض للزوجة ايضا على ما ذكر في الإيضاح و فسرّ به عبارة والده.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 478

..........

______________________________

قال في القواعد الخيار موروث بالحصص كالمال من أيّ أنواع الخيار إلّا في الزوجة غير ذات الولد في الأرض على اشكال أقربه ذلك ان اشترى بخيار لترث من الثمن يعني الأقرب كون الخيار موروثا للزوجة و نتيجة هذا الخيار ان ترث من ثمنها و قال في الإيضاح في توضيح الاشكال ان الزوجة لا ترث من الأرض فلا ترث من خيار المتعلق بالأرض و وجه ثبوته لها انّ الخيار لا يتوقف على ملك المال كثبوت الخيار للأجنبي و لكن عن المصنف الوالد انه لو كان المورّث أى الميت قد اشترى حال حيوته الأرض بخيار فالأقرب إرثها من- الخيار لأن للزّوجة حقا في الثمن و يحتمل ان لا يثبت لها الخيار لأنها لا

ترث من الثمن الّا بعد فسخ المعاملة فملكها للثمن يتوقف على الفسخ و لو علّل الفسخ بملكها للثمن لدار و مع ذلك الأصح اختيار المصنف لانّ شراء الأرض يستلزم منعها عن جزء الثمن الّذي انتقل إلى بائع الأرض و الثمن المزبور منزل منزلة تركة الميت باعتبار الخيار.

و لكن ذكر في جامع المقاصد في قوله الأقرب ذلك أي الأقرب من ثبوت الاشكال عدم إرثها فيما إذا اشترى الميت الأرض و أراد الزوجة من خيارها ان ترث من الثمن و اما إذا باع الميت الأرض فالإشكال في ثبوت الخيار لها بحاله لأنّها لو فسخت المعاملة لم ترث شيئا من الأرض التي ترجع الى ملك الميت.

أقول قد تقدم ان الخيار حق يتعلّق بالعقد لا بالعوض في المعاملة و لذا يجوز لمن انتقل اليه العوض في المعاملة التصرف فيه الّا مع اشتراط إبقائه في تلك المعاملة أو غيرها و عود المالين الى ما كانا عليه من حين الفسخ لا يكون بالفسخ فإنّ شأن الفسخ انتفاء العقد الناقل لا العود بل عودهما يكون بالسبب الذي كان قبل العقد الملغى فلا يكون حرمان الورثة عن المال العائد إلى ملك الميت موجبا لعدم ثبوت الخيار لهم فضلا عن حرمان بعضهم و تشريع الخيار في المعاملات للتروي في صلاح عود المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 479

يحتاج إلى زيادة تقدير (1).

[كيفية استحقاق كل منهم خيارا مستقلا]

[الأول ما اختاره بعضهم]

الأول ما اختاره بعضهم (2).

______________________________

على تقديره حكمة لا علّة لتدور مدار عود المال فلا حظ ثبوته مع تلف المال كما لا يخفى.

(1) يعني إذا كان ذلك في كلام العلّامة (أقربه ذلك) إشارة الى عدم الإرث يحتاج قوله لترث من الثمن الى تقدير أقول يمكن ان يكون لترث غاية

للمنفي فلا يحتاج الى التقدير سواء كان ذلك إشارة إلى الإرث أو عدمه.

(2) قيل في كيفيّة إرث الورثة الخيار وجوه أربعة الأوّل- ان يثبت الخيار لكل من افراد الورثة مستقلا بالإضافة إلى العقد الجاري على تمام المال بحيث لو فسخ أحدهم و لو بعد اجازة الآخرين ينفسخ العقد في تمام المال نظير ما في حق القذف الثابت للمتعدد كالأخوين فيما إذا عفى أحدهما القاذف لامّها يثبت للآخر منهما حق القذف و مثل ذلك ما عليه المشهور في حق الشفعة من انه إذا كان للمورث حق الشفعة فلكلّ من ورثته الأخذ بذلك الحق في تمام الحصّة المبيعة بدعوى انّ مقتضى النبوي المتقدم من انّ ما ترك الميت من حق فلوارثه ثبوت الخيار لكل من الورثة فإنّ الخيار يقبل التعدد بخلاف المال فانّ المال الواحد لا يعقل كونه مملو كالكل واحد واحد من الورثة مستقلا فلا بد من الالتزام فيه بالإشاعة.

و أورد المصنف على هذا الوجه بأنه لا دلالة للنبوي على إرث الخيار لكل واحد من الورثة استقلالا لأن المراد بالوارث الجنس الصادق على الواحد و الكثير و قيام الخيار بجنس الوارث بتصور بوجوه أربعة و ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة الجمع فالأمر فيه ايضا كذلك فانّ المراد امّا جنس الجمع أو جنس المفرد أو الاستغراق الأفرادي أو الاستغراق المجموعي و لكن الظاهر هو الثاني أي جنس الفرد فيكون مساويا لما تقدم من صيغة المفرد مع ان الاستغراق الأفرادي لا يمكن في إرث الخيار للقرينة العقلية و اللفظيّة فالقرينة العقليّة هو عدم إمكان الخيار الواحد الذي كان للميّت لكل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 480

..........

______________________________

الورثة على سبيل الاستغراق مع ان المراد

من العموم بالإضافة إلى المال المجموعي و لو كان بالإضافة إلى الحق الأفرادي لزم الاستعمال في المعنيين و هذه هي القرينة اللفظيّة و لو ثبت الخيار في المقام لكل من الورثة فتكون الورثة كالوكلاء المتعددين في انّ أيّهم سبق إلى إجازة العقد أو فسخه نقد تصرف السابق و لا يتقدّم الفسخ و لو مع تأخّره عن اجازة الأخرين كما ذكر القائل المزبور.

أقول إرادة الاستغراق المجموعي أو الأفرادي من كيفيّة تعلق الحكم أو الحقّ فإن كان الحق المتعلّق للمتعدد انحلاليا يكون الاستغراق افراديّا و ان كان غير انحلال بل واحدا يكون بنحو الاستغراق المجموعي و إذا كان الحق الذي تركه الميت واحدا فتعلقه بالمتعدد يكون بنحو العام المجموعي لا محالة و على ذلك فلا بد من الالتزام في المقام بثبوت خيار واحد لمجموع الورثة فلا ينفذ الفسخ من بعضهم بدون اتفاق الآخرين و رضاهم و الأمر في إرث حق الشفعة أيضا ذلك و اما حق القذف فليس لدليل الإرث بل ثبوت حق القذف لمثل أحد الأخوين مع عفو الآخر أو عدم مطالبته مورد النص كثبوت حق القصاص لكل من أولياء المقتول.

و يظهر مما ذكرنا انّه لا وجه لثبوت الخيار لكل واحد من الورثة بالإضافة إلى حصّة من المال و وجه الظهور انّ الخيار حق متعلق بالعقد على المال لا بنفس المال و انّ الخيار المنتقل إلى الورثة ميراث من ميتهم و من الظاهر انّ الخيار الثابت للميّت لم يكن انحلاليّا بالإضافة الى الأجزاء المشاعة للمال و هذا بخلاف إرث المال كما لا يخفى كما ظهر انّه لا وجه لثبوت الخيار لطبيعى الوارث بمعنى ان أيهم سبق إلى إجازة العقد أو فسخه نفذ التصرّف من السابق و

وجه الظهور ان مع تعدد الوارث كما هو الفرض لا يفترق إرث المال عن إرث الحق و كما انّ المال يكون ملكا لمجموعهم كذلك الحق فانصراف الحق إلى كونه ملكا لطبيعى الوارث لا لأفراده تفكيك مخالف ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 481

[الثالث استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه]

و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل (1).

ثم انه ربما يحمل ما في القواعد (2).

______________________________

طبقات الإرث فإن ظاهر ما دل على الطبقات ان كلّ افراد طبقة يشترك في الميراث مالا كان أو حقّا لا انّ الحق يكون ملكا للطبيعى الوارث نظير ملكيّة الزكاة و نحوها لعنوان الفقراء أو عنوان الحكومة فيصير كل من الأفراد المنطبق عليهم عنوان الحكومة وليا في التصرف من ذلك المال.

(1) قد تقدم عدم الفرق بين إرث الخيار و إرث حق الشفعة و كما انّه لا ينفذ الفسخ من أحد الورثة من غير اتفاق الآخرين كذلك الأمر في الأخذ بالشفعة و اما ما ذكر المصنف (ره) من ان ثبوت حق الشفعة للوارث الواحد مع عدم أخذ باقي الوارثة بها لكون الشركة الحاصلة بين مشتري الحصّته المبيعة و الوارثة ضرريّة لكل واحد من الورثة ففيه ما لا يخفى فانّ الضرر قد حصلت ببيع الحصّة و لو جرت قاعدة نفى الضرر كان مقتضاها بطلان ذلك البيع مع انّ بطلانه أيضا ضرري على شريك الميت البائع و الحاصل انّ ثبوت حق الشفعة لكل من الورثة مع امتناع الآخرين عن الأخذ بالشفعة الموروثة حق آخر غير موروث و يتدارك به الضرر و قد ذكرنا مرارا ان قاعدة نفى الضرر لا يثبت حكما أو حقّا يتدارك به الضرر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2) ظاهر القواعد عدم نفوذ فسخ

بعض الورثة مع عدم اتفاق الآخرين و لكن قد يقال ان المراد عدم نفوذ فسخ بعض الورثة في سهمه من المال لا عدم نفوذ فسخه في الجميع و على ذلك فلو فسخ بعضهم العقد في جميع المال و أجاز الآخرون قدّم الفسخ.

و ينسب ذلك الى كل من منع عن تفريق الورثة و في الحدائق ان تصريح الأصحاب بتقديم الفسخ في الكل على اجازة المجيز و لكن نسب في الرياض هذا التقديم الى قيل و ناقش فيه بقوله و في تقديم الفسخ على الإجازة إشكال.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره ان اجازة بعض الورثة يوجب عدم نفوذ الفسخ من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 482

[فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم]

فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم (1).

______________________________

الآخرين حتى فيما توافق الكل على ذلك الفسخ فيما بعد بمعنى انّ اجازة أحدهم يوجب سقوط الخيار و انتفائه حيث ذكر في ذيل حكاية كلام القواعد في خيار العيب (من أنه فلا إشكال في وجوب توافقهما) و المراد بوجوب التوافق الوجوب الشرطي و معناه عدم نفوذ التخالف و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ اجازة أحدهما مع فسخ الآخر بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون أجازته الفسخ المزبور.

و لكن يمكن ان يقال مقتضى كون الخيار حقا للجميع ان يكون سقوطه أيضا بإسقاط الجميع لا بإسقاط واحد منهم و لو مع عدم رضا الآخرين كما هو الفرض.

(1) ذكر (قده) في هذا الفرع أمورا: الأول انه إذا اجتمع الورثة كلّهم على فسخ العقد الجاري على العين المنتقلة عن ملك الميت فان كان الثمن بعينه باقيا فللمشتري استرداده و ان لم يكن باقيا بصير ذلك الثمن التالف دينا من

ديون الميت فيخرج من تركته.

الثاني انه لا يمنع الورثة عن فسخ العقد و لو كان على الميت دين مستغرق لتركته لأن الورثة و ان يكونوا محجورين بالإضافة إلى إرث المال الّا ان لهم حق الخيار الذي تركه ميتهم و على ذلك فيجوز في الفرض للورثة فسخ العقد الجاري على العين المنتقلة عن ميتهم أو الى ميتهم و هل يجوز لهم الفسخ و ان لم يكن صلاحا للديّان كما إذا كان الثمن بعينه باقيا على ملك الميت و كان قسمته للغرماء أصلح من قسمته العين المفروضة مثمنا لذلك الثمن.

و على تقدير جواز الفسخ مطلقا أو فيما كان صلاحا للغرماء فلا يجير الورثة على الفسخ لان الفسخ حق لهم لا عليهم و لا يجبر ذو الحق على الانتفاع بحقّه.

الثالث: لو لم يكن للميت تركة و فرض تلف الثمن الذي أخذ مورّثهم من مشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 483

..........

______________________________

العين فقد تقدم ان للورثة فسخ العقد فهل مع فسخه يكون الثمن على الورثة على حسب سهامهم من العين أو يصير الثمن دنيا على الميت فيلزم وفائه من العين المرجوعة الى ملك الميّت فان كان فسخ الورثة من قبيل فسخ الوكيل أو الأجنبي المشروط له الخيار فيرجع العين الى ملك الميّت فيوفى بها دينه بل لو كان للميت غرماء ضرب المشترى مع الغرماء في الثمن المزبور.

و الحاصل مقتضى خروج الثمن المعين عن ملك المورث و ثبوت الثمن أي كلّيه بذمته ان لا يكون ما يدفعه الوارث عوضا عن المبيع بل يكون وفاء لدين الميت لتلف عين الثمن.

نعم إذا كان الفسخ تملكا جديدا من الورثة بالإضافة إلى العين و بإزاء ما يدفعون نظير أخذهم بحقّ الشفعة

الموروثة حيث يتملكون الحصة في الأخذ بالشفعة بإزاء الثمن الذي يدفعون من مالهم يلزم عليهم في الفسخ ايضا الثمن على حسب سهامهم الرابع انه لو قيل بان لكل واحد من افراد الورثة خيار الفسخ بالإضافة إلى تمام العقد ففي فرض فسخ بعضهم و امتناع الآخرين يرجع العين الى ملك جميعهم أو الى ملك الفاسخ فقط فيكون الثمن عليه فهذا ايضا مبنى على ان فسخه من قبيل فسخ الوكيل أو الأجنبي المشروط له الخيار أو أنه كالميت يتملّك العين بإزاء ما يدفعه إلى المشترى.

ثم قال (ره) ان الفسخ في الفرضين يعنى المفروض في الأمر الثالث و المفروض في الأمر الرابع كوقوع الفسخ من المورث في كونه تملكا للعين بإزاء ما يدفعه الفاسخ من مال نفسه على الأظهر و استشهد لذلك بالخيار الثابت للورثة فيما إذا باع مورثهم العين ببيع الخيار فإنه لا ينبغي التأمل في جريان السيرة على دفع الورثة مثل الثمن من ما لهم و يستردون العين لأنفسهم من غير ان يلزموا بأداء دين الميت من تلك العين فيما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 484

..........

______________________________

إذا اخرجوا ديون الغرماء بحسب تركة الميت قبل الفسخ.

أقول: يرد عليه قده ان ما اختاره في الفرضين ينافي ما ذكره في الأمر الأول من انه على تقدير عدم التركة للميت و وقوع الفسخ بعد تلف عين الثمن يكون دينا على الميت فيخرج من تركته فان مع كون الفسخ من الورثة تملكا لأنفسهم لا وجه لكون الثمن دينا على الميت هذا أولا و ثانيا قد تقدم، ان الفسخ يتعلق بالعقد و معنى فسخ العقد إلغائه و اما عود ملكيته المبيع و الثمن يكون بالسبب الذي كان قبل العقد

و لا يكون الفسخ إنشاء تملك جديد أصلا و عليه فلا بد من عود المبيع الى ملك المورث على جميع التقادير و عود الثمن الذي أخذه مورثهم الى ملك المشترى ثانيا سواء كان ذلك الثمن باقيا أو تالفا غاية الأمر لازم، ملكية التالف المضمون ردّ المثل أو القيمة.

و الحاصل يكون الثمن التالف دنيا على الميت فيوفى من العين المرجوعة الى ملك الميت و يجوز للورثة أدائه من مال أنفسهم فتدخل العين في موضوع الإرث كما هو الحال فيما إذا كان للميت تركة بمقدار ديونه فان مع أداء الوارث الدين من مالهم تدخل التركة في موضوع الإرث و اما قياس الخيار بأخذ الوارث بحق الشفعة في دفع الورثة الثمن من أموالهم في الأخذ بحق الشفعة غير صحيح فإن الأخذ بحق الشفعة لا يوجب انحلال العقد الجاري على الحصة كي تعود الحصة إلى ملك الميت بل الأخذ بحق الشفعة تملك للحصة بإزاء دفع مثل الثمن الى مشتريها كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر الحال في الفسخ ببيع الخيار فان دفع الوارث مثل الثمن إلى مشتري العين فسخ للبيع و مبادلة أخرى بين المدفوع و بين الثمن التالف أو الباقي على ما ذكر في محله. و الحاصل يلزم لما ذكر قده ان لا يكون تملك الوارث للعين المنتقلة عن الميت من قبيل الميراث فلا وجه- لتقسيط تلك العين بالحصص و لو مع اتفاقهم على الفسخ فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 485

[مسألة لو كان الخيار لأجنبي فمات]

لو كان الخيار لأجنبي فمات (1).

[مسألة من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف]

من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف (2).

______________________________

(1) ذكر قده أنه لو شرط الخيار لأجنبي فمات الأجنبي ففي انتقال الخيار لوارثه فإنه مقتضى ما دلّ على ان ما ترك الميت من حقّ لوارثه أو أنه ينتقل للمشروط له فان ثبوت الخيار للأجنبي حقّ له أو أنه ينتهى بموت الأجنبي فلا يثبت للمشروط له و لا لورثته وجوه أقواها انتهائه بموته لان الظاهر من جعل الخيار للأجنبي كون حياته مقوّما لحق الخيار.

أقول كون حياة الأجنبي مقوّما لحق الخيار باشتراط المتعاقدين و لو ارتكازا مقتضاه انتهاء الخيار عند موته و هذا الشرط الارتكازي لا يكون مخالفا للكتاب و السنة الدالتين على الإرث و ذلك فان الموضوع للإرث ما ترك الميت و مع شرط سقوط الخيار و نحوه لا يكون حق الخيار المزبور مما ترك لينتقل الى وارثه بل يمكن دعوى ان خيار المجلس و نحوه إذا ثبت للوكيل كما إذا لم يكن وكيلا في مجردا اجراء العقد لا ينتقل الى ورثته لان الخيار كان من أثر الوكالة المنتهية بموته.

(2) ذكر قده حصول الفسخ بالفعل كحصوله بالقول و لعل هذا متسالم عليه بينهم في بابي الإجازة و الفسخ و حيث ذكروا في وجه حصول الإجازة بالفعل ظهوره فيها فيكون الأمر في الفسخ بالفعل كذلك و قد استظهر اعتبار الدلالة على الرضا و الإغماض عن الخيار من صحيحة على بن رثاب عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترطا فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى

ما يحرم عليه قبل الشراء فان ظاهر تعليله عليه السلام سقوط الخيار بالحدث دلالته على الرضا.

و كذلك النبوي الوارد في خيار الحيوان ايضا و فيه قال رسول اللّٰه (ص) في رجل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 486

..........

______________________________

اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستخلف باللّٰه ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان فان ظاهره ايضا اعتبار الرضا في سقوط الخيار و استحلاف المشترى يحمل على سماع دعوى البائع عليه بأنه لعل أغمض عن خياره فيكون الدعوى بنحو التهمة أو يحمل على دعوى ان المشترى كان قد أغمض عن خياره قبل التلف.

و لو فرض ظهور صحيحة على بن رثاب في سقوط الخيار بكل فعل لا يجوز ذلك الفعل لغير المالك و ان لم يكن له ظهور في إغماض الفاعل عن حقّ خياره و ان هذا السقوط تعبد يبقى اعتبار الظهور في ناحية كون الفعل فسخا بحاله الّا ان يدعى الإجماع على عدم الفصل بين الإجازة و الفسخ و هذا الإجماع أي عدم الفصل و ان لم يكن بعيدا الّا انه يستفاد من أكثرهم اعتبار الدلالة على الرضا في سقوط الخيار بالفعل بل كلماتهم في المقام يعنى حصول الفسخ بالفعل ايضا كذلك.

قال العلامة في التذكرة ان عرض ذو الخيار ما باعه للبيع ثانيا أو اذنه أو توكيله الآخر في بيعه أو جعل المبيع المزبور رهنا لم يتم لعدم القبض و كذلك هبته مع عدم القبض فسخ كما أنها من المشترى الذي له الخيار اجازة لدلالتها فيما إذا صدرت عن البائع الذي له الخيار على طلب المبيع و الإغماض عن الثمن و فيما إذا صدرت عن المشتري الذي له الخيار على

استيفاء المبيع و الإغماض عن خياره.

أقول قد تقدم حصول الإنشاء بالفعل كحصوله بالقول و يعتبر في الإنشاء الدلالة كان بالقول أو بالفعل و ظاهر صحيحة على بن رثاب بل و غيرها اعتبار إسقاط الخيار في سقوطه و لا ينافي ذلك كون النظر إلى الأمة المشتراة أو لمسها أو تقبيلها مسقطا تعبدّيا كما لا يبعد كون مطلق احداث الحدث في الحيوان كذلك بان يسقط الخيار به و ان كان مع الغفلة عن الخيار أو مع اعتقاد انه يجوز لغير المالك ايضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 487

..........

______________________________

و كيف ما كان فلا يستفاد من الروايات الواردة في خيار الحيوان سقوطه بكل فعل لا يجوز لغير مالك الأمة مع عدم عدّه حدثا بل السقوط مع عدم عدّه حدثا ينحصر بما إذا كان بقصد الإغماض عن حق خياره كما ان عدّه فسخا فيما إذا كان بقصده.

ثم قال ره ان بعض التصرف من ذي الخيار فيما انتقل اليه مما يحرم على غير المالك و ان يستشكل في دلالته على ارادة العقد و الإغماض عن الخيار الّا ان الأمر في تصرف ذي الخيار بتلك التصرفات فيما انتقل عنه خالية عن الإشكال في دلالتها على الفسخ لان المتصرف فيما انتقل عنه يكون غير مالك قبل التصرف فيكشف تصرّفه عن إرادته الفسخ كما هو مقتضى حمل فعل المسلم على الصحيح أى الحلال وضعا أو تكليفا كركوبه الدابة التي باعها من غيره بخيار و كذلك إذا كانت تصرفاته فيما انتقل عنه غير جائزة وضعا مع عدم قصده الفسخ كهبته المال الذي باعه من آخر قبل ذلك بخيار أو بيعه من آخر بعد البيع المزبور أو إجارته المبيع أو تزويجه الأمة التي

باعها قبل تزويجها بخيار ففي جميع ذلك يكون مقتضى حمل تصرفه الثاني على النافذ إرادته فسخ المعاملة التي كان له فيها الخيار.

لا يقال حمل فعل المسلم على الحلال في الفرض الأوّل لا يثبت إرادته فسخ المعاملة الجارحيّة على الدابة قبل ذلك كما ان الحمل على الصحة في التصرفات المعاملية فيما انتقل عنه و أصالة عدم الفضولية فيها لا تثبت إرادته الفسخ على ما هو المقرر في محلّه من عدم الاعتبار بمثبتات الأصول و لو صلى و بعد صلاته شك في صحتها لطهارته حال الصلاة يحكم بصحة صلاته و لكن عليه الوضوء للصلوات الآتية لأن أصالة الصحة في الصلاة لا تثبت الوضوء و لو طلق زوجته بحضور شخصين و شك الآخر في صحته طلاقه لعدالتهما يحكم بصحته و لكن أصالة الصحة لا تثبت عدالتهما بان يجوز للشاك الاقتداء بهما في الصلاة أو طلاق زوجته عندهما الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 488

..........

______________________________

فإنه يقال كل من أصالة الصحة بمعنى حمل فعل المسلم على الصحة يعني الحلال و حمل تصرفه على النافذ من قبيل الامارة فتثبت بها ارادة المتصرف فسخ المعاملة التي كان له حق الخيار فيها فإن الأوّل من ظهور فعل المسلم في الحلال و الثاني من ظهور تصرف المتصرف في كونه استقلاليا و عن نفسه لا عن الغير وكالة أو فضولا.

بل لو كان أصالة عدم قصد الفضولية أصلا عمليّا تكون حاكمة على أصالة عدم فسخ العقد لان احتمال عدم قصد الفسخ ناش عن احتمال قصد الفضولية و لكن الإنصاف عدم ترتب فسخ العقد على عدم قصد الفضولية في التصرف بل فسخه مترتب على قصده فقصده مع قصد التصرف فضولا من المتضادين

و نفى أحد الضدين لا يثبت الضّد الآخر فيكون أصالة عدم قصد الفضولية معارضة بأصالة عدم ارادة الفسخ و عدم الفسخ.

أقول لا ينبغي التأمل في أمرين: الأوّل حيث ان الفسخ و الإجازة من قبيل الإنشاءات فيحتاج كل منهما زائدا على قصدهما الى ابرازهما بمبرز و إذا كان الفعل كالقول في ظهوره و لو بقرينة المقام في- إرادة الفسخ أو الإجازة كفى في تحققهما.

الثاني: انه إذا صدر الفعل الظاهر و لو بحسب المقام في إرادة الفسخ أو الإمضاء عن ذي الخيار يعتبر هذا الظهور و يستكشف به ارادة الفاعل كما يؤخذ بظهور القول و حيث ان التصرف المعاملي من شخص ظاهر في كونه بالأصالة لا عن الغير وكالة أو فضولا يكون تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بإجارته العين التي باعها من آخر بخيار أو هبتها و بيعها من آخر ثانيا ظاهرا في كونه بالأصالة و- يكشف عن إرادته الفسخ و هذا الظهور لا يدخل في الأصل العملي ليستشكل في اعتباره بالإضافة إلى إرادة الفسخ كما لا يخفى.

و اما إذا لم يكن للفعل ظهور في إرادة الفسخ أو الإمضاء و انما يحرم ذلك- الفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 489

..........

______________________________

لغير المالك تكليفا كركوب الدابة التي باعها فان دل نص أو تمّ إجماع على ان الفعل المزبور إجازة أو فسخ حتى فيما إذا لم يكن الفاعل مريدا لهما فيؤخذ به كما قام الدليل على ذلك في الحدث من المشترى أو تقبيل الجارية المشتراة أو لمسها أو النظر الى مواضع التحريم لغير مالكها و كما في المطلقة الرجعية حيث دل النص على ان مثل تقبيل المطلقة رجوع في الطلاق.

و ان لم يقم على ذلك

نصّ و لم يتم إجماع فيقع الكلام في الفعل المزبور في جهتين:

الاولى: هل يكون ذلك الفعل مع ارادة الفاعل الفسخ أو الإمضاء فسخا أو اجازة مع عدم ظهور الفعل في إرادتهما كما هو الفرض.

الثانية، على تقدير تحقق الفسخ أو الإجازة به هل يكون صدوره عن ذي الخيار يعتبر في الفسخ و الإجازة و في كشف إرادته الفسخ و الإجازة.

اما الاولى فلا يبعد الالتزام بتحقق الإنشاء بالفعل المزبور في الإيقاعات التي لا يعتبر فيها إلا الإتيان بالمبرز و لو بالإضافة إلى نفس الموقع كالإبراء و الاسقاط بخلاف ما يعتبر فيه الإبراز للغير كما في العقود حيث يعتبر فيها الإبراز بالإضافة إلى القابل ايضا.

و اما الثانية فلا يعتبر لعدم الظهور في الفعل كما هو الفرض الا مع قيام دليل في مورد كما ذكرنا فإن أصالة- الصحة بمعنى عدم صدور القبيح عن الفاعل لا تثبت شيئا و أصالة الصحة بمعنى وقوع الفعل التام فجريانها في مورد يتوقف- على إحراز أن الفاعل قد قصد تحقيق الفعل و شك في الإتيان به تاما أو ناقصا بعد إحراز أصل الإتيان به كما لو شك في ان المصلى على الميت اتى بالصلاة تاما أو فاسدا و اما إذا شك في أصل تحقق الصلاة من الغير فالأصل عدمها و على ذلك فلو شك في ان بايع الدابة بخيار هل فسخه بركوبها فالأصل عدم إرادته الفسخ كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 490

[مسألة و هل الفسخ يحصل بنفس التصرف]

اشارة

و هل الفسخ يحصل بنفس التصرف (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في ان عند تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بتصرف موقوف على الملك هل يحصل الفسخ و عود الملك الى المتصرف بنفس ذلك التصرف سواء كان اعتباريّا

كهبة ما باعه بخيار أو تصرفا خارجيا كوطي الأمة التي باعها بخيار أو- يحصل الانفساخ سابقا على التصرف بحيث يكون زمان عود الملك الى المتصرف متصلا بزمان تصرفه.

و بتعبير آخر هل يكون التصرف موجبا للفسخ أو يكون كاشفا عن سبق الانفساخ. و ذكر قده في وجه كون التصرف موجبا أمرين الأول: ان الفسخ الفعلي قسيم للفسخ القولي و كما ان الانفساخ يحصل بالفسخ القولي فلا بد من ان يكون التصرف- الفعلي فسخا يحصل به الانفساخ.

الثاني: اتفاق كلماتهم على ان الفسخ كالإجازة من قسم الإنشاء و لا يحصل الإنشاء بالنية فقط بل يعتبر فيه القول أو الفعل.

و ذكر أيضا في كون التصرف كاشفا عن الانفساخ و سبق عود الملك الى المتصرف أمرين الأول: ما تقدم عن التذكرة و غيره في وجه كون التصرف فسخا هو حمل فعل المسلم على الصحة و انما يفيد الحمل على الصحة في كون الفعل حلالا ان يكشف عن سبق الملك على التصرف و الا كان الفعل في أول وقوعه حراما.

الثاني: انه يستفاد من روايات خيار الحيوان ان رضا المشترى بشراء الحيوان بقاء يوجب سقوط خياره فمقتضى المقابلة بين الفسخ و الإجازة ان يحصل الفسخ أيضا بكراهة ذي الخيار فيما إذا كشف الفعل الرضا أو الكراهة.

و يؤيد كون الرضا موجبا لسقوط الخيار ما ذكروا من انه لا تحصل الإجازة فيما إذا اطلع بايع الأمة بخيار على وطي المشترى و سكت معللين ذلك بان السكوت لا يكشف عن الرضا فان مقتضى التعليل ان يكون مسقط الخيار هو الرضا و صرح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 491

و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة (1).

______________________________

الشيخ ره بأنه لو علم رضا

البائع بوطي المشتري سقط خياره.

و الحاصل انه يستفاد من كلماتهم ان الموجب لسقوط الخيار و انفساخ العقد رضا ذي الخيار بالعقد أو كراهته و لكن مع تقارنهما بما يدل عليهما و ما تقدم من الاتفاق على عدم حصول الإجازة و الفسخ بالرضا و الكراهة فمقتضاه عدم حصولهما بمجرد الرضا أو الكراهة و اما عدم حصولهما فيما إذا تقارنا بالفعل الكاشف فلا قائل بخلافه بل لا يكون في الفعل إنشاء فإنه ليس شأن الفعل غير الكشف و الظهور و لكن أورد على هذا الوجه بان لازمه ان لا يحصل الفسخ بالقول ايضا بنحو الإنشاء فإن القول ايضا كالفعل مسبوق بالرضا بالعقد أو كراهته فيحصل الإجازة أو الفسخ بهما لا بالقول.

(1) و حاصله ان الالتزام بأن وطي الأمة المبيعة بخيار يتضمن الفسخ اما بالالتزام بحصول (الفسخ مع الوطي) أو قبله فيكون الوطي على الثاني حلالا.

ثم ان ظاهر التحرير حصول الفسخ بنفس الفعل و عليه فلا يكون فسخ قبل الوطي فيكون الفعل في أوله حراما و هذا ظاهر كل من حكم ببطلان عقد الواهب فيما إذ رجع عن هبته بذلك العقد فان العقد المزبور في أوله لا يقع في ملك و لا فرق في هذا الحكم بين الرجوع في الهبة و الفسخ بالخيار فلا يكون تصرف ذي الخيار صحيحا مع فسخه البيع السابق بذلك التصرف و لكن الشهيد في الدروس مع توقفه عن الحكم في الرجوع و الخيار حكم بصحة رهن ذي الخيار.

و على كل حال يترتّب على القولين الحكم بصحة التصرفات لحصول الانفساخ بالقصد المقارن للتصرف و الحكم ببطلانها لحصول الانفساخ بالتصرف و لو بأوّل جزء منه.

و قد يذكر للمنع عن صحة ذلك التصرف كما عن بعض

العامة بأن الشي ء الواحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 492

ان قلنا بان المستفاد من أدلة توقف البيع (1).

______________________________

لا يحصل به شيئان نظير التكبيرة ثانية بقصد الإحرام حيث يخرج بها عن الصلاة فلا يمكن الدخول بها في الصلاة.

و ايضا ان صحة التصرف مع حصول الفسخ به دوري حيث ان بيع المتاع من آخر ثانيا يتوقف على كون بايعه مالكا فيكون البيع الثاني موقوفا على ملك المتاع الموقوف على الفسخ و المفروض ان الفسخ ايضا موقوف على البيع المزبور.

و أجاب في التذكرة عن الأول بأنه لا يمتنع حصول شيئين بشي ء واحد و أجاب الشهيد ره عن الثاني بأن الدور معى و لعله لحصول الفسخ و البيع بإنشاء العاقد فيكون اتصاف التصرف بكونه فسخا و بكونه بيعا في زمان واحد و بإنشاء العاقد.

و أجاب في الإيضاح عن الدور بان الفسخ يحصل بأول جزء من التصرف و قال في باب الهبة بعد هذا فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد اى يقع العقد مع تمامه في الملك و أجيب عن الدور أيضا بأن بيع مال الغير مع تملك البائع ذلك المال عند تمام البيع كاف في صحته.

(1) و حاصله انه على تقدير حصول الفسخ بالفعل سواء كان خارجيا أو اعتباريا فان كان الشرط في صحته التصرف العقدي أو الإيقاعي وقوعهما بتمامها في ملك المتصرف فاللازم الحكم بحصول الفسخ بذلك التصرف مع الحكم ببطلان نفس التصرف لان المعتبر في وقوعه صحيحا وقوعه بتمام اجزائه في ملك الفاعل و المفروض عدم حصول هذا الشرط لان بعض العقد مما يتحقق به الفسخ يكون سابقا على عود الملك لا محالة فكل جزء من العقد يفرض أنه الجزء الأخير من الفسخ فلا

يكون عود الملك الى المتصرف قبل ذلك و الّا لزم تقدم المسبب على سببه.

لا يقال نفرض عود الملك مع جزء لا يقبل ذلك الجزء التجزّي بحيث لا يكون قبله جزء ليقال أنه يحصل في غير الملك فإنه يقال الجزء الذي لا يتجزّى غير موجود فكل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 493

..........

______________________________

جزء يفرض من العقد يكون قبله جزء ايضا وقع في غير الملك بل لو فرض انتهاء العقد.

بجزء لا يتجزء فغاية الأمر عود الملك مع الجزء زمانا و ان يتقدم الجزء على عوده رتبة و لكن هذا المقدار لا يكفي في صحة العقد أو الإيقاع فإن المعتبر في صحّتها سبق ملك المتصرف على تصرفه عقدا كان أو إيقاعا.

و اما إدخال التصرف في المقام في مسألة من باع شيئا ثم ملك فغير صحيح لان تلك المسألة ما إذا باع المال من الغير ثم ملك فيحتاج الحكم بالصحة إلى إجازة المتصرف ثانيا بل على تقدير عدم الحاجة إليها فيما إذا باع عن نفسه كالغاصب فلازم ذلك الحكم ببطلان التصرف فيما كان إيقاعا كالعتق لعدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

نعم بناء على ان المعتبر في صحة التصرف وقوعه قبل تمامه في الملك بحيث لا ينافي وقوع بعض العقد أو الإيقاع في ملك الغير فيحكم بحصول الفسخ و صحة التصرف فان الممنوع وقوع التصرف الى تمامه في ملك الغير فإنه الظاهر في مثل قوله (ص) لا تبع ما ليس عندك بل لا يبعدان يقال ان المراد بالبيع كما هو ظاهره معناه الاسم المصدري و ان البيع بهذا المعنى لا يقع في ملك الغير فالنهي المزبور لا يعم ما يصير فيه المال قبل تمام البيع ملكا لبائعه و

كذلك الأمر في العتق و غيره ممّا تعلق النهى عنه به قبل الملك.

و يبقى الكلام في التصرف الذي من قبيل الفعل الخارجي كوطي الأمة المبيعة بخيار فان الفعل في أوّله يقع محرما لا يقال إذا قام الدليل على جواز كل فسخ كما هو ظاهر مثل قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا و المسلمون عند شروطهم فيعم جواز الفسخ الفعل الذي لا يجوز لغير المالك و النتيجة عدم البأس بوطي البائع الأمة التي باعها بشرط الخيار فيما كان الوطي بقصد الفسخ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 494

..........

______________________________

فإنه يقال مقتضى جواز كل فسخ كون جوازه وضعيا يعنى يحصل به الفسخ فلا تنافي حرمة الفعل الفسخي تكليفا بمقتضى مثل قوله سبحانه إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ* و لو فرض قيام دليل على جواز الفسخ تكليفا نظير الرجوع في المطلقة الرجعية بوطيها فلا بد من الالتزام بعود الملك كالزوجية الى الواطى ليقع الفعل في ملكه نظير الجمع بين ما دل على حليته البيع و ما ذلّ على ان الشخص لا يملك أحد عموديّة بالالتزام بحصول الملك بالبيع انا ما بحيث ترتب عليه انعتاق الولد أو الوالد و كيف كان فالأظهر في المقام ما ذكره المحقق و الشهيد الثانيان من حصول الفسخ بالقصد المقارن للفعل و عليه فلا إشكال في الفسخ بالفعل و جوازه تكليفا و وضعا من غير فرق بين الاعتباري و الخارجي.

و يظهر ذلك من الشيخ قده في مبسوطه حيث ذكر في بيع الصرف ان المتصارفين يجوز لهما التبايع ثانيا في مجلس العقد و قال ان شروعهما في البيع الثاني قطع لخيار المجلس و وجه الظهور ان حصول الملك عنده مشروط

بانتهاء الخيار فلا بد من التزامه بسقوط الخيار في البيع الأول و صيرورة المبيع ملكا للمشتري عند الشروع في البيع الثاني ليجوز للمشتري له من بيعه ثانيا من بايعه.

نعم في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع في الهبة معللا عدم وقوعه في ملك البائع انتهى.

أقول: يرد عليه ان اقتران ارادة الفسخ بالفعل لا يكون الا بالفعل فتحقق الاقتران و عود الملك الى المتصرف عنده يوجب ان لا يكون الفعل عند شروعه مصادفا لملك الفاعل و دعوى ان زمان الاقتران بعينه زمان عود الملك و انما- يتقدم الإرادة المقترنة بالفعل على عود الملك في الرتبة لا في الزمان لا يمكن المساعدة عليها فإنه يجري مثلها على القول- بحصول الفسخ بأول جزء من الفعل فان حصول الجزء من الفعل أى جزء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 495

..........

______________________________

فرض منه يتقدم على عود الملك بالرتبة لا في الزمان.

و ما ذكر قده من اعتبار سبق الملك على التصرف بالزمان قضاء لحق الظرفية ففيه ما لا يخفى فإنه لا يستفاد من أدلة اعتبار الملك في البيع أو العتق أو الوطي إلا تحقق الملك عند كل من هذه الأفعال لا تقدمه عليها زمانا.

و لكن يلزم على القول بتحقق الفسخ بالجزء الأول من الفعل أو بالقصد- المقارن ان يلتزم بحصول الفسخ بمجرد تحقق الجزء الأول و لو ندم المتصرف عن فسخه و ترك سائر أجزاء الفعل فإنه من قبيل الندم عن الشي ء بعد حصوله فيبقى في البين الالتزام بان ملك المتصرف معتبر في البيع مثلا بمعناه المصدري أو انه يكفى حصوله و لو عند تمام العقد.

اما الأول فقد تقدم في بحث البيع انه لا اختلاف بين

المعنى المصدري و المعنى الاسم المصدري إلا بالاعتبار لا انّ البيع بمعناه المصدري فعل و الاسم المصدري أثر يترتب عليه نظير ترتب الانعتاق على العتق مع ان قوله عليه السلام لا عتق في- ملك غير كونه لا انعتاق إلا في ملك.

و امّا الثاني ففيه انه خلاف ظاهر الظرفية في مثل قوله لا عتق إلا في ملك حيث ان ظاهرها وقوع التصرف من أوله في الملك كما في قوله لا علم إلا في الجوع و لا عيش إلا في الحضر و لا صلاة إلا في الساتر و غير ذلك.

فيبقى الكلام في ان مع الفسخ بالفعل يقترن التصرف من اوله بالملك أم لا؟

و دعوى ان المراد بالملك هي السلطنة و التمكن لا ملك الرقبة و المعتبر في جواز الوطي سلطنة الواطى و لذا يجوز مع التحليل و التزويج يدفعها ان ما ذكر خلاف الظاهر في أدلة اعتبار الملك في العتق و نحوه بل الوطي بملك اليمين ظاهره حصول السلطنة بملك الرقبة زمان التصرف و الوطي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 496

..........

______________________________

و على ذلك فنقول اما الفسخ بالتصرفات الاعتبارية فلا إشكال في كونها فسخا و محكومة بالصحة مع تمام سائر شرائطها و الوجه في ذلك ان الفسخ كالإجازة و ان يكون من الأمور الإنشائية في اعتبار العقلاء و لذا يحصل سقوط الخيار بالإسقاط و لو لم يكن- إسقاطه بطيب النفس بل استحياء أو خجلا.

و بتعبير آخر إسقاط الخيار من قبيل إبراز الرضا المعاملي ببقاء العقد و عدم حلّه- الا ان الإنشاء و المنشأ ليس من قبيل الأسباب و المسببات بان يكون المنشأ أثرا و الإنشاء مؤثرا ليقال ان الأثر و ان يقارن المؤثر زمانا و

انما يتقدم المؤثر على الأثر بالرتبة و لكن هذا بالبرهان العقلي و أهل العرف يرون للأثر تأخرا زمانيا في الجملة و العبرة- في الأحكام الشرعية بنظر العرف لا بالتدقيق العقلي الناشي من البرهان بل المنشأ أمر يعتبره صاحب الإنشاء قبل إنشائه و الإنشاء عبارة عن إبرازه بقصد ان يتم العنوان الإنشائي فالمعتبر إبرازه بقصد تحقق ذلك العنوان عين وجود ذلك العنوان الذي يرد عليه الإمضاء و الحكم من العقلاء و الشرع.

و على ذلك فكما ان الإجازة في بيع الفضولي اعتباره بنحو الكشف الحكمي حيث ان العاقد الفضولي يعتبر ملكية المبيع المشترى من حين العقد فالمالك المجيز يجيز هذه الملكية و لو بعد مدة و الشارع يمضى الإجازة المزبورة فيحكم حين الإجازة بأن المبيع ملك للمشتري من حين ذلك العقد كذلك فيما نحن فيه فأن المتصرف يعتبر انحلال العقد قبل اعتباره ملكية المبيع لثالث و إذا أبرز المعتبرين بمبرز واحد يتحقق الفسخ من حين تحقق المبرز بالكسر و لكن معنى تحققه انحلال- العقد قبل اعتبار ملكية المال لثالث لانه المعتبر في نفس المتصرف فيثبت بإمضاء الفسخ موضوع إمضاء التصرف حيث يحكم بوقوعه في الملك و العمدة شمول دليل الإمضاء لذلك الفسخ حيث يستفاد ذلك قبل الإجماع من إطلاق دليل الخيارات الشرعية و المشروطة أى المؤمنون عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 497

..........

______________________________

شروطهم.

و الحاصل ان هذا يدخل في الكشف الحكمي و يفيد في صحة التصرفات الاعتبارية لا في حلية الفعل الخارجي حيث لا- يستفاد من دليل إمضاء كل فسخ حلية ذلك الفسخ تكليفا كما هو ظاهر بل حلية الفعل الخارجي مبنية على انصراف أدلة التحريم عن ذلك الفعل أو قيام دليل على جهة

أخرى تحل بها الفعل كالوطي في عدة المطلقة الرجعية حيث ان ظاهر الأدلة عدم زوال الزوجية إلا بانقضاء العدة في مورد الطلاق الرجعي و الحاصل ان الكشف الحكمي بالإضافة إلى الأحكام التكليفية غير معقول كما أوضحناه في بيع الفضولي.

و دعوى ان الفعل الخارجي كالتصرف الاعتباري بنفسه مصداق للفسخ فيجوز بجواز الفسخ تكليفا و وضعا لا يمكن المساعدة عليها فإنه ان أريد ان الفعل الخارجي بلا قصد إلغاء العقد مصداق للفسخ فيدفعه ان الفسخ- كالامضاء من الأمور الإنشائية و القصد فيها مقوم و لا يقاس بالوطي في عدة المطلقة الرجعية فإن جواز الوطي و غيره من الاستمتاعات تكليفا لكون المطلقة الرجعية زوجة تنقضي تلك الزوجية بانقضاء العدة و تمام الطلاق و اما كونه كسائر الاستمتاعات رجوعا و ان لم يقصد بها الرجوع فلما أشرنا الى ذلك سابقا من استفادة ذلك من النص.

و ان أريد أن الفعل الخارجي مع قصد إلغاء العقد في نفسه فسخ لا ان الفسخ مسبب منه فهو صحيح كما ذكرنا الا ان كونه فسخا مقتضاه جوازه وضعا لا تكليفا فإنه لا يستفاد من أدلة الخيار و أدلة جواز الشروط الا نفوذ الفسخ لا جواز كل فسخ تكليفا لو بنى على دلالتهما على جواز كل فسخ تكليفا يكون مقتضى الجمع بينهما و بين ما دل على وجوب حفظ الفرج الا عن الزوجة أو ملك اليمين عدم جواز الفسخ تكليفا فيما إذا كان بمثل الوطي في غير ملك اليمين في ابتدائه خصوصا إذا كان الفسخ بخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 498

[فرع لو اشترى عبدا بجارية]

فرع لو اشترى عبدا بجارية (1).

______________________________

الشرط حيث ان الشرط لا يكون مشرعا لما لا يجوز تكليفا أو وضعا اللهم

الا ان يقال بانصراف دليل التحريم عن مثل هذا الفرض.

فتلخص عما ذكرنا ان التصرف الخارجي أو الاعتباري يكون فسخا و بيعا ثانيا أو هبة أو رهنا و نحو ذلك و يحكم بحصول الفسخ و التصرف و لو كان من شرط التصرف ملك المال من حين وقوع التصرف.

و دعوى أن الشيئين لا يحصلان بشي ء واحد نظير التكبيرة الثانية حيث لا تكون خروجا عن الصلاة و دخولا في الأخرى قد عرفت جوابها من كلام العلامة (ره) من انه لا مانع عن حصول شي ء بشي ء منضما الى قصده أو بدونه و ان يكون ذلك الشي ء منضما الى قصد آخر شيئا آخر و عدم كون التكبيرة الثانية دخولا في الصلاة و ان قصدها المصلى لعدم جوازها تكليفا لكونها قطعا للصلاة التي- شرع فيها و المحرم لا يصلح لكونها عبادة لأن القطع عين الإتيان بالقاطع و المبطل خارجا كما ان الإفطار عين الإتيان بالمفطر لا ان الإتيان بالقاطع أمر و القطع أمر أخر و المحرم هو الثاني دون الأول.

(1) و ليعلم ان الحكم لا يختص بشراء العبد بالجارية و عتقهما بل يجرى فيما إذا وقعت المعاوضة بين المالين بخيار و تصرف- المشترى في كلا المالين بتصرفين متنافيين في زمان واحد بالمباشرة أو بالتوكيل كما إذا اشترى كتابا بفراش و وهبهما من ثالث.

و كيف كان ففي الفرع صور: الاولى، ما إذا كان الخيار للمشتري خاصة و يقال فيها بانعتاق الجارية دون العبد لان عتق الجارية فسخ للشراء و عتق العبد اجازة له و كلما دار الأمر في المعاملة بين فسخها و إمضائها يقدم فسخها. و فيه ان تقديم الفسخ على الإجازة يختص بما إذا كان الخيار المستقل لمتعدد حيث ان اجازه

المجيز معناها إسقاط خياره فيكفي في انفساخ المعاملة فسخ الآخر و اما إذا كان الفسخ و الإمضاء بالخيار للواحد سواء كان المباشر بهما نفس ذي الخيار أو وكيليه فان وقعا في زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 499

..........

______________________________

واحد فلا موجب لتقديم الفسخ على الإجازة بل الموجب لتقديم أحدهما سبقه على الآخر زمانا.

و قد يقال بتقديم عتق العبد فان العبد ملك للمعتق بالكسر في زمان عتقه فينعتق بخلاف الجارية فإن صيرورتها ملكا للمعتق بالكسر موقوف على انفساخ المعاملة بعتقها و المفروض عدم حصوله لعدم كون عتقها إنشاء الفسخ مع اقترانه بعتق العبد و لا أقل من الشك فيكون مقتضى الأصل بقاء العقد و استمراره.

أقول: لا ينبغي الريب في الفرض في بطلان كلا العتقين لعدم المعين في البين نظير تزويج الام و البنت دفعة واحدة بلا فرق بين صدور نكاحهما عن شخص واحد أو صدورها عنه و عن وكيله في زمان واحد.

و على الجملة فبما ان عتق كل من العبد و الجارية أمر جائز للمشتري و لكن لا يمكن الجمع بينهما يكون كتزويج الام و البنت دفعة واحدة نعم الظاهر الحكم بالصحة بالإضافة الى العبد فيما إذا لم يقصد في عتقهما انحلال الشراء السابق كما إذا انسى شراء العبد بالجارية و تخيلهما ملكه فعلا فأعتقهما و لكن هذا الفرض خارج عن مفروض كلامهم و في مفروض كلامهم يحكم ببطلان العتقين و بقاء الخيار لعدم ثبوت المسقط.

لا يقال: مع قصده انحلال الشراء بعتق الجارية بحكم بانحلال الشراء مع فساد العتقين لان عدم إمضاء عتق الجارية و العبد لعدم إمكان كونها معا ملكه في زمان واحد و صحة العتقين تتوقف على كونهما معا في ملكه

في زمان واحد و ترجيح أحدهما بلا معيّن. فإنه يقال: إنشاء عتق العبد يمنع عن كون إنشاء عتق الجارية إبرازا للانحلال فان عتق العبد احداث حدث في المشتري بانفساخ زمان- خيار الحيوان أو خيار الشرط فيكون اجازة للشراء و إذا لم يحرز الفسخ يحكم ببقاء الشراء بل ببقاء الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 500

[مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار]

اشارة

من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار (1).

______________________________

الصورة الثانية: ما إذا كان عتق العبد و الجارية مع الخيار للبائع فقط ففي الفرض يحكم بانعتاق العبد بناء على جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه كما يحكم ببطلان عتق الجارية لوقوعه في غير ملكه و لا يفيده إجازة البائع لعدم جريان الفضولية في العتق.

الصورة الثالثة: ما إذا كان الخيار لهما و على ذلك فعتق المشترى بالإضافة الى العبد غير صحيح بناء على تعلق حق البائع به فيكون عتقه تصرفا في حق الغير فيبطل و اما عتق الجارية فيصح فيكون عتقهما فسخا و لو أجاز البائع عتق العبد بعد ذلك فيكون أجازته إسقاطا لخياره فيكون من تقديم الفسخ على الإجازة نعم لو قلنا بجواز تصرف- المشترى في العبد بالعتق فيكون الفرض كالفرض الأول في بطلان العتقين و بقاء العقد و الخيار.

(1) يقع الكلام في المقام في جواز التصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه بتصرف يمنع عن رد العين على من له الخيار على تقدير فسخه و لو قيل بعدم حصول النقل و الانتقال الا بانقضاء الخيار كما عن الشيخ و ابن سعيد في جامع الشرائع يكون عدم جواز تصرف كل من المتعاقدين فيما وصل اليه من صاحبه على القاعدة سواء كان التصرف متلقا أو ناقلا

أو لم يمنع عن رد العين كركوب الدابة.

و انما الكلام في عدم الجواز على القول بحصول النقل و الانتقال من حين تمام العقد كما عليه المشهور و قد ينسب عدم الجواز إلى العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيين بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع عن الواهب الى ورثته ان خيار البائع يمنع المشترى عن تصرفه في المبيع مع كون التصرف متلقا أو ناقلا عند الأكثر.

و عن جماعة عدم وجوب الزكاة على مشتري النصاب فيما- كان لبائعه خيار الفسخ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 501

و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه (1).

______________________________

و ان انقضى من حين الشراء حولا كاملا لان من شرطا الزكاة كون مالك النصاب متمكنا على التصرف في تمام الحول و المشترى في الفرض لا يجوز له التصرف في النصاب المزبور ما دام للبائع خيار الفسخ.

و لكن عن الشرائع انه يجوز لمشتري العين رهنها عند آخر زمان الخيار سواء كان الخيار للبائع أوله أو لكليهما و كذا ذكر في مسألة شراء النصاب مع الخيار لبائعه وجوب الزكاة على المشترى بانقضاء حول الشراء و ان استشكل عليه في المسالك في كل من- المسألتين بحيث يظهر منه ان المحقق ايضا ملتزم بمنشاء الاشكال و ان التصرف ينافي حق استرداد العين للبائع و كذا يظهر جواز التصرف عن رهن القواعد بل عن صريح العلامة في التذكرة في باب الصرف و ايضا يظهر الجواز عن الشهيد ره في الدروس حيث ذكر- في باب الصرف انه يجوز لأحد المتصارفين في مجلس العقد بيع ما قبضه من شخص ثالث و لا يمنع خيار المجلس الثابت لصاحبه عن

جواز البيع الثاني لأن حق الخيار لصاحبه يبقى و يكون له على تقدير الفسخ استرداد مثل المقبوض و ايضا ذكر الشهيد ره في اللمعة انه يجوز لمشتري العين رهنها و لو مع الخيار للبائع و ظاهره جواز الرهن و جعلها وثيقة للدين عليه لثالث و لكن حمله الشهيد الثاني في الشرح على ما كان الثمن دينا على المشترى و جعل العين المبيعة رهنا على ذلك الثمن و هذا الحمل تكلف فإنه لم يفرض الشهيد قده كون الثمن دينا عليه.

(1) و حاصله ان منع الشيخ و ابن سعيد (قدس سرهما) عن تصرف من عليه الخيار فيما وصل اليه ليس لأجل عدم حصول الملك الى انقضاء الخيار بحيث لو قالا بحصول الملك من حين العقد لالتزما بجواز التصرف الناقل أو المتلف و الوجه في ذلك انه قد علّل الشيخ (قده) عدم جواز بيع أحد المتصارفين ما قبضه من ثالث في مجلس العقد بان البيع المزبور مانع عن خيار صاحبه و لو كان عدم الجواز متفرعا على عدم الملك لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 502

..........

______________________________

المتعين ان يعلل عدم الجواز بعدم صيرورة ما قبضه ملكا لبائعه.

و يظهر عدم كون منعهما متفرعا على عدم حصول الملك بالعقد عن الشهيد (قده) في مسألة حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار و ان انقضاء الخيار يعتبر بنحو الكشف أو بنحو النقل و ذلك فإنه ذكر في وجه حصول الملك بالعقد انه الناقل و ثبوت الخيار للاستدراك و الاستدراك لا ينافي حصول الملك بالعقد.

و ذكر في وجه حصول الملك بانقضاء الخيار ان الغرض من الملك هو التصرف و التصرف ممتنع زمان الخيار و ظاهر هذا الكلام ان عدم جواز

التصرف زمان الخيار متسالم عليه عند القائلين بحصول الملك بالعقد و القائلين بحصوله بانقضاء الخيار.

اللهم الا ان يقال ان المراد من التصرف الذي تسالم عليه القائل بحصول الملك بالعقد و القائل بحصوله بانقضاء الخيار على عدم جوازه، هو التصرف الذي يكون نافذا بحيث لا يكون في معرض الانحلال و لا في معرض الضمان بان لا يبطل ذلك التصرف بفسخ ذي الخيار و لا يكون لذي الخيار الرجوع الى بدل المال الذي أتلفه من عليه الخيار أو نقله الى ثالث فلا ينافي التسالم على ذلك الالتزام بجواز تصرف من عليه الخيار بحيث يبطل مع فسخ من له الخيار أو يرجع من له الخيار الى بدله.

و كون المراد من التصرف الممنوع عند القائلين بالقولين ما ذكر خلاف ظاهر كلام الدروس في بيان مدرك القول بحصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار حيث ان ظاهره ان التصرف ممتنع اى غير جائز لا انه غير نافذ على حدّ الملك اللازم الا انه يقرب احتمال كون المراد التصرف النافذ قوله بعد أسطر من بيان مدرك حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار ان في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين و وجه التقريب ان حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار يجري في الخيار المشترك و المختص كما يأتي و الاستدلال على الحصول بانقضاء الخيار بامتناع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 503

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره (1).

______________________________

التصرف. لا بد من كونه المتسالم عليه في الخيار المختص و المشترك فذكر الوجهين في جواز التصرف في الخيار المشترك يلزمه ان يكون المراد بالجواز غير امتناع التصرف المذكور في مبنى حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار

بان يكون الامتناع بمعنى عدم النفوذ المتسالم عليه و بمعنى عدم الصحة المختلف فيه.

(1) قد يقال بان من عليه الخيار يجوز له عتق العبد بمعنى ان عتق العبد الذي اشتراه بخيار بايعه صحيح دون سائر التصرفات لبناء العتق على التغليب. و فيه ان معنى التغليب تقديم العتق على غيره مع جواز كل منهما.

و قد يقال بأن إتلاف من عليه الخيار العين المنتقلة إليه غير جائز و اما التصرفات الاعتبارية الناقلة فلا بأس بها و لكن التزم هذا القائل بأنه مع فسخ ذي الخيار تنحل تلك التصرفات الصادرة عمن عليه الخيار من حين الفسخ أو من أصلها و لعل مبنى ذلك ان التصرفات الاعتبارية لانحلالها بفسخ البيع لا تمنع عن استرداد ذي الخيار عين المال بخلاف الإتلاف فلا يكون تفصيلا في- التصرفات المانعة عن ردّ العين كما لا يخفى.

و كيف ما كان فيستدل على عدم جواز التصرف المتلف أو الناقل بان الخيار و ان يتعلق بالعقد حيث انه السلطنة على فسخ العقد الا ان- تعلق العقد بالعوضين مقتضاه تعلق الحق بالأخرة بالعين المنتقلة عن ذي الخيار بان يكون له حق استرجاعها الى ملكه ثانيا فلا يجوز للآخر التصرف في تلك العين بما يمنع عن الاسترجاع سواء كان بإتلافها أو نقلها الى ثالث.

لا يقال لو كان الحق متعلقا بالعين لانتهى بتلف العين بنفسها مع ان لذي الخيار الفسخ بعد التلف و الرجوع ببدلها.

فإنه يقال: لا تلازم بين عدم جواز الإتلاف أو النقل لتعلق الحق بالعين ابتداء و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 504

فان الثابت من خيار الفسخ (1).

______________________________

بين التعلق ببدلها على تقدير تلفها نظير ما ارتهن العين فإنه لو تلف العين لتعلق حق

الرهن ببدلها مع انه لا يجوز في الفرض للراهن إتلاف العين المرهونة و الى ذلك يرجع ما في الإيضاح من عدم جواز عتق العبد المشترى بخيار البائع لأنه يجب صيانة حق ذي الخيار في العين المعينة.

و يؤيد تعلق حق ذي الخيار بالعين ما تسالموا عليه من انه لو تصرف من عليه الخيار في العين المنتقلة اليه و اجازه من له الخيار سقط خياره و الوجه في التأييد انه لو لم يتعلق حقه بالعين لما كانت اجازة التصرف إسقاطا للخيار حيث لا منافاة بين صحة التصرف المزبور و فسخ العقد كما لا يخفى.

(1) الثابت من أدلة الخيار جواز فسخ العقد بنحو الحق سواء كانت العين المنتقلة عن ذي الخيار تالفة أو باقية فان قوله (ع) و مشتري الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام مع ملاحظة ان الحدث في الحيوان مسقط لخيار المشترى مقتضاه جواز فسخ- المشترى في ثلاثة أيام سواء كان الثمن بيد بايعه باقيا أو تالفا و كذلك قوله عليه السلام من اشترى ما به عين و عوار إلخ مقتضاه جواز فسخ شراء المعيب مع بقائه سواء كان ثمنه باقيا بيد بايعه أو تالفا بل يثبت هذا الإطلاق في روايات خيار المجلس أيضا فإن مقتضاها انه يجوز لبائع الشي ء قبل الافتراق فسخ ذلك البيع و لو باع مشتريه ذلك المتاع في مجلس العقد من آخر و على ذلك فلا دلالة في أدلة الخيارات الشرعية التأسيسيّة على ان من عليه الخيار يجب عليه إبقاء ما انتقل اليه ما دام لصاحبه خيار بل مقتضى ما دل على سلطنة المالك على ماله جواز التصرف له كان التصرف خارجيا أو اعتباريا.

و الحاصل ان ثبوت الحق لمن له فسخ العقد لا

يمنع من عليه الخيار عن التصرف في العين المنتقلة إليه كما ان ثبوت حق الشفعة للشفيع لا يلازم منع مشتري الحصة عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 505

..........

______________________________

التصرف في الحصة المزبورة.

لا يقال: الأخذ بالشفعة لا يوجب انحلال بيع تلك الحصة حيث ان الأخذ بالشفعة مبادلة أخرى بين مشتري الحصة و بين الشفيع و ان الشفيع بالأخذ بالشفعة يتملك تلك الحصة بإزاء مثل الثمن في الشراء بخلاف خيار الفسخ فان بالفسخ ينحل الشراء.

فإنه يقال: الكلام في تصرف من عليه الخيار و تصرف من عليه الشفعة و نقول كما ان حق الشفعة لا يمنع عن جواز تصرف من- عليه الشفعة و لا يكون حق الشفعة حقا في تلك الحصة المبيعة بل الحق متعلق بتملكها بمساو الثمن كذلك حق الخيار لا يوجب الحق في العين المنتقلة الى من عليه الخيار بل جواز تصرف من عليه الشفعة أشكل لأن تصرفه في معرض الانحلال بلا خلاف فإنه لو باع مشتري الحصة تلك الحصة من آخر يجوز للشفيع الأخذ بالشفعة من شراء ذلك الآخر و الأخذ بالشفعة من الشراء الأول فإن أخذ بها من الشراء الأول ينحل البيع الثاني بلا خلاف بخلاف خيار الفسخ فإن المشتري لو باع العين من آخر و فسخ البائع البيع بخياره فقد يأتي عدم انحلال البيع الثاني و ان البائع بعد فسخه يرجع الى بدل العين مثلا أو قيمة.

لا يقال: تعلق حق الرهانة بالعين المرهونة يمنع الراهن عن التصرف في تلك العين فلم لا يكون الخيار مثله.

فإنه يقال: قد تقدم ان الخيار حق يتعلق بالفسخ بخلاف حق الرهانة فإنه يتعلق بالعين المرهونة. مع ان حق الرهانة في نفسه يمنع الراهن عن التصرف

في العين المرهونة حيث ان الرهن في الحقيقة وثيقة للدين و مع جواز الإتلاف لا يتحقق الوثاقة و لذا- ذكروا انه لا يجوز للراهن و المرتهن التصرف في العين المرهونة كان التصرف متلفا أو ناقلا أو غيرهما.

و لكن ذكرنا في شرائط العوضين انه و ان لا يجوز للراهن إتلاف العين المرهونة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 506

و اما الخيارات المجعولة بالشرط (1).

______________________________

حيث ان الإتلاف ينافي كون العين وثيقة للدين الا انه لا بأس- بالتصرفات الناقلة فضلا عن غيرها فان العين تنتقل الى الثالث كما هي من تعلق حق الرهانة بها.

و ما ذكروا من سقوط الخيار بإذن ذي الخيار في التصرف المتلف أو الناقل فلا يدل على تعلق الخيار بالعين بل لأنّ الإذن المزبور كاشف بكشف نوعي عن إغماض ذي الخيار عن فسخ البيع و الرضا ببقائه فيدخل في الإسقاط من هذه الجهة لا لأنّ الإذن فيه ينافي بقاء الخيار عقلا كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) ان الحكمة في ثبوت الخيار شرعا إبقاء السلطنة على استرداد العين و لذا لا ينافي الخيار الشرعي تصرف من عليه الخيار في العين المنتقلة إليه بخلاف الخيار المجعول باشتراط المتعاقدين فإن السلطنة المزبورة علة لجعل الخيار باشتراطهما و بقاء الخيار المجعول حتى مع تصرف من عليه الخيار إتلافا أو نقلا و ان كان ممكنا لأن السلطنة على الاسترداد علة لجعله لا للخيار المجعول- الا انه يقتضي ان لا يجوز لمن عليه الخيار الإتلاف أو النقل.

أقول: كون الغاية من جعل الخيار التمكن على استرداد العين لا يجري في جميع الخيارات المشروطة فضلا عن التأسيسية الشرعية بل الغرض من جعلها تمكن من له الخيار على تدارك ما فات

عنه سواء كانت الفائت مالا أو عرضا و كيف يمكن ان يكون الغرض من جعل الخيار استرداد العين في موارد اشتراطه للمشتري مع انه لا غرض للمشتري غالبا في عين الثمن بل الأمر في البائع أيضا كذلك فيما كان غرضه من البيع الاسترباح.

نعم ما ذكر غاية في بيع الخيار لذا يكون- اشتراطه إبقاء العين فيه ارتكازيا فلا يجوز لمن عليه الخيار إتلافه أو نقله عملا لما اشترط عليه من التحفظ على العين في مدة الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 507

..........

______________________________

لا يقال: ثبوت الخيار لأحد المتعاقدين يمنع من عليه الخيار عن التصرف فيما انتقل اليه سواء كان التصرف المزبور متلفا للعين أو ناقلا و ذلك فان مع فسخ ذي الخيار و انحلال البيع تعود- تلك العين الى ملك الفاسخ كي يصح ضمانها مثلا أو قيمة و مع التصرف المتلف كالعتق أو الناقل كبيع العين من ثالث لا يمكن العود فان عودها يستلزم كون العبد معتقا و مملوكا للبائع الفاسخ في زمان واحد أو كونه مملوكا له و للثالث مع التصرف الناقل و لا يمكن الالتزام بانحلال العتق أو الشراء الثاني بانحلال البيع الأول من الأصل أو من زمان وقوع فسخ البيع الأول فإن لازم ذلك وقوع العتق أو الشراء الثاني مراعى أو متزلزلا و لا يصح شي ء منهما.

فإنه يقال: لا منافاة بين الخيار و نفوذ التصرف المتلف أو الناقل و لا موجب للالتزام بانحلال التصرف المتلف أو الناقل لا من أصلهما أو من حين فسخ البيع الأول و الوجه في ذلك يظهر بملاحظة التلف الحقيقي للعين بيد من عليه الخيار فان معنى عود التالف الى ملك الفاسخ اعتبار تلك العين عند تلفها

ملكا للفاسخ بمعنى ان تلفها وقع في ملكه مع كون العين بيد الغير لا أن العين بعد تلفها عادت الى ملك الفاسخ فان العود كذلك لا يوجب ضمان ذي الخيار.

و على ذلك فالعتق عمن عليه الخيار لوقوعه في ملكه يكون نافذا فيحسب بعد فسخ ذي الخيار إتلافا واقعا في ملك الفاسخ و كذلك- الشراء الثاني فإنه بعد فسخ ذي الخيار يحسب عند بيعها من ثالث إتلافا واقعا في ملك الفاسخ فيكون ضمانها على من أتلفها و لا وجه لانحلال العتق لا من الأصل و لا من حين الفسخ و كذا الشراء الثاني لكون كل من العتق و البيع الثاني في زمان وقوعه واجدا لتمام ما يعتبر في صحته و لزومه و قد شملهما خطاب النفوذ و دليل حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود.

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا وقع المعاوضة بين العينين و تصرف من انتقل اليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 508

ثم ان المتيقن من زمان الخيار (1).

______________________________

احدى العينين فيها بتصرف متلف أو ناقل ثم تلفت العين الأخرى قبل قبضها فإنه يصح التصرف الناقل أو المتلف لوقوع كل منهما في ملك المتصرف فيعمّه دليل النفوذ و خطاب الصحة بناء على ما هو الصحيح من ان التلف قبل القبض يوجب انحلال البيع من حين التلف لا من أصله لأن اشتراط القبض يختص ببيع السلم و التقابض ببيع الصرف و ما دل على ضمان البائع التلف قبل القبض لا يستفاد منه الّا- الانحلال من حين التلف.

و مما ذكرنا من ان التصرف الناقل عمن عليه الخيار يعتبر حين الفسخ إتلافا لمال الغير فينتقل الى- الضمان بالمثل أو القيمة يظهر عدم الفرق بين

الناقل اللازم أو الجائز و انه ليس لذي الخيار فسخ ذلك الناقل الجائز لأنه أجنبي عن ذلك التصرف و لا إجبار على من عليه الخيار بفسخه بل ليس لذي الخيار إلزام من عليه الخيار بدفع العين لو رجعت اليه بناقل آخر بل بفسخ ذلك الناقل الجائز أيضا اللهم الا ان يقال ان النقل الجائز انما يحسب إتلافا فيما إذا لم ترجع العين الى ملك من عليه الخيار بفسخ الناقل الجائز و الا فلا إتلاف في اعتبار العقلاء و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لا يخفى انه لو كان المانع عن جواز تصرف من عليه الخيار تعلق الحق بالعين المنتقلة إليه لجاز له التصرف في تلك العين قبل زمان ثبوت الخيار كما لو قيل بان خيار الغبن بعد ظهور الغبن و ان خيار العيب بعد ظهور العيب لان الموجب لتعلق الحق بالعين و هو الخيار لم يحصل.

و اما لو قيل بان المانع عن صحة التصرف و نفوذه ان التصرف المزبور ينافي ثبوت الخيار فلا فرق بين التصرف قبل زمان فعلية الخيار و التصرف قبله فان مع كل من التصرفين لا يحصل الفسخ و يلزم كون العبد معتقا و مملوكا أو مملوكا- للفاسخ و للثالث فتدبّر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 509

[فرعان]
[الأول لو منعا من التصرف]

لو منعا من التصرف (1).

[الثاني هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار]

هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار (2).

______________________________

(1) لو بنى على من عليه الخيار لا يجوز له التصرف المتلف أو الناقل فهل يمنع عن تصرف كانت العين معه في معرض عدم- إمكان الردّ على ذي الخيار بفسخه كوطي الأمة مع الإنزال في رحمها حيث يمكن كون الأمة مستولدة به.

أقول: مع عدم العلم و الاطمئنان بالاستيلاد فالأصل جوازه أخذا بأصالة الحلية و اما مع العلم أو الاطمئنان فلا يبعد عدم الجواز لكونه منعا عن رد الأمة التي تعلق بها حق ذي الخيار و عدم إمكان صيرورتها ملكا للفاسخ مع كونها ملكا للواطى على ما تقدم من ان المانع عن التصرف تعلق حق ذي الخيار بالعين أو تنافي التصرف مع الخيار.

(2) و حاصل ما ذكره في المقام ان من عليه الخيار لو آجر العين التي اشتراها بخيار بائعها فهل تصح تلك الإجارة بحيث لو فسخ ذو الخيار البيع لعادت العين إليه مسلوبة المنفعة أم لا يصح تلك الإجارة لاستلزامها ان لا يجوز للبائع بعد فسخه أخذ العين من يد مستأجرها مدة الإجارة فتكون الإجارة منافيه لحق الخيار على ما تقدم. نعم لو استأجر العين بائعها من مشتريها أو آجرها مشتريها لآخر باذن- بائعها فلا تبطل الإجارة بفسخ البائع بل تعود العين إليه مسلوبة المنفعة.

و الوجه في عدم بطلان الإجارة ان من عليه الخيار يملك منفعة العين تبعا لملك العين بملكية مطلقه فله استيفاء تلك المنفعة باستئجار العين و إذا فسخ بائعها يرجع العين الى ملكه مسلوبة المنفعة كما إذا آجر العين مالكها ثم باعها من آخر فان مشتريها يملك العين مسلوبة المنفعة على ما هو المقرر في محله.

و لا يقاس بما إذا

آجر البطن الأول العين الموقوفة إلى مدة ثم انقرضوا قبل انقضاء تلك المدة فإنه تبطل الإجارة بالإضافة إلى المدة الباقية بمعنى انها فضولية تحتاج إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 510

..........

______________________________

إجازة البطن الثاني و الوجه في عدم القياس ان البطن الأول لا يملك العين و لا منفعتها بملكية مطلقه بل ما دام حياتهم و البطن الثاني لا يتلقى الملك منهم بالوراثة و نحوها ليقال بان العين تنتقل إليهم مسلوبة المنفعة بل الملكية مجعولة لكل بطن من الواقف مدة حياتهم على ما تقدّم في بحث عدم جواز بيع الوقف. بخلاف المقام فإن مشتري العين يملك العين بملكية مطلقة و تتبعها ملكية منافعها و إذا استوفى المنافع بالإجارة و نحوها لعادت العين الى الفاسخ مسلوبة المنفعة.

لا يقال: انما لا تبطل الإجارة بتملك العين فيما إذا كان تملكها بتمليك أو مملك جديد كما فيها آجر العين مالكها ثم باعها من ثالث و اما إذا كان تملكها بزوال السبب الذي كانت العين بذلك السبب ملكا لآخر كما في تملك بائعها بفسخ بيعها الذي كان له خيار فيه فيوجب تملكها بطلان الإجارة التي أوقعها مشتريها فان زوال السبب بالفسخ كزواله بنفسه كما في انقضاء البطن الأول فإن مقدار المنفعة في الفرض تتبع مقدار تملك العين.

فإنه يقال: في بيع البائع العين بخيار يملك المشترى العين بالملك المطلق و كذا منفعتها و إذا استوفى منفعتها بإجارتها لعادت العين إلى بائعها بالفسخ مسلوبة المنفعة نظير ما إذا وقع التفاسخ بالإقالة بعد إجارة المشتري العين التي اشتراها و المراد بالملك ما يقبل البقاء و الدوام لولا الرافع و لا يقاس ذلك بملك البطون في الوقف.

و يظهر من صاحب القوانين ره

في بعض أجوبة مسائله ان مشتري العين في بيع الخيار لو آجرها تبطل الإجارة بفسخ بائعها بردّه مثل الثمن و علل البطلان بأن الفسخ يكشف ان- المشترى لم يكن مالكا لمنفعة العين بالإضافة الى ما بعد الفسخ و ان الإجارة بالإضافة إليه كانت فضولية و مراعاة.

و فيه ان أريد أن ملكية المنفعة تتبع ملك نفس العين فتبقى ما دام العين باقية في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 511

..........

______________________________

الملك أو ما دام العين باقية في ملك من يستند ملكه العين الى الملك الأول كما في إجارة العين ثم بيعها من آخر فإن الإجارة تبقى لان ملك العين للموجر و ان لم يكن باقيا الا ان ملك مشتري العين المستند الى ملك بائعها حاصل فقد عرفت جوابه نقصا بتفاسخ البيع بعد اجارة العين و- و حلّا بان ملكية منفعة العين مطلقه تتبع ملك العين القابل للدوام و البقاء لو لا الرفع.

أقول: ملك المشترى العين بملكية مطلقه بمعنى انها تكون ملكا للمشتري كما كانت للبائع و يحصل بالشراء كان لبائعها خيار الفسخ أم لا لما تقدم من ان الخيار حق يتعلق بالعقد لا بالعين غاية الأمر إذا فسخ الشراء بخيار أو إقالة تعود تلك الملكية إلى البائع بالسبب الذي كان في البين قبل العقد الناقل و كما ان مشتري العين يملك نفس العين بملكية مطلقه كذلك يملك منفعتها بتبع ملكية العين و لذا يجوز له التصرف في العين بنقلها من ثالث أو نقل منفعتها حيث يعم التصرف المزبور ما دل على حل البيع و الإجارة و لزوم الوفاء بالعقود.

و عليه فان فسخ ذو الخيار بعد هذا التصرف يعد هذا التصرف النافذ بعد الفسخ إتلافا

لمال الفاسخ عينا أو منفعة فيكون على المتصرف بدل ما أتلف المشترى من بدل العين أو بدل المنفعة أي الأجرة المثل- بالإضافة إلى المدة الباقية و هذا مقتضى ما دلّ على ثبوت الخيار للبائع و ما دل على إمضاء البيع و الإجارة أو غيرهما من التصرفات.

و يشبه المقام ما إذا شهد الشاهدان بان العين بيد زيد ملك لعمرو و حكم الحاكم بشهادتهما انها لعمرو ثم رجع الشاهدان عن- شهادتهما فإنه يؤخذ بدل العين من الشاهدين و يدفع الى من كانت العين بيده فان مع رجوعهما بعد الحكم عن شهادتهما تحسب الشهادة السابقة النافذة إتلافا للعين على ذي اليد على ما في الرواية و كذلك ما إذا أقرّ ذو اليد بان العين لزيد ثم أقرّ انها لبكر فإن بالإقرار الثاني يحسب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 512

ثم لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار (1).

______________________________

الإقرار الأول النافذ إتلافا للعين على بكر فيضمن له بدلها و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لو تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه بإذن ذي الخيار فيصح ذلك التصرف متلفا كان كالعتق أو ناقلا كالبيع و الهبة و لا ينبغي الإشكال في سقوط خيار من له الخيار بالتصرف المزبور فإنه لو كان الخيار حقا متعلقا بالعقد فالإذن في التصرف و ان لا ينافي الخيار فيمكن لذي الخيار فسخ البيع و الرجوع الى بدل ما أتلف عليه الا ان الاذن المزبور كاشف عن رضا ذي الخيار ببقاء البيع و الإغماض عن خياره.

و كذا بناء على ان الخيار حق يتعلق بما انتقل الى من عليه الخيار فان ضمان من عليه الخيار تلف العين و بطلان تصرفه لأجل الحق في

العين و مع اذنه في التصرف فيها ينتفي الحق فلا يكون للمشتري ضمان لان الضمان فيما إذا تلف العين و بها حق ذي الخيار. و اما لو اذن ذو الخيار في التصرف و لكن لم يتصرف من عليه الخيار فهل يسقط خياره أم لا فعن العلامة في القواعد و التذكرة انه يسقط و لعله لدلالة الاذن على رضاه ببقاء البيع و اغماضه عن خياره من غير دخالة تصرف من عليه الخيار في هذه الدلالة و لكن عن جامع المقاصد و المسالك عدم سقوطه.

و الاولى ان يقال انه لو اذن ذو الخيار لشخص ثالث في التصرف فيما انتقل الى من عليه الخيار يكون هذا الاذن فسخا لانه لا معنى للاذن للغير في التصرف فيما انتقل إلى المشتري نيابة عن ذي الخيار من عيران يقصد انحلال البيع و اما لو اذن ذو الخيار للمشتري في التصرف فيما انتقل إليه ففي كونه إسقاطا لخياره إشكال لأن المستفاد من الروايات كون تصرف ذي الخيار فيما انتقل اليه- مسقط لخياره و الاذن المزبور ليس تصرفا فيما انتقل اليه و الحكم بسقوط خياره بتصرف من عليه الخيار باذنه ليس لكون- اذنه إسقاطا للخيار يعنى إنشاء لسقوطه بل لان مع التصرف المزبور لا يبقى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 513

[مسألة المشهور ان المبيع يملك بالعقد]

المشهور ان المبيع يملك بالعقد (1).

______________________________

في العين حق لذي الخيار و لا يكون على من عليه الخيار ضمان لان الضمان فيما إذا تلفت العين و بها حق ذي الخيار كما تقدم و مع الاذن لا يتحقق هذا التلف بخلاف ما إذا- لم يتصرف فإنه يبقى مورد الحق فيكون إذن ذي الخيار كإذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة

في عدم سقوط حق الرهانة عن العين بمجرد الاذن و لذا يجوز له الرجوع عن اذنه قبل بيعها.

و لكن مع ذلك كله يمكن القول بسقوط الخيار بالاذن و ان لم يتصرف من عليه الخيار فإن الإذن كاشف عن رضاه ببقاء العقد و الإغماض عن خياره فان هذا الاذن لا يقصر في الكشف عن الرضا عن تقبيل الجارية الّتي اشتراها و قد تقدم عن المبسوط انه لو علم رضا البائع بوطي المشتري الأمة المبيعة منه سقط خياره.

و يؤيد هذا السقوط ما في ذيل معتبرة لسكونى من أنّ عرض المشترى ما اشتراه بشرط الخيار للبيع إسقاط لخياره فإنه روى عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه قضى في رجل اشترى ثوبا الى نصف النهار فعرض له الربح فأراد بيعه الى ان قال: فان اقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه.

(1) و حاصله ان المشهور على حصول ملك المبيع للمشتري بالعقد و لا يتوقف على انقضاء الخيار من غير فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما و ان الخيار يوجب تزلزل الملك لتسلط ذي الخيار على رفع السبب الناقل فيتعلق حق ذي الخيار بما انتقل عنه الى صاحبه.

و حكى المحقق و جماعة عن الشيخ انه (قده) التزم بعدم حصول الملك الا بانقضاء الخيار و الحكاية يعم ما إذا كان الخيار للمشتري فقط كما صرح بهذا الشمول العلامة في التحرير.

و لكن تعرض في الدروس لحصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار و ذكر لكل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 514

..........

______________________________

منهما وجها و قال في وجه حصول الملك بالعقد ان العقد هو الناقل و الخيار لاستدراك ما فات بالعقد فلا يكون منافيا لحصول الملك بالعقد.

و قال

في وجه عدم حصول الملك الا بانقضاء الخيار بان الغرض من الملك جواز التصرف و لا يجوز التصرف ما دام- الخيار ثم قال و ربما قطع الشيخ قده بحصول الملك بالعقد فيما كان الخيار مختصا بالمشتري و عن ابى الجنيد عدم حصوله الا بانقضاء الخيار- انتهى.

و هذا الكلام من الدروس يدل على حصول ملك المبيع للمشتري عند الشيخ ايضا فيما- كان الخيار للمشتري خاصة و دلالته من وجهين: أحدهما ما ذكر في مأخذ الخلاف و وجهه فإنه إذا كان الوجه في عدم حصول الملك عدم جواز التصرف في المبيع فلا يجري في مثل خيار الحيوان فإن المشتري يجوز له التصرف في الحيوان و يكون تصرفه مسقطا لخياره.

و بتعبير آخر عدم جواز التصرف يختص بمن عليه الخيار و لا يعم من له الخيار كما تقدم في المسألة السابقة.

و ثانيهما ما ذكره من انه ربما قطع الشيخ بملك المشترى بالعقد فيما إذا اختص بالخيار بل ما ذكره ره في بيان مأخذ الخلاف صريح في انه لا- خلاف في حصول الملك بالعقد فيما إذا كان الخيار للمشتري من غير الشيخ في الخلاف و المبسوط فان كلامه في الخلاف و المبسوط يعطى عدم حصول الملك ايضا ما دام لم ينقض خيار المشترى قال في الخلاف ان الملك لا يحصل الا بانقضاء الخيار فيما كان الخيار لهما أو للبائع و اما إذا كان للمشتري فيخرج عن ملك البائع و يدخل في ملك المشترى بعد انقضاء الخيار بالعقد انتهى.

و ظاهر هذا الكلام الكشف و انه لو انقضى الخيار و لم يفسخ المشترى العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 515

..........

______________________________

ينكشف حصول الملك للمشتري بالعقد نظير كشف حصول الملك

من حين العقد فضولا بعد اجازة المالك فيكون عدم حصول الملك للمشتري في زمان خياره حكما ظاهريا و المراد بخروج المبيع عن ملك بايعه عدم جواز تصرفه في ذلك المبيع نظير عدم جواز تصرف الأصيل في العقد فضولا قبل- اجازة المالك أو ردّه لان ذلك مقتضى لزوم الوفاء بالعقد من جهته.

و يحتمل في عبارة الشيخ ان يكون مراد، بعدم حصول الملك الا بعد انقضاء الخيار حصول الملك اللازم فيكون موافقا لما عليه المشهور و يدلّ على كون مراده ذلك ما ذكره في عدّة- مواضع من المبسوط كقوله بأنه لا يجوز لأحد المتصارفين بيع ما اشتراه في المجلس من غير صاحبه و انه لا يجوز لمشتري العين رهن ما اشتراه في مجلس العقد لان البيع أو الرهن ينافي خيار صاحبه و وجه الدلالة انه لو كان الحكم عنده عدم حصول الملك الا بعد- انقضاء الخيار لكان المتعين تعليل عدم الجواز بعدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري لأن مع عدم المقتضى للبيع أو الرهن لا معنى لتعليل عدم جوازهما بالمانع.

و كيف ما كان فالأظهر ما عليه المشهور من حصول الملك بالعقد لان البيع عند العقلاء هو ناقل الملك حتى في مورد شرط الخيار لأحدهما أو كلاهما و ظاهر قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إمضاء البيع على ما هو المقرر عند العقلاء و لان قوله (ع) البيعان بالخيار ما لم يفترقا ظاهره كون الخيار حكما بعد تلبس كل من المتعاقدين بكون أحدهما- بائعا و الآخر مشتريا و ايضا ظاهر قوله (ع) في خيار الحيوان من الحكم بلزوم البيع بنظر المشترى الى ما يحرم النظر اليه أو تقبيله أو لمسه الجارية المشتراة جواز هذه التصرفات للمشتري نظير احداث الحدث في

الحيوان الا ان يلتزم بحصول الملك للمشتري مقارنا لهذه الأفعال نظير عود الزوجية بالوطي في عدة الطلاق الرجعي.

و بتعبير آخر لا يكون مثل هذه الأفعال مسقطا فعليا للخيار بل حدوثها غاية للخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 516

ربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة (1).

______________________________

فيقع في- الملك و يدل ايضا على حصول الملك بالعقد ما ورد في غلة المبيع ببيع الخيار و ان الغلة للمشتري و تلفه منه و لو لم يكن العين ملكا للمشتري زمان الخيار البائع لما كانت الغلة ملكا للمشتري و تلفه منه الا ان يلتزم بان رد مثل الثمن في ذلك البيع شرط لانفساخ العقد و لا يرتبط بالخيار أو يقال ان الخيار المشروط يحصل بردّ مثل الثمن فيكون البيع قبله لازما فلا يصح الاستدلال به الا على من التزم بأنّ الملك لا يحصل الا بعد انقضاء الخيار المنفصل أيضا أو يقال ما ورد في غلة المبيع يعم ما إذا كان ردّ الثمن شرطا للخيار أو قيدا للفسخ فلا حظ.

(1) و قد يستدل على حصول الملك بالعقد بالأخبار الواردة في بيع العينة كرواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد الهّٰس (ع) يجيئني الرجل و يطلب العينة فاشترى المتاع له مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه مكاني قال إذا كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم- تشتر فلا بأس فإن ظاهرها كظاهر غيرها جواز شراء ما باعه من طالب العينة في مجلس بيعه و لو لم يكن ملك المتاع حاصلا لطالبها بمجرد البيع لما جاز الشراء ثانيا في ذلك المجلس.

و أجاب المصنف قده عن

الاستدلال بان الشراء ثانيا و ان كان في مجلس البيع الا ان بيع المشترى المتاع من بايعه ثانيا إسقاط لخيارهما و لو على القول- بحصول الملك بانقضاء الخيار و لذا جوز الشيخ قده بيع أحد المتصارفين ما اشتراه من بايعه ثانيا في مجلس الصرف.

نعم في بعض اخبار الباب فقرات يمكن استفادة حصول الملك بالبيع منها و في صحيحة بشار بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يبيع المتاع بنساء ثم يشترى من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به فقلت اشترى متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك فان الحكم بجواز الشراء و لو في مجلس البيع-

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 517

و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم (1).

______________________________

الأول و ان لا يدل على الحكم كما تقدم الا ان قوله عليه السلام ليس هو متاعك ظاهر في كون المتاع أو البقر ملكا للمشتري قبل بيعه من بايعه.

و لكن ناقش ره في ذلك أيضا بأن تواطئهما على البيع بنسية أوّلا و الشراء منه ثانيا بنقد يوجب عدم ثبوت خيار المجلس في البيع الأول و قول السائل اشترى متاعي ناش من ارتكاز ما عليه الشيخ قده من عدم حصول الملك الا بانقضاء مجلس البيع و جواب الامام (ع) ليس هو متاعك إشارة إلى صيرورة المتاع ملكا للمشتري لسقوط خيار كما بتوافقكما على هذا البيع و الشراء.

أقول: التوافق على سقوط الخيار على تقديره يكون كالتواطى على البيع أولا و الشراء ثانيا في عدم كونه شرطا في البيع الأول كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام ان شئت اشتريت و

ان شئت لم تشتر.

و دعوى ارتكاز مذهب الشيخ في ذهن السائل مع اشتراطه سقوط خيار المجلس عجيب و أعجب منه قوله قده و هذا في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة و الظاهران سؤال السائل راجع الى ما يخطر الى بعض الأذهان من عدم الجدّ في البيع أو الشراء كذلك و أجاب عليه السلام بان الملاك في صحة المعاملات وقوعها بشرائطها بالقصد و لو كانت وسيلة إلى دفع المال نقدا و الأخذ بالأكثر- نسية.

(1) و قد يستدل على الحكم الذي عليه المشهور بصحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال سألته عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من اجله فقال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه فان مقتضاها جواز البيع ثانيا بعد الشراء سواء كان خيار المجلس في ذلك الشراء باقيا أم لا.

و ناقش ره في هذا- الاستدلال بأمور: الأوّل ان هذه الرواية ناظرة الى ان البيع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 518

و أشد ضعفا من الكل (1).

______________________________

الطالب يقع ثانيا لا بمجرد تقاضاه أولا ليكون من بيع ما ليس عنده و لذا ذكر في بعض الروايات الواردة في هذه المسألة و لا توجب البيع أى مع الطالب قبل ان تستوجبه اى مع البائع- الأول.

و ثانيا ان الغالب في هذا البيع جلوس الطالب في محل المطلوب منه و يذهب المطلوب منه فيشترى المتاع من السوق و نحوه ثمّ يجي ء به الى محله فبمجرد افتراق المطلوب منه من البائع الأول ينتهي خيار المجلس فيكون بيعه من الطالب بعد لزوم البيع الأول و لو فرض اجتماع الطالب و

المطلوب منه و من باع المتاع أولا في مكان لكان تعريض المشتري الأول بيعه من- المشترى الثاني إسقاطا لخياره و خيار بايعه.

و الحاصل انه ليس في قوله (ع) انما يشتريه منه بعد ما يملكه دلالة على حصول الملك بمجرد العقد و على تقدير التسليم فيدفع احتمال النقل بان يكون انقضاء الخيار دخيلا في النقل و الانتقال و لا- يدفع احتمال الكشف حيث انه على الكشف يكون البيع الثاني محكوما بالصحة لأنه ينكشف بانقضاء الخيار وقوعه في ملك بايعه.

أقول: العمدة في الجواب هو الوجه الأول و هو نفى كون- المقاولة الأولية بيعا ليكون محكوما بالبطلان لوقوعه في غير الملك و اما البيع بعد الشراء فما هو شرائطه فليست الرواية ناظرة إليه ليتمسك بإطلاقها كما لا يخفى.

و مما ذكر يظهر الحال فيما ورد في مال العبد و انه يكون للمشتري مطلقا أو مع الاشتراط أو مع علم البائع بماله فإن غاية مدلوله صيرورة المال للمشتري نحو صيرورة نفس العبد له فان كان الملك بالعقد فالمال ايضا كذلك و لو كان بانقضاء الخيار فالمال ايضا تابع له كما لا يخفى.

(1) ذكر في الجواهر في وجه حصول الملك بالبيع ان مقصود المتعاقدين و ما وقع عليه تراضيهما هو انتقال العوضين عند تمام العقد أي الإيجاب و القبول بشرائطهما فهذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 519

..........

______________________________

المعاملة على تقدير صحتها كذلك يثبت ما عليه المشهور و هو- المطلوب و الا تكون المعاملة باطلة من أصلها أو تكون صحيحة لا على وجه تراضيهما و مقصودهما.

و أجاب المصنف ره عن هذا الوجه بأنه أضعف الوجوه لان الزمان غير داخل في مدلول العقد و لا يكون مدلوله النقل من حين

العقد بل مدلوله نفس نقل المعوض بعوض و انتقال الأول بإزاء الثاني نعم بما أن المتعاقدان يرون العقد علة تامة للنقل و الانتقال يكون قصدهما النقل و الانتقال من حين تمام العقد داعيا لهما الى إنشائه و لكن العقد لا يدلّ الا على النقل و الانتقال و لذا لو جعل الشرع شرطا آخر في حصول النقل و الانتقال كما في اشتراط التقابض الصرف لما كان حصول النقل و الانتقال بعد القبض الا من قبيل تخلف الداعي للمتعاقدين لا وقوع مدلول العقد على غير وجهه و هكذا الحال على تقدير اشتراط انقضاء الخيار و قد تقدم في إجازة العقد الفضولي انه لو كان النقل و الانتقال حاصلا من حين الإجازة لما كان ذلك من خلاف مدلول العقد الذي أجراه الفضولي مع الأصيل.

و فيه ان أريد عدم كون النقل و الانتقال من حين تمام الإيجاب و القبول مدلولا للعقد و لو بإطلاقه فهذا غير صحيح قطعا لأن الإهمال في العاقد الملتفت الى اعتبار الملك غير معقول و عدم تعليقها البيع على حصول أمر استقبالي أو الأمر- الماضي مقتضاه كون المبدء للملك المعتبر تمام العقد نعم للشارع إمضاء ذلك الملك على تقدير حصول أمر كحصول التقابض في مجلس العقد في بيع الصرف و لا ينافي ذلك اعتبار المتعاقدين و لا يكون من تخلف العقود عن القصود لأن الإمضاء- الشرعي غير مقصود من ألفاظ الإيجاب و القبول بل المقصود منها الملك الذي يعتبره المتعاقدان و تخلفه عن القصود لم يحصل بل تعلق به الإمضاء على تقدير حصول أمر بنحو الشرط المقارن و هذا التقدير يحتاج الى قيام قرينه عليه و الا- فمقتضى الإطلاق في مثل قوله سبحانه

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 520

و قد يستدل أيضا بالنبوي المشهور (1).

______________________________

أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وقوع الإمضاء بلا تعليق و يأتي انه ليس في أدلة الخيارات و غيره دلالة على التقييد في الإمضاء بل فيها ما ينفى هذا التقييد كما ذكرناه فيما ورد في بيع الخيار و بيع العينة و الأظهر في الجواب عن صاحب الجواهر ان ما ذكره لا يزيد على التمسك بإطلاق دليل حل البيع.

(1) و قد يستدل على مسلك المشهور بالنبوي المذكور في كتب الفتوى من الفريقين من قوله (ص) الخراج بالضمان أى منافع الشي ء تتبع ضمانه و إذا كان ضمان الشي ء على شخص يكون منافعه له و إذا كان منافع الشي ء ملكا له فيكون ذلك الشي ء ملكا له ايضا و من الظاهر انه إذا كان الخيار مشتركا بينهما أو مختصا بالبائع يكون ضمان المبيع على المشترى فيكون منافعه له و ملكية المنافع له علامة كون نفس المبيع له و أجاب ره بأنه لم يظهر ان القائل بحصول الملك بانقضاء الخيار يتسلّم بان ضمان المبيع على المشترى ليقال بان منافعه ايضا له و بما انه يتبع ملكها ملكية العين فيكون علامة للثاني.

أقول مع انه لا يمكن الاعتماد على النبوي المزبور و ذكره في بعض كتب أصحابنا لا يدل على الاعتماد عليه لإمكان ذكره تأييدا.

و العجب من المصنف ره من انه يتمسك بإطلاق حل البيع و يذكر انه العمدة في إثبات النقل و الانتقال زمان الخيار مع انه التزم في الرد على صاحب الجواهر قده بعدم كون مدلول البيع الملك من حينه فإنه إذا لم يكن ذلك داخلا في مدلوله وضعا و إطلاقا فكيف يكون إمضائه دالا على كون الملك من حين

البيع اللهم الا ان يقال الملكية مستفادة من حل التصرف بالبيع و مقتضى إطلاق حلية التصرف حصولها من حين البيع فيكشف الحلية من ذلك الحين عن حصول الملك الشرعي أيضا عندها كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 521

و استدل للقول الآخر بما دل على كون تلف المبيع من مال البائع زمان الخيار (1).

______________________________

(1) يستدل على القول الآخر بما ورد في اخبار خيار الحيوان و شرط الخيار للمشتري من ان تلف المبيع في زمان خياره من بايعه و بضميمة أن الخراج بالضمان يكون مقتضاه ان منافع المبيع أيضا للبائع و إذا كانت منافعه له يكون المبيع ايضا ملكا له.

و أجاب المصنف قده ان الشيخ قده يلتزم في الخيار المختص بالمشتري بحصول النقل و الانتقال من حين البيع على ما ذكره في المبسوط في باب الشفعة مع ان هذا الدليل لا يجري إلّا في الخيار المختص به. و على كل حال فقد تقدم أدلة المشهور و ان العمدة فيها إطلاق حل البيع و هذا الدليل المختص بصورة خيار المشترى اما ان يكون مقيدا لإطلاق حلّ البيع و المراد بالمشار إليه الأخبار- الواردة في ضمان البائع زمان خيار المشتري بضميمة الخراج بالضمان أو تكون الأخبار المزبورة مخصصة لقاعدة الخراج بالضمان و لو وصلت النوبة الى الأصل العملي لعدم الترجيح لأحد التخصيصين يكون مقتضى الاستصحاب بقاء المبيع في ملك البائع الا انه يتعين تخصيص ما دلّ على تبعية ضمان الشي ء ملكه لوجوه عمدتها الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر.

أقول: لا حاجة إلى انضمام تلازم الضمان مع ملك العين بل- يمكن ان يدعى ان الاخبار الواردة في الحدث زمان خيار الحيوان و الشرط ظاهرة

في عدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري الا بعد انقضاء الخيار و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع- للمشتري.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 522

..........

______________________________

و لكن لا يخفى انه يتعين حمل مثلها على صيرورة المبيع ملكا لازما لا أصل الملك و ذلك بقرينة صحيحة على بن رئاب عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث ان لا مس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء فان ظاهرها جواز تصرف المشترى في الأمة بعد الشراء بما كان يحرم قبله على غير المالك و مقتضى ذلك كونها بعد الشراء ملكا له و لو كان الملك حاصلا بنفس النظر و اللمس و التقبيل لكان الأنسب أن يقول ان ينظر الى ما كان يحرم عليه قبل ذلك لا قبل الشراء مع ان تحريم الشي ء و جوازه بمجرد الشروع في ارتكابه غير معقول.

و الحاصل ظاهر هذه الصحيحة حصول الملك بالشراء و عدم اعتبار انقضاء الخيار في حصوله لا بنحو النقل و لا بنحو الكشف و على ذلك فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق حل البيع بالالتزام بتوقف إمضائه على انقضاء الخيار بل الخيار كما ذكرنا حكم لتمام البيع و يكشف عن ذلك قوله (ع) و صاحب

الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام و على ذلك فلو تم النبوي المزبور سندا و دلالة على تلازم ضمان العين مع ملكها فيرفع اليد عن إطلاقه في المقام كما رفعنا اليد عنه في ضمان اليد و في صورة التلف قبل القبض كما لا يخفى.

و قد يقال انه يستفاد من بعض الروايات عدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري مع شرط الخيار له كمعتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) ان أمير المؤمنين (ع) قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط الى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه قال ليشهد انه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبيعه ان شاء فان اقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه فإنه لو كان المبيع ملكا للمشتري بمجرد الشراء لما كان في بيع المشتري إسقاط خياره معتبرا فقوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 523

ثم ان مقتضى إطلاق ما تقدم في عبارتي المبسوط و الخلاف (1).

______________________________

عليه السلام ليشهد انه قد رضيه فاستوجبه ظاهر في اعتبار ذلك في حصول الملك.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لا دلالة في الرواية على عدم حصول الملك قبل انقضاء الخيار بل غايته عدم جواز ان يبيع ما اشتراه بخيار قبل إسقاط خياره و يمكن ان يكون الوجه في ذلك سقوط خيار الشرط بتصرف ذي الخيار فيما اشتراه فيما كان تصرفا ناقلا كما يفصح عن ذلك صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه سأل عن الرجل يبتاع الثوب من السوق لأهله و يأخذه بشرط فيعطى الربح في أهله قال ان رغب في الربح فليوجب الثوب على نفسه و لا يجعل في نفسه ان يرد الثوب على صاحبه ان ردّ عليه.

و لا يبعد

الالتزام بذلك في الخيار المشروط بل جميع الخيارات بناء على عدم احتمال الخصوصية في شرط الخيار و خيار الحيوان كما لا يخفى و يحتمل ان يكون ذلك حكما استحبابيا كما عنون صاحب الوسائل قده الباب به فلا حظ.

(1) تعرض قده لشرط الخيار المنفصل و ذكر ما حاصله ان ظاهر كلام الشيخ في المبسوط و الخلاف انه لا يحصل النقل و الانتقال في مورد خيار المجلس و خيار الشرط سواء كان الخيار المشروط متصلا أو منفصلا و اما إذا كان الخيار غيرهما كخيار العيب و الغبن و الرؤية فيحصل النقل و الانتقال بنفس البيع حيث خصص الشيخ قده في المبسوط و الخلاف بما إذا كان البيع مشروطا و المراد بكون البيع مقيدا و مشروطا شرط الخيار فيه كما ان المراد بإطلاق البيع عدم اشتراط الخيار فيه و اما خيار المجلس فقد ذكر قده في كلماته في المبسوط و الخلاف لحوقه بخيار الشرط و الحيوان.

و المذكور في كلمات الأصحاب أيضا في عنوان الخلاف حصول الملك بالبيع أو بانقضاء الخيار و ظاهر الانقضاء كون الخيار زمانيا فلا يعم مثل خيار العيب و الغبن و الرؤية نعم خيار المجلس لا حق بخياري الشرط و الحيوان كما صرح الشيخ قده بأن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 524

[مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار]

من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار (1).

______________________________

الافتراق كانقضاء- الخيار في لزوم العقد.

و قد صرح في الدروس في منشأ الخلاف ان التصرف في زمان الخيار ممتنع و هذا لا يجري في خيار العيب و نحوه حيث ان التصرف في الخيارات المزبورة قبل ظهور العيب و الغبن و روية المبيع على خلاف ما وصف جائز فلا

بد ان يلتزم الشيخ قده بحصول الملك في مورد الخيارات المزبورة بالعقد. و يفصح عن ذلك ما ذكره في المبسوط من انه لو ظهر للمعيب نماء ثم ظهر عيبه فيرد المعيب دون نمائه و الحاصل احتمال ان الشيخ قده لا يلتزم بجواز التصرف قبل ظهور العيب و الغبن و الرؤية لا يليق به كما ان التزامه قده بجواز التصرف قبل حصول الخيارات المزبورة لحصول الملك قبلها و بعد حصول الخيار يزول الملك و يرجع المبيع الى ملك بايعه ايضا لا يليق بشأنه قده.

أقول: لو بنى على ان الخيار حق يتعلق بالعين و ان تعلقه به يمنع عن تصرف من عليه الخيار فيه فلا يجوز التصرف لمن عليه الخيار في جميع الخيارات و لو كان اعتبار الملك مع هذا المنع عن التصرف لغوا لما يحصل الملك الا بعد انتهاء الخيار و سقوطه من غير فرق بين خيار و خيار آخر فان الخيار المزبور يكون كشرط الخيار المنفصل نعم لو استند في منع حصول الملك بالاخبار فلا يحصل النقل و الانتقال في خياري المجلس و الحيوان و خيار الشرط فيما كان المبيع من قبيل الحيوان لا سائر المتاع كما تقدم في الخيار المشروط في بيع الخيار كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في المقام في المسألة المعروفة في ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له و يستفاد من كلماتهم فيها ان في عموم هذه القاعدة و عدم عمومها أقوال:

الأول: ان هذا الحكم يختص بخيار الحيوان و خيار الشرط فيما كان الخيار المشروط في شراء الحيوان أو غيره متصلا بالعقد أم منفصلا.

الثاني: كون الحكم كذلك فيما كان الخيار المشروط في شراء الحيوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 525

..........

______________________________

الثالث: ان الحكم يجري في خياري الحيوان و الشرط سواء كان الخيار المشروط للبائع أو للمشتري و في خيار المجلس فيما كان الخيار مختصا بأحد المتعاقدين كما إذا شرط عدم خيار المجلس للبائع أو للمشتري و يظهر من المصنف ره اختيار ذلك.

الرابع، ان الحكم يجري في كل الخيارات فيما إذا اختص الخيار بأحد المتبايعين سواء كان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا.

و العمدة في وجه الاختلاف ملاحظة ما يستفاد منه الحكم فإنه قيل يستفاد مما ورد في خياري الحيوان و الشرط ان البيع فيما لم يكن لازما لأحد المتعاقدين بحيث يمكن له إرجاع المال الى من انتقل عنه يكون ضمان تلفه على من انتقل عنه و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري فإن ظاهرها ان انتقال الضمان إلى المشتري فيما كان الشراء المزبور لازما عليه و في ذيل هذه الصحيحة على رواية الشيخ قده و ان كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشترى قبل ان ينقضي الشرط فهو من مال البائع و هذا الذيل يعم ما إذا كان شرط الأيام منفصلا عن العقد بل يعم شراء غير الحيوان ايضا لرجوع ضمير بينهما إلى البائع و المشترى لا الى خصوص مشتري الحيوان و بايعه.

و الحاصل قد يقال ان المستفاد من الصحيحة ان الملاك في ضمان المبيع على بايعه عدم صيرورته ملكا لازما للمشتري و يجرى ذلك في جميع الخيارات فإنه ان كان المراد بالشرط مطلق الخيار

فالأمر واضح و هذا ظاهر الدروس و قبله السرائر و غيرها و قد تصدى المصنف قده لنقل كلمات الأصحاب. في المقام لاستظهار القول بعموم القاعدة و عدم عمومها و لكن ناقش في استظهار عموم القاعدة من الصحيحة بأنها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 526

..........

______________________________

لا تعم غير خيار الحيوان و الشرط نعم يدخل فيها خيار المجلس فيما إذا اختص بأحدهما لأنه قد أطلق الشرط بخيار المجلس ايضا كما في صحيحة الفضيل عن ابى عبد اللّٰه «ع» قلت: له ما الشرط في غير الحيوان قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.

أقول: عمدة ما استظهر من كلامه عموم القاعدة الشهيد ره في الدروس و اللمعة حيث قال ره في أحكام القبض و بالقبض ينتقل الضمان الى القابض إذا لم يكن له خيار فان مقتضى التقييد بما إذا لم يكن للقابض خيار ان مع الخيار له لا ينتقل الضمان و لكن لا يخفى انه لو أخذ بهذا الظهور يكون مقتضاه عدم ضمان القابض مع الخيار له سواء كان لصاحبه ايضا خيار أم لا فيعم موارد خيار المجلس و ما إذا باع المعيب مع جهل المشترى بالعيب- بأقل من القيمة السوقية بحيث يكون للبائع خيار الغبن و للمشتري خيار العيب.

و كذا استظهر العموم من كلام المحقق الثاني في توجيه القيد من كلام العلامة حيث ذكر العلامة انه لو ماتت- الشاة المصراة أو الأمة المدلّسة فلا شي ء للمشتري يعنى لا يستحق المشتري مطالبة البائع بشي ء لا بأخذ الثمن و لا الأرش فيكون الحاصل انه لا ضمان على البائع في موت الشاة المصراة و لا في موت الأمة المدلسة.

اما عدم استحقاق الأرش

فظاهر لأن الأرش يختص بموارد خيار العيب و لا يجري في موارد خيار التدليس حيث ان التدليس إيهام وصف كمال في المبيع مع عدم وجوده فيه.

و اما عدم استحقاق الثمن فلا بد من ان يفرض الموت في غير زمان خيار الحيوان أو الشرط للمشتري حيث ان كلام العلامة ناظر الى عدم ضمان البائع بالتدليس لا نفى ضمانه بخيار آخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 527

..........

______________________________

و قال العلامة عقيب ذلك و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس اى لا يكون شي ء للمشتري فيما إذا تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس و أورد المحقق الثاني بأنه لا وجه لتقييد عدم ضمان البائع بما إذا كان تعيب الأمة قبل علم المشترى بكونها مدلسة بل لو تعيبت بعد علمه بالتدليس فلا يضمن البائع أيضا الا ان يقال مع علمه بالتدليس يثبت له خيار التدليس فيكون- التعيّب زمان خياره فلا يكون مضمونا عليه بل يكون مضمونا على بايعه و لكن لم أظفر في كلام المصنف و غيره ان يكون على البائع ضمان تلف المبيع في زمان خيار التدليس للمشتري.

و لكن لا يخفى انه ينبغي استظهار عموم قاعدة ان التلف أو التعيب في زمان الخيار ممن لا خيار له من التقييد في كلام العلامة لا من توجيه المحقق الثاني فإن توجيهه لا يزيد الا كون العموم قولا للعلامة مع انه لا وجه للعلامة ره تقييد عدم ضمان البائع تعيّب الأمة المدلّسة بما إذا كان قبل علم المشترى بالتدليس و إطلاق عدم ضمان البائع موت الشاة المصراة و الأمة المدلّسة.

و كيف ما كان فما ذكره في مفتاح الكرامة من ان قولهم التلف في زمان الخيار ممن لا

خيار له قاعدة لا خلاف فيها لا يمكن المساعدة عليه فان الناظر في كلماتهم يرى عدم التسالم عليها بل ادعى الإجماع على ان حدوث العيب الجديد في يد المشترى يمنع عن الفسخ بالعيب القديم و يبقى المطالبة بالأرش من غير فوق بين حدوث العيب الجديد بعد العلم بالقديم أو قبله بل على تقدير التسالم ايضا فلا يمكن الاعتماد عليه. لانه لم يظهر من كلماتهم في مدرك القاعدة غير الاخبار المشار إليها و استفادة القاعدة الكلية منها مشكل جدا فان قوله (ع) حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري غاية لضمان البائع موت العبد أو الدابة أو حدوث العيب و- النقص في أحدهما و هذا لا يعم غير خيار الحيوان للمشتري و التعدي إلى سائر الخيارات حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 528

و اما عموم الحكم للثمن و المثمن (1).

______________________________

خيار المجلس بلا وجه فان خيار المجلس و ان أطلق عليه الشرط الا انه ليس ثلاثة أيام كما لا يخفى.

و اما ما في ذيل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان من قوله (ع) و ان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل ان- يمضي الشرط فهو من مال البائع فغايته انه يعم شرط الخيار متصلا أو منفصلا للمشتري و الضمير في بينهما يرجع الى مطلق البائع و المشترى لا بايع العبد أو الدابة و مشتريهما.

لا يقال، هذا الذيل يعم ما إذا كان الخيار المشروط لكل من البائع و المشترى لو لم نقل بمشموله لما إذا اختص الخيار للبائع فلا يمكن حمله على ما اختص المشترى بالخيار.

فإنه يقال: ظاهر الذيل وحدة الخيار- المشروط و الا لكان الأنسب التعبير بان كان

لهما شرط فيكون الخيار المشروط للمشتري بقرينة ان الموجب لانتفاء- ضمان البائع انقضاء الشرط للمشتري كما هو ظاهر الموثقة عبد الرحمن عن رجل إلخ.

(1) ذكر قده ما حاصله كما ان ضمان تلف المبيع بيد المشترى زمان خياره على البائع كذلك ضمان تلف الثمن بيد البائع زمان خياره على المشترى و الوجه في ذلك ما يستفاد مما ورد في خيار الحيوان ان ضمان التلف قبل القبض لا يرتفع بالقبض عن الضامن فيما كان المقبوض ملكا غير لازم لقابضه بحيث يمكن له سلبه عن نفسه و هذا الملاك يجري في ناحية الثمن كما كان في ناحية المثمن و لو أغمض عن ذلك و فرضتا الشك في بقاء ضمان الثمن على المشترى الى ما بعد القبض فيجري الاستصحاب في ناحية بقاء ضمانه الذي كان ثابتا قبل القبض.

لا يقال: الثمن في الفرض ملك للبائع و قد تلف في يده و ضمان شخص آخر ذلك الثمن خلاف قاعدة الخراج بالضمان فان خراج الثمن المزبور للبائع فيكون ضمانه ايضا عليه فلا تصل النوبة إلى التمسك بالاستصحاب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 529

..........

______________________________

فإنه يقال: هذا الضمان لا يخالف تلك القاعدة فإن معنى هذا الضمان رجوع الثمن عند تلفه الى ملك المشترى فيتلف ملكا له و كما ان الثمن زمان تلفه في ضمان المشترى و كذلك خراجه بل و عينه ايضا ملكه كما هو الحال في تلف المبيع زمان خيار المشترى نعم استصحاب بقاء ضمان الثمن على المشترى الى ما بعد قبض البائع مخالف لاستصحاب بقاء العقد و عدم انحلاله بتلف الثمن بيد بائعه الذي يكون له خيار الشرط أو خيار المجلس بل خيار الحيوان الا ان استصحاب بقاء الضمان

الثابت قبل القبض الى ما بعده حاكم على استصحاب عدم انفساخ العقد كحكومة استصحاب ضمان اليد على أصالة عدم اشتغال من تلف المال بيده بالمثل أو القيمة.

أقول: استصحاب بقاء الضمان قبل القبض من- الاستصحاب في الشبهة الحكمية فلا اعتبار به و على تقدير اعتباره فيها و القول بان الضمان في نفسه أمر اعتباري لا يدخل استصحابه في الاستصحاب التعليقي فلا ريب في انه لا تصل النوبة إلى استصحاب الضمان لا لان استصحاب عدم الانفساخ ينافيه لما تقدم من ان معنى الضمان هو ان تلف الثمن بيد المشترى كان مع الانفساخ و كذلك بعد قبض البائع فيكون التشبث باستصحاب عدم الانفساخ من الأخذ بالاستصحاب المسببي مع الأصل السببي- بل لعدم وصول النوبة إلى استصحاب بقاء ضمان الثمن على المشترى لعدم المورد للاستصحاب في المقام أصلا لأن المرجع عند الشك في تلف الثمن في يد البائع الذي له الخيار إطلاق حل البيع و إمضائه نظير قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فان مفاد الإطلاق إمضاء البيع إلى الأبد و ما دل على الخيار و ضمان التلف قبل القبض و ضمان البائع تلف المبيع إلخ هو ان الإمضاء الى ان يقع الفسخ من ذي الخيار أو الى ان يقع التلف قبل القبض أو الى ان يتلف المبيع بيد المشتري الذي كان له- الخيار و يبقى باقي الصور تحت الإطلاق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 530

ثم ان ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم (1).

______________________________

لا يقال، هذا التمسك مبنى على جواز- التمسك بالعام فيما ورد عليه مخصص في زمان و شك بعد ذلك الزمان في حكم الفرد الخارج.

فإنه يقال: ليس ما نحن فيه من صغريات تلك الكبرى

و ان كان الصحيح في ذلك البحث ايضا جواز التمسك بالعام حتى ما لو كان حكم افراد العام استمراريا و الوجه في عدم دخول المقام في تلك الكبرى ان البيع المفروض في المقام لم يكن- خارجا عن خطاب الإمضاء سابقا لعدم وقوع تلف الثمن قبل القبض كما لا يخفى.

و يبقى في البين دعوى انه يستفاد من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المناط في الضمان المعاملي و لكن قد تقدم انه لا يستفاد منها الا ضمان البائع تلف المبيع بيد المشترى فيما كان له خيار الحيوان أو الشرط.

ثم بناء على ان تلف الثمن في زمان خيار البائع على المشترى انه لو تلف الثمن بيد البائع في بيع الخيار فعلى المشترى ان يرد المبيع إلى بائعه و هذا فيما كان الثمن شخصيا و اما إذا كان كليا و تلف الفرد المقبوض بيد البائع فلا يكون هذا التلف موجبا لانحلال البيع لان تلف المقبوض من ملك المشترى لا يلازم الانفساخ في البيع بل يكفى فيه انحلال القبض فيستحق البائع المطالبة بفرد آخر و يجرى ذلك فيما إذا كان المبيع كليا و قبض المشترى فردا منه و تلف ذلك الفرد في زمان خياره و الحاصل ان الالتزام بالانحلال في العقد- لتصحيح وقوع التلف على مال غير ذي الخيار و هذا يحصل بالانحلال في القبض و لو شك في انحلال البيع في هذه الصورة فالمرجع إطلاق دليل الإمضاء و لا أقل في استصحاب بقاء البيع.

(1) المراد من كون ضمان تلف المبيع في زمان خيار المشترى من بايعه على ما تقدم انحلال البيع عند تلفه ليقع التلف في ملك البائع فيرجع الثمن الى ملك المشترى و لو كان للمبيع نماء الى

زمان تلفه فالنماء للمشتري كما ان نماء الثمن الى ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 531

..........

______________________________

الزمان للبائع و ليس المراد من ضمان البائع ضمان التلف في اليد بان يصح البيع حتى بعد تلف المبيع بحيث يكون للمشتري فسخه- بالخيار فيرجع الى البائع بالثمن أو يبقى البيع بحاله فيرجع الى البائع ببدل المبيع مثلا، أو قيمة.

و الوجه في كون ضمان البائع على النحو الأول مضافا الى كونه ظاهر كلمات الأصحاب من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، انه لم يعهد ان يتلف مال مالك في يده و يكون خسارته على غيره.

و بتعبير آخر الملازمة- بين كون شي ء ملكا لشخص و ذهابه عن كسيه عند تلفه في يده و مقتضى قاعدة الخراج بالضمان و أن كون شخص مالكا لعين يلازم ضمانها- ان يكون المبيع عند تلفه في يد المشترى غير مملوكة له بل تكون مملوكة لبائعها و لا يكون هذا الا بانحلال البيع عند تلفها.

أقول: لا ينبغي التأمل في ان معنى الضمان قبل القبض هو الضمان المعاملي أي انحلال البيع بتلف قبل قبضه فان ظاهر معتبرة عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه (ع)، وقوع تلفه في ملك بايعه قال في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إنشاء اللّٰه تعالى فسرق المتاع من مال من يكون قال- من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و كذا الضمان في زمان الخيار كما هو ظاهر مرسلة حسن بن على بن رباط عمن رواه عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال: ان أحدث في الحيوان قبل ثلاثة أيام

فهو من مال البائع بل ظاهر صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و غيرها أيضا فإن المتفاهم منها ان الضمان المنفي عن المشترى هو الذي يثبت عليه بعد انقضاء الخيار- و من الظاهر ان الضمان الثابت على المشترى بعد انقضاء خيار الحيوان هو الضمان المعاوضي ففي موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه ليس على الذي اشترى حتى ينقضي الشرط و في رواية عبد اللّٰه بن الحسن بن زيد عن أبيه قال: يستخلف باللّٰه ما رضيه ثم هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 532

و العبارة محتاجة إلى التأمل (1).

و ربما يحتمل ان معنى قولهم ان التلف ممن لا خيار له (2).

______________________________

بري ء من الضمان و هذا هو العمدة و الا فمقتضى إطلاق الإمضاء حتى بعد تلف المبيع زمان خيار المشترى تعيّن ضمان التلف مع عدم فسخ ذي الخيار و لو فرض تعارض هذا الإطلاق مع قاعدة التلازم بين الضمان و الملك فيرجع الى استصحاب بقاء البيع و الخيار و تكون النتيجة ضمان التلف كما لا يخفى.

(1) وجه التأمل فإن الشهيد ره ذكر في أول كلامه ان البائع إذا فسخ البيع في صورة تلف المبيع بيد المشترى يرجع اليه ببدل المبيع فيما إذا لم يكن ضمان و مفهوم القيد ان البائع الفاسخ إذا كان عليه ضمان فليس له مطالبة البدل من المشترى.

و لكن لا يخفى انه لا يتصور كون البائع ذا خيار و ان يكون عليه ضمان تلف المبيع بيد المشترى هذا أولا و ثانيا ذكر في آخر كلامه انه إذا كان- للمشتري خيار و تلف المبيع بيد بايعه قبل قبضه يبطل البيع و لا يفيد إيجاب المشتري أي إمضائه في تضمين البائع بالمثل

أو القيمة ثم ذكر انه إذا تلف المبيع بيد المشترى زمان خياره ففي انسحاب الحكم الثابت قبل القبض بان لا يفيد إيجاب المشترى في تضمين البائع بالمثل أو القيمة إشكال مع انه ذكر في أول كلامه انه إذا تلف المبيع بعد قبض المشترى لا يبطل البيع و لا خيار- المشترى.

(2) المحتملات في ضمان التلف في زمان الخيار خمسة الأول: ما اخترناه من انحلال البيع و إتلاف المبيع في ملك بايعه.

الثاني: ما عن ظاهر الدروس من كون المشترى مخيرا بين فسخ البيع الرجوع الى ثمنه و إبقاء البيع و مطالبة البائع بالبدل.

الثالث: كون المشترى مخيرا بين الفسخ و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و إيجابه فيتخير في صورة الإبقاء بين المطالبة بالبدل و بين المطالبة بالثمن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 533

ثم ان الظاهر ان حكم تلف البعض حكم تلف الكل (1).

______________________________

الرابع: فسخ البيع و استرداد الثمن و إبقاء البيع و المطالبة بالثمن.

الخامس: انه إذا فسخ البيع يسترد الثمن و الا فلا شي ء له و غير الأول من المحتملات ينافيها إطلاق ما دل على ان الحدث بعد انقضاء زمان خيار المشترى عليه و قبله على البائع على ما تقدم تقريره.

(1) لو اشترى حيوانين بصفقة واحدة و تلف أحدهما زمان خيار المشترى يتبعض البيع فيرجع المشترى الى البائع بما يقع من الثمن بإزاء الحيوان التالف و يحصل له خيار التبعض ايضا بالإضافة إلى الحيوان الآخر و بتعبير آخر يكون تلف أحدهما في زمان الخيار كتلفه بيد- بايعه قبل القبض و كذا لو اشترى حيوانا و قبضه و حصل فيه عيب في زمان خياره يكون ذلك كحدوث العيب فيه بعد البيع بيد بايعه قبل

القبض في كونه موجبا لفسخ المشترى بالعيب و المطالبة بالأرش.

و لو لم يعلم المشترى بحدوث العيب بيده الا بعد انقضاء خيار الحيوان أو الشرط كان له الفسخ بالعيب الحادث.

و دعوى تعين الأرش في هذه الصورة لأن الشرط في جواز الفسخ بالعيب بقاء المبيع على ما كان عليه عند الشراء لا يمكن المساعدة عليها لان المعتبر في جواز الفسخ بقاء المبيع بحاله مع قطع النظر عن العيب الموجب لجواز الفسخ.

ثم ان التلف في زمان الخيار الموجب لانفساخ المعاملة ما إذا كان بآفة سماوية و يدخل في هذه الافة حكم الشارع بتلف المبيع كحكمه- على العبد المشترى بالانعتاق بصيرورته مقعدا أو أعمى و اما إذا كان التلف بفعل المشترى يكون ذلك موجبا للزوم البيع و سقوط خيار الحيوان بل خيار الشرط ايضا على وجه و اما إذا كان التلف بفعل البائع فلا يوجب إتلافه زمان خيار المشترى بطلان البيع كما هو الحال كذلك في إتلافه قبل قبض المشترى فيكون للمشتري فسخ المعاملة و الرجوع بثمنه و بين إبقاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 534

و ان كان بإتلاف أجنبي تخيّر ايضا (1) و هل يرجع بالقيمة إلى المتلف (2).

______________________________

البيع بحاله و مطالبة- البائع ببدل المبيع مثلا أو قيمة.

(1) ذكر قده انه لو كان تلف المبيع زمان خيار المشترى بفعل الأجنبي يكون الأمر كذلك فيتخيّر بين فسخ البيع و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و مطالبة الأجنبي المتلف بالمثل أو القيمة و لكن لا يخفى ما فيه فان إتلاف الأجنبي من تلف المبيع سواء كان ذلك قبل قبض المبيع أو زمان خيار الحيوان أو الشرط للمشتري و قد ذكر سلام اللّٰه عليه في معتبرة

عقبة بن خالد سرقة المبيع في يد بايعه من تلفه قبل القبض و ما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و غيره من الحدث في الحيوان في ثلاثة أيام يعم التلف بفعل الأجنبي نعم يكون المشترى مخيرا بين الفسخ و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و مطالبة المتلف بالكسر بالبدل في سائر الخيارات التي لا يكون فيها ضمان المبيع على بايعه كما في خيار الغبن أو المجلس و نحوهما و يجري في المقام ايضا بناء على عدم ضمان البائع إتلاف الأجنبي كما هو الفرض.

(2) إذا فسخ المشترى البيع و استرد ثمنه يقع الكلام في رجوع البائع فهل يرجع الى المتلف بالكسر ببدل المبيع أو يرجع الى صاحب الخيار الفاسخ أو يتخير في الرجوع الى كل منهما وجوه و قوله قده و هل يرجع ح بالقيمة إشارة الى هذا الخلاف.

و قد ذكر في وجه رجوع البائع إلى المتلف بالبدل أمران: أحدهما: ان بدل العين التالفة بذمة المتلف فيملك البائع المفسوخ عليه ذلك البدل بالفسخ.

ثانيهما: ان تلف العين و ان حصل حال كونها ملكا للفاسخ أي المشتري الا انه بعد الفسخ يعتبر عود تلك العين إلى البائع قبل تلفها بناء على ان المعتبر في الضمان اعتبار زمان التلف أو تعتبر العين التالفة ملكا للمفسوخ عليه عند الفسخ بناء على ان الاعتبار في الضمان بيوم الفسخ و على كلا التقديرين يكون البدل بذمة المتلف بالكسر للبائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 535

..........

______________________________

كما لو كانت العين بيد الأجنبي باقية عند فسخ ذي الخيار فإنه كما تكون تلك العين مع بقائها ملكا للبائع كذلك بدلها مع تلفها بفعل الأجنبي.

أقول: في ملك الفاسخ في قوله لرجوع

العين قبل تلفها في ملك الفاسخ متعلق بالتلف لا بالرجوع و للفاسخ في قوله ملكا تالفا للفاسخ سهو و الصحيح للمفسوخ عليه.

و ذكر في وجه الرجوع الى صاحب الخيار أى الفاسخ انه إذا رجع الثمن الى ملك ذي الخيار المفروض تلف العين في ملكه يلزم خروج بدل المثمن عن ملك صاحب الخيار و مقتضى خروجه عن ملكه ثبوت البدل على ذمته لان ضمان المال التالف و خروجه الى ملك الغير بمعنى ثبوت بدله على الذمة و هذا هو المراد من قوله لان ضمان المتلف بالفتح محله الذمة لا ضمان الأمور الخارجية أي الأعيان الخارجية الغير التالفة فإن ضمانها ليس بمعنى الثبوت على العهدة.

لا يقال: بدل العين التالفة كان ثابتا على ذمة المتلف بالكسر قبل الفسخ فيدخل بالفسخ ذلك البدل في ملك البائع و بتعبير آخر ذلك البدل المملوك لصاحب الخيار يرجع الى البائع في مقابل رجوع الثمن الى ملك صاحب الخيار الفاسخ.

فإنه يقال: البدل على ذمة المتلف بالكسر قد تشخّص قبل الفسخ ملكا لصاحب الخيار المفروض كونه مالكا للعين عند تلفها- فيكون ذلك البدل نظير ما باع المشترى المتاع في زمان خيار البائع من ثالث و أخذ الثمن من ذلك الثالث أو كان الثمن على عهدة الثالث فلا يحق للبائع بعد فسخه المطالبة بذلك الثمن بل يكون على المشترى الأول بدل ذلك المتاع مثلا أو قيمة.

و بتعبير آخر البدل على عهدة المتلف بالكسر يترتب عليه البدلية في التلف خاصة لا البدلية عن العين التالفة في جميع جهاتها و لو كانت- العين باقيه بيد الأجنبي كانت راجعة إلى ملك بائعها بفسخ ذي الخيار فلا يكون مع تلفها البدل الثابت على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 536

[مسألة من أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب على البائع]

من أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب على البائع (1).

______________________________

عهدة المتلف- بالكسر مثل العين من هذه الجهة أيضا.

و الحاصل لا يكون ما على عهدة المتلف بدلا خارجيا عن العين ليترتب عليه ما كان مترتبا على العين مع بقائها و على ذلك فإذا فسخ صاحب الخيار البيع يعتبر رجوع العين قبل ان تتلف حال كونها مضمونة لذي الخيار على متلفها الى ملك المفسوخ عليه فيكون العين التالفة بالنحو المزبور على عهدة ذي الخيار فيثبت بدلها على ذمته و لا يكون على عهدة المتلف بالكسر بالإضافة إلى بائعها بدل.

أقول: مما ذكر في توضيح العبارة يظهر ان الصحيح ابدال ملك الفاسخ في عبارته مضمونة لمالكها على متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ بملك المفسوخ عليه.

و ذكر في وجه الثالث: ان يد الفاسخ يد ضمان بالبدل بعد الفسخ كما ان إتلاف الأجنبي أيضا موجب للضمان فيجوز للبائع الرجوع الى كل منهما بنحو التخيير.

أقول: قد ظهر ايضا ان الصحيح ابدال يد المفسوخ عليه بيد الفاسخ. ثم قال و أضعف الوجوه أخيرها و لكن لا يخفى أنه أتمها و ذلك فان يد المشترى في زمان خياره في مفروض الكلام يد ضمان غاية الأمر ان الضمان على تقدير بقاء البيع معاوضي و على- تقدير فسخه ضمان يد و إتلاف الأجنبي موجب لكونه مديونا بالبدل لمن يعتبر العين التالفة عند إتلافها ملكا له و كان- يعتبر قبل الفسخ انها عند إتلافها ملكا للمشتري و بعد الفسخ يعتبر انها عند إتلافها ملكا للبائع مع كون اليد المشترى عليها يد ضمان فيجوز- للبائع الرجوع الى كل منهما كما هو الحال في تعاقب الأيدي غاية الأمر استقرار الضمان على المتلف

و يشهد لذلك انه لا يستحق المشتري مطالبة المتلف بالبدل فيما إذا فسخ البيع و استرد الثمن و ابرء البائع ذمة المتلف أو ذمة المشترى عن البدل فلاحظ و تدبر.

(1) ذكر العلامة في التذكرة انه لا يجب على المتبايعين تسليم ما لصاحبه و لو تبرع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 537

..........

______________________________

أحدهما بالتسليم لا يجب على الآخر التسليم و يجوز- للمتبرع استرداد ما سلمه الى الآخر سواء كان الخيار له أو للآخر و نقل عن بعض الشافعية انه لا يجوز للمتبرع الاسترداد بل على الآخر التسليم و ان امتنع يجوز للمتبرع اخدما انتقل اليه و لو مع عدم رضاه كما لم يكن البيع خياريا.

و ذكر المصنف (ره) انه يظهر من كلام العلامة ان الخلاف بين المسلمين انما هو في وجوب التسليم بعد اختيار أحدهما التسليم و اما التسليم ابتداء فلا يجوز على ذي الخيار بالاتفاق.

أقول: ما لا يخفى ما في الاستظهار من التهافت فان حصر الخلاف في وجوب التسليم بما إذا اختار أحدهما التسليم معناه الاتفاق على عدم وجوب التسليم ابتداء لا على ذي الخيار و لا على صاحبه فيكون منافيا لتخصيص الإجماع على عدم وجوب التسليم ابتداء بذي الخيار.

و كيف ما كان فان قيل بعدم حصول النقل و الانتقال زمان الخيار يكون الأمر كما ذكره في التذكرة و اما على القول بحصولهما بالعقد فقد يقال ان الخيار على تقدير كونه حقا متعلقا بما انتقل عنه- لا يجب على ذي الخيار التسليم كما لا يجب على صاحبه أيضا لأن امتناع كل منهما على تقدير امتناع الآخر شرط ارتكازي نعم لو تبرّع ذو الخيار بالتسليم يجب على صاحبه ايضا التسليم.

و فيه أوّلا ان

الخيار حق متعلق بالعقد فيكون لذي الخيار فسخه و لا يتعلق الحق بما انتقل عنه.

و ثانيا على تقدير كون الحق متعلقا بالعين فأيضا لا يجوز الإمساك بما انتقل عنه فان متعلق الحق استرداد تلك العين لا بالإمساك بها.

و بتعبير آخر لا وجه لرفع اليد عن مقتضى عدم حل مال الغير بغير طبيبة نفسه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 538

[مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين]

قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين (1).

______________________________

موارد الخيارات فإن الإمساك بمال الغير بغير رضا صاحبه داخل في العموم المزبور.

نعم إذا كان الإمساك لامتناع صاحبه عن التسليم جاز لما أشرنا إليه من ان حق كل منهما بالإمساك بمال الآخر ما دام صاحبه ممسكا بماله شرط ارتكازي في جميع البيوع الحالية.

و ذكر النائيني قده انه لا يجب على ذي الخيار التسليم و ان اختار صاحبه التسليم بخلاف ما إذا تبرع ذو الخيار بالتسليم فإنه يجب التسليم على الآخر و علّل ذلك بعدم وجوب الوفاء بالعقد على ذي الخيار و مقتضى جواز نقضه عدم التزامه بتسليم ما بيده ما دام الخيار فيكون سلطنة صاحبه بذلك المال مضيقة.

و فيه ان جواز نقض العقد- بالفسخ لا يرتبط بالتسليم و عدم الالتزام بالتسليم لو فسخ البيع قبله لا ينافي لزوم التسليم ما دام لم يفسخ.

(1) ينبغي ان يرادان الموارد التي لا ينحل البيع فيها بتلف العين لا يبطل الخيار ايضا بتلفها و اما مع انحلال البيع كما في تلف المبيع قبل القبض أو تلفه زمان خيار الحيوان و الشرط للمشتري فبانحلال البيع بتلف المبيع لا يبقى مورد للخيار و ما ذكر صحيح لان الخيار حق يتعلق بالعقد و إذا فسخه ذو الخيار يرجع صاحبه اليه

بالبدل مثلا أو قيمة كما يرجع هو الى صاحبه بالبدل لو كان ما انتقل عنه هو التالف هذا في غير مورد قيام النص بأنه لا ينفذ الفسخ مع عدم بقاء العين كما في خيار العيب حيث دل النص على ان عدم بقاء المعيب بيد مشتريه بحاله يعيّن أخذ الأرش و قد ذكر المصنف قده انه يشكل الفسخ بعد تلف العين في موارد:

الأول: ما إذا كان الخيار لضرر الصبر على العين كما في خياري العيب و التدليس.

الثاني: ما إذا كان مقتضى الدليل جواز ردّ العين كما ذكر ذلك في مسئلة ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 539

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة]

لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة (1).

______________________________

كذب البائع بعد تلف المبيع في بيعه مرابحة.

الثالث: ما إذا كان الغرض من شرط الخيار تمكن ذي الخيار على استرداد نفس العين كما في بيع الشرط فإنه يمكن القول بأنه لا يجوز لبائع العين الفسخ بعد تلفها بيد المشترى و كذا في كل مورد كان تصريح المتبايعين أو ظاهرهما عدم الغرض من شرط الخيار الّا رد العين و استردادها.

أقول: إذا كان المشروط في البيع هو الخيار و لكن مع بقاء العين لا مطلقا فالمتبع شرطهما و لا ينبغي الريب في عدم الخيار مع تلفها و اما إذا كان المشروط هو الخيار فقط أو كان الخيار بلا قيد- مدلول النص كما في خيار المجلس و نحوه فلا وجه لسقوط الخيار بتلف العين و مجرد كون الحكمة في جعل الخيار التمكن على استرداد العين أو تدارك الضرر أو كون الداعي إلى اشتراطه استردادها لا يوجب اختصاص الخيار بصورة بقائها.

و مما ذكر يظهر الحال في بيع الخيار و انه لا

يتفاوت في جواز الفسخ بين بقاء العين و عدمه.

(1) لو فسخ البيع بالخيار أو بالإقالة فالعين التي يرجع الى ملك صاحب ذي الخيار مضمونة بيد ذي الخيار بضمان اليد فان اليد على مال الغير مع عدم كون ذي اليد أمينا بجعل مالك المال أو بجعل الشارع يوجب الضمان كما ذكرنا ذلك في مدرك ضمان اليد من استقرار سيرة العقلاء من المتشرعة و غيرهم و يقتضيه عموم حديث على اليد و من الظاهر ان مجرد الفسخ لا يجعل المال امانة بيده سواء كان يده على ذلك المال مضمونا بضمان معاملي قبل الفسخ أو لم يكن كما إذا فسخ مشتري الحيوان الشراء ثم تلف الحيوان بيده.

و بتعبير آخر الضمان في المقام نظير ضمان المقبوض بالسوم ضمان يد و الموجب له

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 540

[القول في النقد و النسية]

اشارة

ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم (1)

[مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد]

إطلاق العقد يقتضي النقد (2).

______________________________

عدم كون اليد على مال الغير يد أمانة مالكية كانت أو شرعية و كذا الحال في تلف المال بيد غير ذي الخيار فان تلفه عليه سواء كان التلف قبل الفسخ أو بعده.

و يمكن ان يستدل على ذلك بقوله (ع) في ذيل رواية ضمان البائع قبل القبض إذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه فإن ضمان الحق قبل الفسخ هو الثمن المسمى و بعده نفس العين مع بقائها و بدلها مع تلفها و بتعبير آخر هذا الذيل يعم زمان الخيار و بعده و قبل الفسخ و بعده.

(1) ذكروا للبيع أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و ليس المراد بالحاضر خصوص العين الخارجية الموجودة بل يعم الكلى على العهدة حالّا و بيع المؤجل بالمؤجّل و يعبّر عن ذلك ببيع الكالي بالكالي أى النسيئة بالنسيئة و الكالى من الكلاء و بمعنى التأخير و قد ورد النهى عنه في روايات مخالفينا و ما ورد في رواياتنا من النهى عن بيع الدين بالدين يأتي بيان المراد منه و بيع الحاضر بالمؤجل و يعبّر عن ذلك بالبيع نسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و يعبّر عن ذلك ببيع السّلم.

(2) إطلاق العقد يقتضي كون الثمن كالمثمن حالّا المعبّر عن ذلك ببيع النقد فيكون للبائع مطالبة المشتري بالثمن مع استحقاقه- و يحصل استحقاقه بدفع المثمن إليه أو تمكينه من أخذه على الخلاف في معنى الإقباض.

و الوجه في ذلك أن البائع يملك الثمن على عهدة المشتري عينا كان أو دينا و إذا أقبض المبيع يستحق المطالبة بما ملكه بالبيع فان الناس مسلطون على أموالهم و حبس الحق و المال على مالكه

ظلم و عدوان و الإمساك بملك الغير لا يحل بغير طيبة نفس مالكه. و يدل على الحكم موثقة عمار بن موسى عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثمّ افترقا فقال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 541

..........

______________________________

اشترطا فهو نقد.

ثمّ انّه إذا اشترط تعجيل الثمن في العقد يكون شرطه عند المصنف ره تأكيدا لما يفيده إطلاق العقد حيث انّ ظاهر الاشتراط عدم المماطلة و التأخير مع المطالبة و ليس ظاهر دفع الثمن و لو بلا مطالبة فإنّه على ذلك و ان لا يكون الاشتراط تأكيدا الّا ان فهمه يحتاج إلى قرينة.

ثمّ ذكر انّه لا معنى لاشتراط التعجيل إلّا التأكيد فإنه إذا لم يطالب المشترى بالثمن يكون مرجع عدم مطالبته إلى إلغاء اشتراط التعجيل فلا يجب عليه و مع المطالبة يثبت له وجوب التعجيل كما هو الحال في صورة إطلاق العقد فتكون النتيجة أنّه لا يفيد اشتراط التعجيل إلّا التأكيد و المراد بالتأكيد بالإضافة إلى وجوب قبض المال مع مطالبة المستحق و امّا بالإضافة إلى ثبوت الخيار في الفسخ فقد ذكر في الدروس أنه لو عيّن للتعجيل زمان خاصّ و لم يؤدّ الثمن فيه يثبت للمشروط له خيار الفسخ.

أقول ما ذكر (قده) من كون اشتراط التعجيل تأكيدا ضعيف و الوجه في ذلك ان المبيع بالبيع يصير ملكا للمشتري و الثمن فيما كان كلّيا يكون على عهدة المشتري ملكا للبائع فيستحق البائع المطالبة به بقبض المبيع كما هو الحال في سائر الديون الحالّية فلا يجب على المشترى أداء ما عليه قبل مطالبة المستحق و على ذلك فاشتراط التعجيل بحسب المتفاهم

العرفي في نفسه مطالبة لما على المشترى سواء عيّن للتعجيل زمانا أم لا.

و بهذا يظهران ترك المطالبة بعد اشتراط التعجيل لا يكون إسقاطا لحق التعجيل ثمّ انه قد ذكر الشهيد الثاني ان ثبوت الخيار للمشروط له لا ينحصر بما إذا عين للتعجيل زمانا معيّنا بل لو أطلق اشتراط التعجيل يثبت له الخيار مع ترك التعجيل في أوّل أزمنة إمكانه عرفا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 542

..........

______________________________

و ناقش في هذا الإلحاق صاحب الجواهر قده بأن صورة إطلاق الاشتراط لا يلحق بصورة تعيين زمان خاصّ فان مع إطلاق التعجيل يكون زمانه مجهولا فيبطل الشرط و لو فرض عدم بطلان الشرط فلا يثبت الخيار للمشروط له الّا مع عدم التمكن على إجبار المشروط عليه بالتعجيل فلا يصح ان يقال أنه مع إطلاق الاشتراط يترتب عليه ثبوت الخيار بترك التعجيل مطلقا بل لا بد من تقييده بصورة عدم التمكن على الإجبار.

و قد ردّ المصنّف ره على الجواهر بأن إلحاق الشهيد الثاني حسن حيث ان إطلاق الاشتراط مع انصرافه إلى أوّل أزمنة إمكان التعجيل عرفا لا يكون مجهولا و لا حاجة ايضا الى ان ثبوت الخيار انّما هو في فرض عدم التمكن على الإجبار لأن كلام الشهيد الثاني ان اشتراط الفعل على المشترى يترتب عليه ثبوت الخيار و لكن هذا الخيار يترتب على مجرد ترك الفعل أو عليه مع عدم التمكن على إجبار المشروط عليه فذلك مسألة أخرى سيالة في جميع شروط الفعل مع أنه لو بنى على ترتب الخيار على عدم تمكن المشروط له على الإجبار في سائر شرائط الأفعال فلا يجرى ذلك في المقام لان مع عدم حصول أول أزمنة الإمكان عرفا فلا وجه للإجبار

و مع حصوله لا ينفع الإجبار لأن الفعل أى قبض الثمن يقع في ثاني أزمنة إمكانه و هو غير الزمان المشروط فيه.

أقول قد ذكرنا سابقا ان ترتب الخيار على ترك العمل المشروط لا يتوقف على عدم التمكن على الإجبار من غير فرق بين عمل و عمل آخر نعم للمشروط له إجبار على العمل بحيث يقع العمل في زمانه المعين و عليه فيجوز للمشروط له إجبار المشروط عليه قبل حصول الزمان المعين أو قبل أوّل أزمنة الإمكان بحيث يقع قبضه في ذلك الزمان المعين أو أول أزمنة الإمكان أو إجباره في أوّل ذلك الزمان ليقع القبض و لو في آخره فيما كان الزمان المعين أوسع من الفعل كما هو الحال في أول أزمنة الإمكان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 543

[مسألة يجوز اشترط التأجيل الثمن مدّة معيّنة]

يجوز اشترط التأجيل الثمن مدّة معيّنة (1).

______________________________

ثمّ ان ظاهرهم في المقام انه مع عدم اشتراط التعجيل لا يجوز للبائع فسخ البيع بمماطلة المشترى في أداء الثمن بعد مطالبة البائع و ان الخيار يترتب على اشتراط التعجيل و لكن لا يخفى ان عدم مماطلة كل من المتبايعين في القبض و الإقباض شرط ارتكازى في المعاملات و عليه فلا يبعد ثبوت الخيار لكل من المتبايعين في صورة مماطلة صاحبه بلا فرق بين اشتراط التعجيل و عدمه و بلا فرق بين كون مماطلة صاحبه عن عذر كالعسر في أداء ما عليه من الثمن أم لا و بلا فرق بين كون المبيع من المستثنيات في أداء الدين و عدمه فيجوز للبائع أخذ الدار المبيعة من المشترى و لو جعلها المشترى مسكنا و كانت مماطلته لعسره فان قوله سبحانه «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» لا

يمنع عن فسخ البيع و انّما يمنع عن المطالبة بالثمن مع إبقائه و الممنوع عنه بيع المسكن في استيفاء الدّين لا أخذ البائع المسكن بعد فسخ بيعه كما هو الحال في صورة اشتراط التعجيل و ما تقدم في خيار تأخير الثمن فهو خيار شرعي تأسيسى استفيد من الروايات و مع عدم تحقق شرائطه ينتفي و لكن لا يوجب انتفاء الخيار الذي ذكرناه في المقام و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يجوز بيع المتاع نسيئة و يعتبر فيه تعيين الأجل الذي يستحق البائع المطالبة فيه بالثمن بما لا يكون في الأجل المزبور جهالة من حيث المفهوم كالسنة حيث انّها مرددة بين القمرية و الشمسية نعم لو كان في البين انصراف إلى أحدهما خرج عن الإجمال و لا من حيث المصداق كيوم الجمعة من شهر رمضان هذه السنة حيث يتردد بين الاولى و غيرها و يدل على اعتبار التعيين كذلك النهى عن بيع الغرر الظاهر في فساده و في موثقة غياث بن إبراهيم بن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم و لا تسلمه الى دياس و لا الى حصاد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 544

..........

______________________________

و في موثقة سماعة المروية كما قبلها في باب السلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به قال: نعم إذا كان لأجل معلوم و نحوهما غيرهما ثمّ انه لا فرق في المدة المعينة بين القصيرة و الطويلة و ربما ينسب إلى الإسكافي انه منع عن التأجيل إلى ثلاث سنوات أو أزيد و

لعلّه للنهى الوارد عنه في بعض الاخبار و في رواية البزنطي قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام انى أريد الخروج الى بعض الجبال فقال ما للناس بد من ان يضطربوا سنتهم هذه فقلت له جعلت فداك انا إذا بعناهم بنسية كان أكثر للربح قال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال: نعم قلت بتأخير ثلاث قال لا.

و في صحيحة الأخرى انه قال لأبي الحسن الرضا عليه السّلام ان هذا الجبل قد فتح على الناس منه باب رزق فقال ان أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطرب و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت انهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنتين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا يكون لك شي ء أكثر من ثلاث سنين.

و لكن لا يخفى ظاهر الصحيحة صحة البيع و انه لا يصل الى المخاطب البائع من البيع المزبور الّا الانتظار فلا يناسب الرواية إلّا المشورة مع الامام عليه السّلام و المراد بالإرشاد في عبارة المصنف (قده) الإرشاد الى غير الحكم الشرعي كالتنبيه الى ضياع المال و المراد بالملاء في الصحيحة الذين لا يهلك عندهم المال لغناهم و الرواية الاولى مع ضعف سندها بسهل بن زياد تحتمل اتحاد الواقعة.

ثمّ لا يخفى أنه بأس بتأجيل الثمن و الإفراط بالتأخير و ما يقال من ان التأجيل يجوز الى ان يعد بيع البائع مع التأجيل المزبور سفهيا و أكل المشتري المبيع المزبور مع التأجيل المزبور أكلا للمبيع بالباطل لا يمكن المساعدة عليه فان عدّ بيع البائع سفهيّا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 545

أقواها الثاني (1).

______________________________

لا يوجب بطلان البيع فان المحكوم بالفساد و هو

بيع السفيه لا البيع السفهى.

و دعوى انصراف ما دلّ البيع الى غير السفهى كما ترى و اما الأكل بالباطل فتحققه و ان يوجب بطلان البيع الّا انه غير محقق كما نذكر.

نعم قيل انه لا يجوز تأجيل الثمن إلى مدة يعلم بأن المشترى و البائع لا يعيشان الى تلك المدة و وجه البطلان خروج الثمن عن انتفاع البائع به و يردّه انه قابل لانتفاع البائع ببيع ذلك الدين بالحاضر بالتنقيص أو المصالحة عليه و بهذا يظهر أن أكل المشترى و تملكه المبيع بإزاء الثمن المزبور لا يكون أكلا بالباطل.

لا يقال ان الإفراط بالتأخير إلى أجل لا- يعيش المشترى الى ذلك المقدار لغو محض فيكون غاية التأجيل حلول الموت و لجهالته يبطل البيع بل التأجيل المزبور مخالف للسنة فيوجب بطلان البيع نظير اشتراط مدّة مجهولة.

فإنه يقال الشرط صحيح بالإضافة إلى ما قبل موت المشترى فيبطل بالإضافة الى ما بعده و لا يوجب ذلك بطلان البيع لمعلومية الأجل في صورة العقد و جهالته بالانحلال و الفساد بالإضافة الى ما بعد موت المشترى لا- يضرّ على ما تقدم في جهالة الثمن في موارد تبعض ألصفقه و انحلال البيع بالإضافة الى بعض المبيع و هذا بناء على انّ التأجيل أمر زائد على الثمن نعم بناء على ان التأجيل قيد للثمن و تضيق لدائرته فلا- يبعد الحكم ببطلان البيع لان الثمن المزبور ليس عوضا شرعا ليتملكه البائع على المشترى هذا مع إمكان كون الغاية انتفاع الوارث.

(1) لا يبعد كون الأول هو الأظهر كما إذا كان الأجل معينا بحسب الواقع و يعرفه أهل بلد المعاملة كالبيع الى مهرجان على وزن أصبهان اسم لعيد للفرس و يكون الفرض نظير البيع و الشراء بأوزان

البلاد مع عدم معرفة أحد المتعاقدين به أحيانا فإنه لم تكن سيرة المتشرعة عند الدخول في بلد معرفة أوزان ذلك البلد قبل شراء حاجياتهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 546

[مسألة لو باع بثمن حالا و بالأزيد منه مؤجلا]

لو باع بثمن حالا و بالأزيد منه مؤجلا (1).

______________________________

منها و كان الزوار يدخلون بلدا يشترون الفواكه و الطعام و غيرهما بأوزان البلد المزبور قبل قياس تلك الأوزان بأوزان بلادهم لمعرفتها و لم يحرز شمول النهى عن بيع الغرر لذلك حيث انّه ليس في البين ما يقتضي ان الغرر مطلق عدم المعرفة و لا يستفاد من الاخبار الواردة في اعتبار كيل المبيع أو وزنه أزيد مما ذكر و اعتبار اليقين في ناحية الثمن و أجله أيضا كذلك و إذا كان وصول الشمس الى برج الحمل أجلا يعرفه أهل السوق و انه أول يوم من فصل الربيع فلا بأس بجعله البائع أجلا و ان لم يعرفه المشترى و لا يستفاد من الاخبار الواردة في السلم أزيد من التعيين عند الناس.

و ليس هذا من التأجيل إلى موت المشتري أو البائع ليكون البيع غرريا و الى أجل غير معلوم لان موته ممّا لا يعرفه الناس و لا المتعاقدان بخلاف ما إذا كان له واقع معين يعرفه الناس و أحد المتعاقدين و إذا كان الأجل بحسب الواقع معينا و لا يعرفه أهل بلد المعاملة بل يعرفه المتعاقدان كما إذا باع بمكّة ايرانى زميله متاعا نسيئة و جعل الأجل حلول نيروز صحّ و أن عدم معرفة غيرهما في ذلك البلد لا يقدح في المعاملة و إلى ذلك يشير العلامة (قده) في عبارة المنقولة في الكتاب بقوله و سواء اعتبر معرفتهما أم لا و لو عرفا كفى.

(1) المنسوب

الى أكثر الأصحاب من المتأخرين انه لو قال في مقام إنشاء البيع بعته بكذا نقدا و بكذا نسية لا يصحّ سواء قال المشترى قبلته نقدا أو قال نسية أو أطلق القبول.

و في مرسلة الكليني ره من سادم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نسية فليسمّ أحدهما قبل الصفقة.

و في رواية سليمان بن صالح عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و لكن في صحيحة محمّد بن قيس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 547

..........

______________________________

عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من باع سلعة فقال: ان ثمنها كذا و كذا يدا بيد و ثمنها كذا و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتها واحدة فليس له الّا أقلّهما و ان كانت نظرة.

و نحوها معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام ان عليا قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين يقول: ليس له إلّا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة.

و ربّما التزم بعض الأصحاب بظاهرهما و حكم بثبوت البيع بالأقل مع أبعد الأجلين.

و فيه انه يعارضهما مع ما سبق موثقة عمّار عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في حديث ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بعث رجلا الى أهل مكة و أمره و أن ينهاهم عن شرطين في بيع و ظاهر الشرطين على ما تقدّم بيع المتاع نقدا بكذا و نسية بكذا.

و الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على الكراهة

لا يمكن المساعدة عليه إذ الاهتمام كذلك ببعث الرسول أو الوالي الى أهل مكة و أمره صلّى اللّٰه عليه و آله أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبض و عن شرطين في بيع و ربح ما لم يضمن بان يبيع المتاع مرابحة قبل ان يدخل في ضمانه أى قبل ان يشتريه لا يناسب الكراهة.

و بذلك يظهر ان ما ذكر السيد (قده) في الناصريات من كراهة البيع بثمنين بالأقل نقدا و بالأكثر نسية لا يمكن المساعدة عليه و يبقى في البين الالتزام اما بفساد البيع المزبور و حمل الروايتين على خلاف ظاهرهما بان يقال المذكور فيهما حكم صورة تلف القيمي حيث ان قيمة يوم الضمان التي يجب دفعها الى البائع هي الأقل و لو كان دفعها في الأجل المزبور أو يقال ان النهى في الموثقة إرشاد إلى فساد الشرط لا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 548

إلّا ان يقال ان الزيادة ليست في مقابل الأجل (1).

______________________________

إلى فساد أصل البيع بان كان بيع المتاع بالأقل و قول البائع و ان كان بعد شهر مثلا بكذا تأجيل للثمن المزبور بزيادة و يأتي ان تأجيل الدين كذلك ربا موضوعا أو حكما فيكون شرطه باطلا.

لا يقال الجمع بين الطائفتين كما ذكر لا يعدّ من الجمع العرفي بل هما بظاهرهما متعارضتان فتصل النوبة إلى إطلاق حل البيع فيما إذا كان قبول المشتري لأحدهما على التعيين نعم إذا كان قبول المشتري ايضا على نحو الترديد يحكم بالبطلان إذ لا يقع كلا البيعين و لا معين لأحدهما و أحدهما بلا تعيين غير داخل في إطلاق حل البيع حيث ان أفراده المعينات كما هو الحال في كل الخطابات المتكفلة لبيان الحكم

على الطبيعي بنحو الشمول و الاستيعاب فإنه يقال البطلان لفقد الإيجاب لتعلقه بالجامع.

(1) و حاصله انّه لو كانت الزيادة في الثمن بإزاء التأجيل فبطلان هذه المعاملة لكونها ربا حكما أو موضوعا لا يمنع البائع من المطالبة بالثمن الأقل حالا نعم لو كان الزيادة بإزاء إسقاط البائع حقه بالمطالبة بالثمن الأقل يسقط حق المطالبة و لا يتعين الّا الثمن الأقل نظير ما احتمل انه إذا أسقط ولي الدم حق القصاص بإزاء عبد يعلمان انه ملك لغير القاتل أو انه حرّ سقط حق القصاص و لا يكون على القاتل شي ء أو يكون عليه الدية كما نقل عن العلامة في التحرير و على ذلك فالتأجيل لازم على البائع بمعنى انه لا- يستحق مطالبة المشتري بالثمن الأقل قبل انقضاء المدة و لكن لو دفع المشترى الثمن في تلك المدّة فليس للبائع الامتناع عن أخذه بخلاف موارد صحة التاجل فإنه يحق للبائع الامتناع عن أخذ الثمن الى ان ينقض المدة.

أقول لا يلزم التأخير المزبور على البائع بلا فرق بين وقوع المعاوضة بين المقدار الزائد من الثمن و التأجيل أو تقع المعاوضة بين إسقاط البائع حقّه في المطالبة بالثمن الأقل و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 549

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 549

______________________________

بين المقدار الزائد لأنه إذا لم يصح أحد العوضين فلا يصح العوض الآخر و يكون هذا نظير إسقاط الحق بنحو التعليق فإنه ببطلان التعليق في الإيقاع لا يحصل الاسقاط و ما ذكر في مسألة حق القصاص من سقوطه فيما إذا أسقطه الولي

بإزاء عبد الغير أو الحر مع علم الولي و القاتل بالحال لا يمكن المساعدة عليه.

نعم لو علم الولي بان العبد حر و مع ذلك أسقط حق قصاصه بإزائه سقط حق القصاص فإنه من الاسقاط مجانا بخلاف جهله بالحال أو إسقاطه بإزاء عبد الغير مع الجهل بالحال أو مع العلم فإنه لا يسقط حق القصاص و لذا لا يكون بيع ماله بإزاء عبد الغير مع العلم بالحال أو الجهل من تمليكه مجانا على ما تقدم في بيع الفضولي و المتحصل في المقام انه لو قال بعته نقدا بكذا و نسية بكذا و قبل المشتري أحدهما بعينه فيمكن الحكم بصحة بخلاف ما إذا قبل المشترى قبلته بلا تعيين أحدهما فلا يمكن الحكم بصحّته كل منهما و لا صحة أحدهما بعينه فإنه ترجيح بلا معين و أحدهما لا بعينه ليس فردا لمثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بل ذكرنا بطلانه حتى مع تعيين المشترى في قبوله.

نعم لو قال بعته بكذا و ان اجلته فعليك كذا يكون البيع محكوما بالصحة و ثبوت الثمن الأقل حتى ما لو تأخر في أداء الثمن لبطلان الشرط و عدم سراية فساده الى نفس البيع على ما تقدم في ذلك البحث فلا يلزم الأجل على المشروط له فان له مطالبة المشتري بالثمن حالا.

و دعوى ان المتعين في المقام العمل بموثقة السكوني و صحيحة محمّد بن قيس بان يحكم بالثمن الأقل مؤجلا و تقييد النهي في موثقة عمار عن الشرطين في بيع الى غير هذه الصورة كما إذا قال بعته مؤجلا بشهر بكذا أو بشهرين بكذا و نحو ذلك لا يمكن المساعدة عليه فان المتبادر عن النهى عن شرطين في بيعه نقدا بكذا و نسية

بكذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 550

[مسألة لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل]

لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل (1).

______________________________

بشهادة موثقة السكوني مع انه لا يحتمل الفرق بين قوله بعته نقدا بكذا و الى شهرين بكذا كما لا يخفى.

(1) لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل و لا يحق للبائع المطالبة قبل حلوله بلا خلاف لأن التأجيل في الثمن مقتضاه انّ للمشتري حق التأخير و لا يختص هذا الحكم بالثمن المؤجل بل يجري في كل دين سواء كان تأجيله بجعل المتعاقدين كالسلم و القرض المشروط فيه الأجل أو بجعل الشارع كما في الاقساط و النجوم المعتبرة في الدية.

و المشهور في كلام المتأخرين انه لا يجب على البائع تسلمه فيما إذا تبرع المديون قبل الأجل.

و علل في التذكرة بأن تعجيل المشترى و دفعه الثمن قبل الأجل كتبرع المديون بالزيادة حيث لا يجب على الدائن قبول المنة بأخذ تلك الزيادة و يشهد بكون تعجيل المؤجل كالزيادة ما يذكر في باب الربا من عدم جواز بيع حنطة حالا بحنطة اخرى مؤجلا.

و فيه انه لو لم يكن في أصل الدعوى تأمل فلا ينبغي الريب في ان إطلاقها ممنوعة حيث ربما يكون التعجيل مصلحة للمشتري أو يكون دفعه بعد حلول الأجل أو قبله على حد سواء كما إذا أراد المشتري دفع الثمن قبل حلول الأجل بساعة أو ساعتين.

و ذكر المصنف ره في وجه عدم وجوب التسليم ان اشتراط الأجل كما يكون من جعل حق التأخير للمشتري كذلك يكون من جعل الحق للبائع في تأخيره أخذ الثمن إلى حلول الأجل و يكون على المشترى حفظ مال البائع على العهدة كالودعي الذي عليه حفظ مال المودع و الحاصل أن في

التأجيل حق للدائن بلا خلاف ظاهر.

و لكن ربما يقال بعدم الفرق بين الدين المؤجل و الحال في انه كما يجب على الدائن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 551

ثم انه لو أسقط المشتري أجل الدين (1).

______________________________

تسلّم الدين في الثاني كذلك في الأول.

و بتعبير آخر التأجيل حق للمديون في التأخير في الأداء و للدائن في التأخير في التسلم حق فغير داخل فيه و يشهد لذلك كون التأجيل موجبا لزيادة الثمن و أن للبائع تنقيص الثمن المؤجل حتى يؤديه المديون حالا.

و الحاصل الدين المؤجل بالإضافة إلى المديون كالواجب الموسع فيجوز له الأداء و ان لم يرض به البائع و يتضيق بحلول الأجل و فيه كون التأجيل موجبا لزيادة الثمن لا يمنع عن كون التأخيرى التسلم حقا للبائع أيضا.

و الأظهر أن يقال ان الأجل في الثمن لو كان قيد إله فلا يجب على البائع تسلمه قبل الأجل إلّا بالتراضي لأن المدفوع قبل الأجل ليس فردا له و ان كان التأجيل شرطا كما هو الظاهر المتفاهم فليس الاشتراط الا حق التأخير للمديون.

نعم لو قامت قرينة خاصة في مورد أن في البيع نسيئة غرض آخر للبائع غير زيادة الثمن أو الإرفاق على المشترى كالفرار من كلفة حفظ المال في تلك المدّة كما قد يتفق في المعاملات في الأسفار لكان على البائع الامتناع عن التسلم و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر العلامة في التذكرة و القواعد انه لو أسقط المديون التأجيل في الدين لم يصح فلا يجوز للدائن المطالبة بالدين قبل الأجل بمعنى انه لا يجب على المديون أداء ما عليه بمطالبة البائع قبل الأجل و علل ذلك في جامع المقاصد بوجهين.

الأول ان التأجيل ثبت بالعقد اللازم و

ما دام العقد باقيا لا يوجب إسقاط الأجل شيئا.

و الثاني ان التأجيل حق للدائن أيضا و لذا لا يجب عليه التسلم فيما إذا تبرع المديون بالأداء قبل حلول الأجل.

نعم لو تقابلا في الأجل بأن أسقط كل منهما شرط الأجل لجاز للدائن مطالبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 552

و وجّه في التذكرة عدم سقوط شرط الأجل بوجه آخر (1).

______________________________

المديون و الإقالة في الأجل نافذة في غير صورة نذرهما أو نذر أحدهما بيع المال أو شرائه مؤجلا حيث ان مع النذر لا يجوز الإقالة و لا يسقط الأجل و يكون نفوذ الإقالة في العقد لا في النذر.

و فيه أن شيئا من الوجهين غير تام فان المشروط في العقد اللازم فيما إذا كان من قبيل الحق لأحد المتعاقدين أو كلاهما فهو قابل للإسقاط كما إذا باع العين منه بثمن و اشترط عليه خياطة ثوبه يكون اشترط الخياطة من حق البائع على المشتري فيجوز للبائع إسقاط هذا الحق بحيث لا يجوز له بعد إسقاطه إجبار المشترى على خياطته و لا فسخ العقد بتركه الخياطة و ثبوت الحق للدائن على المشترى في حفظ ماله على عهدته لا يمنع عن إجباره المشترى على الأداء قبل الأجل فإن هذا الإجبار اثر لسقوط حق المديون في التأخير و لا يوجب ان يمتنع البائع عن التسلم الى ان ينقضي الأجل.

و ما ذكر أخيرا من عدم صحة الإقالة مع نذر شرط الأجل ضعيف و ان لم يتعرض المصنف ره لضعفه فإنه لو كان نذره بيع المال أو شرائه مؤجلا شاملا لما بعد إنشاء البيع ايضا يكون إسقاطه محرّما تكليفا و النهى بما انه من النهى عن المعاملة لا يقتضي فساد الإقالة.

(1)

و حاصله ان شرط التأجيل من قبيل الصفة التابعة لأحد العوضين أى من الوصف المشروط لأحدهما و فيما كان موصوفه من الكلى كقول البائع في بيع السلف بعت منا من الحنطة الموصوفة بوصف كذا يكون الوصف تقييدا لذلك الكلى و تضييق دائرته فلا يكون الفاقد لذلك الوصف فردا للمبيع بخلاف وصف المذكور للعين الخارجية فإن الوصف فيه مرجعه الى جعل الخيار مع تخلف ذلك الوصف و لذا يمكن إسقاط الوصف المشترط في العين الخارجية دون الوصف المشترط للكلي.

و الحاصل كما أن وصف الصحة و الجودة في الكلي يوجب تقييد ذلك الكلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 553

..........

______________________________

و لا يكون الفاسد المدفوع أو غير الجيد فردا منه و لا يجوز للمشتري فسخ العقد بل له ردّ المدفوع و مطالبة البائع بالصحيح أو الجيد كذلك الأجل المذكور للثمن من قبيل الوصف المزبور.

أقول الوصف المذكور للكلي و ان يرجع الى تقييده و لكن اشتراط الأجل كما ذكرنا ليس من قبيل الوصف بل من قبيل اشتراط فعل آخر كاشتراط خياطة الثوب على المشترى كما إذا باع منا من الحنطة سلما و اشترط تسليمها في البلد الفلاني فإن هذا الشرط بما أنه شرط فعل لا يوجب تقييد المبيع و تسليم الثمن في زمان أو مكان من هذا القبيل.

و الصحيح في وجه عدم جواز إسقاط شرط الأجل ما أشار إليه المصنف ره من ان مرجع شرط الأجل إلى إسقاط البائع حقّه في المطالبة بالثمن إلى الأجل المفروض فان مع البيع مطلقا يكون للبائع حق المطالبة بالثمن فالتأجيل شرط لسقوط هذا الحق و كلما كان مقتضى الشرط في العقد سقوط حق من أحد المتعاقدين فلا يعود ذلك الحق

الساقط نظير اشتراط البائع التبري من عيوب المبيع فان مقتضاه سقوط الخيار عن المشترى مع ظهور العيب في المبيع و بعد هذا الاسقاط لا يمكن ثبوت الخيار بإسقاط البائع تبريه.

و الحاصل كلما كان مقتضى الشرط ثبوت حق لأحد المتعاقدين فهذا الحق يسقط بالإسقاط بعد العقد بخلاف ما إذا كان مقتضى الاشتراط سقوط الحق فان الحق بعد سقوطه كما هو فرض نفوذ الشرط لا يعود و قد ذكرنا التأجيل يتضمن حقا واحدا و ليس فيه ثبوت حق للبائع على المشترى في حفظ ماله الى ان يحل الأجل و مع ثبوته ايضا يكون حقا آخر يثبت للبائع و لو مع سقوط حق مطالبته من الأول.

و على الجملة فالوجه في عدم سقوط شرط الأجل ما أشرنا إليه من الوجه و اللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 554

[إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه]

وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه (1).

______________________________

سبحانه هو العالم.

(1) المشهور بل من غير خلاف ظاهر أنّه يجب على الدائن أخذ دينه الحال عند دفعه اليه سواء كان حالا بالأصالة أو بانقضاء الأجل بمعنى أنه لا يجوز له الامتناع عن الأخذ و إبقاء المال بذمة المديون و يذكر لذلك وجهين:

الأوّل- ان للمديون سلطنة تفريغ عهدته عن الدين حيث ان للناس سلطنة على أنفسهم كما هو المفهوم من سلطنتهم على أموالهم.

و الثاني- ان امتناع الدائن عن الأخذ و إبقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه إضرار و عدوان على المديون فلا يكون له سلطنة على هذا التعدي كما ان امتناع سمرة بن جندب عن الاستئذان في الدخول الى عذقه كان إضرارا و تعديا على الأنصاري و قد دلّ الحديث على عدم سلطانه على الدخول المزبور.

و على الجملة كل

ما يكون إضرارا و تعديا على مؤمن لا يكون للمالك سلطنة عليه.

لا يقال الضرر في المقام بإبقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه و مجرّد الامتناع عن أخذ ما عليه لا يوجب هذا الضرر حيث ان للمديون مراجعة الحاكم و دفع ما عليه اليه و بقبض الحاكم ينتهى عهدته فلا موجب للأخذ على الدائن مع إمكان مراجعة الحاكم.

فإنه يقال مراجعة الحاكم علاج و دفع لإضرار الدائن و ظلمه كما أن مراجعة الأنصاري إلى النبي و أمره صلّى اللّٰه عليه و آله بقلع شجرته كان علاجا لامتناع سمرة عن الدخول مع الاستيذان و عن بيع نخلته فيكون قبض الحاكم في المقام كبيعه مال الزوج الممتنع عن إنفاق زوجته و كما ان العلاج المزبور لا ينافي وجوب الإنفاق على الزوج كذلك علاج الإضرار في المقام بقبض الحاكم لا ينافي وجوب القبض على الدائن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 555

..........

______________________________

و بتعبير آخر مراجعته و قبضه لا يكون بدلا اختياريا بل يترتب على امتناع الدائن و تركه العمل بوظيفته.

أقول الوجهان ضعيفان فان فحوى حديث سلطنة الناس على أموالهم على تقديره هو ان للشخص سلطنة تفريغ ذمّته الذي يدخل في السلطنة على النفس و امّا بيان طريق فراغ ذمّته و انه أي نحو يكون أو أنه يجب على الآخرين كلّما يتوقف عليه فراغ ذمته فلا دلالة على ذلك أصلا فلا حظ مثلا أن الحديث دالّ على سلطنة المالك على بيع ماله و لكن لا دلالة له على صحة المعاطاة أو وجوب الشراء على الآخرين و كذلك سلطنة المالك على هبة ماله لا يدلّ على وجوب قبول الهبة على الموهوب له.

و الحاصل لا يمكن الاستدلال بالفحوى على وجوب

الأخذ على الدائن أو على تعيّن الدّين في المال المعزول في صورة امتناعه عن الأخذ.

و ما ذكر في الوجه الثاني غير صحيح أيضا فإن بقاء المال على عهدة المديون و ذمته لا يكون من إدخال النقص في مال المديون أو نفسه أو عرضه ليكون إضرارا عليه و لا يقاس بدخول سمرة بن جندب على حائط الأنصاري بلا استيذان فان الدخول كذلك من الضرر في عرضه حيث انه ربما كان دخوله كما ذكر من الاطلاع على خلوات النّاس و عوراتهم و لو كان بقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه ضررا عليه لكان مقتضاه سقوط المال عن ذمته بلا حاجة الى قبض الحاكم كما هو المدعى.

و الحاصل قبض الحاكم و لو يكون بدلا اضطراريا الّا ان البدل بالإضافة إلى أداء المديون حيث ان مع إمكان دفع المال الى مالكه يتعين الدفع اليه و مع امتناعه يدفع الى الحاكم و هذا النحو من البدل لا يقتضي وجوب الأخذ على الدائن.

و لا يبعد ان يقال على الدائن الأخذ لأن عهدة حفظ المال على مالكه و ان الدين يتعين بغير قبض الدائن أيضا كما إذا القى المديون ما يكون فردا لما عليه الى بين يدي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 556

مقتضى القاعدة إجبار الحاكم على القبض (1).

______________________________

الدائن مع التفات الدائن بذلك، و لو تلف المال بعد ذلك لا يكون على المديون شي ء خصوصا فيما إذا وقع هذا النحو من الإلقاء مع امتناع الدائن عن أخذه فلا حاجة الى المراجعة إلى الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين و لا مورد للإكراه على الأخذ و لا يرجع الملقى اليه على عهدة الدافع الا بموجب جديد على ما تسمع

في التعليقات الآتية.

(1) لم يظهر وجه لتوقف تعين الكلى بالمدفوع فيما إذا كان فردا على رضا المستحق و طيب نفسه بأخذه ليرتفع اعتبار رضاه في صورة امتناعه بقاعدة نفى الضرر أو بحديث سلطنة الناس على أنفسهم بل يعتبر رضاه فيما كان المدفوع بغير ما عليه حيث مرجع الدفع في هذا الفرض إلى مبادلة ما عليه بالمدفوع و هذه مبادلة بينهما فيعتبر في وقوعها رضا الطرفين و لو كان على زيد لعمرو منا من الشعير و اعتقد عمرو ان له عليه منا من الحنطة و أكرهه زيد على أخذ الشعير برئت ذمته و لا فرق في ذلك بين إكراه الحاكم و المديون بل لا يبعد ان لا يعتبر في صورة قبض الدائن علمه بان المدفوع اليه وفاء لما على المديون كما يفصح عن ذلك صحيحة عبد الرحمن عن ابى الحسن عليه السّلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتام فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها و لا يعلم الذي كان عنده المال لأيتام انه أخذ من أموالهم شيئا ثمّ ييسر بعد ذلك أىّ ذلك خير له أ يعطيه الذي كان في يده أم يدفع الى اليتيم و قد بلغ و هل يجزيه ان يدفعه الى صاحبه- على وجه الصلة و لا يعلمه انه أخذ له مالا فقال يجزيه أى ذلك فعل إذا أوصله الى صاحبه فان هذا من السرائر إذا كان من نيّته ان شاء ردّه الى اليتيم ان كان قد بلغ على أى وجه شاء الحديث.

نعم إذا لم يكن أداء المديون بنحو أخذ الدائن بل إلقاء المال اليه فيعتبر علم الدائن و التفاته الى ان الملقى إليه أداء لما على المديون فلا

يكون بعد ذلك ضمان على المديون لفراغ ذمته كما هو مقتضى السيرة العقلائية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 557

فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولّى الحاكم (1) و ليس للحاكم مطالبة المديون (2) أقواه العدم (3).

______________________________

(1) يعني إذا لم يأخذ الدائن ما دفع اليه و لم يمكن إكراهه عليه يكون أخذ الحاكم بمنزلة أخذه في كونه موجبا لتعيّن الدين فيه و براءة ذمة المديون بدفعه اليه حيث ان ذلك مقتضى ولايته على الممتنع بل لو صدق الممتنع على الدائن المزبور بمجرّد امتناعه لكان أخذ الحاكم موجبا لتعينه و براءة ذمة المديون و لو مع إمكان إكراهه على الأخذ كما اختار ذلك في جامع المقاصد بل على المحكي عن جماعة عدم اعتبار أخذ الحاكم ايضا بل يتعيّن الدين بما أراد المديون دفعه و امتنع الدائن عن أخذه فإنه لو تلف المال المزبور بعد ذلك فلا حقّ للدائن في مطالبة المديون.

(2) يعنى ليس للحاكم مطالبة المديون بالأداء لأنه لا حرج على المديون في بقاء المال على ذمته مع رضا الدائن و عدم مطالبته و لا يجب على الحاكم أخذ المال فيما إذا لم يرد المديون تفريغ ذمته مع امتناع الدائن عن أخذه.

و لكن ظاهر السرائر وجوب القبض و انه لا يجب على الحاكم إكراه الدائن و الاستبعاد في محله لان مالك المال أي الدائن عاقل مختار حاضر غير قاصر ليكون الحاكم وليا له ليراعى مصالحه في أمواله.

(3) وجه القوة عدم الدليل على ولايتهم و ما ورد في ان السلطان ولى الممتنع غايته انه يعم الحاكم و على عدول المؤمنين بل غيرهم أمر الدائن و إجباره على الأخذ من باب الأمر بالمعروف من غير أن

يوجب ذلك الولاية لهما كما لا يخفى.

ثم انه يستفاد من كلام المصنف ره إمكان القول ببراءة ذمة المديون عند امتناع الدائن و عدم إمكان مراجعة الحاكم بأمور:

الأول عزل الدين و تعينه بالمعزول نظير تعين الزكاة بالمعزول. و.

الثاني عزل الدين في المال لا نظير عزل الزكاة بل يدخل المعزول في ملك الدائن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 558

و لم يأته به (1).

______________________________

قبل تلفه آنا ما فيتلف عليه.

و الثالث سقوط الدين عن عهدة المديون و بقاء المعزول في ملك المديون أيضا غاية الأمر يكون للدائن حق في المال الخارجي بتملكه حتى مع عدم رضا المديون نظير ما إذا جنى العبد فإنه بالجناية لا يخرج عن ملك مولاه بل يكون للمجنى عليه أو وليّه حق تملك العبد و استرقاقه و حيث لا يخرج عن مولاه فيجوز لمولاه التصرف فيه حتى التصرف الموقوف على الملك مع كون العبد عرضة للاسترقاق و هذا عيب يثبت لمشتريه مع جهله بالحال خيار الفسخ و كذا الحال في المال المعزول في المقام أنه ملك للمديون و لكن للدائن حق تملكه و ناقش ره في العزل بالنحو الأول و التزم بأحد الأخيرين.

و الأظهر عدم تمام الأخيرين أيضا لأنه ليس في البين ما يصلح الاعتماد عليه في الالتزام بشي ء منهما و قد تقدم ان قاعدة نفى الضرر على تقدير جريانها مقتضاه سقوط المال عن العهدة لا تعلق حقه بالمال الخارجي.

(1) يعني فيما إذا لم يأت بالمعزول بل ذكر انه يريد أداء دينه فقال الدائن لا أخذه ففي هذه الصورة يجب على المديون حفظ ذلك المال المعزول بخلاف ما إذا أتاه فأبى الدائن عن أخذه ففي هذه الصورة لا يجب عليه حفظه

بل له وضعه عنده و اعلامه.

و الوجه في براءة الذمة في الفرض الثاني انه يتعين الدين في المعزول و يكفى الوضع المزبور في رد الأمانات على أهلها و مع وضعها في متناول يد مالكها مع الاعلام بالحال يتحقق الرد المأمور به حتى و ان لم يأخذه الدائن بخلاف ما إذا لم يأت بالمعزول فإنه مأمور برده على الدائن الموقوف على حفظه الى ذلك الحين.

أقول قد تقدم عدم تعين الدين بمجرد العزل و انه يتحقق الرد بإلقاء فرد ما عليه إلى الدائن فلا حظ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 559

ثمّ ان المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد (1).

______________________________

(1) و حاصله انه بعد ما ذكر في تعين الدين بالمعزول و ان فائدة تعينه حساب تلفه على الدائن فهل يجرى ذلك التعين فيما إذا أكره الظالم أحد الشريكين على دفع حصة شريكه الغائب فدفع مقدار حصته اليه أو باشر الظالم بأخذ مقدار معين من المشاع بعنوان انه لشريكه الغائب أو ان كلا التلفين يكون على الشريكين معا.

لم أجد للأصحاب تصريحا بالحساب عليه أو عليهما معا و مقتضى قاعدة نفى الضرر هو الحساب على الشريك الغائب فقط.

و فيه انه لا وجه للحساب على ذلك الشريك خاصة في الفرع الثاني أي فيما باشر الظالم بأخذ مقدار معين بعنوان أنه حصته فان قصد الجائر بكون المأخوذ حصته لا يوجب تعينها فيه ليكون تلفه عليه بل المقدار المتلف نسبته إلى الشريكين على حد سواء فيحسب عليهما معا و اما في الفرع الأول أي فيما أكرهه الجائر على دفع حصة شريكه اليه فيمكن ان يقال فيه أن بقاء الشركة إلى زمان دفع الشريك المكره بالفتح فيكون مقتضى قاعدة نفى الضرر

عدم اعتبار رضاه في حصول القسمة و لكن القول ضعيف فإنه لا مجرى لقاعدة نفى الضرر في أمثال المقام و لا يجوز القسمة مع الغاصب لتعارض الضررين فان بقاء الشركة ضرر على المكره بالفتح و زوالها ضرر على الشريك الآخر أضف الى ذلك ان الأخذ بقاعدة نفى الضرر من غير ملاحظة عمل الأصحاب بها يوجب تأسيس فقه جديد.

أقول العمدة عدم حكومة قاعدة لا ضرر و انه لا تثبت ولاية المكره على القسمة للتعارض.

لا يقال الضرر في إرادة المكره بالكسر متوجه الى الشريك الغائب فلا يجب على هذا المكره بالفتح دفعه عنه بتحمل ذلك الضرر.

فإنه يقال قد مر سابقا المناقشة في ذلك و على تقديره فلا يرتبط بالمقام فإنه فيما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 560

[مسألة لا خلاف في عدم جواز تأجيل الثمن الحال]

عدم جواز تأجيل الثمن الحال (1).

______________________________

كان مال الآخر معينا في الخارج فلا يجب على المكره بالفتح حفظه و دفع ضرره بإيراد الضرر على نفسه و في المقام لا يكون مال الشريك الآخر معينا في الخارج بل كل ما يدفع المكره بالفتح إلى الجائز نسبته اليه و الى الشريك الآخر على السواء و لازم ذلك حساب تلفه عليهما و لذا ذكرنا ان ما ورد في إقرار أحد الورثة بوارث آخر من نفوذ اعترافه بمقدار حصته و ان ما في يد سائر الورثة يحسب تالفا على المقر له خاصة على خلاف القاعدة حيث ان مقتضى القاعدة كون ما بيد المتصرف و حساب تلف ما بيد سائر الورثة عليهما كما لا يخفى.

(1) يظهر من الحدائق عدم الخلاف في عدم جواز تأجيل الدين الحال بالزائد منه بل عدم الجواز مصرح به في غير الحدائق.

و لو كان له على زيد

ألفا و قال أمهلك شهرين و لكن عليك الف و مأتان لا يصح بمعنى ان الدائن لا يستحق الزائد حتى ما إذا أخر المديون الى تمام الشهرين.

و ذكر المصنف ره ان الوجه في عدم جواز ذلك كون الزيادة ربا حيث ان حقيقة الربا في الفرض هو أخذ الزيادة في مقابل الإمهال للمديون و لا فرق في الإطلاق العرفي بين جعل الزيادة لامهاله في عقد القرض و المداينة أو جعلها بإزاء إمهاله بعد المداينة كما إذا قال بعتك بعشرة دنانير و أمهلتك شهرين و عليك اثنا عشر أو يقول بعد تمام عقد المداينة لا أطلبك بالدين و عليك كذا و يظهر من بعض التفاسير ان صدق الربا عرفا على تأجيل الدين الحال بزيادة أمر مسلم و ان مورد نزول قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا هو التأجيل بالزيادة ففي مجمع البيان عن ابن عباس انه كان الرجل في الجاهلية إذا حل دينه يقول لدائنه زدني في الأجل أزيدك في المال فيتراضيان على ذلك و إذا قيل له هذا ربا يقول البيع مثل هذا يعنى لا فرق بين بيع المال بذلك المقدار من الأول على تلك المدة أو يزيد في الثمن بعد البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 561

..........

______________________________

أقول لا حاجة في إثبات عدم جواز الزيادة المزبورة إلى إثبات كونها ربا لدلالة النص على عدم جوازها و انها داخل في الربا موضوعا أو حكما و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول انقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقية أو يقول انقدني بعضا و

أمد لك في الأجل فيما بقي فقال لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول اللّٰه عز و جل فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ «1» حيث ان استشهاده عليه السلام في ذيل الرواية بقوله سبحانه شاهد لكون الزيادة ربا و لكن يمكن كونه ربا حكما لعدم جريان أصالة الحقيقة في موارد العلم بالمراد كما لا يخفى.

و الحاصل أنه يستفاد من الصحيحة المباركة حكمان أحدهما انه لا بأس بتعجيل الدين المؤجل بتنقيصه بإسقاط بعضه.

و ثانيهما عدم جواز تأجيل الدين بالزيادة فيه و ليس في البين ما يرفع اليد من مدلوليها بل يؤيده أو يدل عليه أيضا رواية محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت للرضا عليه السلام الرجل يكون له المال فيدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوى مأة درهم بألف درهم و يؤخر عنه المال الى وقت قال لا بأس به قد أمرني أبي ففعلت ذلك «2» و موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن عليه السلام يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني بها و أنا أربحك فأبيعه جبّة تقوم على بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين ألفا و أؤخره المال قال: لا بأس «3» و نحوها غيرها فإنه لو كانت الزيادة في الدين للتأجيل فيه جائزا لما احتاجوا إلى إعمال الحيل و تعليمها حتى وقعوا في

______________________________

(1). الوسائل ج 13، الباب 32 من أبواب الدين.

(2). الوسائل ج 13، الباب 1 من أبواب الدين.

(3). الوسائل ج 12، الباب 1 من أبواب الدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 562

يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها (1).

[إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بايعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده]

جاز بيعه من بايعه

و غيره قبل حلول الأجل و بعده (2).

______________________________

اعمال بعضها مورد اعتراض العامة كما ورد ذلك في ضم غير الجنس في بيع المتجانسين الى العوض الأقل.

(1) يعني لا فرق في عدم الجواز بين المصالحة عن التأجيل بالزيادة و بين المقاولة على تلك الزيادة و المراد من المقاولة الملزمة بحسب قرارهم بحيث يكون على المديون تلك الزيادة على تقدير إمهال الدائن و اما إذا لم تكن ملزمة بحيث لم ير الدائن لنفسه تلك الزيادة حتى مع الإمهال كما إذا علم المديون انه لو لم يعط للدائن مالا لطالبه بالدين و يعطى له هدية لئلا يطالبه بالدين فلا بأس بذلك و في موثقة إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون له على رجل مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرطا عليه قال:

لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا «1».

ثم لا يخفى أن تعجيل الثمن المؤجل أو الدين المؤجل لو كان بعنوان الوفاء ببعض الدين مع الإبراء عن بعض الآخر لم يكن فرق بين كون الدين من المكيل أو الموزن أو غيرهما و ان كان بعنوان معاوضة ما على المديون بالأقل نقدا فيعتبران لا يكون من المكيل أو الموزون لان مع كونه منهما يدخل البيع المزبور في البيع الربوي.

و مما ذكر انه لا فرق في جواز نقد البعض على تمديد الأجل في الباقي بين كون الدين من المكيل أو الموزون أو غيرهما لأن تأجيل البعض الآخر لا يكون بزيادة بل يكون شرطا في ضمن الوفاء ببعض الدين.

(2) يقع الكلام في مقامين: الأول في المستثنى منه في عنوان المسألة يعني جواز

______________________________

(1). الوسائل

ج 13، الباب 19 من أبواب الدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 563

..........

______________________________

شراء البائع من المشترى قبل حلول الأجل أو بعده العين الشخصية التي قد باعها منه مؤجلا.

الثاني في المستثنى يعنى حكم شراء البائع من المشترى فيما إذا كان الشراء شرطا في البيع الأول.

اما المقام الأول فالمعروف جواز الشراء المزبور و لم ينسب الخلاف الا الى الشيخ (ره) في بعض صور المسألة و ذلك البعض بيع العين بعد حلول الأجل من بايعه ثانيا بجنس الثمن بتفاوت كما إذا كان الثمن في البيع الأول مأة درهم فباعها بعد حلول الأجل من بائعها بتسعين.

و ذكر الشهيد ره انه لا ينفرد الشيخ ره بهذا القول بل تبعه على ذلك جماعة.

و ذكر صاحب الحدائق عدم انحصار خلافهم بصورة البيع بعد حلول الأجل بل لا يجوز البيع الثاني قبل حلول الأجل أيضا و قال ان خلافهم لا يعم الأشياء بل يختص بما إذا كان المبيع طعاما حيث ان الطعام عندهم إذا بيع إلى أجل لا يجوز لمشتريه بيعه من بايعه ثانيا قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن بتفاوت.

و كيف ما كان فالأظهر عند المصنف ره ما عليه المشهور من الجواز مطلقا و يقتضيه عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق حلّ البيع مع روايات خاصة دالة على الجواز في المقام كصحيحة بشار بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به فقلت له اشترى متاعي فقال ليس متاعك و لا بقرك و لا غنمك فان ترك الاستفصال فيها عن كون الشراء ثانيا بجنس الثمن بتفاوت أم لا مقتضاه عدم الفرق بذلك في

نفى البأس.

و كذا رواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى المتاع مرابحة ثمّ أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 564

..........

______________________________

بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس و هذا أيضا دالة على جواز الاشتراء بتفاوت كما لا يخفى.

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا قال إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس و هذه الروايات تعم بعض الصور التي نسب الخلاف فيها الى الشيخ (قده).

و قد يستدل على الجواز أيضا بموثقة يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة معا قال سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل فلما بلغ ذلك فتقاضاه فقال ليس لي دراهم خدمني طعاما فقال لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء و لكن في دلالتها على حكم المقام تأمل فإن المفروض في المقام شراء البائع من المشترى نفس ما باعه منه و ليس في الرواية دلالة على كون الطعام الذي أراد المشتري بيعه من البائع بدلا عن الدراهم ما اشتراه منه أولا اللّهم الا ان يتمسك بعدم الاستفصال في الجواب.

و قد يدعى انه بتعارض الروايات المتقدمة صحيحة خالد بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى فلمّا حل الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي

طعام فاشتره منى قال لا تشتره منه فإنه لا خير فيه و.

لكن لا دلالة في هذه على ان المشترى أراد بيع نفس الطعام الذي اشتراه منه أولا مع ان كلمة خير اسم تفضيل فنفيه لا يدل على عدم الجواز.

و اما رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه قال سأله محمد بن القاسم الحناط فقال أصلحك اللّٰه أبيع الطعام من الرجل إلى أجل فأجي ء و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه قال أفهم أصلحك اللّٰه انه طعامي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 565

قال الشيخ في المبسوط إذا باع طعاما (1).

______________________________

الذي اشتراه منى قال لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك قال أرغم اللّٰه أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد على فلضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها بل على تقدير كونها معتبرة لكون القاسم بن محمد الجوهري من المشاهير و لم يرد فيه قدح لكانت محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما تقدم من أنه ليس متاعك و لا بقرك و لا غنمك.

(1) ظاهر هذه العبارة انه لا يجوز للبائع أخذ الطعام الأكثر من المشترى بدلا عما عليه من الثمن بلا فرق بين كون ذلك الطعام هو الذي باعه منه أولا أو غيره و الوجه في عدم الجواز على ما يظهر مما ذكر (ره) في الخلاف هو رجوع البيعين الى بيع الطعام بالطعام و لو كان البيع بتفاوت لكان ربا و قد تقدم ايضا انه قال في النهاية إذا اشترى نسيئة فحل الأجل و لم يكن عنده ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ ما باعه إياه من غير نقصان من ثمنه

فإن أخذ بنقصان لم يكن صحيحا.

و الحاصل ان ما ذكره في المبسوط و الخلاف و النهاية متفرع على القاعدة التي أشار إليه المصنف ره و هي أنه يجرى على عوض الجنس الربوي حكم ذلك الجنس الربوي بمعنى انه لا يجوز مبادلة ذلك العوض بذلك الجنس بالأكثر أو بالأقل مثلا إذا باع مقدارا من الحنطة الأخرى ثانية بالزيادة أو النقيصة من الحنطة المباعة أولا فإنها ترجع إلى مبادلة الحنطة بالحنطة بتفاوت كما أنه لو اشترى نفس ما باعه أولا لكان من بيع الدراهم بالدراهم مع الاختلاف.

و القاعدة المشار إليها تستفاد من التعليل الوارد في صحيحة على بن جعفر المروية في باب السلم قال سألته عن رجل له علىّ تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته قال إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي اشترى به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم.

و يؤيد ذلك بعض الروايات الواردة في منع المشترى في السلم عن بيع ما على البائع منه الا برأس ماله.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 566

و اما الحكم في المستثنى (1).

______________________________

و بتعبير آخر إذا كان الدين على المشترى فلا يجوز للبائع شراء جنس ما باعه بدلا عن الدين و لا عين ما باعه مع الاختلاف و التفاضل كما أنه إذا كان الدين على البائع كما في بيع السلم فلا يجوز للمشتري بيع ذلك الدين من بايعه بجنس الثمن مع التفاضل حيث انه يجرى على العوض الثاني للدين حكم العوض الأول للدين في أنه لا يجوز معاوضة ذلك الدين بجنس العوض الأول مع التفاضل بلا فرق بين كون المعاوضة الثانية بعد حلول الأجل أو قبله و كون العوض الثاني أقل من العوض الأول أو

أكثر.

أقول هذه القاعدة لا أساس لها فإن الأخبار الواردة في بيع العينة دلالتها واضحة في ان للبائع شراء ما باعه مؤجلا أولا بنقصان نقدا ثانيا و صحيحة على بن جعفر لا يرتبط بالمقام فان الالتزام بعدم جواز شراء البائع في بيع السلف ما باعه إلا برأس المال ظاهر بعض الروايات المعتبرة كصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمى فقال له صاحبه لا نجد وصيفا خذ منى قيمة وصيفك اليوم ورقا قال فقال لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرّة لا يزداد عليه شيئا و لا يعارضها مثل رواية حسن بن على بن فضال قال كتبت الى ابى الحسن عليه السلام الرجل يسلفني في الطعام فيجي ء الوقت و ليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم قال نعم فإنه مع الإغماض عن السند يحمل إطلاقه على إذا كان الدراهم مساوية مع الثمن المسمى من غير زيادة جمعا بينهما كما لا يخفى بل لا يبعد ان يقال لا يختص الحكم ببيع السلف بل إذا كان المبيع كليا في العهدة لا يجوز بيعه من بائعه إلا برأس المال أخذا بإطلاق صحيحة على بن جعفر المتقدمة كما لا يخفى.

(1) اما الكلام في المستثنى أى بيع المتاع على ان يبيعه من بايعه ثانيا فقد يستدل على بطلان البيع المزبور بوجوه:

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 567

..........

______________________________

منها ما ذكره في التذكرة من كون البيع دوريا لان تحقق البيع موقوف على حصول شرطه كما هو مقتضى توقف كلّ مشروط على تحقق شرطه و تحقق الشرط موقوف على حصول البيع لأن

المشتري ما لم يتملك المبيع فلا يمكن له بيعه من بايعه نعم لا بأس إذا شرط في بيع المتاع بيعه من شخص آخر لان هذا الشرط لا يخالف الكتاب و السنة.

لا يقال ما ذكر من لزوم الدور يجري في هذه الصورة أيضا.

فإنه يقال بيع المشترى المتاع من شخص آخر لا يتوقف على تملكه ذلك المتاع لإمكان وقوعه على نحو بيع الفضولي أو البيع بالوكالة بخلاف بيعه من بائعه فإنه لا يتصور فيه الفضولية أو الوكالة.

أقول الشرط في المعاملات بمعنى التزام آخر و لا يكون المشروط هو المعلق عليه للبيع ليلزم في الفرض الدور و ما ذكر من صحة اشتراط بيعه من شخص آخر و انه لا يلزم الدور ضعيف جدا لانه لو كان المراد من بيعه من آخر فضولا أو وكالة لكان المشروط منافيا لمقتضى البيع لان مقتضى البيع ان لا يكون البيع من الآخر بالوكالة أو فضولا و مقتضى الشرط ان يكون بالوكالة و الفضولية على الفرض ثم انه ره التزم في التذكرة بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن و عليه يبقى بيان الفرق بين اشتراط ذلك و اشتراط المبيع من بايعه ثانيا.

و ربما يفرق بينهما بان الرهن على الثمن من توابع البيع و من مصالح تمامه و لا بأس باشتراط ما يكون من توابع البيع و أحكامه نظير اشتراط عدم تأخير الثمن بخلاف بيع المبيع من بايعه ثانيا فإنه ربما يكون منافيا لقصد البيع الأول كما يأتي.

نعم يرد عليه النقض بيع المتاع و الاشتراط على المشترى ان يوقفه على البائع و ولده فان هذا الاشتراط صحيح عند العلامة مع أن الوقف المزبور ليس من توابع البيع و مصالحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 568

و استدل عليه ايضا بعدم قصد البائع (1).

و استدل في الحدائق بقوله عليه السلام في رواية الحسين بن المنذر (2).

______________________________

أقول لم يظهر الوجه لدعوى ان الرهن على الثمن من توابع البيع دون بيعه من بايعه ثانيا فان التابع بمعنى كونه حكما للبيع الأول غير حاصل في شي ء منهما و بمعنى التوقف على حصول البيع موجود في كل منهما كما لا يخفى.

نعم لا يكون البيع الثاني من مصلحة البيع الأول بخلاف الرهن و لكن هذا لا يوجب الفرق في الدور و عدمه.

(1) و هذا هو الوجه الثاني لبطلان البيع المشروط فيه بيع الشي ء من بايعه ثانيا و حاصله عدم قصد البائع حقيقة إخراج المال عن ملكه و تمليكه من مشتريه بالعوض و استحسن الشهيد ره هذا الوجه في غاية المراد.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه يرد عليه ما ذكره الشهيد و المحقق الثانيان من أن لازم ذلك هو الحكم ببطلان البيع الأول حتى فيما لم يجعلا البيع من بايعه شرطا بل كان مجرد بناء خارجي مع الإجماع على الصحة معه كما هو مقتضى مشروعية بيع العينة أضف الى ذلك أن عدم تحقق القصد على تقديره ينحصر بما إذا لم يختلف البيعان في الثمن و لم يختلفا بالنقد و النسيئة كيف و البيع الثاني المقصود يتوقف على البيع الأول فلا بد من كونه مقصودا ايضا كما لا يخفى.

(2) استدل في الحدائق على بطلان البيع المشروط فيه بيع الشي ء من بايعه ثانيا بقوله عليه السلام في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة ان كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر

فلا بأس.

و وجه الاستدلال ان المراد بالخيار فيه هو الاختيار و حاصل الجواب انه على تقدير كون المشترى مختارا في بيع المبيع ثانيا و أنت على اختيار من شرائه فلا بأس و نفى البأس إما راجع الى البيع الأول فيكون مفهوم الجواب انه ان لم يكن الطرفان على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 569

..........

______________________________

اختيار مما ذكر ففي البيع الأول بأس و اما راجع الى البيع الثاني فيكون مفهومه ان لم يكونا على اختيار ففي البيع الثاني بأس و البأس في الثاني يكشف عن بطلان البيع الأول حيث انه لو صح الأول فلا موجب لبطلان الثاني بل يكون الثاني لازما لا يجرى فيه حتى الخيار الثابت في سائر البيوع كما هو مقتضى الشرط.

لا يقال ثبوت البأس بالمفهوم لا يدل على المنع الوضعي لاحتمال كونه كراهة و كراهة الثاني أو الأول لا تنافي صحتهما.

فإنه يقال ثبوت البأس في المعاملة ظاهره فسادها كما أن ظاهر في الأفعال الخارجية حرمتها.

لا يقال كما أن الرواية بمفهومها دالة على البطلان فيما إذا اشترط البائع على المشترى بيع المبيع منه ثانيا كذلك تدل على البطلان فيما إذا اشترط المشترى على البائع شرائه منه ثانيا مع انه لا خلاف في الجواز في صورة اشتراط المشترى على البائع فإنه يقال كلا الفرضين متحد في الحكم و دعوى الاتفاق على الجواز في الثاني غير صحيحة.

و لكن الإنصاف عدم دلالة الرواية على بطلان البيع الأول بل ظاهرها بطلان البيع الثاني و بطلانه لبطلان الشرط في البيع الأول و عدم وقوع الثاني مع الغمض عنه بالاختيار و بطلان الشرط في البيع الأول لا يسرى الى نفس البيع على ما تقدم فيكون حاصل الرواية

أنه لا بأس بالبيع الثاني فيما إذا لم يكن الطرفان غير ملزمين به و فيه بأس مع كونهما ملزمين عليه بمقتضى الشرط في البيع الأول خلافا لأهل المسجد حيث كانوا على اعتقاد البطلان في البيع الثاني حتى فيما إذا لم يكونا ملزمين عليه و لم يشترطاه في البيع الأول و أنه انما يصح البيع الثاني فيما إذا وقع مع فصل شهر أو أزيد حتى فيما إذا اشترطا البيع المنفصل في البيع الأول و يظهر ذلك من صحيحة على بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 570

[القول في القبض]

[مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول]

اشارة

بل التحقيق ان القبض مطلقا استيلاء المشترى (1).

______________________________

جعفر المتقدمة أيضا حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس فإن الضمير المقدر في قوله لم يشترط و في قوله رضيا و في قوله لا بأس مرجعه واحد و لا ينبغي الريب في ان المرجع في الأولين هو البيع الثاني فيكون نفى البأس أيضا راجعا اليه.

ثم ان العمدة في سند الحكم بالبطلان و كون الشرط في البيع الأول فاسدا هي هذه الصحيحة لا رواية الحسين بن المنذر حتى يناقش في سندها و بما ان المفروض اختلاف الثمنين في البيعين فيحكم بالصحة في صورة تساويهما و لو مع شرط البيع الثاني في البيع الأول.

و قد ذكرنا ان المتيقن لو لا ظاهرها بطلان البيع الثاني في صورة اشتراطه و اما البيع الأول فيؤخذ فيه بإطلاق حل البيع كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكره (قده) في المقام ان قبض المبيع فعل المشترى و المراد به استيلائه على المبيع سواء كان قابلا للنقل الخارجي أم لا كالأراضي و البساتين و الاستيلاء على المبيع يختلف بحسب اختلاف

الأشياء و لا يلزم المباشرة في كلها باليد فضلا عن المباشرة بجميع اليد لا بمثل رؤوس الأصابع و اما التخلية فهي فعل البائع و يتوقف عليه وصول المبيع إلى المشتري كرفع البائع جميع الموانع بين المال و المشترى و اذنه له في التصرف الخارجي فيه و ربما يعبر عن هذه التخلية بالتسليم و الإقباض.

ثم ان الأحكام المترتبة على وضع اليد على مال الغير عدوانا أو بغيره لا يترتب الا على الاستيلاء المزبور و ربما يترتب بعض الأحكام على القبض بمعنى التخلية كوجوب تسليم المبيع على البائع و وجوب رد الامانة على مالكها و وجوب قبض العين المرهونة على الراهن فيما إذا كان الرهن لازما كاشتراطه في عقد لازم الى غير ذلك و على ذلك فاللازم في الموارد ملاحظة ان الحكم فيها مترتب بحسب ظاهر الخطاب على القبض بمعنى الاستيلاء الذي هو فعل القابض أو على التخلية التي فعل المقبض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 571

..........

______________________________

بالكسر.

و لذلك فصل الشهيد (ره) في الدروس بين قبض البائع الموجب لارتفاع ضمان المبيع عنه و بين مثل بيع مشتري المكيل أو الموزون من آخر حيث انه اكتفى في ارتفاع الضمان بالتخلية و التزم بعدم كفايتها في بيع المشترى المكيل أو الموزون و هذا على تقدير الاستناد في ارتفاع الضمان على النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه غير ظاهر فان ظاهره اعتبار القبض الذي من فعل المشترى.

نعم لو استند في ارتفاعه إلى رواية عقبة بن خالد فظاهرها اعتبار التخلية في ارتفاع ضمان البائع و على ذلك فيمكن حمل النبوي على ظاهر الرواية بأن يكون الاعتبار في ارتفاع الضمان بالتخلية و ذكر قبض المشترى

في النبوي من جهة كونه مقارنا غالبا بالتخلية و يمكن ان يكون الاعتبار في ارتفاع الضمان بقبض المشترى و استيلائه كما هو ظاهر النبوي و ذكر ما يقرب إلى التخلية في الرواية لكونها ملازما غالبا لوصول المال الى يد المشترى.

و يشهد لكون ظاهر النبوي هو الأخذ و الاستيلاء أن جامع المقاصد نقل قول الثامن أي التخلية عن الشهيد ره في الدروس ثم قال و ظاهر الخبر خلاف ذلك و هذا الكلام من جامع المقاصد حسن لو كان مراده بالخبر النبوي و اما إذا كان مراده رواية عقبة خالد فقد ذكرنا ان ظاهرها التخلية و ينبغي عدّ القول الثامن موافقا لها لا مخالفا لها.

لا يقال ظاهر معتبرة عقبة خالد على خلاف الإجماع و ذلك فإنه اعتبر فيها في ارتفاع الضمان أمر آخر غير تخلية البائع و غير أخذ المشترى و الأمر الآخر هو إخراج البائع المتاع من بيته مثلا إذا باع متاعا من زيد و سلمه اليه و تلف المتاع في يد زيد قبل خروجه من بيت البائع فظاهر الرواية ضمانه على البائع مع انه خلاف المتسالم عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 572

قوله و اما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل و الموزون (1).

______________________________

و الحاصل ان الرواية بظاهرها معرض عنها و الجواب ان إخراج البائع المتاع من بينه كناية عن عدم إمساكه و تسليمه الى المشتري فيكون مساوقا لاعتبار التخلية، و التعبير عن رفع البائع يده عما باعه بما في الرواية متعارف و اعتبار إخراج المال من بيت البائع أمر يقتضيه الجمود على اللفظ في الرواية بحمله على الاستعمال الحقيقي دون الكناية.

أقول لا يبعد اعتبار رواية عقبة خالد بدعوى

ان عقبة بن خالد من المشاهير المشار إليهم و لا يستفاد منها غير التخلية على ما تقدم و لو كان النبوي ظاهرا في اعتبار فعل القابض في ارتفاع ضمان البائع فلضعف سنده لا يمكن حمل الرواية عليه خصوصا بملاحظة السيرة الجارية من العقلاء على انحلال البيع بتلف المبيع الشخصي بل الثمن الشخصي أيضا قبل التخلية و قد تقدم سابقا من ان إتلاف المشتري المبيع بيد بايعه و إتلاف البائع الثمن بيد المشترى خارج عن مدلول الرواية و السيرة العقلائية المشار إليها و على الجملة فلا بد في سائر الموارد من ملاحظة الأدلة الواردة فيها و أن مقتضى تلك الأدلة اعتبار فعل القابض أو فعل المقبض أي التخلية أو أن المعتبر فعل المقبض بما هو اقباض لا التخلية كما لا يخفى.

(1) و حاصله أنه يحتمل ان يعتبر الكيل و الوزن في قبض المكيل و الموزون و ان يكون الكيل أو الوزن بمجردهما كافيا في تحقق القبض في المكيل و الموزون و على كل منهما فالاعتبار كما اعترف غير واحد تعبّد مستفاد من مثل صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان تولّيه الذي قام عليه «1» و صحيحة

______________________________

(1). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 573

..........

______________________________

منصور بن حازم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه «1» و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه انه سال

أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس «2» و رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل ان يكيله قال لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه الا ان يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع «3» الى غير ذلك فان اعتبار الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني ليس لإحراز مقدار المبيع ليتم الشرط بالإضافة إلى البيع المزبور حيث انه لو كان ذكرهما لذلك لم يكن وجه للفرق بين التولية و غيرها لأن إحراز كيل المبيع أو وزنه شرط في كل بيع تولية كانت أو غيرها فيتعين ان يكون ذكر الكيل أو الوزن لجهة أخرى و تلك الجهة قبض المكيل أو الموزون و ان الكيل و الوزن معتبران في قبضهما.

و بذلك يظهر ضعف ما ذكر في المسالك و حاصله انه ليس ذكر الكيل أو الوزن لعدم تحقق القبض بدونهما بل هما لتصحيح البيع و اما القبض الرافع للضمان فيحصل بدونهما و هذا مقتضى الجمع بين هذه الروايات و الخبر الآخر يعني رواية عقبة بن خالد الدالة على ارتفاع الضمان بإخراج البائع يده عن المال و تسليمه الى المشتري لا يقال قد عبّر في الروايات عن الكيل أو الوزن بالقبض فيكون ذكرهما لاعتبارهما في القبض فإنه يقال التعبير عن الكيل و الوزن بالقبض باعتبار الغالب من ان البائع يرفع يده عن الطعام بكيله أو وزنه فيكون الكيل أو الوزن قبضا و زيادة و لذا عبر عنهما بالقبض.

______________________________

(1). الوسائل

ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

(2). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

(3). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 574

..........

______________________________

و وجه ظهور الضعف أنه لو كان الكيل أو الوزن لإحراز الشرط للبيع الثاني لم يكن وجه للفرق بين كون ذلك البيع تولية أو غيرها.

أقول يمكن دعوى ان مقتضى رواية عقبة بن خالد حصول القبض في المكيل و الموزون ايضا بالتخلية فيخرج بها البائع عن ضمان ما اقبضه كما إذا اشترى طعاما خارجيا باخبار بايعه بكيله أو وزنه فإنه يخرج بايعه عن ضمانه بالتخلية و لكن لا يجوز للمشتري ان يبيعه بغير التولية قبل ان يكيله.

و بتعبير آخر إذا كان المكيل و الموزون مما اشتراه بغير كيل أو وزن بان اشتراه بإخبار البائع بوزنه أو كيله يجوز بيعه تولية قبل قبضه و قبل كيله و يدل على عدم اعتبار القبض في الفرض صحيحة على بن جعفر حيث سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه فقال عليه السلام إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس و يدل على عدم اعتبار الكيل و الوزن في الفرض صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان يوليه الذي قام عليه و التعرض لاعتبار الكيل و الوزن مع وقوع السؤال عن جواز البيع قبل القبض لأجل أن كيل المشتري أو وزنه غالبا يحصل به تخلية المالك أو تحصل التخلية قبل ذلك.

و الحاصل يعتبر في جواز

بيع ما اشتراه بغير الكيل أو الوزن كالاعتماد على اخبار البائع بهما أو كان المبيع كليا في الذمة أو في المعين القبض و الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني فيما كان بغير التولية لا أن الكيل أو الوزن يعتبر في تحقق القبض المخرج البائع عن ضمان ما اقبضه كما هو ظاهر المصنف و غيره في المقام و في رواية محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدفناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت أ يجوز بيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا اما أنت فلا تبعه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 575

[فرعان]
[الأول قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة]

قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة (1).

[الثاني قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا]

قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا (2).

______________________________

حتى تكيله.

و على الجملة هذه الروايات في مقام اعتبار الكيل أو الوزن في جواز بيع ما اشتراه بغير التولية و لا دلالة لها على اعتبارهما في القبض المخرج البائع عن ضمان ما باعه و اقبضه كما لا يخفى.

(1) هذا من التعرض للصغرى بعد بيان كبرى القبض و حاصله انه لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة باقية في ملك بائعها و لكن أذن للمشتري تحويل تلك الأمتعة و نقلها الى مكان آخر يكون هذا من قبض الدار أو السفينة فيترتب عليه حكمه من خروج البائع عن الضمان و غيره و إذا باع متاعا منقولا و كان المتاع في موضع غير مملوك للبائع يكون نقل المشترى المتاع الى موضع آخر قبضا و ان كان المتاع في موضع مملوك للبائع و اذن للمشتري في نقله فبنقله الى موضع آخر مملوك للبائع أيضا يحصل القبض و كأن المشترى استعار من البائع الموضع المنقول اليه و ان كان بغير اذن البائع لم يجز النقل و لكن مع ذلك يدخل المتاع في ضمان المشترى و ان لم يعد ذلك قبضا.

أقول لا يبعد تحقق القبض ايضا و لو مع عدم اذن البائع للمشتري في نقل الأمتعة إلى مكان آخر و ان للمشتري تفريغ الدار أو السفينة من تلك الأمتعة رضى البائع أم لا و ايضا ان تحقق القبض في المنقول لا يتوقف على النقل على ما تقدم.

(2) و حاصله ان جواز البيع الأول أي إحراز كيل المبيع أو وزنه قد يكون بالكيل أو الوزن عند البيع و قد يجوز البيع الأول من

غير وزن أو كيل عند ذلك البيع بأن أخبر البائع بمقدار المبيع كيلا أو وزنا أو لوقوع البيع على نحو الكلي في المعين كما إذا اشترى عشر كيلوات حنطة من صبرة مشتملة عليها و في الغرض الذي لم يحصل الكيل و الوزن مع صحة البيع فاللازم الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني فيما لم يكن بنحو التولية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 576

..........

______________________________

للروايات المتقدمة.

و اما في فرض الكيل أو الوزن عند البيع الأول فيحتمل الاكتفاء به و عدم لزوم اعادة الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني لأنه لا يصدق على البيع الثاني من غير تجديد الكيل أو الوزن العنوان المنهي عنه في الروايات و ان المشترى قد باع الطعام قبل ان تكيله أو يزنه بل يصدق أنه قد باعه بعد كيله أو وزنه و يحتمل لزوم تجديد الكيل أو الوزن و ذلك فان الكيل أو الوزن ليس شرطا في معرفة مقدار البيع ليقال بتحققه بالكيل أو الوزن قبل ذلك بل الكيل أو الوزن قبض للمبيع و لا يجوز البيع الثاني بغير التولية قبله و الكيل و الوزن الأول شرط لإحراز مقدار المبيع بلا فرق بين بيع التولية و غيرها و هذا الاحتمال الثاني هو الأقوى كما عليه العلامة و الشهيد و جماعة انتهى.

و أورد على كلامه المصنف بان لازم اعتبار تجديد الكيل أو الوزن في حصول القبض كون المبيع في ضمان البائع قبل الكيل أو الوزن الثاني حتى ما أخذه المشتري بعد الكيل أو الوزن الأول و تصرف فيه بالطحن أو غيره و لو بعد حمله إلى منزله و يبقى هذا الضمان حتى بكيله أو يزنه ثانيا و ان لم يرد

بيعه ثانيا.

و كذا يلزم ان يبقى في ضمان البائع فيما إذا كال أو وزن قبل البيع الأول و قبض الموزون أو المكيل و عقد عليه مع البائع الأول و لذا خصص المحقق الأردبيلي ان اعتبار الكيل أو الوزن في البيع الثاني بما إذا كان البيع الأول بإخبار البائع بمقدار مبيعة أو كان البيع الأول بعنوان الكلي في المعين حيث ان القبض في المبيع كذلك يكون بالكيل أو الوزن على ما في الروايات و اما إذا كان البيع الأول بعد تعيين المبيع فيه بالكيل أو الوزن يكون القبض فيه بالأخذ لخروج ذلك عن مورد النهي في الروايات المتقدمة.

أقول يرد على المصنف ايضا فيما إذا أخبر البائع الأول بمقدار المبيع و قد أخذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 577

ثم الظاهر ان مراد المسالك ممّا نسبه الى العلامة و الشهيد (1).

______________________________

المشترى و طحنه فان القول بأنه لم يحصل قبضه فالمبيع بعد في ضمان البائع كما ترى و الصحيح ان الكيل أو الوزن لا يعتبر في حصول القبض مطلقا بل يحصل القبض بالتخلية أو استيلاء المشترى بلا فرق بين الموزون و المكيل و غيره حتى ما إذا باع كليا على العهدة أو في المعين ثم سلم فردا من ذلك الكلي باخباره بأنه بمقدار المبيع فالنهي عن بيعه قبل الكيل أو الوزن كناية عن حصول القبض على ما تقدم أو يحمل على الكراهة أو يقال اعتبار الكيل أو الوزن لرعاية اخبار المشترى حيث ان ظاهر أخباره الشهادة بكيل المبيع أو وزنه نظير ما ورد في شراء العصير مع اخبار بايعه بذهاب ثلثيه بأنه لا يجوز للمشتري بيعه ثانيا اعتمادا على اخبار البائع الأول فتدبر.

(1) هذا تعرض

للوجه الموجب لنسبة المسالك اعتبار الكيل أو الوزن الثاني إلى العلامة و الشهيد و جماعة و الوجه في النسبة إلى العلامة أنه ذكر في القواعد تفريعا على القول باعتبار القبض بالكيل أو الوزن قبل البيع الثاني لو اشترى مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع كيل جديد ليتم القبض مع انه قد شرح في جامع المقاصد هذا الكلام بما ظاهره ان حضور المشترى للكيل الأول أو اخبار بايعه به كفى نقل المبيع في تحقق القبض و قيام الحضور عند كيله أو اخبار البائع بمقداره منزلة الكيل أو الوزن في تحقق القبض.

و اما وجه النسبة إلى الشهيد (قده) انه ذكر في دروسه بعد اختياره كفاية التخلية في القبض الموجب لارتفاع ضمان البائع و قوله انه لو لم يأخذ المشتري المبيع حتى يكتاله أو يزنه لم يرتفع الضمان انه لا يكفى اعتبار الأول في القبض يعنى لا يكفى الكيل الأول عن الكيل المحقق للقبض.

و ذكر (قده) انه يبعد ان ينسب الى الشيخ (قده) و من تبعه و الى العلامة اعتبار الكيل أو الوزن في قبض المبيع فيما إذا كيل أو وزن عند شرائه بحضور المشتري لأنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 578

[القول في وجوب القبض]

[مسألة يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع]

و لعل وجهه دعوى انصراف إطلاق العقد (1).

______________________________

لا يحتاج تسمية مقدار الكيل في شرائه في الفرض و انما يحتاج إلى تسمية مقدار الكيل أو الوزن فيما إذا كان الشراء اعتمادا على اخبار البائع بالوزن أو الكيل و في هذا الفرض يمكن اعتبار الكيل أو الوزن في القبض حتى في غير البيع ايضا مثلا إذا رهن إناء معينا من صفر لا يحتاج قبضه الى الوزن مع ان الصفر من الموزون بخلاف

ما إذا رهنه على ان وزنه كذا فإنه يمكن ان ان يدعى ان تحقق القبض فيه بالوزن و ان القبض بلا وزن كلا قبض.

و على ذلك فقول العلامة لو اشترى مكايلة و باع مكايلة راجع الى وقوع الشراء و البيع ثانيا باشتراط مقدار الكيل الحاصل باخبار بايعه فإنه يعتبر في هذه الصورة في قبضه الكيل و كذا لو باعه من مشتر آخر من غير حضور ذلك الآخر كيله بان باعه باشتراط كيله يعتبر في تحقق قبضه من ذلك الآخر الكيل الجديد و يؤيد هذا الاحتمال تكرار المكايلة و وجه التأييد انه لو لم يكن المراد بالمكايلة تسمية مقدار كيل الشي ء اشتراطا في بيعه لكان الأنسب أن يقول لو اشترى المكيل و باعه فلا بد لكل من الشراء و البيع من كيل جديد.

و يشهد بان المراد بالمكايلة ما ذكر من اشتراط مقدار الكيل قول العلامة في التذكرة أنه لو قبض ما اشتراه مكايلة جزافا حيث لا معنى بالأخذ الجزاف في الشراء بحضور الكيل كما يشهد بذلك قوله في موضع آخر من التذكرة انه لو أخذ ما اشتراه كيلا بالوزن فان تيقن بحصول الحق فيه إلخ فإن الشك لا يتصور مع حضور المشترى الكيل و لو وزنه عند قبضه ثانيا.

(1) لم يظهر وجه للانصراف المزبور فإن المطالبة بالثمن عند ارادة تسليم المبيع أمر متعارف و ليس أمرا قبيحا و لا مقبحا و لا يقاس ذلك بالمطالبة بالأجرة قبل العمل لأن المطالبة بالأجرة يكون مع تسليم العمل و تسليمه يكون بتمامه لا قبله نعم المتعارف في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 579

..........

______________________________

بعض الموارد كاستنابة الحج تسليم الأجرة قبل العمل و هذا التعارف كاشتراط ضمني

يرفع اليد به عن مقتضى إطلاق العقد في سائر الموارد.

و مما ذكرنا انه لا قبح في مطالبة الأجرة عند تسليم العين المستأجرة حيث تكون تسليم المنفعة بتسليمها نعم يكون في بعض الأعيان و في بعض البلاد تعارف يعتبر شرطا ضمنيا كما لا يخفى.

و توضيح المقام انه قد يقال بما أن البيع تمليك عين بعوض فبتمامه يكون المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع فيترتب على كل من الملكين حكمه من عدم جواز الإمساك بمال صاحبه فيلزم دفعه اليه خروجا عن الإمساك بمال الآخر بغير رضا صاحبه.

نعم لو كان أحد العوضين من قبيل الدين يترتب عليه حكمه من وجوب الوفاء به مع مطالبة الدائن و على ذلك يجبر الممتنع عن التسليم و الوفاء عليهما من باب الأمر بالمعروف و لو امتنعا يجبرا على التسليم و الوفاء من ذلك الباب فلا يجوز لأحدهما الامتناع حتى مع امتناع صاحبه و عدم إمكان إجباره و هذا ظاهر كلام الأردبيلي قده حيث قال في المحكي عنه ان وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر فلا يسقط التكليف بأداء مال الغير عن أحدهما بمعصية الآخر و ان ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر و يترتب على ذلك انه لو وقع ماله بيده بدون الإقباض تم القبض.

و قد يقال انه بتمام البيع و ان يصير المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع الا أن في البين شرط ضمني و هو أن على كل منهما الإقباض فيما لو حصل منه لكان مقارنا لإقباض الآخر و لو أحرز أنه على تقدير إقباضه لا يحصل الإقباض من الآخر معه لا يجب عليه الإقباض و لا يكون هذا ظلما بل الظالم هو الآخر

حيث يمسك بمال الآخر مع إحرازه انه على تقدير إقباضه يتسلم ماله من الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 580

..........

______________________________

و يترتب على ذلك أنه لو كان منهما ممتنعا عن الإقباض فلا موجب لاجبارهما على التقابض لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في الإقباض أولا فقد يقال بإقباض البائع و إجباره به أولا و قد ذكرنا ضعفه بل الوجه التقابض معا و إجبارهما عليه لما تقدم من أن على كل منهما الإقباض مع كون الآخر باذلا عنده فما هو القيد في وجوب عمل كل منهما على ما التزم به حاصل كما لا يخفى هذا كله فيما كان عدم اقباض الآخر عن غير عذر.

و اما مع العذر كما إذا كان الثمن كليا و كان معسرا فقد تقدم ان للآخر الفسخ و الرجوع الى عين ماله و يدل على ذلك مضافا الى كونه مقتضى الشرط الارتكازي ما ورد في المفلس من ان صاحب المتاع إذا وجد عين ماله فلا يحاصوه الغرماء.

و قد ذكرنا ان ذلك الفسخ لا يختص بما إذا كان البيع حالا بل يجري في النسيئة أيضا فيما إذا حلّ الأجل و امتنع المشترى عن الوفاء بالدين بالعذر و بغيره كما يقتضيه أيضا إطلاق ما ورد في المفلس فراجع.

نعم لا يجوز في مورد كون الثمن نسيئة الإمساك بالمبيع حتى يتسلم الثمن فإن التأجيل في الثمن إسقاط لحق المطالبة الى ذلك الأجل و التزام بقبض المبيع من غير تسلم الثمن مع و لو لم يتفق تسليم المبيع حتى حل الأجل لم يكن له الحبس بل يكون للمشتري حبس الثمن و ترك الأداء حتى يتسلم المبيع لان الساقط في بيع النسيئة الاشتراط على المشترى لا

الاشتراط على البائع كما لا يخفى.

ثم انه قد ذكر المصنف (ره) ان عدم جواز حبس البائع المبيع على المشترى بعد حلول الأجل لالتزامه على نفسه بتسليمه من دون تعليق يؤيد ان حق الحبس لمجرد ثبوت حق للحابس على صاحبه بان يمتنع عن اقباض ما عنده حتى يتسلم ما عند صاحبه و لو كان صاحبه باذلا كما نقل العلامة عن قوم توهم ذلك بل ثبوت حق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 581

لم يحصل القبض (1).

______________________________

الحبس للحابس بإزاء حبس صاحبه و امتناعه و حيث لم يكن من ناحية من عليه الثمن المؤجل حبس فلا يثبت للبائع حق الحبس في الفرض.

أقول لا تأييد لذلك فيما ذكر، و ذلك فإنه لو ثبت حق الحبس للحابس مطلقا و كان له الامتناع عن التسليم حتى يتسلم العوض لما كان للبائع في الفرض حق الحبس أيضا لإسقاطه ذلك الحق ببيع المال نسيئة كما لا يخفى.

و لا يبعد دعوى أن حبس المال المنتقل الى الغير على مالكه بإزاء حبس ذلك المالك لا يختص بالبيع و لا سائر المعاوضات المالية بل هو مما يترتب على وضع اليد و استيلاء الغير على ملك الشخص من غير حق أو الامتناع عن أداء ما عليه مع التمكن عليه و هذا مما جرت السيرة العقلائية عليه و لم يردع عنه الشرع.

و على ذلك فلو امتنع من عليه الثمن المؤجل بعد حلول الأجل عن أداء الدين فللبائع أخذ العين أو غيرها من يده أو عدم تسليمها اليه حتى يبذل ذلك الثمن المؤجل و هذا من التقاص في الإمساك و لا يجري في موارد البذل و التشاح في البدء بل يختص بموارد الامتناع و حبس المال

على مالكه و لو فرض امتناع كل منهما عن التسليم بحيث لو فرض بذل صاحبه لحبس ماله عليه أيضا أجبرا على التباذل و الخروج عن الامتناع لانه ليس امتناع أحدهما تقاصا كما يخفى.

(1) يعنى لا يسقط حق صاحبه بالإمساك بذلك المال حتى يتسلم العوض نعم قد حصل بذلك القبض الموجب لخروج المال عن عهدة صاحبه.

و اما سائر الأحكام فقد ذكر في التذكرة انه لا يجوز بيع ذلك المال إذا كان من المكيل و الموزون و لعل وجهه انصراف ما دل على كون البيع بعد قبضهما الى القبض الصحيح أى بعد القبض الذي لا يكون لبائعه حق الإمساك بالمقبوض.

أقول لا يخفى ان فساد القبض بمعنى عدم كون الاستيلاء بإذن البائع و رضاه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 582

و لا يحجر عليه فيما عنده (1)

[مسألة يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا]

يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا (2).

______________________________

باعتبار أن للبائع حق الإمساك بالعين فيكون أخذه و الإمساك بها بلا رضاه و اذنه منافيا لذلك الحق فيكون تعديا و ظلما على البائع.

و بتعبير آخر يكون الأخذ كذلك محرما و لا يسقط حق البائع به.

و اما سائر التصرفات في العين المقبوضة فلا موجب لحرمتها كالانتفاع بتلك العين بل التصرفات الناقلة أيضا كذلك غاية الأمر لا ينتفي بتلك التصرفات حق الإمساك لبائعها على ما ذكرنا في بيع العين المرهونة.

ثم انه لا يبعد ان يكون ظاهر النهى عن بيع المكيل و الموزون قبل قبضه هو صورة بقاء المبيع على عهدة بائعه الأول و المفروض خروجه عن العهدة بالقبض المزبور و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يعنى لا يحجر على الآخر في العوض الذي سلمه صاحبه اليه و لا في مال آخر مثلا

لو كان ما عليه من مال صاحبه كليا على الذمة فلا يحجر عليه في ماله الخارجي المساوي لما على عهدته.

(2) يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله بلا استثناء و من أموال غيره أيضا في الجملة أي في الموارد التي يكون مأذونا في التصرف فيها بتحريكها و نقلها و الا فيجب التفريغ على مالك تلك الأموال و هذا الوجوب لكون إبقائها في المبيع تصرف فيما صار ملكا للمشتري فيحتاج الى اذنه أو رضاه.

و الحاصل ان وجوب التفريغ ليس لعدم حصول اقباض المبيع بدونه بل وجوب التفريغ حكم آخر غير وجوب الإقباض و قد مرّ عن التذكرة اقباض الدار و السفينة المشترى مع كونهما مشغولتين بأموال البائع و الوجه المزبور لوجوب التفريغ هو الوجه الموجب لوجوب اقباض المبيع و تسليمه يعنى الشرط الارتكازي حيث ان التسليم بدون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 583

..........

______________________________

التفريغ كالعدم بالإضافة إلى غرض المتعاقدين من التسليم و التسلم و ان يترتب على التسليم بلا تفريغ بعض الحكم كخروج البائع عن ضمان المبيع.

أقول قد تقدم ان التسليم وجوبه لكون إمساك البائع بالمبيع بلا رضا المشترى تصرف في ملك الغير بلا رضا صاحبه و يجرى هذا الوجه بالإضافة إلى إبقاء البائع أمتعته في المبيع و عدم تفريغها منه سواء كان تسليم المبيع غير مفرغ مخالفا لغرض المشترى من قبض المبيع أم لا و هنا فروع أشار إليها المصنف ره منها أنه لو كان في الدار المبيعة متاع للبائع وجب عليه تفريغ الدار و نقله منها فورا مع تمكنه فان تعذر ففي أول زمان التمكن و لو تأخر أول أزمنة الإمكان و كان المشترى حين الشراء جاهلا بالحال كان له الخيار

في فسخ البيع في فرض تضرره بتأخير التفريغ لفوت بعض منافع الدار عليه.

و هل يثبت للمشتري أجرة بقاء متاع البائع في المبيع الى زمان التفريغ وجه هذا ما ذكره في هذا الفرع و الظاهر أنه أخذ بقاعدة نفى الضرر في نفى لزوم المعاملة بالإضافة إلى المشترى مع جهله بالحال و لكن فيما كان عالما بالحال فلا يكون له خيار لإقدامه بالمعاملة مع العلم بكون لزومها ضرريا.

أقول قد ذكرنا مرارا ان قاعدة نفى الضرر لا تنفى لزوم المعاملة و إثبات الخيار بل لوجت كان مقتضاها بطلان المعاملة حيث ان صحتها ضررية.

و الأصح ان ثبوت الخيار في الفرض باعتبار تخلف الشرط الارتكازي و هو تسليم المبيع مفرغا و هذا الشرط الارتكازي لا يثبت مع علم المشترى بالحال من الأول نظير ما ذكرنا من عدم ثبوت خيار الغبن للمشتري مع علمه حال البيع باختلاف الثمن المسمى مع القيمة السوقية بالفاحش هذا كلّه ما إذا لم يمكن التفريغ.

و اما إذا أمكن عادة فقصر في إفراغه فلا ينبغي الشك في استحقاق المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 584

..........

______________________________

مطالبة البائع بالأجرة على إبقاء متاعه في الدار أو غيرها لو كان للإبقاء أجرة عادة كما جزموا باستحقاقه الأجرة مع امتناع البائع عن أصل تسليم الدار فإن للمشتري المطالبة بالأجرة لمنفعتها الفائتة عليه و لا يبعد استحقاق الأجرة في فرض العجز عن التفريغ ايضا فيما كان العجز الحاصل عند البيع من جهة قد ارتفعت و حصل قبل ارتفاعها العجز من جهة أخرى لم تكن حال البيع فإنه لا يفرق في استحقاق الأجرة لاستيفاء منفعة العين المملوكة للغير بين كونه لعذر أم لا.

نعم لا يستحق الأجرة بالإضافة الى ما كان

حال البيع فإن إبقاء المتاع زمان ذلك العجز استيفاء لمنفعة العين قبل بيعها و كونه بلا أجرة شرط ارتكازي غاية الأمر بما ان التسليم مفرغا ايضا شرط ارتكازي يثبت مع جهل المشترى بعدم إمكانه الخيار لتخلف هذا الشرط كما تقدم.

منها لو كان في الأرض المبيعة زرع لبائعه فإن كان قد أحصد وجب على البائع إزالته و تسليم الأرض إلى المشتري مفرغا لان إبقائه تصرف في ملك الغير بلا رضاه و تسليمها مفرغا شرط ارتكازي كما مر نعم لو كان في البين قرينة على عدم التزام البائع بتسليم المبيع مفرغا إلى مدة معروفة كما إذا باع الأرض المزروعة قبل أو ان حصاده فلا يجوز للمشتري في الفرض قلع الأرض بدعوى ان الأرض مملوكة له بالشراء و له تخليص ملكه من مال الغير و لو بقلع الزرع بالأرش بل لا يجوز له مطالبة الأجرة على بقاء الزرع الى حصاده فإن الإبقاء في الفرض بمنزلة بيع الأرض المستأجرة قبل بيعها.

و الحاصل ان إبقاء الزرع الى أو ان حصاده مجانا بنظر العرف استيفاء لمنفعة الأرض قبل بيعها كما هو الحال في وضع متاع في الدار لا يتمكن على تفريغها منه قبل مدة معروفة بل غير معروفة فيكون نظير بيع العين المستأجرة بعد إجارتها فلا يثبت للمشتري غير خيار الفسخ مع جهله بالحال عند البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 585

..........

______________________________

لا يقال التنظير غير صحيح فان منافع المبيع مع استيجاره قبل البيع غير مملوكة للبائع فينتقل المبيع الى ملك المشترى أو الدار مسلوبة المنفعة و لذا يثبت للمشتري مع جهله بالحال خيار الفسخ خاصة بخلاف المقام فان المفروض فيه أن منافع الأرض مملوكة لبائعها و بالبيع تدخل

في ملك المشترى و مقتضى دخولها في ملكه جواز مطالبته بالأجرة أو بالقلع.

فإنه يقال كما أن الإجارة قبل البيع استيفاء لمنافعها قبل البيع كذلك زرعها و هذا لا يوجب الا ثبوت خيار الفسخ نعم لو كان الأرض تصلح لزرع جديد فعلا يجب على بائعها إزالة ذلك الزرع أو إرضاء مشتريها بالإبقاء بالأجرة أو مجانا.

و مما ذكرنا أنه لا وجه لما ذكره المصنف ره من ثبوت الأجرة على البائع في الفرض و انه يتخير بين الإبقاء بالأجرة أو قلعها تقديما لضرر القلع على ضرر اشتغال ذمته بأجرة منفعة الأرض.

و منها أنه لو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شي ء هدمه البائع بإذن المشترى و على البائع طم ما يطم و يكون الطم ايضا كالحفر بإذن المشتري كما أن على البائع إصلاح ما هدمه أو يعطى أرش المهدوم على اختلاف الموارد فيكون المتعين في بعض الموارد الإصلاح كما في قلع باب أو ساجة منه فإن إصلاحه إعادته إلى موضع قلعه و يكون في بعضها الأخرى الأرش كما هو في هدم الحائط فإن المهدوم من الحائط قيمي فعليه الأرش أي قيمة المهدوم لا التفاوت بين ما يكون الحائط بعضها مهدوما و بين ما لم يكن مهدوما.

و على الجملة قد يكون المهدوم بنظر العرف مثليا و قد يكون قيميا و لو قيل بان المهدوم مطلقا قيمي كان له وجه.

و يظهر منهم في مسألة هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه أقوال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 586

[مسألة لو امتنع البائع عن التسليم فان كان لحق]

مسألة لو امتنع البائع عن التسليم فان كان لحق (1).

______________________________

ثلاثة الإعادة مطلقا كما في الشرائع و المحكي عن المبسوط فيكون مثليا و الأرش مطلقا كما عن العلامة و

التفصيل بين ما كان من نوع واحد و كيفية واحدة كما في حائط البساتين و المزارع و ما كان مختلفا كما في حائط الدور و المخازن فيكون قيميا كما حكى ذلك عن الدروس و الظاهر جريان الاختلاف بحسب الموارد في كسر الباب و الشبابيك و فتق الثوب ايضا من قبيل ما ذكر.

أقول لو توقف تفريغ أمتعة البائع على هدم حائط الدار المبيعة أو كسر بابه أو قلعه فظاهر المصنف ان الهدم و الكسر كطم الحفر و الإصلاح لا يجوز إلّا بإذن المالك و رضاه و مقتضاه انه إذا لم يرض المشترى بذلك يتعين الرجوع الى الحاكم لأنه ولي الممتنع و لكن الأظهر عدم توقف ذلك الى اذن المشترى و رضاه فان التفريغ المزبور شرط ارتكازي في بيع الدار و نحوه نظير اشتراط عدم غبن البائع في بيع ماله غاية الأمر لو لم يكن المشترى عالما بكون الدار مشغولة بمتاع يتوقف إخراجه على كسر بابه و نحوه يكون ذلك في بعض الموارد نقصا في المبيع يوجب الخيار للمشتري.

و ايضا قد تقدم سابقا انه لا دليل على ولاية الحاكم في مثل هذه الموارد.

(1) لو امتنع البائع عن تسليم المبيع و كان امتناعه لحق كما لو امتنع المشترى عن تسليم الثمن فلا يكون البائع بامتناعه المفروض عاصيا لما تقدم من ثبوت الحق له في ذلك و هل عليه أجرة مدة الامتناع فلا ينبغي الإشكال في ضمانه لو استوفى منفعة العين في تلك المدّة و كون استيفائها بلا رضا المشترى محرم تكليفا لان الثابت له الإمساك بالعين لا استيفاء منافعها ايضا و يكون ضمان استيفائها من مقتضى قاعدة احترام مال المسلم.

و انما الكلام في ضمان الأجرة على المنفعة الفائتة

على المشترى في مدة إمساكه و لكن الأظهر عدم الضمان فإن الإمساك بالعين مجانا حتى يبذل المشترى الثمن من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 587

..........

______________________________

الشرط الارتكازي أو من جهة جواز التقاص عن إمساك المشتري بالثمن أو عدم وفائه به كما لا يخفى.

و قد يقال ان على المشترى نفقة المبيع في تلك المدة لأن نفقة العين تابعة لملكيتها فمن كان مالكا لها فعليه نفقتها الا ان يشترط نفقتها على غيره بموجب شرعي من شرط و نحوه و يمكن استفاده كون النفقة على المشترى ما ورد من التعليل في صحيحة أبي ولاد الواردة في إجارة البغل و في جامع المقاصد شبّه المقام بنفقة الزوجة التي تمنع زوجها من نفسها قبل قبض مهرها فان المشهور ان لها الحق من الامتناع حتى تقبض مهرها و ذكروا ان ذلك مقتضى معاوضة البضع و المهر و لما يستفاد من بعض الروايات ان لها هذا الحق كموثقة سماعة قال سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل أ يجوز ان يدخل بها قبل ان يعطيها شيئا قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه.

فان ظاهرها عدم جواز الدخول بها قبل ان يقبضها مهرها و بما ان المطالبة بالقبض من حقوق المرأة قطعا فيختص عدم الجواز بصورة مطالبته و لكن مع ذلك لا يخلو دلالتها على الحكم من تأمل.

ثم هل تستحق المرأة النفقة زمان امتناعها لعدم قبض مهرها ذكروا فيه وجهين أوجههما ان عليه نفقتها فيما كان الزوج متمكنا على أداء مهرها فإنه في هذا الفرض يصدق كونها في اختيار زوجها و كونها عنده هو الموضوع لوجوب الإنفاق في صحيحة محمد بن

قيس الواردة في النفقات الواجبة و اما كون المشترى متمكنا على أداء الثمن أو عدمه فلا أثر له في المقام لما ذكرنا من ان نفقة المال تتبع ملكه فاحتمال جامع المقاصد التفصيل بين المشتري الموسر و المعسر بالإضافة إلى أداء الثمن بلا وجه فقد ظهر إمكان التفرقة في النفقة بين المقامين و لو طلب الانتفاع بالمبيع و هو في يده ففي وجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 588

[الكلام في أحكام القبض]

[مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان]

من أحكام القبض انتقال الضمان (1).

______________________________

اجابته وجهان و لكن الشرط الارتكازي المشار اليه يدفع هذا الوجوب كما لا يخفى.

(1) من الأحكام المترتبة على القبض بمعنى الإقباض انتقال ضمان المال الى المنتقل اليه و لو تلف المال قبل إقباضه يكون ضمانه على ناقله و المراد بالضمان الضمان المعاوضي أى انحلال البيع عند تلفه بحيث يقع التلف في ملك ناقله و مقتضى الانحلال رجوع العوض الى من دفعه بإزاء التالف و يستدل على ذلك مع الغمض عن الإجماع عليه بالنبوي المشهور في كلمات الأصحاب كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و ظاهره كما هو ظاهر كل خطاب الموضوع و الحكم في فعلية الحكم بعد فعلية الموضوع بقيوده أنه بعد تلف المبيع يصير مالا لبائعه و لكن الحكم أي إطلاق المال قرينة على كون المراد أن المبيع عند تلفه أى قبله ملك لبائعه حيث ان التالف بعد تلفه لا يكون مالا و ان فرض كونه ملكا و بذلك الاعتبار يقع مورد المصالحة فيما إذا أتلفه الغير لا أن بدله أى قيمته فيما كان قيميا يقع مورد المصالحة كما صرح بذلك في باب صلح الشرائع و التحرير و الحال ان مقتضى الظهور بقرينة ما

ذكر انحلال المعاملة و رجوع المبيع إلى بائعه انا ما ليكون التالف مالا لبائعه.

و من هنا ذكر في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدد انتقال المبيع إلى بائعه قبل التلف بجزء من الزمان و لو كان ذلك الزمان لا يتجزى و يسمى ذلك ضمان المعاوضة.

و اما ما في المسالك من أن ظاهر النبوي ان التلف يقع على البائع بمعنى انه يكون خسارته عليه كما في موارد ضمان اليد كتلف المغضوب و المال المأخوذ للشراء المعبر عنه بالمستام لا يمكن المساعدة عليه حيث ان ظاهر النبوي ان التالف مال لبائعه لا أنه مال لمشتريه و لكن يكون دركه و ضمانه على بايعه.

و الحاصل ان الضمان بمعنى انحلال البيع بتلف المبيع قبل قبضه حكم شرعي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 589

..........

______________________________

تأسيسى أو إمضائي و ليس بمعنى ثبوت البدل على العهدة ليسقط بإسقاطه بالاشتراط في العقد أو بعده و أوضح من النبوي في كون المراد انحلال المعاملة ما في ذيل معتبرة عقبة بن خالد من انه إذا أقبض المتاع يكون المبتاع ضامنا لحق البائع ليرده عليه فلا وجه لاحتمال كون المراد من الضمان في المقام ضمان اليد و لا يقاس بذلك الضمان في ثبوته و سقوطه بالاشتراط في العقد أو إسقاطه بعده كما لا يخفى.

ثم ان ظاهر المصنف ان استفادة الضمان المعاوضي مبنى على كون من في النبوي بمعنى التبعيض مع أنه غير مبنى عليه بل لو فرض كونها زائدة فالمعنى كما ذكر بل كان أوضح فتدبر.

ثم ان مقتضى قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إمضائه قبل تلف المبيع بيد بايعه و بعده و يدفع اليد عن إطلاقه بالإضافة الى ما بعد

التلف بالنبوي و معتبرة عقبة بن خالد و يبقى إمضائه بالإضافة الى قبل تلفه بحاله فيكون الحاصل أن المبيع بعد البيع الى زمان تلفه ملك المشترى فيكون نمائه له و لا حاجة في إثبات ذلك الى استصحاب بقاء البيع الى ذلك الزمان ليقال انه لا اعتبار بالاستصحاب في الشبهات الحكمية و يلحق بنماء المبيع في ذلك الزمان الركاز أى الكنز الذي يجده العبد بعد بيعه و هو بيد بايعه فإنه إذا تلف العبد قبل تسليمه الى المشتري لا يخرج الكنز عن ملك المشترى و من ذلك المال الذي يوهب للعبد المزبور و قد قبله و أخذ المال قبل موته فيكون المال الموهوب لمشتريه و كذا في المال الموصى به للعبد و قبوله الوصية قبل موته و قد صرح العلامة بأن مؤنة تجهيز العبد لبائعه و هو مبنى على رجوعه إلى بائعه قبل تلفه بآن ملكا حقيقيا لا مجرد الملك التقديري المصحح لانحلال المعاملة فقط من غير ان يترتب عليه سائر آثار ملك البائع.

ثم ان المراد بالتلف ليس هو التلف الحقيقي فقط بل يعم تعذر الوصول الى المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 590

و في التذكرة أيضا لو هرب المشترى (1).

و اما الإتلاف فاما ان يكون من المشترى (2).

______________________________

عادة مثل سرقته بحيث لا يرجى عوده.

و ما ورد في رواية عقبة من فرض سرقة المال محمول على مثل هذه السرقة و وقوع الدرة في البحر قبل إقباضها من قبيل التلف و كذا الطير و الصيد المتوحش فان خروجهما عن اليد يحسب تلفا و اما لو غرق الأرض المبيعة بارتفاع ماء البحر أو وقع عليها صخور من جبل أو كسى الأرض رمل فهي من

قبيل التلف أو التعصيب الموجب للخيار للشافعية وجهان و الأقوى عند العلامة في التذكرة أنه من حدوث العيب.

(1) قال في التذكرة بما حاصله أنه لو امتنع المشترى من دفع الثمن إلى البائع كما هو هرب المشترى قبل دفع الثمن حيث يحصل دفعه بوزنه و كان المشترى معسرا و المبيع بيد بايعه احتمل ان يثبت البائع خيار الفسخ في الحال لتعذر أخذ الثمن المشروط على المشترى و يحتمل ان يثبت في حقه خيار التأخير المشروط بمضي ثلاثة أيام و لكن الأظهر هو الأول فإن الروايات الواردة في خيار التأخير ظاهرها كون المشترى باذلا و إذا كان المشترى الممتنع موسرا رفع البائع أمره الى الحاكم فإن أثبت امتناعه عند الحاكم يدفع الحاكم من مال المشترى الثمن و ان لم يظفر بغير المبيع من مال المشترى باعه و يرد فاضل الثمن على المشترى.

و لكن لا يخفى انه لو تم الموضوع لخيار التأخير فعليه الصبر إلى ثلاثة أيام و في غيره يثبت له خيار الفسخ في الحال بلا فرق بين الموسر و غيره و لا حاجة في الفسخ إلى المراجعة إلى الحاكم الشرعي فإن التقابض شرط ارتكازي في البيوع على ما تقدم التفصيل.

(2) لا ينحل البيع بإتلاف المشتري المبيع و لا يرجع الثمن الى ملكه فإن السيرة العقلائية المشار إليها لا يجري في الفرض و لا يبعد انصراف معتبرة عقبة بن خالد عن هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 591

[مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين.]

تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين (1)

______________________________

الفرض نعم إذا كان المشترى جاهلا بالحال كما إذا قدمه البائع عليه بان له إتلافه مجانا فأكله المشترى فهذا يرجع الى إتلاف البائع تسبيبا و يعم ذلك

حتى فيما إذا كان البائع أيضا مشتبها و يلحق بإتلاف المشتري مثل ما إذا صال العبد المشترى على مشتريه فقتله المشترى دفاعا عن نفسه فلا يكون في هذا انحلال البيع حتى مع جهل المشترى بالحال و لا يجرى فيه التسبيب و قاعدة الغرور و ما عن التذكرة من عدم استقرار الثمن فيه على الأصحّ ضعيف جدّا و على الجملة فإتلاف المبيع المستند إلى المشتري استيفاء لذلك المبيع.

و اما إذا كان الإتلاف من الأجنبي فقد ذكرنا سابقا أنه يلحق بالتلف كما هو مقتضى رواية عقبة بن خالد و لكن هذا فيما إذا لم يكن عادة الرجوع الى ذلك المتلف بالكسر فان هذا الفرض خارج عن الرواية و يكون كإتلاف البائع في أنه يتخير المشترى بالرجوع اليه بالبدل أو فسخ البيع فان تسليم المبيع اليه شرط ارتكازي له على البائع فمع تخلفه يكون له الفسخ على ما تقدم.

و هل يكون للبائع حبس البدل حتى يتسلم الثمن من المشترى فقد يقال ان حبس المبيع كان للشرط الارتكازي و لا يجري بالإضافة إلى بدله و لكن قد أشرنا الى ان حبس المبيع لكونه حبسه نوع تقاص عن إمساك المشترى و امتناعه عن أداء الثمن و لا يختص هذا النوع من التقاص بخصوص المبيع كما لا يخفى.

(1) قد أشرنا الى ان تلف الثمن المعين قبل قبضه يشترك مع تلف المبيع قبل قبضه في أنه يوجب انحلال البيع حيث لا فرق في السيرة العقلائية بين تلفهما في ذلك و يترتب على ذلك انه لو باع المشترى ما اشتراه قبل اقباض الثمن ثم تلف الثمن يرجع البائع إلى المشتري ببدل المبيع مثلا أو قيمة لأن بيع المشترى لوقوعه في زمان ملكه محكوم

بالصحة و اللزوم و يعتبر بيعه النافذ بعد تلف الثمن من إتلاف مال البائع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 592

..........

______________________________

ما تقدم في فسخ ذي الخيار بعد نقل أحد العوضين كما يظهر ذلك من المبسوط و غيره في مسألة من باع شيئا معينا بثمن معين ثم بيع أحدهما قبل تلف الآخر قبل إقباضه و انما الكلام في استفادة ذلك من الروايات فقيل ان المبيع في النبوي يعم الثمن بمعنى ان قوله كل مبيع تلف قبل قبضه بمعنى كل ما تعلق به البيع مثمنا كان أو ثمنا و فيه ان ظاهر المبيع ما تعلق به التمليك بعوض و لا يعم ما تعلق به التملك بعوض.

و ذكر المصنف ره أنه يمكن استفادة ذلك من معتبرة عقبة بن خالد حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه فإنه بناء على رجوع الضمير في لحقه إلى البائع يكون المراد من حقه هو الثمن فالمعنى إذا أقبض البائع المبيع يكون المشترى ضامنا لحق البائع أي الثمن حتى يخرج الثمن إلى البائع كما ان المراد من ضمان المشترى ضمانه المعاوضي بمعنى أنه لو تلف الثمن يرجع البائع بالمبيع كما كان الحال في ضمان البائع بالإضافة إلى المبيع.

لا يقال ضمان المشترى حق البائع أي الثمن بضمان معاوضي قبل القبض لا يختص بصورة إخراج البائع المبيع من بيته بل لو كان المبيع عند بايعه ايضا يكون المشترى ضامنا بالثمن بضمان معاوضي هذا أولا.

و ثانيا لا دليل على كون ضمان المشترى الثمن حتى يرده على البائع ضمان معاوضي بل يحتمل كونه ضمان اليد نظير ما ورد في حديث على اليد من

ان عليه ما أخذه حتى يرده فيكون المراد من الرواية أنه معه اقباض المبيع يكون المشترى ضامنا بالثمن بحيث لو تلف لكان عليه مثله أو قيمته.

و ثالثا يحتمل كون المراد بالضمير في لحقه هو المشترى و حقه عبارة عن المبيع فالمراد ان المبيع بعد إخراج البائع إيّاه عن بيته يدخل في ضمان المشترى الى ان يصل بيده فيكون يرد في قوله حتى يرد ماله عليه بالتخفيف من الورود بمعنى الوصول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 593

ثم انه هل يلحق العوضان في غير البيع (1).

______________________________

فإنه يقال لا ينبغي الريب في ظهور الرواية في رجوع الضمائر الثلاثة إلى مرجع ضمير الفاعل في قوله إذا أخرجه من بيته فيكون حاصل الشرطية في الجواب ان البائع إذا أخرج المتاع من بيته و وقع السرقة بعده فعلى المشترى ان يرد الثمن على البائع و نفى الضمان عنه قبل ذلك لانحلال البيع بالسرقة قبل قبض المتاع فلا نظر في الرواية إلى صورة بقاء المبيع و تلف الثمن بيد المشترى و لا يمكن استفادة انحلال البيع بتلف الثمن قبل قبضه من الرواية فتدبر جيدا.

(1) هل يجرى التلف قبل القبض في غير البيع من سائر المعوضات بان ينحل الإجارة مثلا بتلف الأجرة المعينة قبل قبض المستأجر أو المؤجر أو تلف المصالح عنه أو به قبل القبض الى غير ذلك فقد ذكر المصنف ره ان عموم هذا الحكم مسكوت عنه في كلماتهم نعم ذكروا الضمان قبل القبض لو تلف المهر قبل قبض المرأة و عوض طلاق الخلع قبل أخذ الزوج و كذا في الإجارة و ظاهرهم بطلان المهر و البذل و الإجارة.

و لكن يظهر من بعض مواضع التذكرة ان الجريان و

العموم متسالم عليه بين العامة و الخاصة حيث انه قال في مسألة جواز بيع ما يملكه الشخص بغير البيع قبل قبضه، و ما يكون ملكا له و لكن كان بيد الآخر بيد ضمان بالقيمة أي بضمان اليد كالعارية المشروط فيها ضمان المستعير أو المضمونة لتفريط المستعير أو غيره، أنه يجوز البيع لتمام ملك البائع و هكذا بالإضافة إلى المضمون بالعوض كمال الصلح و الأجرة المعينة لما ذكر من تمام ملك البائع و ان لم يقبض المال و قال الشافعي لا يصح البيع في المضمون بالعوض لاحتمال انفساخ ذلك الضمان بالعوض أى تلك المعاملة بتلف المال قبل قبضه انتهى.

و ظاهر تعليل عدم الجواز باحتمال حدوث الانفساخ في المعاوضة بتلف المال قبل قبضه يعطي أن الانحلال بالتلف قبل القبض متسالم عليه في المعاوضات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 594

[مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه]

لو تلف بعض المبيع قبل قبضه (1).

______________________________

أقول لا دلالة في التعليل المزبور على ان انحلال المعاوضة بتلف المال قبل القبض متسالم عليه عندنا ايضا بل و عند غير الشافعي أيضا فإنه كما يحتمل ان يكون الوجه لجواز البيع عند العلامة الملك مع الالتزام بانحلال المعاوضة كذلك يحتمل ان يكون تمام الملك بمعنى حصوله مع عدم انحلال المعاوضة نعم لا يبعد عموم القاعدة في التلف قبل القبض لما أشرنا إليه من جريان السيرة عليها.

(1) لو تلف بعض المبيع قبل قبضه فان كان البعض مما يقسط عليه الثمن كالمن من الحنطة فيما إذا تلف بعضه فلا ينبغي الريب في بطلان البيع بالإضافة الى ذلك التالف باعتبار كونه مبيعا قد تلف قبل قبضه و يصح بالإضافة إلى بعضه الباقي فإنه مبيع لم يتلف قبل قبضه غاية الأمر يثبت

لكل من البائع و المشترى خيار الفسخ بالإضافة إلى بيع الباقي لتبعض الصفقة.

لا يقال نعم بيع الكلّ ينحل الى بيع أجزائه الخارجية بعضا كما في بيع مثل المن من الحنطة و لكن بيع الجزء الخارجي يكون من البيع الضمني لا الاستقلالي نظير وجوب كل جزء من اجزاء الكل فإنه كما يكون ضمنيا كذلك بيعه في ضمن الكل و الحكم المجعول في الخطاب على بيع شي ء ظاهره ترتبه عليه فيما إذا كان استقلاليا و لذا لا يطلق على بيع الكل البيوع المتعددة.

فإنه يقال انحلال البيع في موارد تقسيط الثمن من قبيل انحلال الحكم في خطاب العام الاستغراقي لا من قبيل الوجوب الضمني في العام المجموعي أو الواجب الارتباطي.

و الحاصل يكون الشي ء في موارد تقسيط الثمن عليه مبيعا حصل بيعه و بيع الآخر بإنشاء واحد و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان الانحلال حكم لتلف المبيع سواء كان بيعه بإنشاء مستقل أم لا نظير ما ذكر في خيار الحيوان من أنه لو باع الحيوان مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 595

..........

______________________________

غيره بصفقة يثبت الخيار في شراء الحيوان إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا بيع حيوان مع حيوان آخر بصفقة واحدة فإنه يثبت في ذلك البيع خيار واحد حيث ان ظاهر خطاب خيار الحيوان ثبوت خيار واحد في إنشاء واحد بالإضافة إلى بيع الحيوان سواء كان الحيوان متعددا أم واحدا.

و ان لم يكن التالف مما يقسط عليه الثمن و لو فرض تقسيطه على جزئه المشاع كما في ثمن العبد فإنه لا يقسط على أعضائه يكون تلف يد العبد مثلا قبل قبضه نظير ما كان للعبد يد واحدة قبل بيعه و يعدّ ذلك عيبا.

و يبقى

الكلام في حكم العيب الحادث في المبيع بعد بيعه و قبل قبضه و يجرى هذا الكلام في العيب الحادث في الأيام التي يكون المبيع فيها في ضمان البائع كأيام الخيار المختص للمشتري فهل يكون التلف المزبور موجبا لثبوت خيار للفسخ للمشتري أو يكون الثابت الأرش فقط أو يثبت للمشتري التخيير بين الرد و الأرش نظير العيب قبل البيع فاختار الأخير المصنف ره في آخر كلامه و وجهه كون المبيع في ضمان البائع قبل قبضه سواء تلف كله أو بعضه أو وصفه.

لا يقال ما ورد في ضمان البائع بالتلف قبل القبض ظاهره تلف العين و معنى ضمانه رجوع العين الى ملكه قبل تلفه بزمان فينحل البيع و يرجع تمام الثمن في فرض تلف المبيع كله أو بعضه في فرض تلف بعضه الى ملك المشترى و هذا بخلاف تلف الوصف فان الوصف لا يقابل بشي ء من الثمن ليفرض عند تلفه انحلال البيع بالإضافة إلى الوصف نعم يقع بإزائه ما يعم غير الثمن حيث ان الأرش لا يتعين ان يكون من الثمن.

فإنه يقال لو صح هذا الاعتراض فلازمه عدم جواز مطالبة المشتري بجزء من الثمن و اما جواز المطالبة بما يعم مساوية فهو داخل في الضمان بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 596

..........

______________________________

انحلال البيع و لكن الصحيح ان الأوصاف التي لا تكون مقومة للمبيع لا تقابل في المعاملة بشي ء لا من الثمن و لا من غيره بل لها دخل في زيادة قيمة المبيع و لذا يجوز للمشتري إمضاء البيع على المعيب بلا أرش و لكن عدم انحلال البيع بتلف الوصف و عدم مقابلته بشي ء لا يلازم عدم ضمان البائع الوصف لان ضمان البائع معناه

تنزيل هذا التلف منزلة التلف قبل البيع و ان الأثر المترتب على التلف قبل البيع يترتب على تلفه بعد البيع و قبل قبضه و حيث ان التلف قبل البيع بالإضافة إلى عين المبيع موجبا لعدم انعقاده فيكون التلف المزبور بعده موجبا لانحلاله على ما مر و التلف قبل البيع في الوصف كان موجبا لخيار الفسخ أو التخير بينه و بين الأرش فيكون تلفه بعد البيع و قبل القبض ايضا كذلك و يؤيد ان الضمان يعم ضمان العين و الوصف بضمان معاملي ما ورد في بعض اخبار التلف في زمان الخيار كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك قال على البائع حتى يمضى الشرط و المراد بالحدث النقض الموجب لجواز الفسخ فقط أو أخذ الأرش أيضا.

لا يقال ليس في البين ما يدل على كون المبيع قبل قبضه في ضمان البائع ليقال بان المراد بالضمان ما يعم الأوصاف و ان ضمانه الوصف نظير ضمانه العين ضمان معاوضي بل الوارد كون تلف المبيع قبل قبضه على بايعه و هذا لا يشمل غير تلف العين و بما ان التسالم على ثبوت جواز الفسخ بتلف الوصف في يد بايعه متحقق يلتزم به و لكن لا وجه للالتزام بجواز أخذ الأرش.

و ما ذكر في ذيل معتبرة عقبة بن خالد فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد عليه ماله يحتمل ضمان المبيع و ان ضمانه بعد تخلية بايعه على المشترى و لو كان تلفه قبل وصوله الى يده و على تقدير رجوعه الى ضمان الثمن فالضمان بمعنى وجوب الرد بقرينة فرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 597

[مسألة الأقوى من حيث الجمع بين الروايات (1)]
اشارة

الأقوى من حيث الجمع بين الروايات (1).

______________________________

تلف المبيع و بقاء الثمن أو كونه على العهدة و لذا ذكرنا ان الضمان لفرض تلف المبيع بعد التخلية.

فإنه يقال قد جمع في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان بين موت العبد و الدابة و حدوث الحدث في ثلاثة أيام من خيار الحيوان و حكم بان الضمان فيها على البائع و إذا كان ضمان البائع بالإضافة إلى التلف من ضمان المعاوضي فيكون ضمانه الوصف ايضا كذلك و لا يحتمل الفرق في هذا الضمان بين كونه أيام خيار خيار الحيوان أو كونه قبل القبض كما لا يخفى.

(1) الأظهر بحسب الروايات عدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية و في صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه و في صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال قال لا يصلح له ذلك و في صحيحة الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموه أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل ان بقبضه قال لا بأس به و قال ان هذا ليس بمنزلة الطعام ان الطعام يكال بناء على ان المراد قبل ان يقبضه من البائع فإنه لو أريد قبض حصته من الشركاء فلا يدل على حكم المقام لان قبض أحد الشركاء المأذون من الباقين يكفي في القبض و لا يبعد كون المراد القبض من بايعه حيث انه لو كان المبيع طعاما يجوز

لمشتريه بيعه و هو في يد شريكه المأذون.

و صحيحة معاوية بن وهب المعبر عنها في عبارة المصنف قده بالرواية قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه الذي قام عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 598

..........

______________________________

و في معتبرة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه فقال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن فان هو قبضه فهو أبرأ لنفسه.

و صحيحة على بن جعفر عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس.

و في رواية حزام بن حكيم بن حزام المروية في المجالس قال ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل ان أقبضه فأردت بيعه فسألت النبي (ص) فقال لا تبعه حتى تقبضه.

و في رواية ابن الحجاج الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترى الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل ان أقبضه قال لا بأس ان تبيع إلى أجل كما اشتريت و ليس لك ان تدفع قبل ان تقبض قلت فإذا قبضته جعلت فداك فعلى أن أدفعه بكيله قال لا بأس إذا رضوا.

و ذكر المصنف ره ان المراد بالاشتراء إلى أجل بنحو النسيئة بقرينة السؤال عن بيعه بعد شرائه قبل قبضه و مقتضى تقييد نفى البأس بقوله كما اشتريت ثبوت البأس في بيعه بغير

التولية.

أقول الرواية كما قبلها ضعيفة لعدم توثيق ابن الحجاج مع انه لم يظهر ان الشراء كان بالبيع نسيئة بل يحتمل الشراء بنحو السلف و لم يثبت عدم التعبير عن السلف و السلم بشراء الشي ء إلى أجل.

و في رواية إسماعيل بن عمر انه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل ان يبيعه بها طعاما إلى أجل.

ثم انه لا ينبغي الريب في ظهور الأخبار المتقدمة منطوقا في بعضها و مفهوما في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 599

..........

______________________________

بعضها الأخرى في عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه و ان البيع إذا كان بنحو التولية فلا بأس سواء باعه من بائعه أو من غيره و لكن في مقابلها روايات يستظهر منها الجواز فيحمل النهي في الاخبار المتقدمة على الكراهة في مقام الجمع منها رواية خالد بن الحجاج الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترى الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل ان أكتاله فأقول أبعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته قال لا بأس و في رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يشترى الطعام ثم يبيعه قبل ان تقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشترى منه يقبضه وكيله قال لا بأس «1» و نحوهما رواية إسحاق المدائني و لكن لا يخفى أنّها مع الغمض عن ضعف إسنادها مطلقة من حيث كون البيع قبل القبض بنحو بيع التولية أو غيره فيرفع عن إطلاق بالمنع الوارد في الروايات المعتبرة المتقدمة عن البيع بغير التولية.

و لكن ربما يحمل الأخبار المتقدمة المانعة على الكراهة بقرينة رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن

رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل ان يكيله قال لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه كما إذا اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع و ما كان من شي ء عنده ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه فان التعبير بعدم الإعجاب ظاهر في صحة البيع المزبور و كراهته و لكن نوقش في هذا الحمل بأن الكراهة عندهم لا تختص بالبيع بغير التولية بل يجرى فيها ايضا و ان كانت الكراهة في التولية أخف.

أقول لو كانت الرواية ظاهرة في الكراهة المصطلحة فلا توجب رفع اليد عن ظهور

______________________________

(1). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود و كذا سائر روايات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 600

..........

______________________________

الأخبار المتقدمة لضعف سندها و لم يثبت الكراهة في بيع التولية.

و يبقى في البين صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها قال لا بأس به إذا وجد ربحا فليبع و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام أنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قال لا بأس.

و لكن لا يمكن رفع اليد بهما عن ظهور الأخبار المتقدمة في المنع فإنه لو لم نقل بانصرافهما على بيع الشي ء على الشجرة كما لا يبعد ذلك بملاحظة الأخبار الواردة في بيع الثمار فلا ينبغي الريب في ان صحيحة محمد بن مسلم مطلقة من حيث كونها على الشجرة و من حيث كونها بنحو التولية كما ان صحيحة الحلبي مطلقة من حيث كونها على الشجرة أم لا.

و لكن يعارضهما موثقة سماعة قال سألته

عن بيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها قال لا حتى يقبضها الا ان يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح أو يوليه بعضهم فلا بأس فإن مقتضاها عدم جواز الثمرة إلا بنحو التولية أو بربح فيما كان البيع بنحو التشريك و يحمل هذه على الثمرة المقطوعة فإن مثل معتبرة منصور قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن الى ان قال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن مقتضاها جواز بيع غير المكيل و الموزون قبل القبض سواء كان ثمرة على الشجرة أو غيرها و مقتضى موثقة سماعة عدم جواز بيع الثمرة قبل قبضها بالمرابحة سواء كانت على الشجرة أم لا فيتعارضان في الثمرة على الشجرة و يؤخذ بالمعتبرة لموافقتها للكتاب العزيز من قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فتكون النتيجة جواز بيع الثمرة على الشجرة قبل قبضها.

و اما إذا كانت الثمرة مقطوعة فلا يجوز بيعها قبل قبضها الا بنحو بيع التولية أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 601

و ربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في بيع السلم على من هو عليه (1).

______________________________

التشريك في النصيب بالمرابحة فتكون الموثقة بعد هذا أخص مطلقا بالإضافة إلى صحيحتي الحلبي و محمد بن مسلم كما لا يخفى.

(1) و حاصل الاستيناس للجواز ان الاخبار الواردة في بيع السلم على المسلم إليه أي بايعه يوجب الجواز في المسألة و وجهه انه قد ورد في تلك الاخبار جواز بيع الطعام المسلم فيه من بايعه ثانيا و إذا جاز بيع الطعام المزبور من بايعه جاز بيع المكيل أو الموزون في مسألتنا

قبل قبضه من بائعه أو من غيره حيث لا يحتمل جواز بيع المسلم فيه من بايعه قبل القبض و لا يجوز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما و فيه انه يمكن الالتزام بجواز بيع المسلم فيه على بايعه قبل قبضه قبل حلول الأجل أو بعده بخلاف غير السلم أى المكيل أو الموزون في مسألتنا بان لا يجوز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما من غير بايعهما.

و اما بيع المكيل أو الموزون من بايعهما قبل قبضهما فهذه مسألة أخرى كما جعل العلامة حيث ذكر ان بيع الشي ء قبل قبضه من غير بائعه جائز عند جماعة و ممنوع عند اخرى و اما بيعه من بائعه فجائز عند الجماعة الاولى و مختلف فيها عند الثانية.

و بالجملة غاية ما يستفاد مما ورد في السلم جواز بيع المكيل أو الموزون من بائعها قبل قبضهما و اما بيعهما من شخص آخر فلا يستفاد جوازه و يظهر ايضا من كلام القائلين بجواز بيع المسلم على بايعه قبل قبضه و من كلام القائلين بعدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما ان مورد الجواز في السلم غير مورد المنع في مسألتنا و ان مورد الجواز في الأول البيع من بايعه و مورد المنع في الثاني البيع من غيره.

ثم لا يخفى أن مورد الجواز في السلم في بيعه من بايعه ثانيا ما إذا كان الثمن في البيع الثاني غير الجنس و اما إذا كان بجنس الثمن فلا يجوز بيعه إلا برأس المال سواء كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 602

و من العجب ما عن التنقيح (1).

ثم ان الظاهر ان أصل عنوان المسألة (2).

______________________________

ذلك قبل حلول الأجل أو بعده فلا حظ

الروايات الواردة فيها كما انه لا يجوز فيه بعد حلول الأجل البيع من غيره بغير التولية إلا بعد القبض فيما كان المسلم فيه مكيلا أو موزونا و اما إذا كان من غير المكيل و الموزون فيجوز بعد حلول الأجل بالتولية أو بغيرها-

(1) يعنى بعد ما ذكر العلامة ره ان بيع غير المقبوض من بايعه مورد أخلاف عند المانعين عن بيعه من غير بايعه لا يتم للتنقيح دعوى الإجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه و لا يناسب ايضا كلام الشيخ (ره) حيث ذكر في المبسوط الإجماع على عدم جواز بيع السلم قبل قبضه مع تصريحه بعدم الفرق بين بيعه من بائعه أم من غيره.

(2) ليس في البين وجه صحيح لاختصاص الحكم في المسألة بالمبيع الشخصي بعد فرض كون المستند في المسألة للمنع أو الكراهة هي الأخبار نعم من يكون المستند له في المنع هو الوجه الاستحسانى يعنى ضعف الملك قبل القبض باعتبار كونه معرض الزوال بتلف المبيع فلاختصاص الوجه بالمبيع الشخصي و عدم جريانه في المبيع الكلى يتعين التخصيص.

ثم بناء على عدم الجواز في المكيل و الموزون في بيعهما قبل قبضهما بغير التولية كما هو مقتضى الجمع بين الروايات يكون عدم الجواز لكونه في المعاملة وضعيا فيحكم ببطلان البيع المزبور و حمله على الحكم التكليفي يحتاج إلى قرينة كما هو الحال في جميع موارد النهى عن البيع و سائر المعاملات.

أقول اعتبار للتقابض في المجلس في بيع الصرف لا يوجب اعتبار قبض الثمن قبل البيع بحيث يبطل بيع الصرف ببيع ذلك الثمن قبل قبضه و لو فرض ان البائع الذي له الدنانير على المشترى باعها من شخص آخر و دفعها المشترى المزبور الى ذلك

الشخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 603

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الثاني هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال]

هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال (1).

______________________________

قبل افتراق البائع و ذلك الشخص تم بيع الصرف.

و استدل في التذكرة على عدم جريان الحكم في ناحية الثمن بصحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل باع طعاما بدرهم فلما بلغ الأجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ منى طعاما فقال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء «1» حيث ان مقتضى التعليل جواز المعاملة على الدراهم المزبورة قبل قبضها بجعلها ثمنا للطعام أو غيره.

و أورد المصنف ره على الاستدلال بوجهين الأول ان مورد الكلام في المسألة جعل الثمن من الدين المكيل أو الموزون قبل القبض مبيعا في البيع الثاني و ظاهر الصحيحة جعل الدراهم في البيع الثاني كالبيع الأوّل ثمنا.

و الثاني ان مدلول الرواية بيع الدراهم على من هي عليه و لا يدخل فيه بيعها على غيره و قد تقدم عدم البأس بالأول و الكلام في المسألة في الثاني.

أقول لا حاجة في الحكم بالجواز في بيع الثمن الكلى قبل قبضه الى هذه الرواية أو غيرها بل هو مقتضى العمومات و إطلاق حل البيع و اما تعليل المنع بضعف الملك قبل القبض فهو و ان يجرى في ناحية الثمن المعين أيضا الا انه كما تقدم وجه استحساني و الا لم يجز البيع في غير المكيل و الموزون ايضا قبل القبض بل كان بيع المكيل و الموزون ممنوعا و لو بالتولية.

(1) قد تعلق النهي في الروايات ببيع المكيل و الموزون قبل قبضهما و يحتمل ان يكون ذكر البيع فيها لكونه الفرد الغالب في الاستبدالات كما يحتمل كون النهى عنه لخصوصية فيه

دون سائرها فالمتعين هو الثاني و كون البيع هو الفرد الغالب في

______________________________

(1). الوسائل ج 13، الباب 11 من أبواب السلف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 604

[الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع]

الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع (1).

______________________________

الاستبدال ينفع فيما إذا كان في البين عموم أو إطلاق و لا أقل من اطمينان بعدم الخصوصية و ليس المقام كذلك.

و قد أشكل في التعدي إلى الثمن فكيف يتعدى الى سائر الاستبدالات و أيضا المأخوذ في متعلق النهى بيع ما اشتراه من المكيل و الموزون قبل قبضهما.

و امّا إذا ملك المكيل أو الموزون بغير الشراء كالإرث أو الجائزة أو الصلح و غيرها و أراد بيعه قبل قبضه فلا يدخل هذا في متعلق النهي في الروايات بل مقتضى إطلاق حل البيع و عموم الوفاء بالعقود جوازه.

نعم ذكر المصنف ره انه لو انتقل ما اشتراه الى الوارث قبل قبضه أو انتقل إلى الزوجة بعنوان الصداق و نحوه و أراد الوارث أو الزوجة بيعه قبل قبضه فيدخل في متعلق النهى و لعل نظره (ره) إلى رواية معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبيعه حتى بكيله أو يزنه حيث ان السؤال في الرواية يشمل ما إذا كان البيع المزبور من الوارث أو الزوجة.

و اما سائر الروايات فمد لولها نهى المشترى عن ان يبيع ما اشتراه قبل قبضه و لا يعم ما إذا انتقل المبيع الى الوارث أو الزوجة فأراد بيعه قبل قبضه.

أقول لو قيل بشمول هذه الصحيحة لما إذا كان البائع في البيع الثاني غير المشتري الأول لما يختص المنع بالموارد

المزبورة بل يعم ما إذا وقع الصلح على المبيع قبل القبض و أراد من انتقل اليه ذلك المبيع بيعه قبل قبضه كما لا يخفى.

(1) إذا كان المكيل أو الموزون معينا خارجا و أراد مشتريه بيعه قبل قبضه فهذا يدخل في المنهي عنه في الاخبار المتقدمة.

و ان أراد مشتريه دفعه وفاء للبيع على الكلي في الذمة كما إذا اشترى صبرة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 605

..........

______________________________

خارجية على انها كذا و كذا صاعا ثم باع المشترى من الآخر بنحو الكلى على العهدة مقدارا من الحنطة يساوى تلك الصبرة و أراد ان يأخذ ذلك الآخر الصبرة المزبورة من البائع الأول فهل أخذ الآخر تلك الصبرة من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ليكون فاسدا بان يبقى المأخوذ في ملك المشترى الأول و ملك ذلك الآخر بعد على عهدة المشتري الأول أو أن النهى في الاخبار لا يعمه الأظهر عدم العموم فإن الأخذ المزبور وفاء للبيع الجاري على الكلى لا من بيع الصبرة قبل قبضها كما لا يخفى.

و الحاصل ان مورد النهى ما إذا كان المبيع المكيل قبل قبضه مبيعا في بيع آخر و يشهد لذلك استثناء بيع التولية في بعض تلك الاخبار حيث ان التولية تتحقق بإجراء البيع الثاني على ما اشتراه أولا بثمن مساو فلا يكون اجراء العقد على ما في العهدة و لو بثمن مساو للثمن في بيع الصبرة من بيع تلك الصبرة تولية- نعم ربما يكون مناسبة الحكم و الموضوع أو غيرها موجبا للظهور في ان المنهي عنه نقل المال بسبب البيع من غير فرق بين كون المال مبيعا في ذلك البيع أو كونه وفاء لذلك البيع كما في النهي عن

بيع أمهات الأولاد و كما إذا نذر أو حلف على عدم بيع عبده لا في مثل المقام الذي لم يظهر فيه ملاك الحكم بل النهى عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه يشبه التعبد المحض.

هذا مع ظهور النقل بالوفاء قبل القبض من بعض الروايات كصحيحة الحلبي التي عبر عنها المصنف (قده) بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث اليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه.

و تقريب الاستدلال ان مقتضى كون الدراهم ملكا لمن عليه الأحمال من الرطب أو التمر ان يكون عوض تلك الدراهم أى ما يشتريه الدائن ملكا لمن عليه الأحمال و قد أذن للدائن أن يتملك ما اشتراه قبل قبضه ذلك المبيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 606

ثم ان هذا كله إذا كان الطعام المشترى شخصيا (1).

______________________________

و الحاصل مدلول الصحيحة أنه لا بأس بأن يتعين ما على الشخص من المال في المكيل أو الموزون الذي لم يقبض.

لا يقال لا دلالة للصحيحة على الجواز فان قول المدين للدائن اشتر بهذه و استوف حقك بمنزلة توكيله في الشراء و القبض للمديون ثم الاستيفاء.

فإنه يقال لا دلالة لقول المدين على التوكيل في القبض للمدين أوّلا فيما كان ما اشتراه الدائن من العين الخارجية.

نعم لا بأس بالالتزام في التوكيل على القبض فيما كان ما اشتراه الدائن كليا لان تعين ذلك الكلى يكون بالقبض للمالك أصالة أو وكالة ثم الاستيفاء أو كان قول المدين في الفرض من إنشاء الحوالة.

و لكن في صحيحة الحلبي الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه

السلام عن رجل أسلفه دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الى بدراهم و قال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال أرى ان تتولى ذلك غيرك و تقوم معه حتى تقبض الذي لك و لا تتولى أنت شرائه.

و في موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له فأرسل إليه بدراهم فقال اشتر طعاما و استوف حقك هل ترى به بأسا قال يكون معه غيره يوفيه ذلك.

و لكن المراد من الصحيحتين بقرينة الاولى منهما الكراهة لكون شراء الدائن من معرض التهمة هذا أولا و ثانيا مدلولهما المنع عن تولى الشراء لا عدم جواز الاستيفاء بعد شراء شخص آخر و قبل قبضه و الكلام في دلالتهما على جواز الشراء و عدم جواز الاستيفاء كما لا يخفى.

(1) الكلام في ان توكيل الدائن في الشراء لنفسه داخل في متعلق النهي في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 607

و استدل في الحدائق على الجواز (1).

______________________________

الأخبار المتقدمة الناهية عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما أم لا ينحصر في شراء الطعام الشخصي و اما إذا اشترى طعاما بنحو الكلى فلا يكون قبض الدائن ذلك الكلي إلا بوجهين أحدهما ان يقع القبض للمديون ثم استيفائه و إقباضه من المديون وكالة أو يكون قول المدين اشتر و استوف حقك من الحوالة إلى ذمة البائع من الدائن و كلا التقديرين محكوم بالصحة حيث ان إقباض المكيل أو الموزون في الأول يكون بعد قبضه بالوكالة و الثاني حوالة جامعة لشرائطها.

و لكن تأمل بعض الأصحاب في الثاني و وجهه ان الاخبار و ان يكون مدلولها عدم

جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما الا ان ذكر البيع بما هو من المعاوضة لا لخصوصية فيه و الحوالة أيضا معاوضة حيث ينتقل بها الكلى على المديون من ملك الدائن إلى المديون بإزاء ما على عهدة البائع حيث ينتقل الى ملك الدائن المحال كما لا يخفى و عليه بما أن ما على البائع غير مقبوض فيكون المعاوضة عليه قبل قبضه.

و أجيب عن ذلك أولا بأن الحوالة ليست معاوضة بل هي استيفاء و تعيين لما على المديون بذمة الغير بحيث لا يكون للدائن الا مطالبة ذلك الغير بل لو فرض كون الحوالة معاوضة فليس مطلق معاوضة المكيل أو الموزون قبل القبض مورد النهى بل الوارد في الروايات النهى عن بيعهما قبل قبضهما الا بالتولية كما تقدم-

(1) و توضيح الحال أنه قد ظهر مما تقدم ان مورد الاشكال ما إذا باع كليا على العهدة سلما أو حالا ثم اشترى البائع المزبور من ثالث مثل ذلك المبيع بنحو الكلى على عهدة ذلك الثالث و قال للمشتري الأول خذ مالك على من ذلك الثالث فان القول المزبور لا بد من كونه بنحو الحوالة أو بنحو التوكيل بان يكون المشترى الأول وكيلا في قبض ما على عهدة الثالث للبائع ثم اقباض المال عنه لنفسه.

و الوجه في ذلك ان ما على عهدة البائع الأول يتشخص بالفرد مع قبض مستحقه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 608

..........

______________________________

لا بالكلي الثابت بذمة الآخر فيحتاج سقوط المال عن عهدة البائع الأول إلى عقد الحوالة أو الوكالة المزبورة.

و لكن نوقش في صحة الحوالة بأنها في مفروض الكلام تستلزم المعاوضة على المبيع المكيل الكلى قبل قبضه حيث ان الحوالة في الحقيقة معاوضة بين

المالين الثابتين في العهدتين فيقع في المسألة المعاوضة بين البائع الأول و مشتريه في الكلي الثابت بعهدة البائع بإزاء الكلي الثابت بعهدة الثالث و بما ان المعاوضة بغير التولية و قبل القبض فلا تصح فينحصر صحة الحوالة بكون المالين على العهدتين من غير المكيل أو الموزون أو كان منهما و لكن كان ثبوتهما على العهدة بغير البيع و الشراء كما إذا اقترض زيد منا من الحنطة من بكر و أقرض عمرا بمن آخر ثم أحال بكرا على عمرو.

و لكن استدل في الحدائق على جواز الحوالة في مسألة ثبوت المكيل و الموزون على العهدة بالبيع و الشراء بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح في بعض و الموثق في بعض عن عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوف كرك فقال لا بأس به قال في الحدائق و هو ظاهر في المراد عار عن وصمة الإيراد.

و ناقش المصنف قده في الاستدلال المزبور بأنه لم يعلم ما على المديون من الكر من الطعام كان مبيعا و لعله كان من القرض أو الضمان كما أنه لم يعلم بان المديون جعل في حوالته الطعام المشترى معوضا و ما على ذمته عوضا بل يحتمل كون ما على ذمته في الحوالة معوضا و ما على ذمة البائع منه عوضا و المنع عن بيع المكيل أو الموزون و المعاوضة عليهما قبل قبضهما يختص بما إذا كان ذلك المكيل أو الموزون مبيعا لم يقبض و لا بأس بجعله ثمنا في المعاملة كما تقدم.

و لكن استوجه الاستدلال بعد ذلك بان الحوالة فعل المديون و المديون

يجعل ما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 609

[الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع الى من عليه طعام]

ذكر جماعة أنه لو دفع الى من عليه طعام (1).

______________________________

يملكه بذمة الآخر ملكا لدائنه بإزاء ما يملكه الدائن على عهدته فما يملكه المحيل من المال المحال به معوض و ما يملكه المحتال على المحيل عوض في تلك المعاوضة و لذا يعتبر في الحوالة المتفق على صحته ان لا يكون المال المحال به من المبيع المكيل أو الموزون.

و الحاصل احتمال ان يكون ما على عهدة المحيل معوضا و ما له على ذمة المحال عليه عوضا بان يكون فعل المحيل إنشاء تملك ما بذمته بإزاء ما له على عهدة المحال عليه و يشبه إنشاء الحوالة بإنشاء الشراء قبل إيجاب البائع فيكون إنشاء المحتال تمليكا ضعيف لانه كما ذكرنا ان الحوالة ينسب الى المحيل لا الى المحال.

أقول لا يخفى تمام الاستدلال حتى على عدم كون ما على المحال عليه معوضا في الحوالة فإن مقتضى ترك الاستفصال في الجواب عن كون ما عليه من الكر مبيعا أو ثابتا على عهدته بغير البيع جواز الحوالة على كلا التقديرين كما أن ترك الاستفصال عن كون ما اشتراه من الكر كليا على العهدة أو شخصا خارجيا جواز الحوالة و جواز اقباض ما اشتراه قبل قبضه.

و أما مسألة التوكيل في القبض للمديون و الإقباض عنه لنفسه فلا ينبغي التأمل في جوازه و لا يضر اتحاد المقبض و القابض و لو قيل بعدم جواز اتحاد الموجب و القابل في العقود مع أنه جائز أيضا إلا في عقد النكاح في بعض الفروض و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) إذا قال لدائنه هذه الدراهم اشتر بها لنفسك طعاما يكون القول المزبور ظاهرا بقرينة ما هو

مرتكز في أذهان أبناء المعاملات انه يكون المبيع ملكا لمن يخرج عن ملكه ثمنه في أحد أمرين:

الأول توكيل الدائن ان يشترى الطعام للمديون ثم يتملك ما اشتراه عن المديون وفاء لما بذمة المديون أو حوالة و لذا لا يفرق بين كون ما يشتريه الدائن شخصيا أو كليا.

الثاني ان يكون ما يشتريه الدائن لنفسه بان يكون ثمن ما يشتريه بذمته و يعطى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 610

[مسألة لو كان له طعام على غيره]

مسألة لو كان له طعام على غيره (1).

______________________________

الدراهم المزبورة للبائع منه وفاء بدينه بمال الغير و لكن الشرط في الوفاء بما في ذمته بالدراهم سقوط ما على المديون من الطعام و هذا ايضا لا بأس به.

و اما التوكيل في تمليك الدراهم ثم الاشتراء بها فهو و ان لا بأس به الا أنه خارج عن الظهور العرفي للكلام المزبور.

(1) إذا كان له طعام على غيره و كذا ما كان غير الطعام من سائر المكيل أو الموزون فطالب المديون في غير مكان حدوثه بذمته ففيه صور.

الاولى ما إذا كان الطعام أو غيره بذمته ببيعه سلما كما إذا أسلفه طعاما في بلد من العراق فطالبه في غير بلد آخر مع عدم اشتراط التسليم في ذلك البلد الآخر فإنه مع عدم الاشتراط يكون مقتضى إطلاق العقد في موارد كون المتاع مختلفة في القيمة بحسب البلاد أو مؤنة النقل انصرافه الى بلد العقد.

و على ذلك فلا ينبغي الريب في أنه لا يجب على المديون أدائه في ذلك البلد الآخر و إذا لم يكن للدائن المطالبة بنفس الطعام فيه لم يكن له المطالبة بالقيمة بحسب ذلك البلد الآخر بطريق أولى فإن المطالبة بالقيمة على تقدير جوازه فرع جواز المطالبة بنفس

ما على الذمة من المثل.

نعم يقع الكلام في أنه يجوز للمشتري مطالبة البائع بقيمة الطعام بحسب بلد استحقاق التسليم في ذلك البلد الآخر مع رضا البائع أو بدونه فإنه يظهر من الشيخ قده أنه لم يجز للمشتري المطالبة بتلك القيمة و تراضيهما بها فإن التراضي المزبور يدخل في بيع الطعام قبل قبضه.

و ذكر المصنف قده ان ما ذكر الشيخ (قده) حسن لو كان المراد من تراضيهما جعل ما على الذمة مبيعا و القيمة ثمنا أو كان المراد من بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما في الاخبار المنهي عنه مطلق الاستبدال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 611

..........

______________________________

و اما إذا كان المراد في الاخبار المنهي عنه خصوص البيع و لم يحمل التراضي على جعل القيمة ثمنا و ما على الذمة مبيعا بل احتمل ان يكون التراضي بكون القيمة مبيعا و ما على الذمة ثمنا فلا بأس بالتراضي على القيمة لكن الظاهر من القيمة كونها ثمنا و ما على العهدة معوضا فيدخل التراضي المزبور في الاخبار المنهي عنه.

و الحاصل ما ذكر الشيخ من عدم الجواز مبنى على أحد الأمرين انصراف التراضي المزبور بكونه بيعا لما على العهدة بإزاء القيمة أو كان المنهي عنه في الاخبار المانعة مطلق الاستبدلال.

أقول قد تقدم أنه يجوز بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما من بايعهما غاية الأمر يعتبر أن يكون العوض من غير جنس الثمن الأول و مع اتحاد الجنس يعتبر عدم اختلاف الثمنين بالزيادة و الاخبار المنهي فيها عن بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما الا بالتولية ناظرة إلى بيعهما من غير بايعهما.

هذا بالإضافة إلى صورة التراضي بأخذ القيمة و اما مع عدم رضا من عليه المال فلا يجوز

للمشتري الا الصبر و التسلم بالمال في بلد التسليم أو فسخ الشراء و المطالبة بثمنه كما هو الحال في تعذر التسليم في السلم و هذا فيما حسب تأخير التسليم الى بلد الاستحقاق لطول زمانه تخلفا لشرط التسليم في زمان الاستحقاق كما لا يخفى.

و الحاصل انه لم يثبت جواز الأخذ بالقيمة في السلم مع تعذر التسليم ليجري في المقام ايضا.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو لم يختلف البلدان بحسب القيمة و مؤنة النقل و لكن كان المشروط للمشتري التسليم في أحدهما المعين فللمشتري إسقاط شرطه و المطالبة بالمبيع في البلد الآخر و مع عدم إسقاط شرطه يجوز له فسخ الشراء في مورد تخلف البائع الشرط عليه كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 612

..........

______________________________

و ايضا ظهر الحال ما إذا كان المثلي الثابت على الذمة قرضا فإنه مع اختلاف البلاد في القيمة و مؤنة النقل يكون الثابت على العهدة مع إطلاق عقد الاقتراض هو بلد القرض فلا يجوز للمقرض مطالبة المقترض بالمال في البلد الآخر الا مع تراضيهما و بدون رضى المقترض يثبت له حق المطالبة بقيمة بلد الاقتراض بناء على جواز المطالبة بالقيمة في المثلي حتى في مثل هذا التعذر.

و يلحق بذلك الصورة الثالثة و هو ما إذا كان المثلي على الذمة للغصب و لو قلنا بجواز أخذ القيمة و لو مع عدم التراضي يكون الملاك في القيمة قيمة الشي ء في بلد الاقتراض أو الغضب يوم الدفع لا بقيمته يوم الاقتراض أو الغصب لان الملاك بالقيمة يوم الاقتراض أو الغصب المستفاد من صحيحة أبي ولاد ينحصر بضمان القيمي لا المثلي المتعذر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

قد وقع الفراغ يوم الرابع و العشرين من

شهر شعبان المعظم سنة 1405 بيد مؤلفه جواد بن على غفر اللّٰه لهما و عاملهما بلطفه الكريم انه غفور رحيم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.